- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠09برنامج موسوعة الأخلاق الإسلامية - قناة إقرأ
الأستاذ أحمد :
تقديم ترحيب :
نرحب بالأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية في كليات الشريعة وأصول الدين ، فأهلاً وسهلاً بكم دكتور في برنامجا موسوعة الأخلاق الإسلامية .
الدكتور راتب :
أهلا بكم أستاذ أحمد ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ أحمد :
سيدي الكريم ، الأخلاق أمرٌ عظيم طيبٌ مباركٌ ، ولكن هل له علاقة بالوقت ، وبقسم الله عز وجل بالوقت ، وإن وجد فما الرابط بين الأخلاق والوقت ؟
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الإنسان زمن كلما انقضى يوم انقضى بضع منه :
أستاذ أحمد ، لا بد من مقدمة ، الجماد شيء يشغل حيزاً وله وزن ، وله أبعاد ثلاثة ، أما النبات فأيضاً شيء يشغل حيزاً ، وله وزن ، وله أبعاد ثلاثة ، لكنه ينمو ، الحيوان شيء يشغل حيزاً ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن ، وينمو كالنبات ، ويتحرك ، أما الإنسان فشيء يشغل حيزاً ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن ، وينمو ، ويتحرك ، ويفكر .
إذاً : أودع الله في الإنسان قوة إدراكية ، هي الحاجة العليا في الإنسان ، وما لم تلبَّ هذه الحاجة للبحث عن الحقيقة فقد يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى آخر لا يليق به .
إذاً : أودع الله في الإنسان قوة إدراكية ، فلا بد من أن يعرف الإنسان سر وجوده وغاية وجوده ، لا بد من أن يعرف حقيقة الكون ، وحقيقة الحياة ، وحقيقته هو ، ومن أدق تعريفات الإنسان تعريف ورد عن الإمام الجليل الحسن البصري ، " أنه بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه " ، هذا تعريف جامع للإنسان .
وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
إذاً : الإنسان كائن متحرك ، وفي علم الزمن أننا إذا حركنا نقطة رسمت خطاً ، وإذا حركنا خطاً رسم سطحاً ، وإذا حركنا سطحاً شكل حجماً ، وإذا حركنا حجماً شكّل زمناً ، ففي أدق تعريفات الزمن أنه البعد الرابع للأشياء ، والإنسان كائن متحرك حسب النظرية التي جاء بها إنشتاين ، حينما اكتشف السرعة المطلقة في الكون إنها سرعة الضوء .
بالمناسبة ، لطيف علمي : الضوء سرعته الضوئية 300 ألف كيلومتر في الثانية ، وأيّ جسم سار مع الضوء أصبح ضوءًا ، إذا سار الشيء مع الضوء توقف الزمن ، هذا اللقاء الطيب تنعكس منه أمواج ، فلو سار الإنسان معها رأى هذا المنظر إلى أبد الآبدين ، إذا سار الشيء مع الضوء توقف الزمن ، فلو سبق الضوء لتراجع الزمن .
نظرياً : لو أننا ركينا مركبة تجاوزت سرعة الضوء فهذا شيء مستحيل ، لكن افتراضياً لرأينا معركة بدر كما هي ، لو قصرنا عن الضوء لتراخى الزمن ، الإنسان زمن ، في أدق تعاريفه ، أو رأس ماله هو الزمن ، أو أثمن شيء يملكه هو الزمن .
لذلك كما تفضلت أقسم الله لهذا المخلوق الأول ، وإذا قلت المخلوق الأول أعني بالأول رتبة ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
الله تعالى يقسم بالزمن :
الله عز وجل أقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن فقال :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
جواب القسم :
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
خالق السماوات والأرض يقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن أنه خاسر لا محالة ، فلو أن الإنسان تساءل : يا رب كيف هو خاسر ؟ الجواب : مضي الزمن يستهلكه ، السبت ، الأحد ، الاثنين الثلاثاء ، الأربعاء ، الخميس ، الجمعة مضى الأسبوع ، أول أسبوع ، ثاني أسبوع ، ثالث أسبوع ، رابع أسبوع مضى شهر ، أول شهر ، ثاني شهر ، عاشر شهر ، مضت سنة ، وهكذا ، من عقد لعقد ، من شهر لشهر ، من أسبوع لأسبوع ، من يوم ليوم ، قال بعضهم : " الدنيا ساعة ، فاجعلها طاعة ، والنفس طماعة عوِّدها القناعة " .
ربنا عز وجل يقسم بهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن بمطلق الزمن أنه خاسر لا محالة ، لأن مضي الزمن يستهلك الإنسان .
الأستاذ أحمد :
عفواً دكتور ، هل بين قوله تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
لو افترضنا أننا وضعنا معترضتين ، قوله :
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
وبين معترضتين أخريين قوله تعالى :
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
كأن قوله تعالى :
﴿ آمَنُوا ﴾
يربط بينها وبين قوله تعالى :
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
رابط ، وبين قوله تعالى :
﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
وبين قوله :
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
أيضاً يربط بينهما رابط ، فهل هذا صحيح ؟
الدكتور راتب :
الوقتُ بين الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري :
الحقيقة أن رحمة الله في كلمة
﴿ ِإلَّا ﴾
كما تفضلت ، الإنسان خاسر لا محالة ، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
أنا مضطر أن أستخدم مصطلحين جديدين ، إنفاق الوقت إنفاقاً استهلاكياً ، وإنفاق الوقت إنفاقاً استثمارياً ، الوقت يمكن أن ينفق استهلاكاً ، فالإنسان عندها خاسر لا محالة ، ويمكن أن ينفق استثماراً ، عندئذٍ هو مستثنى من جواب القسم الذي قال الله فيه :
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
كيف ينفق الوقت استهلاكاً ؟ نأكل ، ونشرب ، وننام ، ونستمتع ، ونحن في غفلة عن سر وجودنا ، وغاية وجودنا ، ونتحدث من دون ضوابط ، ونكسب المال من دون ضوابط ، وننفقه من دون ضوابط ، نقيم علاقات اجتماعية من دون ضوابط ، نحن نعيش لحظتنا ، مثل هذا الإنسان ينفق وقته إنفاقاً استهلاكياً ، إذاً : هو الذي ينطبق عليه قول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
لكن متى أنفق الوقت إنفاقاً استثمارياً ؟ أنا حينما عرفت سر وجودي ، وغاية وجودي ، حينما عرفت أنني في حياة دنيا سمح لي فيها أن أدفع ثمن الحياة العليا ، حينما أكون في حياة دنيا أتعرف إلى الله ، وأطبق منهجه ، وأتقرب إليه ، حينما أكون في خدمة عباده ، عندئذٍ أن أنفق الوقت إنفاقاً استثمارياً ، وأيّ شيء ينتهي عند الموت هو من الدنيا ، وأي شيء لا يدخل مع الإنسان في قبره هو من الدنيا ، هذا حينما أجعل هذا مقياساً فاصلاً بين ما هو للدنيا وما هو للآخرة ، أما حينما أتقرب إلى الله بعمل صالح ، حينما أدعو إلى الله ، حينما أعين ضعيفاً ، حينما أطعم جائعاً ، حينما أنشر دعوة ، حينما أتعهد أرملة ، حينما أنشئ دار أيتام ، أنا حينما أعمل عملاً يدخل معي في القبر هذا من الآخرة .
فلذلك رحمة الله كلها في كلمة :
﴿ ِإلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
أي أن إنفاق الوقت إنفاقاً استثمارياً أن أفعل في الوقت الذي ينقضي عملاً ينفعني بعد مضي الوقت ، لذلك أرجح الناس عقلا هو الذي يعد لآخرته .
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))
قصة وعبرة :
في بعض الكتب الأدبية قصة ذات معنى كبير : صيادان مرَّا بغدير ، فيه ثلاث سمكات ، سمكة كيّسة ذكية ، وأكيس منها ، وعاجزة ، لما رأى الصيادان السمكات الثلاث تواعدا أن يرجعا ، ومعهما شباكهما ليصيدا ما في الغدير من السمك ، أما أكيسهن أي أعقلهن فعاشت المستقبل .
بالمناسبة ، الإنسان العاقل جداً يعيش المستقبل ، والأقلّ عقلا يعيش الواقع ، والغبي يعيش الماضي .
أما أكيسهن فإنها ارتابت وتخوفت ، وقالت : العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها ، ولم تعرِّج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير فنجت ، عاشت المستقبل ، وأما الكيسة الأقلّ عقلا فبقيت في مكانها حتى عادا الصيادان ، فذهبت لتخرج من حيث خرجت صديقتها ، يبدو أن بين النهر والغدير منفذا ، اطمأنت الثانية بأن المنفذ جاهز ، فذهبت لتخرج من حيث خرجت رفيقتها فإذا بالمكان قد سُد ، فقالت : فرطتُ ، وهذه عاقبة التفريط ، غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي ، الآن احترقت أعصابها ، أيقنت بالهلاك ، وأجرت بعض المحاولات ، إما أن تنجح ، أو لا تنجح ، ثم إنها تماوتت ، تصنعت الموت ، فطفت على وجه الماء فأمسكها أحد الصيادين ، ووضعها على الأرض بين النهر والغدير ، فوثبت في النهر فنجت ، وأما العاجزة فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صيدت .
لذلك حينما أحتاط للأمور قبل وقوعها أكون في أعلى درجات العقل ، ولو أن الإنسان شاهد إنسانا يدفن تحت الأرض ، أنا أقول : ما من إنسان على وجه الأرض أعقل ممن يعمل لهذه الساعة التي لا بد منها ، والإنسان في ثانية واحدة يفقد كل شيء ، كل عظمة الإنسان ، وهيمنته ، وقوته ، وحجمه المالي ، وسيطرته منوط بقطر شريانه التاجي ، ميلي وربع ، وكل عظمة الإنسان وجبروته ، وهيمنته ، وحجمه المالي منوط بسيولة دمه ، فإذا تجمد الدم في أي مكان في الرأس ، في مكان يفقد بصره ، وفي مكان يفقد نطقه ، وفي مكان يفقد ذاكرته ، وفي مكان يفقد حركته ، أي أن الإنسان في قبضة الله .
بالمناسبة :
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾
في آية ثانية :
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
المتانة في الفيزياء لمقاومة قوى الشد ، والقساوة لمقاومة قوى الضغط ، فكأن الإنسان مربوط بحبل مرخى ، لا يمكن أن ينقطع هذا الحبل :
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
ففي ثانية واحدة يكون الإنسان في قبضة الله .
حينما يؤمن الإنسان فلابد أن يتعرف إلى الحقيقة ، يتعرف إلى الله عز وجل خالق السماوات والأرض ، واجب والوجود ، حينما يكشف الحقيقة الكبرى في الكون ، وحينما ينسجم معها ، ويطيع خالقه ، وحينما يتقرب إليه بالعمل الصالح ، وحينما يدعو إليه ، ينجو من الخسارة التي أقسم الله بالوقت للإنسان أنه خاسر .
الأستاذ أحمد :
بما أنك دكتور أعدتنا إلى مسألة الوقت ، يخطرني هنا قول المولى جل في علاه :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
ويقول عز مِن قائلٍ في آية أخرى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ﴾
فأيضاً نسمع منك إجابة على الربط ما بين الصلاة وبين أنها موقوتة ، لماذا لا تكون مفتوحة ، لماذا هي بمقدار ؟ .
الدكتور راتب :
الربط بين الصلاة والزمن :
1 ـ الصلاة هو الفرض الذي لا يسقط بحال :
بالمناسبة ، الإسلام له خمسة أركان ، الركن الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال هو فرض الصلاة ، الشهادة ننطق بها مرة واحدة ، والزكاة تسقط عن الفقير ، والحج يسقط عن المريض والفقير ، والصيام يسقط عن المسافر والمريض ، لم يبقَ إلا الصلاة ، هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال ، لأنها عماد الدين .
(( الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين ))
(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهوته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي ))
2 ـ معنى الصلاة متضمَّن في أركان الإسلام الأخرى :
بالمناسبة ، في الصلاة معاني أركان الإسلام كلها ، الإنسان في الصيام يدع الطعام والشراب ، والمصلي يدع الطعام ، والشراب ، والحركة ، والكلام ، هذا من معنى الصيام .
وفي الصلاة من معنى الحج ، أنه يتوجه إلى بيت الله الحرام .
وفي الصلاة من معنى الزكاة ، أن الوقت أصل في كسب المال ، هو يقتطع من وقته الثمين وقتاً ليصلي .
وفي الصلاة نطق بالشهادة ، إذاً : أركان الإسلام كلها مدمجة ، لأن الدين اتصال بالله عز وجل ، ولو ضغطت الدين كله بكلمة واحدة فهو اتصال بالله ، من هو الجاهل ؟ المقطوع عن الله ، من هو المؤمن ؟ المتصل بالله .
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
حينما يتصل الإنسان بالله يكون في قلبه رحمة ، وهذه الرحمة تنعكس ليناً .
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
إذاً : الإنسان ليتلافى الخسارة المحققة لا بد من أن يبحث عن الحقيقة ، وأن يعمل بها ، وأن يدعو إليها ، وأن يصبر على البحث عنها ، العمل بها ، والدعوة بها ، وبهذه الطريقة ينجو من الخسارة ، فالإنسان وقت .
الأستاذ أحمد :
يقول الله عز وجل :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
نحب أن نفهم هذا الوعيد الشديد من الله عز وجل لمن أضاع الصلاة .
الدكتور راتب :
الوعيد الشديد لمن ضيَّع الصلاة :
هذا الكلام دقيق وخطير جداً ، أتمنى على الإخوة المشاهدين أن يستوعبوا أبعاده .
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
تضييع الصلاة سبب لعدم الاستخلاف والتمكين :
بربك هل نحن مستخلفون ؟ لسنا مستخلفين ، هل نحن ممكَّنون في الأرض ؟ لسنا ممكَّنين ، هل نحن آمنون ؟ لسنا آمنين .
أنا أقول : لزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، كيف تفسر ذلك ؟ الآية التي تفضلت بها :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
وقد لقينا ذلك الغي ، قانون إلهي ، يعني زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، الآيات كثيرة جداً .
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
ماذا نفعل بهذه المفارقة الحادة بين واقع المسلمين اليوم ووعود الله في القرآن الكريم ؟ هذه الآية تجيب عن هذا التساؤل :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾
بالمناسبة : من أروع ما قاله المفسرون حول قوله تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله ، وسلم من عبادة غير الله ، هذه هي السلامة ، والقلب السليم هو الذي سلِم من تحكيم غير شرع الله .
الأستاذ أحمد :
الله عز وجل يقول :
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ﴾
بما أننا نتحدث عن الاستخلاف في الأرض ، وأن الدين لا يمكَّن لنا الآن ، ولأننا لم نأتي بالمقدمة فلن تأتي أيضاً النتائج ، إن أردنا أن ننهض من جديد يوصينا الله عز وجل فيقول :
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾
وما علاقة الصبر وهو خلق بالصلاة وهي عبادة ؟
الدكتور راتب :
علاقة الصبر بالصلاة :
أشرتم جزاكم الله خيراً إلى حقيقة خطيرة جداً ، الصلاة حقيقة اتصال بالله ، اتصال هذا المخلوق الحادث الفاني الضعيف بالأصل المطلق للكون ، فالضعيف إذا اتصل بالقوي أصبح قوياً ، والفقير إذا اتصل بالغني أصبح غنياً ، فالحقيقة أنّ كل الخير في الاتصال بالله عز وجل ، الصلاة عماد الدين كما قلت قبل قليل ، فأنا متى أصبر ؟ حينما يأتيني التعويض ، هناك مشكلة ، هناك مصيبة ، أما حينما أتصل بالله عز وجل تكون السكينة ، والسكينة يشقى الإنسان بفقدها ولو ملك كل شيء ، ويسعد بها ولو فقد كل شيء ، ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
إشارة القرآن إلى سرعة الضوء :
أستاذ أحمد ، هناك نقطة دقيقة جداً ، عقدت مؤتمرات عديدة للإعجاز العلمي ، عقد مؤتمر في موسكو ، ثم في بيروت ، ثم في دبي ، وفي مؤتمر موسكو طُرح موضوع يفوق حد الخيال ، أن نظرية إنشتاين التي قلبت مفاهيم الفيزياء هي مدرجة في آية قرآنية ، هي قوله تعالى :
﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
الحقيقة أن العرب تعد السنة القمرية ، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر ، فإذا أخذنا مركز الأرض ومركز القمر ، ووصلنا بينهما بخط ، هذا الخط هو نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ، ونعرفه من نصف قطر الأرض مضاف إليه نصف قطر القمر ، مضاف إليه المسافة بينهما ، لو ضربنا هذا الخط باثنين القطر ، ضربنا بثلاثة فاصل 14 ( البي )المحيط ، ضربناه 12بـ السنة ، بألف ، بألف سنة ، طالب من طلابنا في دقائق معدودة يمكن أن يحسب كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، هذا الرقم الكبير لو قسمناه على الوقت ، ونحن في الحديث عن الوقت ، لو قسمناه على ثواني اليوم لكانت المفاجأة الصاعقة ؛ أن النتاج هو سرعة الضوء ، الدقيقة وليست التقريبية ، 299 752 ، فما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض ، في ألف عام ، يقطعه الضوء في يوم واحد ، وهذه الآية تضمنت سرعة الضوء المطلقة الدقيقة .
قلت قبل قليل في مطلع هذا اللقاء الطيب : إن سرعة الضوء التقريبية 300 ألف كم ، أما السرعة الدقيقة 299752 كيلومتر في الثانية ، هذه سرعة الضوء .
خاتمة :
إذاً : الإنسان متى لا يخسر ؟ ومتى يربح ، متى تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة ؟ حينما يعرف حقيقة الكون ، وحقيقة الحياة الدنيا ، وحقيقته ، هو وقت ، أو أثمن شيء يملكه هو الوقت ، أو رأس ماله الوحيد هو الوقت ، وهذا الوقت إما أن ينفق استهلاكاً كشأن معظم الناس الشاردين الغافلين ، أو ينفق استثماراً ، أي أن أفعل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعني بعد مضي الوقت .
إذاً : ما دام الله قد أودع في الإنسان قوة إدراكية ، يجب أن يبحث عن الحقيقة أولاً ، وأن يعمل بها ثانياً ، وأن يدعو إليها ثالثاً ، وأن يصبر على البحث عنها ، والعمل بها والدعوة بها .
الأستاذ أحمد :
مسألة أن يستفيد الإنسان من الوقت فيستثمره ، فيكون زاداً له إلى الآخرة يذكرني بقول الله عز وجل :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾