- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠09برنامج موسوعة الأخلاق الإسلامية - قناة إقرأ
إخواني المشاهدين يسرنا بادئ ذي بدء أن نرحب بفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية ، في كليات الشريعة وأصول الدين .
ونفتتح حلقتنا هذه بأن نُعرج على ما مضى فضيلة الدكتور في حلقتنا السابقة عندما بينتم لنا معنى الأخلاق ، وعلاقة الأخلاق بالإيمان ، واليوم حبذا لو أننا نعرج على موضوع قريب إلى هذا الموضوع ألا وهو عن علاقة الإيمان بالعبادات ، فالله عز وجل يقول في محكم تنزيله :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
والسيدة عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان خُلقه القرآن " .
فهل يا ترى القرآن كتاب أخلاق أم ماذا ؟ .
الدكتور :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ أحمد جزاك الله خيراً على هذا السؤال ، لكن كتعقيب على قول السيدة عائشة رضي الله عنها : أنه كان خلقه القرآن ، هناك مقولة رائعة : القرآن كون ناطق الكون قرآن صامت ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، لأنه خلقه القرآن هو قرآن يمشي ، ولكن قد نشير على علاقة القرآن بالخلق ، قال تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ *عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
هناك من يسأل ، أيعقل أن يُعلم الإنسان القرآن قبل أن يُخلق ؟
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾
أجاب بعض المفسرين : إن هذا الترتيب ليس ترتيباً زمنياً ، بل هو ترتيب رُتبي ، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه .
أرأيت لو اشتريت آلة غالية الثمن ، عظيمة النفع ، دقيقة الصنع ، والشركة الصانعة لم ترسل لك تعليمات التشغيل والصيانة ، إن استخدمتها من دون التعليمات أعطبتها وإن خفت عليها جمدتها ، وجمدت ثمنها ، أليست التعليمات أهم من الآلة نفسها ؟ .
هذا معنى الآية الكريمة
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ *عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
لا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه .
أما كما تفضلت بسؤالك القيم علاقة الأخلاق بالتكليف ، أو بالعبادة ، نحن في حلقة سابقة بينت أن العبادة بتعريف جامع مانع دقيق ، هي طاعة طوعية ، وليست طاعة قسرية ، لأن الأقوياء يطاعون ، لكنها طاعة طوعية .
بالمناسبة : قمم البشر إما أن يكونوا أقوياء ، أو أنبياء ، الأنبياء ملكوا القلوب والأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاش الناس لهم ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، الأنبياء يمدحون في غيبتهم .
فلذلك النبي الكريم قمة من قمم البشر ، بل إن الله سبحانه وتعالى أثنى على خلقه العظيم ، وأقسم بعمره الثمين ، قال :
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
إذاً العبادة طاعة ، لكنها طاعة طوعية ، وليست قسرية ، ممزوجة بمحبة قلبية فما عبد الله من أطاعه ولم يحبه ، وما عبد الله من أحبه ولم يطعه .
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لمن يحب يطـيع
إذاً هي طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، في هذا التعريف الذي ذكرته موجزاً في حلقة سابقة جانب معرفي ، وجانب سلوكي ، وجانب جمالي ، نحن ليس في الإسلام عندنا شيء اسمه إعجاب سلبي ، وهذا ما يقع به بعض المسلمين ، معجب بهذا الدين ، معجب بهذا المنهج ، عنده نزعة إسلامية ، عنده عاطفة إسلامية ، عنده خلفية إسلامية ، عنده أرضية إسلامية ، عنده اهتمامات إسلامية عنده عاطفة إسلامية ، لكنه ليس مسلماً .
ذكرت قصة في مناسب أخرى : أن طالباً ذهب إلى بلاد الغرب البعيدة ، ورأى فتاةً أحبها حباً جما ، فلما استأذن والده بالزواج منها ، رفض الوالد أشد الرفض ، وهدده بالتبرؤ منه إذا تزوجها ، وقد تعلق بها تعلقاً شديداً ، لكنه بعد حين خطر في باله أن يستأذن والده أنها إذا أسلمت هل يوافق على الزواج منها ؟ فأجاب والده بالإيجاب ، فاختل توازن هذا الشاب فرحاً ، لأن هناك بصيص أمل ، اشترى لها كتباً عن الإسلام باللغة الإنكليزية ، وبين لها أنها ما لم تسلم لن يستطيع الزواج منها ، قرأت هذه الكتب ، لأنها ذكية جداً ، قالت له : لا بد من إجازة ، حتى أقرأ الكتب بعيدة عنك ، أو بعيدة عن ضغوطك ، أخذت إجازة أربعة أشهر وقرأت هذه الكتب وهو عدها بالثواني ، لا بالساعات بالثواني ، وكادت روحه تزهق من شدة الانتظار ، وبعد أن انتهت المدة ، والتقى بها ، ألقت عليه كلمة زلزلته ، قالت له : لقد أسلمت ، لكنني لن أتزوجك ، لأنك لست مسلماً ، بحسب ما قرأت لست مسلماً .
فهناك من يتحدث عن الإسلام ، أنا أسميه إسلام صالونات ، يبدو أنه النظم الوضعية أصبحت في الوحل ، ولم يبقَ إلا الدين .
بالمناسبة : أحد كبار علماء في أمريكا زار بريطانيا ، والتقى بالجالية الإسلامية هناك ، عالم هداه الله إلى الإسلام ، وقال لهذه الجالية : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب ، على الأقل في المدى المنظور ، لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين ، لا لأنهم أقوياء ، ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام ، ولكن بشرط أن يحسنوا فهم دينهم ، وأن يحسنوا تطبيقه ، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر .
إذاً طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، فالإسلام سلوك ، ليس إعجاباً سلبياً ، ليس ثناءً على هذا الدين ، الإسلام سلوك الإسلام وقف عند محكمات القرآن ، أن يكون المسلم وقافاً عند كتاب الله ، أن يكون مؤتمراً بما أمر الله ، منتهياً عما نهى الله ، وكل مسلم بإمكانه أن يطبق إسلامه في نفسه أولاً ، وفي بيته ثانياً ، وفي عمله ثالثاً ، وإذا فعل كل منا ذلك كنا في حال غير هذا الحال .
الأستاذ أحمد :
دكتور راتب ، يلفت أنظارنا في هذه الأيام إلى أن العبادة بحد ذاتها ، وكأنها تنقسم إلى شطرين ، الشطر الأول : هو العبادة الشعائرية إن صحت عليها هذه التسمية والشطر الثاني : هو ما يتعلق بالعبادة التعاملية التي تكون بين الأفراد فيما يكون بينهم ، حبذا لو نبين الفارقة فيما بين هاتين العبادتين .
الدكتور :
أولاً القرآن الكريم أكثر من ضرب الأمثال ، وأنا سأستعين بالمثل لأوضح هذه الحقيقة التي سألتني عنها :
هناك عام دراسي تسعة أشهر ، في دوام ، إلقاء دروس ، انتباه ، كتابة وظائف مذاكرات ، وفي ثلاث ساعات امتحان ، العبادة الشعائرية تشبه ساعات الامتحان الثلاثة والعبادة التعاملية تشبه العام الدراسي بأكمله .
فالعبادة التعاملية : الصدق ، الأمانة ، العفة الحلم ، الرحمة ، إحقاق الحق إبطال الباطل ، إنجاز الوعد ، تحقيق العهد ، هذه المكارم التي تفتقر لها البشرية في الأرض الآن ، هذه عبادة تعاملية .
العبادة الشعائرية : هي الصوم ، والصلاة ، والحج ، والزكاة ، والنطق بالشهادة لكن أستاذ أحمد ، أنا مضطر أن أقول حقيقة : وأنا من منهجي أنني أواجه الحقيقة المرة لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، أن العبادات الشعائرية ، الصلاة ، والصوم ، والحج والزكاة ، لا تصح ، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، كيف ؟ طبعاً لولا الدليل لقال من شاء ما شاء .
(( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ))
(( ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ))
الصلاة : سأل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه الكرام سألهم سؤالاً دقيقاً :
(( من هو المفلس ؟ قالوا ـ على البداهة ـ : من لا درهم له ولا متاع . قال : لا ، المفْلسَ مَنْ أتى بصلاة وصيام وصدقة ، و قد ضرب هذا ، وأكل مال هذا ، وشتم هذا فيُأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإذا فَنيَتْ حَسَناتُهُ طرحوا عليه سيآتهم ، ثم يُطْرَحُ في النار ))
أين الصلاة ؟
(( يؤتى برجال يوم القيامة ، لهم أعمال كجبال تهامة ، يجعلها الله هباءً منثورا قيل : يا رسول الله جلهم لنا ، قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
إذاً لا تصح العبادة الشعائرية ، وفي رأسها الصلاة إلا إذا صحت العبادة التعاملية .
" ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام " قال هذا العالم الجليل التستري رحمه الله تعالى .
(( ولأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر ، واعتكافي في مسجدي هذا ))
هذه العبادة التعاملية ، الشعائرية : الصلاة ، الصوم :
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
(( ربى صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))
هذا الصيام ، الحج :
(( إذا وضع الحاج رجله في الركاب ، وقال : لبيك اللهم لبيك ، وكان حجه بمال حرام ، ينادى ألا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك ))
هذا الحج ، الزكاة : قال تعالى :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
الشهادة :
(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل وما حقها ؟ قال : أن تحجبه عن محارم الله ))
ذكرت دليلاً على الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، والنطق بالشهادة فالعبادات الشعائرية لا تصح ، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، وهذه حقيقة مرة هي عندي أفضل وعند العقلاء أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
الأستاذ أحمد :
جزيت خيراً دكتور ، هذا السؤال فضيلة الدكتور يطرح علينا سؤالاً آخر ، هو أننا في هذه الأيام أيضاً نلحظ كثيراً من الناس يتعبدون الله عز وجل ، يصلي لأن والده يصلي يصوم لأن والده يصوم ، هل هذه من الممكن أن نطلق عليها بأنها عبادة الهوية مثلاً ؟ .
الدكتور :
لعل معنى هذا المصطلح الذي ذكرته لي جزاك الله خيراً ، عبادة الهوية تعني أنت من ؟ أنت قوي ؟ عبادتك الأولى إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، أنت غني ؟ عبادتك الأولى إنفاق المال ، الغني يصوم ويصلي ويحج ويزكي ، لكن الأولى إنفاق المال ، أنت عالم ؟ عبادتك الأولى إلقاء العلم ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
أنت امرأة ؟ العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد .
(( اعلمِ أيتها المرأة ، وأعلمِ من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))
أستاذ أحمد ، هل تصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة نصب لواء النصر أمام قبرها ، ليعلم العالم أجمع أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر .
عبادة الهوية أن تعبد الله فيما أقامك ، مثل لعل أخواتنا الكريمات المشاهدات ينتفعن به :
لو أن فتاة أو امرأة لها أولاد عدة ، قامت إلى قيام الليل ، وصلت ساعات طويلة وبكت بكاءاً شديداً ، وكانت في أعلى درجات القرب من الله ، لكنها قبل الساعة السابعة أصابها نعاس شديد ، فآوت إلى الفراش ، وأمرت أولادها أن يدبروا شأنهم وحدهم ، الغرفة باردة ، والطعام غير جاهز ، وظائفهم لم يكتبوها ، ثيابهم ليست منتظمة ، فلما ذهبوا إلى المدرسة عوقبوا كثيراً ، أنا أقول : المرأة التي تصلي الفجر حاضراً ، وتهيئ الطعام لأولادها تدفئ لهم غرفتهم ، تراقب وظائفهم ، تراقب ثيابهم ، أقرب إلى الله ألف مرة من الأولى لأن الثانية عبدت ربها فيما أقامها .
لذلك عبادة الهوية أن تعبد الله فيما أقامك ، الغني له عبادة ، والقوي له عبادة والعالم له عبادة ، والمرأة لها عبادة ، هذه عن عبادة الهوية .
الأستاذ أحمد :
هل إذاً من قولك أن هذه العبادة الهوية أن هناك أنواعاً أخرى للعبادة أوسع وأشمل من عبادة الهوية ؟.
الدكتور :
قال بعضهم : عبادة الظرف ، عندك ضيف العبادة الأولى إكرام الضيف ، عندك قريب مريض العبادة الأولى تمريض المريض ، عندك ابن على مشارف امتحان أول عبادة أن تهيئ له جو الامتحان ، أن ترجئ بعض الاحتفالات ، عبادة الظرف أن تقوم بالظرف الاستثنائي خير قيام ، هذه عبادة ثانية .
ولكن كأني بك تسألني عن عبادة ثالثة ، أقرأ هذا في وجهك ، هي عبادة العصر إن أراد الطرف الآخر إفقارنا ، فاستخراج الثروات ، وتطوير الصناعات ، واستصلاح الأراضي ، وإنشاء السدود ، وتوفير الغذاء ، فويل لأمة تأكل ما لا تزرع .
أحداث الدانمرك نبهتنا إلى قضية ، أن خمسة ملايين إنسان يطعمون 55 مليون انتبهنا إلى قضية .
ويل لأمة تأكل ما لا تزرع ، وتلبس ما لا تنسج ، وأنا أضيف وتستخدم آلة لا تصنعها ، لأن قرارها ليس بيدها ، فعبادة العصر إن أراد الطرف الآخر إفقارنا استصلاح الأراضي ، إنشاء السدود ، استخراج الثروات ، تطوير الصناعات ، تهيئة فرص عمل ، حل مشكلات الشباب ، حل مشكلات الأمة ، هو العبادة الأولى .
وإن أراد الطرف الآخر إضلالنا ، ترسيخ مبادئ الدين ، توضيح هذه المبادئ تبسيط هذه المبادئ ، إلغاء الخلافيات إلى هذه المبادئ ، الآن تعزيز قيم الإسلام ، مكافئة المتفوقين بهذه القيم ، وإن أراد الطرف الآخر إفسادنا أن نصون شبابنا وشاباتنا من كل انحراف ، أن نجعل الاهتمام بالشباب هدفنا الأول ، لأنهم المستقبل .
وأنا أقول لك كلمة ، وأرجو الله أن تكون على الصواب : لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أبناءهم ، الأبناء هم المستقبل .
(( أفضل كسب الرجل ولده ))
هذه عبادة العصر ، إن أراد الطرف الآخر إفقارنا أن نغتني ، إن أراد إضلالنا أن نرسخ معالم ديننا ، إن أراد إفساد شبابنا وشاباتنا ، أن نحصنهم ، وأنا أتمنى أنك إذا منعت شاباً من شيء هيئ له البديل ، وإن أراد إذلالنا ، ينبغي أن نضحي بالغالي والرخيص والنفس والنفيس .
سيدنا عمر جاءه ملك الغساسنة مسلماً رحب به ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة ، لكنه أثناء الطواف حول الكعبة بدوي من فزاره داس طرف ردائه ، فانخلع من كتفه ، هو ملك ، فالتفت نحو هذا الأعرابي وضربه ضربة هشمت أنفه ، لم يجد هذا الأعرابي بداً من أن يشتكي إلى عمر ، ذهب إليه ، وسيدنا عمر استدعى جبلة وهو ملك وقفا أمامه ، وقال عمر : لجبلة ، وصاغ هذا شاعر معاصر ، قال عمر لجبلة : أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ قال : لست ممن ينكر شيا ، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديا قال : أرضِ الفتى لا بد من إرضاءه ، ما زال ظفرك عالق بدمائه ، أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك ، قال : كيف ذاك يا أمير ؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج ، كيف ترضى أن يخر النجم أرضا ؟ قال : نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية ، قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديدا ، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا ، فقال جبلة : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز ، أنا مرتد إذا أكرهتني ، فقال عمر : عالم نبنيه ، كل صدع فيه يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى .
عبادة العصر أن نتعامل مع المستجدات تعاملاً جديداً ، أن نعرف موقعنا ، وأن نطلع على ما يجري في العالم ، وأن نتكيف .
الأستاذ أحمد :
فضيلة الدكتور بما أننا على مفهوم العبادة ، العبادة الشعائرية حبذا لو نفهم منكم كيف يمكن للمسلم أن يدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الله جل جلاله قال :
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
أنت لن تستطيع أن تتقرب إلى الله إلا بخلق مستمد من كماله ، الله رحيم ، إن كنت رحيماً تتقرب إلى الله ، إن كنت منصفاً تتقرب إلى الله ، إن كنت عادلاً تتقرب إلى الله هكذا ، ولكن كما أذكر دائماً : أن معرفة الله أصل في هذا الدين ، ونحن في موضوع الخلق إذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر الأخلاقي تفانينا في طاعة الآمر .
الحقيقة أحد رواد الفضاء ، حينما ركب مركبته وانطلق بها إلى الفضاء وتعلمون أستاذ أحمد أنه في عنا حادثة اسمها انتثار الضوء ، أي أن ذرات الهواء تعكس الضوء على ذرات أخرى لم يصبها الضوء ، في عنا حالة في الأرض اسمها ضياء ، وفي مكان في أشعة الشمس ، هذه الحالة مربوطة بالهواء فقط ، فلما ركب هذا الرائد الفضائي مركبته الفضائية ، وانطلق بها وتجاوز الـ65 ألف كم هي سمك طبقة الهواء ، ودخل في ما بعد طبقة الهواء ، صاح بأعلى صوته : لقد أصبحا عمياً ، كيف ؟ وكان أحد كبار العلماء الفلك العرب في هذه القاعدة الفضائية ، الحقيقة انتهى الهواء ، فانتهى انتثار الضوء ، فأصبح الظلام دامساً ، هذا شيء عُرف بعد أن صعدنا إلى الفضاء ، أما أن تأتي آية في القرآن قبل 1400 عام ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
القرآن الكريم فيه 1300 آية ، فيها إشارات إلى حقائق كشفت أخيراً ، ولا يقبل عاقل على وجه الأرض أنها عُرفت أثناء نزول الوحي ، هذه الآيات هي أدلة قاطعة على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن .
لذلك إعجاز الأنبياء السابقين إعجازات حسية ، عصا أصبحت ثعباناً ، نار لم تحرق سيدنا إبراهيم ، لكن معجزة النبي معجزة علمية ، أي أن في القرآن 1300 آية تشير إلى حقائق لم تكن مكتشفة ، الآن اكتشفت .
فلذلك أنا أرى أن التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق إلى الله وأوسع باب ندخل منه على الله .
الأستاذ أحمد :
جزيتم خيراً فضيلة الدكتور ، ولا يسعنا في نهاية هذه الحلقة إلا أن نتقدم إليكم بالشكر الوافد الجزيل على ما تفضلتم به علنا نكمل في حلقة قادمة إن أحيانا الله عز وجل لمثلها .