وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 159 - تفسير سورة النبأ الآيات - 17 - 18 .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

يوم الفصل هو اليوم الذي يفصل الله به بين البشر :

 أيها الأخوة الكرام؛ لازلنا في الجزء الثلاثين وفي سورة النبأ، وفي قوله تعالى:

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ﴾

[سورة النبأ: 17]

 يوجد فصل، هناك ملل ونحل واتجاهات وأديان وطوائف هذه مختلفة لكن يوم القيامة يفصل بينهم، الله يفصل بينهم يوم القيامة، لذلك أيها الأخوة؛ هذا اليوم الموعود يوم الحق، يوم الحساب، اليوم الذي وعد الله به البشر جميعاً.
 أيها الأخوة الكرام؛ لازلنا في سورة النبأ، وفي قوله تعالى:

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا* يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾

[سورة النبأ: 17-18]

 إذاً النقطة الدقيقة جداً، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 74]

 القضية واضحة جداً أنت مواطن، تركب مركبتك، والإشارة حمراء، والشرطي واقف أو هناك آلة تصوير، والغرامة كبيرة، والذي وضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، أو من خلال آلة التصوير، وقدرته تطولك، حجز مركبة، غرامة كبيرة، فأنت حينما تؤمن أن واضع هذا القانون علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، مستحيل مواطن عادي ليس لك ولا ميزة، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، ولو تابعت المسير هناك شرطي على دراجة نارية يلحق بك، ولو بالغت في السرعة يوجد ضابط معه سيارة، في النهاية يوجد غرامة كبيرة وحجز مركبة، ولا قبل لك بهذه الغرامة، فما الذي دفعك أن تقف عند الإشارة الحمراء؟ يقينك القطعي أن واضع هذا القانون علمه يطولك، وقدرته تطولك، لكن في بلاد أخرى يجوز أن يكون الذي يخالف النظام أقوى من واضع القانون فيمشي، أو في ساعة متأخرة من الليل إذا لم يكن هناك كاميرا، أو لا يوجد شرطي، علم واضع القانون لا يطولك، فقط هاتان الحالتان، ما سوى الحالتين لا بد من أن تنضبط، الآن الآية الكريمة، قال تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ﴾

[ سورة الطلاق: ١٢]

التوحيد أن ترى أن علم الله و قدرته تطولك :

 لماذا اختار الله من أسمائه الحسنى كلها اثنين فقط؟ قال تعالى:

﴿ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ﴾

[ سورة الطلاق: ١٢]

 فأنت حينما تؤمن أن خالق السموات والأرض الذي خلق الإنسان، وكلفه أن يعبده، ووعده بجنة عرضها السموات والأرض، أو بنار لا ينفذ عذابها، أن هذا الإله العظيم إذا عصيته علمه يطولك، وقدرته تطولك، إذاً لا يمكن أن تعصيه، وحينما يكون هناك تقصير في الطاعة إذاً هناك ضعف في الإيمان، أما إذا بلغ إيمانك أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك، وأنك في قبضته، حياتك بيده، رزقك بيده، زوجتك بيده، أولادك بيده، بناتك بيده، أصهارك بيده، من حولك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، فكله بيده، هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

 

العاقل يحكمه النص لا الواقع :

 فيا أيها الأخوة الكرام؛ الآن يوجد موضوع ثان، يمكن الشاهد بسوريا أوضح، تاجر كبير له مبلغ كبير جداً في حمص، وقد وعد أن يدفع له هذا المبلغ يوم السبت، ركب هذا التاجر سيارته وتوجه إلى حمص، بعدما تجاوز دمشق رأى لوحة كتب عليها: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في النبك بعد ثمانين كيلو متراً، ماذا يفعل؟ يرجع، مبلغه كبير، والوعد يوم السبت، وسيارته قوية، والشمس ساطعة حينما غادر دمشق، لكن إدارة المرور واضعة لوحة من خمس كلمات، الطريق إلى حمص مغلقة في النبك فقط، يرجع ما الذي أعاده؟ خمس كلمات، فالعاقل ما الذي حكمه؟ النص، لو أن دابة تمشي أين تقف؟ عند الثلج، ما الذي حكم الدابة؟ الواقع، فأنت بطولتك أن يحكمك النص، لا أن يحكمك الواقع، لا أعتقد أن هناك مدخناً في الأرض يصاب بسرطان بالرئتين يتابع التدخين، البطولة أنك إذا قرأت بحثاً علمياً عن التدخين أنا عضو بجمعية في سوريا لمكافحة التدخين، يوجد ثلاثة آلاف مادة سامة في التدخين، أنت إذا قرأت بحثاً عن التدخين، وهذا البحث كان كافياً من أجل أن تقلع عن التدخين، أنت عاقل، لأن النص حكمك، وغير العاقل يحكمه الواقع إلى أن يصاب بالورم الخبيث في الرئتين يدع التدخين، فالموضع خطير، لأن هناك إلهاً له شرع، وأنت عبد من عبيده، أي الشرع لا يتغير من أجلك، ينبغي أنت أن تتغير لصالح الشرع.

 

الإنسان هو المخلوق المكرم و المكلف :

 إذاً على كل إنسان أن يقتطع من وقته الثمين ويفكر من أنا؟ أنت المخلوق الأول، أنت المخلوق المكرم، أنت المخلوق المكلف، أنت المخلوق الموعود بالجنة، الجنة قليلة!

﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾

[ سورة آل عمران : 133 ]

(( ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[ البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 ما لا عين رأت، كل واحد منكم وأنا معكم نعرف ثلاثين أو أربعين مدينة في العالم، يجوز هناك شخص يعرف خمس دول، إنسان ذهب إلى أمريكا شاهد واشنطن، نيوجرسي، لوس أنجلس، ذهب إلى أستراليا شاهد سيدني، مالبورن، ذهب إلى آسيا شاهد دلهي مثلاً، ذهب إلى أوربا شاهد لندن، باريس، المرئيات محدودة:

(( ما لا عين رأتْ ...))

[ البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 أما السموعات فمئة ضعف عن المرئيات، كوالالمبور تسمع عنها بالأخبار، أحياناً ماليزيا، ألاسكا، فنلندا:

(( ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ...))

[ البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 دائرة المسموعات مليون ضعف عن دائرة المرئيات:

((...ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[ البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 هذه الثالثة ليس لها حدود، خطر في بالك إنسان طوله مليون كيلو متر، خاطرة هذه لا تقدم ولا تؤخر:

(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ))

[ البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 يهمل دينه بهذه البساطة، يهمل صلاته بهذه البساطة، لا يدخل الإله في حساباته، عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
 كل بلد لها ترتيب، أنا لي قريبة هنا توفيت من سنة تقريباً، طبعاً لا بد من أن أكون في الجنازة، لاحظت أن القبر عميق جداً، متر ونصف أو متران تقريباً، وعلى جانبي القبر جدار من البلوك حوالي أربعين سنتمتراً، وضعوا المتوفاة في قعر القبر، وضعوا خمس بلاطات على البلوكات ثم أهالوا التراب، قريبتي هذه لصيقة بي، مساحة بيتها أربعمئة متر، و عندها سيارتان أو ثلاث، ولائم، وسهرات، وسفر في الصيف، هل يستطيع واحد من الحاضرين أن يقول: أنا لا أموت، أليس هذا مصيرنا جميعاً؟ أليس الذكاء والعقل أن أهيئ نفسي لهذه الساعة؟ ما منعك أن تأكل؟ تأكل وتشرب وتتزوج وتشتري بيتاً، كله مسموح به، لكن لا تقع في معصية، لا تقع بظلم العباد.

 

الجهل ألدّ أعداء الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام؛ ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، أنا سمعت قصتين لكنها غريبتان جداً، إنسان أثناء تنظيف الطائرة في المطار، هو فقير جداً، وجد غرفة واسعة - يوضع بها العجلات بعد الطيران- إذا جلس بهذه الغرفة يسافر إلى مكان من دون أجرة الطائرة، ومن دون فيزا، هذه قصة وقعت، قعد، وعندما أقلعت الطائرة وحلقت أرخى الطيار أرضية الغرفة ليرفع العجلة نزل ميتاً ما الذي قتله؟ جهله، و الجهل أعدى أعداء الإنسان، يقول لك: استعمار، صهيونية، إمبريالية عالمية، أخطر من كل ذلك، الجهل، لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
 كنت مرة في أمريكا، حدثني أخ مقيم في المطار، إنسان مضطر أن يأخذ معه زوجته وما أعطوها فيزا، وضعها في حقيبة، وفتح لها عدداً من الثقوب طبعاً وصلت وجدها ميتة لأن الحرارة خمسون تحت الصفر، هذه لم ينتبه لها، هي من إيران وصلت ميتة، ما الذي جعل هذه المرأة تموت؟ جهل زوجها، وما الذي جعل هذا الذي جلس في مكان بالطائرة فلما أقلعت وقع ميتاً؟ جهله، فأنا أقول لك: الجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
 فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.

 

الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك :

 أيها الأخوة الكرام؛ نحن جميعاً، وأهل الأرض جميعاً، عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، هذا العقل غذاؤه العلم، وهذا القلب غذاؤه الحب- أن تحب الله- وهذا الجسم غذاؤه الطعام والشراب، فإذا غذيت عقلك بالعلم، وقلبك بالحب، وجسمك بالطعام والشراب تفوقت، وإذا اكتفيت بواحدة تطرفت، والفرق كبير بين التفوق وبين التطرف، لذلك نرجع للفكرة أنت لمجرد أن قرأت بحثاً عن التدخين، وفيه ثلاثة آلاف مادة سامة تترك التدخين، الذي حكمك النص، النص خمس كلمات، أردت أن تسافر لبلد، ولك مبلغ ضخم وجدت الطريق مسدوداً بعد ثمانين كيلو متراً ترجع، مادمت تحكم بالنص فأنت عاقل، ومادمت تحكم بالواقع فلست عاقلاً، لذلك من هو غير العاقل؟ الذي ما أدخل الله في حساباته، يجوز ألا تصدقوا طغاة الأرض أغبى أغبياء البشر، لماذا؟ لأنه ما أدخل الله في حساباته، يمكن أن يقتل ما يشاء ويبتسم على الشاشة وهو حقق نصراً، مرة قال لي أحدهم: لو فرضنا إنساناً قتل شعبه وقال: انتصرت، يشبه شخصاً عنده زوجة وخمسة أولاد، أطلق النار على زوجته فقتلها، ثم ذبح أولاده الخمسة، وجاء بتريكس وهدم بيته وقال: انتصرت على أسرتي، هذا الانتصار؟! فالإنسان عندما يبعد عن المنبع الديني، يبتعد عن منهج الله عز وجل، يرتكب حماقات لا يعلمها إلا الله، ولا يوجد إنسان يبتعد عن الدين إلا يقع في حماقات لا تنتهي، مثلاً معك هاتف خلوي، هذا يحتاج إلى شحن، لو تشحنه شحناً منتظماً يستعمل كهاتف، بأربع كبسات تتكلم مع ابنك في أمريكا، أما إن لم تشحنه صار قطعة بلاستيك، لا تقدم ولا تؤخر، فلا بد من أن تشحن نفسك شحناً علمياً، وشحناً روحياً، هذا أهم من كل شيء، ودقق ولا أبالغ ما من مشكلة تقع في الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله.
 مرة كنت أمشي في الحريقة اعترضني إنسان قال لي: ممكن فنجان قهوة؟ قلت له: على عيني تفضل، قال لي: عندك سؤال محيرني، قلت له: تفضل، قال لي: البارحة – هو له محل يبيع أقمشة في سوق مدحت باشا، هذا سوق مثل سوق الحميدية - ثاني محل سمع إطلاق رصاص بدافع الفضول مدّ رأسه، أتت رصاصة واستقرت في عموده الفقري فشلّ فوراً، فسألني هذا ماذا فعل أستاذ؟ ما ذنبه؟ هذا جاء يكسب قوت عياله، ما الذنب الذي فعله حتى استوجب ذلك؟ قلت له: والله لا أعلم، أنا لا أستطيع بعقلي أن أكتشف عدل الله، إلا بحالة مستحيلة أن يكون لي علم كعلم الله، هذه مستحيلة، أنا أعلم أن الله عادل، أما هذه الحالة فلا أعرف، مضى اثنان و عشرون يوماً، عندي أخ مدير معهد يسكن في الميدان، قال لي: أستاذ فوقي يوجد جار منذ فترة سمع إطلاق رصاص مدّ رأسه أتت رصاصة في عموده الفقري فشلّ، و لكن هذا له مشكلة، توفى أخوه منذ سنة، وهناك بيت مؤجر فكان هذا الأخ المتوفى يتابع قبض الأجرة من المستأجر، فأول شهر ما أعطى أولاد أخيه الأيتام الأجرة، وثاني شهر لم يعطهم، ثمانية أشهر ولم يعطهم، قالوا له: يا عمي نريد الأجرة لنعيش، لم يرد عليهم، شكوه لأحد علماء الشام الشيخ حسين خطاب – رحمه الله - كان عالماً كبيراً، فاستدعاه، قال له: لن أعطيهم وهذا الحاضر، كان وقحاً، فالشيخ حسين خطاب ما أراد أن يقيم أولاد الأخ دعوى على عمهم قال لهم: يا بني لا تشكوه إلى القضاء، أنتم أولاد أخيه يبقى عمكم، والعم غال، اشكوه إلى الله فقط، هذا نفسه الذي سمع إطلاق رصاص ومدّ رأسه أتت رصاصة في عموده الفقري فشلّ فوراً.
 الآن يوجد تاجر في حلب أيضاً عنده أولاد أخ، توفي والدهم، وهو يدير أموالهم، أيضاً امتنع أن يعطي أولاد أخيه الأجرة، يقول لي المحامي: بعد سنة من الامتناع قال له هذا الشخص: ادفع لهم، قلت له: ماذا حصل؟ فأجابه: سمعنا قصة بالإذاعة مخيفة، هذه القصة أنا تكلمت بها بالإذاعة، سمعها في حلب.

 

من عاش تقياً عاش قوياً :

 أيها الأخوة الكرام؛ العلاقة مع الله ليست سهلة، تحتاج إلى دقة بالغة، الإله بيده كل شيء، صحتك بيده، ماذا تحسب أنت؟ كل نشاطك وحركتك مبنية على ميلي وربع قطر الشريان التاجي، إذا صار ثلاثة أرباع المليمتر يقول لك: ذبحة صدرية، وإذا مشى تؤلمه يده اليسرى، دخل بمتاهة أمراض القلب وهذه لا تنتهي، كل نشاطك وهيمنتك وحركتك على قطر الشريان التاجي، هذا يغذي القلب، فإذا ضاقت هذه اللمعة أي كانت ميلي وربع أصبحت ثلاثة أرباع الميلي، تدخل في متاهة الذبحة الصدرية والجلطة وما إلى ذلك، كل مكانتك وهيمنتك مبنية على نمو الخلايا، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهيت، شيء بسيط يقلب حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، يقابل هذا الشيء، عندنا عالم في الشام اسمه الشيخ السفرجلاني، بلغ من العمر ثمانية وتسعين عاماً، منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، فإذا سئل: يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً، كان يرى الشاب في الطريق، يقول للشاب: يا بني أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، علّم ثمانين سنة.
 لدي صديق أحببت أن أزوره في العيد، طرقت الباب فتح لي والده، قال لي: محمد ليس موجوداً، هل من الممكن أن تدخل ربع ساعة؟ قلت له: نعم، دخلت والدنيا عيد، أحضر لي فنجان قهوة وحلويات، قال لي: عمري ست وتسعون سنة، عملنا البارحة تحليلات كاملة كله طبيعي، قال لي: الحرام لا أعرفه يا بني، لا حرام المال ولا حرام النساء.
 أيها الأخوة الكرام؛ أكثرنا مثل بعضنا في الشباب، لكن بالشيخوخة بالثلث الثالث من العمر نختلف، من عاش تقياً عاش قوياً، أعرف قريباً لأحد أخواني - قريب حميم- له أعمال صالحة تفوق حدّ الخيال، عندنا الأسرة وعندنا العائلة الكبيرة، لا يوجد شاب في هذه العائلة إلا زوجه، وأخذ له بيتاً، ميسور جداً أحب أن ينفق ماله على أقربائه، هذا الشاب مادام يمشي بشكل صحيح يزوجه ويأخذ له بيتاً، متى مات؟ مات في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان، وهو يتلو القرآن، ليلة القدر وهو يقرأ القرآن الكريم.
 أيها الأخوة الكرام؛ بطولتنا بالثلث الثالث، الثلث الثالث يحتاج إلى تقوى، يحتاج إلى صلة بالله، يحتاج إلى ذكر لله، يحتاج إلى ضبط لسان، ضبط الحواس الخمس، ضبط الدخل، ضبط الإنفاق، يكون أسعد إنسان، وكل شيء عند الله محسوب بدقة بالغة، قال تعالى:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر : 92-93]

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور