- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (053)سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الأصنام التي كانت تُعبد من دون الله:
أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث من سورة النجم، ومع الآية التاسعة عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)﴾
أيها الأخوة الكرام؛ قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان في الجزيرة العربية أصنامٌ كثيرة، من أشهرها:
دعوة الله الإنسان للتفكر في الأصنام التي نحتها بيده:
الذي يعنينا من هذا أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ﴾ إنه يدعونا إلى التأمُّل في هذه الأصنام، لا تنفع ولا تضر، أحجار لا تقدِّم ولا تؤخِّر، لا تملك الحياة، ولا تملك الموت، ولا تملك الرزق، ولا تعطي ولا تأخذ، ولا ترفع ولا تخفض، ولا تملك شيئاً.
﴿ قَالَ
تنحتونها أنتم وتعبدونها من دون الله!! أي هذا الكلام قد يضيق وقد يتسع، قد يضيق حينما نرى صنماً في عهد رسول الله قبل البعثة يُعْبَدُ من دون الله، أما حينما يعبد الإنسان شهوته فهذا شرك موسَّع.
معاني الشرك:
الشرك له معانٍ كثيرة، من معانيه الضيقة أن تتخذ إلهاً من دون الله تعبده مع الله، من معانيه الواسعة أن تعتمد على مخلوقٍ مثلك، أن تعقد الآمال على مخلوقٍ مثلك ضعيف لا ينفع ولا يضر، فالشرك الجلي انتهى مع بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، بقي الشرك الخفي، الرياء شرك خفي:
(( من علق تميمة فقد أشرك. ))
أي علَّق شيئاً يتوهَّم أنه يمنعه من الموت، هذا الذي يعلِّق حدوة فرسٍ مثلاً ماذا يقصد بها؟
الإشراك هو اعتماد الإنسان على جهة غير الله اعتماداً كلياً:
أيها الأخوة الكرام؛ كما قلت قبل قليل: ولَّى زمن الشرك الجلي، ونحن كمسلمين لا نؤخذ إلا من الشرك الخفي، أحياناً إنسان يعلِّق آماله على ابنه، يعقد عليه كل الآمال؛ غداً يكبر ويعمل، ويكون له دخل كبير، أنا أستريح، إذا اعتمد على ابنه فقد أشرك، قد يسخِّر الله له عدواً يخدمه، أما إذا اعتمد على جهةٍ غير الله اعتماداً كلِّياً ونسي الله فقد أشرك، فكيف إذا عصى الله من أجل هذه الجهة؟ هذا أبلغ، إن اعتمدت على جهةٍ غير الله فقد أشركت، أما إذا عصيت الذي خلقك من أجل أن ترضي جهةً غير الله هذا هو الشرك الذي رافقته المعصية، لذلك:
(( عن عائشة أم المؤمنين:
الدين عبادة وتوحيد:
أيها الأخوة؛ الإنسان كما يتمنَّى أحياناً الشرح والتفصيل، يتمنَّى أحياناً الإيجاز، أي إذا أردت أن تضغط الدين كلَّه بكلمتين، هناك عشرات الألوف، بل مئات الألوف، بل ألوف الألوف من المؤلَّفات في الإسلام، إذا أردنا أن نضغط كل هذه المؤلَّفات بكلمتين أنا أقول لك: التوحيد والعبادة.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
﴿
هذا كلام إدراكه سهل، كلمة لا يوجد إلا الله، هذه المقولة إدراكها سهل، لكن شتَّان بين أن تدركها وبين أن تعيشها.
الله تعالى بيده كل شيء:
أنت في حياتك أشخاص أقوياء، تريك عينك هذه أنهم يفعلون ما يريدون، يقرِّبون ويبعدون، يعطون ويمنعون، يرفعون ويخفضون، يغضبون ويرضون، وأن الدنيا بيدهم أحياناً، هذه العين تريك أن هناك أشخاصاً بيدهم الأمر، لكنك إذا تعمَّقت في فهم الدين، وتعمَّقت في التأمُّل في ملكوت السماوات والأرض لا ترى إلا الله.
﴿
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ
جو التوحيد لا يعيشه إلا من ذاقه:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ
﴿ اللَّهُ
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ
﴿
هذه الحقائق إذا أدركتها عشت في جو آخر، جو التوحيد لا يعرفه إلا من ذاقه، أكثر الأمراض النفسية أسبابها ضعف التوحيد، الخوف المرضي ضعف توحيد، القلق ضعف توحيد، النفاق ضعف توحيد، الرياء ضعف توحيد، الوساوس المتسلِّطة ضعف توحيد، إنك إن وحَّدت الله عزَّ وجل، ورأيت أن بيده كل شيء، وأنه القوي، وأنه الغني، وأنه العادل، وأنه الرحيم، وأنه المعطي، أي:
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ
هو المعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو الذي يقرِّب، هو الذي يُبعد، هو الذي يوفق:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ
المؤمن الناجي من عذاب الله هو المؤمن الموحد:
لا يتحقَّق هدفٌ على وجه الأرض صغيراً كان أو كبيراً إلا بتوفيق الله،
﴿
لا يوجد داع، هذه المعاني أيها الأخوة إذا تعمَّق بها الإنسان صار مؤمناً، الحقيقة الإيمان دائرة تتسع فتتسع وتتسع وتتسع إلى أن تشمل كل إنسانٍ قال: لهذا الكون إله، وتضيق وتضيق حتى يُعدُّ المؤمن الناجي هو الموحِّد، من مات غير مشركٍ أصابته شفاعة رسول الله، طبعاً مرَّةً ثانية: أخوف ما أتخوف على أمَّتي الشرك الخفي، أما إني لستُ أقولُ إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله.
المسافة الكبيرة بين إدراك عقيدة التوحيد وبين تطبيقها:
لا شكَّ أنك إذا قرأت أن اللات والعزَّى آلهة تُعبد من دون الله تسخر وتستسخف هؤلاء الذين فعلوا ذلك، لأن عهد الشرك الجلي قد انقضى، وإن كان هناك شركٌ جلي في بقاعٍ شتَّى من الأرض، بوذا يُعبَد من دون الله، الهندوس، والسيخ، واليابانيون، وكل شعبٍ تائهٍ ضال شارد يعبد إلهاً من دون الله، لكن الله سبحانه وتعالى تفضَّل علينا بعقيدة التوحيد، عقيدة التوحيد كفكرة سهلٌ إدراكها، أما أن تعيشها مسافةٌ كبيرةٌ جداً وبونٌ شاسعٌ بين أن تدرك عقيدة التوحيد وبين أن تعيشها، إن عشت عقيدة التوحيد صرت إنساناً آخر، الدليل:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
التوحيد يريح، والشرك يعذِّب، المشرك معذَّب دائماً لأنه يخاف من قِوى كثيرة، هذه القوى لا تحبُّه، ولا تتمنَّى له الخير، ويراها قويةً جداً، أمره بيدها، مصيره بيدها، رزقه بيدها، نماؤه بيدها، تراجعه بيدها، فإذا أدركت أن إنساناً من بني جلدتك أمرك بيده وهو لا يحبُّك هذا أكبر مصدر عذابات الإنسان.
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾
تكريم الله تعالى للإنسان بدين الإسلام:
لذلك:
أربٌ يبول الثعلبانُ برأسه!! لقد ضلَّ من بالت عليه الثعالبُ
* * *
معقول؟!! قبيلة اسمها (ودّ) صنعت إلهاً من تمر، فلمَّا جاعت أكلته، أهذا إلهٌ؟! الإله يؤكل؟ وإذا ذهبت إلى شعوب الأرض شرقاً وغرباً لرأيت ما لا يصدَّق، سبعمئة وخمسون مليوناً يعبدون البقر من دون الله، وأكبر قطيع بقرٍ في العالم في الهند، والبقرة في الهند مقدَّسة، يوضع روثها في غرف البيوت في الأعياد، يُتعطَّر ببولها، إن دخلتْ إلى بقَّالٍ وأكلت من الفاكهة ما لذَّ وطاب فهو من أسعد الناس، لأن الإله دخل إليه وأكل من عنده، شعوب، والسيخ، والهندوس، وهناك شعوبٌ تعبد ذكر الرجل، وهناك شعوب تعبد الجُرْذان، وهناك شعوب تعبد موج البحر، الله جلَّ جلاله كرَّمنا بالإسلام، وكرَّمنا بعبادة الواحد الديَّان، وكرَّمنا بالحقيقة.
المؤمن الحق من يؤمن بأن الله تعالى فعّال لما يريد:
لذلك طبعاً نحن على مستوى العالم الإسلامي نحن بخير، عقيدة الشرك الجلي لا وجود لها إطلاقاً والحمد لله، لكن يشكو بعض المسلمين أو يقع بعض المسلمين وهم لا يشعرون بالشرك الخفي، الشرك الخفي قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما معناه أو كما قال كما يقولون: الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحبَّ على جور، وأن تبغِضَ على عدل، أيْ إذا أحببت إنساناً وهو ليس على الحق، جائر، حبُّك له أنّك أشركته مع الله، وإذا تألَّمت من إنسان قدَّم لك النصيحة الصادقة ألمك من هذا الإنسان دليل أنك أشركت نفسك، وأبيت أن تعترف بذنبك، فأن تتألَّم من نصيحةٍ مخلصة، وأن تُوادد إنساناً منحرفاً هذا من الشرك الخفي.
فلذلك إخواننا الكرام؛ والفكرة دقيقة جداً: أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً هذا يؤمن به عامَّة الناس، ما من إنسانٍ إلا قلَّة قليلة جداً عطَّلت عقلها، ما من إنسانٍ فيه ذرَّة عقلٍ إلا ويقول: هذا الكون له خالقٌ عظيم، حتى إنّ عُبَّاد الأوثان يقولون:
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
معنى ذلك أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً هذا شيء مفروغ منه، حتى إنّ الشيطان الذي أبعده الله ولعنه قال: ربي.
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾
لكن المطلوب ليس أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً، المطلوب أن تؤمن أن هذا الخالق العظيم هو فَعَّال، هو الإله، بيده كل شيء، لا يعزب عنه شيء:
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)﴾
هذا هو الإيمان.
من أساسيات الدين معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى:
لذلك أن تعرف أسماء الله الحُسنى وصفاته الفُضلى هذا شيء من أساسيات الإيمان، ما معنى أن الله إلهٌ فعَّال بيده كل شيء؟ أساساً الآية:
استئثار الكفار بالذَّكر ونسب الأنثى إلى الله عز وجل:
﴿ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)﴾
أنتم تكرهون الإناث وتحبّون الذكور، وتنسبون إلى الملائكة أنهم بنات الله،
﴿ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى(22)﴾
أنت تكره شيئاً فتنسبه إلى خالق الكون، وتحبُّ شيئاً فتؤثره على نفسك، أو تستأثر به، تحب الذكر فتستأثر به وتكره الأنثى فتنسبها إلى الله عزَّ وجل؟
تسمية كل صنم باسمه بعد نحته وجعله إلهاً:
أما الجواب الدقيق:
﴿
نحن عندنا شيء اسمه: اسم ومسمَّى، طبعاً هذه مسجِّلة لها وزن، لها حجم، لها طول، لها عرض، لها بعد ثالث، لها آلية معيَّنة، اسمها مسجِّلة، الاسم كلمات، مقاطع صوتية؛ ميم، سين، جيم، لام، تاء مربوطة، أي مقاطع صوتية، هذا هو الاسم، لكن هذا الاسم يقابله شيء هو المُسَمَّى، فكل اسم له مسمَّى، وكل مسمَّى له اسم، أما هذه الآلهة التي نحتوها بأيديهم، وعبدوها من دون الله، وجعلوها آلهةً، قال الله في حقِّها:
﴿ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)﴾
كلمة إعصار اسم وله مسمَّى، زلزال اسم له مسمَّى، إذا قلت مثلاً: صاعقة، تجد أنها أحرقت مركبة ضخمة، هذه كلِّها أسماء لها مسمَّيات.
عدم فائدة هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع:
أما إذا قلت: اللاَّت، هل خلقت اللّات شيئاً؟ هل أوجدت؟ هل حرَّكت الأفلاك؟ هل أخرجت النبات من تحت الأرض؟ هل أنزلت المياه من السماء؟ ماذا فعلت هذه؟
قيل لأحد الخلفاء من خلفاء بني العبَّاس وأظنّه هارون الرشيد، طلب كأس ماء قال له أحد الحكماء:
الإنسان مهما كان قوياً أمره بيد خالقه العظيم:
الإنسان مهما بدا عظيماً، مهما بدا قويَّاً، مهما بدا حكيماً، مهما بدا ذكياً، يحمل شهادة بورد مثلاً، يملك كذا، حجمه المالي فلكي، يقول لك: أرقام كلها فلكية، بيته من أفخم البيوت، مركبته من أحدث المركبات، كل هذه المكانة وهذا العطاء خثرة دمٍ لا تزيد عن حجم رأس دبوس إذا تجمَّدت في أحد عروق الدماغ تجعله مشلولاً، أو تجعله أعمى، أو يفقد ذاكرته، أو يفقد توازنه، ما هذا الإنسان؟! كل قيمة الإنسان تتوقف على خثرة دم مجمَّدة في رأسه، شيء مخيف إذا قال لك الطبيب: خثرة في الدماغ، أي انتهى، تنتقل من مكانٍ إلى آخر، مكان الذاكرة، مكان الحركة، مكان الإدراك، مكان التصوُّر، مكان الرؤية، مكان السمع، مكان الشم، أي مكان مدمِّر، خثرة دم، إذا انسد شريان عند إنسان يحتاج إلى فتح قلب، وإلى عملية قلب مفتوح، وإلى أخذ شريان من ساقه، وجراحة تكلِّف الملايين، ما هو هذا الإنسان؟ يقول لك: أنا، من أنتَ؟
الأصنام ليس عندها حجَّة ولا تملك قوَّة:
حدَّثني طبيب يجري عملية قلب مفتوح: المريض يأخذ الأسبرين وهو لا يقول، لم يذكر ذلك للطبيب، العملية بعد أن نجحت الدم مائع ومات بهذه الطريقة، الإنسان على حبّة أسبرين تنهي له حياته إذا لم يمتنع عنه قبل العملية بأسبوعين، حبِّة أسبرين، أنت لو تعرف أن انتقال الإنسان من دار البقاء إلى دار الفناء مرهون بأسبابٍ صغيرةً جداً، والله عزَّ وجل جلَّت حكمته أحياناً المريض يمضي سنوات تلو السنوات وهو طريح الفِرَاش، وأحياناً يُخْطَف خطفاً، وهو في أعلى درجات نشاطه وذكائه ونجاحه يقول لك: سكتة دماغية، ما هو الإنسان؟
الإشراك هو إضفاء صفة القوة والعطاء على غير الله:
قد تجد الابن أحياناً يعبد أباه من دون الله وهو لا يدري، طمعاً بعطاء أبيه يعصي الله إرضاءً لأبيه، هذا الإنسان يُؤَلِّه أباه ويعبده من دون الله، وإنسان آخر يعبد زوجته من دون الله إرضاءً لها، يفعل كل شيء من أجل أن ترضى، أو من أجل أن ترضى عنه، هو يعصي الله، إذاً الإنسان عندما يضفي على المخلوقين صفة القوَّة، وصفة الديمومة والعطاء يكون أشرك وهو لا يدري،
على الإنسان ألا يفرح بالمديح الكاذب لأنه لا يقدم شيئاً:
(( عن أم سلمة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ،
لو استطعت أن تقنع النبي وهو سيدُ الخلقِ وحبيبُ الحقِّ، لو أمكنتك حجَّتك القوية، وطلاقة لسانك، وروعة بيانك أن تنتزع من فمِ النبي حكماً لصالحك ولم تكن محقًّا لن تنجوَ من عذاب الله، وسعنا الموضوع؛ لو أقنعت صاحب حجة قوية، وطلاقة لسان، وبيان رائع، وكنت مع النبي، وذكرت له كل شيء، وقال: معك الحق، لو استطعت أن تنتزع من فمِ النبي حكماً لصالحك ولم تكن محقًّا لا تنجوَ من عذاب الله، فإذاً:
اقتفاء نهج رسول الله وآثاره ترفع الإنسان عند ربه:
يروى أنه حين كان زعيم المنافقين يحتضر طلب وهو على فِراش الموت قميص رسول الله، أعطاه قميصه، وقال عليه الصلاة والسلام: عن أبي هريرة:
(( هذا حجَرٌ رُمِيَ بهِ في النارِ مُنذُ سبعينَ خرِيفًا، فلَهُوَ يَهوِي في النارِ، الآنَ حِينَ انْتهَى إلى قعْرِها. ))
وهو يرتدي قميص رسول الله، وماذا يفعل قميص رسول الله مع إنسانٍ منافق؟ الإنسان لا يعتقد يتمسَّح، إذا تمسَّحت بثوب الكعبة ولم تكن مستقيماً لا ينفعك هذا شيئاً، مرَّة قلت لكم: في إحدى الزيارات للمدينة المنورة صليت في محراب رسول الله، ثم خطر في بالي أن عالماً كبيراً جليلاً له عشرات المؤلَّفات لو كان عنده آذن وقفز هذا الآذن وجلس في مكانه في غيبته وراء مكتبه هل يصبح عالماً؟ لا، هذا الآذن لو درس كتاباً، لو أخذ الكفاءة مشى على طريق العلم، هذا أفضل من أن يجلس في مكانه، طبعاً الذي يرفعك عند الله أن تقتفي أثر رسول الله لا أن تصلي مكان صلاته، ولا أن تتمسَّح بقبره، العبرة أن تقتفي أثره، أن تجعله قدوةً لك، أن تجعله أسوةً لك، فالذي يرفعك عند الله اقتفاؤك للنبي، لا تمسُّحك بأشياء ماديّة لا تقدِّم ولا تؤخِّر، أعطاه قميصه وقال: الآن استقرَّ في جهنَّم حجرٌ كان يهوي به سبعين خريفاً، لكنَّ صحابيًّا آخرَ طلب قميص رسول الله وهو على فِراش الموت، صحابيٌّ جليل، قالوا:
على الإنسان التمسك بما وافق القرآن والسنة:
لا يليق بالإنسان وهو المخلوق الأول أن يعتقد بالخرافات:
نحن بحاجة إلى علم، بحاجة إلى منهج، هذا هو منهجنا، هذا هو كتابنا، هذه سنَّة نبينا عليه الصلاة والسلام، هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الحق فيه مُطْلَق لأنه كلام خالق الكون، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، فالإنسان لا يليق به وقد كرَّمه الله وشرَّفه، وجعله المخلوق الأول، لا يليق به أن يعتقد بالخرافات، والترهات، والأباطيل، والأوهام، والله أنا أستمع إلى أناس يرتادون المساجد، ويحملون أفكاراً لا أصل لها، يعتقدون بالسحر:
(( عن عبد الله بن مسعود قال:
من أتى ساحراً فلم يصدِّقه لم تُقبَل له صلاة أربعين صباحاً، القضية سهلة؟ تتسلَّى؟ الله عزَّ وجل يقول:
﴿
تأخذ أرقاماً، ما هو اسمك؟ اسمي سعيد، السين خمسة عشر، العين ثلاثة عشر، معنى هذا لك مستقبل مظلم، ما هذا الكلام؟ هذه كلها خرافات،
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ
الإنسان الموفق من آمن بالله وعمل أعمالاً صالحة:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
هذا القرآن الكريم،
﴿
حاجة الإنسان إلى مراجعة تصوّراته وأفكاره التي توافق القرآن والسنَّة:
أنت خيرك منك، من استقامتك، وشرَّك من معصيتك فقط ليس من أحد آخر.
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا
هذا الحق.
أيها الأخوة؛ إذاً الإنسان بحاجة إلى مراجعة تصوّراته، مراجعة أفكاره، أفكاره التي توافق القرآن الكريم وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، هذه يتمسَّكْ بها ويعتمدها، في قوله تعالى:
﴿
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾
﴿
سلوك الإنسان غير المبني على آية أو حديث سلوك خاطئ:
إخواننا الكرام؛ بإمكانك أن تركل بقدمك مليار قصة فحواها أن فلاناً يعلم الغيب، هذا الإيمان، خالق الكون يقول لك:
العاقل من لا يقبل إلا الحق:
أحياناً تسمع قصة ليس لها أصل، فحواها فيه ظلم شديد، واللهُ يقول:
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا
﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
في الظاهر هناك ظلم، أما في الحقيقة فلا يوجد ظلم، إذاً الإنسان بحاجة إلى أن يراجع حساباته، يراجع معتقداته، يراجع تصوّراته لأنه:
العقيدة الإسلامية لا تقبل تقليداً بل تحقيقاً:
﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ
أنت خيرك من طاعتك لله، وشرَّك من معصيتك لله فقط، وأي عامل آخر غير صحيح، لا تصدِّق،
الله تعالى لا يعذر إنساناً يتبع إنساناً غير مستقيم:
يجب أن تُحقِّق، يجب أن تدقِّق، إذاً العقيدة لا تُقبل إلا تحقيقاً، ولا تُقبَل تقليداً، ولو قُبِلَت تقليداً لكان كل الذين انحرفوا في عقيدتهم عند الله ليسوا مؤاخذين، يا رب فلان قال لنا هكذا فسمعنا كلامه، كل إنسان إذا كان قد نشأ مع جماعة ولهم رأس، وتكلَّم رأسهم كلاماً غير صحيح، أسقط الصلاة، أسقط كذا، يا رب إننا لا نعلم،
الظن والوهم والهوى مفاهيم تُتبع من دون الله:
الهدى أساس القضاء على الوهم والهوى:
العبرة بالمضمون لا بالأسماء الفارغة التي لا تقدم ولا تؤخر:
محور درسنا اليوم:
وفي درسٍ آخر إن شاء الله تعالى نتابع تفسير الآيات:
﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)﴾
والحمد لله رب العالمين