- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (008)سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الحدّ الأقصى والحدّ الأعلى :
أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الخامس والعشرين من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية السادسة والستين ، وهي قوله تعالى :
﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) ﴾
أيها الإخوة ؛ قد يسأل سائل في الآية السابقة :
عظمة هذا الدين وجود حدٍّ أدنى يستطيعه كل الناس وحدّ أعلى يفعله الأبطال :
حينما أُلزم علماء المسلمين أن يقولوا بخلق القرآن ، بعضهم كنوا عن موافقتهم بكناية قال : القرآن ، والإنجيل ، والتوراة ، والزبور كلها مخلوقة وقصد أصابعه ، هذا الحد الأدنى ونجوا ، أما ابن حنبل قال : لا ، لا أقول بخلق القرآن ، فدخل السجن وعُذب كثيراً ، ابن حنبل أخذ الحدّ الأعلى ، بقية العلماء أخذوا الحدّ الأدنى .
إذاً عظمة هذا الدين أنه يوجد حدّ أدنى يستطيعه كل الناس ، ويوجد حدّ أعلى يفعله الأبطال ، فلو ألغينا الحدّ الأعلى لألغيت البطولة في الأرض ، لو أن أصحاب الأخدود قبلوا تحت تهديد القتل أنه إله ، لا شيء عليهم ، الله عز وجل ما كلف الإنسان ما لا يطيق ، لكن أصحاب الأخدود رفضوا أن يعترفوا بألوهيته فدفعوا حياتهم ثمناً لهذا الموقف البطل .
(( عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لمَّا كانت اللَّيلةُ الَّتي أُسْرِيَ بي فيها أتتْ علَيَّ رائحةٌ طيِّبةٌ ، فقلْتُ : يا جِبريلُ ، ما هذه الرَّائحةُ الطَّيِّبةُ ؟ فقال : هذه رائحةُ ماشطةِ ابنةِ فِرعونَ وأولادِها ، قال: قلتُ : وما شأنُها ؟ قال : بيْنما هي تَمشُطُ ابنةَ فِرعونَ ذاتَ يومٍ إذ سقَطتِ المِدْرى مِن يَدَيها ، فقالتْ : باسمِ اللهِ ، فقالتْ لها ابنةُ فرعونَ : أبي ، قالت : لا ، ولكنْ ربِّي وربُّ أبيكِ اللهُ ، قالت : أُخْبِرُه بذلك ؟ قالت : نعمْ ، فأخبرتْه ، فدعاها ، فقال : يا فلانةُ وإنَّ لكِ ربًّا غيري ؟! قالت : نعمْ ، ربِّي وربُّكَ اللهُ ، فأمَرَ ببَقرةٍ مِن نُحاسٍ فأُحْمِيَتْ ، ثمَّ أمَرَ بها أنْ تُلقى هي وأولادُها فيها ، قالت له : إنَّ لي إليكَ حاجةً ، قال : وما حاجتُكِ ؟ قالت : أُحِبُّ أنْ تَجمَعَ عِظامي وعظامَ ولدي في ثَوبٍ واحدٍ وتَدفِنَنا ، قال : ذلكِ لكِ علينا مِن الحقِّ ، قال : فأمَرَ بأولادِها فأُلْقوا بيْن يَدَيها واحدًا واحدًا ، إلى أنِ انتَهى ذلك إلى صَبيٍّ لها مُرضَعٍ وكأنَّها تَقاعَسَتْ مِن أجلِه - والحديث في الصحاح - قال : يا أُمَّه اقتَحِمي ؛ فإنَّ عذابَ الدُّنيا أهونُ مِن عذابِ الآخرةِ ، فاقتحَمَتْ . ))
معنى ذلك بكل موقف هناك حدّ أعلى يجعلك بطلاً ، والله عز وجل ما كلفك فوق ما تطيق ، فعمل لك حداً أدنى ، واضح ؟ هذا شأن المسلمين في كل مكان ، هناك حدّ أعلى له ثمن باهظ وله مكانة كبيرة ، وهناك حدّ أدنى لا يوجد عندك إمكان أن تضحي بحياتك فقبلت .
كلُّ إنسان مخير وعندما يختار الأيسر والأسهل لا شيء عليه :
لذلك الله عز وجل قال :
﴿
فالإنسان عندما يختار الأيسر والأسهل لا شيء عليه .
لكن هناك قصة ذكرتها مرة في بلد إسلامي ، الله عز وجل كافأ الأول برقم فلكي - في ذلك الوقت كنت بتركيا - قلت له : أعطى الأول عشرة آلاف دولار ، والثاني أعطاه عشرة آلاف تركي ، الثاني أخذ أجراً لكنه قليل جداً بالقياس إلى أجر البطل ، فأنت مخير ، الله عز وجل ما كلفك ما لا تطيق ، إن أردت أن تكون بطلاً هناك ثمن كبير جداً ، ومكافأة فلكية ، إن أردت أن تكون كأي إنسان عادي الحد الأدنى تأخذ به .
فلذلك مع قوة الإيمان ، مع نزع الدنيا من قلب الإنسان ، مع البعد عن أهل الضلال ، قد يأخذ الإنسان الموقف الأعلى ، قد يكون إيمانه قوياً جداً ، عندئذٍ تأتي الآية الأولى :
كل أمر كلف الله به الإنسان هو أمر ضمن وسعه :
أيها الإخوة ، لكن يجب أن تعلموا علم اليقين أن الله جلّ جلاله
﴿
يجب أن تؤمن كل خلية بجسمك ، وكل قطرة بدمك ، أن غضّ البصر في أصعب الأزمنة ، وفي زمن الكاسيات العاريات ، المائلات المميلات ، في زمن أن المرأة تمشي في الطريق تبدو كل مفاتنها ، في هذا الزمن الصعب غض البصر ضمن وسعك ، ما دام هناك أمر إلهي هذا الأمر ضمن وسع الإنسان ، لكن ضمن وسع الإنسان الصادق الذي أراد الدار الآخرة ، الذي أراد الله ورسوله والدار الآخرة ، أما إذا كان هناك إصرار على الدنيا فيقول لك : هذا شيء فوق طاقتي ، متى يرى هذا الشيء فوق طاقته ؟ إذا أراد الدنيا .
إذاً :
القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام :
أيها الإخوة ، الحقيقة الدقيقة : قس الوسع بالتكليف ، الأصل هو التكليف ، فمادام الله قد كلفك بأمر هذا الأمر يقيناً وقطعاً ضمن وسعك ، أما الناس فيقيسون التكليف بوسعهم ، هو مُصر على المعصية ، بعيد عن الله ، آثر الدنيا ، يقول لك : لا أستطيع ، وقد قيل : اعلم يقيناً أن الأمر الذي تتوهم أنك لا تستطيعه هو الأمر الذي لا تريد أن تفعله ، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى .
إنسان في صعيد مصر ، أمّيّ ، لا يقرأ ولا يكتب ، أرسل ابنه إلى الأزهر ، وعاد بعد خمس سنوات شيخاً ، وألقى خطبة في جامع القرية ، فبكى الأب بكاءً مراً ، وقد ظن الناس أن هذا البكاء الشديد كان فرحاً بابنه الذي أصبح خطيباً ، لكن الحقيقة هي العكس ، كان هذا البكاء الشديد أسفاً على عمر ضيعه في الجهل ، في اليوم التالي ركب دابته وتوجه إلى القاهرة ، الطريق ألف كيلو متر ، وعلى الدابة مسير شهر ، وصل بعد شهر إلى القاهرة ، سأل : أين الأزعر ؟ لا يحفظ اسمه ، توهمه أزعر ، قيل له : لا يوجد عندنا أزعر ، عندنا أزهر ، قال : هذا الذي يتعلم الطلاب به ، أخذوه في الخامسة والخمسين إلى الأزهر وتعلم القراءة والكتابة ، ثم طلب العلم ومات في السادسة والتسعين ومات شيخ الأزهر .
إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام ، والله مستحيل وألف ألفِ مستحيل أن تطمح لشيء وتصدق في طلبه ولا تصل إليه ، من سابع المستحيلات .
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾
ما دام الله قد كلفك فهذا ضمن وسع الإنسان لقوله تعالى :
مستوى الإيمان الضعيف مقبول عند الله مع مضي الزمن والفتوحات والغنائم والأموال :
لكن سؤال :
أيها الإخوة ، الملخص أنك إذا واجهت رجلين ، وفررت منهما ، فأنت فار من الزحف ، وهي من الكبائر ، إذا واجهت رجلين ، وفررت منهما ، فأنت بالتقييم الدقيق فار من الزحف ، لأن هذا الحد الأدنى ، أما إذا واجهت عشرة وفررت منهم فهذا دليل ضعف الإيمان ، لكن لو فررت من ثلاثة لا تعد عديم الإيمان ، أما من اثنين أقل من ضعيف ، أي راسب .
الله عز وجل مع المؤمنين بالتوفيق والتأييد والنصر والحفظ :
أما قول الله عز وجل :
إذا قلت :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا
أي معكم بعلمه ، هناك معية عامة ، أما إذا قال الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
هذه معية خاصة .
المعية الخاصة لها ثمن وثمنها الآية التالية :
الله عز وجل يبين لنا أن هذه المعية الخاصة لها ثمن .
﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) ﴾
هذا ثمن معية الله عز وجل ، ولا تنسوا أبداً أنه إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
الآيات تصبح :
دلالات القصة التالية :
أيها الإخوة الكرام ؛ في موضوع غزوة بدر ، كلكم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام اختار لأصحابه مكاناً مناسباً في هذه الغزوة ، فجاء صحابي جليل اسمه الحُباب بن المنذر- أنا ما رأيت قصة لها دلالات كهذه القصة- قال له : يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ أي إذا كان وحياً لا أتكلم ولا كلمة ، أما إذا كان اجتهاداً لي كلام ، لكن حكمة الله المطلقة أن الله حجب عن نبيه الموقع المناسب ، حجبه عنه وحياً ، وحجبه عنه اجتهاداً ، وحجبه عنه إلهاماً ، فجاء هذا الصحابي بأدب جمٍّ قال له : يا رسول الله هذا المكان وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ قال له : هو الرأي والمشورة ، دقق ، قال له : والله يا رسول الله ليس بموقع ، أي موقع غير مناسب ، فالنبي الكريم ببساطة وبعفوية وبمودة قال له : أين الموقع المناسب ؟ أشار له بموقع آخر ، وأعطى أمراً لأصحابه أن ينتقلوا إلى هذا الموقع - القصة دقيقة جداً ومعبرة جداً- القصة تعني أن النبي معصوم من أن يخطئ بأفعاله ، وأقواله ، وإقراره ، لكن لحكمة بالغةٍ بالغة حجب الله عنه الموقع المناسب ، حجبه وحياً ، وحجبه إلهاماً ، وحجبه اجتهاداً ، فكان الموقع الذي اختاره لم يعجب هذا الصحابي ، فهذا الصحابي من شدة أدبه قبل أن يدلي برأيه قال له : هذا الموقع وحي أم رأي ؟ فإن كان وحياً لا أتكلم ولا كلمة ، وإن كان رأياً نصح ، الآن :
(( عن تميم بن أوس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
الآن النبي معصوم ، إلا أن فضيلة واحدةً لا يمكن أن تبدو منه ، فضيلة الرجوع إلى الصواب ، هو معصوم ، فكيف يظهر بهذه المكرمة وهذه الفضيلة ؟ لا بد من أن يحجب عنه الموقع المناسب وحياً ، وإلهاماً ، واجتهاداً ، ويأتي صحابي مؤدب جداً ويسأله ؟ يجيبه أن هذا الرأي والمشورة ، يقول له : ليس بموقع .
لذلك هذه القصة لها دلالات كبيرة جداً تبين أنه حتى الفضيلة التي لا يمكن أن تظهر من النبي لأنه معصوم ، الله عز وجل هيأ له ظرفاً دقيقاً ، وظهرت هذه الفضيلة ، فضيلة الإصغاء إلى الناصح ، فضيلة الرجوع إلى الصواب ، فكانت هذه القصة من معالم سيرته النبوية صلى الله عليه وسلم .
من كان مع الله كان الله معه :
أما كلمة :
لكن واقع العالم أن الغرب أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألهها ، ونسي الله ، فوقع في الشرك ، وأن الشرق لم يأمر بها أصلاً فوقع في المعصية ، والصواب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
لكن حينما وصل المطاردون إليه هناك ملمح دقيق جداً ، لو أنه أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، ووصلوا إليه ، لانهارت قواه ، لكنه أخذ بالأسباب طاعة لله ، واعتمد على الله ، فلما وصلوا إليه قال له أبو بكر : " يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا " ، فقال :
(( عن أبي بكر الصديق قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ فقال :
أي إذا كان الله معك فمن عليك ؟ أي
من كان مع الله أيده الله بالسكينة والطمأنينة والسعادة :
لذلك
لا تنس هذه المقولة : يا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ .
حينما تكون معه يُنزل الله على قلبك السكينة ، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، هذه السكينة أكبر عطاء إلهي ، طمأنينة ، ثقة ، قوة شخصية ، سعادة ، رضا ، تفاؤل ، معنويات مرتفعة جداً ، هذه السكينة .
استشارة النبي الكريم أصحابه في أسرى معركة بدر :
أيها الإخوة الكرام ؛ شيء آخر : هذه الموقعة- موقعة بدر - تمّ أسر سبعين قرشياً ، فالنبي الكريم استشار أصحابه الكرام فقال : ما ترون في هؤلاء الأسرى ؟ ماذا نفعل بهم ؟ إن الله قد أمكنكم منهم ، وإنما هم إخوانكم بالأمس ؟ فقال أبو بكر : "يا رسول الله أهلك وقومك ، قد أعطاك الله الظفر ، ونصرك عليهم ، هؤلاء بنو العم ، والعشيرة ، والإخوة ، استبْقهم ، أي اعفُ عنهم ، وإني أرى أن تأخذ الفداء منهم ، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى الله أن يهديهم بك ، فيكونوا لك عضداً " ، فقال عليه الصلاة والسلام : ما تقول يا بن الخطاب ؟
نحن أحياناً بالأخبار نسمع أن هذا الوزير من الصقور ، وهذا الوزير من الحمائم ، هناك وزير صقر ، وهناك وزير حمامة ، فلما سأل سيدنا عمر ، قال له : " يا رسول الله قد كذبوك ، وأخرجوك ، وقاتلوك ، ما أرى ما رأى أبو بكر ، أرى أن تمكنني من فلان فأضرب عنقه ، وأن تمكّن علياً من عقيل فيضرب علي عنقه ، وتمكّن حمزة من فلان حتى يضرب عنقه ، حتى ليعلم الله أنه ليس في قلوبنا مودة للمشركين ، هؤلاء صناديد قريش ، وأئمتهم ، وقادتهم ، فاضرب أعناقهم ، ما أرى أن يكون لك أسرى ، فإنما نحن راعون مؤلفون " ، هذا رأي الصقور ، أول رأي رأي الحمائم .
وقال عبد الله بن رواحة : "يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب ، فأضرمه عليهم ناراً " فقال العباس وهو يسمع ما يقول : " قطعت رحمك" ، قال أبو أيوب : فقلنا - أي الأنصار- : "إنما يحمل عمر ما قال حسد لنا " ، فدخل عليه الصلاة والسلام البيت ، فقال أناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال أناس : يأخذ بقول عمر ، وقال أناس : يأخذ بقول عبد الله ابن رواحة ، ثم خرج فقال :
في حياتنا اليومية ضمن الشرع هناك إنسان لين ، وهناك إنسان قاس .
مثلك يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل يتنزل بالرحمة ، ومثلك يا أبا بكر في الأنبياء كمثل إبراهيم ، قال :
﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ
ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال :
﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) ﴾
ومثلك يا عمر في الملائكة كمثل جبريل يتنزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله ، ومثلك في الأنبياء كمثل نوح إذ قال :
﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) ﴾
ومثلك في الأنبياء كمثل موسى إذ قال :
﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا
لو اتفقتما ما خالفتكما ، لكن واحد مع الصقور ، وواحد مع الحمائم ، واحد شديد وواحد لين ، أخذ قراراً لا يَفلتَنَّ منكم أحد إِلا بِفداء ، أو ضَرب عُنُق ، ومن بين الأسرى كان عدد كبير من أغنياء قريش ، النبي أخذ قرار فداء أو قتل .
أيها الإخوة ، لذلك قال تعالى :
﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) ﴾
أيها الإخوة الكرام ، تتمة هذه الآيات وشرحها في الدرس القادم إن شاء الله تعالى .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين