وضع داكن
25-12-2024
Logo
الدرس : 03 - سورة سبأ - تفسير الآيات 6 - 9 الرؤية الصحيحة بمعرفة الحق(القرآن) فالدنيا ممر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس الثالث من سورة سبأ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿  وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ(7) أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ(8)﴾

[ سورة سبأ ]


وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ


1 ـ من صفات أولي العلم إقرارُهم بأن القرآن حق:

 أيها الإخوة، في هذه الآية إشارةٌ دقيقة إلى أن صفات الذين أوتوا العلم، أنهم يرون أن هذا القرآن الذي أُنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلَّم هو الحق. 

2 ـ حقيقة الرؤية:

 كلمة الحق لابدَّ من وقفةٍ عندها، وكلمة الذين أوتوا العلم لابدَّ من وقفةٍ عندها، وكلمة يرى..

 الحقيقة أن الرؤية كما تعلمون نوعان؛ رؤيةٌ بصريَّة، ورؤيةٌ قلبيَّة، رؤية البصر أن ينطبع في شبكيَّة الإنسان خيالٌ، تقول: هذا جبل، وهذه شجرة، وهذا ماء، وهذا زيد، وذاك عمرو، رؤية البصر يستوي فيها كلُّ البشر، بل وأضيف إلى ذلك أن غير البشر يستوون في رؤية البصر، البهائم إذا رأت حفرةً ابتعدت عنها، وإذا رأت ثمرةً أكلتها، فرؤية البصر لا قيمة لها إطلاقاً، لأنها قدْرٌ مشتركٌ بين البشر وغير البشر؛ لكن الذي يتميَّز به الإنسان هو رؤية القلب، رؤية القلب أشار إليها القرآن الكريم فقال:

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)﴾

[  سورة الحج  ]

 رؤية القلب حينما تستقيم على أمر الله، أو حينما تتعرَّف إلى الله وتستقيم على أمره، يقذف الله في قلبك نوراً ترى به الخير خيراً، والشرَّ شراً. 

3 ـ المُقدِم على معصية الله أعمى البصيرة:

 هذا الذي أقدم على سرقة الأموال هو أعمى، لو رأى مصيره لما أقدم على هذه السرقة، وهذا الذي أقدم على الزنا هو أعمى، لو رأى مصير الزنا، وبشاعة هذا العمل، والخيانة التي لا تحتمل، والعقاب الأرضي السريع، وغضب الله عزَّ وجل عليه لمَا فعله، إذاً يجب أن نعلم علم اليقين أنه ما من إنسانٍ على وجه الأرض يُقْدِمُ على اتباع شهوةٍ محرَّمةٍ إلا وهو أعمى، لا نقول: أعمى العينين؛ بل نقول: أعمى القلب، والدليل أن الله سبحانه وتعالى وصف المعرضين بأنهم في عمى، قال:

﴿  وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126)﴾

[  سورة طه  ]

 أي كذلك كنت أعمى في الدنيا.

 إذاً ما البطولة؟ أن تتفتَّح بصيرتنا، ما البطولة؟ أن تصحَّ رؤيتنا، ما البطولة؟ أن نرى الحقَّ حقاً والباطل باطلاً، ما البطولة؟ أن نرى ما وراء الأشياء، وأن نرى مؤدَّى الأشياء، أن نرى عاقبة الأشياء. 

4 ـ الندم على شيء ناتج عن عدم رؤية الحقيقة:

 من العاقل؟ العاقل هو الذي يصلُ إلى نتائج الأشياء قبل أن يصلَ إليها، والعقل ما مؤدَّاه؟ أو ما ثماره الطيِّبة؟ أنك لا تندم على شيءٍ فعلته أبداً، ما دام هناك ندمٌ على شيءٍ فعلته، أو على شيءٍ لم تفعله، فأنت لا ترى الحقيقة، أنت ترى صور الأشياء، ولا ترى حقائقها، ترى مظاهر الأشياء، ولا ترى مؤدَّاها، ترى مقدِّماتها، ولا ترى نتائجها، ترى الدنيا، ولا ترى الآخرة، ترى مقتبل العمر، ولا ترى خريف العمر.

 أرأيتم إلى مقياسٍ دقيقٍ، وهو أنك إذا ندمت على شيءٍ فعلته، أو على شيءٍ لم تفعله، فاعلم علم اليقين أن رؤيتك غير صحيحة، رؤيتك ضبابيَّة، في رؤيتك خلل، بصيرتك ليست نافذة، والدليل أن الله سبحانه وتعالى يصف أهل الكفر حينما يواجهون حقيقة الموت..

﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

[  سورة ق  ]

 سيدنا علي كرَّم الله وجهه قال: <<والله لو كُشِفَ الغطاء ما ازددت يقيناً>> .

 ويقول الإمام عليٌّ كرَّم الله وجهه: <<الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين>> .

 المعوَّل عليه هذه الرؤية، الذي يأكل مالاً حراماً ماذا يرى؟ هو أعمى، لا يرى أن الله سيتلفه مع هذا المال، لو رأى رأي العين أن الله سيتلفه مع هذا المال لمَا أكل هذا المال الحرام، والذين يعتدون على أعراض الناس، لو رأوا نتائج أعمالهم لمَا فعلوا ذلك، والذين يغشُّون الناس في عمىً، فأيّ خروجٍ عن منهج الله دليل العمى، لأنه لا يمكن أن تعتدي إلا وأن تُحاسب، لا يمكن أن تأخذ ما ليس لك إلا وأن تُحاسَب.

فالبطولة أن ترى، أن ترى الواحد الديَّان المطَّلع على قلوب العباد، البطولة أن ترى أن كل هذه المخلوقات حسيبها الله عزَّ وجل، البطولة أن ترى أن كل الربح في طاعة الله، وأن كل الخسارة في معصية الله، هذه الرؤية، ماذا ترى؟ اجلس مع عامة الناس، إذا كان محتالاً يعد هذا ذكاءً، وإذا اغتصب شيئاً ليس له يعدُّ هذا كياسة وذكاءً، وإذا استطاع أن يوهم الناس، وأن يأكل أموالهم بالباطل عدَّ هذا تفوُّقاً وفلاحاً، إذاً هو أعمى، ما دام يرى هذه الرؤى الضبابيَّة المهزوزة هو أعمى. 

5 ـ مطابقة الرؤية للشرع من تمام البصيرة:

 متى يكون الإنسان بصيراً؟ إذا جاءت رؤيته مطابقةً للشرع، فلماذا يكذب الإنسان؟ لأنه يرى في الكذب نجاةً، لو رأى أن الكذب سوف يجعله في الحضيض لما كذب، ولماذا ينافق الإنسان؟ لأنه يرى في النفاق فوزاً، أما لو رأى أن المنافق صغيرٌ عند الله، صغيرٌ عند الناس لمَا نافق، إذاً: يجب أن نعلم علم اليقين أن كل انحرافاتنا أساسها ضعفٌ في رؤيتنا، وأن ضعف الرؤية أساسه بعدٌ عن الله عزَّ وجل، لأن:

﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)﴾

[ سورة النور ]

 من معاني هذه الآية: إنك إذا أقبلت عليه نوَّرَ قلبك، فتجد أن المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون، لذلك انضباطه أساسه رؤية.

 مثل تقريبي: الطبيب الذي يرى بأمِّ عينيه في المخبر فعل الجراثيم، والأمراض الوبيلة التي تسببها الجراثيم، والإنتانات المعويَّة، والتقرُّحات الجلديّة، والمتاعب التي لا حدود لها بسبب تلوُّث الأطعمة بالجراثيم، الطبيب إذا رأى أحداً يأكل فاكهةً ليست نظيفةً، له رؤية لا تراها أنت، هو يرى مؤدَّى هذا الطعام، وما يسببه من آلام، ومن أمراض، ومن متاعب، فالعلم نورٌ، أنت إذا تعلَّمت العلم فممّا يلازم هذا العلم النور، أنت إذا استمعت إلى كلمةٍ تُلقى على مسامعك فيها أغلاطٌ كثيرةٌ جداً، قد لا تكشف الأغلاط، لأن العلم بقواعد اللغة محدود عندك، أما لو تمرَّست في قواعد اللغة لكشفت كل الأغلاط، إذاً العلم نور، إذا طلبت العلم، وإذا تعلَّمت العلم، كان هذا العلم بشكلٍ أو بآخر نوراً يقذفه الله في قلبك.


ما من صفة في الإنسان إلا وفي الحيوان مثلها أو أكثر:


 أيها الإخوة الأكارم، يجب أن نعلم علم اليقين أنه لحكمةٍ أرادها الله عزَّ وجل، ما من صفةٍ ماديةٍ أودعها الله في الإنسان، إلا وجعل من مخلوقات الله غير الإنسانيَّة ما يتفوَّق بها عليه، فإن قلت لي: إن الإنسان ينظر بعينيه أقل لك: الصقر يستطيع أن يرى على بعد عشرات الكيلو مترات، وهو في أعالي الجو فريسته وهي على الأرض، الصقر مزوَّد بقدرة إراءة تزيد ثمانية أمثالٍ عن ما يراه الإنسان، وهناك حيواناتٌ أودع الله فيها قوة شمٍ تزيد مليون ضعف على قوة شم الإنسان، وهناك حيواناتٌ أودع الله فيها قوة سمعٍ تزيد عشرات المرات عن قوة سمع الإنسان.

 ما من صفةٍ ماديَّةٍ يتصف بها الإنسان إلا وفي بقية المخلوقات ما يتفوَّق بها عليها؛ إلا أن الإنسان ميَّزه بالعلم، ميَّزه بالعقل، ميزه بالقوة الإدراكيَّة، لذلك قالوا: رتبة العلم أعلى الرُتَب، إن الله عالمٌ يحب كل عالِم، ما أودع الله في الإنسان هذا العقل إلا كي يُعْمِلَهُ في الكون، إلا كي يرى به الحق حقاً والباطل باطلاً، إلا من أجل أن يجعله دليلاً على معرفة الله عزَّ وجل، فالعقل كما عرَّفه بعض العلماء: أداة المعرفة، ومناط التكليف والمسؤوليَّة، لذلك:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)﴾

[  سورة آل عمران ]

 لا تسمَّى من أولي العلم إلا إذا رأيت عدالة الله عزَّ وجل، لا تسمى من أولي العلم إلا إذا رأيت هذا القرآن هو الحق.

6 ـ الشكوك والأوهام منافية للرؤية الصحيحة:

 ﴿وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ ما دام هناك شكوكٌ في جدوى تطبيق القرآن في هذا الزمان، ما دام هناك شكوك في أن القرآن لم يعالج كل القضايا التي نعاني منها اليوم، فأنت لست من أولي العلم، لأن أولي العلم يرون أن الذي أُنزل إليكَ من ربِّك هو الحق.

 مرَّةً ثانية: الحق، حَقَّ الشيء أي ثبت واستقر، الحق: الشيء الثابت، والشيء الهادف، عرفنا الحق من الباطل، الباطل: هو الشيء الزائل، فالحق هو الشيء الثابت، الباطل هو الشيء العابث، فالحق هو الشيء الهادف، إذاً: كل شيءٍ وُجِدَ ليبقى، ويبقى ليؤدِّي هدفاً كبيراً هو حق، إذاً هذا القرآن حق، بمعنى أنه مطابقٌ للواقع، فأية نظريَّةٍ، وأية فكرةٍ، وأي مذهبٍ، وأي مبدأٍ يُذاع بين الناس لا يطابق الواقع هو باطل، لكن القرآن الكريم مطابقٌ للواقع، وإذا شئت تعريفاً دقيقاً للحق هو: ما كان مقطوعاً به.

 كلكم يعلم أنك إذا ظننت في شيءٍ، أو إذا كان الشيء غير ثابت، قد يكون وهماً، وقد يكون شكاً، وقد يكون ظناً، وقد يكون غلبة ظنٍ، لكن الشيء المقطوع به هو الذي ينطبق على الواقع مائة في المائة.

 فالحقيقة هي الشيء المقطوع بها، المطابقة للواقع، التي عليها دليل..

((  إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ  ))

[ سنن الدارمي ]

((  يا ابن عمر، دِينك دينك، إنما هو لحمك ودمك فانظر عمن تأخذ، خذ الدين عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا. ))

[ الألباني بسند ضعيف ]

7 ـ العمل الصالح هدف صاحب الرؤية الصحيحة:

 فالقضيَّة قضية مصير، فإذا كان في ذهنك أوهام، وخرافات، وأضاليل، وتُرُّهات، ونظريات ليست حقيقيَّة، فالقضيَّة خطيرة جداً، لو اعتقدت شيئاً غير صحيح، وانطلقت به في الدنيا، ثمَّ جاء ملك الموت، فاكتشفت أنه باطل، هذه مشكلة كبيرة، لو ظننت أن المال هو كل شيء، فأمضيت كل شبابك في كسب المال، إلى أن اكتشفت في خريف العمر أن المال ليس كل شيء، هو شيء، ولكنَّه ليس كل شيء، ثمَّ اكتشفت عند نزول القبر أن المال ليس شيئاً إطلاقاً، الشيء الوحيد هو العمل الصالح.

 لو ذهب رجل إلى مكان الماس رخيص جداً فيه، فإذا عاد من هذا المكان ولم يشتر، ماذا يقول؟ ليتني اشتريت، أما إذا كان في بلده خبز، وهناك في خبز فلا يقول: يا ليتني اشتريت خبزاً من هناك، أنت تندم حينما تغادر بلداً ما على أثمن ما فيه، لا على أتفه ما فيه، فهذا الذي يغادر الدنيا على ماذا يندم؟ يقول:

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[ سورة المؤمنون ]

 لا يندم على شيءٍ من الدنيا؛ بل يندم على العمل الصالح، لذلك هذا الذي يرى أن العمل الصالح هو كل شيءٍ في الدنيا، هو الذي يتمتَّع برؤيةٍ صحيحة، لأنه مخلوق في الدنيا من أجل أن يعمل عملاً صالحاً يلقى الله به، ويسعد به إلى أبد الآبدين.

 فملخَّص الدين كلِّه: أنك تعرفه، فتتقرَّب إليه، فتسعد بقربه إلى الأبد، هذه هي القضيَّة، المعرفة أولاً، والعمل ثانياً، والسعادة ثالثاً، المعرفة أساس السعادة.

 أقول لكم بكل اطمئنان وبكل ثقة: إن الطريقَ الوحيدة إلى الله عزَّ وجل هي العلم، أية حركةٍ قبل أن تتعلَّم حركةٌ لا معنى لها، حركةٌ طائشة، حركةٌ ليست هادفة، حركةٌ ليست مُنضبطة، أية حركةٍ قبل أن تتعلَّم، لأنك إذا تعلَّمت، وعرفت، جاء عملك وفق معرفتك، جاء عملك له هدفٌ كبير، إذاً العلم طريق، والعمل وسيلة، والهدف هي السعادة.

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)﴾

[ سورة هود ]

8 ـ السعادة هدفُ صاحب الرؤية الصحيحة:

 يجب أن تؤمن أن الله سبحانه وتعالى خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة، وكل ما ترى عينك من المصائب ليست مقصودةً لذاتها، المصائب كلُّها مقصودةٌ لغيرها، قد تنشئ ثانويَّة أو جامعة، ثانويَّة تجهزها بالمخابر، تجهِّزها بمكتبة رائعة جداً، بالصفوف الواسعة المضيئة، بالتدفئة المركزيَّة، بالمقاعد الصِحيَّة، كل ما فيه راحة هذا الطالب، في موقعٍ بعيدٍ عن الضوضاء، المواصلات، المكتبة، المخابر، الملاعب، قاعات الرياضة المُغلقة، وقد يضطر مدير هذه الثانويَّة أن يعاقب طالباً مقصِّراً، فيقول هذا الطالب: إنما أُنْشِئت هذه المدرسة كي يضربونا، لا، الضرب في هذه الثانويَّة ليس مقصوداً لذاته، المقصود أن تكون عالِماً، أن تُربَّى تربيةً صالحةً، أن تكون مستنيراً، أن تكون مثقَّفاً، هذا هو المقصود، فإذا كان في هذه الثانويَّة بعض أنواع العقاب، فهذا العقاب ليس مقصوداً لذاته، بل هو مقصودٌ لغيره، هذه الرؤية الصحيحة.

 فالمؤمن ماذا يرى؟ يرى أن الإنسان خُلِقَ ليسعد، أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليسعده في الدنيا والآخرة، لكن لماذا المصائب؟ لماذا الأحزان؟ لماذا الفقر؟ لماذا التضييق؟ لماذا الشدة؟ لماذا هذا العذاب، قال: هذا العذاب ليس مقصوداً لذاته؛ بل هو مقصودٌ لغيره، هو عملية معالجةٍ وإصلاح، هذه الرؤية الصحيحة، أما الذي يقول لك: إن الله عزَّ وجل خلقنا من أجل أن يعذِّبنا، جلَّت مشيئته، هذا لا يرى إنه أعمى، لا يرى الحقيقة، فلذلك اجلس مع إنسان دقائق، تكتشف أنه لا يعرف الحقيقة، تكتشف أنه في ضلال مبين، هذا الذي يرى الدنيا كل شيء لا يرى شيئاً، ربنا عزَّ وجل قال:

﴿  يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7)﴾

[  سورة الروم  ]

 حتى الدنيا ما عرفوا أجمل ما فيها، لهذا قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إليها، وخرجوا منها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها". 

 إنَّ أطيب شيءٍ فيها هذا الاتصال بالله عزَّ وجل، هذا الاتصال بالله يُسبغ على حياتك كلها سعادة، تجد الإنسان عمله ومهنته واضحة، في حياته قيَم، هذا يفعله وهذا لا يفعله، ينصح المسلمين في عمله، لا يكذبهم، لا يغشُّهم، ولا يدلِّس عليهم، يراهم إخوةً له، يقدِّم لهم أثمن شيءٍ بسعرٍ معتدل، هو في عمله سعيد لأنه يرضي الله عزَّ وجل، في بيته سعيد، في علاقاته كلِّها سعيدٌ جداً، لماذا؟ لأنه يعمل عملاً يرضى الله به عنه، فما دام عمله يرضي الله عز وجل فهو على اتصالٍ ما به، هذا الاتصال سبب سعادته.

الذي أتمنَّاه على كل أخٍ كريم، أن أيَّ شيٍ آخر غير العلم هو قاسمٌ مشتركٌ بيننا وبين بقيَّة المخلوقات، ولا فضل لنا به عليهم، لكن الذي تفوَّق به الإنسان هو القوَّة الإدراكيَّة، هذه القوة الإدراكيَّة قد يستخدمها الإنسان لمصالحه الدنيويَّة، فيكتشف عند الموت أن هذا العقل العظيم الذي وهبه الله إيَّاه إنما سخَّره لكسب المال فقط، وللإيقاع بين الناس، ولو سخَّره لمعرفة الواحد الديَّان لكان عقله سبباً في سعادته. 

إذاً: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ماذا يرون؟ أن ﴿الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ مضي السنين، وتتالي الشهور لا يغيَّر الحقَّ شيئاً، انظر الآن ما سوى الحق ـ الباطل ـ أحياناً ينهز، أحياناً يتداعى كبيت العنكبوت، أحياناً يعتنق الإنسان نظريَّة أو مذهباً طوال حياته، يكتشف بعد حين أنها ليست صحيحة، أنها باطلة، تهاوت كما يتهاوى بيت العنكبوت، لكنك إذا كنت مع الحق، فالحق شامخٌ كالجبال، لا يتأثَّر لا بالأعاصير، ولا بالعواصف، ولا بالضيق المادي، ولا بالفقر الشديد، ولا بالقهر، هو فوق القهر والفقر والضيق وكيد الأعداء، لأنه حق، ثابت، الشيء الثابت، الهادف، الشيء المقطوع به،  المطابق للواقع، الشيء الذي تؤكِّده الفطرة، الشيء الذي يرضى به العقل، الشيء الذي يؤكِّده النقل.

 فأنا أقول لكم: الحق ما أيَّده النقل، هذا النقل القرآن، نقلٌ عن الله عزَّ وجل، القرآن والسُنَّة توضيحٌ وتبيينٌ للنقل، هذا هو النقل، والحق ما أقرَّ به العقل، وهو مقياسٌ أودعه الله فينا، والحق ما ارتاحت إليه الفطرة، والحق ما أيَّده الواقع، فأنت إذا كنت مع الحق أي مع العقل، ومع النقل، ومع الفطرة، ومع الواقع.

 أيليق بالإنسان أن تتقاذفه أهواءٌ، أن تتقاذفه نظرياتٌ باطلة، أن تتقاذفه ظنونٌ واهمة، أيليق بالإنسان أن يضحي بشبابه من أجل فكرةٍ مغلوطة، أو من أجل مبدأ هَدَّام، أو من أجل نظريةٍ خاسرةٍ وخائبة؟ فهذا الذي قاله النبي الكريم: (يا ابن عمر، دِينك دينك إنما هو لحمك ودمك، فانظر عمن تأخذ، خذ الدين عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا) .


كلُّ حركة أساسها تصوُّر:


 أيها الإخوة الأكارم، أية حركةٍ تتحرَّكها أساسها فكرة، أساسها تصوُّر، وعقيدة، إذا اعتقدت أن الله لن يحاسب الناس حساباً دقيقاً، فتقول: يا أخي الله غفور رحيم، ترى نفسك تتساهل في غشِّ الناس، وفي الكذب عليهم، والاحتيال عليهم، من أين جاء الاحتيال والكذب والغش؟ من عقيدةٍ فاسدةٍ مؤدَّاها أن الله لن يحاسب الناس على أعمالهم، حينما تعتقد خطأً أن النبي عليه الصلاة والسلام سيشفع لكل أمَّته شفاعةً تامَّةً، مهما فعلوا من معاصي سوف يأخذ بهم إلى الجنَّة، الشفاعة حق؛ ولكنَّها ليست بهذا المفهوم الساذج، إذا اعتقدت خطأً هذا الاعتقاد رأيت نفسك منساقاً إلى بعض المعاصي والتُرُّهات، إذا اعتقدت أن هذا النبي العظيم ـ سيدنا يوسف ـ همَّ بها، هو نبيٌّ عظيم وهمَّ بها، إذا فسَّرت الآية الكريمة:

﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24)﴾

[ سورة يوسف ]

 تفسيراً باطلاً مغايراً للواقع، مغايراً لأصول اللغة، مغايراً لأعلام المفسِّرين، إذا فسَّرت هذه الآية على أنه همَّ بها، أي أنه أقدم على هذا الفعل الشنيع، لكن في الأخير تذكَّر، هذا الاعتقاد الفاسد قد يدفعك إلى بعض الانحرافات الأخلاقيَّة، تقول: أنا لست نبياً، لكنك إذا اعتقدت أنه همَّ بدفعها وهمَّت بإغرائه، أو ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ وقف ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ إذا فهمت الآية فهماً صحيحاً، فهماً حقيقياً، لا تسمح لنفسك أن تفعل شيئاً لا يرضي الله عزَّ وجل، إذاً يجب أن تعلم أن أيَّةَ عقيدةٍ زائغةٍ، أن أي تصورٍ واهمٍ، أن أي خلل في عقيدة الإنسان له مضاعفاتٌ خطيرة، فقد يخطئ الطيار في إلقاء القنبلة وهو في الجو ميليمترات، فإذا هي في الأرض بكيلو مترات، الخطأ دائماً يتفاقم، فحينما تعتقد خطأً عقيدةً زائغةً، هذه العقيدة الزائغة قد تنقلب إلى معاصٍ كثيرة، أو إلى انحرافاتٍ خطيرة.

 فلذلك البطولة أن ترى رؤيةً صحيحة، البطولة أن يقذف الله في قلبك نوراً، وهذا النور الذي يقذفه الله في القلب لن تناله إلا بطاعة الله، والإقبال عليه، البطولة أن ترى الخير خيراً والشرَّ شراً، البطولة أن تفعل فعلاً لا تندم عليه أبداً، حينما تندم، معنى ذلك أن فعلك ليس صحيحاً، إذا ندمت على فعلٍ فعلته أو على فعلٍ تركته، معنى ذلك أن هناك خللاً في الرؤية واضحاً.

 إذاً: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾


الشهادات العلمية لا تنفع مع المعصية:


 لكن لو نال إنسان أعلى الشهادات وهو غارقٌ في المعاصي والآثام، أليس عالماً؟ الجواب: لا بكل تأكيد، لأن بعض الأئمَّة الكرام كالإمام الغزالي، يرى أن العلم الذي ورد في القرآن الكريم، وفي السُنَّة المطهَّرة هو العلم بالله.

 فأن تتقن صنعةً، أو تنال شهادةً، وهذه الصنعة إتقانها، وهذه الشهادة نيلها لا يعني أنك عالمٌ بالله عزَّ وجل، هذا موضوع جزئي أتقنته، لكن المهم أن تتعرَّف إلى الله عزَّ وجل، وأن تجعل من عملك مطابقاً لما خُلِقْتَ له، إذاً: يمكن أن نقول: فلان ليس ذكياً، ولو كان يحمل أعلى الشهادات، من هو العاقل؟ هو الذي عرف الله عزَّ وجل، واستقام على أمره.

 إذاً: حينما تنظر إلى الدنيا نظرة جزئيَّةً، وحينما ترى المال كل شيء، واللذَّة كل شيء، والتفوُّق الاجتماعي كل شيء، وحينما تغيب عن آخرةٍ أبديَّةٍ لا تنتهي، وحينما تحصر كل طاقاتك في كسب المال فأنت لست عالِماً، لأنك أغفلت الحياة الأبديَّة، أنت حينما تتعامل مع كل القوى في الأرض، وتنسى الجبَّار الأعلى، وتنسى الواحد القهَّار الذي بيده كل شيء فأنت لست عالِماً.

 أنا لا أريد أن أقول: إن هذا ليس علماً، ولكن لا تغترَّ بشهادةٍ نلتها، ولا بعلومٍ حصَّلتها وأنت مقيمٌ على معصية الله، يجب أن تعلم علم اليقين أنك لمجرد أن تعصي الله فأنت لا تعرفه، وبالتالي فأنت لست عالِماً، لا يمكن أن تسمَّى عالِماً إلا إذا عرفت الله عزَّ وجل، وعرفت منهجه، واستقمت على أمره، أما إذا جعلت كل جهدك في الدنيا، وغبت عن آخرةٍ سرمديَّةٍ، هذا دليل الجهل.

 إذاً: وقفتنا في هذه الآية: أن البطولة أن ترى، أن يتفتَّح قلبك، أن تتفتَّح بصيرتك، أنْ ترى أنّ الفلاح كل الفلاح في طاعة الله، وأن الخسارة كل الخسارة في معصية الله، هذا مقياس لنا، فهل ترى أن فلاناً أو زيداً حصَّل مالاً وفيراً بطرقٍ غير مشروعةٍ، هل تقول: هنيئاً له يا أخي الله أعطاه؟ إذا قلت هذا الكلام فاحكم على نفسك بالجهل قطعاً، هل إذا قيل لك: فلان يسهر في المكان الفلاني، وله مغامرات كذا وكذا، وله ليالٍ حمراء، وليالٍ خضراء، هل تتمنَّى أن تكون مكانه؟ إذا كنت كذلك فاحكم على نفسك بالجهل تماماً، لأنك لا تعرف الله، ولا تعرف أن هذا الإنسان المنحرف الضال سيدفع ثمن انحرافه باهظاً، هذه رؤية.

ما من إنسان يقدِم على معصيةٍ إلا ويرى أنها مَغْنَمٌ، لكن الذي يرى رؤيةً صحيحة يرى ما في المعصية من خزيٍ أمام الله عزَّ وجل، ومن خزيٍ يوم القيامة، ومن إتلافٍ لماله، ومن إتلافٍ لصحَّته، ومن إتلافٍ لمكانته، فيرى الشرَّ كلَّه في معصية الله، فهذا مقياسنا.

 حينما ترى أن في الطاعة مغرماً فأنت لا تعرف شيئاً، وحينما ترى أن في المعصية مغنماً فأنت لا تعرف شيئاً، هذا مقياس الرؤية.

 فقيمة النصوص إذا رافقتها رؤية، مثلاً ربنا عزَّ وجل قال:

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[ سورة الأحزاب  ]

 إذا رأيت الفوز في طاعة الله إذاً لك رؤيةٌ تطابق هذه الآية، فإن رأيت الفوز في كسب المال، إن رأيت الفوز في أن تركب سيارةً فارهةً جداً، إن رأيت الفوز أن تمتلك بيتاً فخماً، إن رأيت الفوز أن تمتلك حديقةً غَنَّاء، إن رأيت الفوز في غير طاعة الله، فاحكم على نفسك أن رؤيتك ليست صحيحة، ويجب أن تعلم علم اليقين أن الذي يحرِّك الإنسان هو رؤيته.

9 ـ القرآن حقٌّ:

 ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ هذا القرآن ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾ هو الدستور، لا أعتقد إنساناً يشتري آلة غالية جداً، كمبيوتر مثلاً، عظيمة النفع، تدرُّ عليه أرباحاً طائلةً، ويذهب إلى جاره الأمي ليسأله عن طريقة استعمال هذا الكمبيوتر، مستحيل، هذا الجهاز المعقَّد لا تسأل عن تشغيله إلا الشركة الصانعة، الخبراء الذين صمَّموه، وحينما تستشير جاهلاً في قضيَّة زواجك، وحينما تستشير بعيداً عن الله عزَّ وجل في اختيار صنعتك وحرفتك، أنت بهذا أغفلت الخالق، أغفلت تعليمات الصانع، فلذلك الله عزَّ وجل قال: 

﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾

[  سورة لقمان ]

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾

[  سورة الكهف ]

 إيَّاك أن تستشير فاسقاً، إياك أن تستشير معرضاً، إياك أن تستشير غافلاً، إياك أن تستشير أهل الدنيا، إنهم ليسوا خبراء في نفسك، إنهم ينطلقون من الهوى، لكنَّك إذا استشرت كتاب الله عزَّ وجل في كل حركةٍ وسكنة، فأنت مع تعليمات الصانع، فببساطة أنت كائن معقَّد جداً، له خالق، وخالقك له هذه التعليمات، فإما أن تستعملها فتحفظ حياتك من كل عطبٍ، وإما أن تدعها فتعرِّض نفسك لكل المهالك، قال: 


وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ


 ﴿وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ هذا القرآن إذا اتبعته يهديك، الآن تقول: هذا الطريق إذا سلكته يهديك إلى حلب، أما هذا الطريق إلى درعا، هذا الطريق إلى بيروت، معنى يهديك أي يوصلك، هذا القرآن حبل الله المتين، إن تمسكت به وصلت إلى الواحد الديَّان، هنا قال الله عزَّ وجل: ﴿وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ﴾ .

1 ـ العزيز:

 فمن هو العزيز؟ الذي لا يُغْلَب، هو القهَّار الذي لا يُنال جانبه، أي الذي يحتاجه كل شيءٍ في كل شيء، هو العزيز الذي لا يُغلب، لا يُنال جانبه، فما قولك إذا اتبعت هذا القرآن وصلت إلى خالق الأكوان، وصلت إلى الواحد القهَّار، وصلت إلى الجبَّار الأعلى، وصلت إلى العلي المُتَعَال، وصلت إلى من بيده كل شيء.

2 ـ الحميد:

 ﴿وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ لكن مع أن الله عزيزٌ لا يُغْلَب، ولا يُنال جانبه، يحتاجه كل شيء في كل شيء، ومع ذلك فهو لا يفعل إلا الكمال، الحميد، أي أن كل أفعاله يُحْمَد عليها، فأحياناً من أجمل ما في كتاب الله هذه الأسماء الحسنى التي تأتي مثنى مثنى، أحياناً الإنسان يكون قوياً، فإذا كان قوياً لا يبالي بخصومه، يفعل ما لمصلحته، يفعل كل شيءٍ لصالحه، ولا يبالي بسمعته، لا يبالي بأن يرحم الناس، لأنه قوي، قال: هذا عزيزٌ بشكل أو بآخر، ولكنه ليس حميداً، وقد ترى إنساناً حميداً، وديعاً، لطيفاً لكنَّه ضعيف، ما الذي يشدُّك إليه؟ أن تكون هذه الجهة قويةً وفي الوقت نفسه كاملةً.

 القوة من دون كمال مخيفة، والكمال من دون قوة موضع عطف وشفقة، أحياناً إنسان طيِّب، فيقولون عنه: طيب، درويش، لكنه ضعيف لا يستطيع أن يفعل شيئاً، هذا الإنسان الضعيف الطيب الساذج أنت تعطف عليه؛ لكن لا تعظِّمه، وهذا القوي الجبَّار المنحرف، الذي يوقع الأذى بالناس تخافه ولا تحبُّه، وذاك تعطف عليه ولا تعظمه، لكن أن تكون هذه الجهَّة قويَّةً إلى درجة أنه لا يُنال جانبها، وكاملةً إلى درجة أن كل أفعالها تُحْمَد عليها، هو الله عزَّ وجل، إذا تلوت القرآن وطبَّقته أوصلك إلى العزيز الحميد.

 الآن أهل الكفر استهزاءً ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ .


وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ


إنكار البعث:

 الإنسان بعد أن يموت تصبح عظامه تراباً، يصبح لحمه تراباً، لو فتحت القبر لا ترى فيه شيئاً إلا بعض العظام، هؤلاء الكفَّار أنكروا البعث ـ بعث الأجساد من قبورها، أنكروا اليوم الآخر، فاستهزؤوا ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ المقصود بهذا الرجل هو النبي عليه الصلاة والسلام ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ أي يخبركم عن يوم القيامة، وعن البعث والنشور، وعن الحساب والعذاب، وعن الجنَّة والنار، كل هذا بعد الموت، بعد أن يصبح الإنسان رميماً؟

﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)﴾

[  سورة يس  ]

﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ*أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾


بَلْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ


 انظر إلى هذه الآية ما أعظمها ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ﴾ النفسي ﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ في عذابٍ نفسي، لأن طبيعة الحياة الدنيا صُمِّمَت لتكون مرحلة إعدادٍ للآخرة، فمن جعلها كل شيء كان فيها مُعذَّباً.  

1 ـ الدنيا مرحلة إعدادٍ:

 أيها الإخوة الأكارم، هذه الدنيا التي نحن فيها مصمَّمة تصميم أن تكون مرحلة إعدادٍ لحياةٍ أبديَّة، أما الذي جعلها نهاية الآمال ومحطَّ الرحال، وجعلها كل شيء، وأرادها أن تكون مكان استمتاعٍ، وسعادةٍ ماديَّةٍ فقد وقع في ضلالٍ كبير.

 مثلاً: قاعة الدرس مصمَّمة من حيث مقاعدها الخشبيَّة، والجو غير الدافئ جداً، مصمَّمة لتكون مكاناً للدراسة والانتباه، فمن أراد أن يستلقي، فلا يوجد مكان ليستلقي فيه، من أراد أن يرتاح، أن يأكل، أن يشرب، أن يستمع إلى شيءٍ يُشَنِّفُ آذانه، هذه القاعة ليس فيها ما يشنِّف الآذان، وليس فيها مقاعد وثيرة، هي مُهيأة للانتباه للمعلِّم، فالحياة الدنيا: 

أولاً: الحياة قصيرة، لاحظوا أن الإنسان كي يستطيع أن يستقر في منزل يملكه، ويكون عنده دخل ثابت، وعنده في البيت زوجة، يحتاج إلى أربعين سنة، وفي سن الخامسة والأربعين بدأت الأمراض، في الستين العظام نخرت، كل الحياة متاعب، ومصممة للتعرف إلى الله بها، فلما تجعلها دار استقرار، هي ممر وليست مقراً، إذا جعلتها مقرّا أتعبتك كثيراً، فمن خدم دين الله خدمته الدنيا، ومن خدم الدنيا استخدمته، من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله سائر همومه، بشكل أو بآخر "إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لا يفرح لرخاء، ولا يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى". 

 تجد الدنيا مشحونة بالمتاعب، إما بخلاف زوجي مستحكم، أو دخل قليل، وأولاد كُثر، أولاد نجباء والزوجة سيئة جداً، أو الأولاد صالحون والزوجة سيئة، أو بالعكس، أو أمراض، صمِّمت الحياة الدنيا لتكون دار ممر وليست مقرَّاً، لذلك الآية الكريمة:

﴿بَلْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ الذين جعلوا كل همهم في الدنيا، جعلوها نهاية الآمال، محطَّ الرحال، جعلوا حياتهم كلها دُنيا، قال: ﴿فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾

2 ـ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ

 في العذاب، الآية الكريمة:

﴿  فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

[  سورة الشعراء  ]

﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ هو في متاهة، يتخبَّط خبط عشواء، لذلك من عرف حقيقة الدنيا نقل كل اهتمامه للآخرة، هذا الذي وعده الله وعداً حسناً فهو لاقيه، هذا الوعد الإلهي الحَسَن يمتص كل متاعب الدنيا، يمتص زواجاً غير ناجح، يمتص دخلاً قليلاً، يمتص بعض العلل في الجسم، كل متاعب الحياة الدنيا يمتصُّها هذا الوَعْدُ الحسن، أما إذا الإنسان ليس له آخرة، فحياته كلها معذَّبة، لذلك من صفات أهل الدنيا أنهم معذَّبون، إذا قال لك أحدهم: أنا أشقى الناس، صدِّقه، لأن الله يقول:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ(124)﴾

[  سورة طه ]

 لن ترى في الأرض كلِّها، رجلاً سعيداً وهو بعيد عن الله عزَّ وجل، هذا مستحيل ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ لذلك:

﴿ أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ(9)﴾

[ سورة سبأ ]


أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ


 أي ألا يرون أنهم في قبضتنا؟ إلى أين تهرب؟

﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمْ الأَرْضَ﴾ زلزال، مدينة وادعة، حالمة، أبنية فخمة، شوارع عريضة، إضاءة، حدائق غنَّاء، ملاهٍ، كل شيء في أوجه، وبطرفة عين أصبحت تحت الأرض، فالعبارة الدقيقة: أنت في قبضة الله، بأي ثانية يجعل حياة الإنسان جحيماً، فهذا الذي في قبضة الله؛ قلبه بيد الله، ورئتاه بيد الله، وكليتاه بيد الله، وشرايينه، وأعصابه، وعضلاته، ودماغه، وأجهزته، وغدده، وزوجته، وأولاده، وعمله، ودخله، وأعداؤه، وأصدقاؤه، وكل من حوله كلُّهم بيد الله، وأي تغيير طفيف في عمل الأجهزة جعل حياة الإنسان جحيماً، ما دمت في قبضة الله كيف تعصيه؟ والله سؤال خطير، ما دمت في قبضة الله دائماً، كيف تجترئ على معصيته؟ قال: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمْ الأَرْضَ﴾ تارةً صواعق، تارةً براكين، تارةً زلازل، تارةً فيضانات، تارةً صقيع، خرب المحصول كله بثوانٍ..

﴿  فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19)﴾

[  سورة القلم  ]

 الأمطار إذا اشتدَّت جرفت كل شيء، والرياح إذا اشتدَّت قلعت كل شيء، فأنت في قبضة الله؛ من باب الماء، ومن باب الهواء، والأمطار، والثلوج، مستشفى واحدة في دمشق استقبلت مائة وستة وخمسين إنساناً أصيبوا بكسور في أيَّام الثلج، الماء صار كلَّه كالبلور، نحن في قبضة الله عزَّ وجل، كل شيء تعطَّل في الثلوج..

﴿أَفَلَمْ يَرَوْا﴾ إننا في قبضة الله، مدن بأكملها غمرتها البراكين في العصور السابقة، كُشِفَت فجأةً، في إيطاليا، مدينة في أوج نشاطها، ثمانية أمتار غبار بركاني أحرقها وأماتها، الآن يكشفون الآثار، نحن في قبضة الله دائماً.

فيا أيها الإخوة، كيف نعصي الله ونحن في قبضته؟ على ماذا نستند؟ ما الذي نؤمِّل؟ على من نعتمد؟

﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمْ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنْ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾


خاتمة:


 فهذا الدرس فيه ثلاث مراكز ثِقَل:

 أول مركز: يجب أن تتمتَّع برؤيةٍ صحيحة، هذه الرؤية الصحيحة هي نورٌ يقذفه الله في قلبك، إذا عرفته، واستقمت على أمره رأيت الحقَّ حقاً والباطل باطلاً، ومن تمتَّع برؤيةٍ صحيحة لا يندم على شيءٍ فعله، ولا على شيءٍ تركه، وهذه بطولة، ألاّ تقول: يا ليتني قدَّمت لحياتي ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ يا ليتني فعلت كذا وكذا، ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً، هذه البطولة.

 الشيء الثاني: إذا كنت مع الحق ما عندك مفاجأة أبداً، إذا كنت مع الباطل فعندك كثير من المفاجآت، هذا الباطل سوف ينهار، أما إذا كنت مع خالق الكون، مع منهج الله عزَّ وجل، سنة، وسنتين، وخمس، وعشر، وسبعين سنة، والحق حق والباطل باطل، ليس لديك مفاجآت في حياتك، لا تجد نفسك تقول: والله ما كنت أعرف، لا أنت كنت تعرف.

النقطة الثالثة: أنك إذا طبَّقت هذا القرآن وصلت إلى الواحد الديَّان، هو العزيز، هو القهَّار، هو الذي أمره نافذٌ، مشيئته واقعة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أنت مع القوة الوحيدة في الكون.

 والفكرة الرابعة: إذا جعلت الدنيا كل همِّك، كنت فيها ضالاً معذَّباً أبداً، هي ممر وليست مقراً.

 وآخر فكرة: أنت في قبضة الله فكيف تعصيه؟


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور