- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
التّولي و التّخلي :
أيها الأخوة الكرام ؛ ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه يقول : " قوام الدين والدنيا أربعة رجال ، عالم مستعمل علمه ...."
وعالم بعلمه لم يعملنْ معذَّب من قبْل عباد الوثن
* * *
عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ، أخطر إنسان بحياتنا نصف العالم ، لا هو عالم يزيد من علمه ، ولا هو جاهل فيتعلم ، لذلك من الناس من يدري ، ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه ، ومن الناس لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلموه ، ومنهم من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فاحذروه .
البطولة أن تطلب العلم ، وأن تكون مفتقراً إلى الله ، فلذلك درس بليغ بليغ يحتاجه كل مؤمن لا كل يوم بل كل ساعة ، الصحابة الكرام هم نخبة البشر ، وفيهم سيد البشر ، هم هم وفيهم سيد البشر ، قال قائل منهم : لن نغلب من قلة ، صحابة رسول الله وفيهم حبيب الله ، قال تعالى :
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
أي ملخص الملخص الملخص .
حينما تقول : أنا .
يتخلى الله عنك .
حينما تقول : الله .
يتولاك .
فأنت بين التولي والتخلي .
بعملك ، في بيتك ، في تجارتك ، تقول : أنا ، وأنا ، وأنا .
يتخلى الله عنك .
تقول : الله .
يتولاك .
فأنت بين التولي والتخلي .
الإعتداد والإفتقار .
الصحابة الكرام في حنين اعتدوا بعددهم وهم صحابة رسول الله ، لذلك قال بعض العلماء :
لو أن الصحابة الكرام انتصروا في أحد لسقطت طاعة رسول الله ، نزلوا إلى ساحة المعركة من أجل الغنائم و لم ينفذوا أمر نبيهم .
و في حنين اعتدوا بعددهم ولو أنهم انتصروا لسقط التوحيد .
في بدر افتقروا إلى الله فانتصروا .
وفي حنين اعتدوا بعددهم فلم ينتصروا .
في اللحظة التي تنسب النجاح إلى نفسك ، إلى إمكانياتك ، إلى علمك ، إلى شهاداتك ، إلى حجمك ، إلى خبراتك ، إلى قدراتك .
تقول : أنا .
يتخلى الله عنك .
تقول : الله .
يتولاك .
فأنت بين التولي والتخلي في كل ساعة ، بل كل دقيقة ، إذا نسب نجاحه إلى نفسه ونسي الله عز وجل تخلى الله عنه .
الأخذ بالأسباب و التوكل على الله :
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في بدر افتقروا فانتصروا ، أما في حنين فقالوا : لن نغلب من قلة فلم ينتصروا ، الموقف العلمي الإسلامي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
العالم الغربي أخذ بها ، واعتمد عليها ، وألّهها ، فوقع في وادي الشرك ، في طريق ضيق عن يمينه واد سحيق ، وعن شماله واد سحيق ، إذا أخذت بالأسباب واعتمدت عليها وقعت في وادي الشرك :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
وإن لم تأخذ بها أصلاً كحال المسلمين اليوم وقعت في وادي المعصية ، فأنت بين أن تقع في وادي الشرك إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها ، وبين أن تقع في وادي المعصية إن لم تأخذ بالأسباب أصلاً .
لذلك أيها الأخوة ؛ في عملك ، في دراستك ، طالب جامعي ، صاحب متجر ، أي عمل إذا أخذت بالأسباب واعتمدت عليها ، ونسيت الله عز وجل وقعت في وادي الشرك ، وإن لم تأخذ بالأسباب وتوكلت على الله ، فاعلم أن المتوكل من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله ، فلذلك الكلام الدقيق ، سيدنا عمر مرّ برجل معه جمل أجرب ، قال له : يا أخا العرب ، ما تفعل به ؟ قال : أدعو الله أن يشفيه ، قال له سيدنا عمر : هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ؟
فلذلك الأخذ بالأسباب أصل من أصول الدين ، والكلام الدقيق أن تأخذ بالأسباب وأن تتوكل على رب الأرباب ، إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها وقعت في وادي الشرك ، وإن لم تأخذ بالأسباب وقعت في وادي المعصية ، بين المعصية والشرك الموقف الدقيق والعميق أن تأخذ بها وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
اعتماد النبي الكريم على الأسباب ثم التوكل على الله :
وفي السيرة النبوية النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر أخذ بكل الأسباب
استأجر دليلاً رجح فيه الكفاءة والخبرة على الولاء ، كان مشركاً ، توجه ساحلاً ، قبع في غار ثور ، أخذ بالأسباب ، ثم توكل على الله ، فلما كان مع الصديق وصلوا إليه ولحكمة بالغة بالغة أنهم وصلوا إليه ، قال له الصديق : " يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا ، قال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟".
النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب بكل شيء ، سار مُساحلاً بطريق مخالف، واصطحب دليلاً آخر ليمحو الآثار ... ووصلوا إليه ، قال : " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
أي في عملك ، واختصاصك ، وتجارتك ، وفي بيتك ، ودراستك ، يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم عليك أن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، المسلمون إذا أخذوا بالأسباب واعتمدوا عليها وقعوا في وادي الشرك ، وإن لم يأخذوا بالأسباب وقعوا في وادي المعصية ، هذه قاعدة يمكن أن تطبق في كل حياتك .
اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا.