وضع داكن
30-06-2024
Logo
الدرس : 7 - سورة القلم - تفسير الآية 42-52 النعم مع الطاعات إكرام والنعم مع المعاصي استدراج
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

يوم الحساب يوم شديد تُسَوّى فيه الحقوق والحسابات:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس السابع والأخير من سورة القلم، ومع الآية الثانية والأربعين وهي قوله تعالى:

﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)﴾

[ سورة القلم  ]

قال بعض علماء التفسير: يُدعون إلى الصلاة لأن الصلاة عماد الدين، وكانوا يُدعون إلى السجود وهم سالمون في الدنيا، لذلك أيها الإخوة أول ما يُحَاسب العبد عن صلاته فإن صحَّت سعد ونجح، وإن لم تصح خاب وخسر.
﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ مُصطلح معناه يوم الشدة البالغة، اليوم العسير، يوم الحساب الدقيق، ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ في هذا اليوم العصيب يوم الدينونة، يوم الجزاء، يوم أن يقوم الناس لرب العالمين، يوم أن يأتي الناس ربَّهم فُرادى، ليس هناك تجمعات أبداً.

﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)﴾

[ سورة الإنفطار  ]

﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)﴾

[ سورة الزمر  ]

هذا اليوم الذي:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

[ سورة الشعراء  ]

هذا اليوم يوم الحساب والجزاء، هذا اليوم شديدٌ جداً على الكافرين، هذا اليوم تُسَوّى فيه الحقوق، تسوّى فيه الحسابات، يؤخذ للمظلوم من الظالم، من القوي للضعيف، من الفقير للغني.
﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ أي إذا كشفت الحرب عن ساقها أي حمي الوطيس، إذا كشف اليوم عن ساقه أي كان يوماً عسيراً، كان يوماً عصيباً، ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ ما الذي يمنعهم من السجود؟ أعمالهم السيِّئة، أعمالهم التي هي حجاب بينهم وبين ربّهم.
أيها الإخوة الكرام؛ بإمكانك أن تقف، وأن تتوضأ، وأن تتجه نحو القبلة، وأن تكبر تكبيرة الإحرام، وأن تضع يديك على بعضهما بعضاً، وأن تقراً الفاتحة وسورة، وأن تركع، وأن تسجد، وأن تقعد القعود الأخير ولكن العمل السيئ يحول بينك وبين الله، أعمالهم السيِّئة، انحرافهم في الدنيا، بنوا مجدهم على أنقاض الآخرين هذا الأعمال تمنعهم من أن يصلوا.

﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)﴾

[ سورة القلم  ]

 

قانون الذُل والعز:


﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)﴾

[ سورة القلم  ]

قانون الذُل والعز الإنسان المستقيم عزيز النفس، رافع الرأس، المنحرف خافض الطَرْف، ذليلٌ، علاقة الذل بالانحراف واضحة، وعلاقة العِز بالاستقامة واضحة، إن أردت أن تكون عزيزاً فاستقم كما أُمرت، وإن أردت أن تقف موقفاً مهيناً ذليلاً فتحرَّك في الدنيا كما تشاء،  أوضح مثل: هذا الذي يسرق، ويقتل، وينهب، حينما يقع في قبضة العدالة تراه في أشدِّ حالات الذل، كان يدَّعي ويتبجَّح ويتحرَّك وينهب الأموال وينفقها على المعاصي والآثام، أما حينما يقع في قبضة العدالة فتراه ذليلاً بائساً حقيراً: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ الآن لا يستطيعون، الآن وصلوا مع الله إلى طريقٍ مسدود، لا يستطيعون: ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ هذا الآذان دعوةٌ إلى السجود، حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، دعوةٌ إلى السجود، دعوةٌ إلى أن تعبد الله، دعوة إلى أن تخضع له، دعوة إلى أن تعترف بعبوديتك له، ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ الإنسان إذا كان معافىً في صحته هو سالم، إذا كان معه قوت يومه هو سالم، إذا كان أهله بخير هو سالم، إذا كان عقله في رأسه هو سالم، إذا كانت أعضاؤه تامَّةً وأجهزته سليمةً هو سالم، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

(( عن عبد الله بن عباس قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه: اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك. ))

[ أخرجه المنذري الترغيب والترهيب إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما  ]

والإنسان أيها الأخوة كلما بكّر في معرفة الله استطاع أن يُشَكِّلَ حياته تشكيلاً إسلامياً؛ يختار الزوجة الصالحة، ويختار الحِرفة الجيدة، وألصق شيءٍ في الإنسان زوجته وحرفته، فإذا آمن بالله في وقتٍ مبكِّر سيختار الزوجة الصالحة والحرفة الصالحة، عندئذٍ لا يجد حجاباً بينه وبين الله، وكثيراً ما تقف الزوجة المنحرفة والحرفةُ التي ليست ترضي الله عزَّ وجل حجاباً بين العبد وبين الله عزَّ وجل.
﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ نحن -إن شاء الله–تنطبق علينا هذه الآية، نحن الآن سالمون، نحن في بحبوحة التوبة، في بحبوحة الاستغفار، في بحبوحة الصلْحِ مع الله، في بحبوحة العودة إلى الله، ما دام القلب ينبض وما دام في العمر بقية فنحن سالمون، وكأن الله سبحانه وتعالى ينقل لنا مشهداً من مشاهد يوم القيامة ونحن في الدنيا، ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)﴾ .
 

أحبُّ الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها:


 نحن الآن حينما يؤذِّن المؤذِّن نُدْعَى إلى السجود؛ أي نُدعى إلى الصلاة، وأحبُّ الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، ومن أخَّر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره، وحينما تؤدي الصلاة تؤدي حق الله عزَّ وجل، وحينما تؤدي الصلاة تؤدي العبودية لهج عز وجل، وحينما تؤدي الصلاة تطمئن نفسك ويرتاح قلبك، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( فعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: رجلٌ من خُزاعةَ : لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فاستَرَحْتُ، فكأنهم عابوا ذلك عليه، فقال : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يقولُ : أَقِمِ الصلاةَ يا بلالُ! أَرِحْنا بها. ))

[ هداية الرواة: خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح ]

ودققوا أيها الإخوة؛ أنت حينما تسمع النداء وتتجه لتصلي، وتصلي صلاةً كما أراد الله عزَّ وجل تشعر براحةٍ كبيرة، راحة أنك عبدٌ مطيعٌ لله.
 

أربع مراحل يمر بها الإنسان في استجابته لله تعالى:


أيها الإخوة الكرام؛ الآيات التالية دقيقةٌ جداً:

﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)﴾

[ سورة القلم  ]

ربنا عزَّ وجل يخاطب نبيه الكريم، يقول له: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾  هؤلاء الذين دعوتَهم فلم يستجيبوا، هؤلاء الذين ألقيت عليهم الحق فلم يأخذوه، هؤلاء الذين أمرتهم أن يؤمنوا فلم يؤمنوا، هؤلاء الذين كذَّبوا، هؤلاء الذين أعرضوا، هؤلاء الذين سَخِروا، دعهم لي، كأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا دعاهم إلى الله واستجابوا له كأن هذا الطريق هو الطريق الطبيعي والسليم، أي أعراض مرضية في جسم تُعالج بأدوية، فحينما يرفض المريض المعالجة يقتضي أن نجري له عمليةً جراحية.

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

[ سورة القصص ]

هذا الذي لا يستجيب لله عزَّ وجل، لا يستجيب لله  بعدم استجابته للرسول، هذا الذي لا يصدق الرسول، يرى المعجزات النَيِّرات الباهرات فلا يستجيب، هذا الذي لا يعبأ بوحيّ أُنزل على رسول الله، قال: هذا علاجه عند الله: ﴿فَذَرْنِي﴾ تهديد، هذا من أشد أنواع التهديد، أي إن لم يستجب لك بالدعوة البيانية فلابدَّ من سلوكٍ تأديبي، هناك أربع مراحل يمر بها الإنسان.

 1ـ مرحلة الدعوة البيانية:

أول مرحلة وأسلم مرحلة الدعوة البيانية، إنسان دعاك إلى الله، خطبةٌ ألقيت على مسامعك، دعاك فيها الخطيب إلى التوبة، دعاك فيها الخطيب إلى طاعة الله، إلى كسب المال الحلال، إلى ضبط الجوارح والأعضاء، دعاك فيها الخطيب إلى إقامة الإسلام في بيتك، هذه دعوة بيانية، هذه أول مرحلة، الكمال في هذه المرحلة أن تستجيب..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾

[ سورة الأنفال ]

الحياة الحقيقية، حياة القلب، حياة النفس، الحياة التي تليق بك أيها الإنسان أن تتصل بالله، وأن تتعرف به، وأن تتقرَّب إليه، هذه هي الحياة الحقيقية: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ ، هذا أول مرحلة، لم تكن، أكمل ما في هذه المرحلة أن تستجيب. 

2 ـ مرحلة التأديب التربوي:

المرحلة الثانية إن لم تستجب بالدعوة البيانية فلابدَّ من التأديب التربوي، الله عزَّ وجل -كما تعلمون-يسوق بعض الشدائد، هذه الشدائد مرَّت بنا قبل درسين:

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)﴾

[ سورة القلم  ]

أتلف الله لهم محاصيلهم، فقالوا:

﴿ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)﴾

[ سورة القلم  ]

قال: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ فإن لم يستجب الإنسان بالدعوة البيانية هناك التأديب التربوي، والله عزَّ وجل عنده أدويةٌ تأديبية لا تُعد ولا تُحصى، في جسمك وحده آلاف الأساليب التربوية، في أولاد الإنسان، في أهله، في تجارته، في عمله، في علاقته مع من حوله، مع من دونه، مع من فوقه، آلافُ آلاف الأدوية التي يمكن أن تُعَالج بها أيها الإنسان، حينما تدخل مرحلة التأديب التربوي الوضع الكامل أن تتوب إلى الله.

3 ـ مرحلة الإكرام الاستدراجي:

إن لم تَتُب هناك مرحلة ثالثة، هذه الإكرام الاستدراجي:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام ]

يأتي الإكرام، هذا ليس إكراماً بالمعنى الذي نفهمه، هو استدراجٌ من قِبَل الله عزَّ وجل، فهذا الإنسان لم يُعمل عقلَه فيتوب إلى الله، ولم يستجب للتأديب الإلهي فيرْعوي، كما أن الإحسان لم يؤثِّر فيه. 

4 ـ القصم:

إذا دخل الإنسان في المرحلة الثالثة فالكمال فيها أن يشكر الله على هذا الإكرام، وأن يعود إليه تائباً، فإن لم يكن لم يبق إلا القصم، ويؤكد هذا آياتٌ كريمة في كتاب الله عزَّ وجل: ﴿فَذَرْنِي﴾ ما دام هذا الإنسان لم يستجب في المرحلة الثانية لك يا محمد، لم يصدِّق، لم يَتُبْ، لم ينصرف إلى الحق دعه لي، أنت مكلَّف أن تبيّن له وربنا عزَّ وجل يعالجه بالشدَّة، البيان على عاتق النبي عليه الصلاة والسلام، والتأديب التربوي من فعل الله عزَّ وجل، ربنا عزَّ وجل هو الذي يسوق الشدائد لهذا الإنسان المُعْرِض: ﴿فَذَرْنِي﴾ الإنسان الذي لا يستجيب لله عزَّ وجل هذه الكلمة يجب أن ينخلع لها قلبه، غير المستجيب: ﴿فَذَرْنِي﴾ دعه لي، كأن أماً نصحت ابنها آلاف المرَّات فلم يرعوِ، فقال لها الأب: دعيه لي، أنا أؤدبه.
 

أنواع التكذيب بالقرآن:


﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ أي حديث هذا؟ قال العلماء: الحديث: هو القرآن الكريم، هذا الحديث هو القرآن الكريم، الإنسان أحياناً يكذب بالقرآن الكريم تكذيباً صريحاً،  تكذيباً اعتقادياً، أو تكذيباً قولياً، أو تكذيباً سلوكياً، كيف؟
لو اعتقد الإنسان أن هذا الكلام هو كلام محمد عليه الصلاة والسلام، من صنعه، هذا تكذيب اعتقادي، هذا كفر، لكن لم ينبس ببنت شفة، بقي ساكتاً، لا يعتقد أن هذا كلام الله، هذا كفر اعتقادي، هذا قلَّما نجده في عالم المسلمين إلا ما نَدَر.
عندنا تكذيب آخر تكذيب لفظي، أن يقول بلسانه، أو بقلمه، بكتابٍ يؤلّفه، أو مقالةٍ يدبِّجها: لا أعتقد أن هذا القرآن كلام الله، مرَّ معنا مرَّةً في كتابٍ في النقد أن الأديب الفُلاني قال: يقال إن محمداً عليه الصلاة والسلام أخذ القرآن الكريم عن فلان الفُلاني، يقول هذا الأديب: ولا أدري مبلغ هذا القول من الصحَّة، لعله كذلك، هذا نطق وشكَّك في أن هذا القرآن كلام الله، هذا كُفر قَوْلي، وهذا قلَّما نجده في عالم المسلمين، قليلٌ جداً من ينكر بقلبه أن هذا كلام الله، أو من ينكر بلسانه أو بقلمه أن هذا كلام الله.
ولكن الذي يسلك سلوكاً مخالفاً لتوجيهات الله، هذا ماذا يفعل؟ هذا التكذيب السلوكي، التكذيب العملي، هذا تكذيبٌ شائعٌ ومنتشر، فحينما يقول الله عزَّ وجل مثلاً:

﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)﴾

[ سورة البقرة ]

ويأتي الأب المسلم فيختار الإنسان الغني دون أن يلتفت إلى دينه، هو ماذا يفعل؟ كذَّب القرآن الكريم لا باعتقاده ولا بلسانه أو قلمه ولكن كذَّبه بفعله وسلوكه، وهذا أخطر أنواع التكذيب، التكذيب أن تسلك طريقاً مخالفاً لما تسمع.
مثلاً: لو أنك زرت طبيباً في عيادته وفحصك فحصاً دقيقاً، وصف لك الدواء الذي يراه مناسباً، أنت بالغتَ في شكر الطبيب والثناء على علمه واختصاصه، لكنك لم تشترِ الدواء لأنك لست قانعاً بأن هذه الوصفة جيدة، عدم شراء الدواء تكذيبٌ بعلم الطبيب، مع أنك أثنيت على علمه وشكرته وبجَّلته واحترمته، عدم شراء الدواء نوعٌ من أنواع التكذيب بل هو أخطر أنواع التكذيب، فالإنسان حينما يجد في القرآن الكريم آيةً تقول:

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)﴾

[ سورة البقرة ]

فإذا ارتكب معصية الربا بعد هذه الآية  ارتكاب هذه المعصية تكذيب عملي بهذه الآية، لذلك يقول الله عزَّ وجل: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ لئلا يظن أحدنا أنه لم يكذِّب كلام الله سابقاً، ولم ينطق بكلمةٍ واحدة تبيِّن أنه لا يصدق كلام الله، كما أنه لا يعتقد هذا، نقول: هناك تكذيبٌ أخطر، أنت لا تعتقد أن هذا ليس كلام الله، كما أنك لم تصرِّح أن هذا ليس كلام الله، لكن حينما يقول لك خالق الكون: افعل، وأنت لا تفعل، أو يقول لك خالق الكون: لا تفعل، وأنت تفعل، ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنه تكذيبٌ عمليٌّ لكلام الله عزَّ وجل.

﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)﴾

[ سورة القلم ]

 نستدرجهُم نسوقهم درجةً درجةً إلى هلاكهم، مهما كان الإنسان ذا عقلٍ راجح وفكرٍ ثاقب إذا ارتكب ما يستوجب الاستدراج فالله سوف يستدرجه خُطْوَةً خُطْوَةً، حركةً حركةً، درجةً درجةً، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ فجأةً وقع الإنسان في قبضة الله،  فجأةً دُمّر، فجأةً هلك، فجأةً فقد كل شيء، فجأةً وقع في حجابٍ شديد: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ ننقلهم درجةً إثر درجة إلى هلاكهم دون أن يشعر.
 

الإنسان لن يتفلت من تدبير الله عز وجل إطلاقاً:


﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)﴾

[ سورة القلم  ]

أي أُمْهِلُهم: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أمدهم بالقوة، وبالصحة، وبالمال، إلى درجة يتوهَّمون  أنهم أقوياء وأغنياء، إلى درجة أنهم يقولون: إن الله يحبّنا، وعلامة محبَّته لنا أنه أعطانا؛ أعطانا المال الوفير، والسلطان الكبير، أعطانا كل شيء، هذا اسمه استدراج: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)﴾ الكيد هو التدبير، ومعنى متين لن يستطيع الإنسان إطلاقاً أن يتفلَّت من تدبير الله عزَّ وجل، كُلُّكُم يعلم أيها الإخوة أن القساوة والمتانة صفتان تُلصقان بالمادة، فمقاومة قِوى الشد تعني المتانة، ومقاومة قِوى الضغط تعني القساوة، فكأن تدبير الله عزَّ وجل شبكةٌ وقع فيها الإنسان، مهما أبدى من حركاتٍ قوية لن يستطيع أن يتفلَّت منها: ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أحياناً الإنسان يُستدرج إذا كان دخله حراماً يُستدرج إلى عقد صفقةٍ يُفلسُ بها، أو يُستدرج إلى مصاحبة إنسانٍ يدمِّره، أو يُستدرج إلى سفرةٍ يُدَمَّر بها، أو يُستدرج إلى ركوب باخرةٍ يصيبها الهلاك، الاستدراج من الله مُخيف، وأنت في أعلى درجات الذكاء، وأنت في أعلى درجات الحيطة والحَذَر، وأنت في أعلى درجات الخبرات المتراكمة، وأنت تحمل أعلى شهادة وتملك أكبر قوة: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)﴾ إذا أراد ربك إنفاذ أمرٍ أخذ من كل ذي لبّ لبَّه، الإنسان إذا عصى الله، وكان الله جلَّ جلاله يمدَّه بالقوة فليحذره لأن هذا استدراج، النعم إذا رافقت الطاعات فهذا إكرام، أما النعم إذا رافقت المعاصي فهي استدراج، ميز واضحاً بين الإنعام والاستدراج، النِعَمْ مع الطاعات إكرام، النعم مع المعاصي استدراج، لا تفرح بالاستدراج لأن عاقبته وخيمة، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ ما دام هذا الإنسان قد أعرض عن ذكر الله، ولم يستجب لدعوة الأنبياء، ولا لدعوة الدعاة، ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ والتكذيب عملي، التكذيب النظري قلَّما نجده في العالم الإسلامي إلا ما ندر، كتَّابٌ قليلون جداً يُصَرّحون بكتبهم بعدم قناعتهم بأن هذا كلام الله، هذا تكذيبٌ بالقرآن، أما التكذيب الشائع فهو التكذيب العملي، ولا أدل على ذلك ادخل إلى بيوت المسلمين لا تجد فيها الإسلام مطبَّقاً، ادخل إلى محلاَّتهم التجارية، إلى معاملهم، إلى حقولهم، إلى علاقاتهم، إلى أفراحهم، إلى أتراحهم، لا تجد الإسلام مطبَّقاً في حياتهم، ماذا نُسَمِّي هذا؟ نسمي هذا تكذيباً عملياً، وهذا التكذيب العملي شائعٌ وخطير، حينما يُقيم الإنسان مثلاً حفلة مختلطة، وعُرساً مختلطاً، ويأتي بالتصوير ويصور، وهو من أسرة مسلمة، ويفضح أعراض الناس، ويسمح أو يعين على علاقاتٍ غير مرضيةٍ لله عزَّ وجل، هذا ماذا يفعل؟ يكذِّب، هناك آلاف المعاصي والآثام يرتكبها المسلمون وهم يصلون، وهم يصومون، هذا نوعٌ من التكذيب، ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يُستدرج دون أن يشعر، ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أُعطيهم فرصة ؛ صحة طيّبة، دخل كبير، مكانة جيدة، شعور بالاستعلاء، عجرفة، عُنْجُهيَّة، ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ لكن هؤلاء ينتظرهم مطبٌ كبير، ينتظرهم عقابٌ أليم، ينتظرهم حسابٌ عسير، ينتظرهم هلاكٌ محقق، ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ لا تستطيع قوةٌ على وجه الأرض مهما بَدَت قويةً أن تتفلَّت من قبضة الله عزَّ وجل.

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)﴾

[ سورة يونس  ]

 

النعم مع الطاعات إكرام والنعم مع المعاصي استدراج:


إخواننا الكرام؛ مرَّةً ثانية حرصاً على سلامتنا جميعاً يجب أن تنظر إذا كان الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره، يتابع نعمه عليك ولست على منهج الله قائماً، ولست مطبقاً لما في كتاب الله وسنة رسوله فاحذره لأن هذا استدراج، إذاً اعتقد أن النعم مع الطاعات إكرام، وأن النعم مع المعاصي استدراج، والاستدراج عاقبته وخيمة، ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أملي لهم أي أفسح لهم مهلةً، وأعطيهم من المال والصحة والأهل والأولاد، ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ لا يستطيع أحدٌ أن ينجو من عقاب الله، ولا من تأديب الله، وكما قلت قبل قليل: إذا أراد ربك إنفاذ أمرٍ أخذ من كل ذي لبٍّ لبَّه.
 

الله تعالى لم يكلف الإنسان ما لا يطيق وبيوته متاحة لكل الناس مجاناً:


ربنا عزَّ وجل يبيِّن ما الذي يحول بين هذا الإنسان وبين طاعة الله:

﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)﴾

[ سورة القلم  ]

سبحان الله! لا يستطيع أي إنسان أن يدخل إلى عيادة طبيب إلا ومعه في جيبه أجور هذا الطبيب، ولا أن يدخل إلى مكتب محامٍ ولا إلى مكتب مهندس ولا إلى محل للبيع والشراء لا يستطيع كل شيء له ثمن، إلا أنك بإمكانك أن تدخل إلى بيوت الله عزًّ وجل مجَّاناً، لا يوجد رسم اشتراك، ولا رسم دخول، ولا ضريبة، ولا مغرم، ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ لعلك كلَّفتهم ما لا يطيقون؟ لعلك ألزمتهم بدفع مبالغ طائلة عندئذٍ أحجموا عن تلبية دعوتك حفاظاً على ثروتهم أو على مالهم؟

﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)﴾

[ سورة القلم  ]

أي عندهم مفاتيح القضاء والقدر؟ عندهم ضماناتٌ لمستقبلهم؟ معنى عندهم الغيب أهم يعرفون ماذا كُتِبَ في اللوح المحفوظ؟ ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ يأخذون منه ضماناً لمصالحهم؟
 

أوامر الله تكليفية وتكوينية:


﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)﴾

[ سورة القلم  ]

الحقيقة المؤمن مكلَّف أن يصبر عن الشهوات المحرَّمة، ومكلَّفٌ أن يصبر على الطاعات، ومكلَّفٌ أن يصبر على القضاء والقدر، مكلَّفٌ أن يصبر على حكم الله، الله عزَّ وجل يُعطي كل إنسان حظوظاً متفاوتة، فأنت حَكَمَ الله لك بأن تنجب بنات فقط هذا حَكَمَ الله، وحكم الله لإنسان آخر أن يجعله عقيماً، وحكم لإنسان ثالث أن يكون ذا دخلٍ كبير، وإنسان رابع ذا دخلٍ محدود، وإنسان خامس أن يؤدَّب بهذه الطريقة، هذا كلَّه حُكْمُ الله، الله عزَّ وجل له أمر تكليفي، وله أمر تكويني.
أمره التكويني حكم الله، أي خصمان يتخاصمان، قد يربح أحدهما الدعوة على أخيه ولكن قد يكون ظالماً، وقد يكون أخوه مظلوماً، حكم الله يأتي مُعاكِساً لحكم القاضي، قد يعوِّض على المظلوم وقد يبطش بالظالم، هذا حكم الله، الله عز وجل العباد يتخاصمون، يتناقشون، يتحاورون، أفعال الله حكمه، أحياناً زوجان يطلق الزوج زوجته، قد تكون الزوجة مظلومة، لذلك  ربنا عزَّ وجل حكمه مع الزوجة المظلومة أن يكافئها بزوجٍ يكرِّمها، وحكم الله مع الزوج الظالم أن يعاقبه بزوجةٍ تَكيل له الصاع صاعين، هذا حكم الله، حكم الله عزَّ وجل أفعاله، أحياناً يُكرم،  يُعلي، يعز، يهين، يذل، يُعطي، يمنع، يشفي، يعافي، يرفع، يخفض، يقبض، يبسط، هذا حكم الله. 
 

معاني (فاصبر):


﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)﴾

[ سورة القلم ]

إذا كان هناك إكرام اشكر، وإذا كان هناك شيء مخالف لرغبتك فاصبر،هذا معنى.
المعنى الثاني: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ فاصبر للأمر والنهي، الأمر والنهي يحتاجان إلى صبر، تكليف، لأنه ذو كُلفَة.
 

قصة يونس عليه السلام:


لو أردنا أن نأخذ سياق الآية يخاطب الله النبي عليه الصلاة والسلام هؤلاء الذين يكذِّبونك، ويجحدون دعوتك، ويسخرون منها، هؤلاء يأتون بشيءٍ يؤلم النبي عليه الصلاة والسلام، يقول الله له مسلياً: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ سيدنا يونس عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ الحقيقة ربنا عزَّ وجل ذكر لنا قصة سيدنا يونس، هذا النبي الكريم الذي أرسله الله إلى قومه فدعاهم ليلاً ونهاراً فلم يستجيبوا له، ضاق بهم ذرعاً، وشعر بضَجَرٍ، وتركهم وولّى إلى جهةٍ من باب أنه هام على وجهه ضجراً من تكذيبهم، وإعراضهم، وجحودهم، ماذا فعل؟ قال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى﴾ دعا الله أن يُهْلِكَهُم لأنه لا خير فيهم.

﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)﴾

[ سورة القلم  ]

تَرْوي الأخبار أن سيدنا يونس حينما هام على وجهه، وحينما ضَجِرَ من قومه، وحينما يئس من هدايتهم، وحينما أصرَّوا على تكذيبه وعدم الاستجابة له ضجر منهم فدعا الله لهم بالهلاك، وهام على وجهه واتجه إلى شَطِّ نهرٍ أو بحرٍ، وركب سفينةً، هكذا تروي الأخبار أن رُكَّاب السفينة كانوا أكثر مما تحمل السفينة، وقد أشرفت على الغرق فلابدَّ من أن تخفف من أوزانها، فأجروا قرعةً وقعت على سيدنا يونس، لابدَّ من أن يُلقَى في الماء، فأُلقي في الماء والتقمه الحوت.
الآن أيها الإخوة؛ آية كبرى ما من مصيبةٍ تصيب إنساناً أكبر من أن يجد نفسه فجأةً في بطن حوت، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر.

﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)﴾

[ سورة الزمر ]

ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، هنا هل هناك أمل؟ إنسان أصبح لقمةً في بطن حوت، الحوت وزنه مئة وخمسون طناً، والحوت أذا أراد أن يأكل لقمة من السمك أربعة أطنان، لقمته المعتدلة أربعة أطنان، يفتح فمه ويمشي يطبق أربعة أطنان، هذه وجبة خفيفة، هذا الحوت دخل فيه سيدنا يونس، وهذا الحوت الذي يهضم هذا السمك كم تُقَدِّر الأحماض التي تفرزها معدته؟ دخل نبيٌّ كريم بطن الحوت، ماذا يفعل؟

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)﴾

[ سورة الأنبياء ]

في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل، من يسمعه؟ هل يوجد مكبّرات صوت؟ هل يوجد معه تليفون خلوي؟ من يسمعه؟ ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أولاً قال العلماء: إذا أثنى الإنسان على الله فثناؤه دعاء، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ﴾ هذا الفعل فعلك يا رب وأنا أستحقّ ذلك لأنني ضجرت من قومي، ويئست منهم، وهمت على وجهي، ودعوت عليهم بالهلاك، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ معنى هذا أن ثناءه دعاء، ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ .
 

من سبّح ووحّد واستغفر ينجيه الله من أشدّ المصائب:


 لكن أجمل ما في هذه القصَّة، ما يعنينا نحن: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ في أي زمان، وفي أي مكان، وفي أي حال، وفي أي وضع، وفي أي عصر، وفي أي مصر، ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾  من مرضٍ عُضال، من ضائقةٍ مالية، من عدوٍ شرس، من همٍّ ساحق، من قلقٍ مخيف، أصعب من أن يكون الإنسان في بطن حوت وفي ظلماتٍ ثلاثة لا يوجد، ربنا عزَّ وجل ذكر لنا أصعب مصيبةٍ يمكن أن تصيب إنسان، ومع ذلك نجَّاه الله منها، نجَّاه وقلب هذه القصَّة إلى قانون، قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ هل يوجد يأس مع الله عزَّ وجل؟ الآن كل إخواننا الحاضرين: هل من الممكن أن يصاب أحدنا بمصيبة أشد من هذه المصيبة؟ وربنا عزَّ وجل يبين لنا: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ فقط سَبِّح، ووحِّد، واستغفر، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ هذا دعاء.
 

الاختلاف بين سيدنا محمد وسيدنا يونس عليهما السلام:


﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ(48)﴾

[ سورة القلم ]

الحقيقة أن سيدنا النبي لم يكن كصاحب الحوت، عندما ذهب عليه الصلاة والسلام إلى الطائف، ودعاهم إلى الله عزَّ وجل كذَّبوه، وسخروا منه، وضربوه، وسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ليُظهِر الله كماله، ولأنه يستحق أن يكون سيد الأنبياء والمرسلين، أرسل له سيدنا جبريل، قال له:

(( عن عائشة رضي الله عنها... هل أتَى عليكَ يومٌ كانَ أشدَّ مِن يومِ أحدٍ؟ فقالَ: لقد لقيتُ مِن قومِكِ، وَكانَ أشدَّ ما لقيتُ منهُم يومَ العقبةِ إذ عرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ ياليلَ بنِ عبدِ كلالٍ، فلَم يجبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأَنا مَهْمومٌ علَى وجهي، فلَم أستفِقْ إلَّا وأَنا بقرنِ الثَّعالب، فرفعتُ رأسي، فإذا بسحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ عليهِ السَّلامُ، فَناداني فقالَ: يا محمَّدُ، إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ، قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وما ردُّوا عليكَ، وقد بعثَ اللَّهُ ملَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شئتَ فيهِم قالَ: فَناداني ملَكُ الجبالِ: فسلَّمَ عليَّ، ثمَّ قالَ: يا محمَّدُ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وأَنا ملَكُ الجبالِ، وقد بعثَني ربُّكَ إليكَ لتأمرَني أمرَكَ، وبما شئتَ، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ فعلتُ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا. ))

[ التوحيد لابن خزيمة: خلاصة حكم المحدث : وثبت بالإسناد الثابت الصحيح ]

أي أنت الأمر لك، أعط إشارة سكان الطائف يبادون عن آخرهم، ((إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ)) ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال: ((اللهمَّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون)) لم يتخلّ عنهم، ودعا لهم، واعتذر عنهم، وتأمَّل أن يكون أولادهم صالحين، ((اللهمَّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون)) .
 

الآية التالية تُعَدُّ مثلاً أعلى للدُعاة:


﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)﴾

[ سورة القلم ]

معنى ذلك أن الله قَبِل توبته، وقع الإنسان في ذنب، وقع في ترك الأولى ماذا يفعل؟ عليه أن يتوب، تداركته نعمة الله عز وجل أي قَبِل الله اعتذاره، وقبِل الله توبته، وقبِل الله  استغفاره، وعفا عنه، وأنقذه، ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ طبعاً  لَفَظَهُ الحوت إلى اليابسة بأمرٍ من الله عزَّ وجل، لولا أن الله غفر له لكان شقيَّاً إلى أبد الآبدين، لكن الله رحيم.

﴿ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)﴾

[ سورة القلم  ]

أيها الإخوة الكرام؛ لا يجتمع يأسٌ مع إيمان بالله، لا يجتمع قنوط مع إيمان بالله، لا يجتمع حُزْنٌ مع إيمان بالله، لا يجتمع قهرٌ مع إيمان بالله، لا يجتمع خوفٌ مع إيمانٍ بالله، إن آمنت بالله كل شيء بيد الله عزَّ وجل، اجعل هذه القصَّة دائماً نُصْبَ عينيك، كلّ ألمَّت بك ملمة هي أقلّ بكثير من صاحب الحوت، مشكلة دخل قليل، لم يجد عملاً، لم يجد بيتاً، أما ذلك النبي الكريم صار في بطن الحوت، ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ مذمومٌ من قِبَل الله، لولا أن الله عَفا عنه، وقَبِل توبته، ورحمه، لكان مذموماً من قِبَل الخالق، ومن قِبَل المخلوقين، ومن قِبَل نفسه، ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ أي تاب عليه وقَبِله، ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ وعاد إلى قومه، وآمنوا معه جميعاً، وأكرمه الله بهم.
هذه الآية تُعَدُّ مثلاً أعلى للدُعاة، الداعية قد يحتمل التكذِّيب، ويحتمل الطعن، والسخرية، والاستخفاف، والمعارضات، وهناك من يكيد له، وهناك من يُشَكِّك فيه، يجب أن يكون هذا النبي الكريم قُدْوَةً لكل داعيةٍ على الإطلاق.
 

معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية:


﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)﴾

[ سورة القلم  ]

أي من شدَّة عداوتهم وشدة حقدهم وشدة غيظهم ينظرون إلى النبي عليه الصلاة والسلام نظرة الحقد والحَسَد، وكأن هذه النظرات من شدَّة قسوتها تَحْمِلُ النبي على أن يَقَعْ، ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ ولاسيما ﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ هناك معركةٌ أزليةٌ أبديةٌ بين الحقِّ والباطل، هذه المعركة أن كل من دعا إلى الله هناك من يُعارضه، وهناك من يَسَفِّهُهُ، وهناك من يقف أمامه ويشكك فيه، فبدت هذه واضحةً عند النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء الذين كفروا كرهوا دعوة النبي، وحقدوا، وبغضوا، وتألَّموا فكانوا إذا نظروا إليه وهو يقرأ القرآن تمتلئ قلوبهم حقداً، وغيظاً، وحسداً، ﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ والحقيقة المجنون من عصى الله، ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ .

﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)﴾

[ سورة القلم  ]

﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ (6)﴾

[ سورة القلم  ]

يقولون: إنه مجنون، والحقيقة لما ربنا عزَّ وجل ذكر هذه التهمة التي أُتهم بها النبي عليه الصلاة والسلام ظُلماً، إن هذا الاتهام الذي سجله الله في قرآنه الكريم والذي يُتلى إلى أبد الآبدين جعله الله تسليةً للمؤمنين، أي من أنت؟ سيد الخلق وحبيب الحق أُتهِم بأنه مجنون فمن أنت؟ أنت إنسان أقل من ذلك.
أيها الإخوة الكرام؛ لذلك يجب أن نعتقد أن المجنون هو الذي يعصي الله، قال رجل لأحد الصالحين، لسيدنا جعفر الصادق: إن جاري ظلمني، فقال له: اصبر، قال له: أخاف أن أكون ذليلاً، فقال هذا الإمام العظيم: الذليل من عصى الله، والذليل من ظلم الناس؛ هذا هو الذليل، أي ذليل في المآل، فأنت إذا كنت في طاعة الله أنت العزيز، ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ .

﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)﴾

[  سورة آل عمران ]

المؤمن سليم الصدر، المؤمن طيّب.

﴿ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)﴾

[ سورة القلم  ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور