وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 30 - سورة الأنفال - تفسير الآيات 72 - 75 ، الهجرة مضمون الولاء والبراء دليل الوفاء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

الولاء و البراء :


أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الثلاثين من دروس سورة الأنفال ، وهو الدرس الأخير إن شاء الله ، ومع الآية الثانية والسبعين وهي قوله تعالى : 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) ﴾

 

هؤلاء المهاجرون ترك عقائده الوثنية وآمن بالله ، وترك بلده ، ووطنه ، وبيته ، وأمواله ، وانتقل إلى المدينة ، وليس معه شيء . 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا ﴾ ثم جاهد مع رسول الله لنشر هذا الدين ، جاهد بماله ، بإنفاق ماله ، وجاهد بنفسه في سبيل الله ، القصد هو الله . 

(( عن أبي موسى  أن أعرابيًا أتى النبي فقال : يا رسول الله ، الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل ليذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، وفي رواية : يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، وفي رواية : ويقاتل غضبًا فمن في سبيل الله ؟ فقال رسول الله : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . ))

[  متفق عليه  ]

أما الأنصار ﴿ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ 

إخواننا الكرام ؛ كلمة أولياء أي هناك تناصف ، هناك مودة ، هناك حب ، هناك دفاع ، ما معنى فلان وليي وأنا وليه ، نتعاون ، نتناصر ، نتناصح ، يدافع بعضنا عن بعض. 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ المهاجرون ، والأنصار ﴿ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ الآن هناك حالة ثالثة ، أول قسم المهاجرون ، القسم الثاني الأنصار ، القسم الثالث فئة تركت عقيدتها الوثنية ولم تعبأ بها ، وآمنت بالله عز وجل ، لكنها لم تترك أوطانها ، ولا أموالها ، ولا مكتسباتها .

 

الله تعالى أراد من الآية السابقة أن يغري المسلمين بالهجرة ويشجعهم عليها :


﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ﴾ هذه فئة ثالثة ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾ أي ضعف الولاء ، قد يكون لك ولاء لأنه آمن ، لكن ولاء الهجرة لم يهاجر ، أي آثر مصالحه على الجهاد في سبيل الله ، لكن هؤلاء الذين آمنوا ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ﴾ ، ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ يبقى بينك وبينه قواسم مشتركة ، آمن كما آمنت ، وأيقن كما أيقنت ، لكنه آثر مصالحه على الجهاد في سبيل الله ، لكن لو أنه استنصرك على قوم بينك وبينهم معاهدة ، ميثاق ، ينبغي أن تؤثر الحفاظ على العهد على نصرة هذا الذي لم يضحِ بمصالحه من أجل دينه ، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ . .

أيها الإخوة ، هذه الآية شرحتها في الدرس الماضي ، ولكن لعلاقتها الوشيجة بالآيات التي بعدها أشرت إليها إشارة سريعة .

الطائفة الأولى تركوا دينهم السابق الوثني ، وآمنوا بالله ، وتركوا وطنهم ، وبيوتهم ، وأموالهم ، وانتقلوا إلى المدينة ، ثم اكتسبوا مالاً ، جاهدوا بإنفاق هذا المال ، وجاهدوا في الحرب ، هؤلاء في الدرجة الأولى .

والفئة الثانية لم يتركوا أوطانهم لأن النبي جاء إلى بلادهم ﴿ آوَوْا وَنَصَرُوا ﴾ ، كلمة دقيقة جداً ، قال : ﴿ أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ .

أما الفئة الثالثة آمنت ولم تهاجر ، هذه لها ولاء الإيمان ، وليس لها ولاء الهجرة .

أيها الإخوة ، حينما قال الله عز وجل : ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾ ، كأن الله أراد أن يغريهم بالهجرة ، أو أن يشجعهم عليها ، أي هاجروا ، لكم ما للمؤمنين وعليكم ما عليهم .

 

الهجرة بالمعنى الواسع والضيق :


لكن هناك ملاحظة ما معنى هاجر ؟ هي فعل رباعي ، وهناك هجر ، لعل المعنى أنك إذا كنت في بيت ولم يعجبك تهجره فقط ، هجر ، لكن إذا كان هناك مضايقات لا تحتمل لا نقول : هجرت البيت ، هاجرت من البيت ، فالصحابة الكرام لو أنهم في مكة سمح لهم بنشر دينهم ، وإقامة شعائر ربهم ، ما من داع لأن يهاجروا ، إلا أن المضايقات ، والتنكيل ، والتعذيب ، والضغط ، والحصار ، والقتل أحياناً ، هذا دفعهم إلى الهجرة ، فينبغي أن نفرق بين فعل هجر ، أي هجر من طرف واحد ، أما هاجر يوجد فعل مشاركة ، يوجد جهة ضغطت عليك وكان ردّ فعلك أن تدع هذا المكان .

لذلك الهجرة بالمعنى الواسع أن تنتقل من دار الكفر إلى دار الإيمان ، لو وسعناها أكثر من ذلك أن تنتقل من حرفة لا ترضي الله ، فيها معصية واضحة ، إلى حرفة ترضي الله ، بمعناها الواسع أن تدع صديقاً لا يرضي الله إلى صديق يرضي الله ، أن تنتقل من بيت فيه فساد كبير جداً تخاف على بناتك إلى بيت آخر ليس فيه فساد .

فالحركة ، مطلق الحركة ، طبعاً الهجرة لها معنى ضيق ، ولها معنى واسع ، كيف؟ تقول مثلاً : سيارة ، كلمة سيارة لها معنى ضيق ، أي مركبة تتحرك بمحرك انفجاري ، وقوده سائل ، البنزين ، هذا تعريف مختصر ، هذه السيارة ، الله عز وجل قال : 

﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)﴾

[ سورة يوسف ]

ما هي ؟ مرسيدس ؟ ﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ ﴾ الآن كل شيء يسير سيارة ، فكلمة سيارة لها معنى واسع ، ولها معنى ضيق ، معناها الضيق الصحابة الكرام الذين انتقلوا من مكة المكرمة ، وقد أُرغموا على ترك مكة ، بالتعذيب ، والتنكيل ، والإيذاء ، والحصار ، إلى المدينة ، هذه الهجرة بالمعنى الضيق .

 

الهجرة قائمة إلى يوم القيامة بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة :


لكن لا يقال لإنسان الآن انتقل من مكة إلى المدينة مهاجر لقول النبي الكريم : 

(( عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم  : سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنِ الهِجْرَةِ ، فَقالَ : لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا . ))

[ صحيح مسلم  ]

لكن الهجرة قائمة إلى يوم القيامة بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة ، يوجد مكان لا تستطيع أن تحجب بناتك ، والدخل كبير وفلكي ، يوجد مكان لا تستطيع أن تربي أولادك ، والدخل كبير وفلكي ، يوجد مكان مستقر من مئتي عام لا يوجد فيه مشكلة يعاني منها المواطن ، استقرار من مئتي عام ، الحاجات ميسرة ، حقوق الإنسان بأعلى درجة ، المساكن ميسرة ، المواصلات ، ساعة يقول لك : مترو ، وساعة يقول لك : أنفاق ، وساعة يقول لك : قطار ، وساعة يقول لك : مروحيات ، كل شيء ميسر ، بلاد جميلة جداً كلها حدائق ، أبنية شامخة ، الحياة ناعمة جداً ، الأماكن التجارية فيها من البضائع ما لا يصدق ، والمشكلة أن عدداً من المسلمين كبيراً عاشوا في الغرب الحياة مريحة ، مريحة جداً ، لكن حينما قال عليه الصلاة والسلام : 

(( عن جرير بن عبد الله أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم بعثَ سريَّةً إلى خثعمٍ فاعتصمَ ناسٌ بالسُّجودِ فأسرعَ فيهمُ القتلُ فبلغَ ذلِكَ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم فأمرَ لَهم بنصفِ العقلِ وقالَ : أنا بريءٌ من كلِّ مسلِمٍ يقيمُ بينَ أظْهُرِ المشرِكينَ . قالوا يا رسولَ اللَّهِ ولَمَ قالَ لاَ تراءى ناراهما . ))

[  صحيح الترمذي ]

أكبر ثمن يدفعه أنه لا يستطيع أن يربي أولاده كما يريد الله عز وجل ، إلا قلة قليلة جداً لا تزيد عن خمسة بالمئة ، هذه ليس لها حكم .

 

من لم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس :


أنا كنت أقول دائماً : إذا بلغت أعلى منصباً ، وجمعت أكبر ثروة ، وارتقيت إلى أعلى مكانة ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، الحياة في الغرب مريحة جداً ، لكن الثمن باهظ جداً ، الثمن أن تخسر أولادك ، وأن تخسر بناتك ، في الأعم الأغلب ، أما التعميم من العمى ، لا يخلو المسلم الذي يعيش في الغرب من أن يكون ضبط أولاده وبناته لكن الحالات النسب لا تزيد عن خمسة بالمئة ، أما في الأعم الأغلب الجو العام جو معاصٍ ، جو آثام ، الدين مرفوض كلياً ، الدنيا هي كل شيء . 

﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) ﴾

[ سورة الروم  ]

فلذلك الهجرة بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة ، أي يوجد مكان لا تستطيع أن تقيم شعائر الله . 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) ﴾

[ سورة النساء ]

يوجد مكان لا تستطيع أن تحجب بناتك ، يوجد مكان لا تستطيع أن تربي أولادك ، يوجد مكان لا تستطيع أن تجهر بالحق .

 

من أحبّ آخرته أضرّ بدنياه ومن أحبّ دنياه أضرّ بآخرته :


لذلك المؤمن حينما يهاجر من بلاد الحياة فيها ناعمة إلى بلاد قد تكون نامية ، والبلاد النامية فيها مشكلات لا تعد ولا تحصى ، ولكن تستطيع في بلاد نامية بحكم أن الأكثرية على بقية حياء ، على بقية إنصاف ، والله كنت مرة أغادر أستراليا ، رئيس الجالية الإسلامية أثناء الوداع بكى ، قال لي : بلغ إخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا ، والله ، وأنا ما رأيت بلاداً أجمل من أستراليا ، قارة بأكملها لثمانية عشر مليوناً ، فيها ثروات لا يعلمها إلا الله ، الحديث عن الرفاه الذي يعيشونه صعب أن يتصور ، الثلاجة نفسها إذا قلت الكميات فيها هي التي تتصل بالسوبر ماركت ، وتعطي رقم بطاقة صاحب البيت ، وتأتي البضاعة ، الأمور منسقة بشكل مذهل ، الرفاه الذي بأستراليا العقل لا يصدقه ، قال لي : بلغ إخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا ، جئت إلى الشام وأبلغت الإخوة الكرام هذه الرسالة ، لكني سألته : وضح ؟ قال لي : ابنك في الشام ابنك ، وهو مسلم ، أما الابن عندنا خمسون بالمئة لن يكون مسلماً سيكون ملحداً وخمسون بالمئة الثانية ستفاجأ بحلقة في أذنه ، والمعنى سيئ جداً ، جداً ، باليمنى معنى ، باليسرى معنى أسوأ ، بالأذنين معنى أسوأ وأسوأ ، هذا الوضع ، كل شيء رائع ، كل شيء جميل ، كل شيء لطيف ، الحقوق مذهلة هناك ، لكن خسرت أولادك .

لهذا أنا أقول : لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة في الأرض ، وبلغت أعلى مكانة في الأرض ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .

لذلك يوجد أكثر من ثلاثين حديثاً صحيحاً هذا الحديث يشيد بالشام : 

(( عن عبد الله بن عمر قال:  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تخرج نار من نحو حضرموت - أو من حضرموت- تسوق الناس. قلنا : يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال: عليكم بالشام . ))

[رواه أبو يعلى وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ]

(( عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينا أنا نائم ، إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي ، فظننت أنه مذهوب به ، فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام ، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام.))

[ رواه أحمد والبيهقي في الدلائل ، وصحح إسناده . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد  : رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح ، غير محمد بن عامر الأنطاكي وهو ثقة  ]

أي أن تدخل إلى مسجد ممتلئ ، في أيام رمضان بالشام هناك أعراس ، أعراس التراويح والمساجد ، أهل الشام جميعاً يزحفون إلى المساجد أليس كذلك ؟ هذه نعم لا يعرفها إلا من فقدها ، نحن في نعم لا يعلمها إلا الله ، مع أننا نعاني ما نعانيه ، لكن لا تجتمع الدنيا والآخرة معاً .

(( عَنْ أَبِي مُوسَى  : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ  أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى .  ))

[ صحيح ابن حبان ]

فالذي أقام في الغرب وقد أحبّ دنياه لعله أضرّ بآخرته ، والذي آثر أن يبقى في بلاد نامية فيها متاعب كثيرة أحب آخرته لعله أضرّ بدنياه .

لكن الفرق كبير جداً بين أن ينتقل الإنسان للدار الآخرة وقد مات على الإيمان ، ومات على منهج النبي العدنان ، وبين أن ينتقل إلى الدار الآخرة وقد تلبس بالمعاصي والآثام ، وفقد أولاده وبناته .

 

من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً :


مرة ثانية هذا الكلام لا على التعميم ، لأن التعميم من العمى ، في كل بلد غربي أوربي هناك أناس مؤمنون تقيدوا تماماً بأحكام الدين ، وربوا أولادهم تربية صحيحة ، التعميم من العمى ، أنا لا أعمم ، لكن بالأعم الأغلب في الخامسة والتسعين بالمئة ممن آثر الحياة في الغرب على ما فيها من حريات ، وسائل رفاه ، أمور ميسرة ، آثر الحياة هناك على الحفاظ على دينه ، ودين بناته ، وأولاده ، وزوجته ، هذا له عند الله أجر كبير .

لذلك الذي يترك هذه الميزات ويأتي إلى بلده ليتمكن من تربية أولاده ، هذا أنا أعده مهاجراً ، كما قلت قبل قليل : الهجرة بين كل مدينتين أو بلدين تشبهان مكة والمدينة .

 

الولاء والبراء الركن السادس في الإسلام :


أيها الإخوة ؛ شيء آخر : الآية الكريمة : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا – هنا - بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ الآية الأولى : المهاجرون والأنصار ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ المهاجرون ، والأنصار : ﴿ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ ، الولاء الحب ، الولاء الود ، الولاء التناصر ، الولاء التناصح ، الولاء الانتماء ، بل إن الولاء والبراء هناك من يعدهما الركن السادس في الإسلام ، يجب أن توالي المؤمنين ، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ، ينبغي أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعفاء وفقراء ، وينبغي أن تتبرأ من أعداء الدين ولو كانوا أغنياء وأقوياء ، هذا الإيمان .

 

تعاون الطرف الآخر على إذلال وإبادة المسلمين :


لذلك المفاجأة الآن : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا – أيضاً - بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ يتعاونون ، يتباذلون ، يتناصحون ، يتآمرون ، تجد ثلاثين دولة أوربية على الباطل ، كل ما تفعله الدولة العظمى معها ، جريمة ، احتلال ، نهب ثروات معها ، ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ ، كما ترون ، ثلاثون دولة أي مشكلة بالعالم يأتون كلهم معاً ، بأفغانستان يوجد ثلاثون ، بالعراق يوجد ثلاثون ، بلبنان يوجد ثلاثون ، كله ثلاثون ، ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ هناك تعاون ، تعاون مذهل ، تنسيق مذهل ، نقل معلومات مذهل ، تسمعون في الأخبار الأخيرة خمس أو ست دول أُخذت جوازاتهم ، وزوّرت ، والذي اعترض حفاظاً على ماء الوجه فقط ، هم في الأعماق موافقون على ما جرى .

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ يمكن لا يوجد آية بالقرآن الكريم أنا أشعر- وهذا اجتهاد مني - أن المسلمين في أمس الحاجة إليها إلا هذه الآية : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ آمن ، هاجر ، جاهد ، أنفق ماله ، ضحى بحياته ، آوى ، نصر ، هؤلاء أمة واحدة ، كتلة واحدة ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ ، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا - أيضاً - بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ .

﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾ الهاء على من تعود ؟ تعود على الآية السابقة بأكملها ، إن لم تؤمنوا ، وإن لم تهاجروا ، وإن لم تجاهدوا ، وإن لم تؤووا ، وإن لم تنصروا ، وإن لم يكن بعضكم أولياء بعض ﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ وهذا الذي يعيشه العالم الإسلامي ، الولاء ليس لبعضهم بعضاً ، هذا الكيان ولاؤه للعدو أحياناً ، هذا الكيان ولاؤه لدولة عظمى ، هذا الكيان ولاؤه لدولة في أوربا ، ولاء المسلمين لا إلى الإسلام ، ولا إلى بعضهم بعضاً ، الولاء لغير المسلمين ، هذا طبعاً شيء غير معلن ، أما الواقع هناك من يقف مع الطرف الآخر ضد مصالح المسلمين ، هذا شيء واقع .

 

من لم يكن انتماؤه إلى مجموع المسلمين فليس بمؤمن :


لذلك ﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾ إن لم يكن انتماؤك إلى المؤمنين ، إن لم يكن انتماؤك إلى مصالح المؤمنين ، إن لم يكن انتماؤك إلى وحدة المؤمنين ، إن لم يكن انتماؤك إلى قوة المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، لكن الولاء للأقوياء من غير المؤمنين ، الولاء والانبطاح لغير المؤمنين قال : ﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ ، وهذا الواقع ، مليار وخمسمئة مليون يحتلون أهم مواقع إستراتيجية في العالم ، المسلمون ، وتحتهم ثروات لا يعلمها إلا الله ، ومع ذلك هم أفقر الشعوب ، وأمرهم ليس بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، أنا لا أتحدث عن بلد معين ، أتحدث عن المسلمين كمجموعة .

مرة ثانية : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ يتعاونون ، ويتناصرون ، ويتناصحون ، ويتآمرون . 

﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾ إن لم تؤمنوا ، وتهاجروا وتجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ، وإن لم تؤووا ، وإن لم تنصروا ، ﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ كما هو الآن ، فالهاء هنا تعود على الآية السابقة بأكملها ﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ .

 

من آمن ولم يجاهد أو ينصر فإيمانه لا يرقى إلى المستوى الذي ينجيه من عذاب الله :


الآن الله عز وجل وصف المؤمنين بأن بعضهم أولياء بعض ، ووصف الكافرين بأن بعضهم أولياء بعض ، ثم يقول : 

﴿  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) ﴾

 الآية الأولى وصفت ، والآية الثانية قررت النتيجة ، قال : ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ في الدنيا .

يوجد الآن مليار وخمسمئة مليون مسلم ، هل هناك واحد منهم يقول : أنا لست مؤمناً ؟ كل واحد يدّعي أنه مؤمن ، أما عندما قال الله : ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ أي الذي آمن ولم يهاجر ، وآمن ولم يجاهد ، وآمن ولم ينفق ماله في سبيل الله ، وآمن ولم يجاهد الجهاد الأكبر ، وآمن ولم يؤوِ ، وآمن ولم ينصر ، بنص هذه الآية إيمانه لا يرقى إلى المستوى الذي ينجيه من عذاب الله . 

﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ الإنسان يتوهم أن الآية فيها تكرار ، لا ، الآية الأولى وصف ، المؤمنون : ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ ، والكفار : ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾   . . .

 

العطاء الحقيقي هو عطاء الآخرة :


الآن جزاء المؤمنين أولاً في الدنيا ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ ، وفي الآخرة ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ ، ما معنى رزق كريم ؟ الشيء الذي تنتفع به من دون أي جهد هذا رزق كريم ، مثال ذلك الهواء ، لا يوجد فواتير هواء الحمد لله ، يتنفس مئة نفس ، محروق نفسه ، فواتير هواء لا يوجد ، فالهواء رزق كريم ، والماء أيضاً لكن هناك فواتير بالماء ، لكن الماء مبذول ، فكل شيء تأخذه من دون جهد هذا رزق كريم بجهد أقل ، أما بالآخرة ، نظام الآخرة : 

﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ﴾

[ سورة ق  ]

أي شيء يخطر في بالك تجده أمامك . ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ . . 

﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) ﴾

[ سورة الحاقة  ]

الفواكه في الآخرة : 

﴿ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) ﴾

[ سورة الواقعة  ]

أحياناً يمنع استيراد الموز ، هذه ممنوعة ، ﴿ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ أكلها دانية وظلها . 

لذلك العطاء الحقيقي هو الآخرة ، في الدنيا هؤلاء الذين ﴿ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ وصف ،  والمفاجأة ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ ، يتعاونون ، ويتناصحون ، ويتآمرون ، ويتبادلون التقارير من أجل قمع المسلمين ، أما أخطر كلمتين في هذه السورة ﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾   تعود الهاء على من ؟ على الآية السابقة ، أي إذا ما آمنت وهاجرت وجاهدت وآويت ونصرت  ﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ .

 

التفرق والتشرذم مصير المسلمين إن ابتعدوا عن نصرة بعضهم :


إخواننا الكرام ، بلاد الأندلس زرتها قبل شهر تقريباً ، بلاد شيء لا يصدق ، حضارة خسرها المسلمون ، وقد حكموها ثمانمئة عام ، بالنهاية صار الولاء ليس للمسلمين ، لأطراف أخرى غير مسلمة ، والآن تجد دولاً إسلامية يكون ولاؤها لغير الإسلام ، واضح تماماً ؟ فإذا كان الولاء لغير المسلمين لا يوجد بعضهم أولياء بعض ، إن لم يكن بعضهم أولياء بعض سيكون هناك تفرق ، هناك تشرذم ، هناك ضعف . 

((  يدُ اللَّهِ مع الجماعَةِ ومن شذَّ شذَّ إلى النَّارِ . ))

[  الشوكاني في نيل الأوطار  ، حكم المحدث  : ثابت . الجملة الأولى صحيحة يد الله على الجماعة  ، وأما الزيادة فلم نجد لها طرقا يشد من عضدها ويقويها  . ]

فهذه الأمة تصور أنها ربع سكان الأرض ، مليار وخمسمئة مليون ، تصور ينطق بلسانها إنسان واحد ، الآن أوربا كلها ينطق بلسانها إنسان واحد ، عملة واحدة ، حدود لا يوجد إطلاقاً ، تنتقل في أوربا من أي مكان لأي مكان بدون لوحة .

إنسان دعاني في سويسرا إلى مكتبه ، ودعاني إلى الطعام في بيته بإيطاليا ، أين الحدود ؟ قال : لا يوجد حدود ، عندما شددت عليه قال لي : هناك خط من الحجارة السوداء في الأرض ، هذا الحدود فقط ، تنتقل من إيطاليا ، لسويسرا ، للنمسا ، لفرنسا ، لألمانيا ، بلد واحدة ، هم يتعاونون ، يتناصرون ، يتناصحون ، يتبادلون الحقائق ، يتآمرون على المسلمين ، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ ، إن لم نكن كذلك ﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ ﴾ الفتنة الجنس ، أي كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، لكنهم الآن يجبروننا بالقوة الناعمة المرأة على أن نريد ما يريدون ، هذه الصحون تستقبل ماذا ؟ المحطات الفضائية الغربية ، ولا يعلم إلا الله ما في هذه المحطات ، هناك تدمير قيم ، الفطرة دُمرت ، الله يحفظنا من كيد هؤلاء ، ومن ثقافة هؤلاء ، ومن هذه الصحون وما فيها .

 

الآخرة رزق كريم من دون أي جهد :


أيها الإخوة ؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ الآخرة رزق كريم من دون أي جهد ، لك ما تشاء ، لك ما تشتهي ، خطر في باله صديقه فاطلع فرآه في سواء الجحيم  ، أي خاطر يأتيك تجده أمامك ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ﴾ ، هذا هو الرزق الكريم ، هذا زرق من دون جهد ، من دون تعب ، أنت في الدنيا من أجل طبق طعام تحتاج ساعة وأنت تعمل ، زوجتك أعطيتها إجازة وأحببت أن تتغدى من أجل طبق طعام تحتاج أن تعمل ساعة ، هنا رزق لكن معه جهد ، له ثمن ، يقول لك : متّ ألف مرة حتى أصبحت بهذا الوضع ، أما بالآخرة ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ . .

 

أنواع الجهاد :


﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ ، لعلكم تستنبطون أن الذي يؤمن ولم يجاهد ، والجهاد له معان كثيرة ، أنت حينما تجاهد نفسك وهواك فأنت مجاهد ، وصدقوا هذا هو الجهاد الأكبر ، كما قال بعض الصحابة : "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى" ، أنت حينما تطلب العلم أنت مجاهد . 

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) ﴾

[ سورة الفرقان ]

والله لا أبالغ مجيئك من بلد بعيد من الغوطة و أنت تركب سيارتين أو ثلاث ، والطريق يحتاج إلى ساعة أو ساعتين لتحضر درساً على الأرض ، ليس هناك كرسي مريح ، ولا كأس شاي ، صح أم غلط ؟ بعد ذلك ترجع إلى بيتك ، والله هذا جهاد ، هذا جهاد معرفي ، جهاد دعوي ، عندما تتقن عملك وتريحنا من الاستيراد هذا جهاد بنائي ، تتقن عملك ، يأتي خبير يأخذ مئة ضعف عن المواطن ، وهو يضحك علينا أيضاً ، تختص اختصاصاً نادراً تنفع أمتك فيه ، هذا جهاد ، وعندما يتاح لك أن تقاتل وتقاتل هذا جهاد أيضاً ، عندنا جهاد نفسي ، جهاد دعوي ، جهاد بنائي ، جهاد قتالي ، فالذي آمن ولم يجاهد بأحد هذه الأنواع الأربع - بفلسطين هناك جهاد قتالي الآن ، بغزة جهاد قتالي - فالذي آمن ولم يجاهد إن جاهد نفسه وهواه فهو مجاهد ، وإن جاهد في طلب العلم فهو مجاهد ، والدليل : ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ - بالقرآن - جِهَاداً كَبِيراً ﴾ ، والذي يتقن عمله يرفع رأس أمته عالياً .

هناك أخ أعرفه كشف يوجد بكل الحواسيب الصناعية لوحة معقدة جداً ، هذه اللوحة إن كان فيها عطب تذهب إلى بلاد بعيدة للإصلاح ، تكلف ملايين ، استطاع أن يكشف سرّ هذه اللوحة ، وصار يحل مشاكل هذه البلد بهذا التفوق ، هذا شيء ليس قليلاً ، فأنت ممكن أن تكون مجاهداً إذا جاهدت نفسك وهواك ، ومجاهداً إذا طلبت العلم ، ومجاهداً إذا أتقنت عملك ، أتقنت عملك رفعت اسم الأمة ، وإذا أتيح لك ، الله عز وجل هيأ ظرفاً ، وسمح ولي الأمر بالقتال وأنت جاهدت لك أجر أيضاً كما يجري في العراق ، وفي فلسطين ، وفي أفغانستان .

 

الشاب الذي يؤمن ويستقيم على أمر الله ويطلب العلم إنسان مجاهد :


قال : ﴿ وَالَّذِينَ آوَوْا ﴾ إذا أنت آمنت ولم تجاهد ، وآمنت ولم تهاجر ، أنت نشأت بحرفة لا ترضي الله تركتها ، نشأت في بيئة لا ترضي الله تركتها ، فإذا آمنت ولم تجاهد ، وآمنت ولم تهاجر ، وآمنت و لم تؤوِ ، وآمنت ولم تنصر ، وطن نفسك وقل لنفسك : لست مؤمناً ، أنا لا أقولها لك ، لست مؤمناً ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ وغيرهم ليسوا مؤمنين حقاً ، مؤمنون لكن هذا الإيمان لا ينجيهم ، هم في الدنيا مؤمنون ، وفي الآخرة ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ دعك من الصحابة ، الأجيال المؤمنة التي جاءت ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ ﴾ وأنا أقول لكم والله الشاب الذي يؤمن ، ويستقيم على أمر الله ، والذي يحمل نفسه على طاعته ، ويطلب العلم والله مجاهد ، الآن مجاهد قد يأتيه عمل دخله فلكي لكن فيه معاص وآثام ، يقبل بعمل دخله أقل لكن فيه طاعة للرحمن ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ ﴾ ، لذلك : 

وددت أني لقيت إخواني ، قال: فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أوليس نحن إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني  

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ .

آخر فقرة بالآية : ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى ببعضٍ ﴾ الصحابة الكرام مع الأنصار كانوا يتوارثون ، فلما نزلت آية المواريث نُسخ هذا التوارث ، لذلك قال تعالى : ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ - في الإرث - فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ ، وبهذا انتهت سورة الأنفال في ثلاثين ساعة ، والفضل لله عز وجل .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور