- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قال تعالى : فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ............
أيها الأخوة الكرام ؛ قبل أن أبدأ بالموضوع المقرر بتعليق سريع ، على الآيات الكريمة التي قرأنها في الصلاة .
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
ماذا تعني هذه الآية ؟ لا خوف عليهم في المستقبل ، ولا هم يحزنون على الماضي .
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
وهذه الآية تتكرر كثيراً ، فإذا قال الله عز وجل يخاطب المؤمنين أنكم إذا اتبعتم هدايّ ، لا خوف عليكم ، لا تقلقوا على المستقبل ، أنتم في جنة ، في جنة الدنيا .
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
لا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون على الماضي ، الآية الثانية :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
اجمع الآيتين ، الذي يتبع هدى الله عز وجل ، لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، ماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة ؟ لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت .
نماذج البشر والأقوام .
أخوانا الكرام ؛ موضوع اليوم ، أحياناً القرآن الكريم يقدم وصفاً دقيقاً للمؤمن ، أو وصف للكافر ، نقول : هذه الأوصاف تعد نماذج بشرية ثابتة ، الكافر هذه أخلاقه ، والمؤمن هذه أخلاقه ، والمنافق هذه أخلاقه ، هذه يتبدى واضحا في أوائل سورة البقرة ، وصف المؤمنين ، ووصف الكفار ، ووصف المنافقين .
الآن الآيات تتعلق بنموذج قوم ، هذا القوم يمثل الأقوام الكافرة ، كنت مرة في أمريكا فلما عدت إلى بلدي سألني أحدهم اين كنت ؟ قلت له : كنت في عادٍ الثانية .
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَىَ ﴾
معناها في ثانية ، فمن هي عاد ؟ قال تعالى :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
يعني تفوق في شتى المجالات ، في الصناعة ، والزراعة ، وفي البناء ، وفي الحرب .
نموذج قوم :
الآن الآية الأولى :
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
من الناحية العسكرية :
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
الناحية العلمية :
﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
ومع التفوق في البناء والعمران ، وفي الصناعة ، ومن الناحية العسكرية كانت هناك الغطرسة .
﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
أيام الإنسان الله يوفقه ، أما غير المؤمن إذا تفوق يتغطرس ، يستعلي على الناس .
﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
هي غطرسة ، النقطة الدقيقة جداً : ما أهلك الله قوماً إلا ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة ، إلا عاداً حينما أهلكها الله قال :
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
معنى ذلك أنه ما كان فوق عاد إلا الله ، أيام تجد في عصر معين دولة كبيرة جداً قوية جداً ، مهيمنة ، متغطرسة ، لها أذرع في أي مكان ، قرارها هو النافذ ، الذي تقبله هو الذي يكون ولا الذي لا تقبله لا يكون ، وقد تتحرك من وراء حجاب ، أما بتلاقي اضطراب ببلد هي السبب ، زوال نظام هي السبب ، هذه عاد الثانية ، في عنا عاد الأولى وعاد الثانية .
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾
كيف أهلكها الله ؟
﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾
سبحان الله ، هذه البلاد القوية جداً مبتلات بالأعاصير ، إعصار واحد خسارته 30 مليار دولار بساعات ، أبنية ، وإنجازات ، ومقاصف ، وسواحل رائعة ، ومعامل ، وصناعة ، وزراعة ، وتفوق ، وغطرسة ، إعصار واحد 30 مليار دولار كلف .
مرة انقطعت الكهرباء عن مدينة في أمريكا ، أربع وعشرين ساعة ، تمت خلالها مئتين ألف سرقة ، فلذلك الاستقامة ؛ هناك استقامة إلكترونية ، تجد مول كبير فيه مليارات البضائع ، تدفع ثمن البضاعة وتخرج ، لو ما دفعت يصدر صوت ، أنت حينما تدفع ثمن البضاعة ، فيك أن توضع على البضاعة التي اشتريتها ودفعت ثمنها لاصقة ، هذه اللصاقة تمنع خروج صوت كبير عندما تخرج ، إن لم تدفع ثمنها ، يا ترى من هو الأمين ؟ ما عاد في أمين ، أيام إنسان بكون أمين إذا كان في عليه مبلغ وأداه وما في مستمسك عليه إطلاقاً ، يقول لك : أنا أديت السند ، خير إن شاء الله ، سند هذا ، إذا ما أديته في محاكمة ، وفي مصادرة أموال ، وإذا أديته مالك فضل ، أما أن تؤدي مال ، وصاحب هذا المال لا يملك عليك مستمسك إطلاقاً ، لذلك :
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾
في واحد أعجبته كلمته ، يعني طغوا وأفسدوا ، البنتاغون يقصف ، وهوليود تفسد البنتاغون وهوليود ، هوليود للإفساد ، والبنتاغون للقصف ، لذلك :
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾
ما قالوا طغى في بلدهم ، في البلاد ، أيام آثار الفساد بكل مكان .
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
الذي يلفت النظر أن الله قال :
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَىَ ﴾
تماما كما لو قدمت لإنسان مبلغا من المال له عليك ، وقلت له : هذه الدفعة الأولى كلمة هذه الدفعة الأولى ماذا تعني ؟ أن هناك دفعة ثانية ، فحينما قال الله عز وجل :
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَىَ ﴾
يعني الشيء المنطقي يستنبط من هذه الكلمة أن هناك عاد ثانية .
اقرأ : معناها قراءة بحث وإيمان .
لذلك حينما قال الله عز وجل :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
قال العلماء : هناك قراءة بحث وإيمان .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
يعني تعلم اقرأ كلمة أمر مطلق التعلم ، الله أودع في الإنسان قوة إدراكية ، ما دام الإنسان يتمتع بقوة إدراكية يجب أن يطلب العلم ، لأنه يتميز على بقية المخلوقات بالقوة الإدراكية .
الجماد شيء يشغل حيز له أبعاد ثلاثة هذا الجماد .
النبات شيء مادي يشغل حيز في الفراغ وله أبعاد ثلاثة ، لكنه ينمو .
تميز النبات عن الجماد بالنمو .
الحيوان شيء له أبعاد ثلاثة ويشغل حيز في الفراغ وينمو كالنبات لكنه يمشي ، يتحرك .
أضيف لخصائص النبات الحركة .
الإنسان شيء مادي يشغل حيز في الفراغ ، وله أبعاد ثلاثة ، وينمو كالنبات ، ويتحرك كبقية المخلوقات ، لكنه يفكر .
فإذا عطل الإنسان فكره ، إذا لم يطلب العلم ، إذا لم يبحث عن الحقيقة هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، فلأنك إنسان أودعت فيك قوة إدراكية هذه القوة الإدراكية تقتضي طلب العلم ، وكل إنسان حينما يطلب العلم ، وحينما تأتي لهذا المسجد وتستمع إلى عشر دقائق معنى أنت استخدمت هذه الخاصة التي تميزت بها وهي القوة الإدراكية ، فالإنسان أحيانا يدرس يتعلم ، يملك اختصاص نادر ، يقول لك : فيزياء نووية ، إلى آخره .
لكن إذا غابت عنه معرفة الله لا يعد عاقلاً ، يعد ذكياً و ليس بعاقل ، لذلك قالوا : ما كل ذكي بعاقل ، من هو العاقل ؟ الذي عرف سر وجوده وغاية وجوده ، عرف لماذا خلقه الله .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
عرف أن هذه الدنيا :
(( دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبة ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي . ))
يعني أنا أتمنى مع المشاغل ، والأعمال ، والتجارة ، والوظيفة ، ومتابعة الأخبار ، هذا النشاط الثقافي لكل إنسان أن يتوج هذا النشاط الثقافي بمعرفة الله عز وجل ، من أنا ؟ هل تعلم من أنت ؟ أنت المخلوق الأول عند الله ، هل تعلم لما جاء الله بك إلى الدنيا ؟ من أجل أن تعبده .
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
هل تعلم بماذا يتفاوت بنو البشر ؟
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
هي حقائق كبرى يجب أن تعرفها ، إنك إن عرفتها جاءت الحركة صحيحة .
الخلاصة :
فذلك إخوانا الكرام ؛ عاد تمثل ، عاد تعد نموذجا للأمم الطاغية نموذج ، هذا النموذج متكرر ، أولاً تفوق في شتى المجالات ، هيمنة على البلاد كلها ، تفوق صناعي ، تفوق عمراني تفوق علمي :
﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
ومع كل ذلك في غطرسة وعجرفة .
﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
مرة سمعت تصريح لرئيس أميركي قال : نحنا علاقتنا مع الدول الأخرى ليست علاقة حوار ، علاقة أمر ، يلي عنده موظف لا يحاوره أفعل أو لا تفعل ، يعطي أمر ، قال : نحنا علاقتنا مع الأمم علاقة أمر لا علاقة حوار أبدا ، فهذه الأمة المتغطرسة الله عز وجل جعلها نموذج لغطرسة الأمم .
فلذلك أنا أقول : هم يملكون القنبلة الذرية ، نحن ماذا نملك ؟ أنا أقول : أما نحن فنملك قنبلة الذُرية ، كل ما شوف اب معه أبنه أقول له : لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أبناؤنا ، هذا ابنك علمه ، عرفه بدينه ، عرفه بأمته ، بقرآنه ، هذا الحل الوحيد ، أما نترك الابن على الثقافة اليومية ، الثقافة اليومية بعيدة عن الدين كليته .
حدثني أخ : في لعب صغيرة جداً ، يسمونها باربي ، هذه اللعبة كلما خلعت قطعة من ثيابها ارتقت درجة ، إلى أن تصبح عارية ، طفل صغير جداً جداً جداً ، واحد درس أفلام الكرتون دارسة علمية ، كان موضوع دراسته ، الماجستير ، أفلام الكرتون من التدقيق الدقيق ملخصها إلحاد وإباحية ، العالم الآن يتجه نحو إنكار الذات الإلهية ، والإباحية ، افعل ما بدا لك ، هذا الغرب أي شيء يخطر في بالك لك أن تفعله هناك ، حتى أشياء العقل لا يصدقها ، يعني نحن نصنف بلاد نامية ، أقسم لكم بالله : هناك آلاف الخصائص الإيجابية لنا ، أحد هذه الخصائص التماسك الأسري .
واحد بأمريكا شاب أراد الزواج ، فخطب فتاة قريبة منه ، فسأل والده ، قال : لا يا بني إياك إنها أختك وأمك لا تدري ، فكان أبوه زير نساء ، يبدو زنا بأمها ، قال له : إنها أختك وأمك لا تدري ، فلما رأى وأعجبته فتاة أخرى ، أجابه أيضاً هذا الجواب ، أيضاً يا بني إنها أختك وأمك لا تدري ، فلما أحب الثالثة قال له : أيضاً هي أختك ، فضجر وقال لأمه هكذا : قالت له : خذ أين شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري ، هذا المجتمع الغربي .
فيا أيها الأخوة : نحن في عنا إيجابيات في بلادنا ، نتمنى الواحد حتى نتوازن لا ينسى هذه الإيجابيات ، عنا الابن ابن ، والبنت بنت ، والعلاقات الزوجية مقدسة .
سألت مرة كنت بأمريكا ، قلت هذا الشارع ، الشارع طويل ، كم بيت في خيانة زوجية ؟ أنا أسأل إنسان خبير اجتماعي ، وأجابني إجابة علمية ، قال لي : سبعين بيت ، تقريباً إذا في مئة بيت سبعين بالمئة من هذه البيوت فيها خيانة زوجية ، يأتي في بالي بلادنا بالشرق الأوسط لا تجد بالمئة واحد قد لا يكون التزام كامل بالدين ، لكن في مجموعة قيم ثابتة ، فاشكروا الله عز وجل على بلادنا وعلى قيمنا ، وعلى تخلفنا ، أيام التخلف بكون أحد أسباب الانضباط .
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .