وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الحجر - تفسير الآيات 16 – 19 خرق نظام الكون لا يفيد الكافر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . 

 

خرق نظم الكون لا يفيد الكافر شيئاً :


أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثالث من سورة الحجر ، بسم الله الرحمن الرحيم  : وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14)لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ(15)وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ .. فما العلاقة بين هاتين الآيتين ؟

الآية الأولى كما فسرت في الدرس الماضي أن الله سبحانه وتعالى يقول : لو أن الله عز وجل فتح لهؤلاء الكفار المعاندين باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون إلى السماوات السبع ، ومن خلال عروجهم في السماوات السبع رأوا آيات الله كلها ﴿ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ(15)﴾ أي خرق نظم الكون لا يفيد الكافر شيئاً ، المعجزات التي تعتمد على خرق نظم الكون لن تحمل الكافر الذي أصرّ على كفره ، والذي أراد أن ينقاد لهوى نفسه لن تحمله على الإيمان ، ما الذي يحمله على الإيمان ؟ أن يفكر في خلق السماوات والأرض ابتداءً ، مبادرة ، فالعلاقة بين الآيتين : ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ .. بدل أن تطلبوا الملائكة ، أو أن تعرجوا في السماء ، أو أن يعود الميت حياً فيتكلم ، بدل أن تطالبوا النبي عليه الصلاة والسلام بالمعجزات فكروا في خلق السماوات والأرض ، الطريق أن تفكر في ملكوت السماوات والأرض . 


التفكر في ملكوت السماوات والأرض :


في الكون آلاف المعجزات ، خلق السماوات والأرض معجزة ، والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه الكرام: حسبك الكون معجزة ، الكون وحده ، حسبك الكون معجزة، فربنا عز وجل يقول  : ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ﴾ .. كلكم يعلم أن الأرض تدور ، تدور حول نفسها في أربع وعشرين ساعة تقريباً ، ثلاث وعشرون ساعة وستمئة وأربعة وثلاثون جزءاً من الألف من الساعة في اليوم الواحد ، والأرض تدور حول الشمس في ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً وثلاثة وعشرين بالمئة – وربع- هذه الأرباع تجتمع فتكون السنة الكبيسة ، والأرض لها دورات كثيرة ، تدور حول نفسها ، وحول الشمس ، ومحورها المائل يدور حول نفسه في كل خمسة وعشرين ألف سنة دورة ، وفي أثناء دورته يشكل أقواساً صغيرة ، كل قوس يستغرق ثمانية عشر عاماً ، وهذا المحور المائل تتغير درجة ميلانه من أربع وثلاثين إلى اثنتين وعشرين درجة في كل أربعين ألف سنة مرة ، ودورة الأرض حول الشمس تشكل مستوى ، هذا المستوى يدور حول نفسه في كل ألف ومئة عام دورة ، وهناك دورات لا تعد ولا تحصى .

يعنينا من هذه الدورات دورة الأرض حول الشمس ، في كل شهر يظهر لسكان الأرض برج من الأبراج ، فربنا عز وجل يقول في سورة أخرى :

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)  ﴾

[ سورة البروج ]

أي هذه السماء الدنيا التي نحن بصددها حينما تدور أرضنا حول الشمس تنتقل عبر دورتها من برج إلى برج ، فهناك برج الحمل ، وبرج الثور ، وبرج الجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت ، سميت هذه الأبراج بهذه الأسماء لأن هذا البرج يشبه العقرب ، وهذا البرج يشبه الثور ، وهذا البرج يشبه الحوت ، وهذا البرج يشبه الميزان ، وربنا عز وجل قال : ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ ، لو أن الإنسان له إلمام بالفلك ، أو له رغبة في تحديد الأبراج لعرفها من خلال بعض الكتب ، بعض الكتب ترسم لك البرج ، وأنت ما عليك إلا أن تنظر إلى قبة السماء في الشهر الفلاني فترى البرج كما صوره القدماء بهذا الشكل الذي سموه به.

فربنا عز وجل جعل السماء ذات أبراج ، والأرض تدور حول الشمس ، وتمر على هذه الأبراج برجاً بُرجاً ، في كل شهر برج . 

وبعضهم قال : الأبراج هي المجموعة الشمسية ، عطارد ، والزهرة ، والشمس ، والمريخ ، والمشتري ، وزحل ، أي نظرة سريعة لهذه النجوم التي تشكل بمجموعها المجموعة الشمسية ، عطارد ، يومه ثمانية وثمانون يوماً من أيام الأرض ، أي يدور حول نفسه في ثمانية وثمانين يوماً ، لو أن الأرض كذلك ، أي أن النهار أربع وعشرون ساعة ضرب ثمان وثمانين ماذا نفعل طوال النهار ؟ كم مرة سوف ننام ؟ كيف ننظم حياتنا ؟ من يعمل ؟ من لا يعمل ؟ من يزعج ؟ من لا يزعج ؟ عطارد يومه ثمانية وثمانون يوماً أرضياً .

الزهرة يومها غير معروف ، لكن سنتها مئتان وأربعة وعشرون يوماً ، أما المريخ فسنته سنة وثمانية وثمانون بالمئة ، أي حوالي سنتين تقريباً .

المشتري يومه تسع ساعات ، وسنته أحد عشر عاماً ، إلى أن يدور المريخ حول الشمس دورة يستغرق أحد عشر عاماً .

وزحل يومه عشر ساعات ، وسنته تسعة وعشرون عاماً .

أورانوس يومه عشر ساعات ، وسنته أربعة وثمانون عاماً ، أي إذا عاش شخص ما ثمانين سنة على أورانوس يحصّل ربيعاً واحداً ، وصيفاً واحداً ، وشتاء واحداً ، وخريفاً واحداً فقط ، أي إذا شخص عاش خمسين سنة يقول : والله سمعت بالربيع لكن لم أره أبداً ، ما حصلته ، هذا من فضل الله علينا .

ونبتون يومه خمسة عشر ساعة ، وسنته مئة وأربعة وستون عاماً .

وأما بلوتو فسنته مئتان وثمانية وأربعون عاماً تستغرق دورة هذا النجم حول الشمس .

بعضهم قال : الأبراج هي نجوم المجموعة الشمسية ، وبعضهم قال : الأبراج المعروفة التي عرفها الفلكيون من قبل ، وصوروها ، وسموها بأسماء مشابهة للحيوانات التي سميت بها .

 

الزينة مستهدفة من قِبل الله عز وجل :


ربنا عز وجل قال  : ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ .. أي الزينة مستهدفة من قِبل الله عز وجل . 

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)  ﴾

[  سورة النحل  ]

أحياناً يركب الإنسان فرسه فيتباهى به ، يركب فرسه لا لينتقل من مكان إلى مكان ، بل ليظهر أمام الناس في هذه الزينة .

﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5 ﴾) 

[ سورة الملك ]

فكلمة ( زينة ) في السماء وفي الأرض إذاً أن الجمال مستهدف من الله عز وجل ، كأن الله يحب العبد النظيف ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  :

(( عن سهل ابن الحنظلية الأنصاري  ، عن قيسٍ التَّغلبيِّ وكان جليسًا لأبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه بدِمَشْقَ- أنَّه كان رجُلٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقالُ له : ابنُ الحَنظليَّةِ الأنصاريُّ ، وكان رَضِيَ اللهُ عنه رجُلًا متوحِّدًا قلَّما يُجالِسُ الناسَ ، إنَّما هو في الصَّلاةِ ، فإذا انصرَفَ فإنَّما هو تسبيحٌ وتهليلٌ وتكبيرٌ حتَّى يأتيَ أهلَهُ ، قال : فمرَّ بنا يومًا ونحنُ جُلوسٌ عِندَ أبي الدَّرداءِ ، فسلَّمَ ، فقال له أبو الدَّرداءِ : كلمةٌ ينفَعُ اللهُ بها ولا تضُرُّكَ ، فقال : بعَثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سريَّةً ، فلمَّا قدِمَتْ جاء رجُلٌ حتَّى جلَسَ في المجلِسِ الذي فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فقال لرجُلٍ إلى جنْبِهِ : لو رأيْتَنا حينَ لَقِينا العدُوَّ ، فطعَنَ فلانٌ فلانًا ، فقال : خُذْها وأنا الغلامُ الغِفاريُّ ، كيف ترَى ؟ قال : ما أراهُ إلَّا قد أبطَلَ أجْرَهُ ، قال آخَرُ : ما أرى بأسًا؛ فتنازَعوا في ذلكَ حتَّى سمِعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فقال : سُبحانَ اللهِ! لا بأسَ أنْ يُحْمَدَ ويُؤْجَرَ ، قال : فَسُرَّ بذلك أبو الدَّرداءِ ، وجعَلَ يقولُ : أأنتَ سمِعْتَ هذا مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ؟ قال : فجعَلَ يقولُ : نعم ، حتَّى إنِّي لَأَقولُ وهو يرفَعُ رأسَهُ إليه : لَيَبْرُكَنَّ على ركبتَيْهِ ، قال : فمرَّ بنا يومًا آخَرَ ، فسلَّمَ ، فقال له أبو الدَّرداءِ : كلمةٌ تنفَعُنا ولا تضُرُّكَ ، قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُنفِقُ على الخيلِ في سبيلِ اللهِ كالباسِطِ يدَيْهِ بالصَّدَقةِ ولا يَقبِضُها ، قال : فمرَّ بنا يومًا آخَرَ ، فسلَّمَ ، فقال له أبو الدَّرداءِ : كلمةٌ تنفَعُنا ولا تضُرُّكَ ، قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : نِعْمَ الرجُلُ خُرَيْمٌ الأسديٌّ لولا طولُ جُمَّتِهِ ، وإسبالُ إزارِهِ ، قال : فبلَغَ ذلك خُرَيْمًا؛ فأخَذَ شَفرةً ، فقطَعَ شَعرَهُ -جُمَّتَهُ- إلى أنصافِ أُذنَيْهِ ، ورفَعَ إزارَهُ إلى أنصافِ ساقَيْهِ ، قال : ثمَّ مرَّ بنا يومًا آخَرَ ، فسلَّمَ ، فقال له أبو الدَّرداءِ : كلمةٌ تنفَعُنا ولا تضُرُّكَ ، فقال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : إنَّكم قادمونَ غدًا على إخوانِكم؛ فأصلِحوا رِحالَكم ، وأصلِحوا لِباسَكم ؛ حتَّى تكونوا كالشَّامَةِ في الناسِ؛ فإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ ولا التَّفحُّشَ.  ))

[ ابن حجر العسقلاني  : الأمالي المطلقة :  خلاصة حكم المحدث  : حسن ]

كأن الله سبحانه وتعالى يحب من العبد أن يكون مطّهراً ، أو طاهراً ، نظيفاً ، ذا رائحة طيبة ، هندامه حسن ، ثيابه أنيقة ، حينما أقول أنيقة لا أعني أن تكون غالية الثمن ، لا والله ، إذا اشتريت ثياباً فاجعلها مقبولة ، سيدنا عمر نهى عن لبستين ، نهى عن لبسة مهجورة ، ونهى عن لبسة مشهورة ، فكلمة : ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ أي منظر السماء منظر بهيج ، منظر جميل ، منظر ممتع ، هذه المتعة مستهدفة من قِبل الحق جلّ وعلا . 

لماذا لا يكون محلك التجاري منظماً ، مرتباً ، نظيفاً ، أنيقاً ، فيه نظام ، فيه توزيع نوعي للبضاعة ، لماذا ؟ فالترتيب والتنظيم والتزيين في الحدود المعقولة هذا من واجبات المسلم. 

 

شؤون السماء والملائكة والجن أشياء لا نعرفها إلا بالقدر الذي ذكره الله لنا :


﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17) إِلَّا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ﴾ .. طبعاً هذا من اختصاص الله سبحانه وتعالى ؛ شؤون السماء ، شؤون الملائكة ، شؤون الجن ، هذا شيء لا نعرفه إلا بالقدر الذي ذكره الله لنا فيه ، مثلاً في الكون قال تعالى  :

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)  ﴾

[ سورة الشمس  ]

قال تعالى :

﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)  ﴾

[ سورة الشمس  ]

لكن الكون فيه مجرات أخرى ، فيه درب التبانة ، فيه المرأة المسلسلة ، فيه مجرة ماجلان ، هذه لم تذكر ، الله عز وجل ذكر شيئاً ، وترك لك بقية الأشياء ، ذكر لك آية على وجه المثال لا على سبيل الحصر . 

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)  ﴾

[ سورة يونس ]

أمرك أن تنظر ماذا في السماوات والأرض ، ذكر الزيتون ، ذكر النخل ، ذكر الرمان ، ولم يذكر التفاح مثلاً ، هل أنت مكلف أن تفكر في التفاح ؟ نعم .

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)  ﴾

[ سورة عبس ]

والتفاح من الطعام ، في الكون ذكر الله شيئاً ، وترك لنا بقية الأشياء ، ذكر لنا هذا الشيء لا على سبيل الحصر ، بل على سبيل المثال ، لكنه في شؤون الغيب الذي ذكره هو المصدر الوحيد لمعرفة ما في السماوات والأرض ، هذه شؤون مغيبة عنّا ، مصدرها الخبر الصادق :

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)  ﴾

[ سورة النساء ]

الشهب لها تفسير علمي لا يتناقض مع التفسير القرآني ، كوكب هش انتهت حياته ، خرج من مداره ، وصل إلى جو الأرض ، احتكاكه بطبقة الهواء جعلته يتشهب ، ثم يتلاشى ، هذا التفسير العلمي للشهب .

والعلماء فرقوا بين الشهب والنيازك ، النيزك تصل كتلته إلى الأرض ، بينما الشهاب يتشهب ، ويتلاشى في جو السماء ، لا يصل منه شيء إلى الأرض ، إن وصل فهو نيزك ، وإن لم يصل فهو شهاب ، هذا التفسير العلمي يتكامل مع التفسير الديني ، كالزلزال مثلاً ، ربنا عز وجل قال :

﴿ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)  ﴾

[ سورة الحجر ]

أي الله عز وجل أهلك قوم لوط بهذه الطريقة ، ﴿ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾ ولكن الزلزال له تفسير علمي ، التفسير العلمي يتكامل مع التفسير الديني . 

فربنا عز وجل فيما يبدو من هذه الآيات أن الشياطين على وجه الخصوص محظور عليهم أن يصلوا إلى السماء ، مجال عملهم الأرض ، والسماء موطن الملائكة ، والملائكة من نوع ، والجن من نوع آخر ، لذلك لا يسمح للجن أن يصلوا إلى السماء فيسترقوا السمع ، الله عز وجل جعل السماء محفوظة من أن يصل الجن إليها ، وبما أن الجن مخلوقات تتميز بسرعة الحركة حينما قال الله عز وجل يتحدى الإنس والجن :

﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)﴾

[ سورة الرحمن  ]

بدأ بالجن لأنها أقدر على خرق السماوات والأرض ، وحينما قال الله عز وجل  :

﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾

[  سورة الإسراء ]

بدأ بالإنس لأنها أقدر على صياغة اللغة . 

إذاً الجن طبيعة هذه المخلوقات طبيعة تتحرك بسرعة :

﴿ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)﴾

[  سورة النمل  ]

يبدو أن الجن لو أراد أحدهم أن يصعد إلى السماء ليسترق السمع ، ليعرف أسباب الوحي ، أسرار الملائكة ، مهمات الملائكة ، هذا ممنوع عنه ، لذلك لو أنه حاول أتبعه شهاب ثاقب أحرقه ، على كلٍّ لا نملك في هذا الموضوع إلا هذه الآيات المحدودة التي ذكرها الله عز وجل . 

 

أكبر عقاب يناله الإنسان المسيء أن يطرد من رحمة الله :


﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)﴾ .. ومعنى رجيم بمعنى مرجوم ، وزن فعيل في اللغة بمعنى مفعول ، تقول : جريح بمعنى مجروح ، قتيل بمعنى مقتول ، شهيد بمعنى مشهود ، وزن فعيل فيه معنى مفعول ، فهذا الشيطان رجيم بمعنى مرجوم ، ومعنى مرجوم أي مبعد عن حضرة الله سبحانه وتعالى .

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)  ﴾

[ سورة المطففين  ]

أي أكبر عقاب يناله الإنسان المسيء أن يطرد من رحمة الله ، أن يبعد عن ذات الله المقدسة ، البعد هو الشقاء ، والقرب هو النعيم ، فلذلك هذا الشيطان رجيم ، أي مرجوم ، أي  مبعد عن الله سبحانه وتعالى ، وكفى بهذا شقاءً للشيطان . 

 

مسالك اليقين :


﴿ وَحَفِظْنَاهَا – هذه السماء - مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)إِلَّا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ(18)﴾ إن حاول أحد الجن أن يسترق السمع حينما يسمّع إلى الملأ الأعلى ، الملائكة الذين أوكلهم الله بمهمات هذه المهمات لا يستطيع الجن أن يسمّعوا إليها ، لو فعلوا ذلك لأتبعهم شهاب مبين فأحرقهم . 

تكلمنا في دروس سابقة ولاسيما في دروس العقيدة أن مسالك اليقين أربعة مسالك ، مسلك اليقين الحسي ، ومسلك الاستدلال العقلي ، ومسلك اليقين الإخباري ، ومسلك الإشراق الروحي ، فاليقين الإخباري هذا مسلك صحيح ، فأنا أؤمن بالجن والملائكة ، وأن هذه الشهب حينما يصعّد أحدهم إلى السماء يأتيه شهاب فيحرقه من خلال اليقين الإخباري الذي أخبرني الله به في هذا الموضع ، وفي مواضع أخرى من كتاب الله .

لا تنسوا أن من هذه الأبراج برج العقرب يشبه العقرب تماماً ، وأن في هذا البرج نجماً أكثر تألقاً ، وأميل إلى اللون الأحمر سماه علماء الفلك : قلب العقرب ، وأن قلب العقرب قدّر علماء الفلك حجمه بحجم الأرض والشمس مع المسافة بينهما ، ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)إِلَّا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ(18)﴾ هذا هو البديل لطلب المعجزات من النبي عليه الصلاة والسلام .

 

في الأرض والسماء آيات لا تعد ولا تحصى للموقنين :


﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14)لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ(15)﴾ هذا الطريق مسدود ، هذا الذي تعرض عليه المعجزة ، وهو لا يريد الهدى لن يؤمن بها ، لكن الذي يريد أن يهتدي فإن في الأرض وفي السماء آيات لا تعد ولا تحصى للموقنين .

لو تركنا السماء ، السماء بنجومها ، وكواكبها ، وأبراجها ، وشمسها ، وقمرها ، ومذنباتها ، وكويكباتها ، ومجراتها الكبيرة ، وكازاراتها ، والسماء بثقوبها السوداء ، هذا الموضوع الذي كشفه العلماء حديثاً ، مناطق ذات ضغط يفوق حدّ التصور ، لو أن الأرض بأكملها دخلت في هذا الثقب الأسود لأصبحت بحجم البيضة مع بقاء وزنها هو هو .

بعضهم قال : البروج هي مطلق النجوم ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ وبعضهم قال  : البروج مواقع النجوم ، والله سبحانه وتعالى يقول  :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76) ﴾

[ سورة الواقعة  ]

مواقع النجوم المسافات البينية بين النجوم ، بعض المسافات ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية ، أحدث مجرة كشفت تبعد عن الأرض ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية ، علماً بأن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية ، فالقمر يبعد عنّا ثانية ضوئية واحدة ، أي الضوء يجتاز المسافة بين الأرض والقمر في ثانية ، الشمس ثماني دقائق ، قطر المجموعة الشمسية ثلاث عشرة ساعة ، أقرب نجم إلينا القطب أربعة آلاف سنة ضوئية ، وهناك مجرات تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ، وهناك مجرات تبعد عنا ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية ، واللهِ هذه آية كبيرة ، إذاً : ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾ هذا معنى ، ما من نجم في السماء إلا وله فلك يسير خلاله ، لذلك ربنا عز وجل وصف السماء بوصف جامع مانع فقال  :

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)  ﴾

[ سورة الطارق  ]

وهناك ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ ، الرجع بمعنى أي نجم يدور دورة ويرجع إلى مكان انطلاقه ، ويدور دورة ، في عام 1910 رأى سكان الأرض مذنب هالي ، وفي عام 1986 رأى أهل الأرض مذنب هالي مرة أخرى ، هذا المذنب ينطلق من مكان ما ليرجع إلى المكان نفسه ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ .

معنى مواقع النجوم أي الأماكن المتعددة التي تمر بها في خلال دورتها حول كوكب آخر .

 

الآية التالية برهان على أن الأرض كرة :


﴿ وَالْأَرْضَ﴾ الآن إذا انتقلنا من السماء إلى الأرض : ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾ .. يا سبحان الله ! الخطوط كلها على الأرض ممتدة ، أينما سرت رأيت الطريق أمامك مفتوحاً ، لو سرت إلى جهة الغرب ترى البحر ، لو ركبت سفينة لوجدت الطريق مفتوحاً تصل إلى أوربا ، ثم إلى الأطلسي ، ثم إلى أمريكا ، وبعدها تصل إلى المحيط الهادي ، ثم إلى شرق آسيا ، الطرق كلها ممتدة ، ولا تتوافر هذه الخاصة إلا في شكل هندسي واحد ، وهو الكرة ، أي شكل هندسي آخر الخطوط تنتهي ، في المكعب تنتهي الخطوط ، في متوازي المستطيلات تنتهي الخطوط ، في الموشور تنتهي الخطوط ، في الأسطوانة تنتهي الخطوط ، في القطع الناقص تنتهي الخطوط ، في الهرم تنتهي الخطوط ، أما في الكرة فالخطوط كلها متصلة ، هي الشكل الهندسي الوحيد الذي لا تنقطع فيه الخطوط ، ربنا عز وجل قال : ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾ بعض العلماء - سامحهم الله - ظنوا أن هذه الآية ردّ على من زعم أن الأرض كروية ، هكذا قرأت في التفسير ، مع أن هذه الآية برهان على أن الأرض كرة ، هذه الآية بالذات برهان على أن الأرض كرة .


الجبال آية من آيات الله سبحانه وتعالى :


﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا - ممتدة - وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾. . هذه الجبال آية من آيات الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) ﴾

[ سورة المرسلات ]

أي الأرض تدور ، تدور حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو مترًا في الثانية ، إذا أراد أحدهم أن يعمل حساباً بالأرض منذ أن حضر الدرس وحتى انتهى هذا الدرس والله لا أدري كم مئة ألف كيلو متر الآن نحن قد قطعنا من أول الدرس حتى الآن ، من أول ما قلت : بسم الله الرحمن الرحيم حتى هذه الساعة لا أدري كم مئة ألف كيلو متر  قطعناها نحن جميعاً ، شيء ثابت :

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾

[  سورة النمل  ]

الآن المجموعة الشمسية تدور حول مركزها في المجرة بسرعة 250 كم/ثا ، أي الشمس ، والأرض ، وعطارد ، والزهرة ، والمريخ ، والمشتري ، وزحل ، وأورانوس ، ونبتون ، وبلوتو هذه المجموعة الشمسية كتلة واحدة تدور حول مركزها في المجرة بسرعة 250 كم/ثا .

 درب التبانة مجرتنا الضخمة هذه المجرة تسير في الفضاء الكوني بسرعة 240,000 كم/ثا ، سرعة المجرات تقترب من سرعة الضوء ، الأرض ثلاثون كيلو مترًا في الثانية ، الشمس والمجموعة الشمسية 250 كم/ثا ، المجرة 240,000 كم/ثا ، هذه حقائق تدرّس في الجامعات على أنها مسلمات ، هذه أشياء تجاوز العلم البحث في صحتها ، ولكن لطف الله عز وجل ، هذا لطفه ، سكون ، استقرار ، الجدران هي هيَ والحركة مذهلة ، قال بعض العلماء : هذا بفضل الجبال ، العجلة إذا أدرتها بسرعة اضطربت ، توزن بميزان دقيق ، ويوضع في بعض الأماكن منها قطعة من الرصاص لئلا تضطرب على السرعة العالية ، الجبال التي جعلها الله على الأرض رواسي من أجل أن تدور الأرض حول نفسها ، وحول الشمس ، والشمس حول مركز المجرة ، والمجرة في الفضاء الكوني ، أربع دورات ، حول نفسها دورة وحول الشمس دورة والشمس حول مركز المجرة دورة والمجرة باتجاه نجم في الفضاء الخارجي دورة كل هذه السرعات والمحصلة سكون تام بفضل هذه الجبال التي وضعت في أماكن محددة ، وبحجوم محددة ، بحيث يصبح المآل استقراراً ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ أما كلمة ( ألقينا ) هل يلقى الجبل إلقاءً ؟ يا سبحان الله ! معظم الجبال البركانية تشكلت من إلقاء الحمم من أعماق البراكين ، كلمة ( إلقاء ) الجبل ألقي إلقاءً ، وهذا ينطبق على الجبال البركانية والرسوبية ﴿ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾  هذا تفسير . 

الجبال أيضاً ذكرها الله عز وجل في آيات أخرى بأنها أوتاد ، لأن الأرض مجموعة طبقات ، وهذه الطبقات متفاوتة في الكثافة ، لو أنها دارت كل طبقة في الأرض لها عطالة خاصة ، ومعنى عطالة أي تستجيب للحركة بسرعة بحسب كثافتها ، لولا الجبال لاضطربت الأرض في دورانها ، أما الجبال فقد جعلها الله أوتاداً ، أي الجبل يربط طبقات الأرض بعضها ببعض فيجعلها كتلة واحدة ، لولا الجبال كالبيضة التي تديرها قبل أن تسبق تضطرب ، لأن فيها بياض ، فيها صفار ، فيها قشر ، كل طبقة في البيضة لها عطالة خاصة ، فإذا أدرتها تضطرب ، وتقع ، أما إذا سلقت فإنها تدور كالبلبل ، الدليل أنها تجانست ، فهذا الجبل كالوتد يجعل طبقات الأرض كلها متجانسة :

﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) ﴾

[ سورة النبأ  ]

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)  ﴾

[ سورة النحل  ]

مصدات للرياح ، الله عز وجل جعل مناطق دافئة بفضل جبال كالمصدات ، تمنع الرياح الشرقية أو الغربية ، في بعض المنافذ على البحر كحمص مثلاً الأشجار كلها مائلة بسبب النافذة التي فتحت بين سلاسل الجبال ، فالجبال أكناناً جعلها الله عز وجل كالمصدات ، في يوم شديد الرياح الغربية اصعد إلى جبل قاسيون ، وانتقل إلى جانبه الشرقي ينعدم الهواء كلياً ، ربنا عز وجل عن طريق الجبال نوع مناخات الأرض ، الجبل مصد ، ففي سفح الجبل منطقة دافئة ، وفي قمته منطقة باردة ، يقصد الناس الجبال في أيام الصيف ، ويسكنون في سفوحها في أيام الشتاء ، ﴿ الْجِبَالِ أَكْنَانًا ﴾ ، والجبال أيضاً جعلها الله عز وجل خزانات للمياه ، لا أدري إلى أين تنتهي حدود نبع الفيجة ، بعضهم قال : إلى مشارف حمص شمالاً ، وإلى سيف البادية شرقاً ، وإلى أواسط لبنان غرباً ، وبعضهم قال : يمتد جوف هذا النبع إلى مناطق شاسعة شرقاً ، قد تصل إلى إيران ، من جعلها خزانات لهذا الماء الذي نستعمله كل يوم ؟ 

 

تفصيل في كلمة موزون :


ربنا عز وجل قال : ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ .. والله الذي لا إله إلا هو كلمة ( موزون ) أردت إن شاء الله تعالى أن أفصل فيها ، ولكن والله هذه الكلمة لا يكفي عام بأكمله كي يفصل في هذه الكلمة ، شيء موزون ، موزون مع ماذا ؟ أي النبات موزون ، سكان الأرض كم طنًّا من القمح يحتاجون في العام كله ؟ الله عز وجل ينبت لهم من القمح ما يكفي حاجتهم ، ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾

هذا القمح مادة أساسية في الحياة ، معنى موزون قال العلماء : هناك ثلاثة عشر ألف نوع من القمح ، يجب أن ينبت في الجبال ، وفي السهول ، وفي السواحل ، وفي أعماق الأرض ، وفي المنطقة الحارة والباردة والمعتدلة ، وفي كل أماكن الأرض ، لأنه غذاء أساسي للإنسان ، لذلك الله عز وجل جعله بكميات تكفي حاجة سكان الأرض ، وجعله بأنواع منوعة تغطي كل المناطق المختلفة .

القمح كما يقول بعض العلماء : فيه العجب العجاب ، لو أخذنا قمحة لها غلاف خارجي يزن تسعة في المئة من وزنها ، ولها غلاف داخلي يزن ثلاثة بالمئة من وزنها ، وفي داخل القمح مادة نشوية تزن خمسة وثمانين جزءاً من المئة من وزنها ، والرشيم يزن أربعة بالمئة من وزنها ، أودع الله في قشرة القمحة الخارجية فيتامين ( ب1 ، ب2 ، ب6 ) وفيتامين ب ب وفيتامين (o) ، وأودع في القشرة الخارجية الفسفور والحديد والكالسيوم واليود والبوتاسيوم والصوديوم والمغنيزيوم ، ونحن متحضرون ننزع عن القمحة قشرتها ، ونأكل اللب فقط وهو النشاء ، والفائدة كلها في قشر القمحة ، ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ أي هذا الفيتامين من أجل تنشيط حركة الأمعاء ، هذا الفيتامين من أجل قوة البصر ، هذا الفيتامين من أجل ليونة الأوردة والشرايين ، هذه النخالة ندعها ، ونأخذ لب القمح ، ونأكله ، وهو كالغراء الجيد كما قال بعض الأطباء ، ربنا قال  : ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ أي هذه القمحة متوازنة توازناً دقيقاً دقيقاً مع حاجة الإنسان ، تحتاج إلى فيتامين ب1 من أجل حركة الأمعاء ، تحتاج إلى فيتامين ب2 من أجل شبكية العين ، تحتاج إلى فيتامين ب6 و فيتامين ب ب ، وفيتامين o ، والفسفور كغذاء للدماغ والأعصاب ، إلى الحديد غذاء لكريات الدم الحمراء ، إلى الكالسيوم غذاء للعظام ، إلى السيليكون ، إلى اليود غذاء للغدة الدرقية ، إلى البوتاسيوم غذاء لبعض الغدد الصماء في الجسم ، إلى الصوديوم غذاء لمصل الدم ، إلى المغنيزيوم ، هذا كله ندعه جانباً ، ونأخذ لبّ القمح ، ونأكله ، هذا معنى موزون ، أي هذه القمحة خالق الإنسان هو خالق القمح ، تركيب القمح يتناسب تناسباً دقيقاً معجزاً مع تركيب الإنسان . 

اللفت على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ، في معنى ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ قال : أحد النباتات التي تحتوي على أكبر كمية من الكالسيوم ، من يشكو ضعف العظام ، تقوس العظام ، هشاشة العظام ، فهذا النبات فيه أكبر كمية من الكالسيوم ، وفيه كمية من المغنيزيوم تقيه الأورام السرطانية ، وفيه آزوت ينقي الدم ، ويحصن العضوية ، وفيه بوتاسيوم يجنب العضوية تراكم الشحوم ، وفيه زرنيخ يسهم في تكوين الكريات البيض ، وفيه فسفور يقوي الخلية العصبية ، وأوراق اللفت غنية بالحديد والنحاس وباليود وبالفيتامين A,B,C ، وعصير اللفت يسهل تفتيت الحصى في الكليتين ، ومغلي اللفت يطهر المجاري التنفسية ، ويقي من الدمامل والخراجات والبثور الجلدية .

ربنا عز وجل خلق اللفت موزونًا ، وهذه الآية تفسيرها لو اطلعت على كتب الطب كلها أو كتب الأغذية ، ودرست غذاء غذاء ماذا يحتوي لكان هذا الموضوع تفسيراً متواضعاً لهذه الآية  : ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ ..

التمر مثلاً فيه فيتامين A ، هذا يساعد على نمو الأطفال ، وعلى ازدياد أوزانهم ، ويحفظ رطوبة العين وبريقها ، ويعين على الرؤية الصحيحة ، ويقي العمى الليلي ، فيه مادة تترسب على الشبكية ، هذه المادة تقي العين من العمى الليلي ، وهذا الفيتامين يقوي الأعصاب ، ويساعد على السكينة والدعة ، كله من هذا الفيتامين الموجود في التمر .

 لا أستطيع إلا أن أورد بعض الأمثلة ، أكثر كلمة تثير الإعجاب كلمة ( موزون ) ، أي هذا النبات الذي خلقه الله لنا وصفه الله بأنه موزون ، أي يتناسب تناسباً دقيقاً جداً مع خلق الإنسان ، مع بنية الإنسان ، مع حاجة الإنسان .

في بعض القرى أقام طبيب ثلاث سنوات ولم يجد حالة واحدة من أمراض القلب ، تعجب ، فإذا هذه القرية تأكل الترمس ، وعندما حلل العلماء هذا النبات وجدوا فيه مادة مميعة للدم .

الملوخية الغذاء الوحيد المرمم للغشاء المخاطي في الأمعاء .

الثوم خافض للضغط ، مطهر للأمعاء . 

البصل ، قال أحد الباحثين إنه أجرى دراسة على مئة وخمسين صنفاً من النباتات القاتلة للجراثيم فتبين له أن البصل في مقدمة هذه النباتات ، يفوق التفاح في قيمته الغذائية ، فيه كالسيوم عبارة عن عشرين ضعفاً عما في التفاح ، فيه فسفور ضعفا ما في التفاح ، فيه حديد وفيتامينات وكبريت ، فيه مادة تعادل الأنسولين ، هذه المادة المهمة جداً في الوقاية من أمراض السكر ، في البصل مادة مقوية للقلب وللدورة الدموية ، فيه مادة مدرة للبول والصفراء ، فيه مادة ملينة للأمعاء ، فيه مادة مقوية للقدرة الحيوية ، شيء موزون ، البصل موزون ، طبيعة تركيبه ، الثوم موزون ، السبانخ فيها حديد ، العدس فيه حديد ، الترمس فيه مادة مميعة للدم ، الملوخية فيها مادة مرممة للغشاء المخاطي في الأمعاء ، هذا غيض من فيض .

عندي كتاب عن النباتات كلها لو أردت أن أعرض ما فيه ، هذا الكتاب يستغرق تدريسه سنوات ، كل مادة بنيتها ، تركيبها ، فوائدها الغذائية والعلاجية ، سبحان الله ! 

فكلمة ( موزون ) لو أن العلماء في الأرض اجتمعوا على دراسة النباتات واحداً وَاحداً وتحليلها ما فعلوا بعد كل هذه الدراسات على أنهم فسروا هذه الكلمة ، ﴿ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ ..

الحليب موزون ، حليب البقر موزون ، حليب الغنم موزون ، التفاح موزون ، هذا المعنى الأولي ، معنى بنية الفاكهة أو النبات .

يوجد معنى آخر ؛ الحجم الكلي موزون ، لو كانت كل شجرة من أشجار التفاح تنبت خمس تفاحات ، فهذا الإنتاج غير موزون ، لا يتناسب مع حجم الأرض ، فكلمة ( موزون ) تعني كمية الفاكهة ، وتعني أيضاً نوعية الفاكهة ، هناك عنب للعصير ، وعنب للزبيب ، وعنب بلا بزر ، وعنب يعمر طويلاً ، أي أنواع منوعة ، ما من نوع من أنواع الفاكهة والخضراوات إلا ولها أنواع منوعة ، استهلاك سريع ، استهلاك مديد ، البصل الأبيض طيب ، لكن لا يُموَّن ، هذا يؤكل مباشرة ، أما للتموين فالأصفر ، هذه المعلومات تحتاج إلى خبراء بهذا المعنى .

كلمة ( موزون ) كم نوع فاكهة موجود ؟ كم نوعًا من الخضراوات ؟ كم نوعًا من المحاصيل ؟ كميات الأنواع ، وعدد الأنواع ، التفاحة مثلاً الشكل موزون ، لو كان الشكل قميئاً واللون مزعج ، منفر ، الحجم موزون ، لو كانت التفاحة بحجم البطيخ لأكلنا قسماً واسودَّ الباقي ، لو كان البطيخ بحجم العنب نصفها قشر لا تؤكل معنا ، العنب له حجم ، البطيخ له حجم ، الكمثرى لها حجم ، القمح له حجم ، موزون ، لو كان القمح ينضج تباعاً كبقية الفواكه لعُدَّ غير موزون ، المحاصيل تنضج في يوم واحد ، والفواكه تنضج تباعاً ، الشيء الذي يخزن أغلب الظن ينضج في يوم واحد ، والشيء المستهلك ينضج تباعاً ، فكلمة (موزون) يمكن أن تفكر فيها لسنوات ، هذا الطعام الذي تأكله كيف هو موزون ، ﴿ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ طبعاً يوجد موضوعات عن التمر ، موضوعات عن البصل والثوم ، موضوعات عن الفجل ، موضوعات عن بعض الفواكه والثمار ، لكن المؤمن يمسك بطرف الخيط ، يأخذ أول الطريق ،  لو أتيح لك أن تقرأ عن الفواكه والثمار اقرأ ، تعرف ما معنى قوله تعالى : ﴿ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ(22)وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴾ هذه الآيات إن شاء الله تعالى نحاول أن نفسرها في الدرس القادم .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور