الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون مع الدرس الخامس من سورة الروم.
نظام الزوجية من آيات الله الكبرى:
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21)﴾
[ سورة الروم ]
أيها الإخوة لا بدَّ من مقدمةٍ لمثل هذه الآيات، من أجل أن تسعد في الدنيا والآخرة لا بدَّ من أن تعبد الله، ومن أجل أن تعبده لا بدَّ من أن تعرفه، ومن أجل أن تعرفه لا بدَّ من أن تُفَكِّرَ في آياته، لو أردت معرفة إنسان يمكن أن تلتقي به، يمكن أن تحدِّثه، يمكن أن ترى صورته، يمكن أن تقرأ كتابه؛ ولكنك إذا أردت أن تعرف خالق الكون، ليس من طريقٍ إلى معرفته إلا الطريق الاستدلالي، لأن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار ولكن يُعْرَفُ بالعقل، والله سبحانه وتعالى خلق العقل على مبادئ متوافقةٍ مع مبادئ خلق الكون، فإذا أعمل الإنسان عقله في الكون عرف رب الكون، والذي يؤكد هذا الكلام أن الله عزَّ وجل في هذه السورة يذكر آياته العديدة.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ الشيء الآخر، أن الله سبحانه وتعالى كان من الممكن، الكون كله ممكن، هناك واجب الوجود وهو الله سبحانه وتعالى، وهناك مستحيل الوجود، أي مستحيلٌ أن يكون الجزء أكبر من الكل، هذا مستحيل عقلاً، والله سبحانه وتعالى واجب الوجود عقلاً، ما سوى المستحيل والواجب هناك الممكن، فالكون كله ممكن، ممكن أن يوجد وأن لا يوجد، أو أن يوجد على هذه الشاكلة أو على شاكلةٍ أخرى، إذاً كان من الممكن أن يَخْلُقَ الله الناس كلهم دفعةً واحدة، دون نظام الزوجية، دون ذكر وأنثى، دون إنجاب أولاد، البشر كلهم يُخْلَقون دفعةً واحدة، ولكن شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن نوجد في الأرض تِباعاً على نظام الزوجية، يبدو أن نظام الزوجية آيةٌ كبرى من آياته جلَّ جلاله.
الطريق الاستدلالي هو الطريق الوحيد لمعرفة الخالق:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ﴾ الحقيقة مقدمة ثالثة وهي: أن الآيات كثيرة، بعضها قريب وبعضها بعيد، أقرب الآيات إليك نفسك التي بين جَنْبَيْكَ، لهذا ربنا عزَّ وجل يقول:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53)﴾
[ سورة فصلت ]
أول فكرة من مقدمات الدرس: لا بدَّ من أجل أن تسعد في الدنيا والآخرة من أن تعبد الله عزَّ وجل، والعبادة بنص القرآن الكريم خُلِقْنَا من أجلها.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ(56)﴾
[ سورة الذاريات ]
والعبادة: طاعةٌ طوعيةٌ ممزوجة بمحبة قلبية تسبقها معرفةٌ يقينية تفضي إلى سعادةٍ أبدية، هذه السعادة أساسها الطاعة مع المحبة، وهذه الطاعة مع المحبة أساسها المعرفة، معرفة الله عزَّ وجل لا بدَّ إلا أن تكون عبر قناةٍ واحدة، وهي القناة الاستدلالية عن طريق العقل، لكن هذه القناة واسعة جداً، فالطريق إلى الله عزَّ وجل، إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق:
وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل علـى أنـه واحـد
***
الآيات على أنواع منها ما هو قريب ومنها ما هو بعيد:
أي شيءٍ نظرت إليه يدلك على الله، إلا أن الآيات على أنواع؛ منها ما هو قريب ومنها ما هو بعيد، فلو حدثتك عن مجرةٍ بُعدها عن الأرض كذا ألف سنة ضوئية، وحجمها كذا، وقوامها كذا، وكثافتها كذا هذه آية، ولكن إذا حدثتك عن نفسك التي بين جنبيك، وعن جسدك، وعن أعضائك، هذه آيةٌ قريبةٌ جداً.
الفكرة الثالثة: كان من الممكن أن نأتي دفعةً واحدة، بلا نظام الزوجية، بلا ذكرٍ وأنثى، لأن الكون كله ممكن، ولكن شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن نأتي على نظامٍ صَمَّمَهُ الله عزَّ وجل وهو نظام الزوجية، أن يكون البشر ذكراً وأنثى، وأن يقترنوا، وأن ينجبوا الأطفال، وأن تنمو المجتمعات، وأن يكون الإنسان مفتقراً إلى الطعام لبقاء جسده، ومفتقراً إلى الزوجة لبقاء نوعه، ومفتقراً إلى العمل الصالح لبقاء ذكره، لا بدَّ من أن يبقى جسدك إذاً تأكل وتشرب، وأن يبقى نوع البشر إذاً لا بدَّ من التزاوج، وأن تبقى سعيداً في جنةٍ عرضُها السماوات والأرض إذاً لا بدَّ من العمل الصالح، فإذا أكلت فليبقى جسدك، وإذا تزوَّجت فليبقى نوعك، وإذا عرفت الله عزَّ وجل وأطعته وعملت الصالحات فليبقى ذكرك إلى الأبد في جنةٍ عرضها السماوات والأرض.
الآن آية اليوم:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (من) هذه من أدوات اللغة العربية، حرف جَر، لكن لهذا الحرف معانٍ عِدَّة، فمن للتبعيض، ومن للبيان، ومن لابتداء الغاية، هنا (من) بعض آياته، أي أن آياته ليست عشرة وهذه واحدة منها، آياته لا تعد ولا تحصى، آيات كلمة جمع.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ الآيات جمع آية، والآية معناها العلامة، الله عزَّ وجل لا تدركه الأبصار، ولكن مما يدلُّ على وجوده، مما يدل على علمه، مما يدل على قُدرته، مما يدل على حكمته، مما يدل على رحمته، مما يدل على لطفه أن خلق لكم، فمن للتبعيض، والآيات جمع آية، والآية هي العلامة الدالة على الشيء.
للآية التالية عدة معان:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ المعنى الأول: أن السيدة حواء أم البشر خُلقت من ضلع آدم عليه السلام، هذا هو المعنى الأول، فما من شيءٍ أقرب إليك من ابنك لماذا؟ لأنه منك مثلاً، أقرب كائن إليك هو ابنك لأنه منك، كان جزءاً منك، ما من مخلوقٍ أقرب إلى المرأة من ابنها لأنه جزءٌ من جسمها انفصل عنها بالولادة، جزءٌ منها، فإذا أردنا أن نعبر عن شدة التناسب، وشدة الالتصاق، وشدة الانسجام لا بدَّ من أن نستعمل كلمة (من)، من أنفسكم، هذا هو المعنى الأول.
المعنى الثاني: أن ماء الحياة الذي أودعه الله في الإنسان منه يتشَكَّلُ الذكر والأنثى، والآية تقول:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾
[ سورة النجم ]
إذاً هذه المرأة هي من الرجل، بالتعبير العلمي من مائه، وماؤه إما أن يتشكل تشكلاً على شكل أنثى، أو على شكل ذكر.
أما المعنى الأوسع والأقرب إلى معنى هذه الآية: أن الله عزَّ وجل كما خلق لك فكراً خلق لزوجتك فكراً، كما خلق لك قلباً ينبض بالأحاسيس خلق لها قلباً ينبض بالأحاسيس، كما خلق لك عيناً ترى بها جمال الأشياء خلق لها عيناً أيضاً ترى بها جمال الأشياء، فلو جئت بذكرٍ وأنثى لرأيت الأعضاء إلى حدٍ ما والأجهزة؛ السمع، البصر، الشم، النُطق، اللسان، الفكر، الأيدي، الأرجل، الحركات، من مخلوقٍ واحد في الأساس فبين الذكر والأنثى نقاط تشابه كثيرة جداً هي سبب الانسجام، ويوجد نقاط تكامل هي سبب الانسجام، إذا التقت النقاط المتشابهة بين الذكر والأنثى كان هذا سبيلاً إلى الانسجام بينهما.
هناك انسجام وتكامل بين بُنية جسم المرأة والرجل:
وإذا تكاملت الصفات بينهما؛ هو مفتول العضلات، وهي ذات خطوطٍ أخرى، هو يغلب عقله على عاطفته، وهي تغلب عاطفتها على عقلها، هو يدرك الأشياء البعيدة، وهي تعيش لوقتها، لو أن هناك متسعاً من الوقت، واطلاعاً على بعض كتب علم النفس التي تؤكد أن هناك نقاط لقاء بين الزوجين الذكر والأنثى ونقاط خلاف، لكن نقاط الخلاف هذه متكاملة، أي أن كل طرفٍ منهما مفتقرٌ إلى ما عند الثاني، ويكمّل نفسه بالطرف الآخر، والطرف الآخر مفتقرٌ إلى ما عند الأول ويكمل نفسه بالطرف الآخر، فصفات المرأة والرجل إما هناك انسجام، خمسة أصابع، عينان، أذنان وغير ذلك، أو هناك تكامل بين بُنية جسم المرأة والرجل، إذاً: هذا معنى قوله تعالى: ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ لو أن الإنسان ينجب طفلاً من مخلوقٍ آخر ليس من بني البشر، مثلاً هل هذا ممكن؟ يقول لك الآن: طفل أنابيب، هي عملية نقل الماء إلى رحم المرأة، يقول لك: عقل إلكتروني هذا حاسب، آلة حاسبة معقدة جداً، أما أن تقول: عقل، فلا توجد محاكمة، إذاً معنى: ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ أي أن المرأة مشابهةٌ للرجل، كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ. ))
[ سنن الترمذي عن عائشة بسند ضعيف ]
الصفات إما متوافقة أو متكاملة بين الزوجين وهذا أدعى إلى الانسجام والسكنى:
الشيء المختلف متكامل، إما أن هناك صفات متوافقة، أو صفات متكاملة، وهذا أدعى إلى الانسجام، وإلى السُّكنى، وإلى الأُنس، وإلى ما سيذكره الله عزَّ وجل في هذه الآية.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ الحقيقة ربنا عزَّ وجل يَخْلِقُ عند الإنسان حاجة ثم تُلبّى هذه الحاجة في جهةٍ ما، نحن لا نشعر، فالإنسان يأنس بزوجته ولكن مَن خلق في نفسك نقصاً وافتقاراً إلى الجنس الآخر؟ الله سبحانه وتعالى، ومن خلق فيها نقصاً وافتقاراً إلى الجنس الآخر؟ الله سبحانه وتعالى، إذاً معنى السكنى، هناك فرق بين أن تسكن فيه وتسكن إليه، أنا أسكن في هذا البيت، (في) للظرفية، أسكن فيه، أما أسكن إليه، للأشياء المعنوية، فالإنسان إذا كان في بيته ومع أهله وأولاده يشعر بالطمأنينة، يشعر بالراحة، لو سافر إلى مكانٍ بعيد ومعه أهله وأولاده يطمئن، هذا سر، وقد قيل: المرء حيث أهله، والمرء حيث رحله.
الإنسان معلق بشيئين ـ طبعاً الإنسان العادي ـ جنس الإنسان معلق بأهله وماله، أين ماله؟ إذا كان بعيداً خارج بلده أفكاره دائماً مشغولة، المرء حيث أهله، والمرء حيث رحله، إذاً: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ أي أن نِعَم الله كثيرة، نِعم الهواء، ونِعم الماء، ونعم الصحة والأعضاء، ومن هذه النِّعم الجليلة أن الله سبحانه وتعالى خلق فيك هذا النَقْصَ الذي لا تتممه إلا المرأة، وخلق فيك هذا الافتقار الذي لا يُسكِنه إلا المرأة، لو أن الآية: أن الرجل عنده افتقارٌ إلى الجنس الآخر، والجنس الآخر ليس عنده افتقارٌ إلى الرجل، الحياة لا تقوم، الحياة تفسُد، تصبح الحياة شقاءً، إنسان بحاجة إلى الإنسان الآخر، والثاني ليس بحاجة إليه، مستغنٍ عنه، لولا أن الله عزَّ وجل جعل في كل طرفٍ فراغاً وافتقاراً وحاجةً إلى الطرف الآخر لمَا رأيت زوجين على وجه الأرض، هذه النقطة قَلَّمَا ينتبه إليها الناس، كل طرفٍ فيه نقصٌ وافتقارٌ وحاجةٌ إلى الطرف الآخر، والطرف الآخر فيه نقصٌ وافتقارٌ وحاجةٌ إلى الطرف الآخر، فإذا التقيا كان الانسجام وكانت السكنى، سكن إليه غير سكن عنده وغير سكن فيه، سكن إليه أي ارتاح إليه، لهذا النبي عليه الصلاة والسلام أمر الخُطَّاب أن ينظروا إلى مخطوباتهم قال:
(( انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا ))
[ سنن الترمذي عن المغيرة بن شعبة ]
يجب أن تنظر إليها كي يتم هذا الانسجام وتتحقق هذه الرغبة.
(لتسكنوا إليها) هذه آية لكنها جُزء من مجموعة آيات:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ الحقيقة (لتسكنوا إليها) هذه آية؛ لكن هذه الآية جُزء من مجموعة آيات، فأن تطبقها وحدها قد لا تنجح فيها، يتممها آية ثانية:
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)﴾
[ سورة النور ]
لو الإنسان قرأ هذه الآية وحدها لقال لك: التي عندي لا تعجبني، لا أرتاح لها، مثلاً لم أحسن اختيارها، يقول لك: والله أنا لا أسكن إليها، نقول له: القرآن جُمْلَةٌ من الأحكام والأوامر والنواهي، لا يمكن أن تأخذ آيةً وحدها بمعزِل عن بقية الآيات، الله عزَّ وجل أمرك أن تغض من بصرك: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ إذا نفذت الآية الثانية ترى أن هذه الآية حقيقة فعلاً، الله عزَّ وجل مكافأةً لمن يغض بصره عن محارم الله يلقي في قلبه حب زوجته، يراها أجمل النساء، يرتاح إليها، يسكن إليها، هذه الآية من لوازمها الآية الثانية، وربنا عزَّ وجل وصف القرآن الكريم بأنه مثانيَ، أي أن كل آيةٍ تنثني على أختها فتفسرها، فمن أجل أن تكون الزوجة سكناً كما أراد الله عزَّ وجل، يجب أن تطبق الآية الثانية: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ وأطهر.
طاعة الله تخلق مودة بينك وبين أهلك:
الشيء الثاني أن الله عزَّ وجل يقول: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ معنى جعل بمعنى خلق، أُوضّح هذه الآية بالقصة التالية: أعرف رجلاً كان مقيماً في بلد عربي، يأتي كل عام شهراً إلى بلده الشام، ويحاول أن يخطب فتاةً يحبها وتعجبه، أول عام ما وفِّقَ إلى فتاةٍ تعجبه، أمضى شهراً وعاد بخُفَّي حُنَين، وعاد في السنة الثانية، والثالثة، الشيء الدقيق أنه في السنة الرابعة أو الخامسة لا أذكر، بقي الأسبوع الأول والثاني والثالث ودخل الرابع وبقي لمغادرة بلده أيامٌ عدة، إذا هو يُدَلُّ على فتاةٍ مناسبةٍ جداً له، وبالطبع خطبها أهله له، رآها أُعْجِبَ بها في اليوم الأول، عقد القران في اليوم الثاني وسافر في اليوم الثالث الساعة الثانية ظهراً إلى بلده، الذي يلفت النظر أن هذه الفتاة وهي في المطار تودِّع زوجها الذي لم يمضِ على عقد قرانهما إلا أربعٌ وعشرون ساعة بكت بكاءً مراً في المطار.
قلت في نفسي: إذا كنت أنت في المطار لحاجةٍ ما، ورأيت إنساناً يحمل محفظته ويتَّجه نحو الطائرة، هل بإمكانك أن تبكي، خذ هذه ألف ليرة وابكِ، لا يستطيع، خذ هذه خمسين ألف ليرة وابكِ، لا يستطيع، خذ مئة ألف ليرة وابكِ، لا يقدر، البكاء ليس باليد، أما هذه الفتاة بعد أربعٍ وعشرين ساعة تبكي بكاءً مراً لأن الذي خطبها البارحة اليوم مسافر، هذا من خلق الله.
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ الإنسان حينما يرى مودةً بينه وبين أهله، أو حينما ترى المرأة مودةً بينها وبين زوجها، هذه المودة من خَلْقِ الله عزَّ وجل، لا تجلبها الأموال الطائلة، ولا البيت الواسع، ولا القوام، ولا الشكل، ولا الجمال؛ ولكن يخلقها الله عزَّ وجل، فإذا كنت مطيعاً لله عزَّ وجل، الله جلَّ وعلا يخلق هذه المودة بينك وبين أهلك، أما لو لم تكن مطيعاً لله، لو وفَّرْتَ كل شيء، وفّرت الأموال الطائلة، وفّرت البيوت الفاخرة، وفّرت المركبة الفارهة، سخرت كل علم النفس من أجل أن يميل أهلك إليك، لن تستطيع أن تحدث هذه النتيجة.
الحب حالة نفسية تمثل بالمودَّة التي تعبِّر عنها:
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ ما هي المودة؟ في رأي بعض المفسرين: المودة أثر من آثار الحُب، إن كان هناك حبٌ بين الزوجين تجسَّدَ هذا الحب بالمودة.
ملاحظة أخرى من ملاحظات الإيمان، الزوجان المؤمنان ينمو حبهما نماءً مُتَّسِقَاً مع الأيام، أما زواج أهل الدنيا قد يبدأ بحبٍ جارف وقد يفتر هذا الحب إلى أن يقع الخلاف، والشقاق، والجفاء، والبُغْض، إلى أن يقع السُّباب والشتائم، إلى أن يقع الكيد، إلى أن ينتهي بالطلاق، لذلك الزواج الذي يُبْنَى على طاعة الله عزَّ وجل يتولّى الله التوفيق بين الزوجين، ويخلق الله بحكمته البالغة هذا الحب بين الزوجين.
إذاً: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ السُّكْنَى هنا إذاً وجود افتقار عند كل طرف ونقص وحاجة يملؤهُ الطرف الثاني، ولو أن هذا الأمر بقي على شكل طرفٍ واحد، لأصبحت الحياة تعيسةً جداً، ولكن كِلا الطرفين مفتقرٌ إلى الآخر، أنا حينما أكون في بعض عقود القِران أدعو بهذا الدعاء: "اللهم اجعل كلاً منهما قرة عينٍ للآخر"، أي أن يكون الزوج قرة عينٍ لزوجته، وأن تكون الزوجة قرة عينٍ لزوجها، أن يرتاح الإنسان مع أهله، وسر هذا التوفيق هو طاعة الله عزَّ وجل، غض البصر يؤدِّي إلى هذا الحب، وهذا الحب يُجَسَّد بماذا؟ بالمودة، الكلمة اللطيفة، اللفتة اللطيفة، الإكرام، الإطعام، إدخال السرور، الثناء، الشكر، هذه كلها مودة أساسها الحب، والكلمة القاسية، واللفتة القاسية، والعبارة القاسية، والاشمئزاز، والبُعْد، هذا جفاء أساسه البُغض، البغض حالة نفسية تُمثَّل بالجفوة الخارجية، والحب حالة نفسية تمثل بالمودَّة التي تعبِّر عنها.
الله تعالى خلق المودة والرحمة معاً في قلب الإنسان:
إذاً معنى مودة كما جاء في بعض التفاسير: ما يجسد الحب الذي يقع بين الزوجين، وهذا من آيات الله عزَّ وجل. سُئْل النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَن أعظم الرجال حقاً على المرأة؟ قال: زوجها ))
[ الجامع الصغير عن "عائشة " بسند فيه ضعف ]
الفتاة قبل الزواج انتماؤها، وولاؤها، وحبُّها، واعتزازها بأبيها، فإذا جاء الزوج، ولاؤها، وحبها، وانتماؤها، واعتزازها، واهتمامها، لزوجها، بين عشيةٍ أو ضحاها، وهذا من سِرِّ الله عزَّ وجل في خلقه.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً﴾ فقط مودة، فإذا كبرت سنها انصرف عنها، فإذا مرضت مرضاً يمنعه من أن يسكن إليها انصرف عنها، لا، فربنا عزَّ وجل قال: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ لو أنها مرضت، لو أنها كبرت، يخلق الله في قلب الرجل إلى جانب المودة الرحمة، الرحمة أن تبادر إلى مَسْحِ الجراح، إلى مسح الألم، إلى إنقاذ الإنسان من ورطة، أي أنها مشاعر داخلية لا تحتمل رؤية الشقاء البشري، إذا كان الطفل جائعاً فرضاً، أو زوجة متألمة جداً، الرجل بحسب الآية يجب أن يبادر إلى معالجتها، إلى إكرامها، وكذلك المرأة، إذاً كلام ربنا دقيق جداً، ليست قضية مودة ورحمة، هذه مترادفات، لا، ليست مترادفات، كلام خالق الكون موزون وزناً دقيقاً جداً.
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ المودة إن كانت في صحةٍ طيبة، وإن كانت في أبهى زينة، وإن كان زوجها قوياً، غنياً، مقتدراً، بينهما المودة، المودة تعبيرٌ عما بينهما من حبٍ أودعه الله في قلبيهما بناءً على طاعتهما لله عزَّ وجل؛ لكن هناك أعراض، هناك أمراض، هناك كِبَر، هناك عاهات، هناك أمراض عُضالة، هناك مُشكلات، لو أن الله عزَّ وجل خلق المودة فقط هذه لا تكفي في بعض الحالات، خلق المودة والرحمة معاً.
نصيحة أم لابنتها قبل زواجها:
له منظر لا يحتمل، في قلب الأم رحمة، تنشأ الرحمة فتسعى إلى معالجته، وتطبيبه.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ كما أن الشمس والقمر آيتان، كما أن الليل والنهار آيتان، كما أن منامكم بالليل والنهار آيتان، كما أن البَرْقَ والرَعْدَ آياتٌ من آيات الله عزَّ وجل، كما أن تقوم السماء والأرض بأمره: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ امرأة نصحت ابنتها، قالت: "يا بنيتي إن الوصية لو تُركت لفضل أدبٍ تركت لذلك منك، ولكنها تذكرةٌ للغافل ومعونةٌ للعاقل، ولو أن المرأة استغنت عن الزوج لغِنَى أبويها، أو لشدة حاجتهما إليها لكنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلِقْنَ ولهن خُلق الرجال" .
تقول لها: "أي بنيتي إنك فارقت العش التي فيه درجت، وخلَّفت البيت الذي فيه نشأت، إلى وكرٍ لا تعرفيه وقرينٍ لا تألفيه، فأصبح بملكه عليكِ رقيباً ومليكاً، أي بنيتي كوني له أمةً يكن لكِ عبداً وشيكاً، خُذي عني عشر خصال تكن لكِ ذخراً وأجراً؛ الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتفقُّدُ لموضع أنفه، والتعهُّد لموضع عينه، فلا تقع عينه منكِ على قبيح، ولا يشم منكِ إلا أطيب ريح، والكُحل أحسن الحُسْنِ والماء أطيب الطيب المفقود" .
ذم الزوج أمام الأهل والجيران منافٍ للإسلام:
النظافة وحدها تقرِّب النفوس فيما بينها؛ لأن الإنسان ثبت أن لجلده رائحةً عطرة، فلو نظَّفْتَ الجلد له رائحةٌ ذاتية تغنيه عن دفع الأموال الطائلة لشراء الروائح الطيبة، والكحل أحسن الحسن والماء أطيب الطيب المفقود. ثم تقول هذه الأم لابنتها:
"وإيَّاكِ والترح إن كان فرحاً والفرح إن كان تَرِحَاً، فإن الأولى من التقصير والثانية من التكدير، وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً يَكُن أشد ما يكون لكِ إكراماً، وكوني أشد ما تكونين له موافقةً، يكن أطول ما يكون لكِ مرافقةً، واعلمي أنه لن تصلي إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت أو كرهت، والله يُخَيِّرُ لكِ" .
أي أن الإسلام لا ينفصل، نظام متكامل، فبيتك؛ هذا البيت يجب أن يكون إسلامياً، يجب أن تأتي مواصفاته كما جاء في القرآن الكريم وإلا لست مؤمناً، مستحيل، ربنا عزَّ وجل يقول: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ فأية امرأةٍ تَذُمُّ زوجها بين أهلها، وبين صديقاتها، وبين جيرانها هذه امرأةٌ ليست مؤمنةً بالمعنى الذي جاء في هذه الآية، أين المودة؟ إنني أكره المرأة كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( إني لأبغضُ المرأةَ تخرج من بيتِها ، تجرُ ذَيْلَها ، تشكو زوجَها ))
[ الجامع الصغير بسند ضعيف ]
وقال:
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ. ))
[ مسند أحمد عَنْ ثَوْبَانَ ]
كل شيء خلقه الله له وظيفتان وظيفة نفعية ووظيفة استدلالية:
إذاً هكذا الزواج وهكذا البيت المسلم، مودةٌ أساسها الحب، وحبٌ أساسه الطاعة، تطيع الله عزَّ وجل فيخلق الله بينك وبين أهلك الحب، الحب يظهر على شكل مودَّة، إن كان هناك مشكلة؛ مرض لا سمح الله، عَجْز، شيء طارئ، شيء يحول بينك وبين أن تكون المودة فهناك الرحمة، إما أن تكون ودوداً، وإما أن تكون رحيماً، لأن الله عزَّ وجل قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)﴾
[ سورة النحل ]
إن لم يسعك العدل، يسعك الإحسان.
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ زواجك آية من آيات الله، يجب أن تتأمل فيها، يجب أن تفكر أن الله عزَّ وجل كل شيء خلقه له وظيفتان، هذه الفكرة أقولها كثيراً، الزوجة لها وظيفة، لها وظيفة أنك تسكن إليها، وبينك وبينها مودةً ورحمة، تنجب لك الأولاد، وتعينك على أمر دينك وعلى أمر دنياك، انتهت وظيفتها؟ لا والله، بقيت وظيفتها الأهم، أن هذه الزوجة دليلٌ لك على الله عزَّ وجل، لأنها من آياته، إذاً أي شيء الله عزَّ وجل خلقه له وظيفة نفعية، وله وظيفة استدلالية، بها تعرف الله، وبها تشكره، لذلك ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)
[ سورة النساء ]
رد الفعل على نِعَمِ الله نوعان؛ شكرٌ ومعرفة، بما أن الكون ومن ضمن الكون الزوجة، بما أن الكون قد سُخِّرَ لهذا الإنسان تسخير تعريفٍ وتكريم، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت فقد حققت الهدف من وجودك، إذا آمنت وشكرت، أن تؤمن بالله وأن تشكره، إن كنت كذلك: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ .
الاختلاط يفسد العلاقات الزوجية:
الآن كل ما قيل في شأن الزوج والزوجة لو عُكِسَت الآية فالمعنى صحيح، أيَّةُ زوجةٍ ومن آيات الله لها أن هذا الزوج مخلوقٌ من طبيعةٍ مشابهةٍ لها، من آيات الله الدالة على عظمته لها أن بينهما مودةً ورحمة، فليست الآية خاصة بالرجال، بالمناسبة كلمة زوج تعني الزوج والزوجة، وزوج جَمْعُها أزواج والأزواج هم النساء، إذاً ما قيل من نعمٍ ساقها الله لهذا الرجل من خلال المرأة، المعاني كلها يمكن أن تقال للمرأة من خلال الرجل.
أيها الإخوة الأكارم، الفكرة الأساسية في الدرس، أن الله عزَّ وجل يصف الزواج بهذه الصفات؛ هي سكن، وبينهما مودةٌ ورحمة، والزواج آية، فكل إنسان يتفحَّص علاقاته الداخلية، إن كانت كذلك فهذه بشارة، وإن لم تكن كذلك فعليه أن يبحث عن الخَلَل، هل هناك إطلاقٌ للبصر، هل هناك معصيةٌ تستوجب أن تكون البغضاء والشحناء بين الزوجين؟ هل هناك مخالفةٌ من قبل الزوجة أو الزوج يقتضي أن يصبح البيت جَحيماً؟ النبي الكريم يقول لامرأةٍ:
(( فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ ))
[ مسند أحمد عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ ]
الزوج للزوجة جنتها أو نارها، وكذلك الزوجة للزوج، إما أن تسعده وإما أن تشقيه، فيجب أن يُبنى الزواج على طاعة الله عز وجل، الإنسان حينما يواجه مشكلة لا ينبغي أن يواجهها بسذاجة، واجهها في ضوء هذه الآية، لا بدَّ من خلل، ابحث عن الخلل، أي معصيةٍ في البيت، أية مخالفة؛ في العلاقات، في الزيارات، في اللقاءات، هل هناك اختلاط في البيت؟ إذا كان هناك اختلاط قد لا تكون المودة والرحمة بين الزوجين، الاختلاط يفسد العلاقات الزوجية كما يفسد الخل العسل، لأن الإنسان بشكل طبيعي وبديهي يحب الأكمل، فلو التقى مع امرأةٍ أجنبيةٍ عنه يقول: هذه أخت زوجتي مثلاً، لا يوجد أحد غريب نحن أهل، ابنة حماك غير زوجتك، فإذا الإنسان سمح لنفسه أن يختلط مع نساء أجنبيات عنه، رُبَّما أفسد هذا الاختلاط العلاقة الزوجية، عندئذٍ يقرأ الآية لا يراها منطبقةً عليه، يقول لك: أنا لست سعيداً بزواجي، أنا شقي، لا أحب زوجتي، لا أراها كما ينبغي أن تكون، ليست ملء سمعي وبصري، لأنك مخالف.
توجيهات نبوية للأزواج:
الاختلاط يفسد العلاقات الزوجية، إطلاق البصر يفسد العلاقة الزوجية، الخروج عن السُنَّة في التعامل بين الزوجين يفسد العلاقة الزوجية، اقرأ السنة، اقرأ أبحاث الزواج، اقرأ آداب الزواج، هذا شرع، هذه تعليمات الصانع، من أجل أن تنال هذا الوصف الدقيق؛ أن تكون الزوجة سكناً للزوج، وأن تكون المودة والرحمة بينهما سائدةً ابحث عن التوجيهات النبوية، النبي الكريم يقول:
(( انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ ))
[ أخرجه ابن عساكر وأخرجه البيهقى فى شعبه بسند ضعيف ]
أي يعدل الجهاد في سبيل الله، هذا توجيه نبوي لكل امرأةٍ؛ خدمتها لزوجها، ولأولادها، وحسن إشرافها على أولادها، وحسن إدارتها للبيت، وأن تكون زوجةً صالحةً هذا يعدل الجهاد في سبيل الله، هذا التوجيه، توجيه الرجال: أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً.
هذا توجيه الرجال، التوجيه الثاني:
(( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ))
[ سنن ابن ماجة عن أبي هريرة ]
(( من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا. ))
[ الديلمي عن أبي سعيد بسند ضعيف ]
الذي يُحجِم عن الزواج لأسباب مادية ليس منا، ما عرف الله عزَّ وجل، ما عرف أنه من حق المسلم على الله أن يعينه عند الزواج، ما شكا إليه رجلٌ ضيق ذات يده إلا قال له: اذهب فتزوج، إذاً يجب أن نأخذ بأقوال النبي الكريم.
التسامح و المعاشرة بالمعروف أساس الحياة الزوجية السعيدة:
يا ترى ما الذي يفسد العلاقة؟ إذا دخلت على أهلك فسلِّم عليهن، سلم، تسامح،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(19)﴾
[ سورة النساء ]
فليس المعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها بل أن تحتمل الأذى منها، وهي كذلك، فإذا طبق الزوج وطبقت الزوجة توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام سعدا سعادةً كبيرة.
(( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ))
[ صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
هذه هي توجيهات النبي الكريم، هناك توجيهات خاصة بالنساء، خاصة بالأزواج، فنحن يجب أن نعلم، هذه تعليمات الصانع، النهاية هذه الآية، إذا طَبَّقَ الأزواج والزوجات التعليمات النبوية يصبح الزواج كما وصفه الله عزَّ وجل ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الشيء الأخير أن كل شيءٍ خلقه الله لك له وظيفتان؛ وظيفة نفعية ووظيفة استدلالية، فإذا انتفعت بالشيء يجب أن تشكر الله، وإذا كان هذا الشيء دليلاً لك على الله يجب أن تعرفه، فإذا كنت في طريق المعرفة والشكر أغلب الظن أن الله عز وجل لا يعذبك ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.