المذيع :
مشاهدينا الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم : " أيام الله ".
لم يسلم حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى الكفار ، والمشركين ، والمبغضين في حياته ، وحتى بعد مماته ، وولعلَّ من حكمة ذلك أن يرفع الله ذكره ، ويجدد في قلوب أتباعه محبتهم لسيدهم ، ولعل من حكمة ذلك أيضاً ابتلاء المؤمنين ، واختبار صدق محبتهم لنبيهم ، ولا يخفى علينا أن الله تعالى حفظ حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بحفظه فقال :
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) ﴾
وقال أيضاً :
﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) ﴾
وها نحن نرى في أيامنا الهجمة الشرسة على دين الله ، ونبيه محمد عليه صلاة الله وسلامه ، تارةً بالرسم ، وتارةً بتصريحات تنم عن جهل صاحبها بمكانة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قلوب العالمين ، فكيف رفع الله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وما واجبنا تجاه هذه الإساءات المتكررة ؟ هذا ما سنتعرف عليه مع ضيف هذه الحلقة فضيلة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً بفضيلتكم ، وجمعة مباركة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
دكتور ؛ لو أردنا أن نستفتح بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن رفع ذكره فماذا تقول فضيلتكم ؟
صفات النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أخاطب النبي عليه الصلاة والسلام :
يا سيدي يا رسول الله ، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع ، يا من أعطيت القدوة ، وضربت المثل ، وعبدت الطريق ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك .
يا سيدي يا رسول الله ! أشهد أن الذين بهرتهم عظمتك لمعذورون ، وأن الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون ، أي إيمان ، وأي عزم ، وأي مضاء ، وأي صدق ، وأي طهر ، وأي نقاء ، وأي تواضع ، وأي حب ، وأي وفاء ؟! يوم كنت طفلاً عزفت عن لهو الأطفال ، وملاعبهم ، وأسمارهم ، وكنت تقول لأترابك إذا دعوك إلى اللهو : أنا لم أخلق لهذا .
ويوم جاءتك رسالة الهدى ، وحُملت أمانة التبليغ ، ويوم فتحت مكة التي آذتك ، وأخرجتك ، وكادت لك ، وائتمرت على قتلك ، ولقد ملأت راياتك الأفق ظافرة عزيزة ، قلت لخصومك : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
ويوم دانت لك الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها ، وجاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، صعدت المنبر ، واستقبلت الناس باكياً ، وقلت لهم : من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه .
ويوم دخلت على ثوبان ذلك الغلام الفقير ، فرأيته يبكي فسألته : ما يبكيك يا ثوبان ؟ قال : يا رسول الله ! إنك إن غبت عني أشتاق إليك ، فتبكي عيناي ، فإذا تذكرت الآخرة وأنني لن أكون معك في الجنة حيث أنت في أعلى درجاتها ازداد بكائي ، عندئذٍ هبط الأمين جبريل ، ويقول الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً (69) ﴾
ويوم أقبل عليك رجل فظ غليظ ، لم يكن قد رآك من قبل ، غير أنه سمع أن محمداً يسب آلهة قريش ، فحمل سيفه ، وأقسم ليسوين حسابه مع محمد ، ودخل عليك ، وبدأ حديثه عاصفاً مزمجراً ، وأنت أيها النبي الكريم تبتسم ، وتنطلق مع بسماتك أطياف نور آسر ، وما هي إلا لحظات حتى انقلب الغيظ المتجهم حباً ، يكاد من فرط الوجد والحياء أن يذوب ، وانكفأ هذا الرجل على يديك ، ودمعه ينهمر من عينيه ، ولما أفاق قال لك : يا محمد ! والله لقد سعيت إليك وما على وجه الأرض أبغض إليّ منك ، وإني لذاهب عنك وما على وجه الأرض أحبّ إليّ منك ، لقد أشرقت على هذا الرجل أنوار الحق ، ومحبة الخلق الكامنة في قلبك الشريف يا سيدي يا رسول الله ، ففعلت في قلب الرجل فعل السحر ، إنها النبوة ، إنها النبوة .
ويوم غضبت صلى الله عليك من غلام لك ، وكان بيدك سواك ، فقلت له : والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك .
يا سيدي يا رسول الله ! نحن بأمس الحاجة يا رسول الله إلى هديك الرباني الذي لا تزيده الأيام إلا رسوخاً وشموخاً ، ونحن في أمس الحاجة إلى سنتك المطهرة التي هي المنهج القويم والصراط المستقيم ، ونحن في أمس الحاجة إلى أخلاقك العظمى التي لا يزيدها التأمل والتحليل إلا تألقاً ونضارة ، لقد كنت بحق بين الرجال بطلاً ، وبين الأبطال مثلاً .
حيث قلت لابنتك فاطمة الزهراء رضي الله عنها : يا فاطمة بنت محمد ، أنقذِي نفسك من النار ، أنا لا أغني عنك من الله شيئاً ، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه .
ما من كلمة تقال يا سيدي يا رسول الله في شمائلك أبلغ من كلمة سيدنا جعفر بن أبي طالب ابن عمك رضي الله عنه يوم كان في الحبشة مهاجراً ، وسأله ملكها النجاشي عنك فقال :
" أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف وصدقه وأمانته وعفافه ونسبه ، فدعانا إلى الله لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وشهادة الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات .
يا سيدي يا رسول الله ! خاطبك ربك فقال :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46) ﴾
صفات من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا سيدي يا رسول الله ! لقد دعوت إلى الله ، وتلوت على قومك آيات الله ، وعلمتهم الكتاب والحكمة ، وزكيت الذين آمنوا بك ، وساروا على نهجك ، حتى صاروا أبطالاً ، رهباناً في الليل ، فرساناً في النهار ، يقومون الليل إلا قليلاً ، ينفقون أموالهم سراً وعلانية ، يدرؤون بالحسنة السيئة .
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) ﴾
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) ﴾
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) ﴾
هم تائبون ، عابدون ، حامدون ، سائحون ، راكعون ، ساجدون ، آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر ، حافظون لحدود الله .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾
هم :
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) ﴾
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) ﴾
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) ﴾
أحبوا الله وأحبهم .
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) ﴾
لقد عرفت قيمة الوقت يا رسول الله ، فجعلته ظرفاً لبطولات تعجز عن صنعها الأمم والشعوب ، حتى أقسم الله بعمرك الثمين ، فقال تعالى :
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) ﴾
يا سيدي يا رسول الله ! ما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يصطلحوا مع ربهم ، ويخلصوا له دينهم ، ويهتدوا بهديك العظيم ، ويتبعوا سنتك المطهرة ، ثم يدعون بدعائك فلعل الله يخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويكشف عنهم الغمة ، وينصرهم على عدوهم .
يا ذا القلب الزكي ، يا من لا تفلت منك شاردة من آمال الناس ، وآلامهم ، إلا لبيتها ، ورعيتها ، وأعطيتها من ذات نفسك كل اهتمام وتأييد .
يا أيها العابد الأواب ، يا من تقف في صلاتك تتلو سوراً طويلة من القرآن في انتشاء وغبطة ، لا تقايض عليها ملء الأرض ذهباً ، ثم لا تلبث أن تسمع بكاء طفل رضيع كانت أمه تصلي خلفك في المسجد فتضحي بغبطتك الكبرى ، وحبورك الجياش ، وتنهي صلاتك على عجل رحمة بالرضيع .
يا من سويت نفسك مع أصحابك في بعض الغزوات فتناوبت واثنين منهم على راحلة ، فلما طُلب منك أن تبقى راكباً قلت لهم : ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر .
يا من كنت ترتجف حينما ترى دابة تحمل على ظهرها فوق ما تطيق .
يا من أرسلك الله رحمةً للعالمين فقال :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) ﴾
وزكى عقلك فقال :
﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) ﴾
وزكى لسانك فقال :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) ﴾
وزكى شرعك فقال :
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾
وزكى جليسك فقال :
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ﴾
وزكى فؤادك فقال :
﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) ﴾
وزكى بصرك فقال :
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) ﴾
وزكى خلقك فقال :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾
وأقسم بعمرك الثمين فقال :
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) ﴾
نشهد أنك أديت الأمانة ، وبلغت الرسالة ، ونصحت الأمة ، وكشفت الغمة ، ومحوت الظلمة ، وجاهدت في الله حق الجهاد ، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد ، الله صلِّ وسلم وبارك على سيد البشر ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، الذين رباهم تربية حملت أحدهم على أن يقول : والله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً ، ولو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي .
ونحن نقول مع من قال : يا سيدي يا رسول الله ما أعقلك ! وما أرحمك ! وما أوصلك ! وما أحكمك ! جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ، لقد كنت رحمة مهداة ، ونعمة مجزاة ، وصلى الله عليك يا رسول الله ، يا سيدي يا رسول الله .
نرجو الله عز وجل أن نكون قد ذكرنا شيئاً من خصائص هذا النبي العظيم .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم ، بارك الله فيك دكتور محمد على هذه المقدمة الطيبة ، التي حضرتك طفت بنا فيها بين صفات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخلاقه ، وتعاملاته ، ورحمته ، وفضله ، ومكانته عند الله عز وجل .
في المقدمة فضيلة الدكتور قرأنا الآية الكريمة : ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ما معنى أن الله عصم نبيه من الإساءات ، وكفاه وكفى الله المستهزئين ، والإساءات تتكرر ضد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فترة إلى فترة ، وبأشكال مختلفة .
النبي الكريم عصمه الله عصمة تبليغ وعصمة أداء :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخي الكريم ؛ لقد عصم الله النبي الكريم من أن يُغتال وهو يؤدي الرسالة ، أما هو في النهاية :
﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ﴾
ما دام يؤدي الرسالة عصمه من أن يُغتال ، وعصمه من أن يخطئ بكلامه أي خطأ ، لا بكلامه ، ولا بفعله ، ولا بصفاته ، لأنه نموذج للمسلمين ، لأنه قدوة لهم ، عصمه من أن يخطئ بكلامه ، وبأفعاله ، وبصفاته ، فلذلك عصمه الله مرتين ، من أن يُغتال وهو يؤدي هذه الرسالة ، وعصمه أيضاً من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وصفاته ، وإقراره ، أربعة أنواع العصمة من أن يخطئ في أقواله ، وفي أفعاله ، وفي إقراره ، وفي صمته ، وفي صفاته .
العصمة نوعان : عصمة تبليغ ، وعصمة أداء .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور محمد ؛ دكتور محمد الآية الكريمة :
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ﴾
لو توقفنا عند هذه الآية كيف رفع الله سبحانه وتعالى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
كيفية رفع الله سبحانه وتعالى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أولاً الشهادة : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، رفع الله ذكر النبي ، ما ذُكر الله إلا ذُكر معه النبي الكريم ، لأنه هو الإنسان المعصوم من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وصفاته ، رفع الله له ذكره ، وقال :
﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ﴾
لأنه عصمه عصمتين ، من أن يُغتال في أثناء الدعوة ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) كما قال في آية أخرى ، وعصمه من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وصفاته .
سمع امرأة تقول - أحد أصحابه توفي ، ومن عادته صلى الله عليه وسلم أنه يزور بيت المتوفى قبل الدفن - : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله ، لو سكت النبي الكريم وحده لكان كلامها صحيحاً ، سنته أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، أي صمته وصفاته ، فقال لها : وما أدراك أن الله أكرمه ، قولِي : أرجو الله أن يكرمه ، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم ، هذا سماه العلماء التألي على الله ، أن تصف مصير الإنسان ، لك أن تصف حاله الآن ، هو الآن يرتكب معصية ، أو يرتكب طاعة ، أما المآل فلا تملكه ، فقه المآل لا يصلح للبشر ، إلا لرب البشر .
المذيع :
بارك الله بك فضيلة الدكتور ؛ فضيلة الدكتور في الآية الكريم ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
دقيقة .
المذيع :
تفضل للملاحظة دكتور ، تفضل .
الدين الإسلامي كلما ضُغط عليه ازداد قوة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
دقيقة ؛ عندنا نبات - حشيش - أخضر هذا للحدائق ، هذا النبات الأخضر رخيص جداً ، أمام بيتك يوجد مساحة بسيطة ، لا بد من أن تكون خضراء ، ولكن عندنا أيضاً حشيش آخر ، هذا الحشيش كلما زدت من دوسك عليه ازداد قوة ، شيء عجيب ! هذا نبات - حشيش -الملاعب ، مادة خاصة للملاعب ، كلما ضغطت عليه أكثر ازداد قوة ، وكأني أفهم هذا الدين كذلك ، كلما ضغطت عليه يزداد قوة .
وهذه الصحوة الإسلامية الرائعة في هذه السنوات الطويلة أنا أعزو أسبابها إلى أعداء الدين ، اشتد ضغطهم ، اشتدت جريمتهم ، اشتد إذلالهم ، فالدين يقوى ، أي إذا أردت أن تلغي هذا الدين لا تستطيع ، أما إذا ضغطت عليه فهذا الضغط يزيده قوة ، وأنا أقول : الصحوة الإسلامية في العالم كله مردها إلى شدة الضغط على المسلمين ، أي المناهج الأرضية سقطت لم يبقَ إلا منهج السماء ، هذا المنهج كلما ضغط على أصحابه ازدادوا قوة ، كهذا الكازون ، أو الحشيش كلما زدته ضغطاً ازداد قوة ، لا تقلق على هذا الدين ، إنه دين الله ، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له .
المذيع :
في هذا الإطار فضيلة الدكتور فكرة تعرض شخص النبي صلى الله عليه وسلم للإساءة ، يرى البعض أن تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الإساءات لضعف المسلمين وعدم تمسكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، رأي حضرتك فضيلة الدكتور ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الجواب في الحقيقة :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلّ خير ، احرِصْ على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزْ ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل : لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل ، فإن ' لو ' تفتحُ عَمَلَ الشيطان ))
القوة أنواع ثلاث ، قوة المال ، وقوة العلم ، وقوة المنصب ، فالقوي يخشاه الناس ، والمؤمن القوي كما قال النبي الكريم : (( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف )) لكنه جبار خواطر قال : (( وفي كلّ خير )) .
فالقوة أنواع ثلاث ؛ قوة المال ، المال قد يسهم في تقوية الأمة ، إحداث معاهد ، جامعات ، بعثات ، هناك آلاف الطرق إلى تقوية الأمة بالمال ، ويقوى بالعلم .
" فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً " .
فلذلك : (( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير)) .
القوي خياراته بالعمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، يفتح مستشفيات ، معاهد شرعية ، مساعدات ، محو الأمية ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، وعلة وجودنا الوحيدة في الدنيا العمل الصالح ، والدليل ، الإنسان إذا شارف على الموت يقول :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، علة وجودنا بعد الإيمان بالله العمل والعمل الصالح ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) لا أحد يقول : ارجعون لأكمل الطابق الخامس بالبناء ، ارجعون لأتابع الدكتوراه بعد الماجستير ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) يستنبط بعد الإيمان بالله علة وجودك العمل الصالح .
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) ﴾
وتقيّم بالعمل الصالح .
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) ﴾
والعمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور محمد ؛ في الآية الكريمة فضيلة الدكتور الله عز وجل يقول : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) كيف نفهم هذه الرحمة ، وأنها أتت للعالمين ، ومن هم العالمون ؟
انتشار الإسلام بشكل مذهل لأنه هو الشريعة الخاتمة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أولاً : ما من نبي إلا بعث إلى قومه ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم كان خاتم الأنبياء والمرسلين ، وبعثته خاتمة البعثات ، ورسالته خاتمة الرسالات ، فهو بُعث رحمة للعالمين ، وإذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، فهي البعثة الأخيرة ، ليس بعدها من بعثة ، ومن باب التفاؤل الحقيقي الواقعي يقول النبي الكريم : " يبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار " .
كنت مرة بأستراليا ، بملبورن ، آخر مدينة بالأرض ، بعدها يوجد القطب الجنوبي ، يوجد معهد شرعي ، جامع ، وهناك دعوة " يبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار " .
الحقيقة هذا الإسلام انتشاره مذهل ، لأنه هو الشريعة الخاتمة ، والله عز وجل تولى حفظه بيده العظيمة ، لذلك لا تقلق على هذا الدين إنه دين الله ، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ أمام هذه الإساءات التي تعرض إليها النبي صلى الله عليه وسلم من وقت إلى آخر ، المسلمون يشعرون بالحسرة ، والأسى ، والضيق ، والضجر ، ويريدون أن يعبروا عن ذلك ، فماذا على المسلم أن يفعل فيما يراه صحيحاً أو ما تراه صحيحاً نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم ؟
النبي قدوة للبشر أذاقه الله من كل صفة طرفيها الحادين :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد تعليق لطيف ، أرجو الله أن يكون واضحاً : النبي اتهم اتهامات باطلة ، أليس كذلك ؟
المذيع :
بلى .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
اتهم أنه مجنون ، وذكرها الله في القرآن ، اتهم أنه كاهن ، اتُهم أنه ساحر ، أنه كذاب ، لماذا أثبت الله في قرآنه الكريم الذي يتلى إلى يوم الدين الصفات الباطلة التي برئ النبي منها ؟ أثبتها رحمة بالدعاة من بعده ، من أنت أمام النبي ؟ اتهم أنه مجنون ، وساحر ، وكاهن وكاذب ، أثبتها الله في كتابه الكريم تطميناً للدعاة من بعده ، من أنت أمام النبي الكريم ؟ النبي قال :
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
لأنه قدوة لنا أذاقه الله من كل صفة طرفيها الحادين ، أذاقه الغنى والفقر .
لمن هذا الوادي ؟ قال له : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال : لا والله ، قال له : أشهد أنك تعطي عطاء من لا يخشى الفقر .
دخل إلى بيته : أعندكم شيء ؟ هل يوجد بيت بالعالم الإسلامي لا يوجد فيه كسرة خبز وكأس شاي ؟ لا يوجد شيء بالبيت ، قال : فإني صائم .
(( عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم : يا عائشةُ ، هل عِنْدَكم شيء ؟ قالتْ : فقلتُ : يا رسولَ الله ، ما عندنا شيء ، قال : فإني صائم ، قالت : فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فأُهْدِيت لنا هَديَّة - أو جاءنا زَوْر - فلما رجعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قلتُ : يا رسولَ الله ، أُهْدِيَتْ لنا هَديَّة - أو جاءنا زَوْر - وقد خبَأْتُ لك شيئاً ، قال : ما هو ؟ قلت : حَيْس ، قال : هاتيه ، فجئتُ به فأكلَ ، ثم قال : قد كنتُ أصبحتُ صائما ' . قال طلحةُ : فحدَّثْتُ مجاهدا بهذا الحديث ، فقال : ذلك بمنزلة الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصدقةَ من ماله ، فإِن شاءَ أمْضاها ، وإِن شاءَ أمسكها . وفي أخرى قالت : ' دخل عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : هل عندكم من شيء ؟ فقلنا : لا ، قال : فإني إِذن صائم ، ثم أتانا يوم آخر ، فقلنا : يا رسولَ الله ، أُهْدِيَ لنا حَيْس ، فقال : أرِينيه ، فلقد أصبحتُ صائما ، فأكَل . ))
[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ]
أذاقه من كل صفة طرفيها الحادين ليكون قدوة في آن واحد للأغنياء والفقراء ، والأقوياء والضعفاء ، والأصحاء والمرضى ، وهكذا ، هو قدوة لكل أصناف المجتمعات ، يجوز أن تكون قوياً محسناً ، هذا قدوة للأقوياء ، أما النبي وحده قدوة للأقوياء والضعفاء ، والأغنياء والفقراء ، والأصحاء والمرضى ، وأصحاب الإشراف الكبير ، أو الصفات المحدودة ، لأنه قدوة لكل بني البشر ، ولكل المسلمين أذاقه الله من كل صفة طرفيها الحادين ، فهو قدوة لنا جميعاً (( أعندكم شيء ؟ قال : لا )) بالبيت لا يوجد شيء إطلاقاً ، (( قال : فإني صائم )) .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ ما هو واجب المسلم الآن فيما يحدث من إساءات للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ هل هناك توجه معين ، من نصائح معينة ، ملتمسين من القرآن أي سبيل للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
تولّي الله عز وجل الدفاع عن الدين :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) ﴾
معنى ذلك أن الله رشحك أيها المؤمن كي تسهم في الدفاع عن هذا الدين ، إذا كان هناك اتهام لفظي ؛ باللفظ ، عملي ؛ بالعمل ، قولي ؛ بالقول ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) ولا تقلق على هذا الدين إنه دين الله ، خالق الأكوان ، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له ، علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) سمّي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، علة وجودنا العمل الصالح والدليل ، آية واضحة كالشمس ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) وحجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، والغنى والفقر بعد العرض على الله ، والغنى غنى العمل الصالح ، والفقر فقر العمل الصالح .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ الملاحظ في الأوقات التي يتم الإساءة فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن تقوم هَبة للمسلمين جميعاً الطائع منهم ، والعاصي منهم ، المصلي ، وغير المصلي ، المزكي ، وغير المزكي ، يتحرك الجميع حباً وعشقاً للنبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر كيف نفسره فضيلة الدكتور ؟
الأمة الإسلامية أمة التلبية أو التبليغ :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا وسام شرف للمسلمين ، حتى غير الملتزم لا يحتمل أن ينال من النبي الكريم ، هذه الأمة الإسلامية ، أمة التلبية أو التبليغ ، إذا إنسان طبق ما أمر الله به أمة التبليغ ، وهناك أمة التلبية ، فأنت مكلف أن تنصر هذا الدين ، والله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) ﴾
نحن عندنا نقطة دقيقة : عندنا نصر ؛ رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، جهاد النفس والهوى ، هذا أعظم أنواع الجهاد أن تضبط نفسك ، أن تضبط دخلك ، إنفاقك لقاءاتك ، أمسياتك ، سهراتك ، نزهاتك ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، يفهم الناس أن الدين صلاة ، وصوم ، وحج ، وزكاة ، وشهادة ، هذه عبادات شعائرية ، الدين تعليمات الصانع ، التي تبدأ من فراش الزوجية ، من العلاقات الأسرية ، وتنتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي .
إذا أنت بضاعة استوردتها من بلد من الدرجة العاشرة ، وكتبت عليها : صنع في ألمانيا ، أنت خالفت منهج الله عز وجل ، فلذلك يتوهم الناس أن الدين صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ، وشهادة ، لا ، الدين تفاصيل تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، تبدأ من علاقاته الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية ، يا ترى إذا كان هناك مادة مسرطنة ، مسموح بوضعها بالأغذية ثلاثة بالألف وضعتها ثلاثة بالمئة أنت خالفت الله عز وجل ، خالفت المنهج ، يوجد عندنا معاص لا تعد ولا تحصى من البيع والشراء ، من التجارة ، من الصناعة ، يوجد مواد مسرطنة مسموح فيها بنسب قليلة جداً ، يوجد مواد تؤذي الإنسان ، مواد انتهى مفعولها ، هناك صناعات غذائية كثيرة انتهى مفعولها ، أُخذت إلى بلد بعيد ، وغُيّر هذا التاريخ ، هذا عمل فيه شبه جريمة ، مادة انتهى مفعولها ، وقد يتوهم الإنسان لا تنفع ، لا ، إنها تؤذي .
فالدين تفاصيله دقيقة جداً يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، يبدأ من علاقاته الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، عنده معمل غذاء ، عنده منتجع ، إذا كان هناك معاص فهذه مشكلة كبيرة .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ في هذه الهبة التي قامت للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البعض : أنتم أيها المسلمون أسأتم للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسيء إليه غيركم من ترككم لسنته ، من تجاهلكم لشريعته ، من عدم اتباع سنته ، فأنتم بدأتم هذه الإساءة ما رد حضرتك ، أو رأي حضرتك بهذا الكلام ؟
الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله مرة ثانية رجاءً .
المذيع :
يقول البعض فضيلة الدكتور : أنتم أيها المسلمون بدأتم بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم بترك سنته ، وبدأتم بالإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهجر سيرته ، وأسأتم للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم اتباع شريعته ، قبل أن يسيء للنبي صلى الله عليه وسلم غيركم ، فما ردك على هذا الكلام فضيلة الدكتور ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله المؤمنون إذا قصروا بالدعوة إلى الله هناك دعوة إلى الله في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، الدعوة الأولى في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، سمعت خطبة جمعة ، سمعت درساً معيناً ، أنت بلغه لزوجتك ، بلغه لجارك ، بلغه لزملائك ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم .
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
أما الدعوة الاحترافية فتحتاج إلى تعمق ، وتبحر ، وتوسع ، وتثبت ، هذه دعوة إذا قام بها البعض سقطت عن الكل .
مرة ثانية : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) معنى ذلك أن الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق ، والداعي إلى الله ، وما من إنسان أفضل عند الله ( مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) دعا إلى الله بلسانه ، بخطابه ، بعمله ، بإنتاجه ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) حركته في الحياة جاءت وفق منهج الله ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، لقاءاته ، نزهاته ، علاقته مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، علاقته مع من حوله ، علاقته مع أهله ، هكذا ، منهج الدعوة العملية واسع جداً ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، لقاءاتك ، سهراتك ، أمسياتك ، رحلاتك ، نزهاتك ، نوع مالك ، حرفتك ، اختيار حرفتك ، اختيار زوجتك ، تربية بناتك ، خروج بناتك ، تربية أولادك ، منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من علاقاته الأسرية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الإسلام ، أما الصوم ، والصلاة ، والحج ، والزكاة فهي عبادات شعائرية ، تأتي إلى المسجد تسمع من الخطيب خطبة ، تطبقها في البيت ، فالبطولة في التطبيق .
إذا شخص معه مرض جلدي خطير ، علاجه الوحيد التعرض لأشعة الشمس ، وجلس بغرفة قميئة ، مظلمة ، رطبة ، وقال : يا لها من شمس ساطعة ! يا لها من شمس شافية! لا قيمة لهذا الكلام إطلاقاً .
هذا الدين ما لم يطبق لا تقطف ثماره ، ما لم يطبق بتفاصيله في كسب المال ، وإنفاق المال ، واختيار الزوجة ، واختيار الحرفة ، والتعامل مع من حولك ، مع الوالدين ، مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، منهج تفصيلي ، والله بالآلاف ، بآلاف البنود أنا لا أبالغ ، كسب المال ، بالصناعة يوجد آلاف المعاصي والآثام ، بالصناعة ، بالتجارة ، حتى بالمنصب ، شخص جاء من مدينة بعيدة معه معاملة ، أنت جالس مع موظفة بحديث ليس معقولاً ، تعال غداً ، تعال غداً أي يوجد فندق ، هذه تحاسب عليها ، يوجد مادة مسرطنة أنت لم تهتم بالنسب ، مادة مسرطنة .
فالدين يدخل في تفاصيل الحياة ، بالتفاصيل الدقيقة جداً في كسب مالك ، بإنفاق مالك ، نزهاتك ، رحلاتك ، اختيار زوجتك ، تربية بناتك ، تربية أولادك ، علاقاتك مع من حولك ، مع الجيران ، مع الأقوياء ، هذه كلها من صفات التدين .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يُؤمن أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين . ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ]
كيف يحقق المسلم هذا الحديث ؟
طلب العلم فريضة على كل مسلم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله يا أخي الكريم ؛ كلامك دقيق إن عرفت الله أحببته ، لا بد من أن تعرفه ، شخص حتى يضع أمام اسمه د. ما معناها ؟ دكتور ، ثلاث وعشرون سنة دراسة لـ د. وكي تكون مؤمناً تستحق جنة الله ، إلى أبد الآبدين ، ألا يوجد عندك وقت تسمع العلم ؟ تفتح تفسيراً تقرؤه ؟ تحضر درس علم ، تتابع خطيب الجامع ، يأتي آخر الخطبة بالركعة الثانية ، ويقول : صلينا الجمعة الحمد لله ، الجمعة صلاة تعليمية ، الجمعة أهمها خطبتها ، فلذلك القضية ليست سهلة ، هذا الدين منهج تفصيلي يبدأ من العلاقات الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، اختيار زوجتك ، تربية بناتك ، خروج بناتك ، تربية أولادك ، اختيار حرفتك ، منهج تفصيلي ، فلابد من طلب العلم .
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور .
فضيلة الدكتور النبي صلى الله عليه وسلم حثنا والله عز وجل أيضاً حثنا على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهناك دائماً وأبداً فضائل لهذه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهناك أيضاً أسرار ، فما هي أسرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أسرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
تصور معمل كهرباء وجه التيار الكهربائي إلى مكان ، وأي إنسان وصل وضع جهازه الكهربائي لهذا المكان الذي هو مستودع الكهرباء ، وصله شيء .
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) ﴾
هذه السكينة التي يتمتع بها النبي ، هذا الحفظ الذي يتمتع به النبي ، هذا التوفيق الذي يتمتع به النبي ، وكل إنسان أخذ جانباً من هذه النتيجة الرائعة للنبي الكريم له منها نصيب ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ) أي يتجلون ، السكينة أعظم عطاء إلهي ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، هذه السكينة .
الشيء الثاني : الحفظ .
﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) ﴾
قبل السكينة ذاقها إبراهيم في النار ، وذاقها يونس في بطن الحوت ، وذاقها النبي في الغار بأصعب مكان ، بأخطر مكان ، سيدنا يونس في بطن الحوت ، وزن الحوت 150 طناً ، خمسون طناً لحماً ، خمسون طناً دهناً ، خمسون طناً عظماً ، تسعون برميلاً من الزيت ، يقف بفمه عشرة رجال ، ذاقها يونس في بطن الحوت .
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
دقق ، هذه قصة ( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) قلبت من قصة إلى قانون ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) في ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ) قلبت إلى قانون ( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .
الإخوة المشاهدون ، والمستمعون هل يوجد مصيبة تفوق هذه المصيبة ؟ فقس عليها كل شيء ، فالله عز وجل يتجلى على عباده بالسكينة ، نسعد بها ولو فقدنا كل شيء ، ذاقها النبي في الغار ، وذاقها إبراهيم في النار ، وذاقها يونس في بطن الحوت ، هذه السكينة أعظم عطاء إلهي .
مرة ثانية : نسعد بها ولو فقدنا كل شيء ، ونشقى بفقدها ولو ملكنا كل شيء .
العطاء الثاني : الحفظ ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .
الثالث : التوفيق :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾
أي لا يتحقق شيء في الأرض إلا بتوفيق الله ، فإذا كنت مع الله كان الله معك .
فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنـا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
ولـــــــو لاح من أنوارنا لك لائــــح تركت جميع الكائنات لأجلنـــــــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــــــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتـلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنــــا
الفرق بين اللذة والسعادة :
الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، الأصل ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، هذا الإله العظيم ، الذات الكاملة ، إذا أنت اتصلت بها ، ولم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني ، اللذة غير السعادة ، اللذة تحتاج إلى وقت ، وإلى مال ، وإلى صحة ، وشيء لطيف جداً في البدايات يوجد صحة ووقت ولا يوجد مال ، في الوسط يوجد صحة ومال ولا يوجد وقت ، بالنهاية يوجد مال ووقت ولا يوجد صحة ، هذه اللذة .
السعادة غير اللذة ، السعادة حسية ، مادية ، تحتاج إلى صحة ، وإلى وقت ، وإلى مال ، أما السعادة مجرد أن تنعقد لك مع الله صلة ولا تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة .
الموت حدث خطير يصيب كل إنسان :
لذلك الصحابة كانوا سعداء مذهلة ، والله أنا شرحت حوالي سبعين أو ثمانين صحابياً ، لفت نظري شيء عجيب ، أنهم في وقت وفاتهم كانوا أسعد خلق الله .
(( "وا كربتاه يا أبتِ ، قال : لا كرب على أبيكِ بعد اليوم ، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه " . ))
الموت شيء خطير ، الموت ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ينهي علم العليم ، وجهل الجاهل ، الموت ينهي كل شيء ، أما عند المؤمنين فالموت تحفة المؤمن ، والموت عرس المؤمن ، أي في خط بياني صاعد ، ولد ، سليم ، معافى ، تعلم بالحضانة ، ابتدائي ، متوسط ، ثانوي إلى آخره ، نال شهادة ، تزوج زوجة ، أنجب أولاداً ، أحفاداً ، اشترى بيتاً ثانياً ، عنده بيت على البحر ، وبيت بالجبل ، يملك سيارتين ، خطه يصعد للأعلى ، يأتي ملك الموت ينزل الخط للصفر ، لا بيت ، ولا سيارة ، ولا زوجة ، ولا شركة ، ولا مكانة ، ولا منصب ، ولا شيء ، هذا الموت ينهي كل شيء ، إلا المؤمن خطه البياني يتابع الصعود بعد الموت ، فالنبي قال : الموت تحفة المؤمن .
(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تحفة المؤمن الموت . ))
الموت عرس المؤمن .
المذيع :
بارك الله فيك يا دكتور ، أسئلة كثيرة وردت إلينا من خلال صفحة الفيس بوك ، وأيضاً رقم التواصل ، وسأعرض عليك بعض هذه الأسئلة بعضها له علاقة بالموضوع ، وبعضها خارج الموضوع لكن المهم أن نعرضها على فضيلتك .
يقول السائل : هل يمكن أن تكون الأم ...
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن لو أرسلت إلى موقعي إلى الانترنيت لا يوجد عندي مانع ، أجيب عنها كلها .
المذيع :
إذاً هذه دعوة أيضاً للتواصل مع الدكتور محمد راتب النابلسي على موقعه على الانترنيت ، وإرسال الأسئلة ، وهو إن شاء الله سيجيب كما وعدنا الآن على الهواء .
يقول صاحب السؤال : هل يمكن أن يكون الأب والأم امتحاناً واختباراً للأولاد ؟ وما هي الطريقة الأفضل للتعامل مع الأم والأب العاقين لأولادهم ؟
الطريقة الأفضل للتعامل مع الأم والأب العاقين لأولادهم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله نحن عندنا قاعدة فقهية ، المطلق على إطلاقه ، المطلق لا يقيد ، الله قال :
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) ﴾
لو كانا غير مسلمين ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) المطلق على إطلاقه ، المطلق لا يقيد الأب والأم لأن الله ماذا قال : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ) هذه الواو حرف عطف عند علماء النحو ، أما عند علماء البلاغة فحرف تماثل بمعنى ؛ أنت لا تقول : اشتريت مزرعة وملعقة ، لا تناسبها ، تقول : اشتريت مزرعة وبيتاً ، بيتاً وسيارة ، فالله قال : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته ، فلذلك الوالدان ؛ المطلق على إطلاقه ، لو لم يكونا مسلمين الله قال : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) العبادة علة وجودنا هي طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) لذلك الإحسان للوالدين .
بالمناسبة : يوجد طاعات كثيرة يكافأ بها الإنسان يوم القيامة ، إلا بر الوالدين يكافأ بهما في حياته الدنيا قبل الآخرة ، كلام قطعي ، البر جزاؤه في الدنيا قبل الآخرة ، ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) حرف تماثل ، رفع الله عز وجل بر الوالدين إلى مستوى عبادته .
المذيع :
حتى البر بالوالدين ، حتى لو كان أساء إلى الأبناء ولم يربِهم ، ولم يصرف عليهم ، ولم يعتنِ بهم هل أيضاً وجب على الأبناء أن يبروهم ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
دقيقة ، أولاً ؛ أعطِ كل ذي حقٍ حقه ، للأم حق لا يلغى ببر الزوجة ، وللزوجة حق لا يلغى ببر الأم ، أعطِ كل ذي حق حقه ، لأن هذا منهج ، منهج تفصيلي ، الابن له حق ، والزوجة لها حق ، والأب له حق ، والأم لها حق ، ومدير الدائرة له حق عندك ؛ الدوام ، يكون دوامك تاماً ، والعمل متقناً .
النبي حضر دفن أحد أصحابه ، الحفار ترك فرجة للقبر ، فقال له النبي : هذه الفرجة إنها لا تؤذي الميت ولكنها تؤذي الحي .
الإتقان جزء من الدين ، يوجد نقطة دقيقة جداً ، نحن عندنا عقائد ، عبادات ، معاملات ، أذواق ، جلسة أكثرها من الموظفين ، دخلهم محدود جداً ، تتحدث أمامهم لساعات طويلة عن رحلة ألمانيا ، وكم كلفتك ، ألفا يورو ، كلام ليس له معنى إطلاقاً ، عندنا ذوق .
عندنا عبادات ، معاملات ، وعندنا أذواق ، الذوق أنك أنت تستوعب الحاضرين ، لا تجرحهم بكلام ، ولا باستعلاء ، ولا بموقف بعيد عن الواقعية ، فالإنسان يحاسب عن كل شيء ، والله يحاسب عن كل كلمة ، حتى أنه يحاسب عن غمزة العين .
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور ؛ سؤال آخر فضيلة الدكتور ، من عبد الرحمن من اليمن يقول : إني اعتدت على ذنب ، وكلما قررت التوبة عنه أنتهي عنه يومين أو ثلاثة ، ثم أعود لذلك الذنب ، وحاولت وحاولت ، فبماذا تنصحني ؟ كيف أكف عن هذا الذنب وأتوب عنه نهائياً ؟
الفرق بين حلاوة الإيمان وحقائق الإيمان :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا الذنب عقبة بيتك وبين الله ، فإذا أحكمت الصلة مع الله ، وذقت حلاوة القرب ، ذقت حلاوة الإيمان ، الإيمان له حلاوة .
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حَلاوَةَ الإيمان وطَعْمَهُ : أنْ يكون اللَّهُ أحبَّ إليه مما سواهُما ، وأن يُحِبَّ في الله ويُبغِضَ في الله ، وأن توقَدَ نارٌ عظيمَةٌ فيقعَ فيها أحبُّ إليه من أن يُشرِكَ بالله شيئاً . ))
هذا مفهوم دقيق جداً ، عندنا حقائق الإيمان ، وحلاوة الإيمان ، قد تملك كتيباً عن أغلى سيارة في حياتنا ، هو كتيب لكن طباعته أنيقة جداً ، ألوان السيارة ، المظهر الخارجي ، مشت مرة على ساحل البحر ، مرة بالجبل ، مرة بالصحراء ، صور المقاعد ، التابلو ، المحرك ، لكن هذا كتلوك .
وعندنا حلاوة الإيمان ، حقائق الإيمان معلومات ، نصوص ، فهم ، تحليل ، أما حلاوة الإيمان فهي أن تذوق القرب من الله ، فالذي يملك كتلوك السيارة شيء ، والذي يملك السيارة شيء آخر ، مسافة كبيرة جداً .
عندك خارطة قصر ، الأبهاء ، الصالونات ، غرف الضيوف ، غرف النوم ، الإطلالة الجميلة ، الحدائق الغناء ، المسبح ، هذا كله كلام بكلام ، هذه اسمها : حقائق الإيمان ، أما حلاوة الإيمان فأن تملك هذا القصر ، أن تتصل بالله ، أن تتصل بأصل الجمال والكمال والنوال ، أن تتصل بخالق السماوات والأرض ، أصل الكمال والجمال والنوال عند الله ، ولا تقول بعد هذا الاتصال : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، إله ذات كاملة أي كمال مطلق ، سُمح لك أن تتصل به ، ذاق طعم القرب ، ذاق حلاوة الإيمان ، ذاق حلاوة الإقبال على الله ، ذاق حلاوة التوكل على الله ، فالإنسان إذا عرف الله ولم يقل بأي وضع مادي ، بأي دخل ، بأي مساحة بيت ، بأي مركبة ، أو بلا مركبة ، بدراجة ، أو بلا دراجة ، إذا وصل إلى الله .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور ؛ لا نريد أن نطيل على حضرتك ، لكن هناك بعض الأسئلة نستفيد من وجودك معنا ، ونستمتع .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نحن في خدمتكم .
المذيع :
بارك فيك دكتور ، أنت فوق الرأس ، بارك الله فيك .
يقول محمد من دمشق ، أرسل هذا السؤال يقول : أنا على مقربة من التخرج في كلية الشريعة والحقوق ، وأريد بإذن الله أن أكون داعية إلى الله عز وجل وإلى دينه ، فبماذا تنصحني فضيلتك ؟
أفضل إنسان هو من دعا إلى الله :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنصحك بما يلي : ليس على وجه الأرض إنسان أفضل ممن دعا إلى الله .
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
كلام دقيق جداً ، دعا إلى الله بخطابه ، أو بحركته في الحياة ، أو بأمسيته في سهرة ، أو بلقاءاته مع أناس معينين ، بكل نشاطات حياته دعا إلى الله ، بيّن حكم الله ، بيّن عظمة الله ، بيّن عصمة النبي الكريم ، بيّن حقيقة هذا الدين العظيم ، دعا إلى الله بكل وسائل الدعوة من خطاب إلى محاضرة في جامعة إلى أمسية ، حدث ما شئت ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) حركته في الحياة ، كسب ماله وفق منهج الله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، معاملة زوجته ، تربية أولاده ، تربية بناته ، خروج بناته ، اختيار حرفته ، علاقاته مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، منهج تفصيلي والله بآلاف البنود ، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من العلاقات الأسرية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا المنهج ، منهج الإسلام .
قلت قبل قليل : حتى تضع إلى جانب اسمك د. فلان ، أي دراسة مدة ثلاث وعشرين سنة وحتى تكون مؤمناً متصلاً بالله ، تسعد بقربه ، وتستحق جنته إلى أبد الآبدين ؟!
ما معنى أبد أخي الكريم ؟ كلام دقيق ؛ واحد بالأرض ، وأصفار للشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟! هذا الرقم إذا نُسب للانهاية صفر ، أنت مخلوق للانهاية ، مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض ، والدليل :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾ ﴾
خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم في الدنيا والآخرة .
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( 46 ) ﴾
جنة في الدنيا هي جنة القرب ، وجنة في الآخرة هي جنة الخلد ، خلقنا ليرحمنا ، والدليل : ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) خلقهم ليرحمهم ، وكل كلام آخر لا تعبأ به ، خلقنا ليرحمنا ، والدليل : ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾ ﴾
والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور .
فضيلة الدكتور ؛ يقول صاحب السؤال ، بعد السلام والتحية والتقدير لشخصكم الكريم يقول : إنه في الفترة الأخيرة زادت المشاكل بيني وبين زوجتي بشكل غير عادي ، وقال لي أحد الأصدقاء : إنه من الممكن أن يكون كما يقولها في العامية المصرية : شخص ما عمل لنا عملاً أي سحراً ، ونصحوه أن يذهب إلى أحد المشايخ كي يفك هذا الأمر ، وهو يستفسر من فضيلتكم عن هذا التوجه ، يذهب أم لا ، وماذا عليه أن يفعل ؟
من يعتز بالله لن يصل الشيطان إليه أبداً :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا يمكن أن يكون للإنسان من يكيد له : ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) .
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) ﴾
إذا إنسان ارتكب معصية صار للشيطان مدخل عليه ، كلامي دقيق جداً ، الإنسان دائماً ، الشيطان لا يمكن أن يكون له علينا سلطان .
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ﴾
إذا شخص يرتدي ثياباً غالية جداً ، قميصه ، ثيابه ، حذاؤه درجة أولى ، وهناك حفرة فيها مياه آسنة سوداء ، مياه سوداء ، مياه مجار ، وسقط في هذه الحفرة واشتكى للقاضي ، قال له : فلان ، قال له : هل دفعك ؟ قال : لا والله ، لم يدفعني ، هل أمسكك وألقاك ؟ قال : لا والله ، لكن قال لي : انزل بها فنزلت ، ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) هذه القضية الدقيقة جداً : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ *الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) إذا ذكرت الله يخنس .
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) ﴾
أي لا يوجد إنسان يعتز بالله يستطيع الشيطان أن يصل منه .
المذيع :
بارك الله فيك فضيلة الدكتور على هذه الإجابة الطيبة المباركة .
سؤال آخر فضيلة الدكتور ؛ صاحبة السؤال هي ترتدي النقاب ، وتسأل : هل من الممكن أن أخلع النقاب لظروف صحية عندها ضيق في التنفس ؟
النقاب والحجاب قضية فيها مساحة اختيارية :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله النقاب أكمل ، يوجد حجاب ويوجد نقاب ، لا أتمنى للمحجبة أن تنتقد المنقبة ، ولا أتمنى للمنقبة أن تنقد المحجبة ، قضية فيها مساحة اختيارية ، والله يعلم الأكمل منا ، الأكمل النقاب ، لكن يوجد ظروف معينة تقتضي الحجاب ، طبعاً الحجاب غير النقاب ، والحجاب يحتاج إلى عدم مكياج للوجه ، الكلام دقيق جداً ، على كلٍّ الشرع واسع ، ولا بد من وجود من يفتي ، وكل بلد لها مفت ، التأويل والإفتاء شيء دقيق جداً ، وهذا متعلق بالمكان ، بالظروف الضاغطة ، لكن يوجد أشياء حدية ، السرقة حدية ، أشياء لها حد ، أي يوجد خيار ، والبطولة أن نسأل ، والله قال :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) ﴾
تستطيع أن تدخل إلى عيادة طبيب بدون مال بجيبك ؟ لا تستطيع ، تستطيع أن تدخل إلى محام ؟ إلى مهندس ؟ إلا رجل الدين مجاناً بلا مقابل ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) والسؤال بلا مقابل .
المذيع :
لكن فضيلة الدكتور ؛ لو توقفنا عند الحجاب ، لأنه يوجد سؤالاً آخر : هل الحجاب هو قاصر على فكرة غطاء الشعر ، غطاء الرأس ، لأننا نرى الآن بشكل واضح هناك من تغطي رأسها ، وتلبس ملابس ضيقة مثلاً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يا أخي ! الحجاب له شروط ، أن يمنع لون البشرة .
ثانياً : أن يمنع خطوط الجسم ، بنطال ضيق ، هذا ليس حجاباً إطلاقاً ، ولا يكون ذا لون صارخ .
﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) ﴾
أي هذه البقرة لونها يغري ، يوجد لون يغري ، ولون صامت ، فلذلك الحجاب أن يستر لون البشرة ، وأن يستر خطوط الجسم ، فكل ثياب ضيقة ليست مقبولة عند الله إطلاقاً ، لأنها ماذا تفعل ؟ ترسم خطوط الجسم ، عندنا لون بشرة ، وعندنا خطوط جسم .
﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) ﴾
فاقع لونها ، يوجد لون يلفت النظر ، وخطوط تلفت النظر ، وشفافية تلفت النظر ، هذا الحجاب ، الحجاب ؛ أن يلغي لون البشرة ، وأن يلغي خطوط الجسم ، وأن يلغي الثياب المغرية في ألوانها ، هذا الحجاب ، المرأة المحجبة امرأة مطبقة لمنهج الله عز وجل ، هي لزوجها لا يوجد قيد أو شرط ، أما لمحارمها فيوجد ثياب الخدمة ، لا يوجد بدون كم ، نصف كم ، تحت الركبة ، القبة عالية ، هذه ثياب الخدمة ، هذه للأقرباء للمحارم ، عندنا حجاب متعلق بالزوج بلا قيد ولا شرط ، وثياب متعلقة بالأقارب ثياب الخدمة ، وثياب لونها وحده فيه إشكال .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور محمد على هذا التوضيح ، قبل أن نختم هذه الحلقة ونحن في الأشهر الحرم وعلى أبواب شهر ذي الحجة ، وهو شهر الحج ، وأيام الحج ماذا تنصحنا فضيلة الدكتور على الاستفادة ، حول الاستفادة من هذه الأيام المباركة ؟
كيفية الاستفادة من الأيام المباركة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الحقيقة شاءت حكمة الله أن تكون هناك أشهر حرم يمنع فيها القتال أصلاً ، فالشعب إذا ذاق طعم السلم يتمنى بقاءه ، الحكمة البالغة الحادة ؛ الإنسان إذا ذاق طعم السلم ، ذاق طعم الأمن ، ذاق طعم أن يمشي آمناً على صحته ، الحقيقة ما هو البلد المريح ؟ أن تأمن فيه على حياتك من أن تغتال ، أن تأمن فيه على مالك ، وعلى كرامتك ، وعلى ذريتك ، فهذا البلد طيب ، وأنت إذا كنت في بلد طيب يجب أن ترعى هذه الحرمات .
فالحجاب ؛ المرأة صممت لزوجها بالأصل لا يوجد بين الزوجين أي قيد أو شرط ، أما لمحارمها ثياب الخدمة ، نصف كم ، تحت الركبة ، قبة عالية ، هذه ثياب الخدمة ، أما أمام أخواتي بلا أكمام ، البنت أمام أخواتها بلا أكمام ، بثياب قصيرة فاضحة هذه ليست واردة إطلاقاً ، مع المحارم ثياب الخدمة ، مع الزوج لا يوجد قيد ولا شرط ، مع الآخر حجاب كامل ، هذا الحجاب هو وسام شرف للمرأة ، أبداً .
المذيع :
في ختام هذه الحلقة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عفواً معك قطعة جوهرة ، ألماسة غالية بلا علبة ، معقولة بلا علبة !
المذيع :
في نهاية حلقتنا مشاهدينا الكرام ؛ نشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي ، شكراً جزيلاً دكتور على وجودك معنا .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أقل واجب ، بارك الله بكم ، وحفظ الله لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وصحتكم ، وجزيرتكم ، وأرجو الله أن ننتفع بما في هذا اللقاء الطيب من آيات قرآنية ، ومن أحاديث شريفة ومن تعليلات علمية .
المذيع :
أشكرك فضيلة الدكتور ، وأختتم هذه الحلقة بأبيات لصحابي جليل حسان بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
أغــــــــــــــــــــــــــــر عليه للنبوة خاتم من الله مشهود يلـــــــــــــــوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق لــــــــــــــــــــه من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهــــــــذا محمد
صلى الله عليه وسلم ، وكرم ، وشرف ، وعظم ، وعلى آله وصحبه وسلم .
كما نشكركم مشاهدينا الكرام ، إلى أن نلتقي يوم الجمعة المقبل لكم كل التحية .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته