- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (030)سورة الروم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم مع الدرس الحادي عشر من سورة الروم.
الإيمان بالله عزَّ وجل إيمان تحقيقي من خلال الكون ومن خلال الفكر:
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(40)﴾
أيها الإخوة الأكارم، الإنسان إذا تأمَّل في الأكوان، وجال في الكون جولاتٍ طويلة، فكَّر في خَلْقِهِ، فكر في طعامه، فكر في شرابه، فكَّر في ظاهرة النبات التي حوله، فكر في الأمطار، فكر في البحار، فكر في الأطيار، فكر في الحيوانات، في الأنعام، هذه الجولة الطويلة تنتهي بحقيقةٍ يقينيَّة وهي أنه لا بدَّ لهذا الكون من خالق، لكن من هو هذا الخالق؟ ولماذا خَلَقَ؟ وماذا يريد منا؟ هذا يجيبنا عنه القرآن الكريم، جاء الجواب:
عندما ينتهي دور العقل يأتي دور النقل أي القرآن:
﴿
إذاً: عقلك يصل إلى حقيقةٍ يقينيَّة وهي أنه لا بدَّ لهذا الكون من خالق، فأنت أمام مركبة، سيارة أمام آلة حاسبة، أمام كمبيوتر، أمام جهاز هاتف، هل يعقل أن تقتنع أن هذا الجهاز صنع من غير صانع؟ كم مهندس مصمِّم، كم مهندس منفِّذ، المواد الأوليَّة، القوالب، الحقل البلاستيكي، الصمَّامات، المراجعة الأخيرة، تجميع القِطَع، غير ممكن، فإذا فكرت قليلاً في الكون وصلت إلى أنه لا بدَّ لهذا الكون من خالق، لا بدَّ له من مربٍّ، لا بدَّ له من مُسيِّر، يأتي القرآن، الآن انتهى دور العقل وجاء دور النقل، يقول لك: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ إذا تساءلت أيها الإنسان عن خالق الكون إنه الله:
العين واللسان وغيرهما من آيات الله الدالة على عظمته:
هذا التصميم، عينان:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8)﴾
قرنيَّة، وقُزَحِيَّة، وعدسة، وخلط مائي، وخلط زجاجي، وعضلات أُنسية، ووحشيَّة، وعلويَّة، وسفليَّة، ومائلة، وشبكيَّة مكوَّنة من عشر طبقات، مئة وثلاثين مليون عصيَّة ومخروط وعصب بصري، تسعمئة ألف عصب في الدماغ، عن طريق الدماغ تتم الرؤية، العين:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ(9)﴾
هذا اللسان كل حرفٍ تنطق به يُسْهِمُ في صنعه سبعة عشرَ عضلة، فإذا نطقت بكلمة مكوَّنة من عشرة حروف، تسهم في هذه الكلمة حوالي ثمانين عضلة، أي ثمانين حركة، فلو جملة من خمس كلمات، مقطع من خمس جمل، خطبة من خمس مقاطع، كم حرف؟!!
﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ
الله عزَّ وجل أوجد الإنسان من عدم:
إذا فكَّرت في طعامك، في شرابك، في ابنك، في زوجتك، في النبات؛ النبات الحدودي، ونبات الزينة، ونبات الأخشاب، ونبات الثمار، ونبات العطريات، الله قال:
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ
تصل إلى أنه لا بدَّ لهذا الكون من خالق، من هو؟
القرآن الكريم فيه عناوين موضوعات:
هل تصدِّق أن الماء لو لم يزدد حجمه حين التبريد تحت الأربع درجات لا يمكن أن يعيش على وجه الأرض شيء؟ لأن الماء عندما يزداد حجمه تقل كثافته، وعندما تقل كثافته يطفو على سطح الماء، فالمحيطات تتجمَّد كلها طبقة عليا، وتحت المحيطات الماء دافئ وفيه حيوانات، فيه أسماك، لو أن الماء إذا تجَّمد قلَّ حجمه، فازدادت كثافته، فرسب إلى قاع البحر، بعد سنوات عدَّة تصبح البحار كلها بحاراً متجمِّدةً، ينعدم التبخُّر، ينعدم السحاب، تنعدم الأمطار، يموت النبات، يموت الحيوان، يموت الإنسان، هذه الخاصَّة، لذلك تسأل في إفريقيا مثلاً، منطقة صحراويَّة انقطعت عنها الأمطار، فماتت النباتات، تبعتها الحيوانات، هجرها السكَّان، ونحن ـ لا سمح الله ولا قدَّر ـ كنا قبل أشهر على هذا الطريق، طريق التصحُّر والجفاف، لولا أن منَّ الله علينا وأكرمنا وتفضَّل علينا بهذه الأمطار التي أيقظت الآمال في المحاصيل وفي الينابيع، أبداً، فإذاً لو أن الماء يصغر حجمه كلَّما برَّدته إلى ما لا نهاية، لانعدمت الحياة من على سطح الأرض وانتهى كل شيء، إذاً:
الله خلقك وقدَّر لك رزقك لذلك فمستقرٌ ومستودع:
رزقك يصل إليك بطريق أو بآخر فاصبر على الحرام يأتيك الحلال:
قال تعالى:
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ(23)﴾
ما دام الله عزَّ وجل قد خلقني وخلق مع خلقي رزقي وانتهى الأمر، أفيعقل أن أعصيه من أجل الرزق؟ اصبر على الحرام يأتيك الحلال، اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، فبشكلٍ أو بآخر هذه التفَّاحة على الغصن الرابع على الفرع الثالث في الشجرة السابعة في البستان الفلاني هي لك حينما خُلِقَت، خُلقَت لك، أنت مستقر في دمشق وهي في هذه القرية، هذه التفاحة تصل إليك؛ إما شراءً، وإما هديَّةً، وإما تسوُّلاً، وإما سرقةً، وإما صدقةً، هي لك، لذلك اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك، لا بدَّ من أن يصل هذا الرزق إليك، فإن كنت طاهر النفس جاءك من طريقٍ مشروع، من طريقٍ شريف، من طريقٍ عزيز، وإن لم تكن كذلك جاءك من طريقٍ آخر، لك عنده رزق
شيئان بيد الله سبحانه وليسا بيد البشر وهما عمرك ورزقك:
قال تعالى:
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ
لا يوجد في الأرض كلها جهةٌ تستطيع أن تدعي أنها تخلُق وترزق وتميت وتحيي:
الجواب:
العمر بيد الله عزَّ وجل لا يزيد ولا ينقص أبداً:
إن الطبيب له علمٌ يُدِلُّ بــه إن كان للناس في الآجال تأخيرُ
حتَّى إذا ما انتهت أيَّام رحلته حـار الطبيب وخانته العقاقيـرُ
***
والله أعرف شخصاً كُتِبَت نعوته، وخرجت من بيتي مع صلاة الفجر، واتجهت إلى مكان توضع فيه النعوات لأرى أين العزاء وكيف الجنازة، لأن غرفته سُلِّمت في المستشفى وقال الطبيب: بقي له ساعة فقط، ولا أمل بالشفاء، ونزل أهله اشتروا الثياب المناسبة، وكُتِبَت النعوة، لم أجد النعوة في مكانها في الصباح، بلغني أنه تحسَّن قليلاً، وبعد هذا انتعش، ثمَّ صحّ، أما الذي كتب النعوة فهو تحت أطباق الثرى، والذي كُتِبَت له لا يزال حيَّاً يُرْزَق، يجب أن تؤمن أن العمر بيد الله عزَّ وجل، لا يزيد ولا ينقص أبداً.
على المؤمن أن يستعد للقاء الله بالاستقامة والطاعة والعمل الصالح:
أنا سأروي قصَّة لأنني تأثَّرت بها جداً، ورويتها لكم كثيراً، مرَّة كنت في مدرسة لي دروس فيها، وفجأةً نشأ وقت فراغ لمدة ساعة، ذهبت إلى مدير الثانويَّة وجلست عنده قليلاً، حدَّثني الحديث التالي، قال لي: والله أنا أرغب في الذهاب إلى الجزائر وأعمل إعارة، قلت له: خير إن شاء الله؟ قال لي: هناك أقيم أربع أو خمس سنوات ـ بتفصيلات رائعة ـ أربع صيفيات لن آتي إلى سورية، سألته: لماذا؟ قال لي: أريد أن أرى أوروبا، هذه الزيارات العابرة لا تجدي، أريد أن أبقى صيفيَّةً في فرنسا أتعرَّف إلى معالمها، إلى متنزَّهاتها، إلى آثارها، إلى متاحفها، إلى معاملها، والصيفيَّة الثانية بإنكلترا، والثالثة بإيطاليا، والرابعة بإسبانيا، قال لي: أقيم أربع أو خمس سنوات ثم أعود إلى بلدي، عندئذٍ أتقاعد من وظيفتي، قلت له: والله شيءٌ جميل، قال لي: أفتح محلاً فيه هدايا وتحف، وبعد هذا يكبر أولادي فأضعهم في المحل، وأعمل منه ندوة، أقضي فيه وقتاً ظريفاً، والله عمل لي خطَّة لعشرين سنة قادمة، والله الذي لا إله إلا هو في اليوم نفسه، في المساء كنت في مركز المدينة وتوجَّهت إلى بيتي مشياً على الأقدام، في الطريق رأيت نعوته معلَّقة على الجدار، في اليوم نفسه.
من فعل شيئاً خلاف منهج الله عز وجل أفسد في الأرض:
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)﴾
أول حقيقة في هذه الآية أنه لا يمكن أن يبدو الفساد إلا إذا فعلت شيئاً خلاف منهج الله، لو تطورنا، لو ألغينا الإنس والجن، هؤلاء المكلَّفون المختارون، لو ألغينا من الكون الإنس والجن، تجد أن الكون يعمل بانتظامٍ رائع، لماذا؟ لأن كل ما سوى الإنسان خاضعٌ لله عزَّ وجل.
﴿ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ
الكون رفض حمل الأمانة فهو مسيرٌ من قِبَل الله عزَّ وجل:
كل ما في الكون:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ
الكون كله ما في معصية عنده، لأنه:
﴿
الكون رفض حمل الأمانة، إذاً هو مسيرٌ من قِبَل الله عزَّ وجل، إذاً ليس له ذنب، لذلك مجتمع الحيوان، مجتمع النبات، مجتمع الجبال، البحار، كلُّه يعمل بانتظام، أما الإنس والجن لأنهم مُخَيَّرون ولأنهم حملوا الأمانة، فإذا خرجوا في أفعالهم عن منهج الله عزَّ وجل ظهر الفساد في الأرض.
استهلكنا النفط استهلاكاً غير طبيعي، استهلاك مع الترف، فارتفعت نسبة غاز الفحم في الهواء، تخلخلت طبقة الأوزون في الجو، صار الآن سرطانات جلدية كبيرة جداً في دول أوروبا وأمريكا، هذا بحث التلوُّث، قرأت من فترة كتاباً عن التلوُّث، إذا قرأت هذا الكتاب تجده كله تفسيراً لهذه الآية، تلوث بالأصوات، ضجيج دائم، وهذا الضجيج الدائم يضعف السمع، يقول لك: الطائرة مئة وخمسة وعشرين ديسيبل، والمروحة لها مُعَيَّرة، فسكَّان المدن دائماً في ضجيج دائم، والدليل يوم الجمعة أو يوم فيه عطلة رسميَّة تجد هدوءاً عجيباً، هذا الهدوء يريح الأعصاب، لو ذهبت إلى قريةٍ من قرى الريف تجد الحياة رائعة جداً، سر روعتها الهدوء، إذاً هناك تلوث صوتي ونحن لا ندري، دائماً أصوات محرِّكات، أصوات المكيف، صوت المروحة، صوت السيارة، الضجيج العام، صوت الناس، المِذياع، المُسَجِّلات، حتى هذه الإشارات في الهواء تجعل تلوثاً في الصوت.
من يتحرك خلاف منهج الله عز وجل لابدّ من أن تفسد حياته:
إذاً:
أنتم حينما تتحرَّكون خلاف منهج الله عزَّ وجل لا بدَّ من أن تَفْسُدَ حياتكم، الآن كُلْ فاكهة والله ليس لها طعم إطلاقاً، ما السر؟ السبب المخصِّبات الكيماويَّة، والهرمونات، هرمون نمو، وهرمون عقد ثمار، ومخصبات، أما بالسماد الطبيعي يصبح للفاكهة طعماً لذيذاً، التسميد غير طبيعي، مكافحة الحشرات غير طبيعي كله بمواد كيماويَّة، هذه المواد مع الأمطار تختلط مع التربة، التربة أصبحت حامضيَّة، طبعاً أنا لا أدخل في هذه الموضوعات تفصيلياً ولكن لو أن الإنسان قرأ يعرف.
يقول لك: بعض أنواع السرطانات بسبب المواد البلاستيكيَّة إذا استعملتها استعمالاً حامضياً أو استعمالاً حاراً، يعني آنية بلاستيك تستعمل فيها نواد حامضية أو مواد حارة تترسَّب بعض الأصبغة في الجسم بشكل تراكمي، وبعض أنواع الشراب التي كلها مواد كيمائية، شربها بشكل مستمر يسبِّب أوراماً خبيثة.
الفساد بالمعنى المادي هو اختلال البيئة:
الآن الإيدز مثلاً، بسبب انحراف الأخلاق مرض نقص المناعة في الإنسان، أنا أتكلَّم أشياء غير منتظمة، لكن هناك تلوُّث أخلاقي سبَّب أمراضاً وبيلة، هناك تلوث في الجو سبَّب أمراضاً في الرئة، هناك تلوث في الطبقات العليا والتخلخل سبَّب سرطانات الجلد، فهذا الفساد بالمعنى المادي هو اختلال البيئة، أي أن الجو ملوَّث، الأصوات فوق طاقة الأذن البشريَّة، المياه ملوّثة، الخضراوات ليس لها طعم إطلاقاً من هذه الأسمدة الكيماويَّة المكثَّفة، المظهر رائع جداً، أما المخبر سيئ جداً، يقول لك الأجداد: كان الخبز له طعم، له رائحة، أما الآن فهو مثل النشاء، منظره جميل جداً، ناصع، أبيض، ليّن، لكن ما فيه طعم الخبز الذي يعرفه أجدادنا، حتى الحليب، وحتى البيض الذي يأكله الناس من هذه المداجن ليس له الطعم الأصلي، هذا من ثمار أو من نتائج انحراف الإنسان في تعامله مع الطبيعة، هذا المعنى الأول.
(( إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَة ))
الابن تطاول على أبيه، والأم ليست في المكان الصحيح، المرأة ليست في مكانها الصحيح، إنها في مكانٍ آخر، الزوج معذَّب، والزوجة منطلقة، فهناك خطأ بالحياة، هذا معنى آخر.
عندنا معنى مادي وهو ما تعانيه الطبيعة بأجوائها، وبتربتها، وبحيواناتها، أخ كريم حدَّثني قائلاً: اتُخِذ قرار بكل دول أوروبا وأمريكا بإيقاف المُفاعلات النووية، لماذا؟ قال: لأن هذه المفاعلات تنشر حولها دوائر موت، لا نبات، ولا حيوان، ومخلوقات إنسانيَّة مشوهَّة من الإشعاع الذري، إذاً حتى كهربائنا عن طريق المفاعل النووي لها مشكلة هذا الذي تشير له الآية، حينما يمارس الإنسان حياته وفق هواه، ولا يعبأ بشرع الله عزَّ وجل، يضرب بالشرع عرض الحائط، عندئذٍ يدفع الثمن.
فساد البيئة سببه عدم تقيُّدنا بأمر الله عزَّ وجل:
كذلك الآن ظهور النساء بشكل فاضح في الطرقات، هذا أيضاً تلويث للأخلاق، تجد الشاب هذا وقت بناء مستقبله، وقت دراسته، وقت انتباهه إلى قيمه، إلى فروسيَّته، إلى بطولاته، فهو في أوج الشباب، والبنت في أوج الإغراء، فأصبح هناك تلوث في الأخلاق، أصبح هناك انصراف عن الدين، انصراف عن الإنجازات الطيِّبة، فهذه الآية دقيقة جداً:
تأكل لحماً في علبة، ماذا في هذه العلبة؟ علبة فيها لحم، هل تعرف من أين أتت؟ أين ذُبح اللحم؟ كيف ذُبِح؟ لا تعرف، فيظهر الفساد معنا، أحدهم قال لي: لا يا أستاذ المُعَلَّبات الأجنبيَّة هذا كله وفق الشريعة الإسلاميَّة، قلت له: والدليل؟ قال: كُتِبَ على علبة سردين "ذُبِحَت وفق الشريعة الإسلاميَّة"، لكي تعرف أن هذا كله كلام صحيح، على علبة سردين كُتِب ذُبِح هذا السمك وفق الشريعة الإسلاميَّة، مسكوا سمكة صغيرة وسمّوا بالله وذبحوها ووضعوها لك في العلبة، الإنسان قبل أن يأكل يجب أن يفهم هل هذا اللحم صحيح أكله؟ يجوز أكله أم لا يجوز أكله؟
ظهر الفساد ليس فقط في البر والبحر بل وفي الجو أيضاً:
كلمة فساد كلمة مطلقة تشمل كل انحراف وتفسخ:
الفساد فساد التربة، فساد الإنتاج، فساد الطعم، فساد الريح، فساد الهواء، فساد الماء، توسعها أكثر؛ فساد العلاقات الاجتماعيَّة، فساد الأخلاق، فساد الأفكار، هناك عقائد زائغة كثيرة، أفكاره فاسدة، سلوكه فاسد، أخلاقه فاسدة، كلامه فيه فساد، مزاحه فيه فساد، كلمة فساد كلمة مطلقة تشمل كل انحراف، كل تفسُّخ، كل شيء سيِّئ:
المجتمع الغربي مظهره شيء وحقيقته شيءٌ آخر:
مثلاً لا نريد قطع يد السارق، لأنه عمل همجي لا يليق مع الجو الحضاري والعلمي، عمل قاسٍ، ستة عشر مليون سرقة في عام واحد إحصاء قرأته من عشر سنوات أو أكثر، إحصاء فيدرالي، قال: في كل ثلاثين ثانية تُرتكب جريمة قتلٍ، أو سرقةٍ، أو اغتصاب، فقد أخذوا جرائم القتل والاغتصاب والسرقة، جمعوها وقسَّموها على ثواني السنة، السنة كم ثانية؟ الساعة 60 دقيقة، والدقيقة 60 ثانية، والنهار 24 ساعة، كل ثلاثين ثانية ترتكب جريمة سرقةٍ، أو جريمة اغتصابٍ، أو جريمة قتلٍ، كذلك هذا فساد اجتماعي، واذهب الآن إلى بلد متقدِّم جداً يقول لك: احذر أن تمشي وحيداً في الليل، إذا واجهك إنسان بمسدَّس أعطه كل ما معك وأنقذ نفسك، إذا دخلت إلى فندق يقول لك: سلِّم كل شيء تملكه لأول واحد يعترضك حفاظاً على حياتك، فما هذه الحياة إذاً؟! لا تستطيع أن تقف على الموقف بسيارتك وإلا يكون الباب مغلقاً، بعد المغرب لا يوجد تجوُّل أبداً، هذا شيء واقع جداً في بلاد بمقياس العصر راقية جداً، اختلاط أنساب، زنا محارم، زنا بالأقارب، أمراض وبيلة جنسيَّة، لواط، سرقة، هذا الفساد، فتجد أن المجتمع الغربي مظهره شيء وحقيقته شيءٌ آخر، لا حياة زوجيَّة، ولا استقرار، لا نظافة بالعلاقات، فهي مبنيَّة على الجنس، مبنيَّة على ابتزاز الأموال، مبنيَّة على القهر، مبنيَّة على القسوة.
نحن في مدينةٍ بارك الله لنا فيها، نحن في أرقى بلاد العالَم، أنا أقول كلاماً وأعني ما أقول، أنا أقرأ كثيراً، نحن في أرقى بلاد العالَم رغم كل متاعبنا، عندنا علاقات أُسَرِيَّة طيِّبة، عندنا فلان وفلانة أزواج فقط، ولا توجد خيانات، الخيانات الزوجيَّة، وزنا المحارم؛ الأب مع ابنته، والأخ مع أخته، هكذا الفساد، فعندما يترك الإنسان الدين يصير أشقى الناس، والانتحار بنسب مرتفعة جداً.
للقضاء على الفساد علينا العودة إلى منهج الله عزَّ وجل:
النتيجة أو خلاصة الدرس كله: أي خروجٍ عن منهج الله يسبِّب الفساد في الأرض، بأوسع معاني هذه الكلمة؛ فساد في التربة، فساد في الهواء، فساد في السماء، في الأمطار؛ الآن أمطار حامضيَّة، أمطار سوداء، تُربة مالحة، حتى فساد في الأنعام، حتى الآن يعطوا الدجاجة هرمون لكي تنمو بأربعين يوماً، تُمنع من النوم، إضاءة شديدة جداً، دائماً متوترة الأعصاب، تأكل باستمرار، في اليوم الأربعين يصير وزنها كيلو، أنت تأكلها وتخاصم الناس، لماذا أنت هكذا؟ لأن التي أكلتها موتَّرة كثيراً، لأنها لم تنم أربعين يوماً، غير هذا هرمون تنمية، هذا الهرمون يتراكم في الإنسان ويسبِّب سرطانات، تأخذ هرمونات في العلف، هرمون للنمو، الوضع كله غير طبيعي، فصار الفساد بالمعنى المادي هو أي خروج عن منهج الله عزَّ وجل، صار هناك فساد بالحياة، بطعامنا، بشرابنا، بأنعامنا، بمزروعاتنا، المياه ملوثة، المزروعات مسمدة بمواد كيماوية فتصبح بلا طعم، وهكذا...
أوسع قليلاً: ظهر الفساد الأخلاقي؛ المعاصي، والفجور، والزنا، والخمر في البر والبحر والجو
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)﴾
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق