- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
العقيدة إن صحت صح العمل وإن فسدت فسد العمل :
كنت في بلد بعيد بعيد ، دخلنا إلى معمل ، الأول في صناعة السيارات ، مع الدليل، مع المترجم ، هذه السيارة فيها ثلاثمئة ألف قطعة ، أما أنت كراكب سيارة فيوجد غلاف معدني غليسوري ، و محرك ، و عجلات ، و وقود ، و مقود ، و مقاعد ، من ثلاثمئة ألف لسبع ، عملياً راكب السيارة تستطيع أن تسميهم كليات السيارة .
الآن ممكن الدين العظيم الذي تزيد موضوعاته عن مليون موضوع ، والعلماء عن مليون عالم ، والكتب عن مليون كتاب ، ممكن أن ينضغط الدين كما ضغطنا السيارة من ثلاثمئة ألف قطعة لسبع ؟ ممكن ، هذا اجتهاد ، وأرجو أن أكون على صواب .
في الدين جانب فكري ، إيديولوجي ، تصوري ، عقيدة ، منطلقات نظرية ، كله مثل بعضه ، أي جانب فكري ، عقيدتك ، تصوراتك ، من هو الله ؟ ما حقيقة الموت ؟ ماذا بعد الموت ؟ ما هو البرزخ ؟ ما حقيقة الجنة ؟ ما حقيقة النار ؟ المنهج ، الشرع ، الأمر ، النهي ، هذه كليات الدين ، هذا جانب .
الآن العقيدة إن صحت صح العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، إذا أنت كنت تفهم الدين فهماً ساذجاً أي عليك ألا تدقق ، هذه كلها كلمات العوام ، الله عز وجل لن يحاسبنا ، الدين يسر، هناك كلمات يقولها العامة تقترب من الكفر ، أما إذا أنت قرأت ، تعلمت ، لك مرجع ديني سألت ، تفهم فهماً آخر ، لا يوجد لا تدقق ، أنت ممكن عندك معمل لمواد غذائية مثلاً ، هذا المعمل مسموح لك أن تضع مواد حافظة ، بنزوات الصوديوم ، ثلاثة بالألف ، ممكن أن تضع ثلاثة بالمئة فيعمل سرطاناً ، عندما ترتفع نسب السرطان الآن لعشرة أضعاف ، الآن يوجد أخطاء كبيرة بغذائنا ، هذا الذي أراد أن يروج بضاعته ، ويضمن سلامة المنتج الغذائي لأمد طويل فرفع نسب بنزوات الصوديوم ، فسبب أمراضاً خبيثة بالمجتمع ، هذا الإله العظيم ألن يحاسبك ؟ تبلي عباده بصحتهم ولا يحاسبك ؟ والله يوجد أخطاء ، نحن نرى فلاناً لا يصلي ، طبعاً لا يصلي شيء كبير جداً ، لكن تبني مجدك على أنقاض الناس ؟ تبني حياتك على موتهم ؟ تبني عزك على ذلهم ؟ تبني صحتك على مرضهم ؟ تبني أمنك على خوفهم ؟ كل إنسان يبني مجده على أنقاض الآخرين ، حياته على موتهم ، صحته على مرضهم ، طمأنينته على تخويفهم ؟ لا أحد يعرف أن هناك محاسباً ، أقسم لكم بالله إذا تيقنت أن هناك حساباً دقيقاً دقيقاً لم تستطيع أن تدوس نملة ، كلما عرفت الله حقيقة يزداد خوفك منه .
مثلاً : هذه قصة وقعت ببلد قريب منكم ، شخص معه مبالغ طائلة ، كبيرة جداً ، توفي ، وهو عنده ولد واحد ، وضع عمه وصياً ، ماذا فعل هذا العم ؟ نقل أملاك اليتيم التي ورثها من أبيه بأكملها له ، وصي ، معه صلاحيات ، يبيع ويشتري ، الأموال كلها نقلها له ، وترك اليتيم بلا درهم ، وسافر لأمريكا ، وقعد خمس عشرة سنة ، وتاجر بالسيارات ، وجمع أموالاً تفوق حدّ الخيال ، ثم رجع ، اشترى بيتاً بأرقى الأحياء ، فيلا ، ومسبح ، وإطلالة ، واشترى أثاثاً كله إيطالي ، والفرش من أرقى الأنواع ، والثريات كلها بلجيكي ، أي عمل بيته كالقصر ، جاءه ضيف من المطار ، ذهب ليحضره وأخذ معه زوجته وأولاده ، وهو راجع عمل حادثاً مات هو وزوجته وأربعة أولاد ، من الوريث الوحيد ؟ ابن أخيه ، فعل الله يخيف .
إياك أن تغلط مع الله ، يسلبك كل ما تملك بثانية ، هذا الشخص كل أموال عمه بالمليارات صارت ملكه ، إياك أن تغلط مع الله .
طبيب لا يخرج من البيت - القصة من خمس وخمسين سنة - إلا بليرة ذهبية عثمانية أم الحصان ، تعرفونها ؟ وعربة ، ما كان هناك سيارات ، فهذا جمع ثروة طائلة ، وعمّر بناء يتميز بشيء لا يصدق ، الحجار كلها مزخرفة ، منحوتة كلها ، أربعة طوابق بأرقى أحياء دمشق ، مطلة على مركز دمشق ، هذا عندما كبر أصيب بالشلل ، قعد بالبيت لم يتحملوه ، نقلوه إلى القبو ، ثم نقلوه لبيت بعيد ، أنت تستغل اختصاصك النادر ولا تخرج من بيتك إلا بعربة وليرة ذهبية وتنفد من الله ؟
كلما كبر عقلك تخاف من الله أكثر ، كلما ازداد علمك يزداد خوفك ، كلما عرفت الله سيحاسب ، وسيعاقب ، وهو حسيب ، تستقيم أكثر .
الإنسان بضعة أيام :
فيا أخوان ؛ الإنسان هو بضعة أيام ، أنا ما سمعت بحياتي تعريفاً جامعاً مانعاً قاطعاً رائعاً للإنسان كهذا التعريف ، للإمام الحسن البصري : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، أنت زمن ، تعريفك الدقيق : أنت بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، ولأنك زمن ، أقسم الله لك بمطلق الزمن ، قال لك :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
إله يقسم لك أيها الإنسان ، أنت خاسر ، لِمَ الخسارة يا رب ؟ قال : لأن مضي الزمن وحده يستهلكك فقط ، هل يستطيع الإنسان أن يقول : أنا لن أموت ؟ إن كان ذكياً ، أو اعتنى بصحته ، فإنه سيموت .
يوجد مغنّ بمصر ، لم يركب طائرة بحياته ، يخاف أن يموت ، لا يأكل مساء إلا فواكه ، يمشي بأسلوب من الصحة يفوق حدّ الخيال ، ثم مات .
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت :
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***
و:
كل ابــن أنثى وإن طالت سلامــته يـــوماً على آلة حدبـــاء محمول
فإذا حمــــلت إلى القبور جنـــــــــازة فاعــــلم بأنــــك بعدهـــــــا محمول
***
واعلموا أن ملك الموت ، هنا لا يوجد نعوات بالأردن تلصق على الجدران ، عندنا بالشام في اليوم حوالي خمسين نعوة ، خمسون حالة موت ، يوجد أكثر من مئة حالة موت نصفهم في نعوات كلها على الجدران ، فكلما تقرأ نعوة ، ممكن الآن نفدت ، ملك الموت تجاوزك إلى فلان ، وبعد عدة أيام سيتجاوز فلاناً إليك .
(( رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
ذكاء الإنسان و تفوقه أن يعد لساعة الموت عدتها :
أنا أعتقد بالمئة إنسان الذين يعيشون المستقبل خمسة ، الذين يعيشون الماضي والحاضر خمسة وتسعين ، الأخ ماذا يعمل ؟ يقول : مهندس ، أين درست ؟ بالقاهرة ، يعيش حاضره وماضيه أما المستقبل فلا أحد يتكلم عنه إطلاقاً ، لماذا ؟ هذا المستقبل فيه حدث خطير، فيه مغادرة البيت ، من بيت مساحته أربعمئة و خمسين متراً ، الأرض كلها بلاط إيطالي، الثريات أغلى أنواع الثريات ، السجاد كله إيراني ، فخامة ، صالونات ، غرف ، إطلالات ، سيارتان أو ثلاث ، إلى قبر .
(( رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
إذا شخص أقنع نفسه أنه لن يموت يفعل ما يشاء ، وإذا كان سيموت ؟!
طبعاً يروون قصة أن شخصاً سمع هذا الحديث ، فوضع مع والده شخصاً أعطاه عشر جنيهات - هذه القصة بمصر - قال له : تنام مع أبينا أول ليلة بالقبر وتأخذ عشر جنيهات ؟ قال له : أتمنى والله - القصة رمزية طبعاً - جاء الملكان فوجدا اثنين بالقبر ، غريب بالعادة نجد واحداً ، من أين جاء هذا الثاني ؟ يبدو أن الثاني حرك رجله فعرفوا أنه ليس ميتاً ، قال أحدهما للآخر : تعال نبدأ به ، أجلسوه ، من شدة فقره كان يلبس كيس قمح ، فتحه من الأعلى ليدخل رأسه و من طرفيه ليديه ، وربطه بحبل ، هذا هو ، لا يملك من الدنيا إلا هذا الكيس والحبل ، بدؤوا بالحبل ، من أين أحضرت الجبل ؟ من البستان ، كيف دخلت للبستان ؟ ضربوه ضرباً مبرحاً لأنه لم يعرف الجواب ، فخرج في اليوم التالي و قال: أعان الله والدكم .
تضحك على الناس ، تبيعهم بضاعة مغشوشة ، مواد كلها مسرطنة ، وتربح أرباحاً طائلة ، وتشتري بيتين أو ثلاثة ، وسيارتين أو ثلاث ، وبيتاً على البحر ، وبيتاً بالجبل ، وبالعاصمة ، وكل يوم سهرة أو سفرة ، وكل يوم رحلة ، وتنفد ؟
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
ذكاؤك ، ونجاحك ، وتوفيقك ، وعلمك ، وحكمتك ، وتألقك أن تعد لهذه الساعة ما تستحق .
الوقت أثمن شيء يملكه الإنسان :
لذلك :
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
واو القسم بالإعراب ، الله أقسم بالعصر لهذا الإنسان الذي هو في حقيقته زمن قال له :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* ﴾
لأن مضي الزمن وحده يستهلكه ، قبل أن تقول : آمنا ، آمن ، عمله صالح ، طالح ، دخله حلال ، حرام ، علاقاته الإسلامية ، قبل كل هذه الأسئلة ، أقسم الله لك بمطلق الزمن أنك خاسر ، لأن مضي الزمن وحده يستهلكك ، قال :
﴿ إِلَّا ﴾
رحمة الله في إلا ، ما بعد إلا أركان النجاة .
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
سماها الإمام الشافعي : أركان النجاة .
﴿ آمَنُوا ﴾
عقيدته ، طلبت العلم ، عرفت من هو الإنسان ، هو المخلوق الأول عند الله ، هو مخير ، أعطاك الله المقومات ، أعطاك عقلاً ، أعطاك كوناً ، أعطاك شهوة ، أعطاك فكراً ، أعطاك منهجاً ، ماذا فعلت ؟ أي ماذا أقول لك ؟ ممكن للساعة الثالثة طاولة وشيش بيش، أليس للوقت قيمة عندك ؟ أنت وقت .
أحد العلماء الكبار بالشام يمشي بالطريق وجد مقهى ، يلعبون النرد بالطاولة ، قال: سبحان الله ! لو أن الوقت يشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم .
أثمن شيء تملكه وقتك ، هذا الوقت هو الظرف ، يجب أن تستهلكه بمعرفة الله ، معرفة منهجه ، معرفة الدين ، معرفة رسول الله ، أصحابه ، الاستقامة ، العمل الصالح ، الاتصال بالله ، العبادات ، المعاملات ، الأذواق ، القضية ليست سهلة ، القضية خطيرة جداً ، قضية مصيرية .
إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا .
العبادة علة وجود الإنسان الوحيدة في الدنيا :
في هذا اللقاء الطيب كليات ، أول كلية العقيدة ، الإيديولوجيا ، المنطلق النظري ، الثانية والثالثة سلوكية ، أي حركة ، هناك حركة سلبية ، الاستقامة، أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، أنا ما فرقت بين زوجين ، هذه استقامة ، والاستقامة أهم شيء بالإسلام ، من دون استقامة العمل كله لا يقبل ، هذه سلبية ، الإيجابية العمل الصالح .
يا أخوان ؛ علة وجودك الوحيدة في الدنيا هي العمل الصالح ، الدليل :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
لِمَ سميّ العمل صالحاً ؟ لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، علة وجودك الوحيدة ، سبب وجودك ، بعثت ابنك الوحيد لفرنسا ليدرس دكتوراه في السوربون ، علة وجود ابنك الوحيدة بباريس الدارسة ، ممكن أن يأكل بمطعم ، ممكن أن يشتري مجلة متعلقة باختصاصه ، ممكن أن يجلس بحديقة ، لكن لماذا جئت به إلى هذه المدينة ؟ ليدرس ، وعلة وجودك الوحيدة العبادة.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية .
علة وجودك الوحيدة العبادة ، فإذا حال مكان بينك وبين أن تعبد الله هل تبقى فيه ؟ يجب أن تهاجر ، وهذه هي الهجرة ، لماذا الله عز وجل وضع النبي بظرف صعب بمكة ، وهاجر ، الله يعلم بالمستقبل ، يكون الوضع صعباً للبشرية ، فأنت علة وجودك الوحيدة العبادة ، وأي مكان حال بينك وبين أن تعبد الله ، وبينك وبين علة وجودك ينبغي أن تغادره .
بعثك والدك إلى السوربون ، لم يقبلوك ، تبقى بباريس ؟ ترى جامعة ثانية ، علة وجودك الوحيدة العبادة .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
والعبادة من أدق تعريفاتها : طاعة طوعية، ليست قسرية ، الذي خلقك حياتك بيده ، موتك بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، زواجك بيده ، دخلك بيده ، سعادتك بيده ، شقاؤك بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن تعبده إكراهاً ، قال :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
أراد الله أن تكون العلاقة به علاقة حب ، قال :
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
الله أراد أـن يكون الحب هو العلاقة بينك وبينه .
الحب نوعان ؛ حبّ مع الله و حبّ في الله :
أخواننا الكرام ؛ أرجو أن أكون دقيقاً معكم
يوجد حبٌ مع الله ، وحبٌ في الله ، الحب في الله عين التوحيد ، تحب الله ، تحب جميع الأنبياء ، تحب سيدنا رسول الله ، تحب الدين ، تحب العلماء الربانيين ، تحب العمل الصالح ، تحب المساجد ، يتفرع من محبتك لله مليون موضوع ، الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، أحببت جهة منعتك من الصلاة ، أحببت جهة منعتك من الدخل الحلال ، الدخل فيه ربا ، يجب أن تغادر ، إذا سمحت لك هذه الجهة القوية أن تصلي ، وتستقيم ، وتعمل عملاً صالحاً ، لا يهمك وضعها ، يهمك أنت علة وجودك الوحيدة في الأرض العبادة ، ما دمت تمكنت أن تعبد الله ابقَ مكان ما تمكنت ، إذا منعت أن تعبد الله ، أو منعت أن تنطق بالحق ، يجب أن تنطق بالباطل ، حاصلة بدول كثيرة يجب أن تنطق بالباطل ، يجب أن تغادر ، هذه فلسفة الهجرة ، إذا حال مكان ما بينك وبين أن تعبد الله فلابد من أن تغادره إلى مكان يتاح لك أن تعبد الله فيه .
تفريغ الدين من مضمونه :
أخواننا الكرام ؛ أكلنا ، شربنا ، نمنا ، اشترينا بيتاً ، سكنا ، فرشنا البيت ، سهرنا ، سافرنا ، تابعنا المسلسلات ، ماذا أقول لكم ؟ يمكن أعظم شهر بحياتنا شهر رمضان يصبح شهر مسلسلات ، ولائم فقط ؟ الدين يا أخوان فرغ من مضمونه .
(( ولن تُغْلَبَ أُمَتي مِنْ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
وإذا كان المسلمون ملياري مسلم ، وليست كلمتنا هي العليا ، وليس أمرنا بيدنا ، وخمس عواصم محتلة من أناس منحرفين ، هناك سؤال كبير :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ﴾
دقق هذه آية دقيقة جداً :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
بربكم هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
هذه واحدة ، هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا والله .
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
هل هذا الدين العظيم ممكن في الأرض ؟ لا والله ، يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت تحت الطاولة قبل حين ، اليوم فوق الطاولة جهاراً نهاراً ، بما أن الغرب مهيمن علينا أحد أعضاء الكونغرس قال : لن نسمح بقيام حكم إسلامي في الشرق الأوسط .
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
الجبال ، لكن طمأنك الله عز وجل قال :
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
إذاً التمكين غير حاصل ، والاستخلاف غير حاصل .
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
الخوف حاصل ، آخر كلمة بالآية :
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإذا أخلّ الطرف الآخر بما كلف به من عبادة فالله سبحانه وتعالى في حلّ من وعوده الثلاث .
الدين فردي و جماعي :
القضية خطيرة يا أخوان ، لكن أنا أمامي شباب جزاهم الله كل خير ، أريد أن أطمئن الشباب ، هذا الدين فردي وجماعي ، جماعي إن طبقته الأمة تنتصر ، وفردي إن طبقته وحدك في ثلاث دوائر ، نفسك دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، قطفت كل ثماره الفردية ، الدليل :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
أنت واحد من ملياري مسلم ، طبقت الدين وحدك بثلاث دوائر ، نفسك دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، نجوت ، أما كدين جماعي تطبقه الأمة فتنتصر ، الدليل :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي يا محمد ما دامت سنتك قائمة في حياتهم فأنتم أيها الأمة في مأمن من عذاب الله ، أنا أمامي شباب ، لم تستطع أن تقنع الناس بأن يطبقوا الدين ، طبقه وحدك بثلاث دوائر ، بنفسك ، وببيتك ، وبعملك ، بيتك وعملك ونفسك ، أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك .
الدين خطير ، ما معنى خطير ؟ البيت لم يعجبك تبيعه ، والسيارة لم تتوفق بها تبيعها ، لكن دينك ! ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا .
الإيمان بما جاء به الأنبياء قبل فوات الأوان :
يا أخوان ؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن نصحو بالوقت المناسب ، أن نصحو قبل فوات الأوان ، من أكفر كفار الأرض ؟ فرعون ، ماذا قال ؟
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
وماذا قال أيضاً ؟
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
فرعون نفسه عندما أردركه الغرق قال :
﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
فكان الجواب الإلهي :
﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾
فنحن جميعاً من دون استثناء لا يوجد واحد من بني البشر إلا ويؤمن عند الموت بما جاء به الأنبياء ، لكن متى كان ؟ بعد فوات الأوان .
﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾
فأنت استغل شبابك ، استغل قوتك .
((اغتنم خمساً قبل خمس ؛ شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك))
بارك الله بكم جميعاً ، وحفظ إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، وبلدكم .