- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (039)سورة الزمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الله عزَّ وجل نسب العِباد إلى ذاته تكريماً لهم وتشريفاً:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس السادس من سورة الزُّمَر، ومع الآية العاشرة وهي قوله تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(10)﴾
كلّ إنسانٍ هو عبد لله بمعنى أنه مقهور:
هذا الجهاز، جهاز المناعة الذي يكثر الحديث عنه اليوم لوجود مرضٍ يضعف هذا الجهاز، نقصٌ في جهاز المناعة المُكْتَسَب، هذا المرض يجعل حياة الإنسان جحيماً، إذاً كل إنسان عبد لله عزَّ وجل، لكن الإنسان إذا عرف الله؛ عرفه من خلال الكون، من خلال القرآن، من خلال أفعال الله عزَّ وجل، من خلال الاتصال بالله عزَّ وجل، إذا عرف الله عزَّ وجل وقدَّره حقّ قدره، وأتى إليه طائعاً، منيباً، راجعاً، مقبلاً، تائباً، هذا عبدٌ من نوعٍ آخر، هذا العبد جمعه عباد، وذاك العبد جمعه عبيد، فكل إنسانٍ سواء أكان مؤمناً أم كافراً هو عبد لله بمعنى أنه مقهور:
﴿
العباد مقهورون بالموت، ما من إنسان إلا ويموت؛ عظيماً كان أو حقيراً، غنياً كان أو فقيراً، عالماً كان أو جاهلاً، قوياً كان أو ضعيفاً، كل مخلوقٍ يموت، فالإنسان مقهور بالموت، لكن العبد الذي أراده الله عزَّ وجل هو ذلك العبد الذي أتاه طائعاً، الذي عرفه وهو في صحةٍ تامَّة، وفي بحبوحة، وفي مقتبل حياته، في شبابه، ريح الجنة في الشباب، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي، ذاك هو العبد، فربنا عزَّ وجل إذا قال:
المؤمن كلما ارتقى إيمانه تعامل مع الله تعاملاً صادقاً وأصغى أذنه:
﴿
الله عزَّ وجل كما تعرفون يُخاطب الناس بأصول الدين، ويُخاطب المؤمنين بفروع الدين؛ يا من آمنت بالله خالقاً، يا من آمنت به مُرَبِّيَاً، يا من آمنت به مسيِّراً، يا من آمنت بوحدانيِّته، يا من آمنت بكماله، يا من آمنت بعظمته، بحكمته، بلطفه، برحمته، بقوته، بعدله، بغناه، يا من آمنت بأنه أعدّ لك حياةً:
(( أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ:
هذا الذي آمن:
علامة إصغائك إلى نداء الله توبتك:
الآية الكريمة التالية هي من أروع الآيات:
﴿
علامة إصغائك إلى نداء الله توبتك، علامة الإصغاء التوبة، فإن لم تتب أنت لم تصغِ إلى الله عزَّ وجل
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)﴾
مرة ضربت مثلاً أن إنساناً يقف على كتفه عقرب، والعقرب لدغتها قاتلة في أغلب الأحيان، قاتلة، أجل لدغتها قاتلة، وقال لك رجل: انتبه أيها الأخ العقرب العقرَب على كتفك، فأنت استمعت إلى كلامه وبقيت هادئاً متوازناً، وابتسمت في وجهه، وقلت له: أنا أشكرك على هذه الملاحظة القيَّمة، وأنا ممتنٌ من حرصك على سلامتي، يا ترى هذا الكلام يدل على أن المتكلم سمع ماذا قال المُنَبِّه؟ لا والله، ما دام بقي هادئاً، وبقي مطمئناً، وابتسم ابتسامة مجاملةٍ، وقال للذي نبَّهَهُ: أشكرك على حرصك على سلامتي ما عرف معنى العقرب، ولا عرف أين هي العقرب؟ لو أنه استمع إلى الكلام لكنه لم يدرك محتواه، فنحن مقياس صحة السماع الاستجابة، فهنا:
علامة إيمان أحدكم أنه إذا قرأ أية آيةٍ مُصَدَّرَةٍ بـ
طبعاً هنا:
يجب ألا نخالف قوانين وسنن الله عز وجل بل نحترمها ونتخذها مقياساً:
بالمناسبة نحن على أبواب رمضان، ورمضان شهر التقوى.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
لعلكم تتقون الله، لعلكم تطيعونه فتستحقون سلامة الدنيا وسعادتها، وسلامة الآخرة وسعادتها،
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
ويقول أيضاً:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ
بعض توجيهات النبي الكريم في الطعام والشراب والزواج والنظافة وما إلى ذلك:
الآن نبدأ بالجسم، فإذا لم يطبق الإنسان تعليمات الطبيب، ولم يعتنِ بصحته، لأن رأسماله صحته، رأسماله في الدنيا، مطيَّتُهُ إلى الآخرة، إذاً اتقوا ربكم أي نفذوا التعليمات النبوية، النبي الكريم له طب نبوي، توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في الطعام والشراب والزواج والنظافة وما إلى ذلك، مثلاً النبي الكريم قال: عن أبي سعيد:
(( أبن القدح عن فيك ثم تنفس. ))
(( عن أنس: كان إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ. ))
التعليمات النبوية دقيقة جداً، قال: إذا شرب أحدكم فليمص مصاً، ولا يعب عباً، فإن الكباد من العب، قال: المقدام بن معدي كرب:
(( ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه حسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِه وثلثٌ لنفسِه. ))
التعليمات النبوية واسعة جداً، تعليمات متعلِّقة بصحتك، تعليمات متعلقة بزواجك، تعليمات متعلقة بتربية أولادك: سووا بين أولادكم في العطية، تعليمات متعلقة بجيرانك، تعليمات متعلقة بمن هم فوقك، بمن هم دونك، بمن هم حولك، تعليمات متعلِّقة بالمخلوقات. عن شداد بن أوس:
(( إِنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ فَإِذا قَتلتُم فأحسِنُوا القِتلة، وَإِذا ذَبحتُم فأحْسِنُوا الذَّبحَ. ))
إذا عرفت الله وآمنت به فلا شيء يقدم على معرفة أمره:
تجد الشرع كيفما تحرَّكت يوجد أحكام شرعية، يوجد أوامر، يوجد نواهٍ، يوجد مباحات، يوجد مندوبات، يوجد فروض، يوجد سنن، فالله يخاطبك:
﴿
﴿
الإنسان إذا آمن بالله لا شيء في حياته يعلو على معرفة منهج الله:
ابحث عن آلاف الحالات، آلاف المآسي التي سببها دَينٌ غير مكتوب، خصومات، حالات طلاق، فساد أُسَر، لأن الناس خالفوا هذه التعليمات، شارك بلا عقد، ديَّن بلا سند، اتفق اتفاقاً شفهياً بلا وثيقة خطِّية، فالأيام كشفت خسارة هذا المشروع، فالشريك غير المكلَّف بأعباء مالية ينسحب، يقول لك: أنا ليس لي علاقة، تنشأ الخصومات والدعاوى والقضاء، كل شيء سجِّله، أنت بعد أن آمنت بالله لا شيء يعلو على معرفة منهج الله، بعد أن آمنت بالله لا شيء يعلو على معرفة الأحكام الفقهية، وكيف تعرفها من دون أن تأتي إلى بيوت الله؟ كيف تكون طبيباً وأنت لم تعرف أين كلية الطب؟ كيف تكون مهندساً زراعياً ولا تعرف أنت أين مكان كلية الزراعة؟ كيف؟ بيت الله فيه تعليمٌ، وفيه عبادةٌ، وفيه ذكرٌ، لذلك الإنسان إذا آمن بالله لا شيء في حياته يعلو على معرفة منهج الله، معرفة أمر الله، معرفة نَهي الله، معرفة دستور الله، معرفة قانون الله، معرفة سُنَّة الله، منهج،
أحياناً بائعو السمك الطازج يأخذون هذا السمك مباشرةً ينظفونه، لا تزال هذه السمكة حيةً تتحرَّك، يفتح بطنها ويخرج أحشاءها، هذا خلاف المنهج الإلهي، هذا خلاف السنَّة، بائع الدجاج أحياناً يذبح الفروج ويضعه في طبقٍ من الماء الذي يغلي لكي ينتف ريشه، عذبه مرتين لأنه جاهل، فالإنسان عندما يؤمن بالله عزَّ وجل يوجد منهج، اللحم إن لم يذكَّ فيه الدم، كل المواد السامَّة والموبوءة والمجرثمة في الدم، فالذبيحة إن لم تذكَّ لا ينبغي أن نأكلها، لذلك لحم لا تعرف مصدره، ذُبِح في بلادٍ أجنبيةٍ لا يعرفون الله عزَّ وجل، الدابَّة تُصعق صعقاً كهربائياً ليزداد وزنها اثنين أو ثلاثة كيلو وزن الدم، وتأتينا بعلب، مفروض على الإنسان أن يعرف ماذا يُدخِل لفمه، منهج.
الحد الأدنى أن نعرف أمر الله سبحانه:
أصعب شيء بالحياة أن يمسخ الدين إلى صلاةٍ وصيام وحجٍ وزكاة، الدين منهج تفصيلي، تعليمات الصانع واسعة جداً، بالقرآن أولاً، بالسنَّة ثانياً، باجتهاد الفقهاء ثالثاً، بالقياس رابعاً، هناك مصادر تشريعية، وهناك علماء فطاحل أفذاذ، الإمام أبو حنيفة صلَّى صلاة الفجر بوضوء العشاء واستنبط من قول النبي: عن أنس:
(( يا عُمير ما فعل النُغَير. ))
استنبط سبعين حكماً فقهياً، كيف يزهد الإنسان في أحكام الفقه؟! ذكرت لكم في درس الفقه يوم الأحد موضوع الكفاءة في الزواج، أنا الذي أعرفه أن معظم حالات الشقاق الزوجي والخصومات أساسها عدم الكفاءة بين الزوجين، فالكفاءة بحث مُهم، ثم يأتي الحكم الشرعي، أن امرأةً إذا تزوجها شابٌ غير كفء لها، من حقها أن تطالب القاضي بالتفريق بينه وبينها، إلا في حالةٍ واحدة إذا حملت منه، إذاً كم هذا المخلوق الذي في بطنها غالٍ على الله؟ كم في الطلاق بعد إنجاب الأولاد جريمةٍ بحقّ الأولاد؟ إذا حملت الأم أُلغي موضوع الكفاءة حفاظاً على صحة هذا الجنين، صحته النفسية، إذا نشأ في الدنيا وأمه مطلقة وأبوه مشغولٌ عنه، هذا تضييعٌ للإنسان، الحقيقة موضوع الفقه موضوع خطير جداً، فالإنسان عندما يحضر مجلس علم يتعلم أمور دينه، نحن في درس الأحد بفضل الله عزَّ وجل نتكلَّم في موضوعات الخطبة، موضوعات الطلاق، موضوعات ستر العورة، موضوعات الوصية، موضوعات الإرث، موضوعات النَفَقَة، هذه كلها موضوعات يعاني الناس منها جميعاً، فالحد الأدنى أن تعرف أمر الله، بماذا يأمر الله سبحانه؟ ما هو حكم الله عزَّ وجل؟ لأنه:
﴿
أنت ليس لك خيار مع طبيب يقول لك: تحليل، ولا تجرؤ أن تناقشه أساساً، اثنا عشر تحليلاً، كلهم يجب أن أجريهم؟ يعبس بوجهك، ولا كلمة ، أنت مع طبيب لا تجرؤ أن تناقشه، خالق الكون، مع مهندس قال لك: أحضر طنين من الحديد محلزن، اثنا عشر ميلي، تقول لك: اكتفِ بثلاثة ميلي؟! يطردك من مكتبه، يقول لك: هذا علم، بناء سيبنى، ينهار البناء، لماذا أنت مع طبيب، مع مهندس، تتأدب بتعليماته ولا تناقشه؟ ومع خالق الكون، مع الذي خلقك ولم تكُ شيئاً، مع الذي صوَّرك، مع الذي أودع فيك العقل والنفس والشهوة والاختيار، مع الذي صممك بهذا الخلق الكامل.
ما من مخالفةٍ لمنهج الله إلا ووراءها جهل:
قال تعالى:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾
أنت آلة، بأبسط معنى، المعنى البسيط البديهي الساذج، أنت آلة معقدة، ولك صانع ومعه تعليمات، لماذا إذا اشتريت آلةً معقدة، جهاز كمبيوتر، تقول للبائع: أريد التعليمات؟ لأترجمها أولاً، لماذا معك هذا الحرص الشديد على ترجمة التعليمات؟ يجيبك: الجهاز ثمين ولا مجال للتهاون، إذا استعملناه خلاف التعليمات نخربه، نترجمها، تنتظر شهراً لكي تترجم التعليمات، أخي أريد أن أحافظ على سلامته، باهظ الثمن. هل أنت رخيص على الله؟ تُطْلق بصرك في الحرام، تتزوج زواجاً غير إسلامي، أخي خطبة ثم قرأنا الفاتحة صار عقد، وصار الخطيب يدخل متى يشاء ويجالس الخطيبة ويتحدث إليها بما يريد، هذا خلاف الشرع، مآس، اذهب إلى القصر العدلي، اذهب إلى السادة المحامين وانظر كم مشكلة عندهم، ستة آلاف أو سبعة آلاف قضية في كل محكمة كلها من مخالفة الشرع، إن كان الأمر بالزواج، وإن كان بعقود الشراكة، فإنك تجد تساهلاً، أحياناً تجد أخوين اشتركا في معمل، مصروفهما غير مسجَّل، هذا أخذ سيارة كبيرة وهذا أصغر، النساء اختلفن، لماذا اشترى أخوك هذه السيارة بهذا الثمن؟ سجلوا مسحوبات، ثم تنشأ خصومة كبيرة في الأسرة، ثم قطيعة كاملة، بعد ذلك انهيار الشركة، لأنه تمّ خلاف الشرع.
أكاد أقول أيها الأخوة، والله الذي لا إله إلا هو، ما من مأساةٍ على وجه الأرض إلا وراءها مخالفة لمنهج الله، وما من مخالفةٍ لمنهج الله إلا وراءها جهل، لذلك اعتبر الجهل عدوك الأول.
كل مشكلات الأمة أساسها الجهل الذي يؤدي إلى عدم تطبيق منهج الله عزَّ وجل:
نحن لنا أعداء تقليديون، اللهم اهزم الصهاينة، نسأل الله أن يهزمهم، ولكن نحن إذا طبقنا منهج الله عزَّ وجل هزمناهم.
كل مشكلات الأمة أساسها الجهل، عدم تطبيق منهج الله عزَّ وجل، المرأة إذا خرجت من بيتها متزيِّنة فسدت وأفسدت.
﴿
أي إذا خرجتُنَّ:
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ
﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ
الثياب التي تبرز مفاتن المرأة هذه كلها محرمة.
من علامات قيام الساعة أن يرفع الحياء من وجوه النساء:
حدثنا أخ طبيب مؤمن قال: أنا أعمل في مجال الأمراض التناسلية، في العشر السنوات الأخيرة ارتفعت الإصابات عشرة أضعاف لأنه يوجد إثارة في الطريق وسُبُل الزواج مغلقة، خالفنا منهج الله عزَّ وجل، لذلك كِدت أقول: كلما رَخُص لحم النساء ارتفع لحم الضأن، وكلما قلَّ ماء الحياء قلّ ماء السماء، من علامات قيام الساعة أن يُرْفع الحياء من وجوه النساء، لا حياء، تُحِدُّ النظر إليك، عليك أن تتحجب أنت منها، هذا الذي بقي عليك، تُحِدُّ النظر إليك، يُرفع الحياء من وجوه النساء، وتُرفع النخوة من رؤوس الرجال، يمشي مع زوجته وهي في أبهى زينة ويفتخر بها، وكأنه أحسن انتقاءها أمام أصدقائه، هذا اختياري، ليس لديه نخوة، وتُرفع الرحمة من قلوب الأمراء، لا نخوة في رؤوس الرجال ولا حياء في وجوه النساء ولا رحمة في قلوب الأمراء.
أنا أشعر أن كلمة:
﴿
أنت الآن تعمل في عمل تجاري، هل تعرف حكم الله في هذا العمل؟ هل تبيع بضاعةً محرمةً في الأصل؟ أخي هذا عملي والعمل عبادة، من قال لك ذلك؟ أن تبيع أشياء فاسدة تفسد الأخلاق وأن تقول لي: الشغل عبادة؟! أن تبيع مجلات مثلاً كلها تغضب الله عزَّ وجل فيها صور منحرفة، أخي أنا لدي مكتبة ومضطر، ما معنى مضطر، هذا كلام فارغ، نحن نريد بيتاً مسلماً، تحتاج إلى حرفة صحيحة شرعية، راجع حساباتك، حرفتك التي أنت فيها هل ترضي الله أم تغضبه؟ نحن إذا لم نبع الدخان في المكتبة تنخفض الغلة للنصف، فنحن مضطرون لبيع دخان، يجب أن تجد لنا فتوى لهذه، يقول ابن عباس: "أيرتكب أحدكم أحموقته ويقول: يا بن عباس يا بن عباس". هذا الأمر ليس من شأننا، راجع نفسك هل في بيتي غلط؟ هل بخروج زوجتي غلط؟ هل بلباس بناتي غلط؟ هل بتجارتي غلط؟ هل بعملي غلط؟ هل بوظيفتي غلط؟ أنا يا ترى هل أعين الظالم؟ أنا هل أقبض مالاً حراماً؟ هل بتجارتي بضاعة محَرَّمة؟ هل في بيتي انحراف؟ هل فيه شيء لا يرضي الله؟!!
يدعو: عن أبي هريرة رضي الله عنه:
(( يا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ، فقالَ: يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وقالَ: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ قالَ وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ
المؤمن إنسان كامل وأمين ومُخلص ويطبِّق منهج الله في كل حياته:
لذلك تجد دعاء عريقاً، أدعية منمَّقة، أدعية بليغة على السجع، صوت نبراته حادَّة ولكن لا يوجد استجابة، ندعو ويعلو صوتنا لكن لا استجابة، سيدنا زكريا حدثنا الله عنه قال:
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)﴾
أنت لو كنت صادقاً بإمكانك ألا تحرِّك شفتيك، بإمكانك أن تتوجه إلى الله بقلبك، تقول له: يا رب افعل كذا، أعنِّ، ارزقني، ويستجيب لك، أي إذا لم يكن تعاملك مع الله مباشرةً، إن لم تدعه سراً وعلانيةً، ليلاً ونهاراً، في أعقاب الصلوات، في السجود، إن لم تسأله سلامة الدنيا والآخرة، فكيف تشعر أنك مؤمن؟ أنا الذي أركز عليه الآن أنت لا شك أنك مؤمن، ما الذي جاء بك إلى هذا البيت بيت الله؟ إيمانك، إيمانك جاء بك إلى هذا البيت، إلى هذا المسجد، إذاً أنت ينبغي أن تستمع لقول الله عزَّ وجل:
سبب تخلّي الله عنا أنه قد هان أمر الله علينا فهنا على الله:
المؤمن لا يكذب، المؤمن لا يغش، المؤمن لا يحتال، المؤمن لا يأكل مالاً حراماً، هذا المؤمن، كلمة مؤمن صفة كبيرة بالتعبير التجاري، شيء عظيم، إنسان صادق، إنسان كامل، إنسان أمين، إنسان مُخلص، يطبِّق منهج الله في كل حياته، لا يوجد والله لا أستطيع، يليق بها، قال: إن هذا يليق بابنته فتكون بالنتيجة كافرة، كلام فارغ، من هنا تخلى الله عنا، هان أمر الله علينا فهنا على الله، هذا مختصر مفيد.
إذا أردتم أن تفهموا السبب الذي يبدو أن الله تخلى عن المسلمين في العالم هو أنه هان أمر الله علينا فهنا على الله، ألفٌ ومئتا مليون مسلم، أكثر من خمس سكان العالم، وكلمتنا ليست هي العُليا، ليست عليا، المعنى معروف، مُقَدَّراتنا ليست بأيدينا، هان أمر الله علينا فهنا على الله..
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
وقد لقينا هذا الغَي
﴿
المؤمن يطبق شرع الله تعالى في كل أفعاله:
هناك سؤال كبير أيها الأخوة، أليس في القرآن الكريم وعود كثيرة جداً للمؤمنين؟ ألم يقل الله عزَّ وجل:
﴿
كل هذا على الله، وعلى العباد:
على المؤمن أن يلغي الغش والكذب من حياته:
﴿
للذين أحسنوا في هذه الدنيا، يا ترى الحسنة في الدنيا مطلقة، والمطلق على إطلاقه، ومعنى مطلقة أن الحسنة في الدنيا والآخرة:
الإنسان المؤمن لا يزهد ببلاد الإسلام بل يبقَى في هذه البلاد محافظاً على دينه:
﴿
أي طاعة الله لا يعلو عليها شيء، فإذا كان هذا المكان لا تستطيع أن تطيع الله فيه فتحوَّل إلى مكانٍ آخر، التعلق بالأرض على حساب دينك هذا سلوك وثني، سلوك غير صحيح، الأرض التي ترفع رأسك بها، الأرض التي تطيعُ الله بها هي أرضك، فنحن والحمد الله في بلدٍ تقام فيه شعائر الله، من أجل دُريهمات يغادر الإنسان المؤمن الطيِّب بلده إلى بلدٍ آخر تنتهك فيه الحرمات على قارعة الطريق..ومن أقام مع المشركين فقد برئت منه ذمة الله، يفرح أن البلاد رخيصة وخضراء كلها، يقول لك: الحاجات متوافرة بشكل عجيب، المواصلات، البيوت الجاهزة للإيجار، كله ميسَّر، لكن حينما يرى أن ابنته مثلاً أحبت يهودياً في بلاد الغرب، وأنها تنحرف انحرافاً خطيراً، عندئذٍ يعتصر قلبه من الألم، ولكن لات ساعة مندم بعد فوات الأوان، فالإنسان لا يزهد ببلاد المسلمين، لا يزهد ببلاد الإسلام، ليبقَ في هذه البلاد، ليبق محافظاً على دينه، ليجعل خبرته في خدمة هذه البلاد، ليجعل ذكاءه في خدمة هذه البلاد، أما يقولون لك: مئتان وسبعون ألف طبيب يعملون في بلاد الغرب من أصل عربي، هؤلاء نخبة المجتمع، الأدمغة تعمل لصالح الغرب، فشيء مؤلم أن الإنسان يسخر طاقته، وعلمه، وذكاءه، وخبرته، وينقل أمواله إلى هناك كي تعود علينا مؤامراتٍ وأسلحة فتاكة.
الصابر يرى أن يد الله تعمل في الخفاء والأمر كله بيده وأفعاله كلها يحمد عليها:
يا أيها الأخوة الأكارم؛
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(10)﴾
من هو الصابر؟ هو إنسان يعرف الله، يعرف أن الله يعالجه، مثلاً بشكل أو بآخر، راقب طفلاً صغيراً على كرسي طبيب الأسنان، تجده يبكي، يتحرك حركات عشوائية، يمسك يد الطبيب، أحياناً إذا كان بلا تربية يسب الطبيب، راقب إنساناً راشداً تجده ساكتاً، الآلام شديدة، البنج ممنوع بالنسبة له لأسباب معينة، يُعالج من دون بنج، يشد على الكرسي ولا يصيح، وبعد ذلك يشكر الطبيب، ويعطيه أجرته كما يريد، انظر إلى العقل، الطفل يصيح ويسخط ويغضب، والكبير يسكت ويصبر، أي الصبر علم، لمَا الكبير صبر لأنه يعرف أن العملية لمصلحته، يعرف أن الطبيب عالم، والطبيب خبير، والطبيب دقيق، وهذا العمل بمجمله مع آلامه لصالحه، ويقول: وجع ساعة ولا كل ساعة، هذا الراشد، فكل إنسان لا يصبر معنى هذا أنه أحمق، لا يعرف الله أبداً؛ أما الصابر فهو يرى أن يد الله تعمل في الخفاء، يرى أن الأمر كله بيد الله، يرى أن أفعال الله كلها يُحمَد عليها، لذلك قالوا: الحمد لله الذي لا يُحْمَد على مكروهٍ سواه، عن صهيب بن سنان الرومي:
(( عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له. ))
المؤمن شيء عجيب، مثل المنشار على الحالتين مسرور، إذا أكرمه الله يقول: يا رب لك الحمد هذا فضلك عليّ، وإذا الله سلبه نعمة يا رب لك الحمد أنا أستحق، وأنت مربٍّ، وأنت عالم، وأنت عادل، وأنت رحيم، وأنا طوعُ إرادتك، إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى ولكن عافيتك أوسع لي. والله شيء جميل، لا تجد عند المؤمن حالات انهيار عصبي، تجد بالغرب أن أعلى نسب الانتحار في السويد، جهل، إن لم تأت الدنيا كما يريد الإنسان ينتحر، المؤمن تجده ينقصه مليون قضية ومع ذلك يرجو الله، ويدعوه، ويصبر على قضائه وقدره، فلذلك:
معنى التوحيد:
من هو الصابر؟ هو الذي يعرف الله، يعرف أن الأمر كله بيد الله، لا يوجد زيد ولا يوجد عُبيد، ولا يوجد فلان ولا يوجد علان، لا يوجد إلا الله، هؤلاء صور، مثلاً إن تلقى أحدٌ ضربةً بعصا، والعصا بيد إنسان، هل يصب نقمته على العصا؟ يحقد عليها؟ والله لأقسمك قسمين بالمنشار، لا، يجب أن يحقد على من ضربه بها، فإذا كان من ضربه بها إنسان عظيم وعادل ورحيم، معنى هذا أنه هو الغلطان، انظر كيف التسلسل، إن جاءتك مصيبةٌ على يد إنسان، هذا الإنسان أداة بيد الله، عصا بيد الله، الله عزَّ وجل عادل ورحيم وحكيم، معنى ذلك أن شيئاً ما من عند نفسي أنا، المؤمن دائماً يتَّهم نفسه، ليس عنده حقد إطلاقاً، يعلم أن الله بيده كل شيء، الإمام الشعراني قال:
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾
أيها الأخوة الأكارم؛ نحن مقدِمون على شهرٍ فَضيل، على شهرٍ كريم، ما من شهرٍ في القرآن الكريم ذُكِر اسمه إلا رمضان حصراً، هذا الشهر دورةٌ سنوية، دورةٌ سنوية روحية لقفزةٍ إيمانية، لقفزة، فأنا أتمنى على كل أخ كريم أن يفرغ نفسه في هذا الشهر لله عزَّ وجل.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين