وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 253 - تعاريف الفلاح والنجاح - اللذة والسعادة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الفرق بين الفلاح و النجاح :

 أيها الأخوة الكرام؛ بادئ ذي بدء: يجب أن نفرق بين النجاح والفلاح، فقد تنجح في كسب المال، ولا تعد عند الله فالحاً، وقد تنجح في ارتقاء منصب رفيع، ولا تعد عند الله فالحاً، وقد تنجح في زواجك، ولا تعد عند الله فالحاً، النجاح أحادي، والفلاح شمولي، أن تنجح مع الله معرفةً، وطاعةً، وتقرباً، وعملاً صالحاً، النجاح في البيت أن تكون أباً صالحاً، وزوجاً صالحاً، البيت الخلية الأولى في المجتمع، وقد تنجح في عملك، عملك مشروع، ومنضبط، وهو حلال، و لا يوجد به حرام، وقد تنجح مع صحتك، تعتني بصحتك، فإذا نجحت مع ربك معرفةً وطاعةً وتقرباً، ونجحت في بيتك، وفي عملك، ومع صحتك، فأنت فالح.
 الآن نحن بأمس الحاجة إلى أن نحسن فهم هذا الدين، وأن نحسن تطبيقه وعرضه على الطرف الآخر.
 أذكر أن إنساناً فرنسياً أسلم على يد شيخ في القاهرة، في مصر، أبقاه في أحكام المياه ستة أشهر، فترك الدين، والتقى بالإمام محمد عبده، قال له: الماء الذي تشربه توضأ منه، ضغط له ستة أشهر بكلمة وحدة.
 نحن الآن بحاجة في عصر معقد جداً إلى تبسيط هذا الدين، وعقلنته، وتطبيقه، هي حاجات أساسية حتى الدين يكون منهجاً فالحاً.
 طبعاً ليس من عادتي أن أروى قصصاً، لكن تأثرت بقصة، قرأتها لأكبر إنسان غني في التاريخ، سبعمئة مليار دولار، جوبز صاحب أبل، سبعمئة مليار دولار، توفي ستيف جوبز، مؤسس شركة أبل للبرمجيات، بعد صراع طويل مع المرض، وترك وراءه عند رحيله شركةً بلغت قيمتها السوقية سبعمئة مليار، وهي أغلى شركة في التاريخ لا في العالم، بالتاريخ، يقول هذا الرجل وهو على فراش المرض قبل وفاته بأيام: لقد وصلت لقمة نجاحي في الأعمال التجارية، للقمة في عيون الآخرين، حياتي كانت رمزاً للنجاح، ومع ذلك وبصرف النظر عن العمل، كان لدي الوقت القليل جداً للفرح، وأخيراً في النهاية ثروتي هي مجرد حقيقة، أنا معتاد عليها، في هذا الوقت وأنا ممدد على سريري في المستشفى أتذكر حياتي الطويلة، أدرك أن جميع الجوائز والثروات، التي كان فخوراً بها جداً، في وقتٍ ما، أصبحت ضئيلةً وغير ذات معنى، مع اقتراب الموت الوشيك.
 فقط للتعليق، بالبدايات يظن الإنسان أن المرأة كل شيء، يتزوج شيء لكن ليس كل شيء، يتقدم بالسن أقل مما كان يتصور، هذه الدنيا، ما سمح الله لها لحكمةٍ بالغةٍ بالغةٍ أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة، طبعاً متنامية مستحيل، ومستمرة مستحيل، بل بسعادة متناقصة، كل شيء يمل، أي ما سمح الله للدنيا أن تمدك بسعادة مستمرة، بل متناقصة.
 لذلك هذا جسر استنبول أول جسر، الآن يوجد ثلاثة، بأسيا وأوروبا، أول جسر، المهندس أثناء افتتاح الجسر إلى جانب رئيس الجمهورية ألقى نفسه بالبوسفور، ومات طبعاً، ذهبوا إلى غرفته في الفندق، في الشيراتون، كتب ورقة: ذقت كل شيءٍ في الحياة فلم أجد لها طعماً، أردت أن أذوق طعم الموت.
 أي مستحيل ومليون مستحيل أنت تسعد بالبعد عن الله، أبداً، وقد تأتي بإنسان موظف بسيط، شاب في مقتبل حياته، له إيمان، مؤمن بالآخرة، بالجنة، له صلة مع الله، له خط ساخن مع الله بالليل، يناجي الله، أسعد من هذا الذي يملك سبعمئة مليار، أعلى ربح في العالم.
 يقول في هذا الوقت، وأنا ممدد على السرير في المستشفى، أتذكر حياتي الطويلة أدرك أن جميع الجوائز والثروات، التي كنت سابقاً فخوراً بها جداً أصبحت ضئيلةً، وغير ذات معنى مع اقتراب الموت الوشيك.

العاقل من يدخل الموت في حساباته :

 هل يستطيع شخص من الحاضرين أن يقول: أنا لا أموت، هل يستطيع شخص وأنا معكم ألا يموت.

والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر  والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***

و:

كل ابــن أنثى وإن طالت سلامــته  يـــوماً على آلة حدبـــاء محمول
فإذا حمــــلت إلى القبور جنـــــــــازة  فاعــــلم بأنــــك بعدهـــــــا محمول
***

 نحن عندنا نعوات بالشام، الطرق كلها ممتلئة بالنعوات، أنا أقول لأخواننا الكرام بالشام؛ كل يوم تقرأ حوالي خمسين حالة وفاة يومياً بدمشق، كل يوم تقرأ نعوة إنسان، ولا بد في أحد الأيام من أن يقرأ الناس نعوتك، تدخل إلى البيت قائماً تخرج قائماً، ست و سبعون سنة، لكن في مرة وحدة ستخرج بشكل أفقي، مرة وحدة لابد منها.
 سأقول لكم كلمة ثانية: معظم الناس يعيشون لحظتهم، وماضيهم، الأخ الكريم ماذا يعمل؟ والله مهندس، أين درست؟ بالقاهرة، لحظته وماضيه ولكن واحد بالألف يعيش المستقبل، لم لا يعيش المستقبل؟ لأن هناك خبراً مخيفاً بالمستقبل، خبر مغادرته الدنيا، من بيت، زوجة، وبنات، وصبايا، وشباب، ولقاءات، وسهرات، ولائم، وعزائم، وسياحة، وسفر، وسيارات، إلى القبر.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 طبعاً هذه طرفة، لكن عميقة، واحد سمع هذا النص بالقاهرة، وتوفي والده من كبار الأغنياء، ماذا يفعل؟ بحث عن شخص ينام معه أول ليلة، من أجل أن يخفف عنه، عرض عليه عشرة جنيهات، - القصة رمزية- وضعوه جانب الميت، جاء الملكان اطلعوا فوجدوا اثنين، عجيب، بالعادة نجد واحداً، عرفوا أن الثاني ليس ميتاً لأنه حرك رجله، قال أحدهما للآخر: تعال نبدأ به، أجلسوه، من شدة فقره يلبس كيس قمح- عندنا بالشام اسمه كيس خيش - وقد فتحه من فوق لرأسه، ومن جانبيه ليديه، وربط بحبل، بدؤوا بالحبل، من أين أحضرت الحبل؟ قال: من البستان، كيف دخلت للبستان؟ لم يعرف أن يجاوب فضربوه ضرباً مبرحاً، خرج في اليوم الثاني ثم قال: أعان الله والدكم.
 تعيش عمراً مديداً، تبني مجدك على أنقاض الناس وتنفذ؟ تبني حياتك على موتهم وتنفذ؟ تبني أمنك على إخافتهم وتنفذ؟ تبني غناك على فقرهم وتنفذ؟ مستحيل! لذلك العصاة أغبياء، لماذا؟ لأنهم ما أدخلوا محاسبة الله لهم في حسابهم.
 يقول جوبز: في هذا الوقت وأنا ممدد على سريري في المستشفى، أتذكر حياتي الطويلة، أدرك أن جميع الجوائز والثروات التي كنت فخوراً بها، أصبحت ضئيلةٍ وغير ذات معنى، مع اقتراب الموت الوشيك في هذا الظلام، وعندما أنظر إلى الأضواء الخضراء، لمعدات التنفس الاصطناعي، وأنصت لأصواتها الميكانيكية، أشعر بنفس الموت يقترب مني، الآن فقط أفهم أني أمضيت حياتي محاولاً جمع ما يكفي من المال لبقية حياتي، وأن لدينا ما يكفي من الوقت لتحقيق أهدافٍ لا تتعلق بالثروة فقط- كلام دقيق- لدينا وقتاً كافياً لمعرفة الله، معرفة سر وجودنا، وغاية وجودنا، معرفة ما بعد الموت، معرفة الدار الآخرة، لذلك لا يمكنني أن أخذ معي إلا الذكريات، التي تعززت بالحب، هذه الثروة الحقيقية.

 

تعريف القلب السليم :

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء: 88-89]

 ما القلب السليم؟ القلب الذي لا يشتهي شهوةً لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد إلا الله.

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء: 88-89]

(( وعزتي وجلالي، لا أقبض عبدي المؤمن - وأنا أحب أن أرحمه- إلا ابتلته بسيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه ))

[ حديث قدسي ]

الناجح من عرف الله و طبق منهجه :

 أخواننا الكرام؛ بشكل مختصر، إنسانان عند طبيب، الأول معه التهاب معدة حاد، قال له الطبيب: لابد من حميةٍ قاسيةٍ جداً جداً، حليب ستة أشهر، تشفى شفاءً تاماً، والثاني معه ورم خبيث منتشر، الأول سأله: ماذا آكل؟ قال له: حليب فقط، ولا شيء فوق الحليب، الثاني، قال له: كُل ما شئت، أيهما أفضل، الذي خضع لحميةٍ قاسيةٍ جداً أم الذي سمح له أن يأكل ما يشاء؟ البطولة.

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 كنت مرة بأستراليا، الثلاجة بأستراليا، عندك رف للبيض مثلاً، يسع مثلاً عشرين بيضة، بقي خمس بيضات، الثلاجة نفسها تخبر السوبر ماركت، تعطي رقم بطاقة صاحب البيت، تأتي الأشياء للبيت، هناك رفاه، ما هذا الرفاه! الآن يوجد حالة رفاه بالعالم تفوق حدّ الخيال، البراد نفسه الثلاجة تخبر السوبر ماركت، تعطي رقم بطاقة صاحب البيت، فتصل الكميات بعد حين، الرفاه.
 مرة كنت بأمريكا، أنا كنت من أسبوعين بأمريكا، بقيت شهراً، سُئلت: ماذا رأيت؟ قلت لهم: الأشخاص هناك يعيشون لحظتهم، لكن الآن يوجد تقدم بالسن، شيخوخة، موت، قبر، برزخ، جنة، نار، لا علاقة لهم بكل هذه المعاني، يعيشون لحظتهم، وهمهم الأول الرفاه.
 لكن إذا شخص الله عز وجل هداه، عرف الله، وعرف منهجه، وعرف الحق والباطل، والحلال والحرام، والخير والشر، وله عمل صالح، ضابط بيته، ضابط نفسه، ضابط عمله، يتقي الله في بيته، مع زوجته، وأولاده، في عمله مع الزبائن، هذا الإنسان هو الناجح، هو الرابح.
لذلك ذقت كل شيءٍ في الحياة- صمم جسر اسطنبول- لم أجد لها طعماً أردت أن أذوق طعم الموت.

 

اللذة و السعادة :

 وأنا أقسم بالله، شاب في مقتبل حياته، لا يملك شيئاً، طالب بالجامعة، أسعد من هذا الشخص بمليار مرة، لذلك عدننا لذة وسعادة، يا أخوان، اللذة حسية، تحتاج إلى ماذا؟ إلى وقت، وإلى صحة، وإلى مال، ولحكمةٍ بالغةٍ بالغةٍ بالغة دائماً تنقصك واحدة، بالبداية يوجد صحة ووقت لكن لا يوجد مال، بالمنتصف يوجد صحة ومال لكن لا يوجد وقت، بعدما سلم أولاده المعمل، صار عنده وقت ومال لكن لا يوجد عنده صحة، دائماً ينقصك واحدة، أما السعادة فلمجرد أن تنعقد الصلة مع الله أنت أسعد الناس، يجب أن تقول: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني.

 

ضرورة معرفة الحق و بناء المشاعر و المبادئ وفق منهج الله :

 هذا رمضان، ممكن أن يكون شهر عادات، والأولى أن يكون شهر عبادات، عادات، ولائم كل يوم، ومسلسلات، هذا لم يعد شهر رمضان بل شهر عادات، أي شيء من عاداتنا الاجتماعية، ولائم، ومسلسلات، حتى قبيل الفجر، والمسلسل - سوف أقول لكم كلمة لكنها دقيقة- خطورته لا بالإثارة الجنسية أبداً، خطورته في تبديل القيم، يريك شخصاً شيخ الحارة، بيته صغير، خلقه ضيق بالبيت، أولاده بالطريق، امرأته عند الجيران، و شخصاً آخر زوجته تستقبل أصدقاء زوجها بغياب زوجها، هي بلا أكمام، بيتها فخم جداً، المشكلة ليست بالنصوص، بالقيم، تطرح قيم بالأفلام تناقض الدين تماماً، الذي ماله حرام سعيد جداً، والذي ماله حلال أفقه ضيق، يصور لك الدين بشكل غير مقبول.
 لي كلمة دقيقة، يستطيع العالم الغربي أن يشوه الدين بهذه الطريقة، مرة لي قريب كان بأمريكا، أحضر معه فيديو لكنه كان منزعجاً منه بشدة، أراني إياه، سائق شاحنة من حلب إلى الرقة، أوقفه حاجز، قالوا له: الفجر كم ركعة؟ فلم يعرف فقتلوه، ودمه مشى حوالي سبعة أمتار، وأنا لمحت بالفيديو آلة تصوير سوني احترافية ، هذه من أين خلقت آلة التصوير؟ معنى هذا أن العمل مدروس.

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 46 ]

 لذلك لابد من أن تعرف الحق، لابد من أن تعرف أهل الحق، لابد من أن تبني مبادئك، وقيمك، ومشاعرك وفق منهج الله.
 أرجوا الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، واستقرار بلادكم، هي نعمة كبيرة جداً، واستقرار بلادكم، هذه نعمةٌ لا يعرفها إلا من فقدها، فحافظوا عليها، واشكروا الله عليها، والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور