- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الثانية عشرة، وهي قوله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ(12) ﴾
تذكير للفائدة والتقرير :
1 – مسألة الخَلق :
وفي الدرس السابق بينت قصة الخلق بفضل الله عز وجل، وكيف أن الإنسان خُلق في عالم الذر، بل خُلقت جميع المخلوقات في عالم الذر، قبل أن تكون صوراً .
2 – حملُ الإنسان للأمانة :
وعُرضت عليها الأمانة، حيث قال الله عز وجل :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾
3 – العبادة أصل خلق الإنسان وثمن للجنة :
ولما حمل الإنسان الأمانة كُلّف أن يزكي نفسه عن طريق تعريفها بالله
وحملها على طاعته، والتقرب إليه من أجل أن تكون هذه المعرفة، وهذه الطاعة، وهذا التقرب ثمناً لجنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إلى أبد الآبدين، فنحن في الأصل مخلوقون للجنة .
(( في الجنَّةِ ما لا عَينٌ رَأتْ، ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، ولا خطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ. ))
الناس قسمان : عامل للجنة وعامل للنار :
وقد انقسم البشر قسمين في ضوء هذه الحقيقة، فقال الله تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41) ﴾
أي أن الجنة ثمنها الانضباط، أن تعرف الله، وأن تنضبط بمنهجه، وعلى هذا قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) ﴾
صدّق أنه مخلوق للجنة، والحسنى هي الجنة، بُني على هذا التصديق أنه اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء .
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
إذاً كل شؤون حياته في اتجاه سعادته الأبدية .
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) ﴾
الصنف الثاني كذب بالجنة، وآمن أنه مخلوق للدنيا، بُني على هذا التكذيب أنه استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ وكل شؤون حياته باتجاه شقائه.
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10) ﴾
قصة الخلق أن الله حينما
4 – مقوّمات حملِ الأمانة :
وذكرت في الدرس الماضي أن الإنسان حينما قبلَ حمل الأمانة سخر الله له:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ
الكــون :
وأعطاه مقومات التكليف، وذكرت أن من أبرز مقومات التكليف هذا الكون الذي سُخّر له، وكان التسخير تسخير تعريف وتكريم .
لذلك رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، وأنت حينما تؤمن وتشكر حققت الهدف من وجودك، قال تعالى :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ
العـقـل :
ثم أعطاه العقل، كأداة لمعرفة الله وهو مناط المسؤولية والمحاسبة، وهو ميزان :
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ(7) ﴾
والعقل مهمته التأكد من صحة النقل، ثم فهم النقل، ولن يكون العقل حكماً على النقل.
الفـطرة :
ثم أعطاه فطرة سليمة تكشف له خطأه ذاتياً .
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) ﴾
الاختيـار :
ثم أعطاه اختياراً ليُثمَّن عمله :
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3) ﴾
الشهــوة :
ثم أعطاه شهوة كقوة دافعة، وهي حيادية، يمكن أن تكون قوة نافعة ودافعة، ويمكن أن تكون قوة مدمرة.
الشــرع :
ثم أعطاه الشرع، وأنزل الله على أنبيائه الكتب ليكون هذا الشرع ميزاناً على ميزاني العقل والفطرة.
ذكرت هذا في درس سابق، وأنتقل اليوم إلى تسلسل الإيمان بالله .
تسلسل الإيمان وثوابته :
الثابت الأول : الكون :
أيها الإخوة،
هناك الكون يعد الثابت الأول، لا يختلف عليه اثنان في الأرض ستة آلاف مليون إنسان هذا الكون بين أيديهم، وتحت سمعهم وبصرهم، فيه شمس، فيه قمر، فيه نجوم ، فيه مجرات، فيه أرض، فيه جبال، فيه سهول، فيه ينابيع، فيه أنهار، فيه بحار، فيه بحيرات، فيه نبات، فيه مليون نوع من النبات، فيه أطيار، فيه أسماك، فيه حيوانات، فيه معادن، فيه أشباه معادن، هذا الكون هو الثابت الأول في الإيمان، كل أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى يمكن أن يشفَّ الكون عنها .
1 – كل أسماء الله وصفاته يشفّ عنها الكون :
كل أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، يمكن أن تراها في الكون
يمكن أن ترى في الكون علمَه، يمكن أن ترى في الكون حكمته، يمكن أن ترى في الكون لطفه، يمكن أن ترى في الكون رحمته، يمكن أن ترى في الكون عدله، يمكن أن ترى في الكون قوته، يمكن أن ترى في الكون بطشه، كل أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى يمكن أن يشف الكون عنها.
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
2 – مبادئ العقل : السببية ـ الغائية ـ عدم التناقض :
وعقلك بني على مبادئ ثلاث
مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض والكون أنظمته الأساسية لكل شيء سبب، ولكل شيء غاية، والتناقض لا وجود له في الكون، مبادئ عقلك مطابقة تطابقاً تاماً مع مبادئ الخلق .
لذلك هذا العقل إذا أعملته في الكون يمكن أن تتعرف إلى الله من خلاله، إذاً: العقل أداة معرفة الله.
3 – الكون لغةٌ عالمية :
لذلك قال بعضهم: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، فأكبر ثابت من ثوابت الإيمان هذا الكون الذي يشف عن وجود الله، وعن كماله، وعن وحدانيته، وعن أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، لكن العقل سأوضح لكم مهمته :
أنت دخلت إلى جامعة، عقلك وحده، تجد منشآت تتناسب تناسباً رائعاً مع حقيقة الجامعة، مدرجات فيها عزل صوت، فيها تدفئة، فيها شاشات عارضة، فيها تهوية، فيها مقاعد مريحة، فيها مكتبة، فيها حدائق، فيها سكن للطلاب، فيها سكن للأساتذة، فيها إدارة جامعة، فيها مخابر، أنت بعقلك يمكن أن تكتشف أن وراء هذا البناء تخطيطاً، وأدمغة، ونظاماً، وخبرات متراكمة، لكن مهما كنت ذكياً، مهما كنت حصيفاً فلا يمكن أن تعرف ما اسم رئيس الجامعة، لا يمكن أن تعرف ما اسم عمداء الكليات، لا يمكن أن تعرف ما الكليات التي في الجامعة، لا يمكن أن تعرف نظام القبول، أو نظام النجاح والرسوب، هذه المعلومات لا يمكن أن تكتشفها بعقلك، لا بد من كُتيّب، هذا الكتيب يتكامل مع عقلك، هذا تمهيد .
الله عز وجل جعل هذا الكون ينطق بوجوده، بعلمه، بقوته، برحمته، بعدله، بلطفه، بجماله، لكن لماذا خلقك الله؟ أنزل كتاباً هو القرآن الكريم، قال لك فيه :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾
لماذا الحياة القصيرة ؟ لماذا الحياة أربعون عاماً، خمسون، ستون ؟ قال لك في كتابه :
﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى(4) ﴾
لماذا يأتي الأنبياء؟ يأتي الأنبياء ليبينوا للناس علة وجودنا، وطريق سلامتنا وسعادتنا .
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25) ﴾
فصار الكتاب يكمل العقل، ما عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، هذا الكتاب لعل قائلاً يقول: إنه كلام إنسان عبقري بليغ في اللغة، أعطاك مع الكتاب شهادة الإله العظيم على أنه كلامه، أكبر دليل على أن هذا الكتاب كلام الله إعجازه، يعني قبل 1400 عام نزل هذا الكتاب .
صور من حقائق كونية :
1 – ظاهرة تناثر الضوء :
وقبل عشرين عام تقريباً صعد الإنسان إلى القمر، وفي أثناء الصعود تجاوز طبقة الهواء
وهي تزيد عن 65 ألف كم، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء صاح أحدهم بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً، التفسير العلمي: أن الهواء مع الشمس يشكل ظاهرة ضوئية اسمها التناثر، أي أن أشعة الشمس إذا سُلِّطت على طبقات الهواء عكست هذه الذرات أشعة الشمس على ذرات أخرى لم تصلها أشعة الشمس، فصار في الأرض مكان فيه أشعة شمس، ومكان فيه ضياء الشمس، وجود الضياء من دون أشعة هذه ظاهرة اسمها تناثر الضوء، فلما تجاوزنا طبقة الهواء ألغي التناثر، فصار الفضاء ظلاماً دامساً كالليل الأليل، فصاح رائد الفضاء: لقد أصبحنا عمياً، افتح القرآن :
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ(15) ﴾
لا يمكن أن يكون هذا الكلام كلام بشر، مستحيل، لأن الحقيقة التي كُشفت بعد 1400 عام ذكرها القرآن قبل 1400 عام .
2 – الوردة الجورية :
أكبر وكالة فضاء (ناسا) تعرض صورة لوردة جورية، أوراق حمراء داكنة، حولها وريقات خضراء زاهية، في الوسط كأس أزرق، كتب تحته صورة لانفجار نجم اسمه عين القط، يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، تفتح القرآن :
﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ(37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(38) ﴾
3 – الحاجز بين البحرين :
يكتشف رواد الفضاء من سفينة الفضاء أن بين كل بحرين خطاً، والخط تباين لونين
هذا المنظر يثير الفضول عند علماء البحار، يتابعون هذه الظاهرة، فإذا بعد التحقيق والبحث، والدرس، والتجريب تبين لكل بحر ماؤه، لكل بحر كثافته، لكل بحر ملوحته، ولا يمكن أن تختلط مياه البحار مع بعضها بعضاً، حتى في بعض الصور لمكان التقاء البحار كباب المندب، أو كقناة السويس، أو كمضيق جبل طارق، أو كمضيق بنما، أو كمضيق البوسفور هناك جدار بين البحرين، تفتح القرآن الكريم :
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21) ﴾
4 – النطفة هي التي تحدد جنس المولود وليس البويضة :
بعد تطور علم الأجنة إلى أعلى مستوى تبين أن الذي يحدد كون المولود ذكراً أو أنثى هي النطفة وليس البويضة، تفتح القرآن الكريم :
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46) ﴾
5 – كل شيء في الكون يدور :
بعد اكتشاف علم الذرة أن كل شيء في الكون يدور حتى الخشب، حتى الصخر أي شيء في الكون مؤلف من ذرات، والذرة من نواة، وكهارب، ومسارات .
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
6 – أدنى الأرض : غور فلسطين :
بعد اكتشاف أشعة الليزر تبين أن أعمق نقطة في الأرض هي غور فلسطين، والآية الكريمة:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ(2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) ﴾
في أدنى الأرض باكتشاف أشعة الليزر تبين أن أعمق نقطة في الأرض غور فلسطين، وتؤكد روايات التاريخ أن المعركة التي تمت بين الفرس والروم كانت في غور فلسطين .
7 – وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ :
تركب طائرة أحدث طائرة 777، وأنت على مقعد وثير، والجو لطيف، ومكيَّف، وشرابات، وأطعمة فاخرة، ومجلات، وصحف، وقنوات، تفتح القرآن الكريم فتقرأ قوله تعالى :
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا
كم هي المسافة بين الحمار وبين الطائرة؟ ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾
8 – الحكمة من تذكية الحيوان وعدم قطع رأسه :
النبي عليه الصلاة والسلام يعطي أمراً تشريعياً بعدم جواز قطع رأس الدابة حينما تذبح، قال: اقطعوا أوداجها فقط، هذا التوجيه لا يمكن أن يُفسَّر في مكان في العالم، ما الفرق بين قطع رأسها وبين قطع أوعيتها الدموية؟
لا أحد يعلم، لا في عهد النبي، ولا بعد مئة عام، ولا بعد مئتي عام، ولا بعد 500 عام، ولا بعد ألف عام، ولا بعد 1400 عام هناك جهة في الأرض تفسر ما سر هذا التوجيه، الآن انكشفت الحقيقة، لأن القلب أخطر عضو في الجسم، ولأن القلب عليه مدار الحياة، لا يمكن أن يكون تحت رحمة الشبكة العامة الكهربائية، لا بد له من مولد ذاتي، يوجد مركز كهربائي ذاتي، وهذا المركز إذا تعطل يوجد مركز ثانٍ، وإذا تعطل الثاني يوجد مركز ثالث، كم احتياط؟ احتياطيان، وأن هذا المركز الكهربائي يعطي أمراً بالنبض النظامي 80 نبضة بالدقيقة فقط، والإنسان بحاجة أحياناً إذا هاجمه عدو أن يسرع، أو إذا واجه حيواناً مخيفاً، أو ثعباناً في بستان بحاجة إلى جهد أعلى من 80 نبضة، لكن العين بإدراك الخطر تنقل صورة الخطر إلى الدماغ، والدماغ عنده مفهومات الثعبان، مفهومات الثعبان تنبئ الدماغ أن هذا لدغته قاتلة، فالدماغ ملك الجهاز العصبي يعطي التماساً لملكة الجهاز الهرموني، الغدة النخامية، تعطي أمراً لوزير داخليتها الكظر فيعطي أمراً إلى القلب ليرفع النبض إلى 180 نبضة، وأمراً إلى الرئتين ليزداد الوجيب، فالخائف قلبه ينبض سريعاً، ورئتاه تخفقان سريعاً، وأمراً إلى الأوعية المحيطية بتضييق اللمعة فيصفر الخائف، وأمراً إلى الكبد بإطلاق كمية سكر استثنائية، فالخائف سكره عالٍ، وأمرًا إلى هرمون التجلط بإطلاق كمية إضافية فدم الخائف لزج .
حسناً، هذه الدابة إذا ذبحناها، وقطعنا رأسها يبقى القلب يعمل 80 نبضة، الثمانون نبضة تخرج ربع الدم فقط، أما إذا أبقينا الرأس موصولاً بالجسم يعمل الجهاز الاستثنائي، فالخروف أدرك الخطر، الدماغ للغدة النخامية للكظر للقلب ارتفع النبض 180 نبضة، الـ 180 نبضة تخرج الدم كله من جسم الدابة، تجد اللحم الذي ذُبِح وفق الطريقة الإسلامية أزهر اللون، شهي المنظر، طيب الطعم، أما إذا ذُبح بقطع رأس الدابة يبقى أربعة أخماس الدم في الدابة، يصبح لون اللحم أزرق، ومؤذيًا، واللحم بؤرة جراثيم، ليس هذا من علم النبي، ولا من تجربة النبي، ولا من ثقافة النبي، ولا من معطيات بيئة النبي، إنه وحي يوحى:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾
فالكون أكبر ثابت من ثوابت الإيمان .
الثابت الثاني : القرآن :
الكون خلقه، والقرآن كلامه
لكل نبيٍّ معجزة :
إخواننا الكرام، كل نبي معه معجزة، والمعجزة في حقيقتها شهادة الله للبشر أن هذا الإنسان رسول رب البشر، علامة، إلا أن الأنبياء السابقين كانوا لأقوامهم، فالمعجزة حسية، سيدنا موسى ألقى عصاه :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(107) ﴾
سيدنا عيسى أحيا الميت، وهذا شيء فوق طاقة البشر، سيدنا إبراهيم أُلقي في النار فلم تحرقه، هذه معجزات، لكن هؤلاء الأنبياء لأقوامهم فقط، أما النبي عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين، هو لكل البشر أجمعين، هو رحمة للعالمين، هو إلى نهاية الدوران، هو حتى قيام الساعة، إذاً كتابه خاتم الكتب، لا بد من أن تكون شهادة الله للخلق من أن هذا القرآن كلامه مستمرة، المعجزة الحسية كتألق عود الثقاب يتألق مرة، ثم ينطفئ فيصبح خبراً تصدقه أو لا تصدقه، بينما إعجاز القرآن شهادة الله المستمرة .
في القرآن 1300 آية كونية، سدس القرآن شهادة على خمسة أسداسه أنه كلام الله، السدس شهادة من الله .
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ
الآن ثبت أن الشمس تجري، يعني حقائق لا تنتهي، والإعجاز يحتاج إلى سنوات، والآن المادة الأولى في الدعوة إلى الله الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .
الثابت الثالث : السُّنة :
لكن القرآن كلي، يحتاج إلى من يفسره لنا، فيأتي النبي الكريم ليبين للناس ما نُزّل إليهم، فبيان النبي الكريم هو شرح، وتوضيح لمجمل القرآن الكريم
وكأن سنة النبي هي تفسير لكلام الله، فصار عندنا: كون الثابت الأول في الإيمان، ويوجد كتاب فيه كل شيء، ويوجد إنسان سيشرح هذا الكتاب، دليل أن الله موجود وواحد وكامل: الكون، ودليل أن هذا القرآن كلام الله: إعجازه، ودليل أن النبي رسول الله: هو القرآن .
لا زلنا في العقل، لكن بعد هذه المرحلة يأتي دور النقل، أي شيء عجز العقل عن إدراكه أخبر الله به، صار عندنا في ديننا معقولات، ومسموعات، وعندنا تفكر، ويوجد نقل، وعندنا عقل ويوجد نقل، وعندنا أبحاث يتولاها العقل، وعندنا أخبار تلتقفها الأذن .
1 – إخبار الله بوجود الملائكة والجن والنار والجنة :
الآن القسم الثاني من الدين الله أخبرنا أن هناك ملائكة .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
ما الدليل؟ ليس هناك دليل حسي، بل هناك دليل إخباري، هو إخبار الله لك.
أنت دخلت إلى بيت، صاحب البيت كل ذرة في دمك، وكل خلية في جسمك تؤمن أنه صادق، وهناك خزانة مغلقة، سألته: ما في هذه الخزانة ؟ قال لك: كتب قديمة، الدليل الخبر فقط، لكن لو فتحت الخزانة ترى بعينك، وتدرك بعقلك أن هذه الكتب قديمة، أما هو ما فتحها لك، لكنه أخبرك .
فأخبرنا الله عن وجود الملائكة، وعن وجود الجن، وعن أن هناك حياة بعد الموت فيها جنة وفيها نار، فيها نار لا ينفذ عذابها، وفيها جنة يدوم نعيمها إلى أبد الآبدين .
2 – إخبار الله بالماضي السحيق :
أخبرنا عن الماضي السحيق، كيف خُلق الإنسان، آدم وحواء، وكيف كانا في الجنة
فالشيطان أخرجهما من الجنة، وأخبرنا عن الأقوام السابقة عن عاد وثمود وأصحاب الأيكة، وقوم موسى وهارون، فهناك ماضٍ سحيق، وهناك مستقبل بعيد، وهناك حديث عن الذات الإلهية.
﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) ﴾
هذا الدين العظيم فيه معقولات، وفيه مُخبَرات، فيه عقل، وفيه نقل، الذي عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به.
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَم
أيها الإخوة الكرام ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَم﴾
فالملائكة دونه، هنا السجود يعني خذوا أمري من آدم، المعنى الدقيق للسجود أن نأخذ الأمر أمر الله عز وجل من آدم، السجود هو الخضوع، أنت حينما يأتيك أحياناً إنسان عادي معه أمر الملك، فإذا أطعت هذا الإنسان العادي هي في الحقيقة ليست طاعة له، ولكنها طاعة للملِك، فهنا السجود الخضوع يعني أيها الملائكة أنتم أشفقتم من حمل الأمانة، لكن آدم قبِلها، وحملها، فكان أعلى المخلوقات، وسوف أُنفذ له أمري، وأنتم عليكم أن تأخذوا أمري من خلاله: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ﴾ إبليس كان متفوقاً جداً فلما أُمر أن يسجد لآدم رأى نفسه من نار، وآدم من طين وتوهم أن النار فوق الطين فإبليس رفض أن يسجد ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
معصية إبليس بعدم السجود معصية كبرياء وعظمة :
قال الله عز وجل :
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(29) ﴾
لكن إبليس رفض أن يسجد، قال :
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) ﴾
الآن بدأت معصية الكِبْر، المعاصي نوعان: معصية كبْرٍ، ومعصية غلبةٍ، وأفضل ألف مَرة أن تقع في الغلبة من أن تقع في الكبر، لأن الكبر يتناقض مع العبودية لله، لذلك الذي يعصي الله غلبة تُرجى له التوبة، وهو قريب من التوبة، ورب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خيرٌ من طاعة أورثت عزاً واستكباراً .
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أي عصى: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾
الآن أيها الإخوة، قال الله عز وجل:
إبليس أوَّل مَن سن قاعدة : أَنَا خَيْرٌ :
أنت أمام قضيب مستقيم، وأمام خطّاف يُستخدم للحمل، الخطاف منحني هكذا أيهما أفضل؟ كلام ليس له معنى.
حينما تحتاج إلى قضيب مستقيم القضيب المستقيم أفضل، وحينما تحتاج إلى خطاف تحمل به الأشياء فالانحناء أفضل، فأن تقول: أيهما أفضل الطين أم النار هذا كلام لا معنى له، كل صفة تؤدي مهمتها، أيهما أفضل سيارة سياحية أم سيارة شاحنة ؟
كلام مضحك، ماذا تريد أن تستخدم هذه السيارة، لنقل الركاب؟ السياحية أفضل، لنقل البضاعة؟ الشاحنة أفضل، فكل صفة لا يمكن أن تكون مُفضَّلة إلا بحسب مهمتها، لكن أنا أفاضل بين شاحنتين، أو بين سيارتين لنقل الركاب، أما أنا لا أفاضل بين مركبة مهمتها نقل الركاب، ومركبة مهمتها نقل البضائع.
قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾
طبعاً قال القرآن على لسان إبليس :
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا
إذاً: جاء التوضيح :
﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ
بين المنعِ والامتناع :
الله عز وجل يقول: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾
هذا يتوضح في الفرق بين المنع و الامتناع .
أحياناً تريد أن تأكل تأتي قوة قاهرة تُشهِر عليك سلاحاً، فلا تأكل، أنت الآن مُنعت أن تأكل. لكن الأكل أمامك، وهممت أن تأكل، فجاء طبيب تثق بعلمه، وأخبرك أن هذا الطعام يؤذي مرضك، ويؤخر شفاءه، الآن لم تُمنع من أن تأكل، ولكنك أُقنعت ألا تأكل، فامتنعت، الفرق كبير بين أن تُمنع بالقوة، وبين أن تمتنع اختياراً .
دقة القرآن الكريم شيء عجيب: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾
وهناك آية ثانية توضح هذا المعنى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾
﴿ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ
﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
هذا ما ترتب عن المعصية :
1 – الهبوط من الجنة :
أيها الإخوة ، لما رفض إبليس أن يسجد :
﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا
2 – معنى الهبوط :
الهبوط له معنيان،
هبوط مكاني، الطائرة هبطت على المطار الفلاني، هذا هبوط مكاني، وإنسان كان مديرًا عاماً بمؤسسة، وباعتبار المؤسسة فخمة جداً مكتبه الفخم في الطابق الأول، فهبطت مكانته، ووظفوه رئيس دائرة في الطابق العاشر نقول: هبطت مكانته، لكنه كان في الأسفل، فصار فوق، لا، مكانته هبطت هنا، كان مكتبه في الطابق الأول، لأنه مدير عام، أصبح رئيس دائرة فرعية في الطابق العاشر، هو لم يصعد ولكنه هبط، هبطت مكانته، هبطت سلطته، هبط دخله.
لذلك: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا﴾
قيسوا على هذه الآية أوضاع البشر، هذا الذي يأبى أن يطيع الله، يتكبر أن يصلي، يتكبر أن يسجد لله، ترون أنتم في المناسبات الدينية المسؤولون كلهم يسجدون، هذا وسام شرف لهم، أليس كذلك؟ للأرض .
قال: ﴿إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ﴾
هل من المعقول لإنسان ليس مسلماً يؤلف كتاباً، يدرس تاريخ البشرية، ويبحث من هؤلاء البشر على عظماء البشر، عظماء البشر في كل القرون، وفي كل القارات، وفي كل الثقافات، ويختار من بين هؤلاء العظام القادة العباقرة ألف إنسان، ثم يصطفي من هذه الألف مئة، ثم يجعل محمد بن عبد الله على رأس هذه المئة .
يعني مرة ذكرت أقوالاً لمفكري الغرب في هذا النبي الكريم، رفعه الله عند المسلمين وعند غير المسلمين .
أيها الإخوة الكرام، قال تعالى: ﴿إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين