وضع داكن
03-05-2024
Logo
قناة الجزيرة مباشر – برنامج أيام الله : الندوة 06 - الذكر في حياة المسلم
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
مشاهدينا الكرام ؛ سلامُ الله عليكم ورحمته وبركاته ، و أهلاً وسهلاً بكم في حلقةٍ جديدة من برنامجكم : "أيام الله".
قال الله تعالى في مُحكَم التَّنزيل :

﴿  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)  ﴾

[  سورة البقرة  ]

وقال صلى الله عليه وسلم عن ربِّ العِزَّةِ سبحانه أنه قال :

((  أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي ، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي ، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ، وإنْ ذَكَرَنِي في ملأ ذَكَرْتُهُ في ملأ خَيْرٍ منهمْ ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا ، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً  ))

[ البخاري ]

ذِكرُ الله عز وجل قوتٌ للقلوب ، وقُرَّةٌ للعيون ، وسُرورٌ للنُّفوس ، به تُجلَبُ النِّعَم ، وتُدفَعُ النِّقَم ، فهو نِعمَةٌ عُظمى ، ومِنحَةٌ كُبرى ، له لَذَّةٌ لا يُدرِكُها إلا من ذاقَها ، عبَّر عنها أحدهم فقال :  والله إن فيها لذِّة لو علِمَها الملوك وأبناء الملوك لجادلونا عليها بالسِّيوف ، وذِكرُ الله وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم لِمَن كَثُرَت عليه شعائر الإسلام ، فعن عبد الله من بُسرٍ رضي الله عنه قال :

((  ....إنَّ رجُلًا قال : يا رسولَ اللهِ ، إنَّ شَرائِعَ الإسلامِ قد كَثُرَت علَيَّ فأخبِرني بشيءٍ أتشبَّثُ به ؟ قال : لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكرِ اللهِ  ))

[  الترمذي  ]

للحديث عن الذِّكر في حياة المسلم يُسعِدُنا ويُشرِّفُنا أن يكون معنا فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الدَّاعية الإسلامي .
أهلاً بفضيلتكم دكتور محمد ، وجمعة مباركة ، وسعداء أن تكون معنا في هذه الحلقة .
الدكتور راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونَفَعَ بكم .
المذيع :
فضيلة الدكتور في بداية هذه الحلقة المباركة التي نتحدث فيها عن ذِكرِ الله عز وجل وكيف تكون حياة المسلم في ذِكر الله . فلنبدأ من معاني ذِكْر الله عز وجل ؟

 

معاني ذِكْر الله عز وجل :


الدكتور راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصَّادق الوعد الأمين ، اللهم لا عِلمَ لنا إلا ما علَّمتَنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم عَلِّمْنا ما يَنفَعُنا ، وانفعَنا بما عَلَّمْتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتَّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أخي الكريم ، الإنسان عقلٌ يُدرِك ، وقَلبٌ يُحِب ، وجسمٌ يَتحَرَّك ، وغِذاءُ العَقلِ العِلْم ، وغذاءُ القلب الحُب ، وغذاءُ الجسمِ الطعام و الشراب . فإذا غذَّى الإنسان عَقلَه بالعلم ، وغذَّى قلبه بالحُب الذي يسمو به ، وغذَّى جسمه بالطَّعام والشراب الذي أشترُي بمالٍ حلال تفوَّق، وإذا اكتفى بواحدةٍ تَطرَّف .
و التَّطَرُّف نوعان : نوعٌ تَشَدُّدي ، التَّكفير والتَّفجير ، ونوعٌ تَفَلُّتي  وهو الإباحية ، والطَّرفُ الآخر كانوا يُجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، والآن يُجبِروننا بالقوة الناعمة المرأة على أن نريد ما يريدون ، وفي قوله تعالى :

﴿  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ  (152)  ﴾

[  سورة البقرة  ]

إنَّك أيها الإنسان إن ذكرت الله و ذِكر الله مُنوَّع ، الصلاة ذِكر ، و تلاوة القرآن ذِكر ، والدُّعاء ذِكر ، والدعوة إلى الله ذِكر ، والأمر بالمعروف ذِكر ، والنَّهي عن المُنكر ذِكر ، إنك إن فعَلتَ ذلك فقد ذَكرتَه ، لكن الله عزَّ وجل يقول : 

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

  إذا ذكرتَ الله عز وجل يذكُرُك ، و إذا ذكَرَك منحَكَ الأمن . قال تعالى :

﴿  وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

وإذا ذَكَركَ الله عز وجل مَنحَكَ نِعمَة السَّكينة . 

﴿  هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)  ﴾

[  سورة الفتح  ]


والسَّكينة تَسعَدُ بها  ولو فَقَدَّتَ كلَّ شيء ، وتشقى بفَقدِها ولو مَلَكتَ كلَّ شي ، وإذا ذَكرَكَ الله عز وجل أعطاك نِعمَة الحِفْظ ، إذا ذَكَرَك الله عزَّ وجل تَسعَدُ بها ولو فَقَدَّتَ كلَّ شيء و تَشقَى بفِقدها ولو مَلَكتَ كلَّ شيء .
مَنحك نِعمَة الِحفظ : 

﴿  قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)  ﴾

 

[ سورة يوسف   ]

وإذا ذَكَرَكَ مَنحَكَ نِعمَة التوفيق : 

﴿  قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾

 

[  سورة هود  ]


 

أثُر الذِّكر في قلب المُسلم :


أمَّا أثُر الذِّكر في قلب المُسلم ، لكي نفهم السعادة ينبغي أن نتحدث عن اللَّذة . اللَّذة طابِعُها حِسِّي ، وتحتاج إلى صحةٍ ووقتٍ ومال ، ولحِكمةٍ بالغةٍ بالغة ينقُصنا دائماً شَرطٌ من شروطها .
المذيع :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
في مراحل العمر ، أما السعادة فبمجرد أن تنعَقِدَ مع الله صِلَة من خلال معرفتك بالله عز وجل ، ومعرفةِ منَهَجِه ، وتطبيق مَنهجِه ، والإقبال عليه ، عندئذٍ لابدَّ من أن تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعَدُ مِنِّي : 
         

   فـلو شاهدت عيناك من حسننــــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــا لغيرنــــــا

       

     ولو سمعت أذناك حسن  خطابـنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا

           

 ولو ذقت مـن طعــــــم المحـبة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــا

           

 فما حبنا سهل وكل مــــن ادعـــــى        سهولته قلنا له قـــــــــــد جهلتنـــــــــــا

                                             

 ***

 

الذِّكر يتضمن الدُّعاء و لكن الدُّعاء لا يتضمن الذِّكر : 


لذلك الذِّكر أفضل أم الدعاء؟ سؤال .
الذِّكر يتضمن الدُّعاء و لكن الدُّعاء لا يتضمن الذِّكر : 

﴿  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) ﴾

 

[  سورة البقرة  ]

يسألونك : آياتٌ كثيرة تبدأ ب ( يسألونك ) وتأتي كلمة ( قُل) بين السؤال والجواب، مثال ذلك :

﴿  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)  ﴾

[  سورة طه  ]

إلا آيةً واحدة وهي : 

﴿  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)  ﴾

هذه الآية الوحيدة التي ليس بين السؤال والجواب كلمة قُل .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، هذه الآية تجعلني أسأل ؟
الدكتور راتب النابلسي :
معنى ذلك أنه ليس بين العبد وربه وسيط : 

((  يا بن آدم .. اطلبُني تَجدني ، فإن وجدَّتني وجدَّتَ كل شيء ، وإن فُتّك فاَتَك كلُّ شيء، وأنا أَحَبُّ إليك من كلُّ شيء ))

 
لذلك إذا كان ثلثُ الليل الأخير نَزَل ربكم إلى السماء الدنيا نزولاً يليقُ بجلاله ، فيقول :

((  من يدعوني أستجيبُ له ، من يسألُني فأعُطِيه ، من يستغفرني فأغفر له ، حتى ينفَجِر الفجر ))

[  البخاري   ]

و قد ورد في الأَثَر :
 (( إن الله يُحبُ من عبده أن يسأله حاجته كلَّها  ))
و :

(( الدعاء هو العبادة  ))

و :

((  الدعاء مُخُّ العبادة  ))

[  الترمذي  ]

المذيع :
دكتور في هذا الأمر ، في فكرة سؤال الله عز و جل ، حضرتك تقول في الأَثَر :  ( إن الله يحب أن يسأله عبده كل شيء ) لكن بعض الأسئلة جاءت بفكرة أن الإنسان عندما يعصي الله ، ويرى نفسه صاحب معصية ، وأنه بعيدٌ عن الله عز وجل ، يستحي أن يسأل الله عز وجل ، يستحي أن يذكر الله ، ويربُط يقول : كيف آتي بهذه الذنوب وهذه المعاصي وفي نفس الوقت أسأل الله عز وجل أن يؤتيني من فَضلِه ؟ فكيف يمكن للإنسان أن يسأل الله عز وجل من فَضلِ الله عزَّ وجل أن يرزقه وأن يعطيه الصحة وأن يمنحه الهدى والتقى وفي نفس الوقت هو عاص لله عز وجل ؟ بمعنى فضيلة الدكتور : كيف يجمع الإنسان أو يرى الإنسان المسلم أنه صاحب مَعصية وأنه غير مُلتزم بالصلاة مثلاً وأنه يأتي المعاصي وفي نفس الوقت يستحي من الله أن يسأله ويستحي من الله أن يذكره ؟ فماذا تقول له فضيلة الدكتور عن هذا الأمر ؟
 

 الله تعالى ما خلق الإنسان إلا ليرحمه :


الدكتور راتب النابلسي :

﴿  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)  ﴾

الإنسان مهما كانت له ذنوب كبيرة عفو الله أكبر .

﴿  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)  ﴾

الإنسان عندما يُخطِئ ، الله تواب رحيم ، خلَقَنا ليرحَمَنا ، إلا من رَحِم ربك . ولذلك خلقه .

﴿  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)  ﴾

[  سورة الزمر  ]

﴿  إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾

  فلذلك الإنسان إذا وَثَقَ من رحمة الله وعفوه وتابَ توبةً نصوحة ، وإذا تاب العبد توبةً نصوحة أنسى الله حافظيْه و الملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه . 

(( إذا تابَ العبد توبةً نصوحة أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه و ذنوبه . ))

المذيع :
فضيلة الدكتور فكرة الذِّكر ، هناك من يقول المقصود بالذِّكر هو الذِّكر باللسان أم الذِّكر بالقلب ؟ رجاء مثلاً على تويتر تسأل هذا السؤال وتقول : كيف نجعل للذِّكر حيَّزاً أكبر من الوقت في يومنا الذي يمرُّ جُلَّهُ في المشاغل الحياتية وإن حاولنا أن نجعل الذِّكر مُصاحباً لنا أثناء هذه المشاغل فكيف نضمن حضور القلب ؟
أي فكرة أن نذكُر الله عز وجل وأن يكون القلب حاضراً ، أن نذكُر الله عز وجل في ظل هذه المشاغل اليومية من العمل والدراسة ورعاية الأبناء والمشاكل الحياتية ، كيف يمكن أن يكون للذِّكر وجود في هذه المشاغل وإن وُجِدت كيف يمكن أن نستحضر قلوبنا مع هذا الذِّكر ؟ 
 

كلمة الذكر كلمة واسعة جداً تتسع لكل نشاط :


الدكتور راتب النابلسي :
يا أخي الكريم ، لا يوجد كلمة في العبادات تتَّسِع لكل نشاط مع الله كالذِّكر .
إن ذَكَرَته ، إن دعوته ، إن استعنتَ به فأنت ذاكِر، إن دعوته فأنت ذاكِر ، إن ألقيتَ كلمةً في مكان تتحدث عن الله فأنت ذاكِر ، لا يوجد كلمة تتِّسع لكل نشاط دعوة إلى الله كالذِّكر. 

﴿  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ  ﴾

لو قرأتَ كلمةً في الإعجاز العلمي فأنت ذاكِر ، لو تَصَفَّحتَ المُصحَف فأنت ذاكِر ، كلمة واسعة جداً تتِّسِع لكل النشاط الدَّعوي ، والنشاط الإقبالي على الله عز وجل  .
فالذِّكر كلمة واسعة جداً ، أنت قرأتَ قرآناً فأنت ذاكِر، قرأت كتاب سُنَّة فأنت ذاكِر، نَصحَتَ إنساناً فأنت ذاكِر، ألقيتَ كلمة فأنت ذاكِر ، خَطبتَ خطبة فأنت ذاكِر ، تابعتَ موضوعاً علمياً في الإعجاز العلمي فأنت ذاكِر ، كلمة واسعة جداً تتسع لكل نشاط ، تلقِّ من الله أو دعوة . 
المذيع :
فكرة حضور القلب ، لابدَّ أن أذكر الله عز وجل وقلبي حاضر مُتماش مع الذِّكر أم ممكن أن أذكر الله عز وجل وقلبي غير حاضر ؟
 

ارتباط الذكر بحضور القلب :


الدكتور راتب النابلسي :
والله الذِّكر في قلب غير حاضر لا يُحقِّق أهدافه ، نقول : ذِكر بحضور القلب ، بتَوجُّه إلى الله ، بإقبال على الله ، بتَذلُّل أمام الله عز وجل ، فلذلك لا بدَّ من أن يكون مع الذِّكر قلبٌ حاضر ، قلبٌ مؤمن بالله ، قلبٌ مستسلمٌ لله عز وجل ، أي القلب له علاقة بالله عز وجل .
العبادة لها شروط : عُضوية ، رَكَعَ و سَجَد ، يوجد لها شروط أخرى ، هذه الشروط الأخرى مُتعلِّقة بالإقبال على الله عز وجل ، الله عز وجل أصلُ الجَمال والكمال والنَّوال ، ذاتٌ كاملة ، إذا اقتربتَ منه ولم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعدُ مِنِّي إلا أن يكون أتقى مِنِّي يوجد مشكلة كبيرة .
ليس على وجه الأرض إنسان إن اتَّصَلَ بالله ، إن أقبَلَ عليه ، إن ذاقَ طَعمَ القُربِ، إن ذاقَ حلاوة الإقبال ، إن ذاقَ حلاوة المُناجاة ، إذا كان ثُلُثُ الليل الأخير نَزَلَ ربُّكم إلى السماء الدنيا ، نَزَلَ ربُّكُم نزولاً يليق بجلاله ، فيقول : 
 هل من سائلٍ فأعطيه ؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه ؟ هل من مُستَغفرٍ فأغفِرَ له ؟ هل من طالبِ حاجةٍ فأقضيها له ؟ حتى ينفَجِر الفجر 
إله عظيم يقول : يا عبادي أنا أنتظركم . إنسان لديه مشكلة ، لديه قضيَّة ، يوجد لديه أزمة داخلية في منزله ، في عمله ، في صحته ، إذا كان ثُلُثُ الليل الأخير نَزَلَ ربُّكُم إلى السماء الدنيا ، فيقول :

(( هل من تائبٍ فأتوب عليه ؟ هل من مُستغفِرٍ فأغفر له ؟ هل من طالبِ حاجةٍ فأقضيها له ؟ حتى ينفَجِر الفجر .  ))

إذا الإنسان لم يقم مع الله علاقة حميمة ، أو خطاً ساخناً يناجيه في الليل ، فهو خاسر ، لأن العبادة كلها دعاء .
المذيع :
نعم .
 

العبادة كلها دعاء :


الدكتور راتب النابلسي :
العبادة كلها دعاء . الدعاء هو العبادة . أنت كائن طارئ ، حادث ، خائف ، شحيح ، اتَّصلتَ بأصل الجَمال والكمال والنوال ، اتَّصلتَ بالذَّات الكاملة ، بيده كل شيء ، الأقوياء بيده ، الصحة بيده ، المال بيده ، السعادة بيده ، نجاح الزواج بيده ، نجاح العمل بيده ، كل شيء بيده .

﴿  وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)  ﴾

[  سورة هود  ]

أي أمر في القارات الخمسة من آدم إلى يوم القيامة يَرجِع إلى الله عز وجل ، والله سَمَحَ لك أن تُناجيه في الليل ، سَمَحَ لك أن تَطلِبَ منه

(( الدعاء مُخُّ العبادة . ))

الدعاء قِمَّةُ العبادة ، الدعاء أن تَطلُب من أصل الجَمال والكمال ، من الذَّات الكاملة ، بيده كل شيء ، الأقوياء بيده ، الضُّعفاء بيده ، الصحة بيده ، المال بيده ، الغنى بيده، الفقر بيده ، نجاح زواجك بيده ، نجاحك مع أولادك بيده ، نجاحك في عملك بيده ، فالدعاء هو العبادة ، وفي رواية :

((  الدعاء هو العبادة  ))

وفي رواية أخرى :   

((  الدعاء مُخُّ العبادة   ))

المذيع :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
كائن ضعيف ، خائف ، شهواني ، أقول : اتَّصَل بأصل الجَمال والكمال والنَّوال ، أقبَلَ عليه ، ذاقَ طَعمَ القُرب :
 

  فلو شاهَدَتَ عيناكَ من حُسنِنا                  الذي رأوه لمَا ولَّيتَ عنَّا لغيرنا 

***

المذيع :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :

ولو سَمِعَت أُذُناكَ حُسنَ خِطابِنا               خَلَعَتَ عنك ثيابَ العُجب وجئتَنا

ولو ذُقتَ من طَعمِ المَحبَّة ذرَّةً                 عذَرتَ الذي أضحى قتيلاً بحُبِّنا

ولو نَسَمَتْ من قُربِنا لك نَسمَةٌ                      لمُتَّ غريباً و اشتياقاً لقُربِنا

     

 ولـــــــو لاحَ من أنوارنا لك لائحٌ                      تركتَ جميع الكائنات لأجلنـا

   

   فما حبنا سهل وكل مــــن ادعى                   سهولته قلنا له قـــد جهلتنــا 

 ***

أُقسمُ بالذَّات الإلهية ، إذا أقبلتَ على الله إقبالاً كما أراد الله ولم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعدُ مِنِّي هناك مشكلة في علاقتك بالله عز وجل ، كل شيء بيده ، أنت مع الأصل ، مع الذات الكاملة ، إليه يُرجَع الأمر كله .
المذيع :
فضيلة الدكتور الطّيب الصَّادق الشيخ الآن يُتابعنا على صفحتنا على الفيس بوك ويسأل سؤالاً هاماً عن أوقات الذِّكر ، ما هي أفضل أوقات الذِّكر ؟ هل الذِّكر مُرتبط بتوقيت ؟ و إذا كان مُرتبطاً بتوقيت معين فما هي أفضل الأوقات ؟
 

أوقات الذِّكر :


الدكتور راتب النابلسي :
قبل أن نقول أفضل ، في أي وقت صباحاً ، مساءً ، ظهراً ، ليلاً ، نهاراً ، وأنت في عملك ، وأنت تقود مركبتك ، في أي وقت ، في أي ظرف ، في أي عمل ، هو معك .

﴿  هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا  وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)  ﴾

[  سورة الحديد   ]

لكن إذا كان ثُلُثُ الليل الأخير ، أي قبل الفجر بربع ساعة ، نصف ساعة ، نَزَلَ ربكم نزولاً يليق بجلاله إلى السماء الدنيا فيقول : 
 هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه ؟ هل من سائلٍ فأعطيه ؟ هل من طالب حاجةٍ فأقضيها له ؟ حتى ينفَجِر الفجر 
ما هو الإيمان ؟ أن تُقيم علاقة مع الله ، أن يكون لك خط ساخن مع الله ، أن تسأله ، هو معك  مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ  معكم أينما كنتم ، مَعَيَّة عامة ، مع المؤمن ومع غير المؤمن ، مع القوي ، مع المُنحرف ، أما إذا قال :

﴿  إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)  ﴾

[  سورة الأنفال   ]

يا الله ، هذه مَعَيَّة خاصة ، معهم بالتوفيق ، معهم بالحِفظ ، معهم بالرِّعاية ، معهم بالنجاح ، فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فَقَدَ من وجَدَكَ ؟ وماذا وجَدَ من فَقَدَك ؟
المذيع :
بارك الله فيك دكتور محمد ، أيضاً تسأل مريم سؤالاً هاماً تقول : شيخنا الفاضل كيف أَحُثُّ نفسي على أن أكون من الذاكرين الله كثيراً و الذَّاكرات ؟
 

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية ليكون من الذاكرين والذاكرات :


الدكتور راتب النابلسي :
هنا السؤال مُعَقَّد ، لابدَّ من حاضِنَةٍ إيمانية ، لابد أن تجلس مع مؤمنين ، صادقين، مُقبلين ، حتى النُّزهة مع مؤمنين ، حتى السهرة مع مؤمنين ، حتى الأُمسية مع مؤمنين ، ما هو الدليل ؟ 

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾

  قرآن :

﴿  وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) ﴾

[  سورة الكهف  ]

آية ثانية :

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)  ﴾

[  سورة التوبة   ]

اسمها حاضِنة إيمانية ، أي سهرة مع مؤمنين ، نُزهة مع مؤمنين ، شراكة مع مؤمن ، سفر مع مؤمن .

﴿  وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ  ﴾

أقصد هذه العلاقات الحميمة ، في علاقات العمل موضوع آخر ، أنت موظف ولديك مدير عام ، لديك واجبات تجاهه ، تؤدي واجباتك و انتهى الأمر ، أما كعلاقة حميمة ، كنُزهة طويلة ، كسفر معيَّن ، لابدَّ بالعلاقة الحميمة من ألا تُصاحِب إلا مؤمناً ، و لا يأكل طعامك إلا تقي .
هذه الحاضنة الإيمانية أكبر مُشجِّع ، أكبر باعث ، أكبر حِصن ، الجماعة رحمة ، والفُرقة عذاب .
المذيع :
نعم ، بارك الله فيك دكتور .
دكتور سؤال آخر ، يقول صاحبه : هل إذا حدَّدنا وقتاً معينَّاً وذكراً بأعدادٍ معينَّة  هل هذا جائز ؟ بعض الناس يجتمعون كل جمعة بعد صلاة الجمعة وبعد العصر يذكرون الله  مثلاً مئة مرة استغفار ، مئة مرة صلاة على النبي ، مئة مرة قول لا إله إلا الله  ، هل هذا الأمر جائز أم أن فيه بدعة ؟
 

الذكر أوسع كلمة في العبادة :


الدكتور راتب النابلسي :
لا يوجد شيء ، مادام ذِكراً لا يوجد مشكلة ، بعدد ، بلا عدد ، بعدد كثير ، بعدد قليل : 

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)  ﴾

[  سورة الأحزاب  ]

المُطلَق على إطلاقه . إذا دعوتَ الله فأنت ذاكِر ، نصحتَ إنساناً بكلمات إسلامية، بآية قرآنية أنت ذاكِر ، قرأتَ كتاباً إسلامياً بالإعجاز العلمي أنت ذاكِر ، نصحتَ إنساناً ، ألقيتَ محاضرة ، أي نشاط دعوي أو نشاط تتلقى منه العلم هذا ذِكر . لا يوجد كلمة في العبادات أوسع من الذِّكر ، تَشمَل كل نشاطات الإنسان ، حتى سماع القرآن ذِكر ، حتى سماع درس ديني ذِكر ، حتى إسداء نصيحة للزوجة ذِكر ، لابنك ذِكر ، حتى سهرة ، الحديث عن الله عز وجل ، اجلس مع مؤمن ساعة بأمسية ذِكر ، هذا ذِكر ، الله عز وجل معنا دائماً ، والله عز وجل نوَّع الذِّكر ، القرآن ذِكر ، السُّنة ذِكر ، النصيحة ذِكر ، كتاب علمي يؤكد آية قرآنية ذِكر ، إلقاء خطبة ذِكر ، تأليف كتاب ذِكر ، الكلمة الواسعة التي تدور مع الإنسان حيثما دار هي ذِكر، لذلك : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا  ﴾

وهناك نقطة ، مَلمَح دقيق ، المنافقون ذِكرهُم قليل ، الذِّكر قليل جداً بآية قرآنية ، أما المطلوب فهو الكثير ، ضع تحت كلمة الكثير عشرة خطوط ، 

﴿ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾

  لأن الذكر متنوع جداً .
المذيع :
في هذه النقطة ، هل ممكن  دكتور أن يكون مقياس إيمان الشخص أن الإنسان إذا أراد أن يقيس إيمانه يرى نفسه أين هو من الذِّكر ؟ أي يُعتَبَر الذِّكر هو المقياس للإيمان ؟
 

الذكر هو مقياس الإيمان :


الدكتور راتب النابلسي :
والله هو مقياس كبير ، و لكن سوف أقول لك كلمة دقيقة ، والحقيقة مرة أحياناً ، مادام هناك معصية ، مادام هناك مخالفة ، مادام هناك لقاء لا يرضي الله ، مادام هناك شاشة مفتوحة ، مادام هناك علاقة لا تُرضي الله ، تقريباً لا تستطيع أن تَصِل إلى الله عز وجل .
عفواً بيت يوجد فيه جميع الأجهزة الكهربائية بأعلى مستوى ، أما التيار الرئيس فمقطوع ، كلُّه مُتوقِّف ، ممكن أن يكون القطع مليمتراً واحداً ، وقد يكون متراً ، سِيِّان ، التيار انقطَع ، خُذ ألف بيت بأي عاصمة إسلامية ، لا يوجد خمر تقريباً ، لا يوجد زنى ، ولا يوجد قمار ، ولكن هناك أشياء غير منضبطة ، فالإنسان يُقطَع عن الله بالمخالفات ، لمَّا قَطعَنا هذا التيار الرئيس مليمتراً واحداً الأجهزة كلها توقفت ، فالإنسان لا يعني أنه مَغبون كثيراً إذا خسر الصِّلة بالله لأشياء صغيرة ، الكبائر تَقطَع قَطعاً كلياً ، أما لا يوجد بيت فيه كبائر في البلاد الإسلامية تقريباً ، ومع ذلك جميع وعود الله غير محقَّقة . 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ  ﴾

هل نحن مُستَخلَفون في الأرض ؟ لا والله ، 

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ ﴾

- لسنا مُمَكَّنين -

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ ﴾

  لسنا آمنين . كلمة واحدة مفتاح الموضوع كله :

﴿   يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

 

[  سورة النور   ]

فإذا قَصَّرَ المسلمون في عبادة الله فالله في حلّ من وعوده .
 

الإسلام منهَج تفصيلي :


والعبادة أخي الكريم واسعة جداً ، نحن نتَوهَّم أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات شعائرية ، أما العبادات الحقيقية فتبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية .
دَخَلْنا بكسب المال ، وإنفاق المال ، باللقاءات ، بنوع البضاعة ، فيها مادة مُحرَّمة، مادة مُسرطنَة ، نضعها بلا تحَفُّظ ، هناك أكثر من ألف قضية مُتعَلَّقَة بكسب المال ، التجارة والصناعة والزراعة ، هناك مواد مُسرطنة ، هناك أسمدة ليس لها مفعول ، مُنتهية ، إذا بعتَ منها شيئاً أو بعت دواء منتهياً مفعوله حُجِبتَ عن الله عز وجل . 
أحياناً يكون للدواء تاريخ ، أنت مَسَحَتَ التاريخ ، أصبح الدواء غير فعَّال ، هناك رأي آخر يُصبِح مُؤذياً .
الإسلام يبدأ من أخصِّ خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، أما الصلاة والصوم والحج والزكاة فهذه عبادات شعائرية ، أنت تأتي للمسجد كي تتَلقَّى من خطيب المسجد يوم الجمعة ، ومن المُدرِّس الديني تعليمات الصَّانع ، تَدخُلُه ثانيةً كي تقبِض الثمن بالصلاة ، أما الدِّين فهو في البيت ، هل البيت إسلامي ؟ هل الشاشة منضبطة ؟ هل اللقاءات مضبوطة ؟ هل الدَّخِل والإنفاق مضبوط ؟ هل النُّزهة مضبوطة ؟ هل السياحة مضبوطة ؟ 
إذا نحن فقط نُصَلِّي ، ونضع الكعبة في صدر المنزل ، و الحَرَم النبوي ، ولدنيا مُصحَف مُعَلَّق ، لا تساوي شيئاً ، هذه مظاهر أنا معها لا يوجد مشكلة ، و لكن الإسلام منهَج تفصيلي ، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية . ما لم تُطَبَّق هذه التعليمات بحذافيرها لن تقطِف من هذا الدين شيئاً ، لذلك وعود الله  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ  الوعود غير مُحقَّقة . لما فيه تقصير . 

((  لن تُغلَب أُمَّتي من اثني عشر ألفاً من قِلَّة  ))

 

[ أبوداود و الترمذي  ]

فإذا كنا مليارين ، والأمر ليس بيدنا . حقيقة مُرَّة .
المذيع : 
فضيلة الدكتور، الوعود التي تحدَّثت عنها أن الله عز وجل وعَدَ المؤمنين بالأمن وبالإيمان وبالاستخلاف ، هذا الأمر في القرآن لا مناصَّ منه ، لكن قد تأتي خاطرة على ذهن البعض أن الدول الغربية المُتقدِّمة هي غير مؤمنة وغير مسلمة ، وعندهم الأمن ، وعندهم الأمان ، وعندهم الحرية ، وعندهم الاستخلاف ، لم يُحقِّقوا العُبودية لله عز وجل ومع ذلك هذه الوعود حُقَّقت لهم ، فكيف نفهمها ؟
 

بطولة الإنسان أن يفهم على الله حكمته :


الدكتور راتب النابلسي :
هناك جواب دقيق سيدي ، حفظك الله ، طبيب عنده مريضان ، مريض لديه التهاب معدة حاد ، فهذا الطبيب لأن هذا المرض التهاب المعدة الحاد يُشفى شفاء تاماً بحِمْيَة قاسية جداً ، الطبيب أخضعه لحِمْيَة قاسية جداً ، ستة أشهر على الحليب فقط ، بعدها يتم الشفاء التام .
المريض الثاني لديه ورم خبيث مُنتشر بكل جسمه ، قال له : ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت .   
أيهما أفضل من يخضع لحِمْيَة قاسية جداً بعدها يوجد شفاء تام أم من تُرِكَ أن يفعل ما يشاء ؟ الدليل :

﴿  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ  (44)  ﴾

[  سورة الأنعام  ]

بلاد جميلة ، ودخل كبير ، وتَفَلُّت ، وانحراف ، وشذوذ ، وكل شيء فيها ، وأمن واستقرار ، وليس عندهم أية مشكلة ، و هم يحكمون العالم كله :

﴿  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ  (44)  ﴾

[  سورة الأنعام  ]

هذا قرآن كريم . أما المؤمن فقابل للشفاء التام ، لذلك لديه التهاب معدة حاد ، يوجد حِمْية قاسية فقط . 
المُصيبة اسمها مُصيبة لأنها تُصيب الهدف ، يوجد إسراف ، تقنين بالدَّخل ، يوجد كِبِر ، موقف مُحرج ، أي تزعزعت مكانة الإنسان ، لا يوجد مُصيبة ليس لها حكمة ، فالبطولة أن أفهم على الله حكمته ، أن الله عز وجل يُرسِل المصيبة بلا شيء مستحيل ، مستحيل وألف مستحيل :

﴿  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)  ﴾

[  سورة الأنفال   ]

المذيع :
صلى الله عليه و سلم .

  من طبق سنة النبي فهو في مأمن من عذاب الله :


الدكتور راتب النابلسي :
يا محمد ما دامت سُنَّتُك مُطبَّقَةً في حياتهم فهم في مأمنٍ من عذاب الله ، هذا الشيء العام ، أما الخاص :

﴿  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)  ﴾

[  سورة النساء ]

 
أنت لديك ثلاث دوائر ، نفسك دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، فإذا أَقمتَ أمر الله في الدوائر الثلاثة أنت لك أمر ، لك قرار ، فإذا أقمتَ أمر الله فيما تَملِك كَفاكَ ما لا تملك .
أما النبي الكريم ، إذا كان المسلمون طَبَّقوا المنهج 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ ﴾

  أي مستحيل 

﴿ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ  ﴾


المذيع :
صلى الله عليه وسلم .
الدكتور راتب النابلسي :
أي يا محمد ما دامت سُنًّتُك ، منهَجُك مطبَّقاً في حياتهم فهم في مأمنٍ من عذاب الله .
فأصبح هناك شيء خاص ، وشيء عام ، العام يحتاج لتوبة عامة . أما الخاص فالإنسان مسؤول عن ثلاثة أشياء : عن نفسه وبيته وعمله ، فإذا أقام أمر الله فيما يملك كفاه ما لا يملك . 
المذيع : 
سبحان الله .
الدكتور راتب النابلسي :
أنا مثلاً أعيش حياة سعيدة ، بالإسلام الفردي فقط وليس الإسلام الجماعي . الجماعي يحتاج إلى توبة عامة .
المذيع :
نعم ، بارك الله فيك دكتور محمد . هناك أسئلة كثيرة وردت على صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رقمنا على الواتس أب ، نختار بعض الأسئلة التي تتعلَّق بالحلقة .
جهاد يسأل ويقول : ممكن دكتور أسأل عن أفضل الأذكار التي تُزيل الهمّ وتُنير حياة الإنسان ؟
 

أفضل الأذكار التي تُزيل الهمّ وتُنير حياة الإنسان :


الدكتور راتب النابلسي :
والله يا أخي الذِّكر كلمة واسعة جداً . لكن الإنسان إن كان فقيراً يذكُر اسم الغني .
المذيع :
الله .
الدكتور راتب النابلسي :
يكون مظلوماً يَذكُر اسم القهَّار . لديه مشكلة ، اسم الشافي ، فكل حالة بالإنسان لها ذِكر معين . الله عز وجل شاف مُعاف ، قوي عزيز جبَّار ، فكل حالة لكل إنسان يطلبُ من الله شيئاً يُناسبه ، والله مع كل عباده ، 

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ﴾

عفواً ، يوجد عشر آيات أو اثنتا عشرة آية :

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)  ﴾

[  سورة البقرة  ]

عشر آيات ، أو اثنتا عشرة آية ، إلا آية واحدة :

﴿  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)  ﴾

[  سورة البقرة  ]

لا يوجد قُل ، الآية الوحيدة التي ليس فيها قُل ، أي ليس هناك حاجز بينك وبين الله ، بأي مكان ، بأي زمان ، بأي وضع . لا حاجة لوسيط للدعاء . أنت عَبد من عباده ، الله ينتظر أن تدعوه ، هو ينتظرك .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، مُتوكِّل يسأل ويقول : ما هي أهمية أذكار الصباح والمساء في حياة المسلم وما هي أذكار الصباح والمساء ؟
 

أهمية أذكار الصباح والمساء في حياة المسلم :


الدكتور راتب النابلسي :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
سأعيدها مرَّة ثانية ، الذِّكر كلمة واسعة جداً ، الله الله الله ممكن ، أن تقرأ القرآن ذِكر ، الدعاء ذِكر ، ادعه ما شئت ، ولكن ما الذي يحصل ؟ أنت لديك مشكلة تدعو بحل لهذه المشكلة ، لديك مشكلة في البيت ، مشكلة بالعمل ، الدعاء أحياناً يُختار لحل مشكلة ، أنت تطلب من القوي الرحيم ، القادر على كل شيء ، الذي يُحبك .
لماذا الدعاء له مكانة كبيرة ؟ الدعاء هو العبادة ، لأنك أنت إنسان حادث طارئ خائف ، وقد أقول شهواني مثل معظم الناس ، أنت تقف على باب القوي ، العزيز ، الجبَّار ، الغني ، المُعطي ، هذا كله يَخُلق حافزاً للدعاء . الدعاء هو العبادة كلها ، الدعاء أنت عبد تطلب من ربك ، الله عز وجل أرحم من الأم بولدها :

﴿  وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) ﴾

 

[  سورة الأعراف   ]

حتى :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ  ﴾

أي لا يوجد معصية إلا و ارتكبها :

﴿  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)  ﴾

[  سورة الزمر  ]

لذلك - والكلمة دقيقة جداً - القُنوط والتشاؤم واليأس والسَّوداويَّة تقترب من الكُفُر . فلابدَّ من الدعاء والتوبة ، إذا تابَ العبد توبةً نصوحة أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه .
التوبة مفتاح الفرج ، و مهما كان الذَّنب كبيراً رحمة الله أكبر .
المذيع :
نعم ، بارك الله فيك دكتور ، دكتور أكثر من سؤال ورد بأكثر من صيغة ، لكن الجميع يسأل عن فكرة هل هناك أدعية أو بعض آيات من القرآن إذا التزَم بها الإنسان زادَ الله في رزقه ؟ أي سعة الرزق هل لها سبيل في الذٍّكر أو في القرآن أو في القراءة ؟
 

آيات وأدعية كثيرة إذا التزَم بها الإنسان زادَ الله في رزقه :


الدكتور راتب النابلسي :
حوالي أربعين أو خمسين دعاء قرآنياً ، هذه رقم واحد .
اجمع آيات الدعاء ، سهلة جداً ، اللهم ( بالبحث ) تظهر الأدعية جميعها ، أرقى دعاء هو دعاء القرآن الكريم ، وضعه خالق الأكوان .  أدعية النبي الكريم ، أدعية الصالحين ، إذا كان هناك شخص ليس لديه إمكانية ليحفظ الدعاء قل له : ( يا ربي أرجوك اشف لي ابني ) مقبولة عند الله ، ولو باللغة العامية ، الله يريد قلبك وليس فصاحتك ، يريد قلبك ، مادام الدعاء فيه إخلاص ، فيه إقبال ، فيه رجاء ، فيه إلحاح .

(( إن الله يُحبُّ المُلِحِّين في الدعاء  ))

[  رواه الطبراني  ]

((  من لا يدعني أغضب عليه  ))

[  الترمذي   ]

(( إن الله يُحبُّ من عبده أن يسأله- دقق - شِسْعَ نَعْلِهِ إذا انقطع  ))

[  الترمذي  ]

ما قولك ؟ اسأل الله كل شيء ، هو ينتظرك ، يريد أن يتوب عليك : 

﴿  و اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)  ﴾

[  سورة النساء   ]

المذيع :
فضيلة الدكتور ما هي آداب الذِّكر ؟ 
 

آداب الذِّكر :


الدكتور راتب النابلسي :
والله أرى أنه اخفض من صوتك .

﴿  وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)  ﴾

[  سورة لقمان   ]

الصوت العالي لا يتناسب مع الخشوع ، واخفض من صوتك ، ولكن أحياناً الإنسان يكون بوضع لا يستطيع أن يُحرِّك شَفَتَيه إطلاقاً ، مقبول الدعاء بِسرَّك ، هناك موقف صعب جداً ، أن تدعو بقلبك ، وأنا أقسم لك بالله ممكن ألا تفتح فَمَك ولا بكلمة والله يستجيب لك.

﴿  وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)  ﴾

[  سورة طه  ]

يعلم ما أَسَررتَ وما أعلَنت ، و يعلَم ما خَفَي عنك ، فالقضية أنت مع خالق الأكوان ، مع الرحمن الرحيم ، مع صاحب الأسماء الحُسنى والصِّفات العُلا ، مع من ينتظرنا ، لو يعلًمُ المُعرِضون المتَفَلِّتون ، يا داود لو يعلَم المُعرِضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى تَرْكِ معاصيهم ، لتَقَطَّعَتْ أنفاسُهُم من حُبَي ، و لمَاتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي في المُعرِضين فكيف بالمُقبلين ؟
أُم مهما ابتعد ابنها عنها ثم عاد إليها تقَبّلُه ، تضعُه في أحضانها ، الله رحمن رحيم، رحمن في ذاته ، رحيم في أفعاله : 

((  من لا يدعني أغضب عليه   ))

﴿   وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ  ﴾

ممكن أن يكون الدعاء بالسرّ دون أن تُحِّرك شَفَتَيك .
الدكتور راتب النابلسي :
فضيلة الدكتور ، كثير من الآباء يخافون على أبنائهم ، هل هناك أذكار لتًحصين الأبناء ؟ وما هي ؟
 

أذكار لتحصين الأبناء :


الدكتور راتب النابلسي :
يا رب ألهم ابني الصَّواب ، دُلَّهُ عليك ، أَعِنهُ على طاعتك ، أنا أُفِضِّل أن يكون الدعاء لكل الناس ، لستَ مُضَّطراً أن تأخذ الدعاء بنَصِّه ، الله يريد قلبك ، أنا لا أُقلِّل من قيمة الدعاء النَّصي ، ولكن الله يريد قلبك ، يريد قلباً حاضراً ، يريد قلباً مُلتجئاً إلى الله ، واثقاً أن الله يحبه ، والله بيده كل شيء ، والله غفور رحيم ، وتواب رحيم ، ويغفر الذنوب جميعاً .

﴿  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)  ﴾

[  سورة الزمر  ]

فمعرفة الله تقوِّي الدعاء ، تقوِّيه تقوية كبيرة جداً .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، هل هناك ارتباط بين الذِّكر وطمأنينة النفس ؟ هناك من يستشعر في نفسه بعض الخوف ، بعض الإقبال والإدبار ، هل هناك علاقة بين الذِّكر وبين أن يكون صاحب نفس وقلب مطمئن ؟
 

العلاقة الوثيقة بين الذكر وطمأنينة النفس :


الدكتور راتب النابلسي :
يا أخي الحقيقة أنا أقول كلمة دقيقة جداً .

﴿  وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81 ) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

 

[ سورة الأنعام  ]

أنا أقول كلمة دقيقة جداً ، لا يَتمتَّع بنعمة الأمن إلا المؤمن ، ولو أنت أقوى إنسان على الأرض بأكبر قوة تحكِمُها ، لا يتَمَتَّع 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

  لو الآية أولئك الأمن لهم ، أي ولغيرهم .
أنت في الصلاة تقول :

﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( 5 )  ﴾

 

[ سورة الفاتحة  ]

قل إيَّاك نستعين وإياك نعبد ، 

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ  ﴾

فأنت لو قدَّمتَ وأَخَّرتَ تُصبح مشكلة .
لذلك 

﴿ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ  ﴾

﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾

  ولو قلتَ : نَعبُد إيَّاك ، الصلاة باطلة ، لم يختلف شيء ، ولكن غيَّرت . إياك نعبد فيها قَصر وحَصر ، أمَّا نعبُد إيَّاك لا تَمنَع أن نعبُدَ غيرك .
الآية تقول : 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81 ) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82 )  ﴾

لهم ، لهم وحدهم ، أي لا يتَمتَّع بنعمة الأمن إلا المؤمن .
بالحفظ والتوفيق .
المذيع :
نعم ، بارك الله فيك دكتور .
فضيلة الدكتور ما هو ثواب الذِّكر في الدنيا والآخرة ، وأثَر الذِّكر على الشخص أو الإنسان أو المسلم في الدنيا والآخرة ؟

  ثواب الذِّكر وأثره في الدنيا والآخرة :  


الدكتور راتب النابلسي :

﴿  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)  ﴾

[  سورة البقرة  ]

الآية دقيقة جداً ، هي الجواب الدقيق لسؤالك ، 

﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾

  بالأدعية ، 

﴿ أَذْكُرْكُمْ  ﴾

إذا الله ذكرك ، ما عطاؤه ؟ يمنحُك السكينة ، تَسعَدُ بها ولو فَقَدَّتَ كل شيء . 
تجد إنساناً بيته صغير ، يوجد في البيت سعادة ، يوجد أولاد أبرار ، يكون أسعد إنسان ، و شخص لديه ملايين وليس سعيداً ، 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81 ) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ  ﴾

لهم وحدهم ، بينما : 

﴿  هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)  ﴾

[  سور الحشر  ]

بما أشركوا ، يوجد شِرك أي يوجد خوف :

((  أَخوَفُ ما أخافُ على أُمَّتي الشِّركُ الخَفَي   ))

الشِّرك الجَلي غير موجود ، أمَّا : 

((  أَخوَف ما أخافُ على أُمَّتي الشِّرك الخَفي أمَّا إنِّي لستُ أقول إنكم تَعبُدون صَنَمَاً ، ولكن شهوةٌ خَفَيَّةٌ وأعمالٌ لغير الله  ))

[  الألباني  ]

هذه مشكلة . الكبائر معروفة ، شهوة خَفَيَّة ، وهي كما قُلتُ قبل قليل ، ما دام التيار انقطَع لو كان القطع مليمتراً واحداً أو متراً واحداً نفس الأمر ، إذا لم يكن هناك انضباط تام بمنهج الله لن نقطف ثمار هذا الدين ، إذا لم نقطِف ثماره فوعود الله غير محققة .
نحن كأمَّة عربية إسلامية نملك نصف ثروات الأرض ، النصف بالضبط ، نَحتَلُّ أهم موقع استراتيجي في الأرض ، مُلتقى قارات ثلاثة ، لدنيا ثلاثة ممرات مائية هي الأصل في التجارة : السويس ، وباب المندب ، وهرمز ، ومع ذلك لدينا مشكلات كبيرة جداً . لدينا صفات مذهلة ، نملك نصف ثروات الأرض .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، وسيلة على تويتر تسأل ما هي أسباب الأُنس بالله ؟
 

أسباب الأُنس بالله :


الدكتور راتب النابلسي :
انظر، لن يأْنَسَ الإنسان بربِّه ما دام يعصيه ، المَعصية حجاب ، مادام هناك استقامة وتطبيق للشرع ، انفتح له خط ساخن مع الله ، مادام هناك استقامة ، أما المَعصية واللقاء فيه معصية ، والبيع فيه معصية ، والسهرة فيها معصية ، والشاشة غير منضبطة ، انتهى . 
عفواً لقد قلتها قبل قليل ، قطع التيار مليمتراً ، وأكثر البيوت الإسلامية لا يوجد فيها كبائر ، لا يوجد فيها قتل و لا زنى ، لا يوجد فيها قمار، لكن لا يوجد فيها انضباط ، عندما لم ننضبط انضباطاً كاملاً فَقدنا الصِّلَة مع الله عز وجل ، هذه المشكلة ، فإذا كان هناك شخص عَقَد نِيَّة ، أن يستقيم استقامة تامَّة لمُدَّة محدودة حتى يُجِرِّب ، لا ، الله لا يُجَرَّب ، حتى يذوق طَعم القُرب من الله ، عندئذٍ لا يترُك هذه الاستقامة أبداً .
أنت مع الكبير ، مع العظيم ، مع الرَّحمن الرَّحيم ، مع الجليل ، مع المُعطي .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور محمد على هذه الإجابات . الأسئلة كثيرة ونحاول أن ننتقي منها ما يفيدونا في هذه الحلقة . 
أحد المتابعين على الفيس بوك يسأل سؤالاً هو قد يكون بعيداً عن موضوع الحلقة لكنه هام وقد نستفيد منه ، يقول : ما هي أفضل طريقة تنصح فيها فضيلة الدكتور لترك الأفلام الإباحية والعادة السرية ؟
 

الاتصال بأصل الجمال والكمال والنوال أفضل طريقة لترك ما يُغضب الله :


الدكتور راتب النابلسي :
إذا الإنسان لم يذُق طَعمَ القُرب لا يترُك . إذا كان هناك شخص ، وهناك وجبة قديمة وفاسدة وعليها حشرات ولكنه جائع فإنه يأكل ، أما إذا رأى طعاماً نفيساً ، إذا ذاق طعم القُرب يَدَع ما سوى الله عز وجل ، أمَّا تَرْك ما سوى الله فهناك أشياء كثيرة مُغرية في حياة الناس إذا لم يحدث له اتصال مع الله ، إذاً عليه أن يذوق طَعمَ القُرب بالاتصال بأصل الكمال والجَمَال والنوال :

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــا لغيرنــــــا

ولو سمعت أذناك حسن  خطابـنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا

   

     ولو ذقت مـن طعــــــم المحـبة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــا

                           

    ***

أنت عندما تذق طَعم القُرب من الله إن لم تَقُل : ليس على وجه الأرض من هو أسَعدُ مِنِّي ، هناك مشكلة ، ولكن من غير المعقول نخسر الصِّلة بالله بأشياء صغيرة ، هذه هي المشكلة .
المذيع :
دكتور حضرتك تؤكد من بداية الحلقة على فكرة أن يذوق الإنسان طَعَم القُرب من الله عز وجل ، و أنه إذا وصل إلى هذا الأمر سيكون أسعَد الناس ، لكن كيف سبيل الوصول إلى أن نصل إلى طَعم القُرب من الله أو نذوق طَعم القرُب من الله  عز وجل ؟ كيف السَّبيل ؟ ما هي الوسائل ؟ 
 

وسائل الوصول إلى طعم القرب من الله عز وجل :


الدكتور راتب النابلسي :
لابدَّ لك من حاضنةٍ إيمانية .

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)  ﴾

 

[ سورة التوبة  ]

تريد قضاء سهرة مع مؤمنين ، تريد علاقة حميمة مع مؤمنين ، مع مؤمنين أطهار، مستقيمين ، نَصوحين ، أمَّا يكون لك تَطَلُّعات . 
سأقول لك كلمة دقيقة قليلاً ، يوجد لعبة اسمها : شدّ الحبل ، جلستَ بسهرة ، بلقاء، بنزهة ، مع جماعة ، بمكان ، بزمان معيَّن ، إن استطاعوا أن يشدُّوك إليهم ، إلى تقصيرهم ، إلى عدم انضباطهم وفقَ الشرع ، أنا أنصح بالانسحاب التدريجي ، أما إذا أمكنك أن تَشُدَّهُم إليك فابق معهم . هذه لعبة شدِّ الحبل دقيقة جداً ، أي جلسة ، أي سهرة ، أي لقاء ، أي نزهة ، أي علاقة ، أي شراكة ، هذا الشريك جَرَّكَ إلى الرِّبَا توقَّف ، جَرَرتَه إلى طاعة الله ابق معه :

(  لا تُصاحِب من لا ينَهَضُ بك إلى الله حالُه ، ويَدُلُّك على الله مَقَالُه )

 

[ الحكم العطائية   ]

هذه قضية دقيقة جداً ، أكثر التَفَلُّت يأتي من اللقاءات ، ومن العلاقات .

(( لا تُصاحب إلا مؤمناً كصُحبة حميمة ، ولا يأكل طعامك إلا تقي . ))

المذيع :
بارك الله فيك دكتور . 
هناك سؤال يقول صاحب السؤال : السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ، شيخنا الفاضل أعَزَّكُم الله وزادكم رِفعةً وقدراً ، كيف لي أن أعرف أن الله عز وجل تَقَبَّل مِنِّي الدعاء والطاعة ؟ أنا أدعوه كثيراً بأمور لا تَتَحقَّق لي فهل أنا غير مقبولة بالنسبة لله عز وجل ؟ 
 

تعلق استجابة الدعاء أو عدم استجابته بأفعال الله عز وجل الحكيمة :


الدكتور راتب النابلسي :
أنا سأسألك سؤالاً ، أنت لديك ابن جاء آخر العام بجَلاء وعلامات جيدة جداً ، و يوجد ثَنَاء على أخلاقه ، ألا تفعل شيئاً أبداً ؟ ألا تُقَبِّلهُ ؟ ألا تشتري له درَّاجة ؟ معقول أب عادي إذا ابنه تَفَوَّق يُعطيه ، عندما الله يراك أنك تُطيعُه ، يُعطيك السكينة ، تَسعدُ بها ولو فَقَدتَ كلَّ شيء ، معقول الله عز وجل رب العالمين . مُرَبّ عادي جداً إذا وجدَ إيجابية ممن يُربِّيه ، يَحُضنه ، يُكافِئُه ، يُعطيه أشياء ثمينة جداً ، إله عظيم ينتظرك .
لو يعلَمُ المُعرِضون انتظاري لهم ، و شوقي إلى تركِ معاصيهم ، لتَقَطَّعَت أوصالُهم من حُبِّي ، و لمَاتوا شوقاً إليَّ ، هذه إرادتي بالمُعرِضين فكيف بالمُقبلين ؟
إذا لم ينعَقِد مع الله صِلَة ، تُبنَى على استقامة ، على انضباط ، على أخذ الحلال وتَركِ الحرام ، لا يوجد لقاءات لا تُرضي الله ، لا يوجد تجارة فيها مادة غير مشروعة ، مادام استقام نشأ له مع الله خط ساخن ، مادام استقام ، والاستقامة تبدأ كما قلتُ قبل قليل من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية .
أمَّا إذا لم يكن هناك استقامة فيصبح التيَّار مقطوعاً ، تُصبِح العبادة مُملَّة ، الصلاة تُصبِح ثقيلة ، أمَّا إذا كان مستقيماً ، قام ليُصلِّي ، ليتَّصل بالله ، يَسعَدُ بها ، أرِحنا بها يا بلال ، ولكن بلسان حال غير المستقيم : أرِحنا منها ، والفرق كبير ، بين أرِحنا بها وأرِحنا منها . يوجد استقامة أرِحنا بها ، لا يوجد استقامة أرِحنا منها ، وهو سيصلِّي . بينما عندما تكون الصِلَة بالله جيدة تبكي في الصلاة ، تتأثَّر بالقرآن ، تأخذ درساً بالآيات التي قرأتها .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، صاحبة السؤال تسأل أنها تدعو الله كثيراً ولا يتَحقَّق من دعائها شيء ، هل هذا عدم التَّحقُّق دلالة على أنها بعيدة عن الله عز وجل أم أن الدعاء من الممكن ألا يُستجَاب في الدنيا ؟
الدكتور راتب النابلسي :
لا أبداً ، أبداً ، أبداً ، انظر يا أخي ، الإنسان قد يدعو ولا يُستجَاب لحكمةٍ بالغة ، لو أن الله استجَابَ له الدعاء قد يؤثِّر على دينه ، فالله عز وجل إمَّا أن يستجيب أو يُؤَخِّر الاستجابة أو يُعطي الداعي أجر الدعاء فقط ، هذا إله عظيم ، أفعاله فيها حكمة بالغة .
شخص طَلَبَ من الله شيئاً لو أعطاه الله إياه لتَرَكَ الدِّين ، الله يَعلَم ، عَلِمَ ما كان و عَلِمَ ما سيكون وعَلِمَ ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
شخص مُلتزم ذهب إلى بلد فيها دخل كبير ، وزوجته مُحَجَّبَة - القصة أعرفها بشكل دقيق جداً - اتصل فيها وقال لها : لا تأتي إلا و أنت مرتدية البنطال ، تخلعين الحجاب وتأتي لعندي ، أين أصبح عندما صار معه مال كثير ؟ انفتَن ، فلذلك لابد أن يكون هناك فهم عميق لأمور الله عز وجل . 
المذيع :
فضيلة الدكتور ، نحن نتحدث عن ذِكر الله عز وجل كيف يستطيع الآباء والأمهات أن يُعوِّدوا أولادهم عن مُداومة الذِّكر ، ذِكر الله عز وجل ؟
 

كيفية تعويد الأولاد المداومة على الذكر :


الدكتور راتب النابلسي :
فاقدُ الشيء لا يُعطيه . الأب صَلَّى الفجر جماعة ، الشاشة مضبوطة ، لا يوجد كلمة لا تجوز ، لا يوجد لقاء غير منضبط :

((  استقيموا يُستَقَم بكم  ))

[  الألباني  ]

القُدوةُ قبل الدَّعوة . أهم شيء في الأب أن يكون هو قُدوة ، القُدوةُ قبل الدعوة ، و الإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفُروع ، والتَّدرُّج للطفرَة ، و مُخاطبة العقل و القلب معاً . أي يوجد برنامج دقيق عن أصول الدعوة .

(( استقيموا يُستَقَم بكم    ))


الأب ما كذَب ، ولافَتَحَ الشاشة بشكل لا يُرضي الله ، و لم يسهر سهرة لا تُرضي الله ، استقامة الأب دعوة مُبَطَّنَة للأولاد ، لو لم يتكلم الأب ولا كلمة توجيه ، لكنه كان مستقيماً ، استقيموا يُستَقَم بكم ، أما الأب غير مُنضبِط ، ويقول له : هذه يا بابا حرام ، خطأ هذا الشيء ، لا تُقنِعَه . القُدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروق ، ومخاطبة العقل والقلب معاً ، والتَّدرج للطُّفرة :

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)  ﴾

[  سورة النساء  ]

آية قرآنية ، إذاً نتعلَّم منها التَّدرج ، تُعطيه الأوامر كلها دفعة واحدة لا يجوز .
المذيع :
هناك نقطة مهمة فضيلة الدكتور فكرة التَّدرُّج أي لو كان الأب أو الأم ابنهما لا يُصلِّي ، هل تنصحهما أن يبدأا معه بشكل متدرج يبدأ بصلاة واحدة ثم اثنتين ثم ثلاث ؟
الدكتور راتب النابلسي :
أنصح بالتَّدرُّج .
المذيع :
لأن الأم والأب يخافان أن يسألهما الله عز و جل .
الدكتور راتب النابلسي :
التَّدرُّج في القرآن الآية تقول : 

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ ﴾

  أي هل من الممكن الشخص يسكَر بين الصلاتين بحسب الآية ؟ هذه الآية متروكة من أجل التدرُّج ، دائماً أعط توجيهاً أو توجيهين كل أسبوعين وتابعه ، أتقَنَ ما أعطيته ، أعطه توجيهات أخرى ، أما تعطيه حوالي عشرين توجيهاً مرة واحدة فهذا مستحيل الحدوث .
التدرُّج للطُّفرة بالموضوع . 
المذيع :
هذه قواعد هامًّة فضيلة الدكتور ما تقوله قواعد هامَّة لو التزم بها الناس سيكون الأمر مختلفاً عما نراه من توجيهات للآباء والأمهات وأيضاً للدعاة ؟
 

الأب أكبر قدوة لأبنائه :


الدكتور راتب النابلسي :
الأب أقوى قدوة ، الأب قدوة ، أقوى شيء أن يكون الأب قدوة . الأب غير المنضبط لا ينتظر من أولاده الانضباط ، شاشة غير منضبطة ، لا تنتظر في غيابك أن ينضبطوا ، يفتحوها كيفما يشاؤون . إذا كان هناك استقامة كل شيء صحيح . 
أخطر شيء البيت ، إذا كان هناك انضباط يُسمُّونه الدَّعوة الصَّامتة ، هذه أرقى شيء ، لا يوجد كلام ؟ إطلاقاً ، لكن لا توجد كلمة لا تُرضي الله ، لا يوجد موقف ، لا يوجد علاقة ، لا يوجد صفقة فيها إشكال ، لا يوجد بيع فيه غش ، يوحد استقامة ، يوجد خط ساخن مع الله ، لا يوجد استقامة التيار مقطوع . 
إذا انقطع التيار تصبح العبادة مُمِلّة ، لأنه ليس له صِلَة بالله ، حركات وسَكَنَات ، مادام مستقيماً معه خط ساخن لله عز وجل ، يتأثَّر ، ما لم نستقِم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً .
المذيع :
دكتور حضرتك قلتَ مراراً وتكراراً إن أساس الإيمان هو معرفة الله عز وجل ، كيف يمكن للآباء والأمهات أن يُعرِّفوا الله عز وجل لأبنائهم وبناتهم في أعمارهم السِّنِّية المختلفة كي يتحقق الإيمان في قلوبهم ؟
 

لكل سنّ في التربية أسلوب معين :


الدكتور راتب النابلسي :
في التربية يوجد لكل سن أسلوب معين ، أنا سآتي بمثل بسيط ، أنا راكب سيارتي والإشارة حمراء ، أو يوجد كاميرا ، لماذا أقف ؟ آلية وقوفي ، لأن الذي وضع قانون السير وزير الداخلية عِلْمُه يطولُني ، و قدرته تطولني ، يَسحَب مني الإجازة سنة بأكملها ، لأنني مُوقِن أن واضع القانون عِلمُه يطولُني ، وقدرتُه تطولني لا يمكن أن أعصيه . الآن سنَوسِّع .

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾

- دقق-

﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) ﴾

[  سورة الطلاق  ]

ما قولك ؟ عِلمُه يطولُك ، و قُدرته تطولُك ، وصحتك بيده ، خثرة بالدماغ مشكلة ، حياتك لا تُحتَمَل ، فشَل كلوي ، تَشَمُّع كبد ، حادث سير ، فَقَدَ عضواً من أعضائه . أنت بلحظة واحدة تصير حياتك جحيماً . عِلمُه يطولُك و قدرته تطولُك كيف تعصيه ؟
نحن إذا أطعناه سنجد سعادة كبيرة جداً ، توفيق في حياتنا ، سعادة في بيوتنا ، أولادنا أبرار ، الزوجة صالحة ، يوجد بِشِر في البيت ، يوجد تفاؤل ، لابدَّ أن يقول المؤمن : ليس على وجه الأرض من هو أسعَد مِنِّي ، بأي وضع ، لو مساحة بيتك  عبارة عن ستين متراً لو دَخلُك يكفيك أسبوعين .
أنت اتَّصَلتَ بأصل الكمال والجَمَال والنوال ، لك صِلَة مع الأصل ، فالعبارة ليست بمساحة البيت ولا بالحجم المالي ، العبارة أن الإله العظيم خلقك للجنة ، ويوجد جنة في الدنيا ، اسمها جنة القُرْب ، الدليل : 

﴿  وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)  ﴾

[  سورة الرحمن  ]

المذيع :
نعم 
الدكتور راتب النابلسي :
جنة القُرْب في الدنيا ، يجب أن يقول المؤمن الصادق المستقيم : أنا أسعد إنسان ، وجنة الخُلْد في الآخرة .
أنت بين جَنَّتين 

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ  ﴾

إله ينتظرنا ، لو يعلَم المُعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى تَركِ معاصيهم ، لتَقَطَّعَت أوصالُهُم من حُبَّي ، و لماتوا شوقاً إلي . هذه إرادتي في المُعرضين فكيف بالمُقبلين ؟
المذيع : 
فضيلة الدكتور كيف نكون أسعد الناس في الدنيا وهناك مُنَغِّصَات في الدنيا ، كيف يتعامل المؤمن مع هذه المُنَغِّصات التي تَحوم بنا في هذه الأيام العَصيبة التي تَمَر على الناس من ضيق بالرزق ، من اضطهاد ، من أشياء أخرى كثيرة ؟
 

الابتلاء علة وجودنا :


الدكتور راتب النابلسي :
أريد أن أضرب مثالاً اسمح لي بذلك .
المذيع :
تفضل .
الدكتور راتب النابلسي :
لو أنَّ طالباً في سنة التخرج وأصعب مادة ، الأسئلة حَضَّرَها جيداً ، الموضوع حَضَّره جيداً ، كَتَبَ كتابة مذهلة ، وسوف يحصل على العلامة التَّامَّة ، فدخل إلى مطعم بعد أن كَتَب كل شيء ، و أحضر له طعام سيئ جداً لا ينزعج . إذا أهدافك الكبرى تَحَقَّقت كل المُنَغِّصَات ليس لها قيمة ، عندما كَتَبَ كتابة جيدة وسوف يحصل على الدرجة الأولى ، أو سيسافر بعثة مثلاً ، كل هذه الآمال تَحقَّقت عن طريق التفوق بالكتابة ، لو دخل إلى مطعم وقدم  له طعام سيئ جداً لا ينزعج كثيراً ، فعندما تتحقق الأهداف الكبرى كل المشاكل لا قيمة لها ، تمضي ، هذه الحياة مُنَغِّصَات ، النبي سيد الخلق قال : 
 

(( لقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ . ولقد أوذيتُ في اللَّهِ وما يُؤذى أحدٌ . ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلا شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ  ))

 

[ الترمذي   ]

﴿  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)  ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

﴿  الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)  ﴾

[  سورة الملك  ]

عِلَّة وجودنا الابتلاء ، طبعاً الابتلاء بالبطولة ليس ألا تُبتلى ، بل أن تنجح في الابتلاء 

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ  ﴾

الأصل أن الابتلاء هو الأصل .

﴿  الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)  ﴾

أنا عندما أفهم أنَّ الابتلاء قدَرَي أهيئ نفسي أن أنجح في الابتلاء . لا يمكن لأحدنا أن يصل إلى الجنة إلا بعد الابتلاء . سيدنا الشافعي سُئل : ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ قال : ( لن تُمَكَّن قبل أن تُبتَلى ) .
أبداً . الابتلاء قدَرُنا ، الابتلاء عِلَّةُ وجودنا ، فأنا أُوطِّنُ نفسي على الابتلاء ، وأنجح فيه ، والبطولة أن أنجح في الابتلاء .
المذيع :
وكيف أنجح في الابتلاء فضيلة الدكتور ، إذا كان الابتلاء هي عِلَّة وجودنا ، كيف ينجح الإنسان في اختبار الابتلاء ؟
 

كيفية نجاح الإنسان في اختبار الابتلاء :


الدكتور راتب النابلسي :
أنا حينما أستقيم على أمر الله ينشأ لي خط ساخن مع الله ، هذا الخط يُسعِدُني ، و يُنسيني كل السَّلبيات في الحياة .
الآن حينما أعرف الله ، أعرف منهجه ، أستقيم على أمره ، ينشأ لي مع الله خط ساخن ، اتصَّلتُ بأصل الجَمال والكمال والنوال ، السَّلبيات لا قيمة لها . قلتُ لك : هو كَتَب كتابة رائعة وسيذهب لبعثة الدكتوراه في بلد بعيد ، الطعام في البيت لم يكن جيداً ، لا يُقِدِّم ولا يُؤخِّر ، إذا الشخص ليس لديه هدف كبير ، أي شي يُزعِجَهُ صغير . الأشياء الكبيرة مُحقَّقَة ، هذه تُغَطِّي على الإنسان الصغائر ، أو الأشياء غير الكبيرة .
المذيع :
فضيلة الدكتور أنا لا أريد أن أُثقِل على حضرتك ، لكن لو تسمح لنا ببعض الدقائق .
الدكتور راتب النابلسي :
نحن في خدمتكم .
المذيع :
هناك أسئلة كثيرة ، سنضطر لسؤال أو سؤالين . 
السؤال الأول يقول ، سؤالنا لفضيلة الدكتور .
الدكتور راتب النابلسي :
لا يوجد مشكلة أبداً .
المذيع : 
حفظك الله دكتور .
يقول : ما الحل يا دكتور للإنسان الذي يجد نفسه دائماً دون المستوى المطلوب منه ؟ أي أنه لا يُحقق أهدافه سواء كانت هذه الأهداف لدينه أو لدُنياه ؟ دائماً يوجد حالة تقصير ووقوع في الذنوب والمعاصي ؟
 

ارتباط تحقيق الأهداف بالإصرار والصدق :


الدكتور راتب النابلسي :
عندي جواب دقيق وصعب قليلاً . إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قَلَّمَا تَنقُضُه الأيام ، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان . 
دخل الجامعة ، وجد فيها مواداً صعبة جداً فتَرَكَ الدراسة ، جلس في البيت ، رأى نملة تصعَد على الحائط ، صَعَدت متراً تقريباً ثم سقَطَت ، ثم كرَّرت المحاولة ، قام بالعد لمحاولاتها فوجد أن عدد المحاولات ثلاث وأربعون محاولة ، فاستحى من النملة وأكمل دراسته . الهدف يَلزَمُه الإصرار ، يَلزَمُه الصدق . إذا الإنسان لم يكن صادقاً على أي عثَرَة يتوقف ، أما الإنسان الذي لديه قرار ، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قَلَّما تنقُضُه الأيام ، إذا كان صادراً  حقاً عن إرادة وإيمان .
ثلث العظماء في العالم كانوا بوضع سيئ جداً في البدايات ولكن صبروا وأصرَّوا .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور . 
دكتور رسالة وصَلَت إلينا على اليوتيوب ، يقول صاحب السؤال : كيف للشاب الأعزب الفقير الذي لا يستطيع الزواج أن يَعِفَّ نفسه ويحفظها ؟ 
 

كيفية عفّ النفس وحفظها :


الدكتور راتب النابلسي :
يوجد أمر إلهي في القرآن الكريم :

﴿  قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)  ﴾

[  سورة النور  ]

الموضوع ليس بحديث ضعيف ، بآية قرآنية ، معنى ذلك غَضّ البصر هو الطريق للسلامة ، أما إطلاق بصر ، شاشة مفتوحة ، مجَلَّات فاضحة ، فيلم لا يُرضي الله ، إذا تابعتهم ستنفجر . مُثيرات غير معقولة ، والزواج يحتاج إلى عشرين سنة قادمة ، وتنشأ بعدها الانحرافات ، هذا الواقع ، الحقيقة المُرَّة أفضل ألف مرَّة من الوَهْم المُريح . يوجد انضباط يوجد سعادة وعِفَّة . لذلك في القرآن : 

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾

  طبعاً من للتَّبعيض ، طبعاً زوجته ، أمه ، وأخته ، وخالته ، وعمته ، هذا موضوع آخر ، أما المرأة الأجنبية و المُتَفَلَّتَة، كل مفاتنها في الطريق ، هذه هي المشكلة . الطريق فيه مشكلة ، والبيت فيه مشكلة ، في الشاشة في مشكلة ، في الآي باد والهاتف مشكلة ، عصر شَهوات ، وشُبُهات ، بالفكر شُبُهات ، في الحركة شَهَوات . 
المذيع : 
سؤالنا الأخير فضيلة الدكتور في هذه الحلقة من إكرام على صفحتنا على اليوتيوب تسأل : ما هي  النصيحة التي تَنصَحُها فضيلة شيخنا الفاضل للمسلمين في الغرب خاصة الآباء والأمهات ؟ 
 

نصيحة للمسلمين في الغرب :


الدكتور راتب النابلسي :
والله في الغرب يوجد مشكلة كبيرة . الإنسان إذا أخطأ في بلاد الشرق يُشار إلى اسمه فقط ، فُلان أخطأ ، أما في الغرب إذا أخطأ فيُصبح الإسلام خطأ ، أنت في الغرب على ثغرَة من ثغر هذا الدين . النبي قال :

((  أنتَ على ثَغْرَةٍ من ثُغَرِ الإسلامِ، فلا يُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِكَ  ))

[  الألباني  ]

إذا أخطأَ الإنسان في الشرق الأوسط ، فُلان أخطأ ، أما في الغرب فالإسلام أخطأ، يعزى إلى إسلامه ، فبالغرب هناك محاسبة دقيقة جداً ، أنا أتمنى في الغرب ، عفواً ، هذا الإنسان الغربي ما قرأ صحيح البخاري ، ولم يقرأ القرآن ، ولم يقرأ التفسير ، وليس لديه دروس دين ، الإسلام لديه جاره فقط ، الإسلام جاره ، إذا أخطأ جاره معه أي جاره خانه بعلاقة مالية سَقَط الإسلام كلّه بنظر الأوروبي .
 

(( أنتَ على ثَغْرَةٍ من ثُغَرِ الإسلامِ فلا يُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِكَ  ))

أنت في بلاد المسلمين واحد ، أنت مسلم وأخطأَت ، في الغرب الإسلام أخطأ ، أنت على ثغرةٍ من ثغَر هذا الدِّين فلا يُؤتيَنَّ من قِبَلِك .
أنت تُمَثِّل الدِّين هناك ، وكم من إيجابيَّات من أشخاص ، مُعامِلة طاهرة أسلَم على يدها ، لدي تقريباً ألف قصة : شخص غربي عدو الدِّين أَسلَم من مَوقف مُسلِم مُشَرِّف ، وفي المقابل أيضاً يَنتبِهون جداً للأشياء الإيجابية ، فأنت في الغرب تُمَثِّل الدِّين ، فإيجابيَّاتك عليها أجر مُضاعف ، والسَّلبيات عليها وِزر مضاعف .

  خاتمة وتوديع :


المذيع :
بارك الله فيك أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، نشكُرك على وجودك معنا في هذه الحلقة .
شكراً جزيلاً لفضيلتكم .
الدكتور راتب النابلسي :
أقل واجب ، بارك الله فيك .
المذيع :
حفظك الله .
الدكتور راتب النابلسي :
لكم عندي مكانة كبيرة والله .
المذيع :
بارك الله فيك ، وأنت في قلوبنا أيضاً وفوق رؤوسنا فضيلة الدكتور ، ولك مكانة كبيرة . حفظكم الله وبارك في عمركم وصحتكم إن شاء الله  .
           

        فَليتَكَ تحلو والحياةُ مـــــــــريرةٌ             وليتَكَ تَرضَى و الأَنامُ غِضابُ

           

        وليتَ الذي بيني وبينك عامرٌ            وبيني وبين العالمين خَـــــــــرابُ

             

     إذا صَحَّ مِنك الوُدُّ فالكُلُّ هَيِّنٌ             وكل الذي فوقَ التُّرابِ تُــــــــرابُ

***

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور