- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (053)سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
على الإنسان ألا يعبد النجم من دون الله لأنه يتلاشى يوم القيمة:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأول من سورة النجم:
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)﴾
النَجم مُطْلَقُ النجم، ليس نجماً بعينه، هذا النجم الذي في السماء حينما يهوي، أي حينما ينزل وراء الأفق بحكم دورة الأرض حول نفسها، أو حينما يغيب، أو حينما ينتثر:
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)﴾
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)﴾
حينما يغيب عن الأنظار، أو حينما ينزل وراء الأفق، أو حينما ينتثر، هذا النجم لا ينبغي أن يُعبَد من دون الله لأنه يغيب، لأنه يسقط، لأنه يتلاشى يوم القيامة.
الله رب كل شيء في الكون:
المعبود ينبغي أن يكون أزلياً أبدياً، لا أول له ولا آخر له، وقد قال بعض المفسرين:
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)﴾
الشعرى ليس رباً، الله ربه، فأي شيءٍ دون الله عزَّ وجل إذا عُبِدَ من دون الله فهو سيتلاشى، سيغيب.
﴿
معنى هذا أن أيَّ شيءٍ في الكون مهما بدا لنا عظيماً الله ربه، والفناء مآله، إذاً لا ينبغي أن يُعبَد من دون الله، هذه نقطة.
إرسال الله عز وجل الرسول الكريم لهداية الخلق:
النقطة الثانية:
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)﴾
الواو واو القسم، فإذا أقسم الله بالنجم فلِيلفتَ النظر إلى عظمة هذه الآية التي تُجَسِّد أسماء الله الحسنى ؛ القوة والعلم والقدرة، هذا كلُّه يتضح من خلقه، فإذا تجاوزنا أن النجم إذا هوى أي إذا سقط، إذا غاب عن الأنظار، إذا انتثر يوم القيامة، هذا لا ينبغي أن يُعبَد من دون الله، وكأن القرآن الكريم أشار إلى الشِعْرَى بكلمة (والنجم)، وقبل نهاية السورة قال:
رسول الله الذي بعثه الله للعالمين ينبغي ألا تتهموه بالضلال أو الغواية:
أنت أحياناً تقرأ آلاف الكتب، مئات الكتب لكيلا أبالغ، كل هذه الكتب من تأليف البشر، لكن هذا القرآن له شأنٌ آخر، هذا كلام خالق البشر، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، شتَّانَ بين من يقرأ كلام البشر وبين من يقرأ كلام خالق البشر، فالذي خلق الكون كامل، من لوازم كماله أن يبيّن، أن يرسِل، أن ينزِّل الكتاب، فإرساله للرسل، وإنزاله للكتب دليل رحمته، ودليل حرصه على هداية خلقه، ودليل إرادته أن يسعدهم في الدنيا والآخرة.
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى: آية لها عدة معان:
1 ـ الشيء مهما كان عظيماً لا ينبغي أن يُعبَدَ من دون الله:
المعنى الأول: أنَّ شيئاً مهما كان عظيماً لا ينبغي أن يُعبَدَ من دون الله، المعبود ينبغي أن يكون باقياً على الدوام، هو الحيُّ الباقي، ليس من شأن الفاني أن يُعبَد، إنك إن ربطت مصيرك به فحينما يفنى وحينما يغيب أين أنت إذاً؟
2 ـ النجم آية من آيات الله الدالة على عظمته ينبغي ألا يعبد:
المعنى الثاني:
لفت الله عز وجل أنظار الناس إلى آياته الدالة على قدرته:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)﴾
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ(18)﴾
إن لم يقسم فبالنسبة إليه، وإن أقسم فبالنسبة إلينا، وإن أقسم يخرج هذا القسم عن معناه الأصلي إلى معنى آخر، هو أن الله سبحانه وتعالى يلفت نظرنا إلى آياته التي يمكن أن تكون دليلاً على عظمته، ودليلاً على قدرته، وعلى علمه، وعلى رحمته.
معرفة قريش لصدق النبي الكريم وأمانته:
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)﴾
لماذا قال صاحبكم؟ أي لأنكم تعرفونه، تعرفون صدقه، وتعرفون أمانته، وتعرفونه أنه ما كذب قط في حياته، ما جرَّبنا عليه كذباً قط، تعرفون نسبه، وتعرفون صدقه، وتعرفون أمانته، وتعرفون عفافه، وهكذا قال سيدنا جعفر بن أبي طالب، قال: عن أم سلمة:
((
تعرفونه، هو بين أظهركم، نشأ بينكم، ما جرَّبتم عليه كذباً قط، ما وجدتم منه فاحشة ولا زلَّة قدمٍ، هذا صاحبكم تعرفونه ما ضلَّ وما غوى، ما ضلَّ عقله ولا انحرف سلوكه، وفي هذا تعريضٌ بقريش، أي أنتم ضللتم وغويتم، أنتم ضللتم وانحرفتم، أنتم ضللتم واعتديتم، هو ما ضلَّ وما غوى.
الإنسان إذا سار على منهج الله لا يضلّ عقله:
تعلمون أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
أيْ أنت عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحبّ، فإذا سرت على منهج الله لا يضلّ عقلك، ولا تشقى نفسك بانحرافك.
نعمة العلم أعظم نعمةٍ لأنها تؤدي إلى الصلاح:
أولى ثمار الإيمان إخواننا الكرام أن يستنير عقلك، المؤمن يتمتَّع بنعمة لا يعلمها إلا الله، ما هذه النعمة؟ أن الأمور واضحة في ذهنه، يعرف سرَّ وجوده، يعرف غاية وجوده، يعرف حقيقة الدنيا، يعرف الحلال والحرام، يعرف الحقَّ من الباطل، يعرف ما ينبغي وما لا ينبغي، يعرف الحكمة من كل شيء، نعمة العلم لا تعدلها نعمة، رتبة العلم أعلى الرتب، أن تعرف لماذا أنت في الدنيا؟ أن تعرف أثمن ما فيها.
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)﴾
العمل الصالح أثمن شيء في الحياة الدنيا:
أن تعرف أن العمل الصالح هو أثمن شيءٍ في الدنيا، نعمة العلم أعظم نعمةٍ على الإطلاق، كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك، الناس رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيمن سواهما، يقول سيدنا علي كرَّم الله وجهه: الناس ثلاثة؛
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا
ثمرات الإيمان هي إنارة العقل وسعادة النفس:
أيُّ حظٍّ من حظوظ الدنيا الذي يعظِّمه الناس لا قيمة له عند الله، الله جلَّ جلاله في كتابه الكريم لم يعتمد أية قيمةٍ من قيم الناس، لا قيمة المال، ولا قيمة الذكاء، ولا قيمة القوَّة، ولا قيمة الجمال، لم يعتمد إلا قيمة العلم والعمل:
﴿
﴿
أيها الإخوة الكرام؛ أولى ثمار الإيمان أن يستنير عقلك وأن تسعد نفسك.
ضلال عقل الإنسان من أكبر مساوئ البعد عن الله:
أكبر مساوئ البعد عن الله أن يضلَّ عقلك، وأن تشقى نفسك،
﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ
تعريض الله عز وجل بقريش بأنهم هم من غووا وضلوا:
لذلك:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
لحظة الموت أسعد لحظات المؤمن:
هل هناك من شعور يفوق شعور المؤمن بأن الله راضٍ عنه؟ وأن الله يحبُّه؟ وأنه على الطريق السوي؟ وأن الطريق ينتهي بجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض؟ وأن مضي الزمن لصالحه؟ وأن خطَّه البياني صاعدٌ صعوداً مستمرَّاً؟ وأن الموت عرس المؤمن؟ وأن لحظة الموت أسعد لحظات المؤمن؟ هذا الموت عند الناس أكبر مصيبة، يقولون لك: مسكين؛ مات، لا، ليس مسكين إذا كان مؤمناً، النبي رأى جنازة فقال:
(( عن أبي قتادة
عام دراسي مثقل بالمتاعب، والدراسة، والتحضير، والتأليف، والمذاكرات الشفهية والتحريرية، والوظائف والدوام المرهق، والساعات الطويلة، إلى أن أدَّى الامتحان فنال الدرجة الأولى فاستحقَّ أعلى درجة تكريم، ساعة الامتحان ساعة سعادة، ورد في الحديث الصحيح:
(( عن عبدالله بن عمر:
والموت عُرْسُ المؤمن، فالإنسان أحياناً يسعى ثلاثين عاماً من أجل أنْ يشتري بيتًا، يخطب ويتزوج، يوم عرسه بحسب مفاهيم الناس أجمل أيام حياته، أما المؤمن فعرسه ساعة لقاء الله عزَّ وجل، بكت ابنة سيدنا بلال وقالت:
فرح المؤمن وندم الكافر عند الموت:
أيها الإخوة؛ لو قرأتم سِيَرَ صحابة رسول الله، سير مختلفة، مواقف مختلفة متباينة، لكنَّ فيها موقفاً متشابهاً، كان أصحاب النبي في أسعد لحظات حياتهم وهم على فراش الموت، سيدنا رسول الله تفقَّد أحد أصحابه لم يجده، قال: ابحثوا عنه في أرض المعركة، ذهبوا إلى هناك رأوه يَئِن، اسمه سعد بن الربيع، قيل له: يا سعد أمرنا رسول الله أن نتفقَّد شأنك، هل أنت بين الأحياء أم بين الأموات؟ أيْ أنت ما وضعك؟ قال: بين الأموات، انتهيت، ولكن بلغوا عني رسول الله: جزاك الله عنَّا خير ما جزى نبياً عن أمّته، أي هو مُمْتَن برسول الله الذي دَلَّه على الله والذي عَرَفَهُ، وبلِّغ أصحابه أنه لا عذر لكم إذا خُلِصَ إلى نبيُّكم وفيكم عينٌ تطرف، أي إذا العدو وصل إلى النبي وبقي منكم واحد لا عذر له،
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)﴾
على المؤمن أن يطمئن قلبه بذكر الله:
أيها الإخوة؛ كلمة:
من خصائص المؤمن قول الحق:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)﴾
أيضاً في هذه الآية تعريضٌ بالكفَّار، أنتم إذا تكلَّمتم تكلّمتم عن أهوائكم، لو أنّ الإنسان راقب نفسه -طبعاً الإنسان غير المنضبط، غير الملتزم، المتفلِّت-تسعة أعشار كلامه غير موضوعي، عن الهوى، أي يتكلَّم كلاماً لمصلحته، إذا كانت البضاعة بضاعته يُثْني عليها ثناءً لا حدود له، أما إذا كانت بضاعة جاره يمكن لا يتكلَّم ولو كلمة، فقط يتحول، أي كأنها لا تعجبه، هذه الحركة لا ينطق عن الهوى، ينطق عن الهوى ويسكت عن الهوى، الإنسان يتكلَّم لصالحه، يمدح ما عنده، يذم ما عند غيره، يُحسِّن الشيء إذا كان يملكه، يُبَخِّس الشيء الذي لا يملكه، فتسعة أعشار كلام الناس كلامٌ غير موضوعي، غير حقيقي، ليس فيه دقَّة ولا فيه إنصاف، أما النبي فلا ينطق عن الهوى:
عدل وحكمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
كان سيدنا عمر بين أصحابه، فأحد أصحابه تكلّم ولا أدري لماذا قال هذا الكلام، نظر إلى عمر، وقال:
يوم كنت أضلّ من بعيري كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، كان موضوعياً ، ما تكلَّم عن الهوى، لو أراد لنفسه الرفعة لأثنى عليه، قال له:
صعِد المنبر ليخطب أول خطبةٍ بعد تولّيه الخلاقة، وقف على الدرجة العُليا ثم نزل درجة، تعجَّب أصحابه!! قال:
شدة ورحمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
سيدنا عمر هاب الناس شدَّته، فقال: "كنت مع رسول الله خادمه وجلواذه وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي عني وهو عني راضٍ، الحمد لله على هذا كثيراً وأنا به أسعد -أنا أسعد الناس أن النبي توفي وهو عني راضِ-ثم كنت خادم أبي بكر وجلواذه وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء -كنت قوة بيده- عندما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام قال سيدنا الصديق لسيدنا عمر:
قال:
قال له سيدنا أبو ذر:
المؤمن الصادق لا ينطق عن الهوى:
كان مرَّةً مع سيدنا عبد الرحمن بن عوف في المدينة يجوبان طرقها فرأيا قافلةً قد استراحت في ظاهر المدينة، فقال:
على الإنسان إنصاف الآخرين ولو كانوا خصومه:
سيدنا رسول الله رأى صِهرَه بين الأسرى، ما معنى أن يرى النبي صهره بين الأسرى؟ أي جاء يحارب النبي، ولو تمكَّن لقتله، رآه بين الأسرى نظر إليه وقال عليه الصلاة والسلام: والله ما ذممناه صهراً، أي صهر ممتاز، ما هذه الموضوعية؟! الآن إذا الإنسان خطب ولسبب أو لآخر لم تتم الخطبة، تجد الأسرتين يتكلَّمان على بعضهما كلاماً ما أنزل الله به من سلطان، لا يوجد إنصاف، والنبي قال:
(( أحبِبْ حَبيبَك هَونًا ما عسى أنْ يكونَ بَغيضَك يومًا ما، وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما.))
أنصف، قل الحقَّ ولو كان مُرَّاً، قل الحق ولو كان على نفسك، الله عزَّ وجل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
أخطر شيء على الإنسان الشرك الخفي:
عندك إمكانية أن تنصف عدوك، لك في العائلة خصم وورد ذكره في مجلس، وتعرفه مُتقناً لعمله، تعرفه صادقاً في كلامه، عندك جرأة أن تتحدَّث عن صفاته الراقية؟ هذا المؤمن، أما والله إن لم يكن لنا مصلحة نذمه، وإن كانت لنا مصلحة نمدحه، هذا الإنسان ليس له قيمة عند الله عزَّ وجل، غير موضوعي، ينطق عن الهوى، النبي الكريم قال:
(( عن أبي موسى الأشعري يا أيها الناسُ!
الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحبَّ على جور وأن تبغض على عدل، أي أن تحبَّ شخصاً منحرفاً لأن لك مصلحة معه، هذا شرك بالله، إنسان آخر نصحك نصيحة بأدب، ومعه الدليل، هذه الآية، وهذا الحديث، هذا العمل غلط يا أخي، أنت أخ كريم، أنت مؤمن، تألَّمت، لمجرَّد أنك تألَّمت من نصيحةٍ مخلصةٍ عادلةٍ فأنت مشرك، طبعاً شرك ليس جلياً ولكنَّه خفي، وأخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي.
الإنسان من دون إيمان عبد لمصالحه:
لذلك:
هل تستطيع أن تعامل زوجة ابنك كما تعامل ابنتك؟ إذا كنت مؤمناً هكذا يجب أن تعمل، ليس الابنة مهما أخطأت تتلقَّى خطأها بصبر وحلم وطول بال، وإذا أخطأت زوجة ابنك خطأ صغيراً تقيم عليها النكير، هل هذا هو الإنصاف؟ هل تعامل الذي في محلِّك التجاري في سنِّ ابنك كما تعامل ابنك؟
الحق عظيم من دون تضخيم والباطل أحقر من أن تصغِّره:
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ
أي كن موضوعياً، لا تبالغ، لا تقلل، لا تطمس، لا تبرز، لا تعتِّم، تكلَّم الحق، الحقُّ قويٌّ، الحقُّ لا يحتاج أن تكذب له، ولا أن تكذب عليه، ولا أن تُضَخِّمه، ولا أن تقلل خصمه، الباطل:
﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك:
أنا وقفت عند هذه الكلمة:
النبي الكريم معصوم في أفعاله وأقواله وإقراره:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
﴿هو﴾ تَعُودُ على مَن؟ قال: تعود على القرآن في بعض التفاسير، وعلى نطق النبي في بعض التفاسير، إذا أعدنا: ﴿إن هو﴾ على نطق النبي يعدُّ كلام النبي وَحْيَاً، لذلك علماء الأصول يقولون:
نزول الوحي على النبي الكريم وهو في أعلى درجات اليقظة:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)﴾
إذًا الوحي جاءه وهو صاحٍ، في أعلى درجات اليقظة، وهذه الضَمَّة حكمتها أنه كان يقظاً وكان صاحياً.
الوحي كيان مستقلٌّ عن كيان النبي:
القضية:
﴿ وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)﴾
النبي ظنَّ أن الله قد ودَّعه وقلاه، فقال له: لا،
دين الإسلام أساسه الوحي من الله تعالى:
لذلك لمّا قال المرجفون في المدينة ما قالوا عن السيدة عائشة، واتهموها، وافتروا عليها، انقطع الوحي شهراً، ماذا يفعل النبي؟ لو كان الوحي من عند النبي لأتت بعد ثانية آيةٌ بتبرئتها، بقي ثلاثين يوماً وقيل: أربعين يوماً، والنبيُّ لا يملك دليلَ إثباتٍ ولا دليلَ نفي، لماذا تأخَّر الوحي؟ ليعرف الناس قاطبةً أن الوحي لا يملكه النبي أبداً، الوحي مستقلَّ عن النبي لا يملك جلبه ولا دفعه،
الوحي أصل من أصول الدين والسنة فرع له:
إخواننا الكرام؛ يجب أن نعلم علم اليقين أن هذا الدين العظيم في الأصل هو وحي، الدين نقل، والعقل لفهم النقل، الأساس أنّ الله جلَّ جلاله أنزل هذا القرآن، والنبي بيَّن، هذا الدين، الله أنزل والنبي بيّن، نحن دورنا دور التلقي فقط، إنما أنا متبع ولست بمبتدع.
عقلنا لا ينبغي أن يشرِّع، عقلنا يفهم، العقل يتأكَّد من صحَّة النقل ويفهم فقط، لذلك الوحي هو الذي يُعدُّ أصلاً من أصول هذا الدين، الأصل الوحيد، السنَّة فرع له، السنَّة وحي لكنه غير متلو، القرآن وحي متلو، والسنة وحي متلو، لذلك قال عليه الصلاة و السلام:
(( عن أبي هريرة:
على الإنسان أن يرد أي خلاف إلى القرآن والسنة:
لذلك الله عزَّ وجل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
أيْ إلى القرآن وإلى السُنَّة، والله عزَّ وجل قال:
﴿
ومعنى:
على الإنسان أن يكون موضوعياً في كل أمر:
وفي درسٍ آخر إن شاء الله تعالى نتابع موضوع:
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى(11)﴾
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
والتطبيق العملي لهذه الآية: احرص على ألا تنطق بالهوى، تكلم الحقيقة، قل الحق ولو كان مُرَّاً، الحق يرفعك، والكذب يسقطك، لا تمدح شيئاً بما ليس فيه، كن موضوعياً، العلم الوصف المطابق للواقع مع الدليل، لا ينهِضُنا إلا الموضوعية، لا يخلِّصنا مما نحن فيه إلا الصدق، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كل كلمةٍ قالها كانت حقَّاً، لا مجال لا إلى التضخيم، ولا إلى التقليل، كن موضوعياً تكن مُطَبِّقاً لهذه الكلمة، وكن منصفاً أبداً، لو خصمك ذُكِر أنصفه.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين