- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الخطاب الإلهي .
أيها الأخوة الكرام ؛ الله جل جلاله خاطب عموم الناس بأصول الدين ، وخاطب المؤمنين بفروع الدين .
خاطب عموم الناس بأصول الدين :
والله عز وجل يقول :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
أما حينما خاطب المؤمنين ، قال تعالى :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
خاطب عموم الناس بأصول الدين :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾
خاطب المؤمنين بفروع الدين :
فلما خاطب المؤمنين خاطبهم بالتفاصيل بفروع ، قال :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
هذه المن للتبعيض ، الإنسان محاريمه ، يعني أمه ، خالته ، عمته ، ابنته ، ابنة ابنته ابنة أخيه ، هؤلاء المحارم ، هؤلاء له أن ينظر إليهن ، لكن بعض العلماء قال :
من دون تدقيق في التفاصيل .
يعني أخته ما فيه يفتح عليها غرفتها فجأة ، أتحب أن تراها عريانة ؟ لابد من أن تستأذن على أمك ، قال إنها أمي يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( أتُحِبُّ أن تراها عُريانة ))
فلذلك المحارم لابد من أن تستأذن عليهم دخول غرفتهن .
الملاحظة الثانية : من دون تدقيق في التفاصيل .
أيام تكون زوجته لو فرضنا دقق بالتفاصيل ما في مشكلة ، هي حلاله ، لكن المحارم دون التدقيق بالتفاصيل ، هذا الأكمل ، لذلك :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
لك أن تنظر إلى محارمك ، والمحارم الأم ، والعمة ، والخالة ، والأخت ، والبنت ، وابنة البنت .
الآن :
﴿ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
الملمح الدقيق :
﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
ما قال ويحفظ من فروجهم ، يعني ما في نشاط للفرج مسموح به ، إلا من خلال الزوجة .
الأولى :
﴿ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
والثانية :
﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾
المؤمن عفته طهارته ، أو طهارته عفته ، يشعر بسمو مادام ما في نظر إلى عورات النساء .
﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾
يعني أطهر ، فقط للتقريب :
لو أن صديقة زوجته زارتها في الشتاء ، في غرفة صغيرة ، فقال لزوجته : تعالوا إلى هنا غرفة الجلوس دافئة ، يا ترى هو نيته أن يجلسوا في غرفة دافئة ، أم أن يرى صديقة زوجته مثلاً ، من يعلمها ؟ الله وحده .
﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾
الأمر مشترك .
العبادات :
لذلك هناك العبادة الشعائرية ، كالصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة . وهناك العبادة التعاملية شاهدها أن سيدنا جعفر التقى بالملك النجاشي ، فقال حدثني عن الإسلام قال :
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ،، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ـ الشاهد ـ وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))
هذه العبادة التعاملية .
في عنا عبادة شعائرية : نطق بالشهادة ، صوم ، صلاة ، حج زكاة .
العبادة التعاملية : صدق ، أمانة ، عفة ، إلى آخره .
والحقيقة الخطيرة : أن العبادات الشعائرية كالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، لا تصح ولا تقطف ثمارها ، بل ولا تقبل إلا صحت العبادة التعاملية ، والدليل :
(( يؤتى برجال يوم القيامة ، لهم أعمال كجبال تهامة ، يجعلها الله هباءاً منثورا قيل يا رسول الله جلهم لنا ، قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
لا قيمة لصلاتهم ، لذلك قالوا :
(( من لم يكن له ورع يصدع عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ))
هذه الصلاة . الصوم :
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
يعني مما تطلعت عليه ، قماش وطني ، رخيص ، في شريط يوضع على حاشيته يكتب عليه عبارة القماش صار أجنبي السعر أربع أضعاف ، فإذ الواحد صلى خمس صلوات ، وباع هذا القماش على أنه مستورد ، وأجنبي ، هو موطني كله ، هذا قول الزور ، أنواع الغش كلها بقول الزور ، أحياناً يقول لك : أنا عصرت الزيتونات أمامي ، وفي خزان زيت نباتي موصول بقعر مكان العصر ، يفتحه دقيقتي ، ثلاث دقائق ، نصف تنكة ، يعصر نصف عصرة أمامي وضع الزيتونات أمامي ، وانعصروا أمامي وجبتهن ، نصفها زيت نباتي ، هذا قول الزور كل أنواع الغش في قول الزور ، أنت عم توهم إنسان هي مستوردة وهي وطنية ، عم توهم أن هذه البضاعة كذا ، وهي ليست كذا والله في مليون نوع من الغش .
مرة ذكر لي أخ ، له صديق ، بياع عصير ، في عنده حقنة طبية ، يحقنها عشرين ابرة ماء برتقالتين يملؤون الكاسة ، بكون كلها ماء .
((مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
فالذي اتمناه أن يكون واضحاً ، ولعله أخطر شيء في هذا اللقاء ، العبادات الشعائرية الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، لا تصح ، ولا تقبل ، ولا تقطف ثمارها ، إلا إذا صحت العبادة التعاملية .
لذلك قال بعض العلماء التستري قال : ترك دانق من حرام ، خير من ثمانين حجة بعد الإسلام .
العبادة الشعائرية الناس يؤدوها وهم مرتاحين ، لكن فاصل عبادته الشعائرية عن عمله مادة مثلاً توضع بالطحين ، اسبداج ، مادة كيميائية ، تستخدم في الدهان ، تعمل الطحينة بيضاء لونها ، يرتفع سعرها عشرة ليرات ، وهذه مادة مسرطنة ، تجده في أول صف يصلي ، وهو صاحب معمل طحين ، زرته بالمعمل هكذا ، يضع مادة اسبداج بالطحينة ، يصبح لونها أبيض ، ويصلي في الصف الأول ، ما له منتبه أن الدين مرتبط بالعمل ، هذه الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة مرتبط بالعمل والاستقامة ، فإذا ما في استقامة ما في ثمرة ، لذلك لما النبي قال :
((ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
أثنا عشرة ألف مسلم مطبق لن يغلب في الأرض ، وإذا كان مليار وسبع مئة مليون وليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل .
غض البصر :
الآن على غض البصر ، دقق :
(( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركه من مخافتي أبدلته إيماناً يجد له حلاوته في قلبه ))
أيام الإنسان يأتيه سهم ، هذا المكان يجرح ، هذا المكان فقط ، إذا كان سهم مسموم يسمم بدنه كله ، هذا حديث شريف :
(( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ))
إذا الإنسان أطلق بصره تتغير حياته تغير جذري ، تجده طبعه صعب صار ، يثور لأتفه الأسباب ، في اضطراب داخلي ، في شعور في قلق مستمر .
(( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد له حلاوته في قلبه ))
الآن في نقطة مهمة : في قوانين تطبق علينا في كل مجتمع ، والسرقة محرمة حتى في الأنظمة الوضعية ، والله حرم السرقة ، فإذا واحد ما سرق ، يا ترى خائف من النظام ، من قوانين ، خائف من السجن ، لما خائف من الله ، لا نعرف ، ما سرق ، في قوانين صارمة ، وعقاب شديد ، وفي معصية إلى الله عز وجل ، لكن لحكمة بالغة بالغة في أوامر إلهية كثيرة ما لها علاقة بالقوانين كغض البصر ، ما في جهة بالأرض تحاسبك على إطلاق البصر بالأرض .
يعني أنت جالس في بيتك وفي أمامك بيت آخر وطلعت امرأة على الشرفة متفلته وأنت جالس في الظلمة بغرفتك فيها ظلام ، والمرأة على الشرفة مكشوفة ، فإذا أنت تأملت في هذه المرأة ، وملئت عينيك من محاسنها ، ما في قوة بالأرض أن تكشف لك هذه المخالفة ، إلا أن تكون مؤمنا .
تدخل إلى بيتك برمضان ، يعني الحر لا يحتمل ، والعطش لا يحتمل ، مين يكشف أنه أنت فتحت الثلاجة وأخدت كاسة ماء باردة وشربتها ، لما أنت في رمضان منضبط في بيتك لحالك ، شو الدليل أخلاقك ، شايف الإله شايفك ، يقدر المسلم أن يضع في فمه قطرة ماء في رمضان ؟ لا يقدر ، لأن الصوم دين ، وأنا أجزي به .
أيام تتفق القوانين مع الشرائع ، إذا الواحد ترك شيء الذي القانون حرمه والشرع حرمه لا نعرف السبب ، يا ترى خوف من القانون أو من الله عز وجل ؟ لكن شاءت حكمة الله أن يكون هناك أوامر ما في قانون بالأرض يحرمها ، إلا الله عز وجل .
فإطلاق البصر ، وغض البصر فحكمة هذه الأوامر يكتشف المؤمن إخلاصه لله الصيام كذلك ، غض البصر كذلك .
أخوانا الكرام ، ابن القيم الجوزية ، في كتابه ، له كتاب اسم الكتاب الكافي ، يتحدث عن فوائد غض البصر ، إن شاء الله هذه غداً نتابعها ، ابن القيم الجوزية في كتابه الجواب الكافي يتحدث عن عشرة فوائد أساسية لغض البصر ، وغض البصر جاء في القرآن :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
وفي ثمار يانعة جداً لغض البصر ، لذلك هذا الإسلام منهج كامل متعلق بحياتك الخاصة والعامة ، متعلق بالجسد ، وبالنفس ، متعلق بالحواس الخمس ، متعلق بالقلب ، القلب له عبادة هو الإخلاص .
﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾
في طاعة ظاهرية تؤديها الجوارح ، وفي إخلاص يؤديه القلب ، فأنت علة وجودك في الدينا العبادة ، قال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لعبادته ولتحقيق علة وجودنا في الأرض والآية تقول :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَليما ﴾
يعني أنت حينما تؤمن وحينما تشكر تتوقف المعالجة الإلهية .
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .