- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠09برنامج موسوعة الأخلاق الإسلامية - قناة إقرأ
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على رسوله الأمين ، وعلى من به اهتدى ثم اقتدى ، ثم اقتفى ، أما بعد يسرنا أيها الأخوة المشاهدون أن نلتقي بكم في جديدة من حلقات برنامجكم : "موسوعة الأخلاق الإسلامية" لننتقل اليوم إلى خلق جديد من الأخلاق الإسلامية ، مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، في كليات الشريعة وأصول الدين ، فأهلاً وسهلاً بكم أستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ أحمد .
الأستاذ أحمد :
أستاذي الكريم الصبر خلق من الأخلاق له فلسفته الخاصة ، وهو أمر نحتاجه في حياتنا اليومية ، فتعب البدن بحاجة إلى صبر ، والسعي على الرزق بحاجة إلى صبر ، والعلاقات مع الناس بحاجة إلى الصبر ، والصبر على البلاء بحاجة إلى صبر ، فما هو أصل الصبر وما فلسفته ؟ .
الإنسان قَبِل حمل الأمانة فحمّله الله مقوماتها :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ أحمد ، مرة ثانية حينما نعرف حقيقة الإنسان ، هو المخلوق الأول رتبة .
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
إذاً هو المخلوق الأول ، هو المخلوق المكرم .
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
هو المخلوق المكلف .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
لأن الإنسان قَبِل حمل الأمانة ، لذلك حمله الله مقوماتها ، ألا وهي : الكون ، ينطق بأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، منحه العقل ، لكن يعنينا في هذا الكلام الشهوة ، قال تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
إذاً الإنسان كائن أودعت فيه الشهوات ، والشهوات تدفعه إلى الحركة ، أي كائن متحرك ، حركته بسبب شهواته .
بل تسمى الشهوة في علم النفس الدافع ، الدافع إلى الطعام والشراب ، الدافع إلى الجنس ، الدافع إلى تأكيد الذات .
المؤمن بالصبر والإرادة والإصرار يوقع حركته في الحياة وفق الحيز الذي سمح الله به :
إذاً لأن الله أودع فيه الشهوات ، أصبحت عنده دوافع ، إذاً حركة ، الآن كي يستحق جنة الله ورضوانه ، والأبد في نعيم مقيم لا بد من أن يوقع حركته في مجال سمح الله له به ، فقط ، علاقته بالمال ، هناك مئات بل ألوف من أساليب كسب المال الغير مشروع ، وهناك منطقة مسموح بها هي الكسب المشروع ، أي إذا بنيت منفعة على مضرة ، هذا كسب غير مشروع ، أما إذا بنيت منفعة على منفعة فهذا كسب مشروع .
فهو حينما يوقع حركته في كسب المال وفق الحيز الذي سمح الله له به هذا يحتاج إلى صبر ، هناك أموال مغرية ، هناك كسب غير مشروع كبير جداً ، الأرقام فلكية ، هو يمتنع عن أي مال يأخذه بطريق غير مشروع ، ويحصر حركته في كسب المال في الطريق المشروع .
علاقته بالمرأة يمكن أن يستمتع بها بألف طريق غير مشروع ، سمح الله له بالزواج ، أعطاه مساحة كافية يلبي هذا النداء من دون أن يكون تلبية النداء على حساب إنسانة سقطت ، ونبذها المجتمع ، تزوج ، الزوجة زوجته ، لها مستقبل ، لها منه أولاد ، تتقدم بالسن ، أولادها حولها ، أصهارها ، بناتها ، هناك تخطيط و تصميم إلهي .
ما دام الإنسان يوقع حركته بدافع من شهواته وفق منهج الله ، وفق الحيز المسموح له ، فهو صابر ، لأنه يمكن أن تكسب مالاً فلكياً عن طريق المخدرات ، أو عن طريق القمار ، أو عن طريق أشياء غير مشروعة ، أو عن طريق تجارة محرمة ، أو عن طريق إفساد الشباب ، الآن الدخل الفلكي معظمه عن طريق غير مشروع .
فالمؤمن بصبر ، وإرادة ، وعزم ، وإصرار ، يوقع حركته في الحياة وفق الحيز الذي سمح الله به ، بل كتطمين ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .
أصل الصبر و فلسفته :
إذاً فلسفة الصبر أنك مخلوق أول ، مكرم ، مكلف لأنك مكلف أودعت فيك الشهوات ،
لتكون كالمحرك في السيارة ، كي ترقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، ولكن لابدّ من أن توقع حركتك بدافع هذه الشهوات وفق منهج الله ، وفق الطريق المستقيم .
وأوضح مثل : مركبة فيها مقود هو العقل ، وفيها محرك هو الشهوة ، وهناك طريق هو الشرع ، فمادمت أنت في أعلى درجات اليقظة توقع حركة المركبة من اندفاع المحرك على طريق معبد ، فأنت في سلام ، لذلك الله عز وجل قال :
﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾
قال :
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
فلابدّ من إرادة ، ولا بد من ضغط ، ولا بد من قوة تحمل ، كي توقع الحركة التي نشأت من شهوات أودعت فيك وفق منهج الله ، والتطمين : ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .
الأستاذ أحمد :
إذاً من هذا الكلام هل نفهم أن تعريفه يمكن أن يلخص بقولنا : إنه حبس ـ أي الصبر ـ النفس عن الجزع وهو أمر نفسي ، ومنع اللسان من الشكوى ، هل يصح هذا التعريف ؟.
الإيمان نصفه صبر :
الدكتور راتب :
يمكن ، الإيمان نصفه صبر ، الحقيقة الإنسان لأنه مخير بإمكانه أن يتحرك بدافع أية شهوة مئة و ثمانون درجة ، مسموح له بسبعين درجة ، فإذا أوقع الحركة في السبعين درجة سلم ونجا ، وسعد وأسعد ، أما إذا تجاوز هذه السبعين بدل أن يتزوج زنى ، بدل أن يعمل بعمل مشروع سرق المال .
ما هو الصبر ؟ هو قوة إرادة تعينك على أن توقع الحركة وفق منهج الله .
الأستاذ أحمد :
الله عز وجل يقول :
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾
نستعين بهما على ماذا ؟.
الاتصال بالله عزّ وجل يزود الإنسان بسعادة تغنيه عن كل ما يغضب الله :
الدكتور راتب :
هناك نقطة دقيقة :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف لهذه الآية أن الإنسان إذا اتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه هذه واحدة ، أما الآن :
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾
الإنسان حينما يدع نهياً إلهياً ، حينما يدع شيئاً محرماً ، يحتاج إلى صبر ، لكن أحياناً هناك بديل لهذا الشيء المحرم ، أنت تبحث عن السعادة النفسية ، فإذا تحققت في الاتصال بالله استغنيت بها عن أية معصية تتوهم أنها تحقق لك لذة أو متعة ، فالصبر هو الترك ، أما الصبر من الناحية الإيجابية ، مثلاً يوجد طعام و هو ليس لك ، فينبغي أن تبتعد عنه ، و لو كنت جائعاً جداً ، تحتاج إلى صبر ، لكن إذا كان إلى جانب هذا الطعام طعام أنفس منه ، وأطيب منه ، ومتاح لك ، تقبل على الطعام الطيب المتاح لك ، ولا تعبأ بهذا الطعام الذي حُرم عليك .
فعندما تصلي تجد أن الصبر ضعفت تكاليفه ، الصبر لم يعد عبئاً على الإنسان
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ﴾
أي دعوا كل الشهوات المحرمة بإرادة قوية ، لكنكم حينما تتصلون بالله عز وجل تأتيكم سعادة تغنيكم عن كل شيء ، عن كل تطلع إلى ما يغضب الله عز وجل، صارت الآية لها معنى دقيقاً ،
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ﴾
أولاً .
مثلاً : إنسان في بداية طريق الإيمان يدع كل المعاصي والآثام ، لكن نفسه أحياناً تطوق إليها ، مثلاً : تاب عن سماع الأغاني ، له أغنية مفضلة قبل أن يتوب كان يحبها كثيراً لو سمعها في سيارة قد يطرب لها ، لكن بعد تعمق اتصاله بالله ، وسمو نفسه الآن يشمئز منها ، لا يدعها وهو مشتاق إليها ، يدعها وهو مشمئز لها ، فنفسه ارتقت إلى مستوى الشرع.
الأستاذ أحمد :
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إِنكم سَتَلْقَونَ بعدي أَثَرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ))
ما هي الأثرة ؟ وكيف يكون الصبر حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.
على الإنسان أن يبتعد عن المعاصي لأن ما عند الله أكبر من هذه المعاصي :
الدكتور راتب :
(( إِذا رأَيتم شُحا مُطَاعا ، وهوى مُتَّبَعا ، ودُنيا مُؤثَرة ، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيِه ))
.
من علامات آخر الزمان
(( إِذا رأَيتم شُحا مُطَاعا ))
أي مادية مقيتة ، الإنسان يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ، يبيع مبادئه ، يبيع قيَمه ، يبيع آخرته بدنيا غيره ،
(( إِذا رأَيتم شُحا مُطَاعا ، وهوى مُتَّبَعا ))
الشهوات ، ولا يعبأ الإنسان ما إذا كانت هذه الشهوات مسموح بها أو محرمة ، عليه أن يقتنصها ،
(( وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيِه ))
أي كل إنسان مرجع رأيه هو الدين ، يريد ديناً كما يريد ، مثل هذا الإنسان من علامات آخر الزمان ، شرد عن الله ، وتعلق بشهواته ، واعتدّ بقدراته ، واستعلى ، واستكبر ، وباع دينه بعرض من الدنيا قليل .
هذه الدنيا المؤثرة ، أي آثر الدنيا على طاعة الله ، أحياناً يأتيه دخل كبير جداً من تجارة محرمة آثر هذا الدخل الكبير على طاعة الله .
وأنا أقول دائماً : الإنسان حينما يقول : الله أكبر ، هذه الكلمة يقولها المسلمون في الأعياد ، لمجرد أن يطيع مخلوقاً ويعصي خالقاً ما قال الله أكبر ولا مرة ، ولو رددها بلسانه ألف مرة ، لمجرد أن يطيع زوجته فيما يغضب الله ، ويعصي الله ، هو في الحقيقة رأى أن طاعة زوجته أكبر من طاعة الله ، حينما يغش في البيع والشراء ، المبلغ الكبير الذي يجنيه من غش الناس في البيع والشراء رآه أكبر من طاعة الله .
لذلك الكلمات الإسلامية حينما يمتد الأمد تفقد مضمونها ، كلمة الله أكبر أكبر من كل شيء ، أكبر من الدنيا وما فيها ، المؤمن حينما يقول : الله أكبر أي لا يقبل أن يرتكب معصية لأن ما عند الله أكبر من هذه المعصية .
الأستاذ أحمد :
لذلك حينما يكبر تكبيرة الإحرام في الصلاة ويقول : الله أكبر ، أي أكبر من كل الملهيات عن الصلاة .
كلمات المسلمين مع طول الأمد وضعف الإيمان والتفلت من منهج الله فقدت مضمونها:
الدكتور راتب :
مرة ثانية : الإنسان حينما يطيع مخلوقاً ويعصي خالقاً ، ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة ، فلذلك كلمات المسلمين مع طول الأمد ، ومع ضعف الإيمان ، ومع التفلت من منهج الله ، فقدت مضمونها .
قد تقول لإنسان ملحد : كيف حالك ؟ يقول لك : الحمد لله ، لا يؤمن بالله أصلاً ، فلذلك هناك كلمات فقدت مدلولها ، لكن المؤمن يحافظ على مدلول هذه الكلمات ، فإذا قال : الله أكبر لا يمكن أن يعصي الله .
الأستاذ أحمد :
تحدثنا أستاذي الكريم عن صور الصبر وهي صور جزئية ، لكن أنواع الصبر وهي شاملة وعامة ، حبذا لو نسمع منكم تعداداً لها أو تعليقاً عليها ؟.
أنواع الصبر :
1 ـ الصبر على طاعة الله :
الدكتور راتب :
الحقيقة للصبر ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله ، وطاعة الله تكليف ، والتكليف ذو كلفة ، أي كلمة تكليف تعني أن هناك كلفة ، لأن طبع الإنسان يتناقض مع التكليف ، الإنسان طبعه يقتضي أن يأخذ المال ، والتكليف أن ينفقه ، فالإنفاق يحتاج إلى إرادة ، وإلى قوة ، أما أخذ المال لا يحتاج إلى مجاهدة ، شيء يتوافق مع الطبع .
حينما تمر أمامه امرأة أجنبية ، لا تحل له ، فأن يملأ عينيه منها وفق طبعه أما إذا غضّ بصره فهذا تكليف .
أن يبقى نائماً في سريره الوثير في أيام الشتاء ، والفراش دافئ ، ثم يؤذن الفجر ، فينزع عنه اللحاف ، وينهض من الفراش ، ويتوضأ ويصلي ، هذا ليس في راحة الجسم ، يقاوم الجسم هذا العمل ، فالطبع أن تبقى نائماً ، والتكليف أن تستيقظ .
حينما يصل إلى سمعك شيء من فضائح الناس الطبع يقتضي أن تروج هذه الفضائح ، معلومات ممتعة ، وقصص مثيرة ، تتصدر المجلس وتحدث الناس عما فعل فلان، ولماذا طلق زوجته ؟ لأنها خانته ، وكذا وكذا لكن التكليف أن تسكت ، التكليف ألا تسهم في إشاعة الفاحشة بين المؤمنين .
الآن ما دام التكليف متناقض مع الطبع ، إذاً أنت بحاجة إلى صبر على طاعة الله هذا أول أنواع الصبر ، الصبر على طاعة الله .
2 ـ الصبر عن المعصية :
الآن المعصية محببة ، هذا كلام دقيق وواقعي ، المعصية محببة ، والفتن رائجة ، وطريق الحرام سهل ، بينما طريق الحلال صعب ، لحكمة بالغةٍ بالغة بالغةٍ جعل الله الحرام سهلاً ، وجعل الحلال صعباً .
مثلاً : المخدرات فرضاً من مكان زراعتها إلى مكان تسويقها ، هناك ألف ضعف، أرباح تجار المخدرات أرباح فلكية ، وقد تكون أعلى أرباح بالعالم .
لأن التكليف يحتاج إلى جهد وإرادة ، أما الحرام فمحبب ، دخل كبير ، مكانة ، معنى دخل كبير أي بيت فخم ، مركبة فارهة ، امرأة جميلة ، أثاث فخم ، سياحة ، رحلات ، هذا كله يحققه الدخل الحرام الكبير .
فلذلك الصبر عن المعصية ، مثلاً : لو أن الحرام صعب ، والحلال سهل ، لأقبل الناس جميعاً على الحلال ، لا لأنهم عباد لله ، بل لأنه سهل ، لكن لحكمة بالغةٍ بالغة أنت تتاجر ، تشتري بضاعة ، تعرضها ، تعلن عنها ، تروجها ، تبيعها ، تجمع ثمنها ، بجهد كبير جداً خلال عام تربح بالمئة عشرين ، إذا المال معك مستثمر لك عشرة بالمئة فقط ، أما أي تجارة محرمة ، الآن تجارة الرقيق الأبيض أرقام فلكية ، ما هو الصبر عن المعصية ؟ المعصية محببة ، ودخلها كبير ، وازن بين امرأتين ؛ امرأة تعمل بالبيوت تتقاضى مبلغاً من المال مقابل عمل عشر ساعات ، امرأة أخرى ساقطة قد تربح مئة ضعف بساعة ، إذاً الحرام سهل ، والحلال صعب .
الأستاذ أحمد :
لذلك الدخول إلى أماكن اللهو بكلفة وثمن ، بينما الدخول إلى بيوت الله عز وجل مجاناً .
3 ـ الصبر على قضاء الله وقدره :
الدكتور راتب :
إذاً الصبر الأول على طاعة الله ، لأن طاعة الله ذات كلفة ، والصبر الثاني عن معاصي الله ، بقي الشيء الثالث هو الصبر على قضاء الله وقدره ، أنت مستقيم ، قد تأتي مصيبة لا تفهم حكمتها ، الله عز وجل يقول :
﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾
أب أحياناً يأمر ابنه أن يعتني بأسنانه لصالح الابن ، يأمره أن يجتهد لصالحه ، لكن لو أن الابن جائع جداً ، والطعام على الطاولة ، والأب يقول لابنه : لا تأكل ، لم يفهم حكمة ذلك ، متى أنت بحاجة ماسة إلى الصبر ؟ حينما تغيب عنك الحكمة ، الله عز وجل قال
﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾
وأنت حينما تصبر لقضاء الله وقدره دليل أنك مؤمن بالله ، مؤمن بحكمته ، مؤمن بعلمه ، مؤمن بعجله .
الآن مثلاً : طفل صغير على كرسي طبيب الأسنان ، لا يفقه ماذا يجري في أسنانه قد يتألم ، قد يبكي بكاءً شديداً ، قد يمسك يد الطبيب ، وإذا كانت تربيته ضعيفة قد يسب الطبيب ، لأنه يجهل ما يفعله الطبيب ، أما الراشد يعلم أن هذا الألم لإيقاف الألم ، وأن هذا الألم صيانة لأسنانه ، لذلك مع أنه يتألم تراه صامتاً ، وساكتاً ، بل يشكر الطبيب .
الرضا عن الله من علامات الصبر :
إذاً كلما ارتقت معرفتك بالله عز وجل ارتقى صبرك ، والعارفون بالله يرون أنه ربما منعك فأعطاك ، وربما أعطاك فمنعك ، وقد يكون المنع عين العطاء ، فالمؤمن يستسلم لله ، ليس معنى هذا أن يقعد عن السعي ، أما حينما يبلغ أعلى درجة من السعي ، وينتهي به سعيه إلى هذا المستوى يرضى به ، لذلك الرضا عن الله من علامات الصبر ، الله عز وجل قال :
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
الأستاذ أحمد :
ماذا تحدثنا عن فوائد هذا الخلق إن تمثلت بالإنسان وصار صبغة أنه صبور صار يعرف بأنه صبور ، لذلك ضربت الأمثال بصبر سيدنا أيوب ، ما الحكمة من ذلك ؟.
الإنسان الصابر يوفى أجره بغير حساب لأنه خالف طبعه :
الدكتور راتب :
نحن في العلاقات التجارية هناك شيكات ، كل شيك له مبلغ ، لكن أعلى عطاء أن يوقع لك الشيك والرقم مفتوح ، هذا عطاء بلا حدود ، لذلك قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
لماذا ؟ لأنه خالف طبعه ، لأنه قبل المكروه ، يقول الإمام علي رضي الله عنه : "الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين" فأنت حينما ترى أن الله على كل شيء قدير ، بيده كل شيء ، ساق لك مصيبة ، لا بدّ من حكمة ، لا بدّ من حكمة بالغةٍ بالغة لو كشفت لذاب الإنسان شكراً لله على هذا الذي أصابه من الله .
فلذلك يا رب هل أنت راضٍٍ عني ؟ إنسان يطوف حول الكعبة ، كان وراءه الإمام الشافعي ، قال له : يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال : سبحان الله! كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ؟ فقال : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله ، أي الرضا عن الله مرتبة عالية جداً ، وهي الصبر ، فالصابر يعرف الله، الصابر يعرف حكمته ، يعرف عدله ، يعرف رحمته ، يعرف أن أفعال الله كمال مطلق .
لكن هناك نقطة دقيقة : حينما تصبر على حكم الله دون أن تفهم حكمته ترقى إلى درجة العابدين ، ثم تكافأ من قِبل الله بأن يكشف لك حكمة الذي أصابك ، وترقى إلى مرتبة العارفين ، من مرتبة العابدين إلى مرتبة العارفين .
لذلك المؤمن :
(( عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر ، فكان خيراً له ، وليس ذلك لغير المؤمن ))
الأستاذ أحمد :
ومن ذلك يقول ابن المبارك : المصيبة واحدة فإذا جزع منها المرء صارت اثنتين بمعنى ذهب بأجر هذه المصيبة .
الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر :
الدكتور راتب :
لكن قبل أن ننهي ، المسلمون حينما يصبرون وهم في طاعة الله صبرهم مع الطاعة طريق النصر ، الدليل :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
تصور كل كيد الطرف الآخر يتلاشى أمام الطاعة والصبر ، لكن لو أننا نخالف منهج الله عز وجل ، ونصبر قهراً ، فالمعصية مع الصبر تنتهي إلى القبر ، بينما الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر .
خاتمة و توديع :
الأستاذ أحمد :
في ختام هذه الحلقة نسأل الله عز وجل أن يكتب لنا المعية معه إذ قال تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
وإلى أن نلقاكم أيها الأخوة المشاهدون في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم موسوعة الأخلاق الإسلامية ، لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .