وضع داكن
24-04-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 05 - الحض على الإنفاق والرزق الحلال ولو كفافا .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الإنسان الفالح الذكي هو الذي يصطفي من العلم ما ينفع ومن العمل ما يُقبل :

 يقول عليه الصلاة والسلام:

((اللَّهمَّ إِني أَعوذ بك من علم لا ينفعُ، ومن قَلبٍ لا يَخشَع، ومن نَفسٍ لا تشبع، ومن دعوة لا يستَجَاب لها))

[أخرجه مسلم عن زيد بن أرقم]

 الإنسان عمره محدود, ومادام عمره محدوداً فلابد من أن يصطفي؛ لو أنه يعيش أبد الدهر, لو تعلم كل العلوم لا مانع من ذلك, لو أنه يعيش أبد الدهر, لو فعل كل شيء لا مانع من ذلك, أما مادام له عمر محدد فلا بد من أن يصطفي من العلم ما ينفع, ومن العمل ما يرجى خيره, أما أن يفعل كل شيء, ويجرب كل شيء, ويمارس كل شيء, وله عمر محدود، فقد يكون ضحية خطأ واحد.
 فلذلك كان عليه الصلاة والسلام يدعو ويتعوذ بالله من علم لا ينفع, أي وضع الإنسان في الحياة الدنيا كوضع طالب أمام مكتبة كبيرة, أربعة جدران من الأرض إلى السقف, كلها كتب, ومن بين هذه الكتب كتاب واحد سيؤدي فيه امتحاناً بعد أسبوع, ويبنى على نجاحه في الامتحان تعيينه في وظيفة, ويبنى على تعيينه في الوظيفة زواجه, ويبنى على زواجه شراء بيت, فإذا كان مستقبله يبنى على نجاحه في هذا الكتاب, وفي مكتبته مئة ألف كتاب, فلابدّ من أن يختار من هذه الكتب الكتاب المقرر.
 لذلك: الإنسان الفالح الذكي, والناجح هو الذي يصطفي من العلم ما ينفع, ومن العمل ما يقبل, ومن كل شيء ما يرجى ثوابه, ويخشى أن يفوته هذا الثواب.
 فلذلك: الإنسان حياته الدنيا ثمينة, وقصيرة, ومحدودة، فلابدّ من أن يصطفي كل علم ممتع, بشكل عام: أي علم! العلم بحدّ ذاته فيه متعة, لكن ليس كل علم ممتع نافع.

 

على الإنسان أن يتجاوز العلم الممتع إلى العلم النافع :

 إذاً: يجب أن نتجاوز العلم الممتع إلى العلم النافع؛ وكل علم نافع قد ينفع في الدنيا, ولا ينفع في الآخرة, فلابدّ أن نبحث عن علم ينفع في الدنيا والآخرة؛ إنه العلم الديني، هو علم ممتع, نافع, مسعد, أي يمكن أن يكون المكسب كله في الدنيا, فإذا توقف القلب, وانتهى الأجل، كل شيء تركه في الدنيا, لكن قد يكون العلم أساسه علم بالآخرة, فإذا جاء الأجل أخذ معه كل شيء؛ ففرق كبير بين أن تدع كل شيء وبين أن تأخذ كل شيء.
 لذلك في حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

((قد أفْلَحَ مَنْ أسلم، ورُزِقَ كفافاً، وقَنَّعه الله بما آتاه))

[أخرجه مسلم والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 الإنسان أحياناً يرزق رزقاً وفيراً, ويصبح في حياته الدنيا خادماً لهذا الدين, ولا يستمتع منه إلا بالقدر اليسير, بينما هو مشغول في تنميته, وتوظيفه, واستثماره, إلى أن يوافيه الأجل, أما الذي أسلم, والتفت إلى الدار الآخرة, والعمل الصالح, وكان رزقه كفافاً يغطي حاجاته, وقنعه الله بما آتاه هذا هو العاقل.

 

طلب الرزق فريضة بعد الفريضة :

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

((يا بنَ آدم، إِنَّكَ إن تَبْذُلَ الفَضلَ خير لك، وإن تُمْسِكَهُ شرّ لك، ولا تُلامُ على كَفاف، وابدأْ بمن تَعُولُ، واليدُ العليا خير من اليد السُّفْلى))

[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي أمامة الباهلي]

 هذه مفارقات من دون إيمان بالآخرة, البذل والجمع ذكاء, إذا كان هناك آخرة انعكست الآية:

((يا بن آدم, إنك إن تبذل الفضل خير لك))

 العطاء في نقص, لكن العطاء في غنى في الآخرة,

((وإنك إن تمسكه شر لك))

 الذي أنفقته هو الذي بقي, والذي أمسكته هو الذي خسرته, أكلتها ذهبت, أطعمتها بقيت,

((ولا تلام على كفاف))

 إذا سعيت من أجل رزق كفاف لا تلام على ذلك, طلب الرزق فريضة بعد الفريضة؛ وابدأ بمن تعول أي:

(( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول))

[ أبو داود عن عبد الله بن عمرو]

 أنا أقول: الأولاد الآخرون أنت لهم, و غيرك لهم؛ أما أولادك فمن لهم غيرك؟ الآخرون أنت لهم, وغيرك لهم؛ أما أولادك فأنت وحدك لهم, فإن ضيعتهم قصرت في عمل أساسي مناط بك

((ولا تلام على كفاف, وابدأ بمن تعول, واليدُ العليا خير من اليد السُّفْلى))

 كان السلف الصالح يعطي العطاء بالطريقة هذه من باب الأدب، أما المعطي الذي يعطي يده عليا, والذي يأخذ يده سفلى؛ لأن النبي يشجعنا على التفوق في الحياة, والناس لا يحترمون دينك إلا إذا تفوقت في الحياة

((اليدُ العليا خير من اليد السُّفْلى))

 والإنسان أحياناً يفهم الدين فهماً شمولياً؛ فحرفتك التي هي حرفتك, وترزق منها, إذا كانت مشروعة في الأصل, وسلكت بها الطرق المشروعة, وابتغيت منها كفاية نفسك, وأهلك, وخدمة المسلمين, ولم تشغلك عن فريضة, ولا عن واجب انقلبت هذه الحرفة إلى عبادة, إلى عبادة لا تقل عن العبادات الأخرى .
 الدين شمولي, والدين هو الحياة, والحرف التي يحترفها الإنسان أو يمارسها بنية طيبة, بنية خدمة المسلمين, والتخفيف عنهم, وحل مشكلاتهم, ونصحهم؛ تنقلب حرفته عبادة.

 

الأعمال مهما تكن شاقة هي قربة لله عز وجل :

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

((لأن يأخذ أحدكُم أحْبُلَهُ، ثم يأتي الجبلَ فيأتي بحُزْمة من حَطَب على ظهره فيبيعها، خير له من أن يسأل الناس أعْطَوْهُ أم مَنَعوُه))

[أخرجه البخاري عن الزبير بن العوام]

 الأعمال مهما تكن شاقة ـ التي تحفظ لك ماء وجهك ـ هذه الأعمال قربة إلى الله عز وجل.
 الإنسان يتوهم إذا جلس في المسجد, وقرأ القرآن, وذكر الله عز وجل هو أعلى شيء, أما إذا لم يكن هناك من ينفق عليه, كان عبئاً على الناس, لا, إذا ذهب, وعمل, وكسب قوت يومه بيده, وأطعم والديه, وأولاده, وزوجته؛ هذا العمل أفضل من أن تكون عبئاً على المجتمع, وأن تكون يدك هي السفلى .
 لذلك: لما رأى النبي رجلاً يصلي في غير أوقات الصلاة, قال:"من يطعمك؟ قال: أخي, قال: أخوك أعبد منك".

 

أحلّ أنواع الطعام ما كان نتيجة عمل يدوي في كسب رزق :

 والحديث الأخير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكلَ من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده))

[أخرجه البخاري عن المقدام بن معد يكرب]

 أحلّ أنواع الطعام ما كان نتيجة عمل يدوي في كسب رزق, أحياناً يأتي من كلمة, يأتي من وساطة, هناك شبهات تدخل في الرزق, الذي يأتي بالوساطة ـ ليس كل وساطة رزقها فيه شبهة ـ هناك وساطة فيها جهد كبير, سألني البارحة شخص قال له: إنسان مستورد, استورد صفقة قماش, أعطاها لدلال, فهذا الدلال أخذ الصفقات, وسافر إلى أن يبيع جزءاً منها, فأنت إذا أعطيته نسبة على مبيعاته هذه اسمها وساطة لكن مقابل جهد حقيقي, أنت مرتاح في مكتبك, أنت كنت في مركز عال استوردت بضاعة, ووضعتها بمستودع, وكلفت الإنسان الوسيط أن يبيعها, وهذا الإنسان تعب, اشتغل أسبوعين, ثلاثة؛ لم يأكل في بيته, ونام خارج البيت، فهذه وساطة حقيقية, ويأخذ أجره حلالاً عليه ـ ليس كل وساطة دخلها فيه شبهة ـ أما أحياناً لم يفعل شيئاً, لكن لأنه تكلم كلمة يريد أن يأخذ مليوني ليرة على بيع البيت, البيت بيع بمئة مليون, لي بالمئة اثنان, الكلمة التي تكلم بها لا تتناسب مع المصداق, فهناك نوع من الوساطة فيها شبهة, و هناك نوع حقيقي مقابل جهد حقيقي, ووقت بذله، أما العمل اليدوي لا شك أنه حلال مئة في المئة؛ لأنه جهد حقيقي, وفيه عرق, وفيه كد.
 فلذلك المسلم إنسان عملي, والمسلم متفوق في دنياه, ومخلص, لذلك الناس يحترمون دينه؛ لأن يده عليا, وعمله متقن, والدين هو الحياة, فالإنسان إذا كانت له حرفة صالحة, ومشروعة, وفي خدمة المسلمين، فعمله في هذه الحرفة جزء من دينه.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور