- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين، وأمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
لماذا اقرأ ؟؟؟
أيها الأخوة الكرام ؛ أول كلمة ، في أول آية ، في أول سورة نزلت :
﴿ اقْرَأْ ﴾
اقرأ لماذا ؟
لأن الجماد شيء مادي له أبعاد ثلاثة ، يشغل حيز في الفراغ .
النبات شيء مادي يشغل حيز في الفراغ له أبعاد ثلاثة لكنه ينمو .
الحيوان شيء مادي يشغل حيز في الفراغ وله أبعاد ثلاثة ، وينمو ، لكن يتحرك .
أما الإنسان فشيء مادي ، يشغل حيز في الفراغ وينمو ويتحرك لكنه يفكر.
الآن أودع الله في الإنسان قوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية سماها بعض العلماء الحاجة العليا في الإنسان ، في عنده حاجات سفلى يأكل ويشرب ويقترن بزوجة ، لكن الحاجة العليا طلب العلم ، والإنسان ما لم يطلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به لذلك الله عز وجل قال لمن لم يطلب العلم :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
إذا الإنسان ما طلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، يعني أنت كيف تتنفس ، وكيف تأكل كل يوم ، ينبغي أن تطلب العلم ، إن طلبت العلم عرفت خالقك ، وعرفت حقيقة الحياة الدنيا ، وعرفت مهمتك في الدنيا ، وعرفت ماذا بعد الموت ، فلذلك أول كلمة ، بأول آية ، بأول سورة ، في القرآن :
﴿ اقْرَأْ ﴾
القراءة .
لكن :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
القراءة الأولى : قراءة البحث والإيمان .
ينبغي أن يقودك طلب العلم إلى الإيمان بالله :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾
لذلك قال أنشتاين ، هذا عالم فيزياء كبير ، هو الذي اكتشف النظرية النسبية ، وهو الذي اكتشف سرعة الضوء المطلقة ، قال :
كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون ، رحيمة هي أرحم ما تكون ، عليمة هي أعلم ما تكون ، هو إنسان حي لكنه ميت .
إذاً أول قراءة أُمرنا بها قراءة البحث والإيمان ، قراءة يعني طلب علم ينقلنا إلى الإيمان بالله .
القراءة الثانية : قراءة الشكر والعرفان .
في عنا قراءة ثانية :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
يعني طريق الإيمان بالله ، التفكر في خلق السماوات والأرض ، وأقرب شيء إلك نفسك .
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
الآن القراءة الثانية : قراءة الشكر والعرفان .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
ما هي النعمة الكبرى ؟ في نعمة الإيجاد .
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراُ ﴾
أوجدك من عدم ، ونعمة الإمداد أمدك بالهواء ، بالماء ، بالطعام ، بالشراب ، بالزوجة ، بالولد ، ونعمة الهدى والرشاد ، وأعظم نعمة هي العلم .
أنا أقول دائماً : عقب العيد ، لو أن طفل من أسرة متواضعة ، وأخذ عيديات من أقرباءه ، من أعمامه ، وأخواله ، يقول لك : أنا معي مبلغ عظيم ، يعني مئة دينار أقصى شيء ، لكن إذا كان قال مسؤول بالبنتاغون كبير : لقد أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً ، كم يقدر هذا المبلغ ؟ بمئتي مليار ، فإذا قال ملك الملوك :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
فلذلك أعظم نعمة على الإطلاق أن تعرف الله ، إنك إن عرفت الله عرفت كل شيء ، وإن فاتتك معرفته فاتك كل شيء .
إذاً أول قراءة ، قراءة البحث والإيمان .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
من أجل أن تعرف الذي خلقك ، والقراءة الثانية :
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، القراءة الثانية : قراءة الشكر والعرفان .
القراءة الثالثة : قراءة الوحي والإذعان .
القراءة الثالثة قال تعالى :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
نحن في عنا بيان :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
يقدر يعبر عن مشاعره بكلام ، بمقاطع صوتية هي اللغة ، يعني أحياناً تضطر دولة أن تمنع التجول ، يطلع بلاغ بالإذاعة تحت طائلة إطلاق الرصاص ، لا تجد إنسان ، نوع التواصل تواصل لغوي ، هذا أرقى تواصل ، لو ما في لغة ، تضطر تمسك كل إنسان وتدفعه إلى البيت شيء مستحيل هذا ، ببلاغ واحد صار في استجابة ، أعلى تواصل ، التواصل اللغوي ، لذلك :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
أما العلم بالمشافهة يقتضي الاجتماع ، التواجد ، أما علم بالمشافهة ما في ، يمكن المفسر الكبير التقى مع مئة واحد بحياته ، علمهم وفقط ، أما تجد تفسير من ألف عام ، لأنه علم بالقلم ، صار في طباعة ، في عنا مشافهة ، وفي عنا كتابة ، وعنا ترجمة ، بالمشافهة ، يحتاج إلى تواجد ، بالكتابة ما في داعي للتواجد .
عالم كبير ، مرة عم افتح كتاب للقرطبي ، تفسير مهم ، أعتمد عليه أحياناً ، قلت هاد مات قبل ألف سنة ، والكتاب مطبوع آلاف الطبعات ، وانتفع به مئات ألوف الأشخاص ، فمعناها التعليم ، لما صار في كتابة العلم انتقل من جيل ، لجيل ، لجيل ، لجيل ، ولما صار في ترجمة العلم انتقل من أمة لأمة ، إذاً بالمشافهة لا بد من التقابل ، لقاء ، لأنه بالكتابة ما في داعي للقاء أما بالترجمة العلم انتقل لكل الشعوب والأمم .
أخوانا الكرام :
﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
هذا الوحي ، القراءة الثالثة : قراءة الوحي والإذعان ، قراءة البحث والإيمان ، قراءة الشكر والعرفان ، قراءة الوحي والإذعان ، وحي السماء .
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾
والوحيان ، وحي متلو هو القرآن ، وحي غير متلو هو السنة ، لذلك :
(( ما إن تمسكتم بهما فلن تضلو بعدي أبداً ، كتاب الله ، وسنة رسوله ))
القراءة الرابعة : قراءة العدوان والطغيان نعوذ بالله من هذه القراءة .
إلا أن هناك علماً رابعاً ، البحث والإيمان ، الشكر والعرفان ، البحث الرابع : العدوان والطغيان .
في قنبلة عنقودي ، فيها آلاف الكرات الحديدية ، كل واحد ضمن خمس مئة متر تصيبه الضرب في رأسه أحياناً ، في ذكاء عالي جداً ، في قنابل فراغية ، في قنابل كيميائية ، في قنابل جرثومية ، في قنابل انشطارية ، في قنابل عنقودية ، في قنابل خارقة حارقة ، تخرق اسمنت مسلح متر بعدين تنفجر ، هي للمستودعات ، في قنابل قصفت بها غرفة نوم صدام من إيطاليا ، في تقدم مذهل ، لكن هذا التقدم بالعدوان والطغيان ، في قراءة الوحي ، قراءة البحث الإيمان ، قراءة الشكر والعرفان ، قراءة الوحي والإذعان ، في قراءة العدوان والطغيان .
الخلاصة :
أخوانا الكرام ؛ البطولة أن نطلب العلم ، وإلا هبطنا عن مستوى إنسانيتنا إلى مستوى لا يليق بنا ، تطلب العلم من جامع ، من محاضرة ، من معهد شرعي ، ومن مدرسة ، من عالم ، من لقاء خاص ، من سهرة ، لابد من طلب العلم حتى الإنسان يؤكد إنسانيته ، وإلا خسر إنسانيته ، كما قال الله عز وجل :
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾
يعني يسعى ، يسعى ، يسعى ، يعمل ليل نهار ينقل بيته إلى حي أرقى ، بعدين يسعى يسعى ، يوسع بيته ، يشتري بيت بالمصيف ، بعدين بسافر ، بعدين بيجي الموت يأخذ منه كل شيء بثانية واحدة .
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
فالبطولة أن نعيش المستقبل ، معظم الناس يعيشون الحاضر والماضي ، درست بالجامعة الفلانية ، والآن مهندس ، والمستقبل ؟ المستقبل في مغادرة ، المغادرة أصعب شيء بحياة الإنسان ، من بيت قد يكون مئتي متر ، زوجة ، بنات صبايا ، شباب ، أصهار ، كنائن ، لقاءات سهرات ، سفر ، سياحة ، إلى قبر
والله مرة شيعت إنسان وضعوه بالقبر ، جاءني خاطر ، قلت أذكى إنسان في الأرض هو الذي يعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، أذكى إنسان في الأرض .
أخوانا الكرام ؛ اقرأ ، أول كلمة ، بأول آية ، بأول سورة بالقرآن ، اطلب العلم ، وفي مليون طريق للعلم لكن لا بد كما قال النبي :
(( لا بورك لي في طلوع شمس يوم ، لم أزدد فيه من الله علما ، ولا بوك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً ))
أيها الكرام ، هذا معنى :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
آخر قراءة : العدوان والطغيان التفكر يعني :
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
نعوذ بالله من القراءة الرابعة ، والقراءات الثلاثة مطلوبة ، وضرورية ، وطلب العلم أحد خصائص المؤمن ، علة وجودنا أن نعرف الله .