- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
مشروعية العمل .
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به ، أو ولد صالح يدعو له ))
بادئ ذي بدء : الإنسان في الدنيا له عمل ، هذا العمل قد يكون صالحاً ، وقد يكون سيئاً ، قد يكون مادياً ، وقد يكون معنوياً ، والسؤال الدقيق الذي ينبغي أن يوجهه كل إنسان إلى نفسه :
ما العمل الذي أقامك الله به ؟
هل هذا العمل مشروع أو غير مشروع ؟
هل هذا العمل يرضي الله أو لا يرضي الله عز وجل ؟
هل هذا العمل وفق منهج الله أم بعيداً عن منهج الله ؟
هل هذا العمل له أثر مستقبلي أم ليس له أثر مستقبلي ؟
يعني الإنسان إذا رفه نفسه ، وجعل بيته أجمل بيت ، واعتنى بزخرفات بيته إلى درجة لا توصف ثم جاءه ملك الموت ، هذا الجهد الكبير الذي بذله للعناية برفاه نفسه له أثر مستقبلي ؟ ما له أثر .
قصة قصيرة :
أذكر في بلادنا في الشام في بيت بينسكن بعشرة ملايين ، في بيت بعشرين مليون أنا بأعرف واحد بيته حقه مئة وثمانين مليون ، من أندر البيوت ، وتوفي في أيام الشتاء ، والأيام مطيرة وهو والد صديقي
فلما شيعت جنازته ، ووصل إلى المقبرة ، فتحوا القبر فإذا به مياه سوداء ، مياه المجارير فتحت على القبر .
فلما سئل ابنه ماذا نعمل ؟
قال :
ضعوه ، ماذا نفعل ؟
فهذه ساعة المغادرة من الدنيا إلى الآخرة من أدخلها بحساباتنا اليومية ؟ يعني دخلك حلال ؟ في شبهة ، البضاعة التي تتعامل بها مشروعة مئة بالمئة ، أما في أشياء لا ترضي الله عز وجل ؟ يا ترى علاقاتك ، نزهاتك ، لقاءاتك ، سهراتك ، نشاطك ، وفق المنهج ، أما بعيد عن المنهج ؟ هذا سؤال خطير ، هذه حقائق خطيرة جداً لذلك :
(( إذا مات ابن آدم ))
العمل الذي كان قائما به ينقطع ، فكيف إن لم يكن بالإنسان عمل ، للذي له عمل صالح يلقى الله به عند الموت ينقطع ، فكيف بمن ليس له عمل صالح .
أحاديث شريفة .
ورد أنه :
(( من أصبح وأكبر همه الدنيا ، جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له ، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ))
(( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته ، فتكيده أهل السماء والأرض ، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه ))
وقفة مع الذات .
فيا ايها الأخوة ؛ لابد من وقفة مع الذات
لابد من تفكر في الواقع ، أين أنت من منهج الله ؟ أين أنت من هذه الآية ؟ لذلك تقول الآية في القرآن الكريم :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾
ما معنى حق التلاوة ؟
يعني أن نقرأ القرآن قراءة صحيحة وفق قواعد اللغة العربية ، ورد أيضاً عن سيدنا عمر :
" تعلموا العربية فإنها من الدين "
وإن تقرأ القراءة القرآنية مجودة إن أمكن ، أفضل ، قراءة صحيحة ومجودة ، وأن تفهم المعاني التي تقرأها ، آخر شيء ، وأن تتدبر الآيات .
يعني أين أنت من هذه الآيات ؟
هل أنت مطبق لها ؟
أكثر من 250 آية بالقرآن يا أيها الذين أمنوا .
أنت حينما تقرأ هذه الآية ، هل تشعر أنك معني بها ، خطاب لك أيها المؤمن .
هل أنت معني بهذه الآية ؟
يعني بعيد عن مشكلات الحياة وعن ضغوطات الحياة ، وعن الصوارف ، وعن العقبات ، لابد من وقفة متأملة .
إلى أين أنا ذاهب ؟ ماذا بعد الموت ؟ ماذا ينتظرني ؟
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.........
هذا الحديث دقيق :
(( إذا مات ابن آدم انقطع عمله ))
إذا كان له عمل يرتفع .
والتعليق الدقيق الذي يجرح القلب .
إذا كان ليس له عمل أصلاً والعياذ بالله .
فكيف إن كان له عمل سيء ؟
في إنسان له عمل سيء ، في إنسان ماله عمل صالح ، في إنسان له عمل صالح .
دعونا ممن كان له عمل سيئاً ، ودعونا ممن ليس لهم عمل ، الذي له عمل صالح عند الموت ينقطع ، قال :
(( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية ))
بناء مسجد ، إنشاء معهد شرعي ، يعني الأعمال الصالحة التي لا تنتهي كالأوقاف إنسان وقف أرض لليتامى ، وقف أرض لطلاب العلم هذا العمل الجاري ، صدقة جارية ، يموت الإنسان ويبقى العمل .
العمل الصالح والعمل السيء .
في عنا ظاهر المدينة في الشام ، طريق إلى مصيف مشهور ، في نصف هذا الطريق على اليمين ملهى ، وعلى اليسار مسجد
وأنا سمعت قصة الملهى والمسجد ، صاحب الملهى لم يدع معصية من المعاصي التي ألفها الغرب المتفلت المتفسخ إلا وفي هذا الملهى ، وعندما تم البناء ، وفتح الأبواب لاستقبال العصاة والمذنبين بعد حين توفي الذي أنشأ هذا الملهى ، والملهى مستمر ، فكل ما في من معاصي وآثام مستمرة في صحيفة هذا الذي أنشأ هذا الملهى ، على الطرف الآخر من الطريق مسجد ، وصاحب المسجد توفي أيضاً وكل صلاة تؤدى في هذا المسجد في صحيفة من بنى هذا المسجد .
فأنت أمام عمل ، هذا العمل إن كان صالح ينقطع عند الموت ، إلا إذا كان من نوع آخر ، إلا إذا كان صدقة جارية ، معهد ، تفسير فسرته ، كتاب ألفته ، مسجد بنيته ، يعني عمل صالح مستمر ، يموت الإنسان وعمله مستمر .
الآن قراء القرآن الكريم الذين توفاهم الله ، بأي وقت ، بأي مكان ، بأي إذاعة ، في قرآن كريم لهؤلاء ، وهم موتى تحت أطباق الثرى ، والمغنون الذين غنوا أغنيات ماجنة ، وقد توفوا أيضاً أغنياتهم تسجل عليهم كل حين .
(( فإذا مات ابن آدم انقطع عمله ))
إن كان صالحاً انقطع ، وإذا ما له عمل ما في شيء ، وإذا كان له عمل سيء والعياذ بالله .
(( إلا من ثلاث ، صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ))
مرة عم حضر درس ، أخذت من المكتبة تفسير القرطبي ، يعني تفسير جيد ، أنا أقرأ به ، طبعاً صاحب هذا التفسير مات من خمس مئة عام ، وتفسيره بين أيدي العلماء ، ينتفعون به هذه صدقة جارية ، يعني فكر بعمل يستمر بعد الموت ، هذه بطولة ، وذكاء ، ونجاح ، هذا العمل الصالح يبقى بعد الموت .
(( إلا من ثلاث ، صدقة جارية ))
أيام يكون في معهد شرعي ، أيام بكون مثلاً دار للمسنين ، مأوى للعجزة ، ثانوية شرعية ، معهد شرعي ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، يعني فكر بعمل يستمر بعد الموت ، هذه الصدفة الجارية .
(( وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له ))
الولد الصالح استمرار لوالده .
أخوانا الكرام ؛ لا شك أن أي إنسان على الإطلاق يتمنى السلامة ، والسعادة والاستمرار ، سبع مليارات إنسان على وجه الأرض ما منهم واحد إلا ويتمنى السلامة والسعادة والاستمرار ، السلامة بالاستقامة على أمر الله ، تستقيم أنت في سلامة ، والسعادة بعمل صالح تقدمه بين يدي الله .
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
وأما الاستمرار في تربية أولادك ، الإنسان يستمر بابنه .
مرة أحد خطباء الجامع الأموي ، كان رجل صالح جداً ، وعالم كبير توفي رحمه الله فكنت أنا مع المشيعين ، ثم حضرت التعزية لأيام ثلاثة ، في اليوم الثالث قام ابنه خطيباً يخطب كأبيه تماماً ، فبكيت ، إذاً هذا الخطيب لم يمت ، ما دام خلف ولد صالح علمه العلم الشرعي وعلمه الخطابة ، فتابع مسيرة أبيه من بعده .
فكر بعمل مستمر بعد الرحيل ، بعد المغادرة ، هذه صدقة جارية .
(( أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ))
لذلك قال تعالى :
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
ولا يعرف معنى هذه الآية إلا من كان له ولد صالح ، يدعو إلى الله من بعده ، نعمة كبيرة جداً ، دائماً في شيء اسمه عمل مؤسساتي ، أنت بنيت شيء لازم ابنك يتابعك من بعدك حتى في الدنيا في حرف راقية جداً الإنسان تفوق بها ، لو أنه علم أولاده هذه الحرفة ، الحرفة استمرت ، وإذا كان ما علم أولاده الحرفة انتهت بموته ، فالبطولة استمرار ، ويعبروا عن الاستمرار بكلمة عمل مؤسساتي ، ويعبروا عن كلمة غير مستمر عمل شخصي ، يموت الشخص انتهت دعوته ، انتهى علمه ، انتهى تأثيره ، انتهت آثاره ، في إنسان يخلف من بعده خلفاء يتابعون العمل ، فهذا الدرس حتى الواحد يفكر من حين لآخر ما العمل الذي يمكن يستمر بعد وفاتك .
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين، وأمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.