- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (031)سورة لقمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الله عز وجل يملك ويتصرف وإليه المصير:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الحادي عشر من سورة لقمان.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
عظمةُ كلام الله تعالى:
الآن في آية أخرى تلو هذه الآية، يقول الله عز وجل:
أسرار أجهزة الإنسان:
قد يعقد مؤتمر لأطباء القلب، يقال لك: إن في هذا المؤتمر سبعة آلاف محاضرة، وكل عدد من المحاضرات في جانب من جوانب القلب، ولا يزال ما نجهله عن القلب أكثر مما نعلمه عنه، وهو القلب، يا ترى عضلاته، طبيعة عضلاته، طبيعة دساماته، طبيعة كهربائه، طبيعة حركته، عجب عجاب، قل مثل هذا في المعدة، والجهاز الهضمي، قل مثل هذا في جهاز التصفية، قل مثل هذا في جهاز العضلات، الإنسان كائن عظيم، إنه أعظم ما في الكون.
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر؟
* * *
والإمام الشافعي يقول:
من أسرار الخلية:
تشعر أمام أنظمة بالغة الدقة، يقولون لك: إن كل ما في الحياة أساسه الخلية، والخلية عبارة عن جدار وسائل ونواة، هذا الجدار ليس كتيماً، وليس مفتوحاً يقبل الرشح من ماء الخلية إلى ماء خلية مجاورة، وأنّ كل سرّ الخلية في هذه النواة، وأنّ في النواة نوية، وأنّ سرّ السرّ في النوية، وأنّ هناك شريطاً لا يمكن لهذا المجهر الذي بين أيدينا أن يكتشفه إلا بمجاهر إلكترونية، هناك شريط عليه معلومات، قد تزيد معلومات الشريط عن خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة في أوقات محددة تشكل المخلوق إنساناً أو حيواناً أو نباتاً، الخلية أساس وحدة وظيفية للكائن الحي.
وقد يدرسون في أعوام كثيرة الخلية فقط، ما علم الله عز وجل؟ الآن اكتشف أنه ليس هناك زمر دموية فحسب، بل هناك زمر نسيجية، وتكاد الزمر النسيجية تزيد عن ألفين وخمسمئة مليون زمرة، أي لا يوجد في الأرض إلا زمرتان متشابهتان فقط، بحوث كلما امتد العقل البشري وكلما ازدادت البحوث والكشوف أطلعونا على شيء لا يصدق، كنا نعد النجوم عدداً.
أسرار النجوم:
هناك الآن مراصد ترصد هذه النجوم، هناك مراصد ترصدها لا من أشعتها، بل من أصواتها، ستة عشر مليون سنة ضوئية بين مجرة اكتشف حديثاً وبين الأرض. ماذا أقول؟ ماذا أقول قي الفلك أم في الذرة؟ في المجرة أم في الذرة؟ في النبات أم في الحيوان؟
الطيور آية من آيات الله الدالة على عظمته:
هذا الطائر الذي يطير بجناحين حتى في هذه اللحظة لا يستطيع علماء الطيور أن يعرفوا سرّ هجرتها، بماذا تهتدي؟ أتهتدي بالضوء؟ حجبوا عنها الضوء فسارت وفق المسار الصحيح، أتهتدي بالتضاريس؟ حجبوا عنها التضاريس، أتهتدي بالتعلم؟ عزلوها عن أمهاتها، كلما فرضوا فرضية جاءت الوقائع تناقض هذه الفرضية، آخر فرضية لهجرة الطيور أنها تتحرك بإيقاعات خفية من جهة مجهولة، إيقاعات خفية تتحرك من خلالها، هذا الطائر يقطع سبعة عشر ألف كيلو متر، ويصل إلى عشه، أية زاوية يأخذها هو في جنوب أفريقيا، وعشه في دمشق في الصالحية، في أحد أحيائها القديمة، في بيت عربي قديم، في طرف السقف، كيف ينطلق هذا الطير من جنوب إفريقيا متجهاً نحو الشمال، لو أنه حاد عُشر درجة لجاء في العراق، لو حاد عشرها نحو اليسار لجاء في مصر، لو حاد أقلَّ من ذلك لجاء في مدينة تدمر، كيف يصل الطير إلى عشه الدقيق؟ وقبل أن يبدأ الطيران يجدد جناحيه تجديداً كاملاً، وقبل أن يبدأ الطيران يقبل على الطعام إقبالاً عجيباً، ويطير الطائر ستاً وثمانين ساعة من دون توقف، ولا يزال علم الطيور في بداياته.
قرأت مرة مقالة عن الطائرة، في مقدمة المقالة يقول الكاتب: إن أعظم طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطائر، زوده الله بعظام مفرغة مراعاة لخفة الوزن، والريشة فيها العجب العجاب، فيها متانة وفيها خفة وزن عجيبة، وفيها إمكان تبديلها باستمرار، وبين الجناحين توازن يأخذ بالألباب، ولهذا الطائر خواص، الهواء الذي يستنشقه الطائر أثناء الطيران لا يصل إلى رئتيه فحسب، بل يتغلغل في كل أنحاء جسمه، وحتى أظلاف رجليه، لأن هذه القدرة العجيبة في الحركة تحتاج إلى تبريد، وتبريد المحركات علم قائم بذاته، صنع الله الذي أتقن كل شيء، هذا عن الطائر فماذا عن الأسماك؟
الأسماك:
الأسماكُ زودها الله بخط في قسمها الأعلى تعرف في أي لحظة أين هي من سطح الماء، جهاز ضغط، أنبوب مفرغ من الهواء، وزودها بجهاز توازن تعرف إلى أين جهتها نحو الأعلى أم نحو الأسفل؟ حفرة صغيرة في رأسها، وبعض حبات الرمل، وأعصاب حساسة، فإذا انتقلت حبات الرمل إلى جهة أخرى إذاً هي مقلوبة، تعرف وضعها من هذا الجهاز.
الشيء الذي يكشفه العلماء عن مخلوقات الله عز وجل فيه العجب العجاب، لذلك التفكر في الكون أقول لكم كلاماً دقيقاً: أقصر طريق إلى الله عز وجل، وأوسع باب، إذا أردت أن تدخل من أوسع الأبواب، وأن تسلك أسهل الطرق فتأمل مخلوقات الله عز وجل، ابدأ بجسمك.
العين وحدها يمكن للإنسان أن يصل من خلالها إلى الله:
هذه العين يخرج منها عصب فيه تسعمئة ألف عصب، وكل عصب له غلاف كي تكون الصورة نقية، وفي الشبكية مئة وثلاثون مليون عصية، وفي العين طبقات، وللعين ضغط، وللعين ماء، وللعين عدسة مرنة، لا يتسع المجال للتفصيلات، ولكن العين وحدها يمكن أن تصل من خلالها إلى الله، وأن تعرف علمه، وأن تعرف لطفه، وأن تعرف حكمته، وأن تعرف جماله، وأن تعرف قدرته، وأن تعرف ربوبيته، وأن تعرف ألوهيته.
سعَة علمِ الله تعالى:
فيا أيها الإخوة الأكارم، حينما قال الله عز وجل:
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف وتكريم:
على كل الإنسان أعطاه الله فكراً، وسخر له هذا الكون تسخير تعريف، وتسخير تكريم، لا ينبغي أن يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
الخضار والفواكه:
الأنعام تأكل، ولا تفكر، تأكل وكفى، والإنسان الذي يأكل من دون أن يفكر سوف يدفع الثمن باهظاً.
مرة حدثني أخ مُزارع قال: ضمنت حقل بطيخ، قطفت منه كل يوم شاحنة على مدار تسعين يوماً، من صمم هذه الفاكهة حتى تنضج بالتدريج؟ القمح ينضج دفعة واحدة، المحاصيل تنضج في وقت واحد، بينما الفواكه تنضج تباعاً، في الأولى رحمة وحكمة، وفي الثانية رحمة وحكمة.
وربنا عز وجل جعل لكل شيء علامة، العنب إذا اسوّد فاسوداده علامة نضجه، والتفاح إذا اصفر اصفراره علامة نضجه، وكل فاكهة، وكل نبات، أو ثمرة جعل الله لها علامة تدل على نضجها، فما العلامة التي تركها الله عز وجل علامة على نضج هذا البطيخ؟ قال لي هذا المزارع: إن بُعَيد الذَّنَب الذي تتعلق به البطيخة خيط على شكل حلزون، فإذا أمسكه صاحب حقل البطيخ، وضغطه، إذا انكسر فالبطيخة قد نضجت، وإذا بقي طرياً فالبطيخة لم تنضج بعد، هذا التصميم من صممه! كون كامل.
النبات:
قلت اليوم على المنبر: إن في المناطق الجافة نباتات تختزن المياه، يمكن أن تختزن ما يعادل ثلاثة آلاف لتر من الماء، بمجرد أن تقطع بعض فروعها حتى يسيل هذا الماء الصافي العذب، نبات مهمته اختزان المياه، نبات مهمته أن يكون حداً فاصلاً بينك وبين جارك، اسمها في علم النبات: نباتات حدودية، كلها شوك، خضراء اللون، ولها أزهار، ولكنها شائكة، نباتات صممت من أجل الظل، نباتات صممت من أجل الصناعة، أنواع منوعة من الأخشاب، نوع للنوافذ يتحمل الحر والقر والمطر والشمس، وما إلى ذلك، ونوع للأثاث الداخلي، ونوع طري للمعالجة، نوع مرن ومتين قاعدة للآلات، ونوع، ونوع، حدثني بعض الإخوة الذين يعملون في النجارة أن هناك ما يزيد على مئة نوع من الخشب، ولكل نوع صفاته الخاصة وميزاته وخصائصه، هذا علم الله،
الشعر الذي في رأسنا، ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد وشريان وعصب وعضلة وغدة دهنية وغدد صبغية، وأنت لا تدري.
العين، الأذن، اللسان، النطق، لسان المزمار، هذا الذي يعمل ليلاً نهاراً من دون تعب ولا كلل، وأنت نائم يجتمع اللعاب في فمك يتنبه الدماغ، يعطي الدماغ أمراً إلى لسان المزمار فيغلق طريق الهواء، ويفتح طريق المعدة، فيسقط اللعاب في المريء، ومنه إلى المعدة، وأنت نائم لا تدري.
هذه الأجفان تتحرك حركة دورية عجيبة.
الذي أردته من هذه الأمثلة غير المنتظمة طبعاً، أي هناك أمثلة من خلق الإنسان، من خلق الحيوان، من خلق النبات، من خلق المجرات، من خلق الذرة كله إذا درست، وبحثت، ودققت، وحللت تجد العجب العجاب، لذلك يقول الله عز وجل:
الله تعالى عزيز يحتاجه كل شيء في كل شيء:
الابن يحتاج والده في أشياء كثيرة، ويحتاج من يعمل عنده في أشياء قليلة، ويحتاج صديقاً بعيداً في أشياء نادرة، ولكن الله عز وجل يحتاجه كل شيء في كل شيء.
وإذا قلنا عن شيء عزيز يصعب الوصول إليه إذا وصف الله بأنه عزيز فالوصول إليه مستحيل، بمعنى أن تحيط به، تصل إليه ولا تحيط به.
تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة:
إذاً:
هذا تقريب، أحياناً نقول: لا نهاية، هذه كلمة، لكن لو فكرت في اللانهاية فهو شيء يصعب العقل أن يتصورها، تصور مليوناً، مليون مليونٍ، مليون مليون مليون، تصور إنسانًا يقول: مليون مئة سنة، والرقم أكبر، هذا محدود، تصور كيس طحين كل ذرة دقيق مليون سنة، كم مليون سنة هذا الكيس؟ تصور محصول الدقيق في العالم، كل ذرة دقيق مليون سنة مرفوعة إلى قوة (ن)، هذا الرقم مضروب بنفسه مئة مرة، أو مرات غير متناهية، ومع ذلك ليس بإمكانه العقل أن يدرك اللانهاية، وأنت مخلوق لهذا الأبد الطويل، للانهاية، فإذا اشتغلت في هذه الدنيا اشتغلت بالدنيا عن الآخرة فقد اشتغلت بالخسيس عن النفيس، وهذا هو اللهو في تعريفه الدقيق، اللهو أن تشتغل بالشيء الخسيس عن الشيء النفيس، أن تعمل لحياة فانية، وأن تدع حياة باقية، أن تعمل للدنيا، وتدع الآخرة، فلذلك من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً.
ما دام الله بهذا العلم، وتلك القدرة، وهذه الحكمة، قلنا: ما نفدت كلمات الله، الكلمات الدالة على علمه، والكلمات الدالة على أوامره، أوامر الخلق:
﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)﴾
كلمات العلم وكلمات الأمر،
بيان قدرة الله عز وجل في الخَلق والبعث:
وبعد كل هذا أتعجبون أن يعاد خلقكم مرة ثانية يوم القيامة؟ وبعد كل هذا أتشكِّكون في أن يقف الإنسان بين يدي الله عز وجل ليحاسب عن أعماله كلها، يقول الله عز وجل:
(( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ –
ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام، كن فيكون.
أنت إذا توجهت إلى طلب شيء قد تبذل الجهد المضني كي تصل إليه، لو أردت أن تتوجه إلى حلب، تركب السيارة المكيفة المريحة، وتمضي بك ساعات تلو ساعات حتى تصل، يقول بعض العلماء: بمجرد أن تتعلق إرادة الله بشيء يوجد فوراً، هذا معنى كن فيكون، زُل فَيَزول، فلذلك:
﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى
انتهى الأمر.
على كل إنسان أن يعد لكل حركة وسكنة جواباً يوم العرض على الله:
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)﴾
يا إخوان؛ القضية كلها المؤمن يعيش، والكافر يعيش، لكن الفرق الجوهري بين المؤمن وغير المؤمن أن المؤمن يعيش ولا يغيب عنه لحظة أنه سوف يُسأل، وسوف يحاسَب، لذلك أنا إذا تكلمت، وأنتم إذا استمعتم، هذا الكلام الذي ألقيه عليكم، وهذا الإصغاء الذي يبدو منكم، هذا التوجيه حجة لي أو عليّ، وحجةٌ لكم أو عليكم، أنا لي حساب، وأنتم لكم حساب، كيف يحاسَب من يدعو إلى الله عز وجل؟ يقول له الله عز وجل: هل كنت في مستوى دعوتك؟ أمرت الناس بكذا؟ هل سبقتهم أم توانيت عن ذلك؟ وأنتم لكم حساب المستمِع، استمعت إلى الحق هل طبقته؟ إذاً: لا الكلام وحده له قيمة، ولا الاستماع وحده له قيمة، الذي له قيمة أن أطبق أنا وأنتم، كلام يلقى على مسامعكم يُعد حجة عليّ إن لم أطبقه، ويعد حجة عليكم إن لم تستجيبوا له، ويعد حجة لي إن طبقته، وحجة لكم إن طبقتموه، فهنا المشكلة، أي يجب أن تؤمن أنه لابدّ من وقفة بين يدي الله عز وجل، لِمَاذا فعلت؟ لماذا تركت؟ لماذا قطعت؟ لماذا وصلت؟ لماذا عاديت؟ لماذا سالمت؟ لماذا كنت ليناً في الموقف الذي ينبغي فيه أن تكون شديداً؟ ولماذا كنت قاسياً في الموقف الذي ينبغي أن تكون ليناً؟ لِمَ لم تنصف؟ لِمَ لم تعدل؟ لِمَ لم تحسن؟ لِمَ لم تنصح؟ لِمَ لم تستقم؟ لِمَ لم تكن وفياً؟ لِمَ لم تكن مخلصاً؟ فلذلك:
التهديد والوعيد في قوله تعالى: إِنّ اللهَ سَمٍيعٌ بَصِيرٌ:
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)﴾
أنا معكم، أي إذا وصلت إلى مرتبة أن ترى أن الله معك انتهى كل شيء، استقمت على أمره، أخلصت له، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
(( من كانت الدُّنيا همَّه، فرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينَيْه، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه، جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ. ))
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل
* * *
البطل يهيئ جواباً لكل موقف وقفه، إن كنت موظفاً فلك حساب خاص، لماذا عقدت الأمر على فلان؟ لماذا بالغت في مشكلته؟ لماذا جعلته ييئس أن ينال الموافقة من أجل أن تبتز ماله؟ أنا أرى كل شيء، أعلم كل شيء، دخلك لا يكفي، أهذه حجة كافية أن تبتز أموال الناس؟ إذا كنت طبيباً لماذا بالغت في خطورة المرض؟ من أجل أن يأتي إليك دائماً؟ إذا كنت محامياً وتعلم علم اليقين أن هذه الدعوة خاسرة لماذا قبلتها؟ وفي نيتك أن تنبئه بعد سنوات عدة أن الدعوة لم تنجح، وأن القاضي لم ينصف، إن كنت طبيباً، إن كنت محامياً، إن كنت مدرساً تعلم أن هذا الطالب لا يمكن أن ينجح، فلماذا تبلغ أباه أن النجاح قريب؟ من أجل أن تستمر في التدريس؟ لا ينجو إنسان من حساب الله عز وجل، لماذا أعطيت فلاناً وحرمت فلاناً؟ لماذا حابيت هذا الولد وأعطيته فوق ما أعطيت إخوته؟ كل حركة وسكنة، وكل موقف وراءه سؤال، فلذلك:
آيات الله الدالة على عظمته وعلمه:
مرة ثانية؛ يَلفت اللهُ نظرَنا إلى بعض آياته، لتكون هذه الآيات دالة على عظمته، وعلى علمه، وعلى وعده، ووعيده، يقول الله عز وجل:
من مئة سنة، من مئتي سنة، من ألف سنة، وإلى ألف سنة قادمة، في اليوم السادس والعشرين من تموز تغيب الشمس الساعة 6,47، أتظنون أن كل سنة يوجد حسابات؟ لا، مرة واحدة فقط، يطبعونها كل سنة، ثبات عجيب، إذاً:
معجزة الشمس:
أحد ألسنة اللهب في الشمس يزيد على نصف مليون كيلو متر، في سطحها ستة آلاف درجة، لكن في وسطها عشرون مليون درجة، لو ألقيت الأرض في الشمس لتبخرت بوقت قصير تصير كلها بخاراً.
تتسع الشمس إلى مليون وثلاثمئة ألف أرض، وبين الشمس والأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، ومع ذلك يصاب الإنسان بضربة شمس، ويموت على بعد مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، وإذا جئت بعدسة محرقها يحرق الورق، كثير من الحالات حدث حريق من الشمس فقط، حريق غابات، حريق صهاريج بترول من أشعة الشمس فقط، نحن على بعد مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، وهي بهذه الحرارة، منذ متى؟ منذ خمسة آلاف مليون عام، وتستمر حسب قول العلماء إلى خمسة آلاف مليون عام قادمة.
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)﴾
مَن أمدّها بهذه الطاقة؟
الله تعالى خبير بكل شيء:
وجود الله حقيقة ثابتة:
الحق هو الشيء الثابت والباطل هو الشيء الزائل:
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ
الحق ثابت، مهما هبّت على الدين عواصف عاتية هو شامخ كالجبل، لأنه حق، هو الشيء الثابت، كل النظم الوضعية لم تحقق أهدافها، بل ربما أدت بالإنسان إلى عكس الأهداف التي رسمت لها، باطل، أما نظام الله عز وجل.. كتاب الله عز وجل.. دين الله عز وجل فهو ثابت وشامخ، لأنه حق.
إذاً: معنى الحق: الشيء الثابت، ومعنى الباطل: الشيء الزائل، أي هناك شيء يبنى ليهدم، لكن هناك شيء يبنى ليبقى، فأنت إذا كنت مع الحق كنت مع الله.
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾
من لم يكن على الحق فهو يقيناً على الباطل:
مِن معاني أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ:
الله تعالى أكبر من كل شيء:
لكن هناك معنى آخر، إذا قلت: الله أكبر، معنى الله أكبر أنه أكبر مما عرفت، فمهما عرفت عن جلال الله، وعن عظمته، عن قدرته، وعن علمه فهو أكبر.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين