وضع داكن
07-11-2024
Logo
قناة الجزيرة مباشر – برنامج أيام الله : الندوة 07 - رحمات شهر رمضان
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وكل عام وأنت بألف خير .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ في البداية اقترن شهر رمضان المبارك بالرحمة ، فنريد أن نتوقف عند هذا الأمر ، وأيضاً ما صحة ما ورد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رمضان :
 عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان ، فقال : 

((  يا أيها الناس إنه قد أظلكم شهر مبارك ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، فرض الله صيامه ، وجعل قيام ليله تطوعاً ، فمن تطوع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة ، فهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وهو شهر المواساة ، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن ، من فطر فيه صائماً كان له عتق رقبة ، ومغفرة لذنوبه ، قيل : يا رسول الله ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم؟ قال : يعطي الله تعالى هذا الثواب من فطر صائماً على مذقة لبن ، أو تمرة ، أو شربة ماء ، ومن أشبع صائماً كان له مغفرة لذنوبه ، وسقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئاً ، وهو شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، ومن خفف فيه عن مملوكه أعتقه الله من النار  ))

[ أخرجه الحارث  ]

 

رحمة الله واسعة تسع كل الخلق :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد  وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
الحقيقة الدقيقة أن كلمة رحمة مفهوم واسع جداً جداً ، الصحة رحمة ، الزوجة الصالحة رحمة ، الأولاد الأبرار رحمة ، المأوى رحمة ، الدخل المعقول رحمة ، التوفيق في العمل رحمة ، المكانة الاجتماعية رحمة ، كلمة واسعة جداً جداً .

﴿   وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)  ﴾

[   سورة الأعراف ]

أعطاك الله عز وجل بعض الضوابط ، المحسن في رحمة ، المستقيم في رحمة ،  المؤمن في رحمة ، الذي ربى أولاده تربية صحيحة في رحمة ، الذي اختار حرفة شريفة نافعة للأمة رحمة ، الذي اعتنى بصحته رحمة ، مفهوم واسع جداً جداً ، فرحمة الله مفهومها واسع لكن أحياناً ربما أعطاك فمنعك ، المنع رحمة ، وربما منعك فأعطاك ، المنع رحمة ، والعطاء رحمة .

﴿  فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)  ﴾

[   سورة الأنعام ]

شيء رائع جداً ، ولكن : 

﴿  وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ  ﴾

 أي تقتضي رحمته جلّ جلاله أن يعالج المجرمين ، أن يؤدبهم ، أن يحملهم على التوبة ، أن يمنع إجرامهم 

﴿  فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ  ﴾

 تسع كل الخلق ، كل البشر أولاً ، كل الكائنات الحية ثانياً ، حتى الأشياء الثابتة لها رحمة .
 

للرحمة وجه إيجابي ووجه سلبي :


لذلك :

﴿   وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) ﴾

[   سورة الأعراف ]

﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ  ﴾

 وقد تكون الرحمة إيجابية أو سلبية ، كلاهما رحمة ، ربما أعطاك فمنعك ، المنع رحمة ، وربما منعك فأعطاك .
فلذلك لو فرضنا أن أباً طلب ابنه منه ألا يدرس ، قال له : كما تريد ، هذا نام إلى الظهيرة ، جلس مع أصدقاء السوء ، فلما كبر وجد أنه لا يملك وظيفة ، ولا يحمل شهادة ، ولا يملك بيتاً ، ولا سيارة ، ولا زوجة ، ولا مكانة ، نقم على أبيه ، يا أبتِ ! حينما قلت لك : أريد ألا أدرس لِمَ لم تضربنِي ؟ لِمَ لم تعالجنِي ؟ 

﴿  فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ  ﴾

 وتقتضي هذه الرحمة 

﴿  وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ  ﴾

 ادخل لجامع فيه ألف ، ثمانمئة ، الله عالجهم معالجة لطيفة ، حتى دفعهم إلى طاعته ، فالإنسان حينما يخطئ ولا يحاسب يتابع خطأه ، أما إذا كان هناك متابعة من الله عز وجل قد يضيق على المسرف ، وقد يزعج الإنسان في عمله إذا أخطأ فهذه المعالجة هي أساسها رحمة ، كالأب تماماً ، أب يمشي في الطريق رأى ابنه يدخن ، وإلى جانبه ابن عمه يدخن ، والثالث صديقه وهو يدخن ، ابنه يقيم عليه الدنيا ، ابن أخيه أقل ، الغريب امشِ يا بني .
 فلذلك كلما الرحمة ازدادت والاهتمام زاد المعالجة قويت ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ) .
لكن أحياناً أمام الطبيب يوجد مريضان ، مريض معه التهاب معدة حاد أخضعه لحمية قاسية جداً جداً لستة أشهر على الحليب ، والأمل بالشفاء التام واقع ، والثاني لا سمح الله معه ورم خبيث منتشر في كل أنحاء جسمه ، سأله الثاني : ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت .

﴿   فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)  ﴾

[  سورة الأنعام ]

فالمؤمن أقرب إلى الله ألف مرة إذا عولج ، مادامت المعالجة تؤدي إلى السلامة ،   والسعادة ، والاستمرار ، والجنة ، فالمعالجة أصبحت رحمة ، الرحمة لها وجه إيجابي ، ووجه سلبي ، فالتأديب رحمة ، أحياناً المصيبة رحمة ، أحياناً القلق رحمة ، الخوف رحمة ، الأشياء السلبية كلها لها أهداف رحمانية ، أهداف إلهية ، فالإنسان بعد أن يتوب إلى الله ، ويستقر ،  ويقطف ثمار دينه ، وإيمانه ، وتألقه ، وسعادته ، وتوفيقه ، يشكر هؤلاء الذين قسوا عليه في بداية حياته حتى حملوه على طاعة الله ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ حضرتك تحدثت وقلت ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك، كيف يكون المنع رحمة من الله عز وجل ؟
 

المنع رحمة من الله عز وجل :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
كيف يكون المنع رحمة ؟ هذا هو السؤال ؟ الإنسان إذا أراد شيئاً يتفاقم ، النقطة الدقيقة ، صخرة مستقرة على رأس جبل ، لو دفعتها قليلاً لأمتار محدودة ، لا تستقر إلا في قعر الوادي ، فحينما تأتي المعالجة مبكرة معنى هذا أننا تفادينا التطور السلبي ، حينما تأتي المعالجة مبكراً بها نستعين على طاعة الله عز وجل ، الله رب رحيم .
كالأب تماماً ، مثال بسيط  نموذج بين أيدينا ، الأب أسعد شيء بحياته نجاح ابنه ، توفيق ابنه ، صحة ابنه ، عفواً ؛ الأب والأم يملكان رحمة مشتقة من رحمة الله ، والآية واضحة:

﴿  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)  ﴾

[  سورة آل عمران ]

هذه الرحمة ، الأم تعتني بابنها عناية تامة ، والأب كذلك ، أما الآخر فليس كذلك ، فالرحمة الله عز وجل أودعها في قلب الأم والأب ، رحمة الأم والأب هي رحمة الله ، أودعت في قلب الوالدين ، فهذا نموذج واضح ، أحياناً الأم تحرم نفسها الأساسيات من أجل أولادها ، فأنت بين أم وأب ، الأم والأب يقدمان لك مثلاً واضحاً ، جلياً ، صارخاً ، واقعياً ، عملياً لرحمة الله عز وجل .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ قلت في ثنايا كلامك إن الرحمة لها جانب إيجابي ، وجانب سلبي ما هو الجانب السلبي في موضوع الرحمة ؟
 

الجانب السلبي في موضوع الرحمة  :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
المصائب سميت مصائب لأنها تصيب الهدف ، مصيبة ، يوجد كبر ؛ الله وضعه بموقف فيه حرج شديد ، أدبه ، أدبني ربي ، يوجد إسراف بالإنفاق ؛ الله عز وجل هيأ له ضيقاً بالدخل ، هذا الضيق إشارة إلى الذنب ، فكل ذنب ، كل انحراف ، كل تقصير ، كل تجاوز يقابله شيء من جنسه ، لكن ليس من المعقول أب حكيم عالم يعاقب ابنه ولا يذكر له السبب ، لا بد من ذكر السبب ، أخذ بالرياضيات صفراً فأدبه ، إن سكت الأب ما قدم شيئاً ، لذلك الله عز وجل يلقي في روع الإنسان أي في قلبه أن هذه المصيبة لهذا السبب ، فالله عز وجل يلقي في قلب العبد حينما تأتيه معالجة إلهية أن هذه المعالجة هذا سببها وهذا من نعمة الله الكبرى ، الله رحمن رحيم ، ورحمة الأم والأب واحد بالمليون من رحمة الله عز وجل .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ حضرتك أشرت إلى فكرة التربية ، وفكرة تعامل الوالدين مع أبنائهم فكرة استخدام الشدة من جهة الأب والأم تجاه الأبناء هل هذا ينافي خلق الرحمة ؟ 
 

التربية والرحمة صفتان عظيمتان مترابطتان :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا ينافي أبداً ، لكن الله عز وجل قال : 

﴿  تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ( 78 )  ﴾

 

[  سورة الرحمن  ]

صفتان عظيمتان ، جلال ؛ تخافه ، إكرام ؛ تحبه ، أن تمسك العصا من الوسط قمة النجاح والفلاح والذكاء ، يجب أن يطمع في عطائك ، وأن يخاف من غضبك ، أما إذا خاف فقط سُحق ، وإذا طُمع تساهل بكل شيء ، فلابد من حالة دقيقة جداً لا يحسنها إلا المتفوقون ، الناجحون ، أن يخافه بقدر ما يحبه ، وأن يحبه بقدر ما يخافه ، والقرآن دليل       ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ ) العظمة ( وَالْإِكْرَامِ ) المحبة ، النبي الكريم قال : " تخلقوا بأخلاق الله" ، فالله عز وجل يرخي الحبل ، بحبوحة ، دخل ، مكانة اجتماعية ، صار هناك تجاوز لحدوده تأتي مشكلة صحية ، أو مالية ، أو إدارية ، الله عز وجل بين العطاء والمنع ، المنع رحمة والعطاء رحمة ، فالإنسان حينما ينعم بنعمة ينبغي أن يراها فضلاً من الله عز وجل ، ويتأدب مع الله ، فلا يجاوز الحدود ، تجاوز الحدود يوجد وراؤه معالجة إلهية ، ابن طلب من والده ألا يدرس ، لو فرضنا قال له : كما تريد يا بني ، فلما كبر الابن لا يملك وظيفة ، ولا مهنة ، ولا حرفة ، ولا تجارة ، ولا شيئاً إطلاقاً ، ولا زواجاً ، فنقم على أبيه ، أما لو أن والده أدبه في ذلك الوقت ، وحمله على الدراسة ، وعاتبه ، وقد يقسو عليه ، حتى صار مهندساً أو طبيباً ، يحمد أباه على المعالجة ، وقد تكون قاسية في البداية ، ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) 
المذيع :
بارك الله فيك دكتور ، دكتور ؛ لفظ الرحمة كما قلنا في المقدمة يكرر أكثر من مئتي مرة في القرآن الكريم ، ما دلالة هذا الذكر الكبير من حيث العدد للرحمة ؟
 

دلالة تكرار الرحمة في القرآن الكريم :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الله خلقنا ليسعدنا ، حلقنا ليرحمنا .

﴿  إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)  ﴾

[   سورة هود ]

خلقنا ليعطينا ، خلقنا لننعم في الدنيا والآخرة .

﴿  وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( 46 )  ﴾

[ سورة الرحمن ]

جنة الدنيا ؛ جنة القرب .
         

   فـلو شاهدت عيناك من حسننــــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــا لغيرنــــــا

           

 ولو سمعت أذناك حسن  خطابـنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا

         

   ولو ذقت مـن طعــــــم المحـبة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــا

         

   ولو نسمت من قربنا لك نسمــــــة           لمــــت غريباً واشتياقــــــــــاً لقربنـــــــا

         

   ولو لاح مـن أنوارنا لك لائـــــــــــــح        تــركت جميع الكائنــات لأجلنــــــــــــــا

***

والله لا أبالغ الذي وصل إلى رحمة الله وصل إلى توفيق الله ، أصبح له خط ساخن مع الله ، يناجي الله في الليل ، يسأله ، يتوب إليه ، يستغفره ، يتقرب إليه ، هذا إن لم يقل وأنا أعني ما أقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني لديه مشكلة ، لأنه وصل إلى الذات الإلهية ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، وصل إلى أرحم الراحمين ،  وصل إلى رحمة واسعة لا تحد ، فإذا الإنسان وصل إلى الله وصل إلى كل شيء .
" ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
المذيع :
فضيلة دكتور ؛ ونحن الآن نعيش أول أيام شهر رمضان المبارك فكل عام وأنت بخير، وكل المسلمين في أنحاء العالم بخير ، هل نستطيع أن نعتبر أن شهر رمضان رحمة من رحمات الله عز وجل لنا ؟
 

شهر رمضان رحمة من رحمات الله عز وجل لنا :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
من أكبر الرحمات ، شهر استثنائي ، شهر له ميزة خاصة ، فيه صلاة التراويح .

(( " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي " . ))

لو الإنسان ذاق طعم القرب من الله ، هذا الوقت وقت الفجر وقت إقبال على الله ، وقت اتصال بالله ، وقت تلقي الرحمات .

((  عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : لو يعلمُ الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأول ، ثم لم يَجِدُوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَمُوا ، ولو يعلمون ما في التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إليه ، ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوا  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ]

((  عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : رَبُّنَا كُلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا ، حين يبقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ ، فيقول : من يَدعُوني فأَستجيبَ له ؟ مَن يَسْألُني فأُعْطِيَهُ ؟ مَن يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ   ))

[ [ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك]  ]

الإنسان إذا أحكم اتصاله بالله ، بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، بالذات الإلهية، بصاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، من بيده كل شيء .
 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)  ﴾

[ سورة هود ]

وصلت إلى كل شيء .

(( " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء " . ))

المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ ونحن في هذا الشهر نقبل على قراءة القرآن الكريم ، ونجد في بداية القرآن ، وفي بداية كل سورة ما عدا بالطبع سورة التوبة نجد بسم الله الرحمن الرحيم ، فما هو الفرق بين الرحمن والرحيم ؟
 

الفرق بين الرحمن والرحيم :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
رحيم في ذاته ، رحمن في ذاته ، رحيم بخلقه ، ذاته الرحمة أصل فيها ، رحيم في ذاته ، رحمن في ذاته ، رحيم بخلقه ، بخلقه قد تكون الشدة رحمة ، المنع رحمة ، العطاء رحمة ، التوفيق رحمة ، عدم التوفيق بعمل لا يرضي الله رحمة ، فالرحمة منوعة بين الإيجابيات والسلبيات ، أما الذات الإلهية فذات كاملة ، رحمن في ذاته ، رحيم في خلقه .
أب يرى ابنه يدخن ، ألا يتألم ؟ من رحمته البالغة بابنه يتألم أشد الألم ، ماذا يعمل؟ يمنع عنه بعض النقود ، قد يعرض عنه ، هذه الأشياء السلبية دليل الرحمة بقلب الأب ، أما إنسان رأى شابً يدخن بالطريق فلا يهتم ، أما ابنه فيهتم اهتماماً كبيراً جداً ، فالرحمة دليل المحبة ، دليل الحرص ، دليل التربية الراقية ، فدائماً الشدة تنطوي على رحمة .
( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ ) أي تقتضي رحمته الواسعة ألا (يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) المعصية غير الإجرام ، المعصية ؛ خالف منهج الله في حياته الخاصة ، الإجرام نقل أذاه إلى الآخرين .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ يقول الله عز وجل : ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) ما معنى هذه الآية ؟ وما حدود رحمة الله عز وجل ؟ هل تشمل هذه الرحمة الكافر ؟ هل تشمل هذه الرحمة الظالم ؟ هل تشمل هذه الرحمة القاطع للرحم  ؟ تفسير هذه الآية فضيلة الدكتور ؟
 

الله تعالى عقابه أليم وشديد لكن مع العقاب رحمة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
المطلق في القرآن على إطلاقه ، ولا يقيد ، ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) حتى الكافر ، طبعاً قد يعالجه ، وقد يؤمن في النهاية ، قد يضيق عليه فيبتعد عن معصية معينة ، الله رب العالمين بهذه التربية يعالج البشر جميعاً ، أحياناً إنسان يتحدى ، يأتيه مصاب يلقيه على الأرض بلا حراك ، فالله عز وجل كبير ، عقابه شديد وأليم ، لكن يوجد مع العقاب رحمة .
 

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)  ﴾

 

[ سورة الزمر ]

أسرف ، لم يدع معصية إلا ارتكبها ( لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) .
" لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟ " .
هو ينتظرنا .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عندما وصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، وصفه نفسه بأنه محمد ، وأحمد ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة، ما دلالة هذا الوصف فضيلة الدكتور ؟
 

دلالة وصف النبي بأنه نبي الرحمة والتوبة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
النبي عليه الصلاة والسلام هو سيد الأنبياء والمرسلين ، الإنسان الأول في العالم .

﴿  وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)  ﴾

 

[ سورة النجم ]

﴿  عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)  ﴾

 

[ سورة النجم ]

فالإنسان الأول هو سيدنا محمد في نص القرآن الكريم ، هذا الإنسان بقدر تفوقه مع ربه ، بقدر رحمته بالخلق ، هو الرحمن دائماً وأبداً .
وقف مرة بجنازة فهمس بأذنه أن هذا الذي مات في النعش ليس مسلماً ، قال : أليس إنساناً ؟ هذه الإنسانية أوسع مرتبة ، فالإنسان أحياناً يعتني بنفسه ، أحياناً بأسرته ، أحياناً بالعائلة الأكبر ، أحياناً ببلدته ، أحياناً بقومه ، كلما اتسعت الدائرة يرتقي الإنسان .
مرة جئت من بلد مغربي إلى الشام في الطائرة ، وكان الطيار تلميذي ، جلست في غرفة القيادة ، دخلنا إلى سوريا ، رأيت بعيني طرطوس وصيدا ، رأيت بعيني خمسمئة كيلو متر بنظرة واحدة ، تعلمت أن الإنسان كلما ارتفع مقامه اتسعت رؤيته ، وكلما ارتفع مقامه اتسعت رحمته ، فالإنسان قيمته عند الله بقدر رحمته ، بقدر عمله الصالح ، بقدر إصلاحه للآخرين ، يبتعد عن الانتقام ، يعفو عمن أساء إليه .
 

معرفة الله أكبر عطاء إلهي على الإطلاق :

 
عفواً ؛ الله قال :

﴿  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 4 )   ﴾

[  سورة القلم  ]

كلمة تعظيم من الله ، للتقريب : طفل أعطاه عمه خمسة دنانير فرضاً في الأردن ، وعمه الثاني خمسة ، وعمه الثالث خمسة ، وخاله خمسة ، قال : أنا معي مبلغ عظيم ، يملك مئتي دينار ، مبلغ عظيم ، أما إذا قال مسؤول كبير بدولة عظمى : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً فنقدره بمئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿   وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)  ﴾

 

[ سورة النساء ]

أي أكبر عطاء إلهي على الإطلاق أن تعرف الله .

(( " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " . ))


 الحبّ أساس حياتنا :


إن تعرف الله أكبر إنجاز ، أكبر عطاء ، هو الذات الكاملة ، أصل الجمال ،  والكمال ، والنوال ، بيده كل شيء ، الأقوياء بيده ، الضعفاء بيده ، المال بيده ، الصحة بيده ،  المرض بيده ، ومع كل ذلك ، شيء دقيق جداً سأقوله ، الصحة بيده ، المرض بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، التقدم بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، صحتنا بيده ، رزقنا بيده ، نجاح زواجنا بيده ، تربية أولادنا بيده ، نجاحنا بالعمل بيده ، المكانة بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال :

﴿  لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)    ﴾

 

[  سورة البقرة ]

بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب ، قال :

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)  ﴾

[  سورة المائدة ]

﴿  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)  ﴾

 

[ سورة البقرة ]

الحب أرقى علاقة ، علاقة الحب أرقى علاقة ، قال : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) .
نحن لو أننا سئلنا في بعض البرامج التي فيها تقص : إن الله يحب ، كان عدد الآيات اثنتي عشرة آية ، يحب الصادقين ، يحب الضعفاء ، المحسنين ، إن الله لا يحب ، هذه نصيحة للأخوة المشاهدين ، اكتب إن الله يحب ، بحث ، وانظر إلى الآيات كلها ، طبقها أنت يحب الله ، ولا يحب تجنبها ، ممكن أن تتبع ما يحب ، وأن تبتعد عما لا يحب ، فقط ، الحب في الله أعظم شيء في الحياة ، أن يحبك الله خالق الأكوان ، الذات الكاملة ، خالق السماوات والأرض ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، هذا الحب ، الحب أساس حياتنا ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) الله عز وجل .
المذيع :
فضيلة الدكتور ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) كيف نستفيد من شهر رمضان في تعميق حبّ الله في قلوبنا ؟
 

كيفية الاستفادة من شهر رمضان في تعميق حبّ الله في قلوبنا :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
يحبنا منحنا نعمة الوجود ، نعمة الإيجاد .

﴿  هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1)  ﴾

[  سورة الإنسان ]

الآن كل واحد منا له سنة ميلاد ، قبل سنة أو عشر سنوات هل كنت موجوداً ؟    (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) فالله وهبنا نعمة الإيجاد وهذه أهم شيء ، في وقت لم تكن معروفاً ، أنا دائماً هذه النقطة دقيقة عندي ، هذا الكتاب ، مثلاً المؤلف قبل هذا التاريخ لم يكن موجوداً ، قبل الميلاد لم يكن موجوداً ، ليس له اسم أساساً ، نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، أمدك بصحة ، بعينين ، بشم ، بلسان ، بنطق ، بكلام ، بكبد ، بقلب، أمدك بأجهزة بالغة التعقيد ، دقيقة جداً ، نقص جهاز واحد يجعل الحياة جحيماً ، أما نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، دلك عليه ، يوجد إله عظيم ، ذاته كاملة ، أعماله عظيمة ، المصير إليه ، نعمة الهدى والرشاد ، أكبر نعمة نعمة الهدى ، نعمة الهدى لا تعدلها نعمة ، عرفت الله .

(( " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء " ))

أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، عرفت الله عز وجل ، هذه أكبر نعمة ، لأن الدنيا فانية ، الغني يموت ، والفقير يموت ، والقوي يموت ، والضعيف يموت ، دائماً الحياة كلها الآن تنتهي عند الموت ، بالمفهوم العام ، أما نحن فيوجد عندنا إيمان باليوم الآخر ، يوجد جنة إلى أبد الآبدين .

((  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

فالبطولة أن نؤمن بالله واليوم الآخر ، ركنان أساسيان في الإيمان لم يردا إلا مجتمعين ، الإيمان بالله كي تعرفه ، كي تطيعه ، كي تسعد بقربه ، واليوم الآخر أن تخاف أن تؤذي مخلوقاً .

﴿  فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)  ﴾

[   سورة الحجر ]

تبني مجدك على أنقاض الآخرين ، والحياة على موتهم ، والقوة على إضعافهم ، والغنى على إفقارهم ، وينجو ! مستحيل أن ينجو ، الإنسان حينما يؤمن بالله ينضبط بمنهج  تعليمات الصانع ، بدافع من حرصك على مركبتك إن رأيت ضوءاً أحمر تألق في لوحة البيانات هذا لِمَ تألق ؟ إن فهمته ضوءاً تزيينياً احترق المحرك ، وإن فهمته ضوءاً تحذيرياً نجا المحرك ، فأنت يجب أن تعرف إذا كان الشيء على خلاف ما ينبغي ما السبب ؟ ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، تعامل مع الله تعاملاً واقعياً ، الله عز وجل غني عن تعذيبنا ، إذا كان هناك مصائب كبيرة بالأرض معنى هذا يوجد أسباب كبيرة معها ، المصائب الكبيرة يقابلها انحرافات خطيرة ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ شهر رمضان شهر الدعاء أيضاً ، وكثير من الناس أو كل المسلمين يقبلون على الدعاء إلى الله عز وجل ، هناك من يقول إن البعض يدعو على الظالمين هل يتنافى الدعاء على الظالمين مع خلق الرحمة ؟
 

التأديب الإلهي رحمة من الله عز وجل :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أولاً الدعاء .

((  عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ   ))

[ أخرجه الترمذي  ]

والدعاء هو العبادة ، ومن لا يدعوني أغضب عليه ، وإن الله يحب من عبده أن يسأله شسع نعله إذا انقطع ، الدعاء هو العبادة 

(( الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ  ))

كائن حادث ، لم يكن شيئاً مذكوراً ، ضعيف ، ضعيف أمام حاجاته ، هذا الكائن الضعيف سُمح له أن يتصل بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، بالذات الإلهية ، يدعوه ، فالدعاء هو العبادة 

(( الدُّعاءُ مُخُّ  العبادةِ ))

  الدعاء أن تسأل هذا الخالق العظيم صحة ، زوجة صالحة ، عملاً معقولاً ، دخلاً معقولاً ، أولاداً أبراراً ، عندك مليون دعاء ، الدعاء هو العبادة ، خلقنا لندعوه .

﴿   إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)  ﴾

 

[ سورة هود  ]

خلقهم ليرحمهم ، يوجد مفهومات غير صحيحة ، خلقنا للعذاب ، هذه كلمات مرفوضة كلياً ، والله لا أبالغ تقترب من الكفر ، القرآن واضح ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) ليرحمهم ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) جنة في الدنيا هي جنة القرب ، وجنة في الآخرة جنة الخلد ، وما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة .
ذكرت قبل قليل لو أن ابناً طلب من والده ألا يدرس ، قال له : كما تريد ، فلما كبر هذا الشاب لا بيت ، لا عمل ، لا وظيفة ، لا دخل ، لا زوجة ، لا أولاد ، حقد على أبيه ، لو أنه أدبه ما قبل منه هذا الطلب ، وشدّ عليه صار طبيباً ، أو محامياً ، أو مهندساً ، يمتلئ محبة لوالده على التأديب .
فلذلك أنت حينما تفهم التأديب الإلهي تعرف أنه رحمة من الله ، عندنا من الله إيجابية ورحمة باطنة .

﴿   أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)  ﴾

[   سورة لقمان  ]

الآية دقيقة جداً ( ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) الباطنة ؛ المصائب ، تصيب الهدف ، أنت اتصلت مع الذات الإلهية ، مع الرحيم ، مع القوي ، أقوى من كل أعدائك ، بيده كل شيء ،  الأقوياء بيده ، الضعفاء بيده ، المال بيده ، الصحة بيده ، التفوق بيده ، نجاح الزواج بيده ،  تربية الأولاد بيده ، تعامل معه على أنه رب العالمين ، رحمن رحيم .
المذيع :
إذاً فضيلة الشيخ الحديث حول الدعاء ، والدعاء على الظالمين ، هل هذا يتنافى مع خلق الرحمة ؟ هل إذا الإنسان وضع في موضع ظلم ....
 

الدعاء على الظالمين لا يتنافى مع خلق الرحمة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا يتنافى إذا كان ظالماً ، ظالماً عنيداً ، متكبراً ، متعجرفاً ، لو دعوت عليه لا يوجد مشكلة أبداً ، لكن لو فرضنا قال : اللهم اهده ، ممكن ، إذا هذا الإنسان القوي اهتدى رحم الأمة، هذه قضية تفاضلية ، إن دعوت عليه فدعاؤك مقبول لأنه ظالم ، لكن لو دعوت له بالهداية فهذا شيء آخر .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جعل الرحمة مئة جزء  أنزل جزءاً واحداً في الدنيا ، وترك ، أو أمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً في الآخرة ، لِمَ أمسك الله كل هذه الرحمات ؟ ويقول بعض البشر إننا نحتاج إلى الرحمات في ظل القتل والتشرد في العالم كله الآن ؟

الله عز وجل يحبنا وهو غني عن تعذيبنا :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
خلقنا للأبد ، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض فيها :  ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ  
أريد أن اذكر ملمحاً دقيقاً ، واحد بالأرض ، وأصفار إلى الشمس ، الأرض بعدها عن الأرض 156 مليون كيلو متراً ، إذا كان بكل ميلي صفر ما هذا الرقم ؟! تصور واحداً بالأرض وأصفاراً لمئة وستة وخمسين مليون كيلو متراً ، وكل ميلي صفر ، هذا الرقم المذهل إذا نسب إلى اللانهاية صفر ، أي رقم مهما تصورت إذا نسب للانهاية صفر ، الآخرة هي اللانهاية، إلى أبد الآبدين ، معقول يضيع الإنسان الآخرة لسنوات معدودة كلها متاعب ، وكلها هموم ؟ مستحيل ! الركنان الكبيران في القرآن الإيمان بالله واليوم الآخر وردا معاً دائماً ، الإيمان بالله كي تطيعه ، وباليوم الآخر ألا تؤذي مخلوقاً ، والله أن تدوس على نملة قصداً مشكلة كبيرة ، والله نملة ، شعوب تقتل ، بيوت تهدم ، الشيء الذي يجري لا يوصف .

((  عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً  ))

[ أخرجه ابن حبان والحاكم  ]

فأنت عندما تعرف أن هناك حساباً دقيقاً ، ما من قطرة دم تراق في الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا وسوف يتحملها إنسان كائناً من كان ، إلا دم المقتول بحدّ يتحمله الله ، فقط ، ما من قطرة دم تراق في الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا وسوف يتحملها إنسان مهما علا شأنه ، إلا دم المقتول بحدّ يتحمله الله ، فالإنسان حينما يتحرك بلا منهج ، بلا دين ، بلا تشريع إلهي ، بلا تعليمات الصانع ، سيارة جديدة اشتريتها إذا تألق مصباح أحمر تسأل : لماذا تألق ؟ يجب أن تعرف أن هذا التألق ليس تألقاً تزيينياً ، هو تألق تحذيري ، الله قبل المصاب الكبير يبعث رسائل ، أحياناً مرض معين ، جائحة معينة ، زلزال أحياناً ، الله عنده وسائل للتنبيه لا تعد ولا تحصى أبداً ، فالله عز وجل شديد المحال ، محبته تفوق حدّ الخيال ، خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم ، في الدنيا يوجد جنة هي جنة القرب ، وفي الآخرة يوجد جنة هي جنة الخلد ، فلذلك كل شيء سلبي ، الله غني عن تعذيبنا ، غني ، لكن هو يحبنا أن نكون قريبين منه ، يحبنا أن نقبل عليه ، يحبنا أن نسعد بقربه ، يحبنا أن يوفقنا في حياتنا بكل جوانبها ، محبة الله مهمة جداً : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) 
 

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)  ﴾

 

[ سورة البقرة ]

المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ ربما نريد أن نفهم صنع الله عز وجل ، أي عندما ينظر بعض الناظرين يجد أن أهل الإيمان وأهل التقى يعيشون في كد ، وتعب ، ومشقة ، وابتلاءات ، واعتقالات ، وسجون ، ونفي ، وعلى الجانب الآخر يجد بعض الظالمين ، أو يجد الظالمين منعمين بالمال ، وبالسلطة ، وبالجاه ، كيف نفهم صنع الله عز وجل في هذا الأمر ؟
 

صنع الله عز وجل مع البشر :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله الجواب واضح جداً ، طبيب يوجد أمامه مريضان ، أحدهما معه التهاب معدة حاد ، والشفاء التام ممكن ، أخضعه لحمية قاسية جداً جداً ، ستة أشهر على الحليب بعدها شفاء تام ، لو فرضنا الطبيب رأى الثاني معه ورم خبيث منتشر بكل جسمه ، سأله الثاني : ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت ، اسمع القرآن :

﴿   فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)  ﴾

[  سورة الأنعام ]

ما قال : باب كل شيء ، أبواب ، ليس أبواب شيء ، أبواب كل شيء ، رفاه،  مواصلات ، دخل كبير ، ملاه ، احتفالات ، سفر بالطيران ، شيء لا يصدق ، المتع تفوق حدّ الخيال ، حتى الانحراف الشديد متاح لكل إنسان ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون ) أيهما أفضل أن يكون الإنسان قابلاً للشفاء ويتحمل معالجة الإله العظيم له ، إلى أن انتهت المعالجة بالإيمان الصحيح ، بالتوبة النصوح ، بالإقبال على الله ، بطاعة الله ، بتحرير الدخل من الحرام ، بتحرير الشاشة من الانحراف أم الله عز وجل يشدد رحمته ؟ هذه رحمته أساساً ، أما الثاني فبالضبط كلامي ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) . 
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور .
دكتور ، شهر رمضان فرصة عظيمة للتقرب ، قول النبي صلى الله عليه وسلم :

((  عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد ، إِذا اشتكى منه عضو : تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم  ]

ما هي وصيتكم دكتور على فكرة نشر التراحم بين المسلمين ؟
 

ضرورة نشر التراحم بين المسلمين :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
أقول لك كلمة : والله لا أرى من طاعة لله تفوق صلة الأرحام ، لك أخ ، لك قريب ، لك أخت في طرف المدينة الآخر ، من لها غيرك ؟ والله أكبر طاعة لله ، ولاسيما في الأعياد ، أو في رمضان ، أن تتصل بأخواتك ، بالأخوة الكرام ذكوراً وإناثاً ، بالأصهار والأقارب ، هذه أكبر عبادة ، هذه الصلة تمتن المجتمع ، تقوي المجتمع ، تعمل تماسكاً في المجتمع ، هذه نقطة مهمة جداً ، له أخ ، له أخت ، له صهر ، له قريب ، له عم ، له ابن عم أحياناً يكون في طرف المدينة الآخر اذهب إليه .
والله أعرف شخصاً سمع درساً لي عن صلة الأرحام ، له قريب ما زاره إطلاقاً ،  زاره فوجد بيته تحت الأرض ، بالقبو السفلي ، لا يوجد شمس إطلاقاً ، مع أولاده أمراض ، هو ميسور ، أخذ له بيتاً بالطابق الثالث ، هذا عمل ، الحقيقة الصلة أحياناً نفهمها فهماً مضحكاً جداً ، أن تطرق الباب لم تجده ترتاح ، وضعت بطاقة ، زرتك بالعيد ، ليست هذه الصلة ، الصلة أن تتفقد أحواله ، وضعه المادي ، وضعه المعاشي ، أولاده ، لعل ابنه يحتاج لقسط جامعة ، وأنت ميسور ، الصلة معاونة ، معاونة بالناحية المادية ، والمعنوية ، والأدبية ،  والعلمية ، بالصلة المجتمع يتماسك ، فلذلك التماسك الاجتماعي عن طريق الصلة عمل عظيم جداً .
المذيع :
فضيلة دكتور ؛ حوار طيب ، وماتع ، ومفيد ، ونستمتع به دائماً مع مشاهدينا  وأسئلة كثيرة وردت إلينا عبر منصاتنا الرقمية ، نبدؤها بهذا السؤال .
يقول صاحب السؤال وهو متابع لهذه الحلقة ، يقول : معنى الكلام أن بلاء العباد كله بذنوبهم ، وفي الآخر بالنهاية ممكن أن يتوب الله على هؤلاء الظالمين دون أن يشفِي صدور المظلومين ؟
 

التوبة أصل في الدين :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
انظر سيدي ، التوبة أصل في الدين ، إذا تاب العبد توبةً نصوحة أنسى الله حافظيه وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، لكن التوبة لا تلغي الحقوق ، لابد من أداء الحقوق ، فالتوبة بينك وبين الله سهلة جداً ، هناك ذنب ما كان بينك وبين الله ، التوبة سهلة جداً ، حقوق الله مبنية على المسامحة ، بالعبادات ، ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، يوجد دين .
أحد الصحابة الكرام توفاه الله ، فالنبي قبل أن يصلي عليه قال : أعليه دين ؟ قالوا: نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، ما صلى عليه ، له أخ كريم ، قال له : عليّ دينه يا رسول الله ، فصلى عليه ، سأله في اليوم التالي : أأديت الدين ؟ قال : لا ، سأله في اليوم الثالث : أديت الدين ؟ قال : لا ، باليوم الرابع قال : أديته ؟ قال : نعم ، قال : الآن ابترد جلده .
حقوق العباد مبنية على المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة ، فذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، الصلحة بلمحة .
 

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)  ﴾

[  سورة البقرة ]

الصلحة مع الله سهلة جداً ، أما مع العباد فلابد من أداء الحقوق ، إلا إذا سامحك صاحب الحق ، إما بالأداء ، أو المسامحة ، أما الذنب الذي لا يغفر فهو الشرك بالله ، ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، وذنب لا يغفر هو الشرك بالله .
 كيف ؟ إنسان معه خثرة بالدماغ ، يحتاج إلى مستشفى فوراً ، أخذناه إلى مقصف ، يموت هناك .
ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، وذنب لا يغفر وهو الشرك بالله ، لكن أخطر شيء بحياتنا الشرك الخفي .

((  عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه بكى فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فذكرته فأبكاني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية ، قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم ، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه  ))

[  أخرجه الإمام أحمد ]

ولكن شهوة خفية ، وأعمال لغير الله ، هذا شرك خفي ، هذه أكبر مشكلة الآن .
المذيع :
كيف نضبط هذه الشهوة الخفية فضيلة الدكتور ؟ كيف نتعرف عليها وكيف نتقيها حتى نكون بعيداً عنها ؟
 

كيفية ضبط الشهوة الخفية :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الضابط هو الشرع سيدي ، عندنا تفاصيل شرعية كاملة ، يوجد عطاء ، مع العطاء يوجد كبر ، أن تمن عليه ، لولا مالي ما نبت لحم أكتافك ، يوجد كلمات سيئة جداً ، الكلمات المؤذية الله يحاسب عليها حساباً شديداً ، وأحياناً الله ينتقم ، هذا الذي يعلو بماله ، أو يعلو بمنصبه ، أو يعلو بفخامة بيته ، قد يفقد كل شيء ، الله كبير ، وعذابه خطير ، فلابد من الصلح مع الله .

(( " إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادِ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله " . ))

أنت عفواً ، حينما تحسب حساب الإله العظيم بيده كل شيء ، بأي لحظة ، عفواً كلام بكلام ، خثرة بالدماغ انتهت حياته ، تشمع كبد ، فشل كلوي ، بأي لحظة ، مرض وبيل انتهت حياته ، يعيش لكن طريح الفراش ، ليس معنى هذا إذا شخص مؤمن أصابه مرض هو في مشكلة ، لا ، لكن الله بيده خيارات كثيرة .
أنت كمدير دائرة عندك مع الموظفين خمسة خيارات ، أربعة خيارات ، تتركه كما هو ، تكافئه ، تعاقبه ، تصالحه ، أما الله عز وجل فقد بعث فيروساً قلب الدنيا رأساً على عقب ، هذا فيروس بسيط ، الطيران تعطل ، السياحة تعطلت ، لكن الله خياراته مع العباد لا تعد ولا تحصى ، هذا الإله العظيم يجب أن تعرفه ، أن تتوب إليه ، أن تقبل عليه ، أن تطيعه .

﴿  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)  ﴾

[ سورة الأحزاب  ]

الإله العظيم قال : فوز عظيم ، فطاعة لله هي النجاح الحقيقي والفلاح .
 

الفرق بين النجاح والفلاح :


بالمناسبة : النجاح أحادي ، لم يرد في القرآن إطلاقاً ، ورد الفلاح ، الفلاح شمولي، نجحت مع الله معرفة ، وعبادة ، وطاعة ، وتطبيقاً لمنهجه ، وإحساناً ، الآن نجحت في بيتك، البيت لا يوجد فيه معاص ، لا يوجد فيه شاشة مفتوحة ، لا يوجد فيه اختلاط ، لا يوجد فيه مال حرام ، نجحت مع نفسك أولاً ، وفي بيتك ثانياً ، وفي عملك ثالثاً ، يوجد أعمال أساسها مواد ضارة ، نسب مواد توضع ببعض الصناعات الغذائية غير معقولة ، تسبب السرطان ، فيجب أن تنجح بثلاث دوائر  ؛ بيتك دائرة ، أنت دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك .
عفواً ؛ الباقي لا تحاسب عليه ، أنا أحاسب على مكان لي فيه القرار ، أنت تستطيع أن تصلي أو لا تصلي ، أن تكون صادقاً أو كاذباً ، أن تغش أو لا تغش بالبضاعة ، أنت دائرة ، وبيتك دائرة ، البيت أحياناً فيه اختلاط ، معاص ، آثام ، نظر إلى الآخرين ، تفلت ، عدم انضباط ، غيبة ، نميمة ، وعملك ، قد يكون العمل مشروعاً ، لكن التعامل فيه غير مشروع ، قد تكون المادة غير مشروعة بالأساس ، فلابد من أن تضبط نفسك ، وبيتك ، وعملك ، وإذا أديت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك ، تحاسب عن هذه الدوائر الثلاثة ، فإذا أقمت فيها أمر الله نجوت ، أما أنت فتتفاعل مع المآسي العامة ، أنت إنسان ، والذي يحاسبون ، ويقتلون أخوة لنا تتفاعل تفاعلاً أخلاقياً ، وإيجابياً ، أما كمحاسبة فتحاسب عن دائرة لك فيها القرار   تملك فيها القرار ، نفسك دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك .
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور ، جواب شاف ، أسئلة كثيرة سنأخذ بعضها ، في هذه الحلقة الطيبة المباركة .
سؤال من يونس إبراهيم المالكي ، يقول : إن الأعمال الصالحة ، وأبواب الطاعة كثيرة جداً لكن ما هي الأعمال الصالحة التي يركز عليها المسلم في رمضان ؟ وكيف يغتنم أوقاته في رمضان ؟ جزاكم الله خيراً .
 

الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
للتقريب : هذا الجائع أطعمته فشبع ، بعد يومين جاع ، هذا العاري كسوته بعد أشهر اهترأت ثيابه ، أما إذا هديته إلى الله .
 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)  ﴾

[  سورة فصلت  ]

 
فهذا أعظم عمل على الإطلاق ، لكن هذا العمل كل إنسان مكلف فيه كفرض ، في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، أنت حضرت خطبة جمعة ، شرح الخطيب آية تأثرت بها تأثراً بالغاً ، لو نقلت هذا الشرح لزوجتك دعوت إلى الله ، لأولادك دعوت إلى الله ، لجيرانك ، لموظفين عندك ، هذه دعوة ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، أما الدعوة التي تحتاج إلى تفرغ ، وإلى تثبت ، وإلى تبحر ، وإلى توسع فهذه إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، تحتاج إلى تفرغ ، وإلى تحقق ، وإلى تثبت ، هذه الدعوة إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، أما كفرض عين فالشيء الذي تأثرت به انقله لزوجتك ، لأولادك  ، لجيرانك ، بعمل ، بلقاء معين ، بسهرة ، بنزهة ، هكذا ، هذه الدعوة إلى الله ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) بلسانه ، بكتابه ، بمحاضرته،   بلقائه ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) أي حركته جاءت وفق منهج الله ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، علاقاته مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، رحلاته ، نزهاته ، أوقات فراغه ، كل حركاته وفق منهج الله ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) ما قال : أنا أعظم العلماء ، لا ، ( وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) من للتبعيض ، هذه قواعد عامة ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) أما الدعوة الاحترافية فتحتاج إلى تفرغ ، وإلى تعمق ، وإلى تبحر ، وإلى تفرغ ، فإذا قام بها البعض سقطت عن الكل .

﴿  وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)  ﴾

[ سورة آل عمران ]

( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ ) من للتبعيض هذه الدعوة الاحترافية ، أما الدعوة الأساسية فكل إنسان داعية .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ رمضان كله شهر مبارك ، شهر تتنزل فيه الرحمات ، لكن ما هي الأوقات التي لا ينبغي على المسلم أن يفوتها من الأعمال الصالحة ؟ وما هي أفضل الأعمال الصالحة في الأوقات ؟

  الأوقات التي لا ينبغي على المسلم أن يفوتها لتأدية الأعمال الصالحة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلى السماء الدنيا - هذه قبل الفجر بربع ساعة - فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هذه صلاة الفجر أهم صلاة ، هذه الصلاة هي قرب من الله ، لا يوجد مشكلات ، ولا هواتف ، ولا أي شيء .
 

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) ﴾

[   سورة المزمل ]

(( " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح " . ))

هذا أهم شيء ، العمل الصالح حجمك عند الله بحجم عملك الصالح .
 

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)  ﴾

[              سورة الأنعام ]

الغنى والفقر بعد العرض على الله ، فلذلك أنا حينما أفهم مقومات هذا الدين ،   كليات هذا الدين ، عقيدة صحيحة ، حركة مشروعة بكسب المال ، وإنفاق المال ، ثم اتصال بالواحد الديان ، الأولى فكرية ، والثانية عملية ، الثالثة جمالية ، لو إنسان أقام الصلاة كما أرادها الله ، يجب أن يقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، فهذا الدين دين الحياة ، دين التفوق ، دين التألق ، دين الطمأنينة ، دين السعادة ، هذا دين الله ، هذا منهج الله ، خلقنا ليرحمنا ، لا ليعذبنا ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) .
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور ؛ سؤال آخر فضيلة الدكتور ، يقول صاحب السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته ، سؤالي لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله ، يقول : كيف نوفق بين عبادة رب العالمين والسعي في الأرض وإعمارها بشكل عام دون خسارة كل من الطرفين ؟

  كيفية التوفيق بين عبادة رب العالمين والسعي في الأرض وإعمارها :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذه اسمها : إدارة الوقت ، أخطر شيء بهذا السؤال ، عندنا إدارة المال ، إدارة الأعمال ، أما أخطر شيء فهو إدارة الوقت ، حق الزوجة لا يلغي حق الأم ، وحق الأم والزوجة لا يلغي حق الأولاد ، أو حق الجيران ، حق العمل لا يلغي حق الصلة بالله عز وجل ، أن تعطي كل ذي حق حقه ، هذه ليست سهلة ، هذه بطولة ، أن تعطي كل ذي حق حقه ، هذا يحتاج إلى إيمان كبير ، وإلى حكمة بالغة ، وإلى إدارة الوقت ، توزع وقتك ، يوجد وقت لله .
" من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي " .
وقت لله ، وقت للأهل ، الواحد عنده زوجة ، تحتاج إلى أن يجلس معها من حين لآخر ، أو أولاده ، يسألهم عن أوضاعهم ، عن دراستهم ، عن أفكارهم ، فلابد من أن تعطي كل ذي حق حقه ، والإنسان يحتاج إلى أن يخطط ، أو إلى أن يدير الوقت إدارة صحيحة ، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، لذلك الله قال :

﴿  وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)  ﴾

[  سورة العصر ]

أقسم بالعصر ، والعصر ؛ هو العمر ، الإنسان خاسر لأن مضي الزمن وحده يستهلكه ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) سماها الإمام الشافعي : أركان النجاة ، آمن ، تفرغ لمعرفة الله ، آمن به خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، أسماؤه حسنى ، قرأ القرآن ، قرأ أحاديث النبي العدنان ، عرف الأحكام الشرعية الأساسية ، عرف الله ، وكان مديراً لبيته إدارة حسنة ، وكان زوجاً صالحاً ، وأباً صالحاً ، وأتقن عمله ، الإتقان مهم جداً بعمله فالحقيقة أن هذا الفلاح شمولي ، الفلاح نجاح مع الله ، نجاح في بيتك ، نجاح في عملك،  مجموع النجاحات يسمى الفلاح ، ولم ترد كلمة نجاح إطلاقاً في القرآن .

﴿  أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)  ﴾

[  سورة البقرة ]

الفلاح شمولي ، نجاح مع الله ، مع نفسك ، مع بيتك ، مع زوجتك ، مع أولادك ، بعملك ، بحرفتك ، بمهنتك .
المذيع :
أكرمك الله دكتور ، بارك الله فيك دكتور .
سؤال آخر فضيلة الدكتور ؛ يقول صاحب السؤال : السلام عليكم شيخنا ومعلمنا والله إني أحبك في الله ، وقد اجتمعت مع حضرتك في السودان منذ فترة ليست بالقصيرة ، وحالياً في أوروبا ، له أكثر من سؤال ، نأخذ سؤالاً يقول  فيه : سؤالي عن العمل الأسود في الدول الأوروبية ، هذا اللفظ العمل الأسود يتعلق بمن يعيش بالدول الأوربية ويأخذ إعانة بطالة ، في نفس الوقت يذهب إلى عمل ويعمل ويتكسب منه دون أن تعلم السلطة ، ويخفي عن السلطة أنه يتكسب هذا المال حتى لا يقطعون عنه إعانة البطالة ، ما الحكم في ذلك ؟
 

حكم العمل بالأسود في الدول الأوروبية :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله يوجد فتوى مرة ، الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هؤلاء الذين أعطوك مبلغاً من المال لتعيش به ، ويعتقدون أنك لا تعمل عملاً آخر ، فإذا ضبطوا أنك تعمل عملاً آخر أين مكان دينك عندهم ؟ هل تستطيع أن تقنعهم بالإسلام ؟ قضية دقيقة جداً أنت بألمانيا ، بأي بلد أوروبي ، تأخذ معيشة كاملة ، وتعمل بالأسود ، هذا العمل بالأسود لو كشفوه ما قيمة مكانتك الإسلامية كإسلام ؟ أنت على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلك ، الآخر بأوروبا ، بأمريكا ، بأستراليا ، ما قرأ الإسلام ، ما قرأ القرآن ، ما قرأ صحيح البخاري ، الإسلام عنده هو أنت ، فإذا كذبت عليه سقط الإسلام من عينه ، الإسلام عنده أنت فقط ، لذلك أنت على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلك .
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور ، فضيلة الدكتور سؤال آخر ، يقول صاحب السؤال : - عذراً إن أثقلنا عليك ، لكن الأسئلة بالفعل كثيرة جداً ، ونحاول أن ننتقي منها بعضها ، بارك الله فيك دكتور- : هل صيام المسلم لا يقبل إذا كان متخاصماً مع أخيه ؟
 

للقطيعة التامة مآلات لا ترضي الله عز وجل :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله الصلح لابد منه ، أما إذا أنت اتصلت به بالهاتف ، باركت له برمضان ،  أنت أديت الذي عليك ، هو ما قابلك باتصال آخر المشكلة صارت عنده ، يحل المشكلة اتصال هاتفي ، لم يعد هناك قطيعة ، زيارة بالشهر مرة ، انتهى الأمر ، هذا الشيء انتهى بزيارة ، أو بسؤال ، أو باتصال هاتفي ، أما قطيعة تامة فهذه لها مآلات لا ترضي الله عز وجل .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور ، يقول صاحب السؤال : هل يجوز القصر في الصلاة عند الرباط في سبيل الله ، نحن نرابط في الثغور ، هل يجوز أن نقصر في الصلاة ؟
 

حكم قصر الصلاة عند الرباط في الثغور :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا بحث فقهي طويل ، القصر يجوز ، القصر والجمع يجوزان بغير السفر لظروف تحتاج إلى كتب الفقه ، أي تفاصيل دقيقة ، يجوز القصر والجمع بغير سفر ، إذا كان هناك جائحة معينة ، أحوال معينة ، هذه تحتاج إلى بحث طويل ، لكن يجوز .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، يقول صاحب السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عليكم السلام .
يقول : كل عام وأنتم بخير ، وصحة ، وسلامة ، أعمل بمجال ممكن أن تنفق فيه مصاريف نثرية ، وعند كتابة كشف بالمصروفات أزيد قيمة أكبر مما تمّ صرفه حقيقياً ، أعلم أن ذلك حرام ، وضميري يؤنبني كثيراً ، ولكن أبرر لنفسي أن الراتب ضعيف ، وأغلب من يعمل يقوم بعملي هذا ، فكيف أتخلص من هذا البلاء ؟
 

الابتعاد عن مخالفة الشرع :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا يوجد عندي فتوى إطلاقاً ، هذا الدخل لم يعجبك ابحث عن عمل آخر ، أنا لا أسمح بمخالفة للشرع ضمن ظرف معين ، هذا العمل هذا راتبه ، ما أعجبك ابحث عن عمل آخر ، أما المؤمن فلا يكذب أبداً ، عندما يكذب ينتهي ، انتهى عند الله أيضاً .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يعمل عملاً إضافياً بالليل أحياناً ، ممكن ، تضيف له عملاً إضافياً ، من وقت راحتك  ممكن .
المذيع :
هو دكتور يعرف أن هذا الأمر حرام ، ويرى أنه ابتلاء ، لكن يسألك ما الذي عليه أن يفعله كي يتخلص من هذا الابتلاء ؟ هل بالدعاء ؟ ماذا عليه أن يفعل ؟ هو يعرف أنه خطأ وفيه خطر ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
المبلغ الذي أخذه حراماً يستطيع أن يقدمه هدية بشكل أو بآخر ، أو بلا اسم لصاحب المعمل ، هذا حل ، ما فضح نفسه ، المبلغ الذي أخذه ظلماً وعدواناً ، مبلغ معين من دون اسم لصاحب العمل .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور ، دكتور سؤال آخر .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
العبرة أن يرجع هذا المال لصاحب المعمل .
المذيع :
لكن لا ينبغي له أن يقول إني أخذت هذا المال ، العبرة أنه يرده .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أبداً ، الحرام حرام .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور .
دكتور ؛ يقول صاحب السؤال : أنا في ألمانيا ومحتار من أجل موضوع شراء منزل للسكن عن طريق البنك ، مع العلم أني توصلت مع بنك تركي كويتي فكان المبدأ نفس البنوك الألمانية الأخرى ، هل شراء منزل للسكن وليس للتجارة عن طريق البنك حرام أم حلال ؟
 

حكم شراء منزل للسكن وليس للتجارة عن طريق البنك :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا هذا الموضوع أدع الفتوى فيه لعالم يقيم هناك ، الفتوى لها جغرافية معينة  الذي يعرف الضرورة الحقيقية ، والمآلات الحقيقية عالم مقيم هناك فاسأل عالماً بمركز إسلامي هناك تأخذ منه الجواب ، الفتوى عن بعد لا تصح ، أو لا تؤدي وظيفتها الصحيحة .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور ، وحفظك الله سبحانه وتعالى ، حتى لا نثقل عليك ما هي نصائحك الغالية التي تعطيها للمشاهدين والمتابعين لك كي يستفيدوا من شهر رمضان المبارك ؟
 

نصائح للاستفادة من شهر رمضان :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
أنت إذا عرفت الله ، وعرفت منهجه ، وخضعت لمنهجه أنت أذكى إنسان ، وأنت إنسان ناجح ، وفالح ، وحققت وجودك في الأرض .

(( " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء " . ))

من صحة ، من مال ، من توفيق في العمل ، من راحة نفسية ، فالمؤمن استقامته تنعكس عليه راحة نفسية ، وله أن يقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني ، اتصل بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، بيده كل شيء ، كل شيء بيد الله عز وجل ، أنت لك صلة معه ، لك خط ساخن معه بالليل .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
في ختام هذه الحلقة نتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، شكراً جزيلاً لفضيلتكم على وجودك معنا ، بارك الله فيك ، وأطال الله في عمرك .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور