وضع داكن
02-05-2024
Logo
قناة الجزيرة مباشر – برنامج أيام الله : الندوة 09 - ليلة القدر وفضلها
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
للحديث عن ليلة القدر وفضلها وشرفها يسعدنا ويشرفنا أن نرحب بفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي ، أهلاً وسهلاً بك دكتور وشرف كبير أن نكون مع حضرتك .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ورفع قدركم ، وحفظ لكم إيمانكم ومن يلوذ بكم .
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور ، في البداية فضيلة الدكتور نبدأ من الاسم ، والاسم له دلالة ؛ ليلة القدر ، ما دلالات هذا الاسم ? 
 

دلالة اسم ليلة القدر :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
من صفات القرآن الكريم أنه مثاني ، أن الآية تأتي آية أخرى تفسرها ، تنثني على أختها فتفسرها : 

﴿  إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)  ﴾

[   سورة القدر   ]

﴿  وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (67 ) ﴾

[  سورة الزمر ]

إن قدرته حق قدره أطعته ، إن قدرته حق قدره اخترت زوجة مؤمنة ،  ربيت أولاداً أبراراً ، حفظت خروج بناتك ، إن قدرته حق قدره كان دخلك إسلامياً ، والإنفاق إسلامي ، وتربية الأولاد إسلامية ، ووقت الفراغ إسلامي ، إن قدرته حقّ قدره ضبطت الشاشة ، عندنا ثلاث شاشات ، أخطر شاشات بهذا العصر شاشة الحائط وشاشة الآيباد وشاشة الهاتف ، إن لم تضبط في البيت لا يوجد توبة ، فلذلك الطرف الآخر وصل إلينا بالشاشة ، لا بالسلاح بل بالشاشة ، والقضية خطيرة جداً ، حينما تضعف همة المؤمن في طاعته لله ، تضعف همته في امتثاله لأمر الله ، بتفاصيل الشريعة أنت أفقدته هويته .
للتقريب بيت فيه جميع الأجهزة الكهربائية من دون استثناء ، لكن لا يوجد كهرباء ، كل هذه الأجهزة لا تقدم ولا تؤخر ، لكن لو قطعنا الشريط ميليمتراً واحداً كله تعطل ، أو قطعنا متراً ، المتر كبائر ، الميليمتر صغائر ، الصغائر في المآل كالكبائر ، انقطعت عن الله عز وجل بقي الدين عبئاً ، الصلاة عبئاً ، أما إذا أدركت الصلة مع الله فقد ذقت طعم القرب منه ، ذقت حلاوة الإقبال عليه ، أصبح عندك سعادة كبيرة جداً ، وهذه تمنعك أن تزل قدمك ، فالعبرة أنني أنا حينما أضبط أموري تماماً ينشأ لي مع الله خط ساخن ، أتصل به ، أتصل بأصل الجمال والكمال والنوال ، أتصل بالذات الكاملة ، أتصل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، أنا أتصل بالذات الإلهية خالقة الأكوان ، مربية الإنسان ، فلذلك : 
             

   فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا           الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا

           

     ولو سمعت أذناك حسن خطابنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا

           

     ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة            عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا

             

   ولو نسمت من قربنا لك نسمـة            لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا

***

المذيع :
أنا لا أريد أن أقاطعك فضيلة الدكتور لكن كلام حضرتك يثير كثيراً من الأسئلة ، حضرتك قلت إن الصغائر في المآلات كالكبائر ، وكثير من الناس يتعاملون مع فكرة أن الصلاة إلى الصلاة مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ، فيتعامل بتهاون مع الصغائر من الذنوب ؟
 

الدين صلة بالله وأي شيء يعيق هذه الصلة مشكلة كبيرة جداً :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا آتي بمثال أعيده ثانية ؛ التيار الكهربائي قطع بالصغيرة ميليمتراً واحداً ، الأجهزة كلها توقفت أصبحت كتلاً بلاستيكية لا تقدم ولا تؤخر ، أما لو قطعت متراً بالمآل يوجد حساب أصعب بكثير ، في الواقع انقطعت الأجهزة ، فتصير الصلاة تقليدية ، تصير عبئاً علينا ، بين أن تكون عبئاً أي أرحنا منها وبين أرحنا بها مسافة كبيرة جداً ، أنت عندما اتصلت بالله ذقت طعم القرب منه ، ذقت حلاوة المناجاة ، ذقت من جماله ، الله عز وجل أصل الجمال والكمال والنوال ، ذقت من قربه ، ذقت من حكمته .
الدين كله صلة بالله ، فأي شيء يعيق هذه الصلة مشكلة كبيرة جداً ، أي شيء يعيق هذه الصلة صغيرة أو كبيرة بالحساب الصغيرة غير الكبيرة ، بالمآل قطعت التيار ميليمتراً كل أجهزة البيت تعطلت .
المذيع :
بعض الناس تجاهد نفسها كي تضبط العبادة أو تصلي ، وحضرتك تقول إن الأمر يصل إلى درجة ....
 

العبادات تعاملية وشعائرية :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن دقيقة دقيقة سؤالك مذهل ، عندنا عبادات شعائرية ، الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادة ، اسمح لي بدقائق...

((  لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا  ))

[   سنن ابن ماجه عن ثوبان  ]

انتهت ثمرة الصلاة ، الصيام ...
 

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ  وشَرَابَهُ  ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة   ]

ما قول الزور?  واسعة جداً ، بضاعة من الصين يكتب : صنع في اليابان ليأخذ أربعة أمثال : 

((  مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِه فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ  ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة   ]

انتهى الصيام ..
المذيع :
الناس تعتبر أن قول الزور هي الشهادة أمام القاضي ..
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا ، واسعة جداً ، تشتري بضاعة من دولة متخلفة غير متقنة تعطيها ماركة دولة متقدمة ، ويقبلون في بلاد معينة أن يضعوا لك : صنع في اليابان ، هذه قول الزور واسعة جداً ، نستطيع أن نتكلم ساعات عليها ، لذلك الحج : 

((  من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك  ))

[ ورد في الأثر ]

الزكاة ... 

﴿  قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53 )   ﴾

[  سورة التوبة ]

فالعبادة الشعائرية أساسها أن تأتي إلى المسجد كي تتلقى تعليمات الصانع من خطيب المسجد ، وتعود له ثانية بفرض من الفروض لتقبض الثمن ، فتلقيت التعليمات وقبضت الثمن ، أما أين دينك ? في البيت ، البيت إسلامي ، الأجهزة منضبطة ، السهرات منضبطة ، السفر منضبط ، السياحة منضبطة ، الدخل منضبط ، الإنفاق منضبط ، نوع البضاعة منضبط ، يبدأ المنهج الإسلامي من أخص خصوصيات الإنسان من علاقاته الأسرية وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي ، أما الشعائريات فمختلفة :

((  لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا  ))

 

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان  ]

المذيع :
حتى نفهم هذا الحديث فضيلة الدكتور حضرتك قلت إن هذا الحديث إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ، قد يتوارد إلى ذهن البعض من منا يعصي الله جهاراً أمام الناس ؟ أي الإنسان عندما يأتي بمعصية يتخفى عندما يفعلها .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
اسمع الجواب سيدي :

((  من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله تعالى بسائر  عمله  ))

[  مسند الشهاب عن أنس بن مالك ]

هو يعبد الناس ، يعبد مكانته ، يعبد هيمنته ، أما أن يعبد الله فمن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله .
أوضح من ذلك ? دخلنا للبيت الساعة الثانية ظهراً ، والعطش لا يحتمل ، والحرارة صارت سبعاً وخمسين درجة ، والثلاجة فيها ماء بارد ، فيها شراب ، ولا يوجد أحد في البيت يضبطك ، هل تستطيع أن تضع نقطة ماء بفمك ? 
المذيع :
لا طبعاً . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا الإيمان ، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ، هذا الإيمان ، إيمان مراقبة الله ، إيمان إخلاص ، جالس بغرفة الجلوس ، يوجد نافذة تطل على بناء ثان ، خرجت امرأة متبذلة في ثيابها ، بإمكان هذا الإنسان أن يملأ عينيه من محاسنها ، لكنه يغض بصر ، غض البصر لا يوجد قانون فيه إطلاقاً ، ولا تشريع ، غض البصر فعل إيماني فقط ، قال تعالى :

﴿  قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)  ﴾

[  سورة النور ]

((  من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله تعالى بسائر عمله  ))

[  مسند الشهاب عن أنس بن مالك ]

هو يعبد سمعته ، يعبد مكانته ، يعبد أنه قدوة لأولاده مثلاً ، هذا ممكن .
المذيع :
ممكن أن يعبد فكرة قدوة لأولاده ? 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ممكن ...
المذيع :
فضيلة الدكتور الإنسان منا يريد أن يكون قدوة لأولاده حتى لو لم يكن متلبساً بهذه الأخلاقيات حتى يتعلم الأولاد الشيء الصحيح .
 

الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا يمكن لإنسان أن يسمع منك شيئاً تفعل عكسه ويحترم هذا القول ، أنا معي اختصاص بالتربية ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، أعط ابنك مئة محاضرة عن عدم السرعة، فإذا شاهد حادثاً نجم عنه ثلاثة قتلى ، هذه أبلغ من مئتي محاضرة ، فالعبرة أن الإنسان يعرف الحقيقة .
 

حرص كل إنسان على سلامته وسعادته واستمراره :


سيدي يوجد ثمانية مليارات إنسان الآن ، هل فيهم واحد يحب الفقر ؟ 
المذيع :
لا. 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
المرض ؟ القهر ؟ هل يوجد إنسان لا يحب البيت الواسع ؟ الزوجة الصالحة ؟ الأولاد الأبرار ؟ الأحفاد الرائعين ؟ كلنا نحب ذلك ، هل يوجد إنسان لا يحب أن يعيش مئة وثلاثين سنة؟ هذه أشياء مشتركة ، حتى عند غير المسلمين  ، لكن متى أسعد ؟ يوجد تسريب ليوم القيامة  قال تعالى :

﴿  وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)  ﴾

[ سورة الملك ]

أزمة علم فقط ، أهل النار وهم في النار :

﴿  وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)  ﴾

 

[ سورة الملك ]

ثمانية مليار إنسان كلهم يحرصون على سلامتهم وسعادتهم واستمرارهم ، السلامة بالاستقامة ، والسعادة بالإقبال على الله ، والاستمرار بتربية الأولاد ، لا تصدق إنساناً يسعد وابنه شقي ، فإذا أردت أن تكون متفوقاً بحاجة إلى سلامة نفسك وأولادك لأنهم استمرارك ، لذلك تربية الأولاد في الإسلام أعظم عمل للمؤمن ، يوجد كلمة بالقرآن اسمها : قرة العين ، لا يعرفها إلا من ذاقها ، أن يرى ابنه صائماً ، مصلياً ، صادقاً ، أميناً ، له مكانة ، قال تعالى :

﴿  وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)   ﴾

[ سورة الفرقان ]

هذا الحال لا يعرفه إلا من ذاقه ، ابنه صالح ، مؤمن ، صادق ، أمين ، متفوق،  أخلاقه عالية ، أموره مضبوطة ، هذه :

﴿  وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)   ﴾

[ سورة الفرقان ]

 

الإسلام فردي وجماعي :


بالمناسبة أنا عندي ثلاث دوائر أساسية ، أنا دائرة ، وبيتي دائرة ، وعملي دائرة ، فإذا أقمت أمر الله في نفسي أي صليت ، غضضت بصري ، تحققت من دخلي ، وبيتي دائرة لا يوجد معصية ، لا يوجد اختلاط ، لا يوجد شاشة مفتوحة ، وعملي مشروع ، والتعامل معه مشروع ، فإذا أقمت أمر الله فيما أملك أي أملك القرار مع نفسي ، وببيتي ، وعملي فقط ، فإذا أقمت أمر الله في بيتي ونفسي وعملي أستحق من الله كل عطائه ، هذا تغطيه آية دقيقة جداً ، قال تعالى :

﴿  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)  ﴾

[  سورة النساء  ]

آمنت بوجوده وشكرت عطاءه حققت الهدف من وجودك ، هذا الإسلام الفردي وليس الجماعي ، أنا أقول كلمة دقيقة : عندنا إسلام فردي وإسلام جماعي ، الفردي تغطيه هذه الآية...

﴿  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)  ﴾

[  سورة النساء  ]

آمنت بالله ثم شكرته على أنه منحك نعمة الإيجاد والإمداد والهدى والرشاد ، أوجدك من عدم ، قال تعالى :

﴿  هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً(1)  ﴾

[  سورة الإنسان  ]

أوجدك ومنحك الأم والأب ، ثم منحك الجنة ، فلذلك الإنسان عندما يعرف الله يعرف كل شيء ، وأخطر شيء البيت ..
المذيع :
الموضوع عن ليلة القدر لكن حضرتك فتحت موضوع تربية الأولاد ، وحضرتك متخصص في هذا الأمر ، ولك إسهامات كبيرة وعظيمة ، قد يعاني بعض الأهالي في تربية أبنائهم من تعريفهم بالله عز وجل ، الابن دائماً يريد أن يرى الشيء المحسوس والملموس أمام عينه ، فعندما نتكلم له عن الله ، والله غيب سبحانه وتعالى قد يعاني بعض الأهالي من تقريب هذا التصور للأولاد ؟
 

العناية بالشباب لأنهم أمل الأمة ومستقبلها :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
حدثنا دكتور في علم النفس من كبار علماء النفس ، قال :  تبدأ تربية الابن من يوم ولادته ، سؤال غريب جداً ، أي بكى أرضعناه ، بكى نظفناه ، بكى ما حملناه ، لم يبق سبب للبكاء ، أول سبع سنوات مهملة بالعالم الإسلامي ، هذا الطفل الصغير يتلقى عادات ، ومهارات ، وحركات ، وسكنات بخلاف الشرع ، الأبلغ من ذلك صدروا لنا المراهقة ، عندنا قصص بالإسلام العقل لا يصدقها ، الذي فتحوا الغرب والشرق كانوا شباباً بالثامنة عشرة ، عندنا مفهوم المراهقة مفهوم مستورد ، مستورد أو مصدر لنا .
ثلاثة شباب كبار فتحوا السند وفتحوا القسطنطينية ، شيء لا يصدق ..
المذيع :
يمكن أن يكون هذا استثناء فضيلة الدكتور ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن الشباب أمل الأمة ، مستقبل الأمة ، قوة الأمة ، الشباب المحرك بالسيارة ، قوة اندفاع ، والعلماء الربانيون المقود ، والطريق المعبد هو الشرع ، فالأمة تتقدم بقوة شبابها ، وتوجيه علمائها الربانيين ، الربانيون أقصد من ذلك شيء آخر ، وعلى الطريق المعبد وهو الشرع ، هكذا نتقدم .
المذيع :
لماذا حضرتك ربطت العلماء بالربانيين ? 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لأنه يوجد علماء متكسبين بعلمهم ، علماء يتكلمون ما لا يعتقدون ، رغبة بإرضاء جهة أو أخرى ..
المذيع :
كيف يتعرف الإنسان على العالم الرباني ? 
 

كيفية تعرف الإنسان على العالم الرباني :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
قال تعالى :

﴿  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)  ﴾

[  سورة العنكبوت  ]

والله من سابع المستحيلات أن يعلم الله من عبد طلباً للحق ولا يدله عليه ، أنا أحضر مثلاً طريفاً ، شخص جالس بالثلج فقط ، بالقطب الشمالي ، لا يوجد غير الثلج ، مرة فكر شاهد القمر ، يا ترى هل يوجد إله لهذا الكون ? فقط ، فوجد عملاً في كندا ، جاء للعمل فرزوه إلى الشرق الأوسط ، سكن في بيت إلى جانبه يوجد عالم ، أجابه عن كل أسئلته ، الله عز وجل ينتظرنا ، لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين ?

((  لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد ))

[ ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس ]

هو ينتظر ...
المذيع :
بالعودة للحديث عن ليلة القدر ، لأن هناك أسئلة كثيرة تتحدث عن ليلة القدر وماذا نفعل فيها ? سؤال من حمزة من مصر يسأل : هو الآن عنده عمل ، لا يستطيع أن يقوم الليل كله ، أي يصلي العشاء ويصلي بعض الركعات ، هل هذا يجزئ أم لا ? 
 

الله تعالى لا يكلف الإنسان إلا ما يستطيعه :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد جواب قرآني ...

﴿  لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)   ﴾

 

[ سورة البقرة  ]

معذور عند الله عز وجل ، إذا شخص ليلة القدر زوجته مريضة عليه أن يأخذها إلى المستشفى ، هذه أولويات .
المذيع :
يترك التهجد ويذهب بزوجته إلى المستشفى .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هل يترك امرأته تموت إذاً ؟! إلا إذا كان هو يرغب بذلك .
المذيع :
حديث النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة أنها إذا صادفت ليلة القدر أن تدعو: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أحلى دعاء .
المذيع :
لماذا فضيلة الدكتور? 
 

حاجات الإنسان محققة كلها بالدين :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
دائماً الإنسان خطّاء ، عنده شهوة ، أودع الله به شهوة النساء ، وأمره بغض البصر ، النقطة الدقيقة جداً ، الشهوة مئة وثمانون درجة ، سمح لك بمئة وعشر ، حلال ، لا يوجد عليك شيء إطلاقاً ، والباقي محرم ، لأن هناك جنة  ، ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها قولاً واحداً .
لا يوجد عندنا حرمان إطلاقاً ، صفيحة البنزين غالية جداً ، إذا وضعت في المستودع المحكم ، وسال هذا البنزين في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في المحرك في البستونات ، ولّد حركة نافعة تقلك في العيد إلى مكان جميل ، انفجارات ، الصفيحة نفسها صبها على المركبة ، أعطها شرارة تحترق المركبة ومن فيها ، فالشهوات قوة دافعة ، أو قوة مدمرة ، فإذا تحركت بدافع من شهواتك وفق منهج الله لا شيء عليك ، وما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة أبداً ، الإنسان يحب البقاء بالطعام والشراب ، والطعام والشراب مسموح ، أي لحم الخنزير والخمر واحد من ألف ، بالطعام والشراب يحافظ على وجوده ، بعدما صار عمره ثلاثاً وعشرين سنة يريد أن يتزوج ، شابة تنتظر خاطباً ، فحافظ على وجوده بالطعام والشراب ، أما عندما أراد الزواج وانتظرت الشابة من يخطبها ، حافظ على بقاء النوع دون أن يشعر ، على وجود الشخص بالطعام والشراب أما على بقاء النوع البشري فبالزواج ، أكل وشرب وتزوج وأنجب ، عنده حاجة ثالثة أن يكون الطبيب الأول ، المهندس الأول ، العالم الأول ، سيدنا عمر كم مرة يذكر في العالم الإسلامي ؟ 
المذيع :
ملايين المرات .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا بقاء الذكر ، لذلك الله عز وجل جعل النبي له مكانة كبيرة ، وكل شخص اتبعه له مكانة يذكر دائماً ، بقاء النوع البشري بقاء الذكر ، إذاً الحاجات الثلاثة محققة بالتمام والكمال في الدين .
المذيع :
بمناسبة موضوع الزواج في كثير من الدول العربية والإسلامية أصبح هناك أزمة تتعلق بالزواج لوجود مغالاة في المهور وفي الطلبات مما يعيق الشباب أن يتزوجوا ؟
 

أكبر معصية المغالاة في المهور :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذه أكبر معصية ، أكبر معصية أن ترفع المهر ، لأنك أنت عندك بنت ، والبنت غالية جداً ،  يهمك زوج مؤمن ، زوج مستقيم ، فإذا كان فقيراً يغنيه الله ، أما اخترت هذا الشاب لماله ، فالمال ذهب بقي الشاب السيئ ، فالبطولة والذكاء والنجاح أن تختار لابنتك شاباً مؤمناً...

((  إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ! قَالَ : إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ  ))

[  الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

شيء مخيف .
المذيع :
والحديث عن فكرة المكانة الاجتماعية والحفاظ على المستوى الاجتماعي ، هذا الأمر بعضهم يقول إن الإسلام مع هذا الأمر ليس ضده .
 

ضرورة التناسب بين الأزواج بالكفاءة العلمية والمالية والاجتماعية : 


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا اسمه : التقارب الاجتماعي ، فتاة معها دكتوراه أو ليسانس تأخذ زوجاً أمياً يوجد مشكلة ، لا يوجد تناسب ، أو لا يوجد كفاءة بالزواج ، الكفاءة العلمية والمالية والاجتماعية ، لا يمنع أن يكون أحدهم إيمانه عالياً جداً يعطيه إنسان غني كبير ابنته ، هذه حالات استثنائية تؤكد الأصل .
المذيع :
في موضوع غض البصر حضرتك لأن هذا الأمر يهم كثيراً من الشباب ، بعضهم يقول : أنا أنظر نظرة أولى فقط ولا أتبعها بنظرة ثانية والنظرة الأولى لك والثانية عليك .
 

 التأكيد على غض البصر لحماية النفس من المعاصي :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذه الأولى فيها مزحة ، الغض مباشرة ، شاهدت امرأة تغض بصرك ، لو تابعت النظر تنمو هذه الشهوة ، الشهوة الجنسية خطيرة جداً ، يوجد كلمة دقيقة ؛ صخرة مستقرة في رأس جبل ، وهناك واد سحيق ، أنت أردت أن تدفع هذه الصخرة متراً واحداً لن تستقر إلا في القعر ، هذا علم نفسي تتفاقم ، فهناك شهوات لها وضع استثنائي ، فلابد من غض البصر وهذا ليس حديثاً ضعيفاً ، آية قرآنية : 
 

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾

[  سورة النور الآية   : 30. ]

من للتبعيض ينظر إلى محارمه ؛ والدته ، خالته ، عمته ، ابنته إلى آخره ، لكن العلاقة الحميمة لها وضع ثان .
المذيع :
في العودة إلى ليلة القدر كثير يقولون بالتعليقات : الناس تريد أن تسمع عن ليلة القدر ماذا ينبغي على المسلم أن يفعل في ليلة القدر ؟ 
 

ما ينبغي على المؤمن أن يفعله في ليلة القدر :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا الليل يمضيه في العبادات ، قراءة القرآن ، ذكر الله ، الصلاة ، هذه كلها عبادات شعائرية ، وعبادات قرآنية ، وعبادات تنموية ، أولاده أمامه يعلمهم كلمتين أو ثلاث ، الطاعات كلها في هذه الليلة ، وهذه الليلة دقيقة جداً ، هذه الليلة تترجمها أن الذي قدر الله عز وجل بحث عن دخله أن يكون حلالاً ، عن تربية أولاده ، عن خروج بناته ، عن اختيار حرفته ، عن التعامل مع الزبائن ، والله منهج تفصيلي ، والله بالآلاف ، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الإسلام ، نحن فتحنا العالم ، وصلنا إلى باريس ، وصلنا إلى الصين ، والله لو فهم - اسمع هذا الكلام - الصحابة الكرام وهم أعلام الأمة الإسلام كما نفهمه نحن ، والله الذي لا إله إلا هو الإسلام ما كان خرج من مكة ، ولكنه وصل إلى المدينة ، وصل إلى الشرق الأوسط ، وصل إلى إسبانيا ، إلى الصين ، المشكلة بالتطبيق ، إن لم تطبق الإسلام صار الدين شكلياً ، له أسماء كثيرة ، أصبح شكلياً ، دين شكلي ، إذا واحد وضع في بيته صورة الكعبة ممنوع ؟ لا ، أبداً ، والغرفة الثانية المدينة المنورة ، ووضع مصحفاً في سيارته ، شيء جميل جداً ، ودخله غير إسلامي ، وإنفاقه غير إسلامي ، وعلاقاته ليست إسلامية ، وسياحته ليست إسلامية ، وتمضية أوقات فراغه غير إسلامية ، والشاشة غير إسلامية ، والآيباد غير إسلامي ، والهاتف غير إسلامي ، وإذا وضع الكعبة ليس ممنوعاً أن تضعها ، ولكن هذه لا تقدم ولا تؤخر ، إذا شخص معه مرض جلدي خطير جداً ، علاجه الوحيد أشعة الشمس ، فجلس بغرفة مظلمة ، قميئة ، فيها برودة وقال : يا لها من شمس ساطعة ! وأعطى الحرف أبعاده ، يا لها من شمس دافئة ! يا لها من شمس شافية ! هذا الكلام لا يقدم ولا يؤخر ، نحن مشكلتنا بالتطبيق ، كمعلومات ، كمؤتمرات إسلامية ، كمحطات فضائية إسلامية ، كمؤلفات إسلامية ، كمصاحف مطبوعة ، كل شيء درجة أولى ،  لكن هذا المنهج تفصيلي وتطبيقي إذا ما طبقناه نكون قد خسرنا خسارة كبيرة ، مثلاً أنت جالس على الطاولة وجدت ورقة مستطيلة كتبت عليها عدة أشياء ثم مزقتها ثم اكتشفت أنها شيك بمئة مليون ومزقته ولا يعاد صرفه ما الذي صار فيك ؟ 
المذيع :
حزن شديد .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا هو .
أنت عشت عمراً يوجد جنة إلى الأبد ، ما الأبد ؟ الأبد واحد من الأرض للشمس ليس كل كيلومتر صفراً ، كل ميلي صفر ، أي مئة وستة وخمسون مليون كيلو متراً أصفاراً ، وكل ميلي صفر ، ضع خطاً تحته لا نهاية القيمة صفر ، أي رقم ينسب إلى اللانهاية صفر ، أنت أيها الإنسان مخلوق إلى اللانهاية ، يوجد جنة إلى الأبد ، عرضها السماوات والأرض ، نضحي بهذه الجنة كي نعيش عشر سنوات أو عشرين سنة بالمعاصي والآثام ؟ 
المذيع :
البعض يا دكتور يقول كلمة : ساعة لقلبك وساعة لربك .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذه الكلمة هل هي حديث صحيح في البخاري ؟ 
المذيع :
هذه كلمة دارجة القصد منها أن الإنسان لا يستطيع أن يعبد الله ...
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر ، سيدي إذا كان عندك معلومات دقيقة عن جهاز غالي الثمن ، الآن يوجد كمبيوترات تعطيك تحليلاً للإنسان بدقيقة ، لكن هذا الكومبيوتر غال جداً، فأنت اشتريت جهازاً ونسيت المفتاح الخاص به ، تدفع ثمن المفتاح مساوياً لثمن الجهاز صحيح ؟ فأنت عندما تعرف الجنة وما أعدّ للإنسان فيها من خيرات حسان ، من صلة بالله ، يبقى المؤمن ينظر إلى الله خمسين ألف عام من نشوة النظر ، كل هذا العطاء المخبر عنه بنصوص قرآنية ثابتة أو بالسنة الصحيحة لا نعبأ به ؟
المذيع :
أسئلة كثيرة ؛ زهر النرجس تقول : ليلة القدر اسمها كذلك لأنها تغير الأقدار وتدعو الله أن يغير قدرها إلى أفضل حال هل هذا الفهم صحيح ؟
 

التوبة تغير الأقدار :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الفكرة صحيحة ؛ إنسان تاب إلى الله توبة نصوحة تتغير أقداره ، إنسان عنده مرض معين يحتاج إلى عمل جراحي ، وقد حدث هذا مع شخص أعرفه ، فتحوا وقرؤوا السيدي فإذا به يحتاج إلى عمل جراحي ، مرة ثانية وجدوا الشريان قد فتح ، انتهى العمل الجراحي ، ما دام الهدف تحقق انتهى العمل الجراحي لأن السبب قد انتهى . 
المذيع :
التوبة تغير الأقدار . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا رجع العبد إلى الله أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
مرة ثانية ، إذا رجع العبد إلى الله أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، التوبة النصوح ، التوبة النصوح تلغي كل شيء ، إلا حقوق العباد ، موضوع دقيق ؛ عندنا ذنب يغفر ، ما كان بينك وبين الله ، يوجد فرائض قصرت فيها ..
المذيع :
مهما كان الذنب فضيلة الدكتور? 
 

أنواع الذنوب :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
ما دام بينك وبين الله ، ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، لا يغفر إلا بالأداء أو المسامحة ، وذنب لا يغفر أصلاً هو الشرك بالله ، عفواً النبي الكريم صحابي جليل توفي فدعي ليصلي عليه فقال : أعليه دين ؟ قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، شيء مخيف أحد أصدقائه الكرام تألم قال : عليّ دينه ، فصلى عليه ، سأله في اليوم التالي : أأديت الدين ? قال : لا . باليوم الثالث : أأديت الدين ? قال :  لا ، في اليوم الرابع : أديت الدين ? قال :  نعم . قال : الآن ابترد جلده . 
حقوق العباد مبنية على المشاححة بينما حقوق الله مبنية على المسامحة . فذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، يغفر بإحدى حالتين ، بالمسامحة أو  الأداء ، وذنب لا يغفر ، ما هو ? الشرك بالله ، شخص معه احتشاء بقلبه ، وهو بحاجة ماسة إلى عمل جراحي بالمستشفى ، لكن العمل الجراحي ناجح ، أخذوه إلى ملهى ، يموت هناك ، واضحة تماماً ? 
ذنب يغفر ، وذنب لا يترك ، وذنب لا يغفر وهو الشرك بالله ، الآن : أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، الآن لا يوجد شرك جلي ، لا يوجد عندنا أصنام ، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله .
أنا أعطيك الجواب الممتع ، بيت كبير والوقت شتاء والبرد قارس ، غرفة الجلوس مدفأة ، طرق الباب جاءت صديقة الزوجة فقال الزوج يخاطب زوجته : هذه الغرفة أدفأ لكن ، اجلسن هنا ، فقط أدفأ لكن من يعلم ؟! فذنب يغفر ، وذنب لا يترك ، وذنب لا يغفر ما كان شركاً خفياً .
المذيع :
فكرة حقوق العباد فضيلة الدكتور قد يقول البعض إنه يوجد حقوق عباد لكن لا أستطيع أن أصل إليهم هذا الأمر فعلته من سنين لا أستطيع أن أردها له ؟
 

لكلّ شيء حلّ مادام القلب ينبض :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد حل يا سيدي ، أذكر تماماً شخصاً - والله حدثني هو بالقصة - من مدينة بدولة إسلامية ، قال : أنا قبضت رشاوى كثيرة من عدد كبير ، ماذا أفعل ? قلت له : اتركني أسبوعاً لأفكر لك فيها ، فألهمني الله هذا الجواب ، أن الدولة مكلفة بمساعدة الجمعيات الخيرية ، أبداً بالدستور ، فأنت اجمع هذه المبالغ تقديراً وادفعها للجمعيات الخيرية كأن الدولة دفعت لهذه الجمعيات .
لا يوجد ذنب ليس له حل إلا الموت ، الموت لا حل له ، واضحة الفتوى هذه أن الدولة مكلفة بالدستور أن تدعم الجمعيات الخيرية ، فهو إذا دفع إلى الجمعيات الخيرية مبالغ التبرع وبدون اسم ، الله ما كلفك أن تفضح نفسك ، ممكن أن تؤدي الحق وأنت صامت .
والله مرة لي قريب عنده محل حلويات بمركز المدينة ، دخل إنسان دفع مئة ليرة وهرب، شيء يلفت النظر ، أرسل إليه ، قال له : أنا أكلت قطعة حلوى منذ عشر سنوات ولم أدفع ثمنها ، فدفعت له عشر ليرات ، كان ثمنها عشرة قروش ، أريد أن أغفر ذنبي ، وضع له عشر ليرات ، سيدي ما دام القلب ينبض يوجد حل لكل مشكلة .
دقيقة مرة كنت بجدة ، الشيء بالشيء يذكر ، وجدت بناء مذهلاً ، فخماً جداً ، سألت عنه له قصة ، تجار عقارات اشتروا هذا البناء من صاحبه الذي يجهل ثمنه ، أعطوه مبلغاً رآه كبيرا فباعهم ، هم دفعوا ثلث المبلغ ، هم ثلاثة تجار كبار ، أول واحد وقع من البناء من الطابق الرابع عشر فنزل ميتاً ، والثاني دهس ، انتبه الثالث ربط موت شريكيه بالتلاعب مع صاحب الأرض ، قال : والله بحثت عنه ستة أشهر كي أؤدي له الفرق ، فقال له البدوي : ترى أنت لحقت حالك .
ومادمنا نحن أحياء علينا أن نلحق أنفسنا ، ما دام القلب ينبض كل شيء له حل .
المذيع :
لكن هذه القصة فضيلة الدكتور بعض الناس يقول : أنا لم أجبره على هذا السعر هو حدد السعر ، هذا الأمر أو هذا الجهاز أو هذا الزرع بعشرة قروش مثلاً ودفعت الثمن .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن بعد أسبوع زار صديقاً له قال له : بكم اشتريته ؟ ضحك عليك ، ألا يتألم ؟ نحتاج إلى فقه المآل ، إذا بلغك أن هذه العملية تكلف مئة أخذ منك ألفاً استغل جهلك ، صح ? الجهل لا يستغل سيدي .
المذيع :
بالعودة إلى ليلة القدر مرة أخرى فضيلة الشيخ يسن الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ، لو حضرتك تحدثنا ، لو أن شخصاً لا يستطيع أن يعتكف طوال الوقت .
 

العاقل من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
جواب سيدنا عمر ، أجاب : ليس بخيركم من عرف الخير ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما ، أنت إذا اقتنيت سيارة ، فيها تأمين إجباري ، والتأمين حرام قولاً واحداً ، البديل الزوجة والبنات الطاهرات العفيفات ركبن في مركبة كان الازدحام شديداً ، وهناك أناس نفوسهم مريضة تحرشوا بهن ، أيهما أفضل أن أدفع التأمين وعليه إشكال أم أن أسمح للآخرين التحرش ببناتي ؟ اسمع سيدنا عمر ماذا قال ؟ ليس بخيركم من عرف الخير ، ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما ، هذا منهج .
المذيع :
كيف نطبق هذا الأمر على الاعتكاف فضيلة الدكتور? 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا كان عنده عمل مهم جداً أو هو طبيب ، طبيب جراح ، أخبرته ، قال : أنا معتكف والله لا أقدر ، اسمع جواب ابن عباس وهو صحابي جليل من أشهر الصحابة ، كان معتكفاً ، رأى رجلاً كئيباً ، قال له : ما الذي يزعجك ? قال له : والله ديون ركبتني ما أطيق سدادها ، قال له :  لمن ? قال له : لفلان ، قال له : أتحب أن أكلمه لك ? قال له : إذا شئت ، فقام ابن عباس من معتكفه ، فقال له أحد الفضوليين : يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ? قال له : لا والله ولكن سمعت صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم والعهد به قريب يقول : والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من اعتكاف شهر في هذا المسجد .
لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من اعتكاف شهر ، يوجد أولويات سيدي ، يوجد بطولة ، الشرع عظيم جداً ، أحكام الفيزياء صحيحة مئة بالمئة ، والكيمياء ، والجيولوجيا ، أحكام الإنسان ثمانون بالمئة ، أحياناً يتلقى ضرباً لا يرد عليه يكون من والده ، كل القوانين مطبقة بالمئة مئة ، عندنا دكتور من كبار علماء النفس قال : كل القوانين الفيزيائية والكيميائية والجيولوجية مطبقة مئة بالمئة ، إلا القوانين المتعلقة بالإنسان فهي مطبقة حوالي ثمانين بالمئة فقط ، يوجد ظرف استثنائي .
المذيع :
فضيلة الشيخ على البث أختنا غصون تقول إنها طالبة علم شرعي ، تسكن مع طالبات ، وتحب أن تقوم الليل بهدوء ، لكن لا يوجد مكان تختلي به ، تصلي هناك بعض التشويش من الطالبات خاصة في هذه الليالي العشر ، ماذا أفعل ? وتطلب منك أن تدعو الله لها  بالاستقرار وهدوء النفس .
 

الفرق بين الفطرة والصبغة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بآية واحدة ، هي لا علاقة لها بهذا الموضوع لكنها تنطبق عليه ، قال تعالى :

﴿   إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)  ﴾

[  سورة المزمل ]

يقدر عملاً بالليل ، أنت مثلاً دخلت إلى البيت الساعة واحدة ليلاً ، قالت لك الأم الكريمة : أريد هذا الدواء ، معك سيارتك وهناك خمس صيدليات مناوبة ، قلت لها : جميع الصيدليات أغلقت الآن فسكتت ، لا تنام مرتاحاً لأنك تعرف أن هذا الدواء موجود بإحدى هذه الصيدليات ومعك سيارة ، حالة ثانية أنت قلت لها : على عيني ، أخذت السيارة زرت خمس صيدليات ، الدواء مفقود ، بالحالتين الأم لم تأخذ الدواء لكن بالحالة الثانية تنام مرتاحاً ، هذه الفطرة ، قال تعالى :

﴿  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ﴾

[  سورة الروم ]

كل أمر الله أمرك فيه ولفك وبرمجك عليه ، وكل نهي نهاك عنه برمجك وولفك عليه: 

﴿  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ﴾

[  سورة الروم ]

أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا فطرة ، عفواً كطرفه ؛ لصوص سرقوا بيتاً ، قال أحدهم : وزعوا الأغراض بالعدل ، بالعدل ، أما الصبغة فشيء آخر ، أنت بالفطرة تحب الحق ، وقد لا تتبعه ، تكره الظلم وقد تكون ظالماً بالفطرة ، من هنا يأتي تعذيب النفس وهذا اسمه الكآبة ، كان عندنا دكتور عالم كبير قال : نسبة الكآبة بالعالم الغربي مئة واثنان وخمسون بالمئة ، ما فهمناها ، قال : مئة معهم كآبة واثنان وخمسون يوجد معهم كآبتان ، أي عمل غلط يعمل كآبة ، هذه الفطرة :

﴿  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ﴾

[  سورة الروم ]

أي ما من أمر أمرت به إلا وفطرت على محبته ، وما من نهي نهيت عنه إلا وفطرت على كراهيته ، هذه الفطرة ، أما الصبغة فشيء آخر :

﴿  صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)   ﴾

[  سورة البقرة ]

الصبغة أنت تتمثل هذا الأمر ، بالفطرة تحبه وتكره عكسه ، أما بالصبغة فتحبه ، الصبغة ثمرة اتصال بالله ، صار هناك اتصال مع أصل الجمال والكمال والنوال ، اتصلت مع الرحيم ، صرت رحيماً ، تخلقوا بأخلاق الله ، أنت اتصلت مع اللطيف أيضاً أنت لطيف بمعاملتك، عفوا شخص جاء متأخراً ليصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أحدث جلبة وضجيجاً ، يجب أن يعاقبه ، قال له : 

((  زادك الله حرصاً ولا تعُدْ  ))

[  أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة  ]

انظر ما أدقها ، أنت كقائد ، مدير شركة ، وزير ، معلم ، طالب أخطأ يجب أن تتكلم عن إيجابياته ، ثم ثني بخطئه ..

((  زادك الله حرصاً ولا تعُدْ  ))

[  أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة  ]

هكذا قال النبي .
 

الابتعاد عن التعنيف أمام الآخرين :


والنقطة الثانية تهمني كثيراً أقولها للأخوة المشاهدين والمستمعين ، لا تعنف ابنك أمام أخته ، ولا أمام رفقائه ، تكون مجرماً بحقه ، أما إذا عنفته بينك وبينه فلا يوجد مشكلة أبداً يقبلها منك ، يحبك ، لا تعنف أحداً أمام صديقه أو أمام أخته أو أمام أقربائه ، لي رأي آخر ، أحياناً يكون هناك مشكلة بين الزوجين ، تحل بغرفة النوم فقط ، ينبغي ألا تخرج إلى الأولاد .
المذيع :
الآن تصل للمحاكم دكتور. 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
تكبر ، في قوله تعالى :

﴿  الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)  ﴾

[  سورة النساء ]

قرآن ، إن أردت أن تهجرها تأديباً ليكن هذا الهجران في غرفة النوم فقط ، كلامي دقيق ، لو هذا الخلاف بين الزوجين انتقل للأولاد كبر ، واحد كان في صف أمه والآخر في صف أبيه ، لو أنتقل إلى خارج البيت أكبر وأكبر ، لو انتقل للفيسبوك لا يوجد عنده حلّ إطلاقاً ، فلذلك يجب أن يبقى الخلاف الزوجي في غرفة النوم ، الدليل الإشاري :

﴿  الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)  ﴾

[  سورة النساء ]

بالمضجع فقط ، كلمة ، حرف بالقرآن قانون هو الحقيقة .
المذيع :
البعض في هذا الأمر قد يلجأ الزوج مثلاً إلى الخصام لا يتحدث مع زوجته نهائياً لعدد من الأيام ، هل هذا الأمر وارد ? 
 

أخطاء أولادنا من أخطاء الآباء والمعلمين :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
يتحدث معها بالضروري أمام الأولاد ، يوجد حل وسط ، دخل للغرفة لا يتكلم معها ولا كلمة ، أما أمام الأولاد فيجب ألا يشعرهم ، أنا هذا رأيي ، أنا معي شهادة بالتربية ، هذا الطفل يتعلم بعينه لا يتعلم بلسانه ، مثل بسيط ؛ امرأة لها جيران تحبهم ويحبونها ، ذهبت إلى الجارة مع ابنتها الصغيرة ، عمرها ثماني سنوات ، تأخرت و الطبخ تأخر ، والزوج عصبي المزاج ، سألهم : أين كنتم ? قالت له : لم نخرج من البيت ، هذه الصغيرة شربت الكذب من أمها ، أقول لك كلمة أعمق وأقسى : الحقيقة معظم أخطاء أولادنا من أخطاء الآباء والمعلمين ، واضحة ? الآباء والمعلمون قدوة ، هذا يدخن ، لن يقتنع أن الدخان حرام لأن أستاذه قدوة .
المذيع :
نستطيع أن نقول إن الأبناء مرايا للآباء والأمهات ?
الدكتور محمد راتب النابلسي :
طبعاً طبعاً ، سيدي القدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، والإحسان قبل البيان ،  املأ قلب من تدعوه إلى الله بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك ، والأصول قبل الفروع ، والمبادئ لا الأشخاص .
المذيع :
أسئلة كثيرة فضيلة الدكتور نأخذ بعضاً منها ، يقول صاحب السؤال الآية الكريم :

﴿  تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)  ﴾

[ سورة القدر ]

كيف أستشعر أنا بتنزل الملائكة والروح في هذه الأيام ? هذا مؤيد من سوريا يسأل .
 

من يتصل بالله ويستقيم على أمره يخاطبه الله بطريقة أو بأخرى :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي كل إنسان له صلة بالله ، أو كل إنسان استقام على أمر الله ، ينشأ له خط ساخن يقول : وقع في روعي ، وقع في قلبي ، لابد من أن يخاطبه الله بطريقة أو بأخرى ، عبر عنها الصحابة وقع في روعي ، إنسان لا سمح الله ارتكب خطأ ، يشعر بعتاب من الله عز وجل، هكذا يا عبدي ، أنت كذلك يا عبدي ؟!
أنا لي كلمة دقيقة سوف أقولها الآن : إذا أنت سئلت عن طاعة لله ، عن قيام الليل ، يجب أن تجيب كلاماً دقيقاً صحيحاً عن فضل قيام الليل ، لكن المسؤول لا يصلي قيام الليل ، لا يستطيع أن يبدأ موضوعه ، يسمع من الله عتاباً ، أنت كذلك يا عبدي أما تستحي مني ? أن تجيب عن سؤال لا يوجد مانع ، أنت عالم ، أما إذا أنت بأيام الصيف الصعبة ، النهار قصير جداً ، ولم تصلّ قيام الليل ، وأنت حدثتهم عن قيام الليل ، تشعر بحرج مع الله ، كأن الله يقول لك : أما تستحي مني يا عبدي أن تقول كذا ؟
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور على هذا الكلام الطيب .
سؤال آخر يقول صاحب السؤال ، سؤالي : في هذا الزمان يزيد البغي على المقدسات الإسلامية والدينية كما يحدث في المسجد الأقصى ، ويتطاولون علينا في البلاد الغربية وكل العالم الإسلامي يرى ذلك وفلسطين أقرب مثال ، وسقوط أهل الدين هل هذا من علامات الساعة ? 
 

الإسلام منهج تفصيلي من لم يطبقه لا يقطف ثماره :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا أريد أن أقول كلاماً مؤمناً به ، من هم المسلمون ? يملكون نصف ثروات الأرض بالتمام والكمال ، من هم المسلمون ? يحتلون أهم مركز استراتيجي بالأرض ، ملتقى القارات الثلاث ، من هم المسلمون ? عندهم ثلاثة ممرات مائية هي أصل في التجارة الدولية ، ومع كل ذلك ليس أمرهم بيدهم الآن ، والحقيقة المرة أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، الآية تقول وهي مؤلمة : 

﴿  فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)  ﴾

[  سورة مريم ]

وقد لقينا ذلك الغي ، أضاعوا الصلاة ما تركوها ، صلوا لكن الدخل غير إسلامي ، والإنفاق غير إسلامي ، والشاشة غير مضبوطة ، والتجارة بمادة محرمة ، أقول لك من أعماقي : الإسلام يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من العلاقات الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، الإسلام منهج كامل ، نحن ما طبقناه لكن دعونا له لا يوجد مانع  ، افتخرنا به ، الكعبة خلفنا لا يوجد مانع ، الحرم النبوي أمامنا لا يوجد مانع ، عملنا كل سنة حجة ، تركب طائرة خمس نجوم ، وتقيم بفندق خمس نجوم ، وتأكل أطيب الطعام ، الحاج فلان ، يا ترى دخلك إسلامي ؟ إنفاقك إسلامي ؟ بيتك إسلامي ؟ زوجتك محجبة أم متفلتة ؟ المشكلة الإسلام منهج تفصيلي  يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا إذا ما طبقناه لا نقدر أن نقطف الثمرة .
المذيع :
دكتور حضرتك تتحدث دائماً عن علاقة الإنسان بالمحيط الذي حوله ، لو أن شخصاً زوجته غير محجبة وهو ينصحها بالحجاب لكنها هي لا تستمع إلى هذا النصح ، فهو يقول ماذا أفعل ?
 

الإحسان أكبر مفتاح للإنسان :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا عندي صديق هو لم يكن ملتزما سابقاً كان متفلتاً ، تزوج امرأة متفلتة مثله ، ثم تاب الله عليه ، وأقبل على الله ، وذاق طعم القرب ، أراد أن يأمرها بالحجاب فوراً ، قلت له : اصبر عليها ، الله صبر عليك عشرين سنة ، قال : ما الحل ? قلت له : أكرمها زيادة ، كل يوم شيء طيب ، هدية على ستين يوماً قالت له : أريد أن أتحجب ، أقسم لي بالله ما طلب منها الحجاب . 
الإحسان يسكت الفم ، الإحسان قبل البيان ، فالإحسان أكبر مفتاح للإنسان ، إذا إنسان استعصى عليك أحسن له ، ينضبط .
المذيع :
هل هذا الأمر أيضاً مع الأبناء ? 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم طبعاً ، الأب ما ضربه أمام أخته ، ما ضربه أمام رفيقه ، ما سبه ، حاسبه بينه وبينه ، دائماً الحساب بينك وبينه نقطة مهمة جداً يقبلها منك .
المذيع :
وهل يجب على الأب أن يحاسب الابن على كل أفعاله أم يتغاضى عن بعضها ؟ 
 

التدرج في المحاسبة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا يجب أن يتغاضى عن تسعة ويحاسبه على العاشرة ، ذكاء سيدي ، عفواً قال تعالى:

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)  ﴾

[  سورة النساء  ]

ما هو معناها ؟ هل تستطيع أن تسكر بين الصلاتين ؟ طبعاً الآية منسوخة ، لماذا بقيت ? لنتعلم منها التدرج ،  التدرج لا الطفرة ، آية قرآنية ثابتة قطعية الدلالة ، ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، المعنى الظاهري لك أن تسكر بين الصلاتين ، لكنها منسوخة حكماً وبقيت لفظاً ، لحكمة بالغة ، أن تتعلم التدرج ، عندك ابن يوجد عليه عشرون مشكلة ، أتناول اليوم مشكلة واحدة ، أقنعه بالدليل والتحليل واللطف والنعومة ، وأترك الثانية لأناقشها معه بعد عدة أيام ، لا تطلب منه أن يقوم قيام الليل ويغض بصره ، ويترك أجهزته بيوم واحد ، لا يقدر ، الله عز وجل ما فعل هذا .
المذيع :
فضيلة الدكتور سؤال تكرر بشكل كبير : متى ليلة القدر ? الناس تريد أن نحدد يوماً معيناً .
 

الحكمة من ليلة القدر هي الاستقامة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا لي كلمة دقيقة سوف أقولها لكن بقناعتي ، عندما تخاف من الله قطعاً أنت في ليلة القدر ، عندما تريد أن تطيعه تماماً أنت في ليلة القدر ، أنت تريد أن تقنع امرأتك بالحجاب أنت في ليلة القدر ، عندك بضاعة لا ترضي الله عز وجل تخلصنا منها أنت في هذه الليلة ، عندما تفكر تستقيم ، أنت أدركت حكمة ليلة القدر ، أنا هذا إيماني .
المذيع :
فضيلة الدكتور سؤال يقول صاحبه : لو تأخرت رغماً عني عن الصلاة وأنا أصلي أذن المؤذن للصلاة التي بعدها ، هل أكمل الصلاة ? 
 

تأدية الصلاة و إن تأخر الإنسان عن أدائها :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا دخلت إلى الجامع صلِّ الفرض ، ثم صلِّ الذي فاتك بعد الفرض  .
المذيع :
سؤال آخر يقول صاحب السؤال : إذا لم يركز الإنسان في الصلاة فإنه يحسب له أنه ما خشع فيها فقط أم ترد عليه إذا لم يخشع فيها كلها ؟ فيسأل عن الخشوع كيف يمكن أن أخشع في الصلاة والأشغال كثيرة ؟
 

من أيقن أن علم الله وقدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله الجواب صعب ، أنت راكب سيارتك ، وأنت مواطن عادي ليس لك أية ميزة - لا سمح الله طبعاً ليس أنت قصدي - والإشارة حمراء ، لماذا تقف ? سؤال أيديولوجي ، لماذا تقف على الإشارة الحمراء أو على الكاميرا ? لعلمك اليقيني أن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي ، أو علمه يطولك من خلال الكاميرا ، وقدرته تطولك بسحب الإجازة لسنة ، لأنك أيقنت أن واضع القانون علمه يطولك وقد تطولك قدرته فلا يمكن أن تعصيه ، الدليل قال تعالى :

﴿  اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا  (12)   ﴾

[  سورة الطلاق ]

اكتفى باسمين فقط ، الله عز وجل علمه يطولك و قدرته تطولك ، الله ماذا يوجد عنده? نقطة بالدم لا ترى بالعين تجمدت في أحد أوعية الدماغ ، فقد ذاكرة ، هنا شلل ، يوجد شرايين صغيرة بالدماغ في كل مكان يوجد مرض يهز جبالاً ، فشل كلوي ، تشمع كبد ، خثرة بالدماغ ، فنحن في قبضة الله ألا ينبغي أن نخاف من الله ? الخوف من الله نصف الإيمان ، والطمع برحمته نصف الإيمان الثاني ، مرة قال لي طالب : أنا لا أخاف من الله ، طالب متخلف فكرياً وعقلياً ودينياً ، قلت له : والله أنت معك حق ، فانتبه الطلاب وهم عبارة عن خمسين طالباً ،  كيف معه حق ؟ قلت له :  يا بني إذا شخص أخد ابنه معه إلى الحصيدة ووضعه بين القمح ومرّ ثعبان طوله كان اثني عشر متراً لا يخاف منه الطفل ، لأنه لا يدرك ولا يخاف ، متى تخاف ? إذا كان هناك إدراك ، إذا شخص لا يوجد عنده إدراك لا يخاف ، يكون بمستوى متدن جداً .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور ، سؤال آخر فضيلة الدكتور تقول صاحبة السؤال إنها تسأل كثيراً عن الدين وعن القرآن ، وأختي قالت إن هذا الأمر خطأ ، ولا تكوني كقوم سيدنا موسى سألوه عن العجل أسئلة كثيرة ، وهي تقول : أنا عندي سبعة عشر عاماً ، وعندي فضول أن أعرف ديني و قدرة ربي ، هل سؤالي عن الدين بهذا الشكل خطأ ؟ 
 

على كل إنسان أن يسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
القرآن أجابها ، قال تعالى :

﴿  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  (43)  ﴾

[  سورة النحل  ]

المذيع :
فضيلة الشيخ أسئلة كثيرة نختار بعضاً منها لضيق الوقت ، ونحن أثقلنا على حضرتك بارك الله فيك ، يقول صاحب السؤال : كيف أعلم أن دعائي في ليلة القدر استجابه الله ؟ 

  السكينة في القلب دليل قبول الدعاء :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله سؤال أنا سوف أسألك ..
المذيع :
سوف تسألني ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
اذا جاء ابنك آخر السنة معه الجلاء ، وكانت علاماته تامة ، وهناك ثناء على أخلاقه ، ماذا تفعل معه ؟ ألا تقبّله ؟ ألا تعانقه ؟ ألا تشتري له دراجة ? أنت إنسان عادي وأنا إنسان عادي إذا خدمنا إنسان نعانقه ، نقبّله إذا كان ابننا ، نشتري له دراجة ، خالق الأكوان ، رب العالمين ، رآك تغض بصرك ، تحرر دخلك ، وكنت وفياً لزوجتك ، وربيت بناتك ، وربيت أولادك ، دخلك حلال ، إنفاقك حلال ، ألا يعمل لك خط ساخن معه في الليل ؟
المذيع :
أكيد .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يسمونه بعضهم : التجلي ، السكينة ، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، السكينة أكبر عطاء إلهي ، ذاقها إبراهيم في النار ، وذاقها النبي في الغار ، وذاقها يونس في بطن الحوت ، الحوت أخي عبارة عن مئة وخمسين طناً ، خمسون طناً لحماً ، وخمسون طناً دهناً ، وخمسون طناً عظماً ، تسعون برميل زيت ، يقف في فمه أحد عشر شخصاً ، وجد سيدنا يونس نفسه في بطن الحوت ، هل هناك مصيبة تفوق هذه المصيبة ، لا يوجد أمل ، فنادى في الظلمات ؛ في ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ، أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجيناه من الغم ، وكذلك ننجي المؤمنين ، قلبت إلى قانون .
أنا أقول للأخوة المستمعين والمشاهدين ، هل هناك مشكلة تفوق هذه المشكلة ؟ أن تجد نفسك في بطن حوت ومع ذلك نادى ربه ، فالله ينتظر دعاءنا ..
لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي في المعرضين فكيف بالمقبلين ? هذا إيماني سيدي وهذا الواقع .
المذيع :
دكتور حتى لا نثقل على حضرتك سؤالنا الأخير..
الدكتور محمد راتب النابلسي :
قل لي : سؤالي قبل الأخير ..
المذيع :
أنا نفسي أجلس مع حضرتك ساعات ، لكن أعلم أن حضرتك على صوم وتعب أدام الله عليك الصحة والعافية ، فكرة عما تبقى من رمضان ، هناك من قصر في الفترة الماضية من رمضان هل له فرصة أن يلحق برمضان في الأيام وفي الليالي القليلة المتبقية ?

  قيمة الوقت بالإنجاز :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي إذا شخص فتح دكانه ستة أشهر باع بألف ليرة ، وآخر فتح دكانه بيومين باع مليون ليرة ، الوقت لم يعد له قيمة ، أبلغ من ذلك سيدنا سعد بن معاذ أسلم وكان عمره واحداً وثلاثين عاماً ، توفاه الله بالسابعة والثلاثين ، كم سنة جلس مع النبي ؟ ثلاث سنوات ، عندما توفي قال : الآن اهتز لموته عرش الرحمن ، فالوقت لم يعد له قيمة ، القيمة بالإنجاز ، أبلغ من ذلك فتحت دكانك بعت بسنة بخمسة آلاف ، بساعتين بعت بمليون .
المذيع :
رسالتك لمن يشعر باليأس من كثرة ذنوبه في الإقبال على الله ؟
 

رسالة لمن يشعر باليأس من كثرة ذنوبه في الإقبال على الله :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
سمعت كلامي الدقيق وأنا أعني ما أقول كلمة كلمة ، اليأس والتشاؤم والسوداوية والقنوط تقترب من الكفر ، تقترب ، الله موجود ، الله بثانية قادر أن يغير المعادلات كلها ، الله على كل شيء قدير ، لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي في المعرضين فكيف بالمقبلين ? هذا إيماني والله  .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
بارك الله فيك دكتور ، أشكرك شكراً جزيلاً على وجودك معنا ، في هذه الحلقة المباركة ، دكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي شكراً جزيلاً لك .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عفواً وأنا شاكر لكم دعوتكم الكريمة .
المذيع :
بارك الله فيك .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور