- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (030)سورة الروم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون مع الدرس الثاني من سورة الروم.
مقوِّمات الأمانة التي كلَّف الله بها الإنسان:
الآيات التي فُسِّرَت في الدرس الماضي يمكن أن يُلقى عليها ضوءٌ جديد، فمثلاً حينما قال الله سبحانه وتعالى في هذه السورة:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ الم(1) غُلِبَتِ الرُّومُ(2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(5)﴾
إلى آخر الآيات، أي أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الكون، وحينما خلق الإنسان، هذا الإنسان هو المخلوق الأوَّل، المخلوق المكرَّم الذي أعدَّه ليَسْعَدَ في جنَّاتٍ عرضها السماوات والأرض، هو في الدنيا أودع فيه الشهوات ليرقى بها إلى الله، أعطاه العقل ليكون قوةً إدراكيّة، مَنَحَهُ حريَّة الاختيار لتُثمَّن أعماله، خلق له الكون وسخَّره له؛ تسخير تعريفٍ وتسخير تكريم، أعطاه فيما يبدو قوَّةً، فهذه القوة، وتلك الشهوة، وهذا الاختيار، وذاك العقل، وتلك الفطرة، وتسخير الكون، هذا كلُّه من مقوِّمات الأمانة التي كلَّفه بها،
الخروج عن منهج الله تعالى سبب شقاء الإنسان:
أنا الآن أُلَخِّص، أجمع ما تفرَّق من معاني في كلماتٍ موجزة، فما منا واحدٌ إلا ويتمنى أن يسلَم، ما منا واحدٌ إلا ويتمنَّى أن يسعد، متى يشقى الإنسان؟ إذا خرج عن منهج الله، فربنا سبحانه وتعالى خلق الكون، وخلق الإنسان، وكلَّفه بالأمانة، وقَبِلَ بها:
﴿
لمَّا قَبِلَ بها أعطاه العقل قوَّةً إدراكيَّة، سخَّر له الكون مظهراً لأسماء الله الحُسنى وصفاته الفُضلى، سخَّره تعريفاً به وتكريماً له، أعطاه الشهوة كي يرقى بها، أعطاه حريَّة الاختيار كي تُثَمَّنَ أعماله، أعطاه فيما يبدو قوَّةً كي يتحرَّك بها.
الآن إذا عطَّل عقله، ولم يفكرّ في ملكوت السماوات والأرض، واتبع شهوته، لابدَّ من رسولٍ يذكره بفطرته، لابدَّ من رسولٍ يذكره بالأمانة التي حملها، لابدَّ من رسولٍ يذكره بالمهمَّة التي جاء من أجلها قبل أن ينتهي أجله ويشقى إلى أبد الآبدين.
الآن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته واقتضت رحمته أن يُرسل لهذا الإنسان رسولاً، كيف يصدِّق الإنسان أن هذا رسول الله؟ كيف؟ إنسان من بني آدم، من طين البشر، شكله كشكل البشر، أعضاؤه كأعضائهم، كيف يُصَدِّق هؤلاء الناس الضالون، المنحرفون، الذين انغمسوا في شهواتهم واتبعوا أهواءهم، كيف يصدِّقون أن هذا الإنسان رسول الله؟
أعطاه معجزة، سيدنا موسى أعطاه العصا، ليس في طاقة البشر كلِّهم أن يصنعوا من العصا ثعباناً، أعطى السيِّد المسيح قوَّة إحياء الموتى، كأن الله يقول لهؤلاء البشر: هذا رسولي، أعطى لسيدنا موسى السحر، أعطاه أن تكون العصا ثعباناً مبيناً، أرسل الله سبحانه وتعالى النبي عليه الصلاة والسلام إلى أمَّتنا، أعطاه معجزة؛ هذا الكتاب.
إعجازات القرآن الكريم:
إذاً بادئَ ذي بدء الله سبحانه وتعالى خلقنا وكرَّمنا وجعلنا في المرتبة الأولى:
هذا الإنسان نسي، وغفل، واتبع شهوته، أودع فيه الشهوات ليرقى بها فجعلها إلهاً، أعطاه العقلَ ليتعرَّف إلى الله به، فسخَّره في جمع الثروات والإيقاع بين البشر، إذاً لابدَّ لهذا الإنسان الضال المُنحرف الذي عبد شهوته، وعبد من دون الله آلهةً لا تنفعه ولا تضرُّه، لابدَّ لهذا الإنسان من رسولٍ مذكِّرٍ، لكن هذا الرسول لن يُصَدَّق، إذاً لابدَّ لهذا الرسول من معجزة.
النبي عليه الصلاة والسلام جاء بهذه المعجزة، هذا القرآن من دلائل إعجازه، هناك إعجاز إخباري، هناك إعجاز بياني، هناك إعجاز عِلمي، هناك إعجاز تشريعي، هناك إعجاز تَرْبَوِي، هناك إعجاز لغوي، هناك إعجاز حسابي، هناك إعجاز رياضي، من جملة إعجازات القرآن الكريم، ومعنى إعجاز أي أن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثله، من جملة إعجازاته إعجازه الإخباري، قال تعالى:
الآية التالية من دلائل نبوَّة النبي عليه الصلاة والسلام:
قد فصَّلت هذا في الدرس الماضي، وقد وقع، لا يملك الغيب إلا الله، ذكرتُ إلى جانب هذا الإعجاز الإخباري قوله تعالى:
﴿
فعلاً قال بعض العرب ـ الذين وصفهم الله عزَّ وجل بأنهم سفهاء ـ قالوا هذا القول، ولو أنهم فكَّروا لسكتوا، فإذا سكتوا أبطلوا هذا القرآن.
أيها الإخوة هذا القرآن دليل أن النبي عليه الصلاة والسلام هو رسول الله، إعجازه يؤكِّد نبوَّته، إذاً هذه الآية من دلائل نبوَّته، قد يقول قائل: وماذا يعنينا كُلُّ هذا؟
الذي ألاحظه أنه ما من مشكلةٍ تصيب الفرد أو المجتمع في الأرض، ما من أزمةٍ، ما من قضيَّةٍ، ما من مأساةٍ، ما من دمارٍ، ما من آلامٍ إلا ولها أسباب، أسبابها خروج هذا الإنسان عن منهج الله، ولماذا يخرج هذا الإنسان عن منهج الله؟ حينما لا يصدِّقه أما نحن حينما نتعامل في الدنيا إذا صدَّقنا أن هذا القرار، أو هذا التوجيه، أو هذا المَنْع من قِبَل مَن بإمكانه أن يفعل بنا ما يفعل نلتزم، إذاً على قدر ما تصدِّق به هذا القرآن تلتزم أمره ونهيه، هنا المشكلة.
في القرآن آيات الإعجاز الإخباري من أجل أن نصدِّق أن هذا القرآن كلام الله:
هذا الذي يخالف آيات القرآن الكريم، يخالف أمر الله عزَّ وجل أو يقع فيما نهى عنه، يجب أن يعلم علم اليقين أن مصداقيَّة هذا القرآن عنده ليست كافية، لا يمكن لإنسانٍ عاقل أن يعلم علماً يقينيَّاً أن هذا القرآن من عند الله عزَّ وجل، وأن الله بيده كل شيء؛ بيده سعادتك، وبيده شقاؤك، بيده صحَّتك، وبيده مرضك، بيده غناك، وبيده إفقارك، لا يمكن لإنسانٍ عاقل يصدِّق ويوقِنُ أن هذا القرآن كلام الله ويخالفه.
ربنا عزَّ وجل جعل في القرآن بعض الآيات التي يُسَمِّيها علماء التفسير "الإعجاز الإخباري"، من أجل أن نصدِّق أن هذا القرآن كلامه، الآن الآيات الأولى تقول:
﴿
إذا وعد الله وعداً، أو أَوْعَدَ وعيداً فلا محالة واقعٌ:
شعور الإنسان البعيد عن الله عزَّ وجل شعور مرضي:
ماذا قال الله عزَّ وجل عن آخر الزمان؟ قال:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ
هذا شعور الإنسان البعيد عن الله عزَّ وجل، القوي، شعورٌ غريب، شعورٌ مرضي، يظنُّ أن الأمر كله بيده، وأنه قادرٌ على كل شيء، وأنه قادرٌ على أن يفعل كل شيء
﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا(58)﴾
عقاب من يخالف منهج الله تعالى كما ورد في بعض الآيات القرآنية:
يا أيها الإخوة الأكارم، الإنسان يجب أن يفكِّر تفكيراً سديداً، القضيَّة لا تَحْتَمِل المُماطلة، ولا تحتمل أن تأخذ هذا الكلام على أنه كلام طيِّب مبارك، فتقول: جزاه الله عنَّا كل خير، والله درس لطيف، درس جميل ممتع، القضيَّة أخطر من ذلك، أنت أمام منهج فإما أن تتبعه؛ وإما أن تدفع الثمن باهظاً.
ترون أيها الإخوة، ترون بأمِّ أعينكم، يقول الله عزَّ وجل:
﴿
دقِّقوا في هذه الآية، من كل مكان رزقٌ وفير لا يُحصى، حياةٌ في أعلى درجات الرفاهية والنعيم
آيةٌ ثانية:
﴿
هذا الزمن هو زمن التوبة والعودة إلى الله عز وجل:
أيها الإخوة القضيَّة قضيَّةٌ تتعلَّق بسلامتنا، بسلامة الإنسان، إنسان له خالق وهذا منهجه، فهذا كتاب، كتاب الله عزَّ وجل أمرك بشيء ونهاك عن شيء، لا تأخذ هذا الكتاب على مَحْمَل أن تأخذه أخذاً بسيطاً دون أن تهتمَّ له، إن لم تهتمَّ له فالنتيجة مؤلمةٌ جداً، والله سبحانه وتعالى يُمهل ولا يُهمل.
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102)﴾
وقال:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ(13)﴾
لكن:
﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ(14)﴾
هذا الزمن أيها الإخوة زمن التوبة، زمن العودة إلى الله عزَّ وجل، العودة إلى كتابه، أنت مسلم يجب أن تكون مسلماً حقَّاً، ما المُخالفات التي أنت مُقَصِّرٌ فيها؟ ما المعاصي في علاقاتك كلِّها؛ في بيعك، في شرائك، في كسب مالك، في إنفاق مالك، في شهواتك، ما المباح، ما المحرَّم، ما الممنوع، ما الحق، ما الباطل؟
الحكمة من قصة سيدنا يوسف:
يا أيها الإخوة الأكارم، الله سبحانه وتعالى يبيِّن لنا من خلال مطلع هذه السورة أن هذا القرآن كلامه، والدليل الإعجاز الإخباري:
﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ
هذه الآية ضعوها في أذهانكم دائماً:
في الآية التالية أمران ونهيان وبشارتان:
ذكر الله عزَّ وجل قصَّة سيدنا موسى، ربنا عزَّ وجل أمر أم موسى أن تُلْقِيَهُ في اليَم:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾
أمران، ونهيان، وبِشارتان:
أدلة من القرآن الكريم على وحدانية الله سبحانه فالأمر كله بيده وحده:
فكِّر، الأمر بيدِ الله، إيَّاك أن ترى أن مع الله إلهاً آخر، الأمر بيدِ الله وحده:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وقال:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ
وقال:
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ
وقال:
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ
وقال:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ
وقال:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل(62)﴾
وقال:
﴿
جوهر الحياة الدنيا أن تعرف الله وتستقيم على أمره وتتقرَّب إليه:
هذا التوحيد يُرْيحُ الإنسان، ما عليك إلا أن تعبد الله، ما عليك إلا أن تتوب من ذنوبك، ما عليك إلا أن تستقيم على أمره، وإلا فالعقاب أليم والعقاب شديد:
﴿
معنى هذا أنهم لا يعلمون، إذا عَلِمْتَ كيف تسكن في بيتٍ فخم، وكيف تأكل أطيب الطعام، وكيف تركب أجمل المركبات، فأنت لا تعلم حقيقة الدنيا، أنت جئت إلى الدنيا لمهمَّةٍ كبيرةٍ خطيرة، أنت جئت إلى الدنيا لتعرف الله عزَّ وجل، جوهر الحياة الدنيا أن تعرف الله، وأن تستقيم على أمره، وأن تتقرَّب إليه، فإذا غفلت عن هذه المهمَّة أنت لا تعلم، إذا أُرِسِلْتَ إلى بلدٍ أجنبي كي تُحَصِّلَ أعلى شهادةٍ علميَّة، وفي هذا البلد نسيت الدراسة وعرفت أين أفخم المطاعم، وأجمل المقاصف، وأجمل الأندية، وانتقلت من مطعمٍ إلى مطعم، ومن نادٍ إلى نادٍ، ومن مقصفٍ إلى مقصف، هذا يعلم أم لا يعلم؟ نقول: إنه لا يعلم لأنه نسي مهمَّته الأساسيَّة فهو لا يعلم، نسي الهدف الذي من أجله خُلِقْ:
للإيمان ثلاثة مظاهر تصديقٌ بالقلب وإقرارٌ باللسان وعملٌ بالأركان:
من الآية رقم واحد إلى الآية السابعة ربنا عزَّ وجل أشار إلى إعجاز كتابه الإخباري، يوجد مصدر آخر، الحقيقة هذه الصفحة والنصف فيها ثلاث مصادر للمعرفة.
المصدر الآخر للمعرفة:
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ(8)﴾
أيها الإخوة، الإيمان له ثلاثة مظاهر، الإيمان محلُّه القلب، وهو إقرارٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، الحياة قصيرة والمهمَّة خطيرة، يجب أن تعرف ما الإيمان، ليس الإيمان أن تُصلي؛ الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وغَض البصر، والصدق، والأمانة، والإحسان، وترك الغيبة والنميمة هذا كلُّه مَظْهَر، مظهر سلوكي للإيمان، والإيمان فضلاً عن ذلك تصديقٌ بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، ومما يروى عن الحسن البصري قوله:
﴿
مهمة الفكر:
أن تنصاع إلى أمر الله هذا إسلام، أما أن يستقرَّ في قلبك تصديقٌ أن الله سبحانه وتعالى خالقُ الكون، وهو ربُّ العالمين، وهو الإله المسيِّر، وهو واحدٌ في خلقه، وواحدٌ في تربيته، وواحدٌ في تصرُّفه، وأن أسماءه حُسنى، أن تصدِّق هذه الحقائق هذا يحتاج إلى جهد، وما لم يُبْذَل هذا الجهد فأنت لن تطيع الله عزَّ وجل، لذلك القضيَّة كيف يدخل الإيمان في قلبي؟ التصديق محلُّه القلب، واللسان يقرُّ بهذا التصديق، والعمل يؤكِّد هذا التصديق، التصديق يُعَبِّر عما في القلب، والسلوك يجسِّد هذا التصديق، وما لم يتفكّر الإنسان في خلق السماوات والأرض فلن يدخل الإيمان في قلبه، ماذا يقول الله عزَّ وجل؟
معرفة عظمة الله تحتاج إلى بحث ذاتي ومِرَاس و جهدٍ كبير:
يا أيها الإخوة الأكارم، هذه آيةٌ دقيقةٌ جداً:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)﴾
أن تعترف بخالقٍ للكون هذا شيءٌ لا يُقَدِّم ولا يؤخِّر، ولكن أن تعرف عظمة الله عزَّ وجل، أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى، أن تعرف أن الأمر كله بيده، أنه:
﴿
هذه هي المعرفة، وهذه المعرفة لا تنشأ فجأةً بل تحتاج إلى بحث ذاتي، إلى مِرَاس، إلى جهدٍ كبير، لذلك ربنا سبحانه وتعالى في هذه السورة يبيِّن
الآيات الكونيَّة الدالَّة على عظمة الله عزَّ وجل كثيرة جداً:
﴿
أبواب معرفة الله واسعةٌ جداً؛ كأس الماء الذي أمامك، طفلك الذي أمامك، رغيف الخبز الذي تأكله، الشمس التي تُشْرِق، القمر الذي يظهر، الجبل، المطر، الرياح، البُحيرات، البحار، الأنهار، النباتات، الحيوانات، أنت محاطٌ بآلاف آلاف الآيات الكونيَّة الدالَّة على عظمة الله عزَّ وجل
الكون بما فيه من آياتٍ والقرآن بما فيه من إشاراتٍ بابٌ كبيرٌ جداً لمعرفة الله تعالى:
إذاً الكون بما فيه من آياتٍ عظيمةٍ دالَّةٍ على وجود الله وعلى أسمائه الحسنى مصدرٌ كبيرٌ لمعرفة الله، والقرآن بما فيه من إشاراتٍ، وإرشاداتٍ، وأحكامٍ شرعيَّةٍ، وإخبارٍ، ووعدٍ، ووعيدٍ أيضاً بابٌ كبيرٌ جداً لمعرفة الله سبحانه وتعالى.
الآن يوجد عندنا شيءٌ ثالث:
﴿
إذا شئت فابحث في الحوادث ترى أن الله عزَّ وجل وراء كل شيء، ترى أن يد الله تعمل في كل شيء، ترى أن حكمة الله ظاهرةٌ في كل شيء، ترى أن قدرته خارقة، ورحمته ظاهرة، ولطفه عَميم، وعقابه أليم، وعطاءه كبير، وأخذه مُخيف، بعفويةٍ بالغة، بفطرةٍ صافية، دون أن تُكِدَّ ذهنك، ما تسمع وما ترى، تجد أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
القرآن الكريم كلام الله و الكون خلقه و الحوادث أفعاله:
يا أيها الإخوة الأكارم، اجعل من الحوادث درساً، ومن الأكوان درساً، ومن القرآن درساً، وفي صفحةٍ ونصف بَيَّن الله سبحانه وتعالى أن القرآن الكريم كلامه، وأن هذا الكون خَلْقُهُ، وأن هذه الحوادث أفعاله، فإن شئت أن تعرفه من أفعاله فافعل، تأمَّل في أفعاله، تأمَّل:
أسوأ عقابٍ يعاقب به الإنسان يوم القيامة أن يدخل النار:
لذلك أيها الإخوة، الإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( أُمِرْت أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً. ))
هذا الحديث جزء من حديث طويل يقول فيه عليه الصلاة والسلام:
(( أمرني ربي بتسع: خشية الله في السرَّ والعلانيَّة، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأعفو عن من ظلمني، وأعطي من حرمني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً. ))
الإنسان أحياناً يسعد بتأمّل عقلي وحيد، تأمَّل إلى أين أنت ذاهب؟ في أي طريقٍ تسلك؟ ما الهدف الذي يبرق أمامك؟ لماذا خُلِقْت؟ تأمَّل في حياتك الخاصَّة، في بيتك؛ يا ترى أنت وفق المنهج؟ وفق ما أمر الله عزَّ وجل؟ إليكَ هذه الحوادث، كل الحوادث تؤكِّد لك أن الله عزَّ وجل بيده كل شيء، ووعده واقع، ووعيده واقع، وكل ما تسمع وما ترى إنما هو تحقيقٌ لوعد الله ولوعيده.
﴿
السُّوأى: مؤنَّث الأسوأ، كما أن الحسنى مؤنَّث الأحسن، هناك أنواع كثيرة جداً من العقاب في الدنيا؛ لكن أشدَّ عقابٍ يعاقب به الإنسان أن يدخل جهنَّم، قد يعاقب في الدنيا بقلَّةٍ في رزقه، بمرضٍ في جسمه، بنقصٍ في ماله، بمرضٍ في أولاده:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ(155)﴾
لكنَّ أشدَّ العقاب طُرَّاً، أسوأ عقابٍ يُعاقَبه الإنسان يوم القيامة أن يدخل النار:
الآيات الكونيَّة أو الحوادث أو القرآن علامات دالَّةٌ على عظمة الله عزَّ وجل:
الصحابة الكرام من علامات توفيقهم أن الآية الواحدة كانت تكفيهم ليعودوا عن أخطائهم:
الآن يقول الله عزَّ وجل:
﴿
بدأ الله الخلق، خلقنا في هذه الدنيا، لكن الشيء الذي يلفت النظر أن معظم الناس غافلون عن إعادة الخَلق، يعيشون وقتهم، يعيشون لحظتهم، يعيشون زمانهم، يعيش ما دام في متعة، في بحبوحة، ينسى أن هناك يوماً آخر، وحساباً وعقاباً، وجنَّةً وناراً، ونعيماً مقيماً، وعذاباً أليماً.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ
تكفي.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾
تكفي.
﴿
تكفي.
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
تكفي.
﴿
تكفي، هذه الآية:
العاقل يصلُ إلى الشيء بعقله قبل أن يصلَ إليه بجسده:
السؤال المتبادَر: كيف بلغت هذا العمر؟ والله ما هو إلا ما بين طرفة عينٍ وانتباهتها، قبل أيام كنت صغيراً، الأيام مضت، والسنون مضت، قبل فترة من الزمن كان رمضان في تشرين، يقول لك: حرب تشرين يساوي العاشر من رمضان، رمضان مع تشرين، الآن رمضان مع ماذا؟ دارت الأيام صار رمضان في الربيع، جاء في الصيف، وهكذا الأمور تدور، إذاً:
﴿ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ(12)﴾
معنى يُبلس: الإنسان حينما يُفَاجأ ولا يملك جواباً، هذا هو الصَعْقُ، لذلك العاقل يصلُ إلى الشيء قبل أن يصلَ إليه، يفكِّر، فالطالب المتفوِّق ما سرُّ تفوُّقه؟ أن لحظة الامتحان لا تغيب عنه أبداً، هذا سرُّ اجتهاده ونجاحه، أما الطالب الكَسول ينسى الامتحان، يعيش وقته، يعيش فترة حياته في أثناء العام الدراسي كما هي، هو مع أصدقائه، في جوٍ مرحٍ، في نزهة، أي أنه يسترخي، لكن الطالب الذي يتفوَّق من علاماته أن لحظة الامتحان لا تغيب عنه أبداً، لذلك هذه الآية:
كل الناس يوم القيامة سواسية ولا ينفعهم إلا عملهم:
ماذا ينفع المال؟ لا ينفع المال، ولا القوة، ولا الدنيا بأكملها، كله شيءٌ زائل، الدنيا ساعة اجعلها طاعة، معنى يُبلِس؛ أي يُصْعَق، وينعقد لسانه فلا يستطيع أن يتكلَّم بكلمةٍ واحدة.
﴿
لا يوجد إنسان ما له علاقات، له شُرَكاء، له أقرباء، له أصحاب، له زملاء، له جيران، لا توجد قضيَّة إلا فلان يعرف فلاناً، فلان وسَّط فلاناً، هذا منطق الحياة الدنيا، تظن فلاناً لا أقرباء له فيدعمه عشرات، كلُهم يتصلون بكَ إذا أردت أن تفعل به شيئاً، يوجد علاقات، يوجد ترابط، يوجد مَوَدَّة، يوجد مصالح متبادلة، يوجد لقاءات، لكن ربنا عزَّ وجل يقول يوم القيامة:
﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ(12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ(13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ(14)﴾
يوم القيامة الناس رجلان مؤمنٌ وكافر:
أحياناً تجد جمعاً كبيراً، يتجمَّع الناس لمصلحةٍ معيَّنة، الجمع ترونه بأمِّ أعينكم، لكن يوم القيامة:
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ(15)﴾
في النهاية؛ الناس رجلان مؤمنٌ وكافر، كل التقسيمات في الدنيا باطلة، الناس جميعاً على اختلاف ألوانهم، وأجناسهم، ومللهم، ونِحَلِهِم، وقوَّتهم، وضعفهم، وغناهم، وفقرهم لا يزيدون عن رجلين:
كل شيءٍ تسمعه أو تقرؤه من حوادث الكون والحياة إنما هو آيات:
حتَّى عند الموت يكون القبر روضةً من رياض الجنَّة أو حفرةً من حفر النيران:
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ(16)﴾
أتمنَّى على الله عزَّ وجل أن أكون قد بيَّنت لكم بعض ما يمكن أن يؤْخَذ من هذه الآيات؛ أي أن القرآن مصدر، والكون مصدر، والحوادث مصدر، وأنت في دنيا وسيعقبها آخرة، وفي الآخرة ليس إلا رجلان؛ مؤمنٌ قد عمل الصالحات فهو في روضات الجنَّات، وكافرٌ
من لوازم الإيمان بالله أن تؤمن باليوم الآخر:
أيها الإخوة حينما قال الله عزَّ وجل:
الشيء الثاني: لو أردت أن ألخِّص هذا الدرس بكلماتٍ قليلة، كل آيةٍ في هذا الدرس تؤكِّد أن الأمر بيد الله، وما من شيءٍ يورِثُ الألم والضيق كأن ترى أن الأمر بيد فُلان أو فلاناً، هذا شيءٌ لا يحتمل، أما الشيء الذي يُرضي الإنسان ويريحه من آلامٍ لا تحتمل أن ترى أن الأمر بيد الله، هذا واضحٌ من قرآنه، والدليل:
التوحيد هو أن ترى بقلبك أن الأمر بيد الله وأنه لا فاعل مع الله:
إذا فكَّرت في نفسك:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِي(25)﴾
ليس معنى ذلك أنك إذا آمنت أن الأمر كله بيد الله، ودخل إلى بيتك لص تقول: سبحان الله هذا بيد الله، لا، فليس هذا هو المعنى؛ فالمعنى أن تطرد هذا اللص، لأنه دخل بقضاء الله، وأنت عليك أن تردَّه أيضاً بقضاء الله، لكن من أجل أن لا ترى مع الله أحداً، من أجل أن لا تتمزَّق النفس من الشِرْكِ يجب أن توَحِّد، والتوحيد طريقه طويل، التوحيد ككلمة سهل، أخي لا إله إلا الله، يقولها الناس كلُّهم، ولكن أن ترى بقلبك أن الأمر بيد الله، وأنه لا فاعل مع الله.
طريق الإيمان بالله هو التفَكُّر بالآيات:
ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ(17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ(18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ(19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ(20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ(22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ(23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ(25)﴾
إلى آخر الآيات، أرجأت هذه الآيات لدرسٍ قادم، أو لدرسَين قادمَين كي نعلم أن طريق الإيمان بالله التفَكُّر بالآيات، أنت بالكون تعرفه وبالشرع تعبده، من أجل أن تؤمن يجب أن تفكِّر، فسورة الروم في معظمها آياتٌ دالَّةٌ على عظمته، كلَّما ازددت معرفةً بالله ازددت له طاعةً، فإذا وجدت أن في طاعتك خللاً معنى ذلك أن في الإيمان خلل، إذاً تعرَّف إلى الله عزَّ وجل من خلال الكون، أو من خلال الحوادث، أو من خلال القرآن.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم أعنا على دوام ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وارزقنا الشوق إلى لقائك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وجميع بلاد المسلمين.
اللهم أغننا بالعلم، وزيّنّا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجمّلنا بالعافية، وطهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.