- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠70أيام الله - قناة الجزيرة
مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
المذيع :
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً وسهلاً مشاهدي الكرام في حلقة جديدة من برنامجكم : "أيام الله" .
قال الله تعالى في سورة فاطر :
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾
وقال الإمام الحسن البصري : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتخلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال .
وقد جاء العمل الصالح مقروناً بالإيمان في خمسة وسبعين موضعاً في القرآن الكريم، كما جاء الحديث عن العمل الصالح في القرآن الكريم بشكل مجمل بنحو مئتي آية ، وكذلك الحال في السنة النبوية نجد العديد من الأحاديث التي لا يمكن حصرها في بيان العمل الصالح وأهميته وفضائله ، عن قبول العمل الصالح ودوره في تلاحم المجتمع لنا وقفة مع الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً بك دكتور محمد وجمعة مباركة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، وحفظ لكم إيمانكم .
المذيع :
آمين ، فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي دعنا نبدأ عن العمل الصالح ، متى يكون العمل صالحاً وما هي شروط قبوله ؟
العمل الصالح علة وجودنا :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخي الكريم ؛ لا بد من مقدمة تلقي ضوءاً كاشفاً لعلة وجودنا في الدنيا ، وهو العمل الصالح بدليل قوله تعالى :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
الحقيقة الدقيقة ، رُكِّب الملَك أي الملائكة من عقل بلا شهوة ، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركِّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة .. قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) ﴾
وإن سمت شهوته على عقله كان دون الحيوان ..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)﴾
فالإنسان بين أن يكون خير البرية وبين أن يكون شر البرية ، الإنسان المؤمن يضبطه النص ، وغير المؤمن يضبطه الواقع ، إذا كان تركب مركبتك تسافر في الشتاء وجدت لوحة كتب عليها : الطريق إلى هذه المدينة مقطوعة بسبب تراكم الثلوج في المكان الفلاني ، تعود إلى بيتك ، ما الذي حكمك ؟ نص من أربع كلمات ، لو أن دابة تمشي في هذا الطريق أين تقف؟ عند الثلج ، فالإنسان يحكمه النص ، والقرآن نص ، والحديث نص ، والدين نص ، بينما الدابة يحكمها الواقع ، فالدواب يحكمها الواقع والإنسان يحكمه النص ، البطولة أن نستجيب للنص ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾
هذا المستوى راق جداً الهدى البياني ، وأنت تجلس في بيتك تستمع إلى درس دين ، تحضر خطبة جمعة ، تستمع إلى خطبة ، التلقي سهل جداً ، إما خطبة جمعة أو درس دين أو ندوة تلفزيونية ، الحق يصل إليك البطولة أن تستجيب ، الهدى البياني أن تستجيب :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾
كلمة يحييكم دقيقة جداً ، ما معنى ذلك ؟ الإنسان بلا إيمان ميت ، بلا إيمان جماد ، بلا إيمان نبات ، أما يحييكم فيحي حياتكم ، يحيي أملكم ، يحيي مكانتكم ، يحيي فهمكم ، يحيي أخلاقكم ..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾
كلمات في القرآن الكريم تصف من شرد عن الله :
القرآن الكريم يصف الذين شردوا عن الله :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
نبضه ثمانون ، مثالي ، ضغطه 8/12 مثالي ، عند الله أموات ، أنا أذكر كلمات معدودة في القرآن الكريم ، تصف الذين شردوا عن الله ؛ أول وصف : أموات غير أحياء ، الوصف الثاني قال تعالى :
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) ﴾
الوصف الثالث : قطعة خشبة لا تفهم ، ولا تعي ..
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) ﴾
الوصف الرابع : الأنعام غير مكلفة لا تحاسب هو يحاسب .
آخر شيء :
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾
لذلك الإيمان ليس قضية تحسينية ، قضية وجودية ، أنت كإنسان وجودك متعلق بإيمانك ، أن تعرف الله ، أن تعرفه موجوداً وواحداً وكاملاً ، أسماؤه حسنى ، صفاته علا ، أنت في دار دنيا ليست عليا ، مخلوق للدار الآخرة ، لجنة عرضها السماوات والأرض ، فلذلك الإنسان كما قلت قبل قليل يحكمه النص والقرآن نص ، والحديث نص ، أما غير الإنسان فيحكمه الواقع .
المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي هذه الآية :
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾
لو توقفنا عند هذه الآية عندما يقول :
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾
بدأ بكلمة إليه وأيضاً العمل الصالح يرفعه ، معنى يرفعه هنا العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب أم الكلم الطيب الذي يرفع العمل الصالح أم ماذا ؟
الكلم الطيب والعمل الصالح متكاملان :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الكلم الطيب يمهد للعمل الصالح فهما متكاملان ، أنت إذا استمعت إلى كلمة طيبة تعقبها أعمال صالحة أنت قنعت ، الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، عندنا في الأرض ثمانية مليارات إنسان ، هل فيهم واحد يتمنى الشر ؟ الفقر ؟ القهر ؟ ولا واحد بالأرض كلها ، فالإنسان بني على حبّ وجوده ، وسلامة وجوده ، وكمال وجوده ، واستمرار وجوده ، فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع ، اقتنيت سيارة غالية جداً تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات ، إن فهمت هذا الضوء تألقاً تزيينياً احترق المحرك ، إن فهمته تحذيرياً صببت الزيت سلم المحرك ، فانطلاقاً من حبك لذاتك بتعبير غير مقبول من أنانيتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، الصانع الجهة الوحيدة التي تعليماتها لصالحك ، هذه نقطة مهمة جداً ، راكب سيارتك مكتوب في الطريق حقل ألغام ممنوع التجاوز ، هل تصدق أن هذه اللوحة وضعت حدّ لحريتك أم ضمان لسلامتك ؟ هنا الشاهد ، في اللحظة التي تعتقد يقيناً أن كل تعليمات الصانع هي ضمان لسلامتك وليست حداً لحريتك أنت مؤمن ورب الكعبة .
حرص الإنسان على سلامته وسعادته واستمرار وجوده :
الآن شيء ثان ؛ أنت تركب مركبة فيها مشكلة ، إصلاح المركبة ضروري جداً ، هذا الطريق فيه حقل ألغام لا تمشي به ، عندنا ثمانية مليارات في الأرض ما فيهم واحد إلا حريص على سلامته ، وعلى سعادته ، وعلى استمراره ، سلامته باتباع تعليمات الصانع ، لأن الصانع الجهة الوحيدة الخبيرة بما يصلحه ، وسعادته بالإقبال على الله ، الله عز وجل مصدر الجمال و الكمال والنوال ، واستمراره بتربية أولاده .
أنا كنت أقول في أمريكا قبل عشرين عاماً : لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وحصلت أكبر ثروة فيها ، وعمرت عمراً طويلاً ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، الإنسان يحب سلامته باستقامته ، وسعادته بعمله الصالح ، واستمراره بتربية أولاده .
المذيع :
فضيلة الدكتور نحن نتحدث عن العمل الصالح لأن كثيراً من الناس ربما فهمهم للعمل الصالح ينحصر في أشياء دون أشياء ، متى يكون العمل صالحاً وما هي شروط قبول هذا العمل الصالح ؟
شروط قبول العمل الصالح :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
سمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وفق السنة ، سمي العمل الصالح صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وفق السنة ، بل هو علة وجودنا في الدنيا :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
ما قال هذا الذي اقترب أجله : حتى أتابع الطابق الخامس في البناء ، لعلي أعمل صالحاً ، علة وجودنا وغاية وجودنا بل مقياس تقدمنا عند الله ، قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) ﴾
هذا العمل الصالح .
أقول هذه الكلمة : الطرائق على الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، الزوجة الصالحة عمل صالح ، المرأة الصالحة ، الابنة الصالحة ، الأخ الصالح ، الشريك الصالح ، يصلح يلقى الله بهذا العمل ، هذا العمل يرفعه عند الله ، بل هو علة وجودنا ، أقوى دليل :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
علة وجودنا قطعاً .
المذيع :
فضيلة الشيخ هنا يتبادر إلى الذهن الآية الكريمة :
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾
العمل الصالح والكلم الطيب هل هناك علاقة بين الكلام والعمل الصالح بحيث أن قد يفهم البعض أن العمل الصالح هو أداء الفرائض لله عز جل ، وقد يفهم الآخر أن العمل الصالح هو بذل المال ومساعدة الناس ، وقد يفهم الآخر أن العمل الصالح هو العمل القلبي ، هو الرضا بقضاء الله عز وجل ، وحمد الله عز وجل ، وتعظيم الله عز وجل في قلبه ، لو ركزت معنا فضيلة الدكتور عن الربط بين الكلم الطيب والعمل الصالح وما هي مجالات العمل الصالح ؟
الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أولاً : قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق ، أنت تعرف الناس بالله ، بأسمائه الحسنى، بصفاته العلا ، بالجنة ونعيمها ، بالنار ، بالمنهج التفصيلي :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
لا يكفي دعا إلى الله ، وجاء عمله وفق حركته في الحياة ، اختيار حرفته ، اختيار زوجته ، تربية أولاده ، حشمة بناته ، اختيار عمل مهني يخدم الأمة ، عمل صالحاً أي الحركة ، كسب المال ، إنفاق المال ، اختيار الزوجة ، تربية البنات ، تربية الشباب ، اختيار الحرفة ، ألصق شيء بالإنسان زوجته وحرفته ، شيء دقيق جداً ، فإذا أحسن اختيار زوجته ، أحسن تربية أولاده ، أحسن حشمة بناته ، أحسن اختيار حرفة تنفع الأمة ، يوجد حرف لا تنفع الأمة تفسد عقائدها ، تفسد أخلاقها ، فقل لي ماذا تعمل أقل لك من أنت .
المذيع :
فضيلة الشيخ تحدثت عن فكرة الدعوة إلى الله عز وجل في هذا الأمر ، هل الدعوة في لسان الحال أم في المقال ، بلسان الشخص لأن هناك من يلتزم ظاهرياً بتعاليم الإسلام على مستوى الشكل لكن في معاملاته مع الناس يرى الناس معاملة غير إسلامية مما يجعله ليس داعياً إيجابياً بل قد يكون داعياً سلبياً للإسلام ، فكيف نقف عند هذه النقطة ؟
الدعوة إلى الله دعوتان :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الدعوة إلى الله دعوتان ؛ دعوة كشرب الماء فرض عين على كل مسلم ، الدعوة الأولى فرض عين على كل مسلم ، الدليل :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ، ما معنى بصيرة ؟ بالدليل والتعليل ، فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم كالصلاة تماماً ، أنت حضرت خطبة جمعة ، سمعت آية تفسيرها مؤثر جداً حدثت به زوجتك هذه دعوة ، أولادك ، جيرانك، بسهرة ، بعض العمال عندك في المعمل ، هذا الذي تعلمته أي أن تنقل لمن حولك ما سمعت ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم كالصلاة تماماً :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾
فالذي لا يدعو على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله ، أما الدعوة التي فيها تعمق وتبحر وأدلة قوية وشواهد ثابتة وعندك قدرة ترد كل شبهة فهذه دعوة احترافية ، فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل .
الأولى فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، حضرت خطبة جمعة ، سمعت ندوة تلفزيونية ، قرأت كتاب تفسير ، إما قرأت أو استمعت أو شاهدت ، العبرة نُقل لك شيء أين أنت منه ؟ ما موقفك منه ؟ تقرأ بالقرآن مئتين وخمسين آية يا أيها الذين آمنوا أين أنت من هذه الآيات ؟ القرآن يتلونه حق تلاوته :
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) ﴾
و حقّ تلاوته أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية ، قال تعالى :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) ﴾
لو قلت : إنما يخشى اللهُ الصلاة باطلة ، يوجد مشكلة كبيرة جداً ، قراءة صحيحة ، ثم قراءة مع فهم ، وإن كانت القراءة مجودة فهذا أفضل ، البطولة أين أنت من هذه الآية ؟ هل أنت مطبق لها ؟
لو إنسان معه مرض جلدي وخطير العلاج الوحيد أن يتعرض لأشعة الشمس ، قبع بغرفة مظلمة قميئة فيها برد وقال : يا لها من شمس ساطعة ! يا لها من شمس شافية ! هذا كله كلام فارغ ما لم يحقق وجوده ، ما لم يحقق ما يفهم ، لذلك نحن مشكلتنا نسمع كثيراً ونطبق قليلاً، تفترق أمتي شعباً كثيرة ، من هو على حق ؟ من عرف الله معرفة كافية لطاعته وطبق هذه الطاعة قطف الثمار .
المذيع :
فضيلة الدكتور هذا العمل الصالح كيف نحول جميع أعمالنا الصالحة إلى عبادة لله عز وجل ؟
عادات المؤمن عبادات :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بك على هذه الأسئلة الدقيقة .
عادات المؤمن عبادات ، اختيار حرفة شريفة مشروعة لا يوجد فيها خطأ ، لا يوجد فيها ابتزاز ، لا يوجد فيها معاص ، الحرفة ألصق شيء بالإنسان ، اختيار زوجة صالحة ، تربية الأولاد تربية صالحة ، العمل الصالح واسع جداً وهو الحقيقة سبب وجودنا ، والدليل :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
فعلة وجودنا الوحيدة العمل الصالح ، والإنسان لا يندم إلا على عمر أمضاه بلا عمل صالح .
المذيع :
فضيلة الدكتور هل يدخل الإنسان الجنة بعمله ؟ معنى الحديث لن يدخل أحد الجنة بعمله ، لكن في القرآن الكريم يقول الله عز وجل :
﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾
العمل الصالح مفتاح الجنة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الجواب دقيق جداً ، لو أن قصراً ثمنه مئة مليار مثلاً ، أنت غير مكلف أن تدفع ثمنه ، مكلف أن تدفع ثمن مفتاحه فقط ، العمل الصالح مفتاح الجنة ، الجنة لا تقدر بثمن :
((قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}
قال أبو مُعاويةَ، عن الأعمَشِ، عن أبي صالِحٍ: قرَأ أبو هُريرةَ: (قُرَّاتِ أعْيُنٍ( ))
هذه الجنة أنت مكلف أن تدفع ثمن مفتاحها فقط أما هي فلا تقدر بثمن ، أما أنت بيتك إسلامي لا يوجد فيه معاص ، الشاشة مضبوطة لا يوجد فيها محطات إباحية ، السهرات لا يوجد فيها اختلاط يغضب الله عز وجل ، رحلاتك لا يوجد فيها أشياء لا ترضي الله ، كسب أموالك ، نشاطاتك ، وقت فراغك ، العطل ، عملك ، كله وفق منهج الله ، الإنسان إذا استقام على أمر الله قطف الثمار في الدنيا قبل الآخرة ، والدليل :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾
جنة في الدنيا هي جنة القرب ، وجنة في الآخرة هي جنة الخلد ، العمل الصالح سبب وجودنا ، الآية الحسم الفاصلة :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
سمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وفق السنة .
المذيع :
فضيلة الدكتور ما هي مجالات العمل الصالح ، لأن هذا السؤال هام كيف يرتب الإنسان المسلم أولوياته في العمل الصالح ؟
كيفية ترتيب الإنسان المسلم أولوياته في العمل الصالح :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله على هذه الأسئلة الدقيقة ؛ يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، اختيار زوجتك ، اختيار حرفتك ، تربية أولادك ، تمضية وقت فراغك ، سهراتك ، لقاءاتك ، رحلتك ، سياحتك ، هذا كله وفق منهج الله ، عفواً ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله عز وجل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، مثلاً صفيحة البنزين في السيارة ، البنزين سائل متفجر ، إذا وضع في المستودع المحكم في السيارة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، والمكان المناسب في البستونات ، ولّد حركة نافعة قد تقلك إلى مكان جميل في العيد ، الصفيحة نفسها إن صبت على المركبة ، وأصابتها الشرارة ، أحرقت المركبة ومن فيها ، فالشهوات تقريباً مئة وثمانون درجة ، مسموح لك بمئة وأربعين حلالاً ..
ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله عز وجل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، لا يوجد حرمان في الدين .
مرة ثانية ؛ البنزين في السيارة قوة محركة تنقلك إلى مكان جميل في العيد ، أو قوة مدمرة ، هذه الشهوات ، لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، من دون شهوات لا يوجد طاعة لله عز وجل .
المذيع :
دكتور هناك مقولة متداولة بين كثير من الناس يستخدمها البعض يقول : ربنا رب قلوب ، والمقصود بها حينما يحث الإنسان الآخرين على العمل وبذل العمل لله عز وجل ، يقول : إن ربنا مطلع على القلوب ، وأنا قلبي يحب الله ويحب رسوله ، فكيف يكون التعامل مع من يعتقد هذا ؟
التطبيق علامة الحبّ :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الجواب قرآني :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) ﴾
مستحيل هذه المحبة فارغة ، هذا ادعاء ، علامة الحب التطبيق ...
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) ﴾
أما من دون اتباع فلا يوجد محبة ، هذه محبة كاذبة ، محبة دعوة ليست واقعية .
المذيع :
شكل الاتباع ، هناك من يتبع النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الصلاة والصيام والزكاة لكن علاقاته الاجتماعية مع من يعول ومن يتعامل علاقات سيئة ؟
من اصطلح مع نفسه كان أسعد الناس :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الجواب الدقيق :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ﴾
دخلت إلى البيت الساعة الواحدة ليلاً الوالدة قالت لك : أريد هذا الدواء ، قلت : الصيدليات مغلقة ، الآن سكتت واستحت منك ، وأنت تعلم يقيناً أن هناك صيدليات مناوبة ومعك سيارة لو أنك ذهبت لهذه الصيدليات المناوبة والدواء مفقود ، الوالدة بالحالتين ما أخذته ، تنام بالحالة الثانية مرتاحاً ، النقطة الدقيقة :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ﴾
ما من أمر أمرت به إلا فطرت على محبته ، ما من نهي نهيت عنه إلا فطرت على كراهيته ، والدليل :
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)﴾
فالإنسان أدرى بنفسه ، قال تعالى :
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾
أبداً ، الإنسان إذا اصطلح مع نفسه كان أسعد الناس ، في الأرض الآن يوجد ثمانية مليارات إنسان ، وهناك تعليمات الصانع ، ما من واحد على وجه الأرض إذا عصى الله إلا عنده كآبة ، عندنا دكتور في الجامع كان من كبار علماء النفس ، قال : الكآبة بالعالم الغربي مئة واثنان وخمسون بالمئة ، هذه نسبة عجيبة ، مئة بالمئة معقولة قال : مئة معهم كآبة ، واثنان وخمسون يوجد معهم كآبتان ، أي مخالفة لمنهج الله يولد كآبة ، كآبة أي النفس حرمت ، أوامر الله عز وجل ونواهيه مرتبطة بخصائص الإنسان .
المذيع :
فضيلة الدكتور طبعاً هذه الحلقة موجودة على منصات التواصل الاجتماعي ، وهناك أسئلة كثيرة ممن يتابع هذه الحلقة ، هناك طلبات بالدعاء ، لكن حميد منصور يسأل سؤالاً : كيف يقال إن الجنة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وهناك آيات قرآنية تحدثت عما هو موجود في الجنة مثلاً :
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)﴾
الله تعالى ليس كمثله شيء وليس لعطائه أي مثل :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الحقيقة ليس كمثله شيء وليس لعطائه أي مثل ، لكن الله قرب لنا الجنة ، بالدنيا يوجد غابات ، أنهار ، فواكه ، وجه طفل حسن ، كلها تقريب لكن كل شيء في القرآن عن الجنة الواقع أبلغ بكثير وأعلى بكثير :
((قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ أبو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}
قال أبو مُعاويةَ ، عن الأعمَشِ ، عن أبي صالِحٍ : قرَأ أبو هُريرةَ : (قُرَّاتِ أعْيُنٍ( ))
عندنا باللغة نقطة دقيقة جداً أنت لا تفهم الكلمة إلا بمرتكز ، لو أن شخصاً ولد وما رأى البحر إطلاقاً - حالة نادرة - قلت له : بحر ، هذه الكلمة ليس لها معنى إطلاقاً ، فالكلمة تحتاج إلى مرتكز واقعي ، أما لو ركب البحر وهاج البحر ، أو استمتع بمنظر البحر ، قلت له : بحر ، ما البحر ؟ ب ح ر ، مقاطع صوتية لكن هي أثارت عنده البحر ، وأمواجه ، وجمال مائه، إلى آخره ، فنحن لو أن في الأرض ما كان هناك أماكن جميلة ، ولا غابات ، ولا وجوه حسنة كوجوه الأطفال ، لا يفهم معنى الجنة ، الله جعل غابات وفواكه وجمالاً بشرياً وجمالاً نباتياً وجمالاً حيوانياً ، هذا الجمال كي نفهم على الله أن الجنة ...
((قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}
قال أبو مُعاويةَ، عن الأعمَشِ، عن أبي صالِحٍ: قرَأ أبو هُريرةَ: (قُرَّاتِ أعْيُنٍ( ))
هذا اسمه مرتكز للغة ، الكلمة تحتاج إلى مرتكز .
المذيع :
دكتور سؤال آخر يقول : بما أننا نتحدث عن العمل الصالح هل هو في المجال الديني فقط ؟ من يتحدث عن التقدم العلمي ، محاربة الجهل ، تعليم الناس ومحو الأمية ، هل كل هذه الأشياء يمكن أن تدرج تحت العمل الصالح أم أن الأمر مقصور على الأعمال الدينية فقط ؟
الأعمال الصالحة منهج كامل وليست مقتصرة على الأعمال الدينية فقط :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا ، لا ، الأعمال الصالحة تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية ، منهج كامل ، يوجد قسم في البيت ، قسم بنفسك ، أنت عندك ثلاث حلقات تحاسب عليها ، أول حلقة أنت يا ترى صليت صلاة متقنة ؟ ذكرت الله ؟ قرأت قرآناً ؟ غضضت بصرك ؟ ضبطت الشاشة؟ ضبطت السهرات ؟ ضبطت السياحة ؟ يوجد شيء أنت تقوم به ، وشيء تقوم به الأسرة ، أنت محاسب عن ثلاث حلقات ، نفسك حلقة ، والأسرة حلقة ، وعملك حلقة ، عملك فيه كذب ، فيه تزوير ، فيه بضاعة سيئة جداً ، أبداً أنت محاسب عن ثلاث دوائر ؛ فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك ، الآخر أنا أساهم بنشر الدين لكن لست مسؤولاً عن الأمة ، أنا أحاسب عن ثلاث دوائر أملكها ، أي مكان تملك فيه القرار تحاسب عليه ، فأنا محاسب عن نفسي ؛ أداء الصلوات ، غض البصر ، ضبط الدخل ، ضبط الإنفاق ، تربية أولادي ، حشمة بناتي ، العناية بزوجتي ، اختيار حرفة نافعة للأمة ، هذا مهمتي الأولى ثم أدعو إلى الله ، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، فرض كفاية تحتاج إلى تبحر وتعمق وتثبت حتى تستطيع أن تقنع الآخر بهذا الشيء ، مثلاً أنت عندك مكيف ، والإنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب ، يكفي أن يضع يده على زر التشغيل يأتيه هواء بارد ، هذا العابد ، أما الدكتور في التكييف في الجامعة فيتحدث ساعات على آلية التكييف ، هذا بين العابد والعالم ، العابد ينتفع من الدين بلا تعمق ، قال له الشيخ : لا تكذب يا بني ، ما كذب ، لا تغش ، ما غش ، أما العالم فيقنع الآخر بالدين ، دعوته تصل إلى الملايين أحياناً ، يوجد فرق كبير بين العابد والعالم ، لكن العابد ناج أيضاً ، العابد إنسان اشترى مكيفاً ، وجاءه هواء بارد ، لكن قالوا له : ضع يدك على رز التشغيل فقط ، أما العالم فمعه دكتوراه بالتكييف يعلم بالجامعة التكييف ، وآليته ، وصناعته .
المذيع :
سؤال آخر لنور القصص ، كيف نزيد الهمة للعمل الصالح ؟
كيفية زيادة الهمة للعمل الصالح :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
قالوا : علو الهمة من الإيمان ، كلما أدركت عظم الجنة :
((قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ أبو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}
قال أبو مُعاويةَ ، عن الأعمَشِ ، عن أبي صالِحٍ : قرَأ أبو هُريرةَ : (قُرَّاتِ أعْيُنٍ( ))
عفواً واحد أمامي وأصفار إلى الجدار ، حوالي ألف صفر ، ما هذا الرقم ؟ ليس معقولاً ، واحد بالشمس وأصفار إلى الأرض ، مئة و ستة و خمسون مليون كيلومتر ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ هذا الرقم إذا نسب إلا اللانهاية قيمته صفر ، أكبر رقم إذا نسب إلى اللانهاية صفر ، الإنسان مخلوق للانهاية ...
((قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ أبو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}
قال أبو مُعاويةَ ، عن الأعمَشِ ، عن أبي صالِحٍ : قرَأ أبو هُريرةَ : (قُرَّاتِ أعْيُنٍ( ))
هذه البطولة ، أكبر خسارة أن نخسر الآخرة ، قال تعالى :
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾
المذيع :
فضيلة الدكتور رجب يسأل ويقول : في هذه الفترة التي نعيش فيها هناك انتكاسة للأمة في رأيك ما هو سبب هذه الانتكاسة ؟
بطولة الإنسان اتباع تعليمات الصانع :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله إذا الإيمان ضعيف يوجد انتكاسة ، إذا الإنسان ما طلب العلم ..
(( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ ))
أما التقاليد والعادات فلا تصمد أمام الأزمات ، التقاليد والعادات فقط بلا علم حقيقي، بلا إيمان حقيقي ، بلا تحقق ، بلا تثبت ، بلا تبحر ، بلا طلب علم ، العادات والتقاليد أحياناً توافق الدين فهي مقبولة ، وفي أحيان كثيرة والآن ما أكثرها تخالف الدين ، شاشة مفتوحة ، هذه لها إشكال كبير مع الشباب والشابات ، سفر لا يرضي الله فيه تفلت كبير ، ما لم ننضبط بمنهج الله هناك مشكلات لا تعد ولا تحصى ، لذلك البطولة الإنسان إذا أحبّ نفسه حباً جماً يتبع تعليمات الصانع ، أغلى مركبة اشتريتها تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات ، إن فهمتها تألقاً تزيينياً احترق المحرك ، دفعت مئة ألف ، إن فهمتها تألقاً تحذيرياً أطفأت المركبة ، أضفت لتر زيت واحد ، فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، بتعبير آخر من أنانيته ، ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع.
المذيع :
سؤال آخر يتحدث عن فكرة العمل الصالح وما يتعرض له اللاجئون السوريون من ظروف صعبة على المستوى المعيشي ، وعلى المستوى الطقسي ، لدرجة أنهم نزلت عليهم مياه الأمطار ، ما هو واجب المسلم تجاه أخوانه اللاجئين ؟
واجب المسلم تجاه أخوانه اللاجئين :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله الذي لا إله إلا هو أنا لا أتصور مسلماً فيه ومضة إيمان إلا ويتألم أشد الألم ، يقدم مساعدة ، إما من ماله ، أو خبرته ، أو من بضاعته ، أو من دعائه ، لا يوجد إنسان مسلم يرى ما يجري في هذه البلاد إلا ويتألم ألماً لا حدود له ، علامة الإيمان الألم ، هذا ألم مقدس أن ترى إنساناً بهذه الأمطار الشديدة ، بهذا الوحل الشديد ، الخيام التي لم تستمر ، أطفال صغار ، لا يتألم ؟ إذا لم يتألم أقسم بالله ليس من بني البشر ، علامة الإيمان أن تتألم لأخيك المؤمن ..
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) ﴾
الله عز وجل رفع أخوة المؤمنين إلى مستوى الأخوة النسبية ، شباب أطهار ، أطفال صغار ، لا يوجد طعام ، لا يوجد حليب ، الأمطار شديدة ، الخيام قد كسرت ، الوحل شديد ، هذا شيء لا يحتمل ، لذلك الله كبير ، عنده حساب لا ينتهي للذي يسبب هذا الذي نراه على الشاشة .
المذيع :
فضيلة الدكتور سؤال آخر ؛ في قول الصحابي الجليل عبد الله بن عمر قال في الحديث الذي قاله عن الرسول صلى الله عليه وسلم :
(( لأن أمشي مع أخ في حاجةٍ خير لي من أن أعتكف في مسجدي هذا ))
هل فهم السلف الصالح للعمل الصالح فهمهم أنه سعي في حاجة الناس ؟
العمل الصالح سعي في حاجة الناس :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا أقوى حديث .
المذيع :
هو حديث نعم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
معتكف أمام مقام رسول الله رأى شخصاً مضطرباً ، قال له : ما شأنك ؟ قال : ديون ركبتني ما أطيق سدادها ، قال : لمن ؟ قال : لفلان ، قال : أتحب أن أكلمه لك ؟ قال : إذا شئت ، فلما قام من معتكفه قال له أحدهم - فضولي -: يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ؟ قال: لا والله ، ولكنني سمعت صاحب هذا القبر ، والعهد به قريب : والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر ، واعتكافه في مسجدي هذا .
العمل الصالح علة وجودنا الوحيدة ، والدليل :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
فالعمل الصالح علة الوجود الوحيدة .
المذيع :
فضيلة الدكتور سؤال آخر يقول : ابني لا يصلي وأحاول أن أدفعه للصلاة لكنه يتكاسل كيف السبيل لإصلاح حاله فيما يخص الصلاة ؟
حاجة الدين إلى إقناع ودليل وحوار :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا دائماً أقول : أقنع ولا تقمع ، هذا الدين يحتاج إلى إقناع ، إلى دليل ، إلى حوار ، إلى فهم ، ليجلس الأب مع أولاده جلسات يومية أحياناً أو أسبوعية ، الحوار يعمل إقناعاً ، أقنع ولا تقمع ، يوجد عشرة أخطاء حاسب على خطأ واحد ، يوجد دليل قوي في القرآن الكريم :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) ﴾
الآية منسوخ حكمها ، لكن لماذا موجودة ؟ من أجل التدرج ، يوجد أخطاء بالأولاد كثيرة ذكره بخطأ واحد ، وتابعه من أجله ، وحاسبه على عدم تنفيذه ، بعد يومين أو ثلاثة خطأ ثان ، أما دفعة واحدة فهذا طريق مرفوض ، الله عز وجل قال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) ﴾
التدرج في الدعوة إلى الله ، ومع الأولاد ، سيد الخلق وحبيب الحق قال له : أنت أنت بالذات:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾
الآية دقيقة جداً وهي قانون ، الله عز وجل قال :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾
أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً معهم ، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك وأحبوك ، أنت بالذات افتراضاً لو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب غلظة وفظاظة ، عندئذ ينفض الناس من حولك ، هذا اسمه : قانون الالتفاف والانفضاض :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾
هذا يحتاجه الأب والأم والمعلم والمدرس وأستاذ الجامعة والموظفون جميعاً من الخفير إلى الأمير .
المذيع :
سؤال آخر من أم ماسة تقول : هي تصلي صلاة الشكر على أكثر نعم الله عز وجل هل تعتبر صلاة الشكر التي تصليها على النعم التي أنعم الله بها عليها من العمل الصالح ؟
صلاة الشكر من أجلّ الأعمال الصالحة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
من أجلّ الأعمال الصالحة ، الله عز وجل قال :
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) ﴾
وبالشكر تدوم النعم ، هذه مقولة ثانية ، أما لأزيدنكم ، فهذه النعمة نعمة الصحة ، نعمة