وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 01 - سورة الزمر - تفسير الآيتين 1- 4 ، الإخلاص والطاعة لله عز وجل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. 

 

الحكمة من تنزّل القرآن منجَّماً على النبي الكريم:


أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأول من سورة الزمَر، ومع الآية الأولى، بسم الله الرحمن الرحيم: 

﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)﴾

[ سورة الزمر ]

 كلمة تنزيل قال بعض العلماء تختلف عن كلمة إنزال، الإنزال يُفْهَمُ من هذه الكلمة أن القرآن أُنزِلَ دفعةً واحدة، وكلمة تنزيل يُفهم منها أن القرآن أُنزل مُنَجَّماً، على حسب الحوادث والمناسبات، ولحكمةٍ أرادها الله عزَّ وجل أنزل القرآن دفعةً واحدةً على قلب النبي عليه الصلاة والسلام، ثمَّ أنزله منجَّماً بحسب الحوادث والمناسبات.

وبعض العلماء يرى أن من حكمة الله في تنزيل القرآن منجَّماً أن التشريع إذا جاء على إثر حادثةٍ، هذه الحادثة تدعو إلى التساؤل، ويقع الناس في حيرةٍ من أمرهم، ماذا يفعلون؟ يأتي حكم الله عزَّ وجل، هذا أبلغ في نفوس المؤمنين، وأوقع من أن يأتي حكمٌ مجرَّدٌ لا علاقة له بحياتهم، وبالأحوال التي يعيشونها، هذه واحدة. 

والشيء الثاني هو أن النبي عليه الصلاة والسلام سيواجه صعوباتٍ كبيرة، ومعارضاتٍ واسعة، فإذا كان القرآن يتنزَّل على قلبه على مُدَّةٍ طويلةٍ فهذا أعون على تثبيت النبي عليه الصلاة والسلام، فشاءت حكمة الله أن يتنزَّل القرآن منجَّماً على النبي الكريم. 

شيءٌ آخر؛ هو أن كل الأحداث التي وقعت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، والتي في ضوئها نزل تشريعٌ حكيم، أو نَطَقَ النبي عليه الصلاة والسلام بتوجيهٍ كريم، هذه الأحداث ليست مقصودةً لذاتها، المقصود لذاته هو التشريع الإلهي والسنَّة النبويَّة، فكلُّ الأحداث التي وقعت إنما يراد منها أن يكون القرآن حُكْمَاً، وسنَّة النبي عليه الصلاة والسلام تشريعاً. 

 

كل الأحداث التي وقعت في عهد النبي ليست مقصودةً لذاتها إنما المقصود التشريع:


حينما أنزل النبي جيشه في معركة بدر في موقعٍ ما، وجاءه الحُباب بن المنذر رضي الله عنه، وهو من أصحاب رسول الله، وسأله: يا رسول الله أهذا الموقع أوحاه الله إليك أم هي المكيدة والمشورة والرأي؟ كلامٌ دقيقٌ في أعلى درجات الأدب، إن كان هذا الموقع أوحاه الله إليك فهذا من عند الله، أما إذا كان هذا الموقع من قِبَل الرأي والمشورة والمكيدة فليس بموقع، أليس الله قادراً على أن يوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام بالموقع المناسب؟ بلى، أليس الله قادراً على أن يلهم النبي عليه الصلاة والسلام بالموقع المناسب؟ بلى؛ ولكن هذا الحدث وقع ليقف النبيُّ الموقف الكامل ممن قدَّم له نصيحةً مخلصة، إذاً علّمنا النبي، أو علَّم أصحابه، وعلَّم أمَّته من بعده، وعلَّم العلماء والأمراء من بعده أنه إذا جاءتكم نصيحةٌ مخلصةٌ أساسها الغيرة على الدين فاستجيبوا لها، والنبي عليه الصلاة والسلام استجاب لهذا الرأي، ونقل الجيش إلى الموقع الذي ارتآه سيدنا الحُباب بن المنذر. 

إذاً هذا التشريع، هذا الموقف الكامل، هذه القدوة التي وقفها النبي عليه الصلاة والسلام، ما كان لها أن تكون لولا هذا الذي جرى، إذاً هذا الذي جرى ليس مقصوداً لذاته، المقصود لذاته أن يكون النبي في تصرُّفاته مشرِّعاً، وفي مواقفه كاملاً. 

حينما أَمَّرَ النبي عليه الصلاة والسلام أنصارياً على بعض أصحابه في سريَّةٍ، وفي الطريق تغاضبوا، وأمر هذا الأمير أن تُضْرَم نارٌ كبيرة، وقال لأتباعه أو لمن معه: "اقتحموها ألست أميركم؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله؟"، وقف أصحابه متردِّدين، بعضهم قال: علينا أن نقتحمها، وبعضهم قال: إنما آمنا بالله ورسوله فراراً منها، كيف نقتحمها؟ حينما عادوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: "والله لو اقتحمتموها لا زلتم فيها إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف"

إذاً يجب أن نؤمن أن كل الأحداث التي وقعت في عهد النبي، والتي في ضوئها، أو على إثرها، أو في مناسبتها تنزَّل قرآنٌ كريم، أو نطق النبي بحكمٍ هو من قَبِيل السنة، أو من قبيل الوحي غير المتلو، هذه الأحداث ليست مقصودةً لذاتها، إنما المقصود التشريع، والاقتداء بسنَّة النبي عليه الصلاة والسلام، هذه حكمةٌ من حكم الله في أن القرآن نزل منجَّماً، فكلَّما نشأت مشكلة عند أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وتوجَّهوا إلى النبي بسؤال، جاء حكم الله عزَّ وجل، فالحكم الذي يتنزَّل إثر مشكلةٍ، أو حادثةٍ، أو قضيَّةٍ، أو مُعْضِلَةٍ يكون أوقع في النفس مما لو تنزَّل الحكم بلا سببٍ، وبلا مبرِّر، وبلا مناسبةٍ، تجعله حُكماً عظيماً في نفوس أصحاب النبي. 

 

القرآن ليس من قِبَل البشر بل من عند خالق البشر فهو كتابٌ لا ريب فيه:


إذاً كلمة تنزيل توحي أو نشعر من خلالها أن القرآن نزل منجَّماً بحسب الوقائع والمناسبات، على مدَّةٍ مقدارها ثلاثة وعشرون عاماً.

﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ﴾ هذا الكتاب، إن قلنا قرآناً فمن فعل قرأ، وإن قلنا كتاباً فمن فعل كتب، فهذا الذي نزَّله الله على النبي عليه الصلاة والسلام سمَّاه الله تارةً قرآناً لأنه يُقْرَأ، وسمَّاه الله تارةً كتاباً لأنه مكتوبٌ: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ دائماً يقولون: الرسالة شرفُها من شرف المرسل، كلَّما عظُمَ المرسِل عظُمَت الرسالة، ادخل إلى مكتبةٍ أيها الأخ الكريم ترى فيها عشرات الألوف من الكتب، كتبٌ في شتَّى العلوم، والآداب، والفنون، قديماً وحديثاً، لمؤلِّفين مشاهير، ولمؤلِّفين مغمورين، كتبٌ تبحث في الكليَّاتٍ، كتب تبحث في الجزئيَّات، كتبٌ فيها ضلالات، كتبٌ فيها هنات، كتبٌ فيها صواب، الكتب لا تُعَدُّ ولا تحصى، ولكن أيها الأخ الكريم ألا ينبغي أن تشعر أن القرآن شيءٌ آخر؟ من الله العزيز الحكيم، كل الكتب مهما تنوَّعت، ومهما اختلفت كلها من تأليف البشر، والبشر: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  عن النبي صلى الله عليه وسلم : 

(( كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ. ))

[ ابن ماجة : صحيح ]

الإنسان ليس معصوماً، إذاً ما من كتابٍ على وجه الأرض إلا يؤخَذ منه ويُرَدُّ عليه، ما من كتابٍ على وجه الأرض إلا وفيه حقائقُ وأغلاط، لماذا؟ لأن المؤلِّف الغلط مركَّبٌ في طبعه، لكنك إذا تلوت كتاب الله عزَّ وجل، هذه حقيقةٌ كُبرى يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا القرآن ليس من قِبَل البشر؛ بل من عند خالق البشر، لهذا ورد أنه: "فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ" ، كم هي المسافة كبيرة جداً بين المخلوق والخالق! بين الحادث والمُحْدِث! بين الحديث والقديم! بين إنسان سبقه عدمٌ وينتهي إلى عدم! محدود في تفكيره، محدود في علمه؛ وبين خالق البشر، فلذلك حينما نمسك بكتاب الله هذا كتابٌ لا ريب فيه، هذا كتابٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هذا كتابٌ نورٌ مبين، وحبل الله المتين، كل من اقتدى بهديه نجا وسعد، وكل من جعله خلف ظهره ساقه إلى النار. 

 

الأسماء التي سمَّى الله بها نفسه أسماءٌ حسنى والله هو الاسم الجامع لكل هذه الأسماء:


﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ من هو الله؟ صاحب الأسماء الحسنى: 

﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)﴾

[ سورة الإسراء ]

أي كل الأسماء التي سمَّى الله بها نفسه أسماءٌ حسنى، واللهُ هو الاسم الجامع لكل هذه الأسماء، أو هو عَلَمٌ على الذَّات كما يقول علماء التوحيد، أي اسم اللطيف، مع اسم الرحيم، مع اسم القوي، مع اسم الغني، مع اسم الرزَّاق، مع اسم الوهَّاب، مع اسم الرافع والخافض، والمعزِّ والمذِّل، هذه كلُّها مجموعةٌ في كلمة: الله، وتعليقٌ طفيفٌ جانبي هو أن بعض الأسماء الحسنى منها الضار والنافع، والمُذل والمعز، والخافض والرافع، قال علماء التوحيد: لا ينبغي أن تقول: الله ضار؛ يجب أن تقول: هو الضار النافع، هو المعطي المانع، هو الخافض الرافع، هو المعزُّ المذل، لماذا؟ لأن الشرَّ المَحْضَ لا وجود له إطلاقاً في الكون، إذا ضرَّ الله عزَّ وجل فلينفع، وإذا أخذ فليعط، وإذا أذلَّ فليُعِز، وإذا خفض فليرفع، وإذا قبض فليبسط، أسماء الله حُسنى، بشكلٍ أو بآخر كيف أن الطبيب الأب، أبٌ طبيبٌ يجمع بين الرحمة والعلم، إذا أجرى عمليَّةً لابنه هو يفتح البطن ليستأصل المرض، الشرُّ موظَّفٌ للخير، ما يبدو لك شراً هو في حقيقته خير، وهذا معنى قول الله عزَّ وجل: 

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)﴾

[ سورة لقمان ]

 

إذا تحدَّث الله عن أفعاله استخدم ضمير الجمع لأن أفعاله تتجلى فيها كل أسمائه:


إذاً تنزيل هذا الكتاب من الله، من صاحب الأسماء الحسنى، من صاحب الصفات الفضلى، من الذات الكاملة، من الواجب الوجود، من العليم الحكيم، من العزيز الرحيم، من اللطيف الخبير، من الغني القوي، كلَّما ذكرت اسم الله عزَّ وجل فاستعرِض أسماءه الحسنى، فكل أسمائه الحُسنى داخلةٌ في أفعاله، أي فعلٍ يفعله الله عزَّ وجل فيه كل أسمائه الحسنى، وهذا ما أشارت إليه الآيات الكريمة حينما يقول الله عزَّ وجل متحدِّثاً عن ذاته بضمير الجَمْعِ: 

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾

[ سورة يس ]

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)﴾

[  سورة الإنسان ]

إذا تحدَّث الله عن أفعاله استخدم ضمير الجمع، لأن أفعاله تتجلى فيها كل أسمائه، وإذا تحدَّث الله عن ذاته استخدم ضمير المفرد، قال: 

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[ سورة طه  ]

 

معنى العزيز والحكيم:


ما معنى العزيز؟ قال علماء اللغة: العزيز الشيء النادر، أما إذا وُصِف الله بأنه عزيز فهو الواحد الأحد، الفَرد الصمد، الذي لا مثيل له، ولا شريك له، الواحد. 

وقال علماء اللغة: العزيز الشيء الذي تشتدُّ الحاجة إليه، أما إذا وصِفَ الله باسم العزيز فهو الذي يحتاجه كل شيءٍ في كل شيءٍ، إذا وصفنا الشيء بأنه عزيز، يقول لك: هذه البضاعة عزيزة، أي تشتدُّ الحاجة إليها، أما إذا وصِفَت ذات الله جلَّ جلاله، إذا وَصَف الله ذاته بأنه عزيز معنى ذلك أن كل شيءٍ - وكلمة شيءٍ هي أشمل كلمةٍ تشمل كل شيء - أن كل شيءٍ يحتاجه في كل شيء، ويندر وجوده، أما إذا وصِفَ الله بأنه عزيز فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل له، ولا شريك له، ولا نِدَّ له، وإذا وصِفَ الله بأنه عزيز فهو الذي يصعُبُ الوصول إليه، أو يستحيل الوصول إليه، يمكن أن تصل إليه من دون أن تحيط به. 

إذاً كلمة عزيز تعني أنه فردٌ، وأن كل شيءٍ بحاجةٍ إليه، وأن الإحاطة به مستحيلة، تصل إليه ولا تحيط به. 

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255 )﴾

[  سورة البقرة  ]

﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ الحكيم الذي يضع كل شيءٍ في مكانه الصحيح، ومن أدلَّة وجود الله عزَّ وجل أن في الأرض أشياء متحرِّكة، نجدها في مكانها الصحيح، وكلُّكم يعلم أنه لا ترجيح بلا مُرَجِّح، أي كل شيء في مكانه الصحيح معنى هذا أنه يوجد عقل أول، مفتاح الكهرباء يوضَع في مكانٍ مناسب، لو وضِعَ في أعلى الحائط، نحتاج إلى سلَّم للوصول إليه، فهذا المكان غير حكيم، لو وضِع في أسفل الحائط نحتاج إلى انحناء، هذا مكان غير حكيم، أما لو وجدته في مكانٍ قريبٍ من مستوى كَتِفِ الإنسان، ومن مستوى يديه فهذا المكان مرجَّح، من الذي جعله في هذا المكان؟ إنسان عاقل، فلا ترجيح بلا مرجِّح، كل ما في الكون يدلُّ على حكمةٍ بالغة. 

دقِّق في خلقك؛ وضع العينين في محجرين، وضع الأنف فوق الفم، وضع الفم، حركة الفك السفلي، وضع الأذنين، لماذا أذنان؟ لحكمةٍ بالغة، لماذا عينان؟ لحكمةٍ بالغة، لماذا فمٌ واحد ولسانٌ واحد؟ لماذا يدان؟ لماذا المفاصل؟ لو دقَّقت في خلق الإنسان، أو في خلق الحيوان، أو في خلق النبات، لوجدت حكمةً ما بعدها حكمة، هذه التفَّاحة حجمها مناسب، لونها مناسب، رائحتها مناسبة، قِوامها مناسب، نُضجها مناسب، أيام قطفِها مناسبة، أي صفةٍ من صفاتها لو دقَّقت فيها لوجدت أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، هو الحكيم، الحكيم دليلٌ قطعيٌّ على وجود الله عزَّ وجل، وعلى صفاته، وعلى أسمائه. 

 

معنى كلمة الحق:


هذا الكتاب بيَّن ربنا عزَّ وجل أنه تنزيلٌ، نزل منجَّماً، من عند من؟ من الله خالق السماوات والأرض، من الله مُبدع الكائنات، من الله ذي الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ .

 هذا الكتاب قال: 

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)﴾

[ سورة الزمر ]

 ما معنى كلمة الحق؟ الحق هو الشيء الثابت، ما هو الشيء الثابت؟ هو الشيء الهادف، أي أنت إذا بنيت جداراً بشاقولٍ، هذا الشاقول أخذ وضعه الكامل، هذا الجدار لا يسقط لأن بناءه صحيح، نقول: بُنِي الجدار بالحق، أي وفق أسسٍ صحيحةٍ، وفق قواعد ثابتة، لأنه بُنِي بهذه الطريقة فهو لا يسقط، بُني ليبقى، فكل شيءٍ صحيح، كل شيءٍ أساسه صحيح، كل شيءٍ بُنِي وفق قاعدةٍ صحيحة، هذا هو الحق، الله هو الحق، الحقيقة الأولى في الكون هي الله عزَّ وجل، فكل شيءٍ فعلته وفق توجيه الله، وفق منهج الله، وفق أمر الله هو شيءٍ صحيحٌ، ودائمٌ، الحق هو الشيء الثابت، أي خللٍ لابدَّ من أن يُكْشَف، أي مبدأ ليس صحيحاً، الواقع لا يؤكِّده، هذا المبدأ سوف ينهار، لا يبقى إلا ما هو حق، إلا ما هو مرتبطٌ بالحق.


  الله عزَّ وجل هو الحقيقة الكُبرى وليس هناك حقيقة غيره:


إذاً: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ ، أولاً: أنزلناه عليك بالحق، إنك أهلٌ لأن يُنزَّل عليك الكتاب، الله جلَّ جلاله اصطفى الأنبياء على عِلْمِ، فبالحق أنزلناه وبالحق نزل، أي هو حقّ وقد أُنْزِلَ عليك بالحق، فهو الحق دائماً في القرآن حقائق، في القرآن قواعد، في القرآن سُنَن، في القرآن أوامر، في القرآن نواهٍ، في القرآن توجيهات، هذه كلُّها حق، الحق لابسها، معنى حق أنها صحيحة، وأن الواقع يؤكِّدها، وأنها تُفسِّر الواقع، هي تفسِّره والواقع يؤكِّدُهَا، فإذا أردت أن تقرأ كتاباً لا خطأ فيه، ولا غلط، ولا تناقض، ولا خلل، ولا رَيْب، ولا شك، ولا نقص، ولا مبالغة، ولا عدم توازن، ولا خللٍ فاقرأ القرآن، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ الحقُّ اسمٌ من أسماء الله عزَّ وجل، فإذا قال الله شيئاً فكلامه حق لأن الواقع يؤكِّده، وكلامه يُفسِّر الواقع، إذا سَنَّ الله شيئاً فهو حق، لأن تتالي الأيام، والشهور، والسنوات لا يمكن أن تنقض هذا الذي سنَّه الله عزَّ وجل.. 

﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)﴾

[ سورة الأنعام ]

كلمة حق واسعة جداً، أي الله عزَّ وجل هو الحقيقة الكُبرى، ليس هناك حقيقة غيره، تشريعه حق، أفعاله حق، كلامه حق، أوامره حق، نواهيه حق، الأهداف التي رسمها لنا هي الحق لأنها هي الواقعة، إذاً كل هذه المعاني يمكن أن تستنبط من قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ الإنسان حينما يقرأ كتاباً ثمَّ يكتشف أن فيه أغلاطاً كثيرة، أو حينما يُضَلَّل ثم يصحو، أو حينما تتسرَّب إليه معلوماتٍ مغلوطة يبني على أساسها سلوكه، ثم يكتشف أنها مغلوطة، يُصاب بخيبة أمل كبيرة جداً، أما إذا قرأ القرآن، وحلَّق فيه، واستنبط منه الأحكام، ونفَّذ توجيهاته، وائتمر بأمره، وانتهى عما عنه نهاه، يشعر بطمأنينة لأنه مع خالق الكون، مع الذي لا يتغيَّر، ولا يتبدَّل، ولا يزول، مع الأزلي الأبدي، مع الحقيقة المُطلقة، مع الشيء الثابت، مع الشيء الهادف. 

 

أروع تفسير للحق أن يُفْهَم بالطريقة المخالفة:


أروع تفسير للحق هو يُفْهَم بالطريقة المخالفة، ربنا عزَّ وجل قال: 

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)﴾

[ سورة الأنبياء ]

 خلقناهما بالحق، الحق إذاً مناقضٌ للعب، اللعب عملٌ عابث، الحق عملٌ جاد، عملٌ هادف، عملٌ له هدفٌ كبير، إذا لعبت فاللعب شيءٌ عابث، وشيءٌ طارئ، وشيءٌ زائل، لكنَّك إذا عملت عملاً جاداً، هذا الشيء عملته ليبقى، ووراء بقائه هدفٌ كبير، فكأن من معاني كلمة (الحق) الشيء الهادف، وحينما قال الله عزَّ وجل: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾ إذاً الحق عكس الباطل، الباطل الشيء الزائل، إذاً الحق الشيء الثابت والشيء الهادف، ثابتٌ خُلِقَ ليبقى ولا يزول أبداً، وله هدفٌ كبير، إذاً من هنا نستنبط أن هذا القرآن ما فيه من حقائق ثابتة، كلَّما تقدَّم العلم أثبت حقائق القُرآن، كلَّما تقدَّم العلم اقترب من حقائق القرآن، ما في القرآن من أوامر، ومن نواهٍ، ومن تفاسير، ومن تبيين، ومن توضيح هو الحقُّ مئة في المئة، لأنه من عند الخالق، أحياناً تشتري آلة معقَّدة، من هي الجهة الوحيدة التي إذا قالت لك: هذا المفتاح لهذا الهدف؟ من هي الجهة الوحيدة التي يُعدُّ كلامها صحيحاً مئة في المئة؟ إنها الجهة الصانعة، لذلك إذا اقتنيت آلةً وأردت أن تعرف ملابساتها، وطريقة عملها، وطريقة صيانتها، فعليك بتعليمات صانعها، وأنت إذا قرأت القرآن أنت مع تعليمات الصانع، مع النشرة التفصيليَّة البيانيَّة لسرّ الكون، ولأسباب الخلق، ولأهداف الخلق. 

 

المعنى الواسع لكلمة عبادة:


ما دام هذا القرآن حقّ، أو ما دام هذا القرآن حقَّاً من عند الله عزَّ وجل بكل ما فيه، قال الله تعالى: 

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)﴾

[ سورة الزمر ]

﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً﴾ قبل أن نقول: له الدين، نقول له: اعبد الله مخلصاً، العبادة أيها الأخوة انصياع الجوارح لأمر الله، الإنسان له ظاهر وله باطن، له جوارح وله قلب، له شيء مُعْلَن وله شيء مُضْمَر، عبادة المُضمر، عبادة السر، عبادة القلب الإخلاص، وعبادة الجوارح طاعة الله عزَّ وجل، أي الشيء العظيم، الشيء الذي إذا وصلت إليه وصلت إلى كل شيء، المرتبة التي إذا بلغتها بلغت كل شيء، السلوك الذي إذا فعلته حقَّقت وجودك، وأثبت ذاتك، وحقَّقت المراد الإلهي من خلقك هو أن تعبد الله.

يا أيها الأخوة الأكارم؛ ينبغي أن نفهم هذا الأمر فهماً موسَّعاً، سبحان الله! كيف تقلَّص وأمر هذا الدين إلى صومٍ وصلاةٍ وحجٍ وزكاة مع أن هناك في الدين آلاف الأوامر والنواهي؟ أن تعبد الله عزَّ وجل أي أن تتبع منهج الله الذي نزَّله على النبي عليه الصلاة والسلام، وكلُّكم يعلم أنك إذا قرأت أحكام الفقه، وجدت الفقه يدخل معك في كل حياتك، ويدور معك في كل حركاتك وسكناتك، بدءاً من علاقتك بنفسك، إلى علاقتك بربِّك، إلى علاقتك بجسدك، إلى علاقتك بأهلك، إلى علاقتك بأولادك، إلى علاقتك بأصولك وفروعك، إلى علاقتك بجيرانك، إلى علاقتك بزملائك، إلى علاقتك بالمخلوقات - بالبهائم - إلى علاقتك بالنبات، إلى علاقتك بمجتمعك، إلى علاقتك فيمن حولك، فيمن فوقك، فيمن دونك، هذا منهج الله عزَّ وجل، فكلمة: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾ تعني أنَّ عليك أن تطيعه في كل ما أمر، وأن تدع كل ما نهى عنه، لا تسمَّى عابداً إلا إذا أخذت الإسلام كلَّه، أن تأخذ منه ما يعجبك وأن تدع ما لا يعجبك، أن تأخذ من الإسلام بعض العبادات التي لا تكلِّفك شيئاً، وأن تقيم على بعض الشهوات التي حرَّمها الله عزَّ وجل، ليست هذه عبادة الله عزَّ وجل، عبادة الله عزَّ وجل طاعةٌ طوعيَّة، تطيعه عن حبّ، وعن حريَّة اختيارٍ.

 

الفرق بين العَبيد و العِباد:


لذلك فرَّق العلماء بين العَبيد وبين العِباد، العبيد هم المقهورون، كلُّنا عبيدٌ لله، حياتنا متوقِّفةٌ على هذه الأنفاس، فلو انقطعت لانتهت حياتنا، حياتنا متوقفةٌ على هذا القلب، فلو توقَّف لانتهت حياتنا، حياتنا متوقِّفةٌ على لُقيماتٍ نأكلها، على كأس ماءٍ نشربه، حياتنا متوقفةٌ على أهلٍ نعيش معهم، على أولاد نستعين بهم حينما نكبر، إذاً حياتنا متوقفةٌ على إمداد الله لنا، فنحن عبيد، العبيد مقهورون بالعبوديَّة، ولكنَّ المؤمنين فضلاً عن أنهم عبيدٌ لله هم عِباد الرحمن، عرفوه فأقبلوا عليه بمحض اختيارهم، عرفوه فأحبُّوه فأطاعوه، عرفوا عظمته فخضعوا لها، عرفوا كماله فأحبُّوه، عرفوا أنه هو الواحد الأحد فأخلصوا له، هذه العبادة، العبادة شيء والعبوديَّة شيء، أن تكون حياتك متوقِّفةً على إمداد الله فأنت عبدٌ لله، وجمع العبد عبيد، أما أن تتعرَّف إليه، وأن تُقبل عليه طائعاً، أن تُقبل عليه مختاراً، أن تأتيه بمبادرةٍ منك، أن ترى وحدانيَّته فتُخلص له، أن ترى جماله فتحبّه، أن ترى كماله فتميلُ إليه، هذه عبوديَّةٌ، وجميع هؤلاء الذين يعبدونه بهذه الطريقة عِباد وليسوا عَبيداً، لذلك كل الخلق عبيدٌ للرحمن، ولكن عباد الرحمن قلائل، هم الذين عرفوه فأقبلوا عليه، إذاً أنت عليك أن تعبده في الظاهر، وأن تُخلص له في الباطن، القلب يعبده بالإخلاص، والجوارح تعبده بالطاعة، طاعةٌ في الظاهر وإخلاصٌ في الباطن، هذا هو سرُّ وجودك، وهذه هي مهمَّة وجودك، وهذا هو الهدف من وجودك، وإذا ارتقيت إلى هذه المرتبة ارتقيت إلى مرتبة ما بعدها مرتبة، وإذا ارتقيت إلى مرتبة العبوديَّة فقد حقَّقت ذاتك، إذا ارتقيت إلى مرتبة العبوديَّة فقد حقَّقت المُراد من خلقك.

أيها الأخوة الأكارم؛ النفس الإنسانيَّة لا ترتاح إلا إذا شعرت أنها في مجال العبوديَّة، لذلك روي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، أن الله جلَّ جلاله حين الإسراء والمعراج، أو عندما بلغ سِدرة المنتهى قيل له: اطلب يا محمَّد، فقال عليه الصلاة والسلام: اللهمَّ اجعلني عبداً لك، أي العبودية أعلى مرتبة. 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات  ]

وأنت الآن بإمكانك أن تصل إلى أعلى مرتبةٍ، ولا سبيل إليها إلا بالطاعة لله عزَّ وجل، أنت كعبدٍ عليك أن تعبد الله، لذلك هناك آيات كثيرة، قال الله عزَّ وجل: 

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾

[ سورة الزمر ]

 

المؤمن حينما عرف الله أضحت لديه قضيَّةٌ واحدة وهي أن يطبق أمر الله:


أحياناً الإنسان يتطلَّع إلى مرتبة فوق مرتبة العبوديَّة، يُناقش، ويحاكم، ويحاسب، وينتقد، من أنت؟ أنت عبدٌ لله، أنت عليك مهمَّةٌ واحدة أن تعبده، اعبده وكفى، اعبده وتنتهي مهمَّتك حينما تعبده، فإذا عبدته انتظر فضله، لذلك (بَلْ) حرف إضرابٍ تنفي ما قبلها وتُثبت ما بعدها: ﴿بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ﴾. .

﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)﴾

[ سورة الأعراف ]

المؤمن حينما عرف الله عزَّ وجل عنده قضيَّةٌ واحدة، هذه القضيَّة التي تشغله، وتقلقه، ويهتمُّ لها، إنما هي أن يبحث دائماً عن أمر الله، يبحث عن حكم الله، ما الذي يُرضي الله أن أفعله؟ إذا تزوَّج، إذا باع، إذا اشترى، إذا سافر، إذا أقام، كل نشاطٍ من نشاطاته، كل حركةٍ من حركاته، يبحث عن أمر الله ليطبِّقه فيها، هذه مهمَّتك، عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 

(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ ))

[  أخرجه مالك: صحيح ]

 

ليس بين الله وبين عباده قرابة إلا طاعتهم له:


﴿بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ﴾ ، ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ﴾، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ليس بين الله وبين عباده قرابة إلا طاعتهم له، العباد يتفاوتون فيما بينهم بالعافية، ويدركون ما عند الله بالطاعة فقط، ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾ لو أن الله عزَّ وجل قال: الدين له، أما (له الدين) فيها قصر، أي خضوع الإنسان لا ينبغي أن يكون لغير الله، لأن غير الله ليس مؤهَّلاً، لأن غير الله ضعيف، لأن غير الله جاهل، لأن غير الله لا يسع العباد إطلاقاً، يجب أن تعبُد من إذا سألته أجابك، من إذا استعنت به أعانك، من إذا ناجيته سمِعك، من إذا طلبت منه أعطاك، يجب أن تعبُد الغني، أن تعبد القوي، أن تعبد القديم، أن تعبد الأبدي، أن تعبد الإله الواحد الذي لا إله غيره؛ أما إذا عبدت مخلوقاً ضعيفاً كالمستجير من الرمضاءِ بالنار، أما إذا عبدت جهةً لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرَّاً فلأن لا تملك لك من باب أولى. 

 

النفس البشرية ينبغي ألا تكون إلا لله:


الآية دقيقة المعنى جداً: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ﴾ أي الدين الحق، الخضوع لا يكون إلا لعظيم، الخضوع للقوي، وليس في الكون قوي إلا الله، الخضوع للعليم والله هو العليم، الخضوع للحكيم والله هو الحكيم، الخضوع للمهيمن، للجبَّار، للقهَّار، أسماء الله الحسنى كلُّها هي في مجموعها كلمة الله، إذاً: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ له الدين.

﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ(3)﴾

[ سورة الزمر ]

 كلمة: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ الخضوع لو أنك خضعت لإنسان ضيَّعت نفسك، واحتقرت نفسك، هذه الجوهرة الثمينة لا ينبغي ألا تكون إلا لله، أي شبابك ينبغي ألا يفنى إلا في طاعة الله، عِلمك ينبغي ألا يكون لغير الله، مشاعرك ينبغي ألا تكون لغير الله، ولاؤك ينبغي ألا يكون لغير الله، ولاؤك، مشاعرك، إخلاصك، طاعتك، شبابك، عمرك، مالك، لأن أية جهةٍ تًخلص لها هذه الجهة ضعيفة وفقيرة، وقد تكون لئيمة، لا تعرف لك قدراً، ولا تعرف لعملك قيمة، فإذا عرفت لا تستطيع أن تكافئك.. 

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر ]

قس عليها كل شيء، أي الجهة التي هي من دون الله لو قدَّرت عملك هي جهةٌ ضعيفة وأنت ضعيفٌ مثلها، لا تملك لك نفعاً ولا ضراً، لذلك: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ .

 

خضوع النفس ينبغي ألا يكون لغير الله:


هذا معنى قول الله عزَّ وجل: 

﴿ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)﴾

[ سورة المدثر ]

ليس هناك إنسان هو أهلٌ أن تطيعه، ماذا يقول لك إذا أطعته؟ شكراً لك، هذه الكلمة ماذا تنفعك؟ لو أنك أفنيت عمرك من أجله، ماذا بإمكانه أن يفعل معك؟ هل بإمكانه أن يؤخِّر أجلك؟ لا يقدر، هل بإمكانه أن يصرف عن الإنسان مرضاً ساقه الله إليه؟ لا يقدر، هل بالإمكان أن يطيل عمره؟ لا يقدر، هل بالإمكان أن ينجيه من عذاب الله؟ لا يقدر، إذاً أنت علاقتك مع الله، إذاً الدين خضوع النفس ينبغي ألا يكون لغير الله، أن تخضع لمخلوق، أن ترضي مخلوقاً، أن تُخلص لمخلوق، أن تَهَبَ المخلوق حبَّك وولاءك وطاعتك، أن تفني من أجله شبابك، أن تمضي من أجله عمرك!! هذا المخلوق هو أقل من أن يستحقَّ ذلك، ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ أي الجهة التي تستحقُّ أن تكون أنت لها هي الله، أي عمرك، وشبابك، ومالك، وفكرك، وعلمك، وعضلاتك، ووقتك، الجهة التي إذا وهبتها كل شيء أعطتك كل شيء هي الله عزَّ وجل، إذا وهبتها كل ما عندك أعطتك سعادةً في الدنيا وجنَّةً إلى أبد الآبدين هي الله عزَّ وجل.

 

الله عزَّ وجل يريد أن يتوب عليكم وأن يطهِّركم لتسعدوا في جنَّته فالله له أمر ونهي:


﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ ، هذه الدعوى الفارغة، هذه الفلسفة الناقصة، أن هؤلاء الأصنام: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ هذه فِرْيَةٌ وأكذوبةٌ فنَّدها الله عزَّ وجل، لأن الإنسان أحياناً يفلسف شِرْكُه، يقول: هؤلاء نحن نعبدهم حتى نتقرَّب إلى الله بهم، قال: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ لماذا يتَّجه الإنسان لغير الله؟ يوجد سبب، لأن غير الله عزَّ وجل لا يطلب منك إلا الولاء، افعل ما تشاء، أعلن له الولاء يرضى عنك، أعلنت له الولاء وفعلت ما تشاء، لذلك يكثر أتباع من هم من دون الله عزَّ وجل، لا يطالبك بشيء ، أما الله عزَّ وجل يريد أن يتوب عليكم، يريد أن يطهِّركم لتسعدوا في جنَّته، فالله له أمر ونهي، لا يرضى عنك إلا إذا كنت مستقيماً، لا يرضى عنك إلا إذا كنت مُنصفاً، لا يرضى عنك إلا إذا كنت محسناً، لا يرضى عنك إلا إذا كنت كاملاً، لذلك السير مع الأشخاص سهل جداً، هذا الشخص متى يرضى عنك؟ إذا أعلنت له الولاء، وافعل بعدها ما تشاء، لذلك يرضى عنك، لكن الله عزَّ وجل يعلم السرَّ وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، لا يرضى عنك إلا إذا كنت كاملاً، إلا إذا كنت مستقيماً، فلذلك: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ هذه دعواهم وهم فيها كاذبون. 

 

اللهَّ عزَّ وجل أعطى الإنسان فكراً ليرقى به إلى الله:


﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أي سوف يحكم بينهم، سوف تنطق جوارحهم بأعمالهم، إن اللهَّ عزَّ وجل آتاه الإنسان فكراً ليرقى به إلى الله، ليتعرَّف به إلى الله، فلمَّا أعرض عن الله استخدمه في فلسفة الباطل، في تزيين المُنْكَر، في تغطية الانحراف، في فلسفة الكفر والشرك، فهؤلاء يوم القيامة يختِمُ الله على أفواههم، ويأمر جوارحهم وجلودهم أن تنطق بأعمالهم، فلذلك يوم القيامة الأمر مختلف: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ إذاً هؤلاء بهذه الدعوى كاذبون، وبهذه الدعوى كافرون، الإنسان أحياناً يفلسف الشرْك، يفلسف عبادة غير الله بأنه نعبدهم ليقرِّبونا، قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ هو كاذبٌ بهذه الدعوى، كافرٌ بالله عزَّ وجل. 

 

تنزه الله سبحانه عن الزوجة والولد:


﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)﴾

[ سورة الزمر ]

 طبعاً هذا شيء افتراضي، لو أن الله عزَّ وجل أراد أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلُق ما يشاء، ولكنَّه تنزَّه عن الزوجة والولد: 

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾

[ سورة الإخلاص ]

هو نزَّه نفسه عن ذلك، فأي ادعاءٍ أو أي اعتقادٍ بأن له ولداً من خلقه، هذا كفرٌ صريحٌ يجب أن نعرفَ حجمه. 

 

من أراد بطاعة الله وجهه الكريم فقد أخلص له: 


﴿سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ في درسٍ قادمٍ إن شاء الله عزَّ وجل نبدأ بقوله تعالى: 

﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)﴾

[ سورة الزمر ]

 أي في هذه الآيات التي تمَّ شرح بعضها، الذي ينبغي أن نقف عنده هو أن نعبد الله مخلصين، من الداخل إخلاص، من الخارج طاعة، فإذا أطعت الله عزَّ وجل في كل ما أمر، وفي كل ما نهى، فقد عبدته، وإذا أردت بهذه الطاعة وجهه الكريم فقد أخلصت له، وإذا فعلت ذلك حقَّقت عبوديَّتك لله عزَّ وجل، وإذا فعلت ذلك حقَّقت المُراد من وجودك، وإذا فعلت ذلك نِلْتَ خيري الدنيا والآخرة، وإذا فعلت ذلك سعدت في الدنيا وفي الآخرة. 

 

المؤمن متوحِّد أما الفاسق فمُبَعْثَر ومشتَّت:


مركز الثِقَل في الآيات، ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾ التعقيب المهم، ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ أي ينبغي ألا تدين لغير الله، ينبغي ألا تخضع لغير الله، ينبغي ألا تتجه لغير الله، ينبغي ألا تُفني شبابك لغير الله، ينبغي ألا تَتَعلَّم لغير الله، ينبغي ألا تُعَلِّم لغير الله، ينبغي ألا تكون لك أهدافٌ بعيدةٌ عن إرضاء الله عزَّ وجل، هذا هو المؤمن، هذا هو التوحيد، التوحيد أن تتوحَّد وجهتك، وأن تتوحَّد نواياك، وأن تتوحَّد أعمالك كلُّها لهدفٍ واحد وهو الله، لذلك قال بعض العلماء: "إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي"، هذا هو الدين، والإنسان إذا وحَّد، وإذا جمع طاقاته كلها، صبَّها في حقل واحد يرتاح، المؤمن متوحِّد، الفاسق مُبَعْثَر، مشتَّت، الحديث القدسي الشريف: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  عن النبي صلى الله عليه وسلم : 

(( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ. ))

[ صحيح الترغيب : صحيح لغيره ]

أي ليس بحياة الناس اثنينيَّة، يوجد توحُّد، أي أنت عملك، وزواجك، وتجارتك، ودراستك، وعنايتك بجسمك، وتربية أولادك، وحتى وقت لهوك، هذا كلُّه وفق منهج الله، كله في سبيل الله، إن أعطيت وإن منعت، إن رضيت وإن غضبت، إن وصلت وإن قطعت، كل حركاتك، وكل سكناتك، المؤمن الصادق يبتغي منها وجه الله عزَّ وجل، لذلك المؤمن موحَّد، يوجد انسجام، يوجد راحة نفسيَّة، لا يوجد تبعثر، لا يوجد تشتُّت، لا يوجد شِرك، الشرك مضن: 

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[ سورة الشعراء ]

 

على الإنسان أن يعقد العزم على شيئين؛ طاعة الله والإخلاص له:


إذاً المؤمن حينما يتعرَّف إلى الله، ويرى من كمالاته التي لا نهاية لها، وحينما يعقد العزم على طاعته في كل شيء، إذا وصل إلى هذه وتلك - إلى معرفته وطاعته - التعبير الشائع: فتح الله على قلبه، وصله الله عزَّ وجل، فإذا وصله وصل إلى كل شيء، سعد بكل شيء، رضي عن كل شيء، القَصْد أن تعيش هذه الحياة، أن تعيش بسلامةٍ وسعادة، وأن يكون لك عملٌ يصلُح للعرض على الله عزَّ وجل، فلنعقد العزم على شيئين، على طاعته والإخلاص له، هذا الذي علينا، فإذا فعلنا الذي علينا عندئذٍ كافأنا الله بالذي لنا، كافأنا بخيرٍ ما بعده خير، توفيقٍ ما بعده توفيق، سعادةٍ ما بعدها سعادة، استقرارٍ ما بعده استقرار، توازن ما بعده توازن، سرور ما بعده سرور، هذا الذي عناه الله عزَ وجل بقوله: 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل ]

هذا الذي عناه الله بقوله: 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾

[ سورة السجدة  ]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية ]

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور