- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (008)سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
تكريم الله عزّ وجل للإنسان :
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الواحد والعشرين من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الخامسة والخمسين وهي قوله تعالى :
﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) ﴾
والدواب جمع دابة ، والدابة كل مخلوق يدب على وجه الأرض ، أي يمشي على وجه الأرض ، هو دابة وجمعها دواب ، ولكن بالعرف الدواب هي التي تمشي على أربعة ، ولقد كرم الله الإنسان .
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾
الإنسان كرمه الله فجعله يمشي على رجليه ، وهو منتصب القامة ، ويداه طليقتان ، هناك من يقول : إن هذه الحضارة الإنسانية بسبب أن يدي الإنسان طليقتان .
لذلك عندنا معنى لغوي ، الدابة ، أي مخلوق يدب على وجه الأرض ، وبهذا التعريف الشامل الإنسان يدخل في هذا التعريف ، لكن العرف أن الدواب تمشي على أربعة ، بينما كرم الله الإنسان فجعله يمشي على رجليه ، وجعل يديه طليقتين .
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة :
الآية تقول :
﴿
لذلك إن الإنسان هو المخلوق الأول رتبة .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾
لذلك كما قال سيدنا علي : ركّب الملك من عقل بلا شهوة ، وركّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .
إذاً الدابة أي مخلوق يدب أي يمشي على وجه الأرض ، لكن العُرف أن الدواب هي المخلوقات التي تمشي على أربعة ، ولقد كرم الله بني آدم فجعل الإنسان يمشي على قدمين ، وجعل يديه طليقتين .
الإنسان عندما لا يعرف الله يهبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به :
إلا أن الكافر أُلحق مع الدواب ، قال تعالى عنهم :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
﴿
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
إذاً الإنسان حينما لا يلبي حاجته العليا وهي معرفة الله عز وجل هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
إذاً :
الإنسان هو المخلوق المكرم والمكلف :
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
ترى الأشياء بأحجامها الحقيقية ، وبألوانها الدقيقة ، أنت صور مجموعة من الأشخاص بآلة ، تجد بعد طبع الصورة الألوان كلها متقاربة ، لكن العين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون ، بالعين ترى كل إنسان له لون ، بالآلة الألوان متقاربة ، بالعين يوجد بالميليمتر مربع مئة مليون مستقبل ضوئي ، بأعظم آلة تصوير رقمية احترافية هناك عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، فأنت مكرم بالعينين .
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) ﴾
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
جعل له عينين ، أذنين ، يسمع ، ويبصر ، ويتألم ، ويفرح ، ويسعد ، ويدرك ، ويحفظ ، مركز الذاكرة بالإنسان لا يزيد عن حبة عدس ، يوجد سبعون مليار صورة ، فالإنسان إذا عاش ستين سنة تقريباً يوجد بذاكرته ما يساوي 70 مليار صورة .
أوامر الله عز وجل التكليفية والتكوينية :
لذلك أيها الإخوة ،
الإنس والجن أعطيا الأمانة والتكليف وما سوى الإنس والجن مخلوقات مسيرة بالغرائز :
الإنس والجن مخيران .
﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) ﴾
الإنس والجن أعطيا الأمانة ، والتكليف ، وكلفا بعبادة الله عز وجل ، ما سوى الإنس والجن مخلوقات مسيرة بالغرائز .
اطلعت على نظام النحل ، شيء لا يصدق ، نظام ما بعده نظام ، دقة ما بعدها دقة ، قيام بالواجب ما بعده قيام بالواجب ، اختصاص دقيق ، هذا النظام المذهل في النحل ليس بأمر تكليفي ، بل بأمر تكويني ، يوجد أنظمة في عالم النحل وعالم النمل يكاد الشيء لا يصدق ، كل نحلة تقوم بمهمتها ، نحل لجني الرحيق ، نحل لصنع العسل ، نحل لصنع بيت الشمع ، نحل للحراسة ، نحل للتعليم ، نحل وصيفة للملكة ، نحل للتنظيف ، نحل للتلميع ، نحل للتهوية ، عالم النحل عالم قائم بذاته ، أي أروع نظام اجتماعي في الكون عالم النحل ، إذاً لماذا لا يوجد معصية ؟ بأمر تكويني ، بغريزة .
مثلاً دقق دابة أطعمها تشبع تقف عن الطعام ، أي محاولة تجري لإجبارها على الطعام لا تنجح ، أما الإنسان فيأكل فوق حاجته ، الدابة بغريزتها لا تأكل إلا حاجتها .
حتى إن هناك شيئاً مشاهداً ، لو فرضنا هناك معبر مائي ، فالدابة تقدر هل تستطيع أن تعبر هذا المعبر ؟ إن كان هذا المعبر أوسع من طاقتها لا تعبر ، مهما ضربتها ، مهما دفعتها ، أبداً ، الإنسان أحياناً يخاطر ويغرق أحياناً ، الدواب تتحرك بغرائز ، والغرائز لا تخطئ أبداً ، الكون كله مسير عدا الإنس والجن ، لأنك من بني البشر أنت مخير ، مخير ومكلف بمعرفة الله ، ومعرفة منهجه ، لا تأكل الدابة فوق حاجتها ، ولا تتخطى معبراً مائياً لا تستطيع أن تقفز منه أبداً ، أما الإنسان قد ينضبط ، وقد لا ينضبط .
من طرائف المعلومات أن الإنسان الذي وصل إلى القمر ، والذي أرسل المركبات إلى المشتري ، والذي حصّل علوم الثقلين ، والذي نقل الصورة عبر الأمواج الكهرطيسية ، والذي نقل الإنسان بالطائرة ، أربعمئة و ثمانون راكباً يركبون بالطائرة كأنهم في مدينة تطير في الأجواء ، الإنسان الذي نقل الصورة ، نقل الصوت ، صنع هذا المحمول ، وأنت بأي مكان بالعالم تخاطب أي إنسان في العالم بثانية ، هذا الإنسان لا يستطيع أن يتنبأ بالزلزال ولا قبل ثانية ، بينما الدواب تتنبأ به قبل عشرين دقيقة ، لحكمة أرادها الله .
الإنسان مخير ومكلف بأمر تكليفي أما المخلوقات الأخرى فمسيرة بالغرائز :
إذاً : الإنسان مخير ومكلف بأمر تكليفي ، يطيع أو لا يطيع ، أما المخلوقات الأخرى فمسيرة بالغرائز ، تجد الحيوان يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء بالغريزة .
البطريك طائر ، يعيش في القطبين ، حينما تلد أنثاه بيضة يضعها على قدميه ، ويغطيها بالفرو الذي على جسمه ، ويبقى أربعة أشهر لا يأكل ولا يشرب ، حفاظاً على هذه البيضة ، لو سقطت من على قدميه إلى الثلج لمات الصغير ، بعد أربعة شهر تفقس البيضة ، يوجد معه كمية طعام في حوصلته معدة لهذا الصغير ، يعطي هذا البطريك الصغير وجبة طعام دسمة ، وتأتي الأنثى فتأخذه عندئذٍ يذهب إلى البحر ، ما هذا النظام ! هناك رحمة بأمر تكويني ، هناك عدل بأمر تكويني ، هناك نظام بأمر تكويني ، هناك توزيع اختصاصات بأمر تكويني ، فما سوى الإنسان مسير بالغرائز .
مثل بسيط : الطفل الآن ولد ، إذا وصلت إصبع المولدة إلى شفتيه يمصها فوراً ، والمص عملية معقدة جداً ، عملية معقدة ، إحكام الشفتين على هذه الإصبع ثم سحب الهواء ، منعكس المص غريزة أودعها الله في الطفل كي يعيش ، فالإنسان يتحرك إما بعقله مع معلومات أو بغريزته .
الإنسان كائن بالغ التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز :
الآن الإنسان ، يا ترى الجوع ما حقيقته ؟ الآن أنت بالسيارة عندك مؤشرات ، هناك مؤشر صوتي ، ومؤشر ضوئي ، ومؤشر رقمي ، الحرارة مؤشر رقمي ، فالإنسان إذا لم ينتبه للمؤشر يحترق المحرك ، وهناك مؤشر صوتي ، يوجد سرعة معينة إذا تجاوزتها هناك صوت يصدر من السيارة ، وهناك مؤشر حراري ، الجوع ما نوعه ؟ صوتي أم حراري ؟ لا نعرف ، تجوع ، تجوع بغريزتك وتأكل بغريزتك ، والعطش ، تحس بالعطش بغريزتك ، طبعاً لضمان سلامتك جعل الله الإحساس بالجوع والإحساس بالعطش غريزياً ، تأكل ، الهضم عملية معقدة جداً جداً جداً ، هناك عصارات ، وهناك حركة المعدة ، حركة الأمعاء ، هناك البنكرياس ، والصفراء ، يوجد عصارات ، آلية معقدة جداً ، لو ترك الله الهضم للإنسان ، تتناول وجبة طعام تحتاج إلى أربع أو خمس ساعات هضم ، والله أنا مشغول أهضم الطعام .
لو ترك لك دقات القلب تنام فتموت ، القلب يعمل آلياً ، والهضم يتم آلياً ، وأحياناً أعمالك اليومية تنقلب للحركة الآلية ، تخرج من مكتبك إلى بيتك تقود السيارة وأنت غارق بحديث مع صديقك ، ولا تفكر بالقيادة إطلاقاً ، الأعمال اليومية المتكررة سبحانك يا رب ! تنتقل إلى الجهاز الآلي .
مثلاً : إنسان غيّر بيته ، خلال شهرين أربع أو خمس مرات يسوق مركبته إلى البيت القديم دون أن يشعر ، لأنها مُرَكَّبة على النظام الآلي ، الإنسان كائن بالغ التعقيد ، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز .
الله عز وجل وفر للإنسان وقته وكلفه بعبادته وطاعته :
الله عز وجل جعل لك غرائز لكن أراحك بها ، أنت ضع هذه اللقيمات بفمك والأمر اتركه إلى الله ، حركة الأمعاء ، إفراز العصارات ، إفراز الأنسولين من البنكرياس ، إفراز الصفراء ، الطعام انتقل من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة ، ثم الغليظة ، تمت التصفية ، وأنت غارق ، ذهب قسم من السكريات إلى مركز الشبع فشبعت ، لو درست الإنسان مخلوق عجيب ، يوجد غرائز لا تعد ولا تحصى ، الغرائز من أجل أن تتفرغ لعبادة الله ، أراحك .
والله أعرف إنساناً طبيباً توفي - رحمه الله – هذا الطبيب مركز تنبيه الرئتين الآلي تعطل ، فإذا نام يموت ، الإنسان يتنفس بالليل إرادياً ، أنت تستطيع أن تتنفس إرادياً ، يوجد شهيق ويوجد زفير إراديين ، لكن الله عز وجل جعل التنفس آلياً ، يتم بتنبيه آلي بالدماغ ، هذا المركز الآلي تعطل ، بعد مئة عام صنعوا دواء ، يعد شيء لا يصدق ، هذا الدواء تحتاج أن تأخذه كل ساعة بالليل ، هذا الأخ الطبيب – رحمه الله- يربط أربعة منبهات ، نام الساعة الحادية عشرة ، يربطهم الساعة الثانية عشرة يأخذ حبة ، يأخذها ، يربطهم على الساعة الواحدة ، يأخذها ، وهكذا ، أنت تنام من الساعة العاشرة إلى الساعة الرابعة نوماً عميقاً ، والرئتان تعملان ، والقلب يعمل ، والهضم يعمل ، أي يوجد بالإنسان أجهزة رائعة جداً تعمل لوحدها ، لكن أعطاك حرية الاختيار ، قال لك : فكر بالكون ، هذا عمل إرادي ، قال لك : اعبدني ، عمل إرادي ، اعمل عملاً صالحاً ، عمل إرادي .
فالله عز وجل وفر لك وقتك ، الأعمال المعقدة جداً التي أنت في أمس الحاجة إلها أمّنها لك بغرائز ، وكلفك بعبادته .
إذاً :
الإنسان حينما يخون مرة وثانية وثالثة هذا لا عهد له وينبغي أن يؤدب :
﴿ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) ﴾
اليهود عاهدوا النبي عليه الصلاة والسلام أن يكفوا شرهم عنه ، ثم نقضوا العهد في بدر ، ثم عاهدوه ثانية ، ثم نقضوا العهد في الخندق ،
﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ
خانوه مرتين ، مرة في بدر ، أعانوا قريش عليه ، ومرة في الخندق سمحوا لقريش أن تحاربه من جهتهم ، الآية تقول :
الخائن مع الباطل فعلى الإنسان أن يشرد به حتى يبتعد أنصاره عنه :
إنسان وقع أسيراً وكان قد نكل بالصحابة الكرام ، فأمر النبي بقتله ، فتوسل إليه أن عنده بنات صغيرات ، وليس لهن غيره ، فالنبي رق له ، وعفا عنه ، عاد إلى قتل الصحابة والتنكيل بهم ، وقع أسيراً مرة ثانية ، فلما حاول أن يستعطفهم مرة ثانية ، قال : لا يقول العرب خدع محمداً مرتين .
إذاً :
﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) ﴾
لو أن بينك وبين قوم معاهدة ، وأنت شعرت أن هؤلاء قد يقعون بالخيانة ، أو على وشك الخيانة ، أو تحركوا نحو الخيانة ، عندنا خيانة وقعت ، وخيانة ستقع ، فرق كبير لو أن بينك وبين قوم عهداً وخانوك ابدأ بحربهم ، الخيانة نقض للعهد ، لكن لم ينقضوا العهد بعد ، لكن هناك بوادر ، واتصالات ، وحركة مشبوهة .
الله تعالى يحب الصادقين والتوابين والمتطهرين ولا يحب كل متكبر أو خائن :
يوجد نقطة دقيقة جداً الله عز وجل يتعامل معنا وفق قوانين ، شيء مريح جداً ، أحياناً مثلاً مدير مؤسسة مزاجي ، يغضب بلا سبب ، يرضى بلا سبب ، لا تعرف ماذا سيفعل ، يقولون : كالإسمنت ينهار من دون إنذار ، هناك إنسان مزاجي ، لكن خالق السموات والأرض جعل لك قوانين معه ، فالأمر عنده واضح .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
فأنت ابحث عن الآيات التي تؤكد أن الله يحب الصادقين ، يحب التوابين ، يحب المتطهرين .
﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ
إن الله لا يحب كل متكبر ، لا يحب الخائنين ، ابحث عن الذي يحبه الله والذي لا يحبه .
الإنسان في قبضة الله :
لذلك الإنسان حينما يؤمن يقيناً أنه في قبضة الله بأي لحظة الله يدمره ، أي مع الله لا يوجد ذكي ، ولا يوجد قوي ، فالإنسان بلحظة يفقد حركته ، بقطرة دم لا تزيد عن رأس الدبوس تتجمد في بعض فروع الدماغ ، بعض أوعية الدماغ يصبح مشلولاً ، ساعة فشل كلوي ، ساعة تشمع كبد ، ساعة احتشاء بالقلب ، ساعة شلل ، ساعة مرض معين ، الأمراض العضالة لا تعد ولا تحصى ، والله عز وجل بأي لحظة يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، فهذا الذي يتحرك بلا منهج ، يعتدي على الناس ، يأكل المال الحرام ، على ماذا يعتمد ؟ أنت في قبضة الله ، أحياناً الإنسان ينجو من مصيبة عامة ، ليس معنى هذا إذا نجا أنه لن يقع في مصيبة أخرى ، أنت في قبضة الله ، لذلك :
(( عن أبي ذر الغفاري قال اللهُ تعالَى : يا عبادي ! إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُه مُحرَّمًا فلا تَظالموا ، يا عبادي ! إنَّكم تُخطِئون باللَّيلِ والنَّهارِ وأنا أغفِرُ الذُّنوبَ جميعًا ولا أُبالي فاستغفروني أغفِرْ لكم ، يا عبادي ! كلُّكم جائعٌ إلَّا من أطعمتُ فاستطعِموني أُطعِمْكم ، يا عبادي ! لم يبلُغْ ضُرٌّكم أن تضُرُّوني ولم يبلُغْ نفعُكم أن تنفعوني ، يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإِنسَكم اجتمعوا وكانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ منكم لم يُنقِصْ ذلك من مُلكي مثقالَ ذرَّةٍ ، ويا عبادي ! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإنسَكم اجتمَعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني جميعًا فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ منهم مسألتَه لم يُنقِصْ ذلك ممَّا عندي إلَّا كما يُنقِصِ المَخيطُ إذا غُمِس في البحرِ ، يا عبادي ! إنَّما هي أعمالُكم تُرَدُّ إليكم ، فمن وجد خيرًا فليحمَدْني ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلَّا نفسَه . ))
(( إني والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض علي منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري ، أهل مودتي ، أهل شكري ، أهل زياتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها . ))
المؤمن يرى أنه في قبضة الله فهو متأدب معه ويشكره على ما أعطاه :
الله عز وجل قال :
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ
الكيد هو التدبير ، المتانة في الفيزياء مقاومة قوى الشد ، أمتن شيء بالأرض الفولاذ المضفور ، وأقسى شيء في الأرض الألماس ، الألماس يتحمل قوى الضغط ، والفولاذ المضفور يتحمل قوى الشد .
مثلاً : الإسمنت يجب أن يكون مسلحاً ، لأن سنتيمتراً مكعباً من الإسمنت يتحمل خمسمئة و خمسين كيلو ضغط ، لا يتحمل خمسة كيلو شد ، أما الشد لو وضعته بآلة فيها شد على خمسة كيلو فينكسر ، إذاً يحتاج إلى تسليح بالحديد ، الإسمنت المسلح ، فالله عز وجل يقول :
هذا الذي هدم سبعين ألف بيت بغزة ، هذه السنة السادسة أعتقد لم يمت إلى الآن ، صار وزنه ثلاثين كيلو ، كان مثل الدب ، صار وزنه ثلاثين كيلو ، انتقام من الله . لذلك :
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين