- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠09برنامج موسوعة الأخلاق الإسلامية - قناة إقرأ
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تقديم وترحيب :
الأستاذ أحمد :
أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات ، يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
ويقول جلّ في علاه :
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾
فلماذا خُلق الإنسان على وجه الأرض ؟ ولماذا جعله الله عز وجل خليفة له على أرض هذه البسيطة ؟ ولماذا حمل أمانة السماوات والأرض والجبال على حملها ؟
للإجابة عن هذه الأسئلة يسرنا أن يكون ضيفنا اليوم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية في كليات الشريعة وأصول الدين .
فضيلة الدكتور ، الله عز وجل كلفنا بعبوديته ، ومن هنا نفهم أن هذا التكليف لا بد له من مقومات ، حبذا لو تحدثونا عن مقومات التكليف من الله عز وجل لعباده المؤمنين .
الدكتور راتب :
العبودية لله أعلى المراتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
يجب أن نعلم أن أعلى مرتبة على الإطلاق ينالها الإنسان أن يكون عبداً لله ، والدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، حينما وصل إلى أقرب مرتبة من الله عز وجل ، إلى سدرة المنتهى ، قال الله تعالى :
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾
1 ـ شمولية العبادة :
بقدر العبودية يكون الارتقاء ، لذلك الله عز وجل كلفنا أن نعبده ، إلا أن معظم المسلمين إذا ذُكرت كلمة عبادة تنصرف أذهانهم إلى العبادات الشعائرية ليس غير .
الإسلام منهج ، أكاد أقول : مؤلف من 500 ألف بند ، يبدأ من فراش غرفة النوم ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج فيه كل التفاصيل ، وما العبادات الشعائرية إلا جزء ضئيل جداً من منهج الإسلام .
إذاً : إذا قلنا : نعبد الله أي أن نعرفه ، لو سألتني أن أضغط الدين كله في كلمات ثلاث : تعرفه ، فتعبده ، فتسعد بقربه في الدنيا والآخرة .
2 ـ ما هي العبادة ؟
التعريف الدقيق للعبادة : إنها طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، فيها جانب معرفي ، وجانب سلوكي ، وجانب جمالي ، الجانب السلوكي هو الأساس ، والمعرفي هو السبب ، والجمالي هو الثمرة ، لكن الله سبحانه وتعالى خلقنا للجنة .
3 ـ الناس في جانب العبادة قسمان لا ثالث لهما :
الكلام الدقيق جداً أن البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، ومذاهبهم وطوائفهم ، وأعراقهم وأنسابهم ، وكل الاختلافات التي في ضوئها يقسم البشر هم في الحقيقة رجلان ، أو نموذجان إنسان عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة ، وإنسان غفل عن الله ، وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة ، ولن تجد إنساناً ثالثاً ، الدليل :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة ، الإنسان في الأصل خلق للجنة .
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾
لأنه صدق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء .
لذلك ألف بعضُ الكُتَّاب كتاباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في مقدمته يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام : " يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع ، يا من كانت الرحمة مهجته ، والعدل شريعته ، والحب فطرته ، ومشكلات الناس عبادته .
إذاً : حينما يعرف الإنسان أنه مخلوق للجنة يتقي أن يعصي الله ، ويبني حياته على العطاء ، أما حينما يكفر بالجنة ، يكذب بها لا يرى إلا الدنيا ، هي كل شيء ، هي مبلغ علمه نهاية آماله ، عندئذٍ يستغني عن طاعة الله ، فإذا استغنى عن طاعة الله بنى حياته على الأخذ .
لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء عاشوا للناس والأقوياء عاش الناس لهم ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء ملكوا القلوب .
فلذلك حينما يعرف الإنسان سر وجوده ـ أقول كلمة دقيقة ـ : إن لم تنعكس مقاييسه 180 درجة فإنه ما عرف سر وجوده ، لأن المؤمن يبني حياته على العطاء .
لذلك الله عز وجل جاء بنا إلى الدنيا ، وكلفنا أن نعرفه ، وأن نطيعه ، وأن نتقرب إليه ، وأن نسعد بقربه في الدنيا والآخرة .
يقول بعض العلماء : " في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، ويقول : " مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا ، وخرجوا منها ، ولم يعرفوا أجمل ما فيها " ، ويقول : " بستاني في صدري ، ماذا يفعل أعدائي بي ؟ إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟ " .
فالناس على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم ومذاهبهم ، وأديانهم ، هم نموذجان :
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
﴿ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
فالذي كذب بالجنة استغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، لا على العطاء .
الآن الله عز وجل خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ :
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
كل إنسان مرئياته محدودة ، سافر إلى القاهرة ، إلى دبي فرضاً ، إلى لندن ، لكن كوالالنبور ما سافر إليها ، هناك مدن كثيرة ، فدائرة المشاهدات محدودة جداً ، أما المسموعات فكبيرة جداً ، ففي الأخبار تستمع إلى ألف اسم مدينة ، لكن دائرة الخواطر لا نهائية ، قد يخطر في بالك إنسان طوله من هنا إلى القمر ، الحديث :
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
4 ـ الإنسان مخلوق للجنة فلابد من الإعداد لها :
الإنسان مخلوق للجنة ، أما الدنيا فهي مكان لدفع ثمن الجنة ، الآية الكريمة :
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
لولا أن الله جاء بنا إلى الأرض ، وتعرفنا إليه ، واستقمنا على أمره ، وعملنا الصالحات ، وأقبلنا عليه ، وكسبنا الأعمال الصالحة لما كنا في الجنة .
كيف لو أن إنسانا أخذ شهادة عليا من جامعة عريقة ، ودخله صار فلكيا ، لما يمرّ أمام الجامعة التي درس فيها يقول : لولا هذه الجامعة لما كنت في هذا الحال .
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
إذاً : الإنسان مكلف أن يعبد الله ، أي أن يعدّ نفسه لجنة عرضها السماوات والأرض ، والدنيا أحقر من أن تكون عطاءً من الله ، وهي أقلّ من أن تكون عقاباً ، لأنها منقطعة ، فالموت ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي ، ينهي ضعف الضعيف ، ينهي غنى الغني ، ينهي فقر الفقير ، ينهي وسامة الوسيم ، ينهي دمامة الدميم ، ينهي عزة العزيز ، ينهي ذل الذليل ، الموت ينهي كل شيء ، إذاً : هي أحقر من أن تكون عطاءً ، نسأل الله السلامة ، لكن هدفَ الإنسان الآخرة ، فما لم ينقل اهتماماته إلى الآخرة فهو في خسارة كبيرة .
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
إذاً : الله عز وجل كلفنا أن نعرفه ، ثم كلفنا أن نعبده ، لتكون المعرفة والطاعة ثمناً للجنة .
الأستاذ أحمد :
دكتور ، أمرنا الله عز وجل فقال :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾
هل هذا النظر يوصلنا إلى معرفة الله عز وجل ؟
الدكتور راتب :
لابد من التفكرِ في خَلقِ الله وأفعاله وكلامه :
الإنسان مكلف أن يتفكر في خلق السماوات والأرض ، في خلقه ، ومكلف كما تفضلت أن ينظر في أفعاله ، ومكلف أن يتدبر كلامه ، كيف نعرف الله ؟ نعرفه من خلقه تفكراً ، من أفعاله تدبراً ، من أفعاله نظراً ، من آياته القرآنية تدبراً ، هذه الطرق التي يمكن أن تعرف بها إلى الله عز وجل ، لأنه كما أن خلقه معجز أفعاله معجزة .
هذه ملاحظة مهمة جداً ، أنا أتمنى أن نبدأ بمعرفة الله من خَلقه أولاً ، هذا طريق آمن ، كلما ازددت فكراً ازددت معرفة بالله ، ثم أن نثني بكلامه ، ونؤخر معرفةَ الله من أفعاله إلى المرحلة الثالثة ، لأنك إن عرفته من خلال خَلقه ، ثم إن عرفته من خلال كلامه ، هاتان المعرفتان تلقيان الضوء على أفعاله ، لأنك لن تستطيع أن تثبت عدل الله بعقلك ، لأن عقلك وعقلي وعقل أي إنسان قاصر عن إدراك أفعال الله ، إلا في حالة واحدة مستحيلة ، أن يكون لك علم كعلم الله .
إذاً : نحن في موضوع الأفعال ، لأنها كحقل ألغام ، قد تجد بلادا غنية جداً ، غارقة في النعيم ، والانحراف ، والشذوذ ، والربا ، وما شاكل ذلك ، وهي قوية وتهدد العالم .
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
وقد تجد بلادا تعاني مشكلات كثيرة ، لكن هذه المشكلات تقربها من الله عز وجل ، فالله عز وجل يقول :
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
كل محنة وراءها منحة ، كما تفضلت ، وكل شدة وراءها شدة إلى الله عز وجل ، هذه حقيقة المصائب أحياناً ، ولها إن شاء الله برامج خاصة .
الأستاذ أحمد :
حبذا دكتور لو تسلطون الضوء على قولكم إن التكليف له المقومات .
الدكتور راتب :
مقومات التكليف :
بارك الله بك ، الحقيقة ما كلفنا الله أن نعبده إلا وأعطانا مقومات العبادة .
1 ـ الكون :
ومن أبرز المقومات هذا الكون الذي ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، هذا الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، هذا الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى ، وعن صفاته الفضلى ، لأن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار ، ولكن العقول تصل إليه من خلال صنعته ، فالصنعة تدل على الصانع ، والنظام يدل على المنظم ، والحكمة تدل على الحكيم ، والتسيير يدل على المسير .
إذاً : هذا الكون هو الثابت الأول ، والمسلم إذا أراد أن يحاور أي مسلم ، الثابت الأول الذي يسكت الألسنة ، ويطأطئ الإنسان رأسه له هذا الكون ، هو بلغة عالمية ، أي إنسان مِن أيّ لغة يرى الشمس والقمر ، والليل والنهار ، يرى النبات ، يرى الطفل حينما يولد ، هناك آيات لا تعد ولا تحصى ، صدق أن الآيات المتعلقة بخلق الإنسان لو أمضى الإنسان حياته كلها ليتعرف إليها لم يستطع ذلك ، الله عز وجل :
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾
الماء :
كأس الماء ، الماء ينفرد من بين كل عناصر الأرض بخاصة ، لولا هذه الخاصة لما كان هذا اللقاء ، ولما كانت دمشق ، ولما كان العالم ، ولما كان البشر ، هذا الماء شأنه كشأن أي عنصر في الأرض ، يتمدد بالتسخين ، وينكمش بالتبريد ، إلا أن الماء ينفرد من بين كل العناصر أنه إذا بردته ، ووصل التبريد لدرجة زائد أربعة تنعكس الآية ، يزداد حجمه .
الحقيقة أن وحدة القياس للكثافة هو الماء ، الماء واحد ، لو أن الماء إذا بردناه قلّ حجمه كأي عنصر في الأرض ، أي تزداد كثافته ، فيغوص الماء المجمد إلى أعماق البحار ، وبعد حقب معينة تتجمد البحار كلها ينعدم التبخر ، ينعدم المطر ، يموت النبات ، يموت الحيوان ، يموت الإنسان .
الماء ينفرد بهذه الخاصة ، أنه حينما تبرده إلى درجة زائد أربع يزداد حجمه ، وتقلّ كثافته فيطفو ، وتبقى البحار دافئة ، ويبقى الجليد في الطبقة السطحية .
إذاً : الكون يدل على عظمة الله عز وجل ، وأنا أقول دائماً : إن التفكر في السماوات والأرض هو أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، والنبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن أن نفكر في ذات الله ، في خطوط حمر ، لكنه سمح لنا أن نفكر ما شاء لنا التفكر في مخلوقات الله .
الكواكب والأبراج والنجوم :
إذاً : الكون الثابت الأول ، طبعاً بمجراته ، شيء سريع بين الأرض والشمس 156 مليون كم ، يقطعها الضوء في 8 دقائق ، الشمس حجمها يزيد على حجم الأرض بمليون و300 ألف أرض ، مليون و300 ألف أرض يمكن أن تستوعبها الشمس ، وبينهما 156 مليون كم ، وهناك ببرج العقرب أحد أبراج السماء .
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
نجم صغير أحمر متألق يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما .
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾
الكون بما فيه من آيات دالة على عظمة الله يطأطئ لها كل إنسان .
الأستاذ أحمد :
عندما قلتم دكتور : إن الكون هو الثابت الأول فهمنا أن هناك ثابتاً ثانٍ أو أكثر .
الدكتور راتب :
2 ـ العقل :
الثابت الثاني هو العقل ، العقل له مبادئ ، هو تقريباً كآلة حاسبة في جيبك ، لو فرضنا معك آلة حاسبة ، وقبضت مبلغا ، ولم تستخدمها تندم .
مبادئ العقل : السببية ـ الغائية ـ عدم التناقض ـ
العقل له مبادئ ، السببية أحد أكبر مبادئه يعني أنا وأنت لا يمكن أن نفهم أي شيء بلا سبب ، والمبدأ الثاني الغائية .
أنت قد تجد شاحنة تتدلى منها سلسلة ، لماذا ؟ أنت لا علاقة لك بالشاحنات ، ولا بنقل البترول ، ولا بأي شيء آخر ، لكن عندك حاجة عقلية أن تفهم لمَ هذه السلسلة مدلات من السيارة .
إذاً أنت لا تفهم شيئاً إلا بغايته ، ولا تفهم شيئاً إلا بسببه ، ولا تقبل التناقض وأروع ما في القضية أن مبادئ العقل تتناسب تناسباً تاماً مع قوانين الكون ، الله عز وجل جعل لكل شيء سببا ، وأعطاك جهازا لا يفهم أيّ شيئاً بلا سبب ، وكأن الله ينقلك بلطف إلى ذاته الكريمة .
الدجاجة من البيضة ، والبيضة من الدجاجة ، وأول دجاجة مَن خلقها ؟ هذا الذي أغفله داروين ، أول مخلوق لو كان وحيد الخلية َمن خلقه ؟
لذلك العقل هو الثابت الثاني ، العقل أداة معرفة الله ، لكن إما أن نستخدمه كي نعرف الحقائق ، أو أن نستخدمه لنبرر أخطائنا .
الأستاذ أحمد :
ولذلك أتى توجيه الله عز وجل في القرآن الكريم فخاطب المؤمنين بقوله :
﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
﴿ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
﴿ لِأُولِي النُّهَى ﴾
الدكتور راتب :
لا للعقل التبريري :
الآيات التي تتحدث عن العلم والعقل والتفكر والتذكر تقترب من ألف آية ، فالعقل مبادئه ثلاثة ، مبدأ السببية ، الغائية ، عدم التناقض ، متوافقة تماماً مع مبادئ الكون ، إلا أن هناك عقلاً تبريرياً يُستخدم لغير ما خلق ، أن ينحرف الإنسان فيبرر خطأه بفلسفة عقلية ، هذا سماه العلماء العقل التبريري ، وهو ساقط ، الدليل في القرآن :
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾
العين ؛ لو أنها تتمتع بأعلى درجات الرؤيا ، وقبع إنسان في غرفة مظلمة لا قيمة لها ، لو جلس اثنان في غرفة مظلمة أعمى وبصير ، فهما سيان ، حاجة العقل إلى وحي السماء كحاجة العين إلى الضوء ، العقل وحده يضل ، لكن العقل إذا اهتدى بنور الوحي فلا يضل ، لذلك العين تحتاج إلى نور مادي ، والعقل يحتاج إلى وحي .
العقل من حيث الاستعمال حياديٌّ :
الإنسان المنحرف والشارد يستخدم العقل للتبرير ، والدليل أن الله سبحانه وتعالى حينما وصف نبيه الكريم فقال :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
المفهوم العكسي لهذه الآية : أناس كثيرون ينطقون عن الهوى ، يتكلم لصالحه ، يمدح شيئاً ليبيعه ، يمدح شخصاً لينتفع منه ، ينافق لشخص كي يأخذ منه ، فهذا نطق عن الهوى ، فالنبي عليه الصلاة والسلام معصوم عن أن ينطق عن الهوى :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
العقل أحياناً نستخدمه لخلاف ما خُلق له .
مثلاً : هناك آلات طابعة ملونة في البدايات كانت غالية جداً ، لتصميم البروشولات ، تصميم أغلفة الكتب ، يمكن أن نستخدمها ، وأن نربح أرباحاً طائلة ، أما لو استخدمناها لتزوير العملة ، ماذا نقول ؟ استخدمناها لخلاف ما صنعت له ، هذا عمل ممنوع ومحرم ، وعليه عقوبات .
العقل حيادي ، هو جهاز بالغ التعقيد ، بالمناسبة : الدماغ أعقد ما في الكون ، ففي الدماغ 140 مليار خلية سمراء لم تعرف وظيفتها حتى الآن ، وفيه 14 مليار خلية قشرية فيها التذكر والمحاكمة والقرارات ، لذلك نأخذ الآية الكريمة :
﴿ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ﴾
مقدمة الرأس فيها مكان القرار ، فالخطأ يبدأ من مقدمة الرأس
﴿ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ﴾
﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾
مهمةُ العقل لفهم النقل لا للحكم عليه :
العقل ميزة كبيرة جداً ، ولكن العقل مربوط بالباطل ، لو تعارض العقل مع النقل فنحن مع النقل ، الدليل :
لو أيقظنا إنسانًا من قبره قبل خمسين عامًا ، وأريناه قرصًا مدمجًا ، أنا عندي قرص فيه 1800 عنوان ، والعنوان الواحد فيه 70 مجلدًا ، وتقرأ كل هذه الكتب في ثوانٍ معدودة ، هذا شيء لا يصدق قديماً ، فهذا الذي مات قبل خمسين عامًا لا يصدق هذا ، أما اليوم فهو شيء مألوف ، لأن العقل مربوط بالواقع ، لكن الله سبحانه وتعالى مطلق .
إذاً : العقل علاقته بالنقل أنه من أجل أن نفهم النقل ، وأن نتأكد من صحة النقل ، أما أن يكون العقل حكماً على النقل فهذا مستحيل ، لأن العقل محدود بالواقع ، بينما النقل متعلق بالمطلق .
الأستاذ أحمد :
خاتمة وتوديع :
في نهاية هذه الحلقة نشكركم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، ونتوجه للإخوة المشاهدين بالشكر الجزيل على حسن المتابعة ، سائلين الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يجعلنا أهلاً لحمل الأمانة التي من أجلها استخلفنا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .