- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (030)سورة الروم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأفضل التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم مع الدرس العاشر من سورة الروم.
تسعة أعشار المعاصي من كسب الرزق ومن إنفاق الرزق:
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ(39)﴾
أيها الإخوة الأكارم، هذه الآية تحتاج إلى تفصيلٍ شديد، لأن تسعة أعشار المعاصي من كسب الرزق، ومن إنفاق الرزق، وكلكم يعلم قول النبي عليه الصلاة والسلام أنه:
(( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا وَضَعَهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ.))
لكل موضوع سؤال:
أولاً: هذه الآية لها معانٍ كثيرة، سأختار المعنى الأول، فهو لا يتعلق بالربا، يتعلق بأن الإنسان أحياناً، يقدِّم للناس شيئاً، هديةً، خدمةً، قرضاً، وفي نيَّته أن يأتيه منه خيرٌ كثير، فإذا قدَّم قرضاً لإنسانٍ مليء، على أملٍ أن هذا الإنسان يكافئه عليه أضعافاً كثيرة، فحينما تنتفي نية العمل الصالح، حينما تنتفي نية خدمة الآخرين، القصد أن يُعْطِي ليستفيد، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ(6)﴾
معنى "تمنن" أي إنك تعطي الناس عطاءً من أجل أن تزداد شعبيتك بالمعنى الدارج، أو من أجل أن تزداد مكانتك، أو من أجل أن تتلقى خدمات الناس، بشكلٍ أو بآخر حينما تفعل عملاً صالحاً وفي نيتك أن تزداد سمعتُك أو مكانتك، أو تزداد خدماتك، أو تزداد عُزوتك، فهذا المعنى وهذا التوجُّه مرفوضٌ عند المؤمنين،
وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ: من معاني الآية:
1 ـ إن كانت النية أرضية فهذا المال الذي تنفقه لا يربو عند الله:
إذاً
2 ـ من أقرض المال من أجل أن يعود عليه بربحٍ جزيل هذا هو الربا:
أريد أن أقف قليلاً عند مضار الربا، لماذا حرَّمه الشرع؟ أولاً الموضوع يحتاج إلى تأنِّي، إذا كان هناك جهات تُعطي أرباحاً جزيلةً على إقراض الأموال، لو فرضنا إنساناً يملك مليون ليرة، فأي جهةٍ تعطيه بالمئة ثمانية عشر أو بالمئة عشرين، فهذا المليون يحقِّق له دخلاً في السنة مئتي ألف ليرة، فالإنسان الذي يستثمر ماله عن طريق الإقراض الربوي، لماذا يعمل؟ لماذا الجهد؟ لماذا تحمُّل المسؤوليَّة؟ لماذا تحمُّل مجيء البضاعة، وبيع البضاعة، وإقراض ثمن البضاعة، وتحصيل ثمن البضاعة، وشَحن البضاعة، وأن تكون عُرضة للمسؤوليَّة أمام التموين، وأمام الجمرك، وأمام الماليَّة، كل هذه المتاعب مع الجهد الكبير ينتهي إذا وضعت مالك في جهةٍ استثماريَّةٍ ربويَّةٍ تعطيك عليه عشرين في المئة كل عام.
أخطار الربا على المجتمع الإسلامي:
لو أن الإنسان الذي لا يعرف الله عزَّ وجل خيَّرته بين أن يضع هذا المال في مشروع زراعي، أو تجاري، أو صناعي، وأن يتحمَّل المتاعب، وتأمين المواد الأوليَّة، وضبط المواد، وضبط الأسعار، وتحمُّل المسؤوليَّة أمام جهات حكوميَّة كثيرة جداً، وكل جهة لها عقوباتُها الرادعة، ولها ضوابطها، ولها سجنها، أو أن تضع هذا المبلغ في جهةٍ بعيدةٍ عن أعينِ الرُقباء، وأن تأخذ مالاً وفيراً كل عام، إذا سُمِحَ بالربا ما الذي يحصل؟ يُحْرَم المجتمع من كل مشروعٍ إنتاجي، هذا الشيء الطبيعي.
الماء أين يتحرَّك؟ نحو الأسفل دائماً، لو أن الماء واجهه طريق صاعدة وطريق هابطة يمشي للأسهل، هكذا طبيعة الماء، والمال دائماً يبحث عن تنميته من دون جهد، فلو سمحنا بالربا لتعطَّلت الحياة، كم من ألوف أُلوف الملايين التي تُسْتَثْمَر في بلادٍ أجنبيَّة، وبلاد المسلمين في أشدِّ الحاجة إلى هذه الأموال!! ما الذي يجعل هذه الأموال تتجه نحو الاستثمار الربوي؟ هو السهولة، أما إذا كان الربا محرَّماً في مجتمعٍ ما، ليس أمام هذه الأموال من خيارٍ إلا أن تُسْتَثْمَر في بلاد المسلمين، ولكنت عندئذٍ رأيت المشاريع الزراعيَّة، والمشاريع الصناعية، والمشاريع التجاريَّة، رأيت الخدمات، رأيت الحاجات مؤمَّنة، المواد الأوليَّة مؤمَّنة، طبعاً، لذلك أول خطر من أخطار الربا أنه يحرم المجتمع الإسلامي من الخيرات التي كان من الممكن أن يوفِّرها له هذا المال الذي في أيدي المسلمين.
أكبر أخطار الربا أنه يسهم في رفع الأسعار:
إذاً ما الذي يُسْهِم في رفع الأسعار في كل بلاد العالَم؟ وجود مؤسَّسات ربويَّة، هذه المؤسَّسات تسهم في رفع الأسعار، ماذا يعني رفع الأسعار؟ أن المال يُتداول في أيدٍ قليلة، ويُحرم منه الكَثرة الكثيرة، الأموال تتجمع في أيد قليلة، واحد يملك مليوناً، ومليون لا يملكون واحداً، إذاً متى يتمزَّق المجتمع؟ إذا أصبحت قلَّةٌ قليلة تملك آلافاً كثيرة، وكثرةٌ كثيرة لا تملك شيئاً، عندئذٍ تنشأ الأحقاد، وتنشأ المنازعات، وتنشأ الصراعات، فخالق الكون، خالق النفوس هو الذي حرَّم الربا، بالربا يُحرَم المجتمع من كل خيرٍ يجلبه له توظيف المال في مشاريع إنتاجيَّة، ولوجود الربا ما الذي يحصل أيضاً؟ يحصل أن المجتمع يصبح فئتين، فئة قادرة على كل شيء في الإنفاق؛ وفئة محرومة من كل شيء، هذه الهوَّة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء، وبين القادرين على الإنفاق والعاجزين عنه، ينشأ معه الأحقاد، والمنازعات، والصراعات.
عندما حرَّم ربنا عزَّ وجل الربا هو الخبير، هو العليم، هو الحكيم، هو الذي يعرف طبيعة النفوس، البديل هو القَرض الحسن، القرض الحسن معاونة هدفها إرضاء الله عزَّ وجل، والربا استغلال حاجة الضعيف ليربو مال الغني.
الفرق بين القرض الحسن والقرض الربوي:
الحقيقة ما الذي يحصل؟ أنك إذا أقرضت إنساناً ليعمل بهذا القرض، العلماء فرَّقوا بين القرض الاستثماري والقرض الاستهلاكي، القرض الاستهلاكي إنسان استقرض لشراء دواء، لإجراء عمليَّة جراحيَّة، لماذا استقرض؟ لأنه فقير، وفوق أنه فقير عليه أن يعيد هذا المبلغ مع فائدة، إذاً أرهقته، هو مرهقٌ في أجر العمليَّة الجراحيَّة، وفوق العمليَّة الجراحيَّة أرهقته بالفائدة، إذاً ماذا فعلت أنت؟ أنت سحقته، وازداد الغني غنىً، هذا القرض الاستهلاكي.
أما القرض الاستثماري لو أقرضت إنساناً ليتاجر، ليفتح محلاً تجارياً، هل تدري أن الربح دائماً مُحَدَّد؟ بمعنى أنه هناك منافسة، وهذه المنافسة تحدِّد الربح، أحياناً الربح يساوي الفائدة، فأنت إذا أقرضته قرضاً استثمارياً جُهْدُهُ ضاع في الفائدة لك، وبقي فقيراً، ولو طالبته برأس المال فقط بقي له ربحه فقط، لكن ربحه صار فائدةً لك، إذاً حتَّى في القرض الاستثماري أنت سحقته، سحقت صاحب القرض الاستهلاكي، وسحقت صاحب القرض الاستثماري، بالاستثمار إذا كان الربح بالمئة عشرة، تكون أنت قد أخذتهم فائدة وبقي هو بلا ربح، أخذ قرضاً وفتح محلاً واشترى بضاعة وباعها، هذا الجهد يُترجم بربح بالمئة عشرة، أو عشرين، فأنت فائدتك لهذا القرض استغرقت ربحه، إذاً بقي فقيراً، أما لو أنك طالبته برأس المال فقط، وأصبح الربح له، اغتنى، وإذا اغتنى أصبح مصدراً لإنعاش الآخرين.
شيء عجيب جداً كيف أن القرض الحسن يشيع الغنى بين الناس، والقرض الربوي يشيع الفقر فيهم، القرض الربوي يسحق الناس جميعاً، من استقرض قرضاً استهلاكياً، ومن استقرض قرضاً استثماريَّاً كلاهما مسحوق، أما القرض الحسن الذي أمر الله به يشيع الغنى بين الناس، إن أقرضته لعملٍ إنساني عليه أن يعيد أصل المال فقط، وإن أقرضته لعملٍ تجاري عليه أن يعيد أصل المال، في كلا الحالين بقي فيه نفس، بقيت فيه بقيَّة، بقي فيه رَمَق، أما إذا أقرضته قرضاً ربوياً أكلت جهده، وأكلت تعبه، وجعلته فقيراً، وجعلته عالةً على الناس.
ليس في القرآن الكريم كله آيةٌ توعَّدت العصاة بحربٍ من الله ورسوله كآية الربا:
إذا حينما تريد أن تعرف لماذا حرَّم الله الربا؟ لأن الربا يمزِّق المجتمع، يبدو أن كل معصيةٍ عقابها على قدر ضررها، بما أن الربا يُفَتِّت العلاقات في المجتمع كلِّه، ويجعل المجتمع طبقتين؛ طبقة فقيرة وطبقة غنيَّة، طبقة مسحوقة وطبقة ساحقة، طبقة لا تملك شيئاً وطبقة تملك كل شيء بسبب ارتفاع الأسعار، وتجمُّع الأموال في أيدٍ قليلة، لأن الربا يشيع ضرره في المجتمع كلِّه، لذلك جاء تحريمه شديداً، وما في القرآن الكريم كله آيةٌ توعَّدت العصاة بحربٍ من الله ورسوله كآية الربا:
﴿
حرب من الله ورسوله، لأن الربا نتائجه تَعُمُّ المجتمع كله، فشرب الخمر، تعود نتائجه الخبيثة على شاربه، أما الزنا على الزاني وعلى المَزْنِيّ بها، يوجد طرف ثانٍ، أما الربا على المجتمع بأكمله، لذلك ورد في بعض الأحاديث أن:
(( دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً. ))
كلما ازداد الخطر ازداد الإثم، كلما اتسع نطاق الأذى اتسع الجُرم، الذي يقتل إنساناً يحاسَب كمن يقتل خمسة؟! طبعاً.
ربنا عزَّ وجل عندما حرم الشيء حَرَّمَ أصله:
يا أيها الإخوة الأكارم عندما قال ربنا عزَّ وجل:
مثال آخر: مثال مُبَسَّط جداً يوضح الأمر، لو صاحب سيارة، قال لإنسان: خذ هذه السيارة وأعطني كل يوم ألف ليرة، ما الذي يحصل؟ أن سائق السيارة قد يكون هناك فترة من الوقت لا يوجد فيها عمل، لا يوجد ازدحام، في عُطَل رسمية، يُظلَم بهذا العمل، لأنه كلَّفه بمبلغ فوق طاقته، وإذا جاء سائق السيارة وأعطى صاحبها مبلغاً زهيداً جداً فقد ظلم صاحبها، لو كان الربح بينهما، لا تَظلمون ولا تُظلمون، ما الفرق بين الشراكة وبين الربا؟ الشريك في الربح والخسارة، إذا أنت أقرضت إنساناً مبلغاً ولك ربحٌ ثابت فهذا هو الربا، أما إذا أقرضت إنساناً ليعمل بالمال، فأنت شريك بالمال وهو بالجهد، ربح مئة مناصفة، خمسين مناصفة، ألف مناصفة، يوجد رحمة، يوجد عدل، إذاً هذا الذي يختار طريق الربا، طريق استثمار أمواله بالربا، فأُناس كثيرون الآن، مسلمون، يقول لك: شَغِّل لي هذا المبلغ، 100 ألف، وأريد عليهم 2000 بالشهر ربحاً ثابتاً حلالاً، من هذا الذي قال لك حلالاً؟ حينما يثبت الربح صار الربا، إن كان ربح أكثر ظلمك، وإن رَبِحَ أقل ظلمته، أما إذا قلت: الربح بيني وبينك مناصفةً، انتهى الأمر، أصبح هناك عدل، وأصبح هناك رحمة، الفرق بالضبط بين قرض ربوي وبين قرض مضاربة.
كل قناة حرمها الله عزَّ وجل يقابلها قناة نظيفة طاهرة:
الواقع الآن أن هناك بعض الأشخاص نساء مثلاً، ورجال متقدمون في السن، إنسان نشأ في وظيفة معينة، لا يعرف أن يعمل غيرها، معه فائض مالي، ما الذي يعمل به؟ إما أن يستثمره بالربا في بنوك، بمؤسسات ربوية، وإما أن يقرضه ضِراباً، أي مضاربة، أن يستثمره في جهات استثمارية شرعية، لكن إذا أقرضه أخذ ربحاً قليلاً فقد ظُلِم، وإذا فرض على المستثمَر ربحاً باهظاً ثابتاً فقد ظَلَمَهُ، فالذي يأخذ بالعَجَب أن أُناساً كثيرين جداً ومسلمين، ويصلون في المساجد يستثمرون أموالهم عند تُجار، أو عند معامل، يفرض عليه ربحاً ثابتاً، أريد على هذه المئة ألف، أريد ألفين كل شهر، هل يعجبك هذا؟ قد يكون التاجر ضعيف النَفْس، أو ضعيف المعلومات، أو ضعيف الإيمان، أو بضائقة شديدة فيقبل ذلك، فالذي قبل وقع في الربا، والذي أجبر أوقع في الربا، حينما يكون الربح ثابتاً فقد دخلت في متاهة الربا.
مثل آخر، قلت له: أريد ألفين بالشهر، ظلمته، لم يستطع أن يجني الألفين، أعطاك ربحاً قليلاً فقد ظلمك، فإذا كان كما سَنَّ الشرع لنا المضاربة أو القِراض كلاهما بمعنى واحد، أي استثمار المال من جهة، والجهد من جهة، والربح بينهما، هذه عمليةٌ مشروعةٌ أثابها الشرع فكل شيء تراه محرماً له بديل محلل، كل قناة حرمها الله عزَّ وجل يقابلها قناة نظيفة طاهرة، إذاً:
﴿
أيها الإخوة الأكارم، هذه الآية من أدق الآيات، خُذ يا محمد، الخطاب الآن موجَّهٌ لا إلى النبي بوصفه نبي، بل موجهٌ للنبي بوصفه ولي أمر المسلمين، إذاً: أيّ ولي أمر مسلمين عليه أن يأخذ الزكاة، الزكاة تؤخذ ولا تُستجدى، سيدنا الصديق قاتل مانعي الزكاة لأنها حق الفقير.
أفضل أنواع الزكاة ما قلبت المستجدي إلى منتج:
إذاً ماذا طهَّرت الزكاة؟ طهرت الفقير من ماذا؟ من الحِقد، من الغضب، من الحِرمان، من التَوَتُّر، ألم يقل الإمام عليٌ كرم الله وجهه: "كاد الفقر أن يكون كفراً".
كم من طلاقٍ تمَّ بسبب الفقر؟ كم من أذىً وقع بسبب الفقر؟ كم من جريمةٍ ارتُكبت بسبب الفقر؟ فإذا دفعت مال الزكاة للفقير طهّرت الفقير من الحقد ومن غليان الحِقد، من الثورة الداخلية، من الشعور بالحِرمان، من الشعور بأنه دون المجتمع.
وإذا أدَّى الغني زكاة ماله، يطهر من ماذا؟ يطهر من الشُّح، من البُخل، من الأثَرَة، من أن يُحِسَّ أنه فوق المجتمع، لكن وإذا أدى الغني زكاة ماله، المال يطهر من ماذا؟ المال يطهر من تعلُّق حق الغير به، إذاً كلمة:
مرةً ثانية، أفضل أنواع الزكاة ما قلبت المستجدي إلى منتج، وإلى دافع للزكاة، أما تعطيه شيئاً لا يفعل معه شيئاً، بِمَنٍّ وغطرسةٍ واستعلاءٍ، ليست هذه هي الزكاة، بلطفٍ وأدبٍ وحياءٍ وسترٍ وتواضعٍ وشعورٍ أنه فضَّل عليك حينما قبل زكاة مالك، فضّل عليك، لأنه إذا لم يقبلها ماذا تفعل؟ كان الرجل في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يسير الأيام والليالي ليبحث عن رجلٍ يقبل زكاة ماله، الأمر الذي حَمَلَ الخليفة الراشد على أن يدفع الزكاة لكل الغارمين، لمن عليهم الدين، هذه ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ فما معنى:
راقب شعور الغني حينما يدفع زكاة ماله لأسرةٍ فقيرةٍ مؤمنةٍ مستورة، هذه الأسرة تشتري أطيب الطعام، يرتدي أبناؤها أجمل اللباس، تعمُّ الفرحة والبسمة، بماذا يشعر الغني؟ يشعر بقيمته، والله معنى ذلك أنني فعلت شيئاً، أشخاص يتعهَّدون بعض العمليات الجراحية الصعبة، ينفقون أجورها، أسرة عمَّتها الفرحة، عمَّها السلام، عمّها البِشر، عمّها السرور، عمتها السعادة بفضل هذا المال الذي أنفق على مُعيلها، إذاً تزكي نفس الغني، يشعر أن الله يحبه، وأنه فعل شيئاً ثميناً، وأنه خفف المآسي عن الناس، وأنه أحلّ البَسْمَةَ محل العبوس، نمت نفس الغني.
وهذا الفقير الضعيف المُسْتَضْعَف، الذي يشعر أن الناس قد نسوه، إذا جاءته زكاة المال يشعر بقيمته في المجتمع، بخطورته، هناك من يذكرني، هناك من يعنيه أمري، هناك من يهتم لي، هناك من يساعدني، ومال الغني ينمو أيضاً.
وجوب الزكاة في كل أنواع المال وعلى جميع المسلمين:
تنمو نفس الغني، وتنمو نفس الفقير، وينمو مال الغني، كله ينمو معاً، ويطهر الفقير من الحقد، والغني من الشُحِّ، والمال من تعلُّق حق الغير به، وتجب الزكاة في كل أنواع المال، وتجب على جميع المسلمين، وتؤخَذ ولا تُعطَى، تؤخذ عنوةً ولا تُعطى، لأنها حق المجتمع، وزكاة المال تُرَمِّم الفروق الطبقية، فمعظم الناس لهم بيوت مريحة، فيها الماء، والكهرباء، والتدفئة، والأثاث الجيد، واللباس الجيد، والطعام الجيد، فهذه أعلى درجة في المجتمع، أن يتجانس أفراده، الزكاة ترمم، لذلك هناك حكمة بالغة جداً من فرض الزكاة على الأموال غير النامية مثل الورق والفضة والذهب، قال: إن حكمة الشارع من فرض الزكاة على الأموال غير النامية دفعها للاستثمار، فهذا المال إن لم تستثمره في مشروعاتٍ إنتاجيةٍ تعود بالنفع على الناس، تأكله الزكاة، كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
(( اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ. ))
اتجروا في أموالهم، فكأن الزكاة سوطٌ لاذع يُلاحق كل من يخزن ماله، إن خزنته فسوف يُستهلَك بعد أربعين عاماً، فينتهي، أما إن استثمرته، فقد حفظت أصله ونفعت الناس به.
استثمار مال اليتيم لصالحه:
جاء في بعض التوجيهات القرآنية:
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا
لم يقل لأوصياء اليتامى ارزقوهم منه، قال:
المعنى الثاني: إذا أقرضت الناس مالك قرضاً ربوياً ليربو عند الناس، فلا يربو عند الله
دافع الزكاة لا يتلَفُ ماله في بَرٍ ولا في بحر:
(( ما تلف مالٌ في برٍ ولا بحرٍ إلا بحبس الزكاة. ))
فإذا أردت صَون مالك، ونماء مالك، ونماء نفسك، وأن يحبك الفقير فأدِّ زكاة مالك.
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.