الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم في حلقةٍ جديدة من برنامجكم أيَّام الله.
العيد في الإسلام مظهرٌ من مظاهر الفرح بفضل الله ورحمته، وفرصةٌ عظيمةٌ لصفاء النفوس، ووحدة الكلمة وتجديد الحياة، وهو لا يعني أبداً الانفلات من التكاليف، والتحلُّل من الأخلاق والآداب، بل لا بُدَّ فيه من الانضباط بالضوابط الشرعيَّة والآداب المرعيَّة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يخرج في العيدين مع أصحابه رضي الله عنهم رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، وكان ابن مسعود يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
للحديث عن العيد وآدابه، تأتيكم هذه الحلقة والتي يُسعُدنا ويُشرّفنا أن نستضيف فيها فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي، أهلاً وسهلاً بفضيلتكم، وتقبَّل الله طاعتكم، وعيدكم مُبارك.
بارك الله بكم، ونَفَع بكم، وجعل أعمالكم في ميزان حسناتكم.
آمين يا رب آمين، كما يُسعدنا مشاهدينا الكرام أن نستقبل أسئلتكم واستفساراتكم على رقم الواتس الذي يظهر على الشاشة، بدايةً فضيلة الدكتور شرف كبير أن أكون بصحبتك الكريمة، وحضرتك منذُ فترةٍ طويلة لم تظهر على شاشات التلفاز، ومنذُ بداية رمضان وأسئلة كثيرة تَرِد إلينا تسأل عنك وعن صحتك، فلو في البداية تُطمئن الجمهور عليك فضيلة الدكتور.
والله من فضل الله تعالى وحده، الأشياء كلها وضعها طبيعي جداً، والسلبيات شبه معدومة، هذه حقيقة أُقدّمها لكم كي تطمئنوا، وأُطمئن نفسي أنا أيضاً.
الحمد لله، أدام الله عليك الصحة والعافية فضيلة الدكتور.
فضيلة الدكتور ما المعاني التي يحملها التكبير، ولماذا يقول المسلم في صبيحة العيد الله أكبر؟
افرح إذا عرفت الله، افرح إذا فهمت كلام الله، افرح إذا جوارحك مُنضبطة بالشرع الإلهي، افرح إذا غضضت بصرك، افرح إذا صُنت أُذُنك عن الحرام، افرح إذا يدك بالخير، افرح إذا كان المسجد مكان أمنك وسعادتك، افرح إذا كنت طالب عِلم، افرح إذا كنت على شيءٍ من العِلم يزيد إيمانك، افرح إذا كان عقلك مُستنيراً بنور الوحيين، الكتاب والسُنَّة، افرح إذا كان عملك مستقيماً، افرح إذا كان بيتك مسلماً، افرح إذا كانت الزوجة صالحةً مُصلِحةً، تصون نفسها وتصونك، افرح إذا كانت عائلتك مُنضبطة بشرع الله، هذه الأفراح نتوجها بفرحة العيد وتكبيراته، التي تُعبِّر عن امتنانك لله على هدايته وتمام فضله.
نقول الله أكبر طاعته أكبر من كل شيء، رضوانه أكبر من كل شيء، الإقبال عليه أكبر من كل شيء، فأيُّ شيءٍ إذا حال بينك وبين طاعة الله، ينبغي أن تركله بقدمك، لأنَّ الله أكبر، أمَّا إذا قيلت على حقيقة مُراد الله منها، فسوف تفعل العَجب العُجاب، وتصنع الفارق في حياة المسلم، هذه المواقف العظيمة، التي أظهرها هنا الصحابة، ما كانت إلا من خلال فهمهم لهذه الكلمة على حقيقتها، والذي أوصلهم إيمانهم بها أن يدخلوا مشارق الأرض ومغاربها، فاتحين بالرحمة والعدل والإيمان، مُعلّمين الناس الخير، بينما لو أنَّ الصحابة رضوان الله عليهم، فهموا الله أكبر، كما نفهمُها نحن اليوم، والله الذي لا إله إلا هو، لَمَا خرَج الإسلام من مكة المُكرَّمة، ولمَا بلغ هذا الدين، ما بلغ الليل والنهار، كما تنبأ عليه الصلاة والسلام.
بارك الله بك فضيلة الدكتور على هذا الاستهلال الجميل، والإجابة الوافية لكلمة الله أكبر، لكن فضيلة الدكتور، ما الحكمة من أنَّ الله تعالى، جعل عيدَي المسلمين، عيد الفطر عَقِب الصيام وعيد الأضحى عَقِب الحج، يعني الأعياد بعد الطاعات؟
الحقيقة أنَّ الصيام ينتهي بعيد الفطر، كأن هذا العيد فرح بطاعة الله، فرح بالتزام منهج الله، فرح بإنفاق المال، فرح بصلة الرحم، العبادات التي أوكِلت إلينا، أديّناها في رمضان فكان الفرح، والفرح المشروع هكذا، اصطَلح مع الله، تاب توبةً نصوحة، لذلك في رمضان كنت تغضُّ البصر، ينبغي أن تبقى عينك تغضُّ عن المحارم بعد رمضان، في رمضان لا شكَّ أنك ضبط لسانك، ينبغي أن يبقى هذا الضبط مُستمرّاً إلى نهاية الدوران، في رمضان صلّيت الصلوات الخمس في أوقاتها، وفي المسجد هذه طاعة، وهذا إنجاز، ينبغي أن تستمر فيه بعد رمضان، الإنجازات التعبُّدية، والإنجازات التعاملية، التي حققتها في رمضان ينبغي أن تستمر بعد رمضان.
دققوا: أمَّا هذا الذي يعود بعد رمضان، إلى ما كان قبل رمضان، والله الذي لا إله إلا هو، هذا لم يفقه من حقيقة الصيام شيئاً، إنه كالناقة، عَقَلها أهلها فلا تدري، لا لِما عُقَلت، ولا لِما أُطلِقت، النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ ، فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك ، فقال : أتاني جبريلُ ، فقال : رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ))
[ أخرجه البزار والطبراني والشجري ]
إن لم يُغفَر له فمتى؟!
رمضان دورةٌ مُكثّفة، دورةٌ استثنائية، من أجل نقلةٍ نوعية، تستمر إلى ما بعد رمضان، شُرَع الصيام ليكون هذا الشهر نقلةً نوعيةً تستمر، ويأتي رمضان ثانٍ، ومعه نقلةٌ نوعيةٌ تستمر، ويأتي رمضان ثالث، ومعه نقلةٌ نوعيةٌ تستمر، وهكذا يتدرج المؤمن في سُلَّم الارتقاء، ليكون صالحاً في نفسه، مُصلِحاً لمجتمعه، التوبة تتطلب إزالة كافة العقبات السلوكيَّة من حياة التائب، كل معصيةٍ هي عقبةٌ كؤود على هذا الطريق، البُعد عن كل مالٍ حرام، البعد عن الرِبا، البُعد عن مقدّمات الزِنا، الامتناع عن الغش، وعن النميمة، عن الاختلاط، عن فُحش الكلام، فالذي يرغب بالتوبة، عليه أن يُزيل هذه العقبات، واحدةً واحدة، وإلا فهذه العقبات تبقى عقبةً كأداء، تَحُول بينه وبين التوبة إلى الله، وقطف ثمارها اليانعة.
المذيع:
فضيلة الدكتور في موضوع التوبة ما أهمية الصُحبة في موضوع التوبة، لأن حضرتك كما تعلم في هذا الزمن وفي كل زمن، يعني هناك صُحبة حول الشاب أو الشابَّة، تدفعه إمَّا إلى طريق الهدى، أو إمَّا إلى طريق الضلال، فإذا أراد أن يتوب إلى الله عزَّ وجل، مِمَا كان عليه فماذا يفعل في صُحبته؟
ثمرة الصوم التقوى وهي خير ميراث بعد رمضان:
الدكتور محمد راتب النابلسي:
الحقيقة قال سليمان ابن عبد الملك لأبي حازم: << يا أبا حازم كيف القدوم على الله عزَّ وجل؟ فقال يا أمير المؤمنين: أمَّا المُحسنُ فيكون كالغائب، لا يأتي أهله فَرحاً مسروراً، وأمَّا المُسيء كالعبد الآبق، يأتي مولاه خانقاً محزوناً>> ، طوبى لمن أحسن في الصيام، وأحسن في القيام، وأحسن في تلاوة القرآن، وويلٌ لمن نام على كل ذلك، ويلٌ لمن صام عن الحلال، وأفطر على الحرام، لا سمح الله ولا قدَّر.
أيُّها المسلمون: رمضان انتهى، وهو يُعلِن فينا أنه لا شقاء مع القرآن
﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ (2)﴾
رمضان انتهى، وهو يُعلِن فينا أنه لا شقاء مع الدعاء، على لسان سيدنا زكريا، يقول الله عزَّ وجل:
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)﴾
بل أقرب ما يكون الربُّ من عبده ساعة الدعاء، خاصةً في السجود، قال تعالى في أعقاب آيات الصيام:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾
رمضان انتهى، وهو يُسبغ علينا من نفحاته، ويُصلي علينا من رحماته، ويغمرنا بشفاعته وحكمته وبيانه.
انتهى رمضان وهو يُعلِن فينا أنَّ التقوى هي ثمرة الصوم
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
والتقوى أن يجِدك الله حيث أمرك، وأن لا يجِدك حيث نهاك، التقوى أن تجعل بينك وبين النار سِتراً، بطاعة الله لا بمعصيته، بشكر الله لا بكُفره، بالإخلاص لله لا بشِركه، رمضان يكاد ينتهي، وهو يُعلِن فينا أنَّ تقوى الله هي خيرُ لباس.
﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)﴾
رمضان انتهى وقد يُعلِن فينا أنَّ تقوى الله هي خيرُ ميراث.
﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا (63)﴾
رمضان انتهى، وهو يُعلِن فينا أنَّ التقوى لله هي خيرُ زاد.
﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)﴾
رمضان انتهى، وهو يُعلِن فينا أن تقوى الله هي خير وصيَّة.
﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)﴾
رمضان انتهى، وهو يُعلِن فينا أنَّ تقوى الله هي خيرُ تَركةٍ تتركها لأولادك وأحفادك من بعدك.
﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)﴾
نعم، لكن ذلك طريق لبلوغ التقوى وزيادة الإيمان
﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)﴾
دخل مُعاقل بن سليمان رحمه الله على المنصور رحمه الله، يوم بويَع بالخلافة، فقال له المنصور: << عِظ لي يا مُعاقل، فقال: أعِظُك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال: بما رأيت، قال: يا أمير المؤمنين إنَّ عمر بن عبد العزيز أنجب أحدى عشر ولداً، وترك ثمانية عشر ديناراً، كُفَّن بخمسة دنانير، واشتُري له قبر بأربعة دنانير، ووزع الباقي على أبنائه، وهشام بن عبد الملك أنجب أحدى عشر ولداً، وترك نصيب كل ولدٍ من التَرِكة ألف ألف دينار- يعني مليون- والله يا أمير المؤمنين، لقد رأيت في يومٍ واحد، أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدّق بمئة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أبناء هشام يتسوَّل في الأسواق، وقد سأل الناس عمر بن عبد العزيز، وهو على فراش الموت، ماذا تركت لأبنائك يا عمر؟ فقال: تركت لهم تقوى الله فإن كانوا صالحين، فالله تعالى يتولى الصالحين، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يُعينهم على معصية الله>> .
اعلموا أنه ليس بينكم وبين أن تَروا من الله ما تُحبون، إلا تعلموا فيما بينكم وبين خلقه ما يجب أن يكون، وحين إذٍ لا تَعدِمون بِره، ولا تفتقدون خيره، ويُنجِز لكم وعده، ومن جعل لنفسه حظّاً من حُسن الظن بالله، فقد رَوَّح عن نفسه، وكفاه الله كل مؤنة، فصِلوا الذي بينكم وبين ربِّكم بخدمة خلقه، وبِرِّ عباده، والتودد إليهم، يكشف الله تعالى ضُرَّكم، وينصركم على عدوكم، ويُعظِم لكم أجراً.
المذيع:
فضيلة الدكتور السُنَّة في العيد هي الفرح، ونفرح بالعيد ولكن أهلنا في غزَّة يُعانون الجوع والحصار والقصف، ما رسالتكم لأهلنا في غزَّة خلال هذا العيد؟
كيف أثّرت أحداث غزَّة في العالم كله؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
صَدِّق ولا أُبالغ، أحداث غزَّة لها أثر في العالم كله، فئةٌ قليلة مُطيعةٌ لله، لا يملكون طائرات، ولا مُدّرعات، ولا شيء من هذا القبيل، ومع ذلك حتى الآن وقد مضى مدةٌ طويلةٌ جداً، ولم يحقّقوا من أهدافهم ولا هدفاً واحداً، إذا كان الله معك فمَن عليك، وإذا كان عليك فمَن معك، و يا ربِّ ماذا فقد مَن وجدك، وماذا وجد مَن فقدك؟ يعني كلام دقيق، أول جيش في المنطقة، رابع جيش في العالم، ومع ذلك لأشهُرٍ عديدة، لم يتمكن أن يُحقق شيئاً،
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾
إذا كان الله معك فمَن عليك، وإذا كان عليك فمَن معك، و يا ربِّ ماذا فقد مَن وجدك، وماذا وجد مَن فقدك؟
الدخول في الإسلام ثمانِ أضعاف الآن، لماذا؟ لأنهم رأوا شيء لا يُصدَّق، أقوى جيش بالمنطقة، رابع جيش بالعالم، العالم كله معه، شرقاً وغرباً وجنوباً، ومع ذلك لم يُحقّق في أشهُرٍ عديدة شيئاً من أهدافه، إذا كان الله معك فمَن عليك، وإذا كان عليك فمَن معك، و يا ربِّ ماذا فقد مَن وجدك، وماذا وجد مَن فقدك؟
المذيع:
بارك الله بك دكتور محمد، دكتور محمد نحن نُهنئ بعضنا بعضاً، بتقبّل الله طاعتكم، السعي إلى القبول، والدعوة بقبول الطاعات، ما علامات قبول الطاعة وهي الصيام؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
صدِّق ولا أُبالغ، ولعلّها كلمةٌ هي الحقيقة، وقد تكون الحقيقة المُرّة، أفضل ألف مرّة من الوهم المريح، إذا عاد الإنسان بعد رمضان، إلى ما كان قبل رمضان، لم يُحقّق الهدف الذي أراده الله من رمضان، لذلك رمضان نقلة نوعيّة مُتصاعدة دائماً، فإذا عاد الإنسان بعد رمضان إلى ما كان قبل رمضان، لم يحقّق هذا الهدف أطلاقاً، فلا بُدَّ من ضبط الدخل، والإنفاق، والشاشة، والسهرات، واللقاءات، والسفر، والرحلات، هذا شيء دقيق، منهج الله يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان، من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج تفصيلي، عندنا عبادة شعائرية، صلاة، صوم، حج، زكاة، نطق بالشهادة، أمَّا العبادة التعاملية، هي الأصل في كسب نتائج العبادة الشعائرية، الدخل، الإنفاق، السهر، اللقاءات، كسب المال، إنفاق المال، هذا كله يجب أن يكون وفق منهج الله.
فلذلك من هو الله؟ هو الصانع، تعليمات الصانع ينبغي أن تُنفَّذ، إنسان اشترى مركبة جديدة، تألق مصباح أحمر اللون على صفحة الإشراكات، فإذا فهمها تألق تزيّيني احترق المحرك، أمَّا إذا فهمها تألق تحذيري انتهى الأمر، فهو الله عزَّ وجل خالق كل شيء، بيده كل شيء، خلقنا ليرحمنا
﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)﴾
فأرجو الله عزَّ وجل أن يكون هذا اللقاء، لقاءً حافزاً لنا جميعاً، أن نصطلح مع الله، وأن نعود إلى الله، وأن نُطبِّق شرع الله، فهذا هو النجاح والفلاح والتفوّق.
المذيع:
بارك الله بك، فضيلة الدكتور التحدّي دائماً الاستمرار على الطاعة وعلى الاستقامة بعد رمضان، كيف يمكن للإنسان أن يستمر على الاستقامة والطاعة بعد رمضان وما المُعينات على ذلك فضيلة الدكتور؟
كيف تستمر على الطاعة بعد رمضان:
الدكتور محمد راتب النابلسي:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
آيةٌ ثانية:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾
لا بُدَّ من حاضنة إيمانية، لا بُدَّ من صديق مؤمن، لا بُدَّ من سهرة مع مؤمنين، لا بُدَّ من أن نستقي مِمَن حولنا من الذين سبقونا في الإيمان، هذا الإسلام تعليمات الصانع، والإنسان حِرصاً على آلته الغالية جداً، ينبغي أن يتَّبِع تعليمات الصانع لمصلحته، فلذلك الله هو الخبير
﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
أرجو الله عزَّ وجل، أن يكون هذا رمضان عودة إلى الواحد الديَّان، الصلح مع الله، تطبيق منهج الله، ضبط الأمور التي تَتجدَّد كل يوم، البيت فيه شيء مُخالف للشريعة؟ العمل فيه شيء مُخالف للشريعة؟ أن يعود الإنسان بعد رمضان إلى ما كان عليه قبل رمضان صدّقوا ولا أُبالغ، لم يفقه حقيقة الصيام، ولا جوهر الإسلام، إنه كالناقة عقلَها أهلها ثُمَّ أطلقوها، فلا تدري لِما عُقِلت، ولا لِما أُطلِقت، هو لا يدري لِما صام، ولِما أفطر.
المذيع:
فضيلة الدكتور، بالعودة إلى غزَّة، لأنها أسئلة كثيرة تأتي في هذا السياق فضيلة الدكتور، أنَّ الكثير من الناس يشعُر بالإحباط تجاه العجز عن نُصرة أهل غزَّة، ويَرون أنهم لا يَمتلكون وسائل نُصرة أهل غزَّة، التي تواجه الإبادة، وتواجه هذه الحرب الضروس، ماذا تنصحنا فضيلة الدكتور؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
يعني الحقيقة أحداث غزَّة فيها فوائد لا تُعَد ولا تُحصى
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾
يعني كل وسائل النجاح والتفوّق عند الطرف الآخر، ومع ذلك لم ينتفعوا بها إطلاقاً، إذا كان الله معك فمَن عليك، وإذا كان عليك فمَن معك، ويا ربِّ ماذا فقد مَن وجَدك، وماذا وجَد مَن فقدك، موعظة كبيرة جداً، صدّق ولا أُبالغ، الدخول في الإسلام أصبح ثمانِ أضعاف بالعالم الغربي، هو الله، (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) ، الدين تعليمات الصانع، والإنسان حِرصه الشديد على سلامة آلته المُعقَّدة، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، يُطبِق تعليمات الصانع، رَكبت في مركبتك وتألق ضوء أحمر، إن فهمته تألقاً تزيّنياً احترق المحرك، أمَّا إذا فهمته ضوءً تحذيرياً، أوقفت المركبة وأضفت الزيت، فمن مصلحة المؤمن، وأي إنسان أن يُطبِّق تعليمات الصانع.
المذيع:
فضيلة الدكتور لا نُريد أن نُثقِل على حضرتك، وبارك الله بك، لدينا سؤال واحد فقط سنأخذه من أسئلة الجمهور، نسأله لحضرتك حتى لا نُثقِل على حضرتك.
سؤال من أخينا فريد من السودان يقول: يجتهد الناس في رمضان في الصيام والقيام وقراءة القرآن، وهذه العبادات تُصيب بعض الناس بالغرور، يشعُر بالغرور والتفاخُر فيما بينهم، والتقليل من عَمَل مَن هُم دونهم، نرجوا تقديم النصيحة لهؤلاء حتى لا تُحبَط أعمالهم.
الشرك الخفي هو أن يُصاب الإنسان بالغرور بعد فعل الطاعات:
الدكتور محمد راتب النابلسي:
والله الذي لا إله إلا هو، المؤمن متواضع أولاً، والمؤمن يَعزو نجاحه إلى الله عزَّ وجل، ما دام يعزو هذا النجاح إلى الله، أمَّا الذي يعزو تفوّقه إلى نفسه، وقع في شركٍ خَفي، الشرك الخَفي خطير جداً،
(( إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ؛ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لهم يومَ القِيامةِ إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالِهم: اذْهَبوا إلى الذين كنتُم تُراؤون في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدون عِندَهُم جزاءً؟! ))
(( أنَّه بَكى، فقيل له: ما يُبكيكَ؟ قال: شَيئًا سمِعتُه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُه، فذكَرْتُه فأَبْكاني؛ سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: أَتَخَوَّفُ على أُمَّتي الشِّركَ، والشَّهْوةَ الخَفيَّةَ. قال: قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أَتُشْرِكُ أُمَّتُك مِن بَعْدِك؟ قال: نعَمْ. قال: أمَا إنَّهم لا يَعبُدونَ شمسًا ولا قمرًا، ولا حَجَرًا ولا وَثَنًا، ولكنْ يُراؤُونَ بأعمالِهم، والشهوةُ الخَفيَّةُ: أنْ يُصبِحَ أحَدُهم صائمًا فتَعرِضَ له شَهْوةٌ مِن شَهَواتِه، فيَترُكَ صَومَه. ))
[ أخرجه أحمد وابن ماجه إسناده ضعيف ]
فالبطولة أن أعرِف الله قبل فوات الأوان، إن عرفته في الوقت المناسب، ولَّدَ حركةً نافعةً، أعيش فيها وفق منهج الله، ومنهج الله هو منهج العليم الحكيم.
المذيع:
أشكرك شكراً جزيلاً فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء الطيّب، وأدامك الله بيننا، ورعاك الله و حفِظك الله، شكراً جزيلاً فضيلة الدكتور.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
بارك الله بك ونفع بك وأعلى قدرك.
المذيع:
بارك الله بك فضيلة الدكتور.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القُربات.
الملف مدقق