- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
تفسير قوله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله ...
أيها الأخوة الكرام ؛ في الآية الكريمة وهي قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
في هذه الآية ملمح دقيق جداً .
تمهيد :
هذا الملمح أقدم له بمثل :
ثلاث محلات تجارية ، أو أربع محلات تجارية ، فارغة من كل شيء إلا لها لوحات لو فرضنا كتب على الأولى حراير ، أجواف ، ألبسة جاهزة ، المحلات ما فيها شيء إطلاقاً ، فقط فيها يافطات ، اختلاف هذه اليافطات لا قيمة له إطلاقاً ، ليس هناك بضائع أبداً .
يعني الإنسان بحكم ولادته مسلم ، هذا مسيحي ، هذا يهودي ، بحكم الولادة ، بدون حركة ، بدون التزام ، دون فهم ، دون اعتقاد ، دون استقامة ، دون تطبيق ، هذه الاختلافات في العناوين مع فقد المضامين لا قيمة لها إطلاقاً .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى ﴾
والعلمانيون لا دين لهم .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ﴾
ما شأنهم هؤلاء ؟
الآن من هؤلاء جميعاً :
﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾
الإيمان الذي يحمله على طاعته ، علامة صحة الإيمان أن يحملك على طاعة الله من آمن بالله إيماناً يحمل صاحبه على الطاعة .
﴿ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
ومن آمن باليوم الآخر إيماناً يمنعه أن يؤذي مخلوقاً ، ومن آمن بالجنة فجعل ثمنها في الدنيا عملاً صالحاً .
﴿ َ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
يعني فهمنا للدين إن لم يكن كما ينبغي لا قيمة له ، فلابد من أن نؤمن بالله إيماناً أثره طاعة الله ، ما في طاعة ، الإيمان ماله قيمة .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
فالإنسان إن لم يتبع رسول الله معنى ذلك أنه لا يحب الله ، استنباط قطعي .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
يعني الشيء بالشيء يذكر :
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء ﴾
الخلطاء : الأقرباء ، أو الشركاء ، أو الجيران ، يعني من جمعك به سبب ، إما قرابة أو زمالة ، أو جوار .
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
يكون شريك ضعيف ، والشريك الثاني قوي ، يأخذ الوكالة باسمه ، ويجعل شريكه خارج قوس .
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾
والاستنباط الذي يرتعد له القلب الذي يبغي على شريكه ليس مؤمناً .
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء ﴾
قد يكون وريث ، أخ أكبر أخذ كل شيء ثمين لحاله ، وترك الفتات لأخوته ، هذا خليط ، أخ يعني ، أو شريك ، يعني أي سبب جمعك مع إنسان قد يكون جوار ، قد يكون قرابة ، قد يكون زمالة .
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾
استنبط العلماء أن الذي يبغي على خليطه ، أو على شريكه ، أو على قرينه ، أو على قريبه ، ليس مؤمناً ، بنص الآية ، لذلك :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ﴾
اليهود
﴿ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ﴾
اللادينين ، هم عند الله سواء لأن الانتماء وحده لا يقدم ، ولا يؤخر ، ثلاث محلات تجارية بضائع ما فيها ، إطلاقاً ، أما اليافطات مختلف ، اختلاف هذه العناوين لا يقدم ولا يؤخر .
﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾
الإيمان الذي يحمله طاعة الله .
﴿ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
آمن باليوم الآخر الإيمان الذي يمنعه أن يؤذي مسلماً ، أن يؤذي إنساناً .
(( ليس منا من غَشَّ ))
وفي نص :
((مَن غَشَّنا فليس منا ))
النص الأوسع :
(( ليس منا من غَشَّ ))
لو غشيت مجوسي ، لست من رسول الله ، ليس منا من أشد أنواع التخويف .
(( ليس منا من غَشَّ ))
لو واحد مجوسي غششته ضحكت عليه ، أوهمته بشيء غير صحيح ، الآن احياناً يكون قماش وطني ، في شريط ماء ذهب يشتروه مكتوب عليه صنع في إنكلترا ، يضعوه على طرف الثوب ويكوه بالمكواة بيطلع ، هذا أجنبي أختي تفضلي ، لا تقرأي أجنبي أنت ؟ وطني ومن نوع متدني جداً ، مكتوب صنع في إنكلترا ، هذا تزوير ، وقول الزور ، أو كتابة زور ، أو إيهام زور فلذلك :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
من هؤلاء جميعاً ، إيماناً يحمله على طاعته .
﴿ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
آمن باليوم الآخر إيماناً يمنعه أن يؤذي مخلوقاً ، وآمن أنه مخلوق للجنة ، فعمل عملاً صالحاً كثمن للجنة ، قال هؤلاء وحدهم :
﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
الآية الثانية ، الإنسان أحياناً يعرض عليه بيت فيرى سعره غالياً ومساحته قليلة ، فلا يشتريه ، يعني يرفضه ، تعرض عليه فتاة كي يتزوجها يعلم علماً يقينياً أن أخلاقها غير لائقة ، فرفضها ، أنت قد ترفض مليون شيء بحياتك ، ترفض شراء بيت ، شراء سيارة ، ترفض شراكة مع شخص غير مستقيم ، فأنت من حقك أن ترفض مليون شيء ، إلا أنك إذا رفضت هذا الدين ، عفواً ترفض مئة شيء احتقاراً له ، إلا إذا رفضت الدين تحتقر نفسك ، هذه خلاف ، الآية :
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
حينما ترفض هذا الدين إنك تحتقر نفسك .
بالمناسبة أخوانا الكرام ؛ نحنا باللغة في عنا فعل لازم : نام فلان ، وفي عنا فعل متعدي أكل فلان التفاحة ، فالأول لازم لا يحتاج إلى مفعول به ، والثاني متعدي وتأثيره يصل إلى اسم منصوب ، والفاعل مرفوع مفعول به منصوب ، في عنا عدد كبير جداً من الأفعال ، ليس لازماً ولا متعدياً اسمه فعل قاصر ، نجيب مثل :
واحد طويل القامة ، ومعلق بالسقف فاكهة ، موز معلق ، فهو طوله كافي أن يصل إلى الموزة ويأكلها ، هذا فهل متعدي ، وواحد قصير جداً لا يصل لهذا الموز ، هذا الازم ، الثالث جاء بعصاية ، وحاول عن طريقها عملها مسمار ونزل موزة وأكلها ، الفعل الثالث فعل قاصر يتعدى بحرف جر ، معنى الفعل متعلق بحرف الجر ، رغبت في : أحببته ، رغبت عنه : كرهته تضع في لها معنى ، تضع عن الرفض ، الله قال :
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾
الذي يرفض أن يكون مؤمناً ، أو أن يكون ديناً ، أو أن يؤمن بالله الإيمان الحق .
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
لمجرد أن ترفض هذا الدين العظيم إنك تحتقر نفسك ، يؤكد إنسانتك أن تخضع لهذا الإله العظيم ، وحينما لا تخضع له إنك تحتقر نفسك .
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
أخوانا الكرام في ملمح دقيق جداً في هذه الآية .
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي ﴾
مفرد .
﴿ مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
معنى ذلك الحق لا يتعدد ، ارسم نقتطين ، وإتِ بمسطرة ، وصل بينهما بخط مستقيم خط ثاني يأتي فوقه تماماً ، خط ثالث فوقه تماماً ، لو رسمت مليون خط ، المليون خط تأتي بعضها فوق بعضاً ، بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، فالحق لا يتعدد ، لكن ممكن أرسم مليون خط منحني بين نقطيتين ، قوس خفيف ، قوس أشد ، مليون خط منحني ، أو مليون خط منكسر ، بين نقطتين ، فإذا رمزنا للحق بالمستقيم الحق لا يتعدد ، والباطل لا ينتهي ، لذلك :
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي ﴾
مفرد .
﴿ مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
الباطل متعدد ، في مليون باطل ، البوذية فيها بطلان ، العلمانية فيها بطلان ، الإلحاد في بطلان ، يعني أي مذهب حاز عن الحق ، لذلك دققوا في هذه الملاحظة ، عمرك الإنساني المتواضع يعني ستين سبعين سنة هذا العمر لا يحتمل إلا أن يستوعب شيئاً واحداً ، أما استيعاب الباطل مستحيل ، لو فرضا قلنا لك هذه الديانات نريدها بشرق آسيا ، مثلاً البوذية ، إذا بدك تتبحر تحتاج عشرين سنة ، كيف هذا المذهب نشأ ، يا ترى أصله نبوي ، في أنبياء ظنهم الناس آلهة فعبدوهم من دون الله ، في هيك نظرية ، استيعاب دين معين يحتاج عشرين سنة
فأنت عمرك المحدود لا يتيح لك إلا أن تستوعب شيئاً وواحداً وهو الحق الإسلام ، إن استوعبته ما سواه الباطل أما لو بدك تستوعب الباطل الطريق مسدود ، لأن الباطل متعدد ولا ، البطولة أن تستوعب الحق .
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
فالباطل متعدد ، والحق واحد ، الآن :
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
الذي يتبع هدى الله عز وجل ، لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه .
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
في آية ثانية بسورة أخرى :
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
اجمع الآيتين ، الذي يتبع هدى الله عز وجل ، لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، ماذا بقي من السعادة ؟ هذا الدين ، يعني إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني أنت على حق ، الآية الأولى :
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
الأولى : اتبع .
فالذي يتبع هدى الله عز وجل ، فلا يضل عقله ، ولا تسقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت .
لذلك قالوا : المعركة بين حقين لا تكون ، مستحيل ، لأن الحق لا يتعدد ، وبين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، وإذا كان الله معك فمن عليك ، وبين باطلين لا تنتهي راحت مع العمر ، المعركة بين حقين لا تكون ، وبين حق وباطل لا تطول ، وبين باطلين لا تنتهي .
لذلك كلمة الحق بالقرآن وردت مئات المرات ، ما هو الحق ؟ بأدق تعريفات الحق الشيء الثابت والهادف ، أنت تريد إنشاء جامعة ، هذه الجامعة وجدت لتبقى ، أنا معي شهادة من جامعة بريطانية عمرها خمس مئة عام ، هذه جامعة ، أما السرك أسبوعين وينتهي ، خيمة ما في داعي لبناء أحجار ، الباطل لا يطول زائل وعابث ، دقيق ، الباطل عابث ، يعني لعب ، عمل لا جدوى منه لكن للتسلية ، متعة ، واحد أعمال بلهوانية ، وفيل ، وبعض الوحوش الكاسر بالسرك موجود ، هذا السرك ، يعني أشياء ممتعة وطارئة ، وموقتة ، والحق الشيء الثابت والهادف ، ثابت وهادف ، الجامعة هدفها بالأصل أن تنشئ ، أو أن تربي قادة للأمة ، لكن ببعض الدول النامية المتخلفة قال الجامعة مدرسة ، يدخلها الطالب جاهلاً متواضعاً يخرج منها جاهلاً متكبراً ، فالجامعة هادفة ، وأنشئت لتبقى ، أما السرك عابث ، تسلية ، وموقت ، أنشئ ليزول ، فالحق ثابت وهادف والباطل عابث وزائل .