وضع داكن
30-06-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة القلم - تفسير الآيات 8-16 التحذير من المداهنة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  لا مساومة في الدين:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع من سورة القلم، ومع الآية الثامنة وهي قوله تعالى:

﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)﴾

[ سورة القلم ]

أيها الإخوة الكرام؛ هذه الآية الكريمة تنفي مبدأ المساومة في الإسلام، تنفي أنصاف الحلول، تنفي أن يمشي كل فريقٍ إلى منتصف الطريق، تنفي أن يتخَّلى كل فريق عن بعض مبادئه، المساومة تكون في التجارة؛ قد تخفض السعر أو ترفع السعر، تضيف إلى المبيع مبيعاً، هذا يجري في عالم التجارة، أما في عالم العقيدة فلا مساومة على المبدأ، المبدأ كلّ لا يتجزَّأ، صغيره ككبيره، إذ لا صغير فيه، أما التجارة فهي صفقةٌ تجزَّأ، وسعرٌ يُقسَّط، وخصائص تدنو أو تبتعد، هذا كله حاصل في عالم التجارة أما في عالم الدين، في عالم العقيدة فلا مساومة على المبدأ.
أيها الإخوة الكرام؛ الإسلام منهج الله عزَّ وجل، منهج السماء، منهجٌ رباني، لا يمكن أن يلتقي مع الجاهلية في منتصف الطريق، والأصح من هذا أنه لا يمكن أن يلتقي معها في طريق، لأن الإسلام في وادٍ، والجاهلية في وادٍ آخر، منطلق المسلم طاعة الله عزَّ وجل، منطلق المسلم العمل للآخرة، منطلق المسلم أن يضع كل شهواته تحت قدمه، منطلق المسلم أن التبْرَ كالتراب، وأن طاعة الله هي كل شيء، منطلق غير المسلم المال هو كل شيء، الدنيا هي كل شيء، افعل كل شيء من أجل أن تصل إلى هدفك، الغاية تبرر الواسطة، لذلك الإسلام والجاهلية، الجاهلية القديمة والجاهلية المعاصرة وجاهلية الغد لا يمكن أن تلتقي مع الإسلام، لا في منتصف الطريق، بل إنه لا يمكن أن يجمع بينهما طريق، هذا في وادٍ، وهذا في واد.
مثلاً هذا الحائط فيه لونٌ أسود ولونٌ سُكَّري، يجتمعان، نقول: هذان اللونان متعاكسان، إلا أن الظلام والنور متناقضان، بمعنى أن أحدهما ينفي وجود الآخر، إذا حلّ النور فلا ظلام، وإذا كان الظلام فلا ضياء، فيجب أن نعتقد أن منهج الله عزَّ وجل متميِّز، منهج خالق الكون، له خصائص علوية، له أهدافٌ رَبَّانية، له وسائل شريفة، لا يمكن أن يلتقي منهج الله مع منهج البشر، كلاهما ينطلق من منطلق، وكلاهما يتَّجه إلى هدف، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)﴾

[  سورة الكافرون ]

 لذلك: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)﴾ .
 

ثلاث صور تجسد هذه الآية: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾:


أيها الإخوة؛ أضع بين أيديكم ثلاث صورٍ من سيرةٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم تجسِّد هذه الآية: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ . 

الصورة الأولى:

لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله، ويسفِّه آلهتها، ويسفه أحلامها، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم، ماذا فعلت قريش؟ قريش مشى أشرافها إلى أبي طالب: عُتبة، وشَيبة، وأبو سفيان، والعاص بن هشام، وأبو جهل، والوليد بن مغيرة، مشى هؤلاء وهم علية القوم وأشراف قريش وزعماء قريش مشوا إلى أبي طالب قالوا له: إن ابن أخيك قد سبَّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسَفَّه أحلامنا، وضَللَّ آباءنا، فإما أن تَكَفَّه عنا، وإما أن تخلّي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه دعه لنا، قال لهم أبو طالب كلاماً رقيقاً وردَّهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه، ومضى عليه الصلاة والسلام على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه، ثم تفاقم الأمر بينه وبينهم، حتى تباعدوا وتضاغنوا وأكثرت قريش ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فالتقوا مرة ثانية بأبي طالب قالوا: يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلاً فينا، وإنّا قد استنهيناك عن ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنّا والله لا نصبر على هذا من شتم آلهتنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آبائنا، حتى تكُفَّه عنا أو ننازله وإيَّاك، جعلوه طرفاً، حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قال، ثم انصرفوا عنه، فعظُم هذا على أبي طالب، عظُم عليه فراق قومه له، وعداوتهم، ولم يطب نفساً بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خذلانه.
قال ابن إسحاق: حدَّثني يعقوب بن عقبة بن المغيرة أنه حدَّث أن قريشاً حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة، بعث عندئذٍ أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه وقال له: 
يا بن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي: كذا وكذا، فأبقِ علي وعلى نفسك ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق، أي أول بوادر التخلي، قال: فظن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قد بدا لعمِّه فيه بداء، أي غير موقفه، اتخذ موقفاً جديداً، بدأ يتخلَّى عنه، وأنه خاذلُه و مسلمُه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، فقال عليه الصلاة والسلام، هذه المقولة التي تجسد هذه الآية، قال:

(( عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة : والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه. ))

[ فقه السيرة : ضعيف ]

وبكى النبي عليه الصلاة والسلام ثم قام، فلما ولَّى ناداه أبو طالب قال: أقبل يا بن أخي، فأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أُسلمك لشيءٍ أبداً.
هذا موقف، في الدين لا يوجد أنصاف حلول، في الدين لا يوجد مداهنة، في الدين لا يوجد مشي إلى منتصف الطريق لأنه منهج الله عزَّ وجل، كامل كمالاً كمِّياً وكمالاً نوعياً.

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾

[ سورة المائدة ]

وكل مؤمن صادق في أي عصر هذا موقفه، يتساهل بكل شيء إلا في أمر عقيدته، يتساهل في كل شيء إلا في أمر عبادته، يتساهل بكل شيء إلا في أمر الحلال والحرام، في أمر الحق والباطل له موقفٌ صُلب، لين إلى أقصى درجة إلا في الحق فله موقفٌ لا يتزعزع، كلمة لا، يقولها بملء فيه ولا يخشى لومة لائم، هذه صورة من صور موقف النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال الله له: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)﴾ أي لا يوجد في الإسلام أنصاف حلول، لا يلتقي حقٌ وباطل، لا يمكن أن يوفق بين الحق والباطل، كما لا يمكن أن نوفق بين النور والظلام، ظلام لا يوجد نور، نور لا يوجد ظلام. 

الصورة الثانية:

صورةٌ ثانية؛ عتبة بن ربيعة كان سيداً من سادة قريش، قال يوماً وهو جالسٌ في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أو ألا أقوم إلى محمدٍ –نحن نصلي عليه-فأكلِّمه وأعرض عليه أموراً لعلَّه يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويَكُفَّ عنا، وذلك حينما أسلم سيدنا حمزة، ورأوا أصحاب الرسول يزيدون ويكثرون، فقالوا: يا أبا الوليد قُم إليه فكلمه، فلا يوجد لديهم مانع، فقام إليه عُتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بن أخي إنك منا حيث علمت من السطَةِ -أي بأعلى مكان-في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمرٍ عظيم فَرَّقت به جماعتهم، وسفَّهت به أحلامهم، وعِبت بهم آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلَّك تقبل بعضها: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ قال له النبي عليه الصلاة والسلام: قل يا أبا الوليد أستمع إليك، وكان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الأدب، كما أنه محدِّثاً لبقاً، كان مستمعاً أديباً، قال: يا أبا الوليد قل أستمع إليك، قال: يا بن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد به شرفاً -سيادةً، رئاسة-سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رِئياً تراه لا تستطيع رَدَّه عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبْرِئكَ منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه -أي إذا معك هوس، أو مرض، أو لوثة-: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ الآن هذه الشواهد أو هذه المشاهد تفسِّر هذه الآيات، حتى إذا فرغ عُتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمِع إليه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد، أي انتهيت؟ قال: نعم، فقال: فاستمع مني، قال: أفعل، أي تفضل، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)﴾

[ سورة فصلت ]

ثم مضى النبي صلى الله عليه وسلم يتلو عليه هذه السورة بأكملها، فلما انتهى إلى السجدة قام عليه الصلاة والسلام وسجد، ثم قال: سمعت يا أبا الوليد ما سمعت أنت وذاك، هذا جوابي، جوابه قرأ عليه هذه السورة، دققوا فيما حدث؛ فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، تغيَّر وكأنه اقتنع بقول النبي، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أنني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قَطْ، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكِهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزِلوه، أي دعوه وشأنه، دعوه يتكلَّم، دعوه يُبلِّغ هذه الرسالة، فوالله ليكونن لِقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كُفِيتموه، وإن يظهر على العرب فملكه ملكُكُم، أي إذا حاربته العرب كفتكم إيَّاه، وإن فاز عليهم ملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سَحَرَكَ والله يا أبا الوليد، لقد سحرك بلسانه، قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.
وهناك رواية ثانية: النبي تابع الآية.

﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)﴾

[ سورة فصلت ]

فقام مذعوراً فوضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أُنْشِدَكَ الله والرحم يا محمد، وذلك مخافة أن يقع النذير، وقام إلى القوم فقال ما قال. 

الصورة الثالثة:

الصورة الثالثة؛ اعترض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف بالكعبة الأسود بن المُطَّلِب، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، وكانوا ذوي أسنانٍ في قومهم، أي علية القوم، فقالوا: يا محمد هَلُمَّ فلنعبد ما تعبد، نحن سنطيعك، وتعبد ما نعبد، نصف حل، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه فأنزل الله تعالى قوله الكريم: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)﴾ .
أيها الإخوة الأكارم؛ أردت من هذه القصص الثلاثة، ومن تلك المقدِّمة أن يعتقد المسلم أن إسلامه من عند الله، وأن منهج الله متميِّز، وأنه لا يلتقي مع الجاهليَّة، فليس في الإسلام أنصاف حلول، الإسلام منهج كامل، لا يمكن أن تأخذ منه ما يُعْجِبك وأن تدع ما لا يعجبك، لا يمكن أن يلتقي منهج الله مع منهجٍ أرضي وضعه أناسٌ لهم حظوظٌ من الدنيا، إذاً قوله تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)﴾ وتحدَّثت في الدرس الماضي عن المداهنة، وهي بذل الدين من أجل الدنيا، بينما المداراة بذل الدنيا من أجل الدين، المؤمن منهي عن أن يُداهن، مأمورٌ أن يداري، ورأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس، أن تبذل شيئاً من دنياك من أجل أن تقنعهم بالدين.
 

الحلّاف كثيراً مهان عند الله وعند الناس وعند نفسه:


ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)﴾

[ سورة القلم ]

الحلّاف: صيغة مبالغة أي كثير الحَلْف، لماذا يحلف كثيراً؟ لأنه غير واثقٍ من نفسه، لأنه يكذب، ومادام يكذب يتوهَّم أن الناس يكذبونه ولا يصدقونه فيسارع إلى الحلف، وهذا الحلّاف الذي يكذب ويحلف كثيراً مُهانٌ عند نفسه، لا يحترم نفسه، الكاذب يحتقر نفسه، الكاذب مهان عند نفسه والصادق محمودٌ عند الله، وعند الخَلق، وعند نفس الصادق نفسه.
﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ الحَلْف سبيله إلى إقناع الناس، وكأنه يتوهَّمُ مسبقاً أنه يكذب إذاً يسارع إلى الحلف فيحتقر نفسه، والإنسان أدرى بنفسه من غيره.

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾

[ سورة القيامة ]

والإنسان أعرف الناس بنفسه، فحينما يكذب يستنجد بالحلف ليصدِّقَهُ الناس وما درى أنه بهذه الأيمان الكثيرة يضعضع مكانته، ويصبح مهاناً عند الله، وعند الناس، وعند نفسه.
 

الهمز واللمز خُلُق يكرهه الإسلام:


﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)﴾

[ سورة القلم ]

من هو الهمَّاز؟ الذي يهمز الناس، يعيبهم بالقول والإشارة في حضورهم أو في غيبتهم، وخُلُقُ الهمز واللمز يكرهه الإسلام:

(( عن عبد الله بن مسعود:  ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ. ))

[ صحيح الترمذي ]

هؤلاء أهل الدنيا يطعنون في كل شيء، يعيبون كل شيء، يدخل إلى بيت، يسأله عن مساحته، كيف تعيش في هذا البيت؟ هذا البيت لا يعاش فيه، يسأله عن دخله، هذا دخل قليل هل يكفيك؟ يسأله عن زوجته، عن أثاثه، عن سفرياته، عن رحلاته، دائماً يسأل ليطعن، يسأل ليحتقر، يسأل ليعيب، يسأل ليُحْرِج، يسأل ليُصغِّر، هذا شأن أهل الدنيا، لكن المؤمن ماذا يفعل؟ المؤمن يُطَيِّب قلب الناس بدنياهم، يثني عليهم.
مرة دخلت إلى بعض بيوت إخوتنا الكرام، صدقوني كانت غرفة الضيوف لا تزيد عن مترين بثلاثة أمتار، ضِّيقة جداً لا تتسع للأثاث إطلاقاً، فهذا الأخ استحيا، قلت: والله يا أخي سيد الخَلْق وحبيب الحق، سيد ولد آدم، حبيب الله عزَّ وجل، الإنسان الأول في الكون، كانت غرفته لا تتسع لصلاته ونوم زوجته، فمن نحن؟ هكذا كان عليه الصلاة والسلام، فهو الذي قال:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ   عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ».))

[ صحيح البخاري  ]

دعي إلى خل، هل يوجد واحد من الحاضرين يُدعى إلى خبز وخل؟! أدعوك إلى غداء، وضع له صحناً من الخل ورغيف خبز، غمس وكُل، من يرضى بهذا الغداء؟ فقال عليه الصلاة والسلام:

(( عن عائشة أم المؤمنين: نِعْمَ الأُدُمُ -أوِ الإدامُ- الخَلُّ. وفي روايةٍ: نِعْمَ الأُدُمُ، ولَمْ يَشُكَّ. ))

[ صحيح مسلم ]

المؤمن يطيِّب قلب الناس لا يصغِّرهم، لا يزدريهم من أجل دنياهم المتواضعة بالعكس يثني عليهم، قال علي بن أبي طالب: "نعم الإدام الجوع"، لم يقل اللحم، قال: الجوع، أن تكون جائعاً إذا كنت جائعاً رأيت كل طعامٍ طيباً، فالمؤمن ليست مهمته أن يضعضع ثقة الناس بأنفسهم، ولا أن يزدري أثاث بيتهم، ولا مساحة بيتهم، ولا دخلهم المتواضع، ولا صحتهم المتعبة، هو مهمته أن يرفع معنويات الناس، يرضيهم  بما هم فيه، أما هذا: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ﴾ أي لسانه والنقد، دائماً ينتقد، ينتقد بيتك، ينتقد دخلك، ينتقد أولادك، ينتقد ما أنت فيه، لا يوجد عنده غير النقد، والتصغير، والاستعلاء، والكبر، والزهو، قال: هذا لا تستمع لكلامه.
 

لا يدخل الجنة نمّام:


﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)﴾

[ سورة القلم ]

 يقول عليه الصلاة والسلام:

(( عن حذيفة بن اليمان: لا يدخل الجنة قَتَّات. ))

[ صحيح البخاري ]

النميمة من الكبائر التي تمنع من دخول الجنة، ما النميمة؟ أن تنقل لإنسان قولاً قال فيه إنسان، فلان قال عنك كذا وكذا، ما فعل شيئاً، ما قتل إنساناً، لا قتل، ولا زنا، ولا شرب خمراً، لكنه قال كلمة،فلان قال فيك كذا وكذا، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يدخل الجنة قتات)) أي نمام، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ   قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ: «يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» . ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». ))

[ صحيح البخاري ]

يُعذب في قبره، لأن النمَّام يمزِّق شمل المسلمين، يُمزّق شمل الأسرة الواحدة، يُمزِّق شمل الشركة، يُمزِّق شمل القبيلة، دائماً يوجد عداوات، اذهب إلى أي مكان دائماً إنسان ضد إنسان، ضمن الأسرة الواحدة، المجتمع الواحد، الدائرة الواحدة، المدرسة الواحدة، المستشفى الواحدة، في أي دائرة، فلان ضد فلان، لماذا؟ لأنه يوجد بينهم مشَّاء بنميم، يقول: فلان قال عنك كذا وكذا، ينمُّ له، وينم عليه، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: 

(( عن عبد الله بن مسعود : خرجَ عليْنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال: ألا لا يبلغَنَّ أحدٌ مِنكم عن أحدٍ من أصحابي شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرجَ إليهم وأنا سليمُ الصدرِ. قال: فأتاهُ مالٌ فقسمَهُ، فسمعْتُ رجلانِ يقولانِ: إن هذه لقِسمةٍ لا يريدُ اللهِ بها ولا الدارَ الآخرةَ. ففهِمْتُ قولَها ثم أتيْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقلت: يا رسولَ اللهِ ، إنَّكَ قلْتَ: لا يُبلغُني أحدٌ عن أحدٍ من أصحابي شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرجَ إليهم وأنا سليمُ الصدرِ، وإنِّي سمعْتُ فلانًا وفلانًا يقولانِ كذا وكذا، قال : فاحمرَّ وجهُهُ وقال: دعْنا مِنكَ، فقد أوذيَ موسى– عليْهِ السلامُ –بأكثرَ من هذا فصبرَ . ))

[  أخرجه أبو داود:الذهبي: المهذب في اختصار السنن : انفرد الكديمي بقوله فأتاه مال والكديمي لا شيء: ضعيف ]

إنسان يحب إنساناً لا تزعزع هذه العلاقة بينهما، تكلم عنك كذا وكذا بغيابك، قال: إنه لا يحبك، صَرَّح أنه لا يطيقك لكنه يجاملك مجاملة، أنت أقمت هوةً بينهما، فهذا الذي يكذِّب بالدين: ﴿حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)﴾ قال عليه الصلاة والسلام:

(( عن أسماء بنت يزيد أم سلمة الأنصارية: ألَا أُنبِّئُكم بخِيارِكم؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال: خياركم الذين إذا رءوا ذكر الله عز وجل. ))

[ صحيح ابن ماجه: خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره ]

إذا حَلّوا بمجلس حديثهم عن الله، حديثهم عن رسول الله، حديثهم عن أصحاب رسول الله، حديثهم عن محبَّة الله، عن طاعة الله، عن العمل الصالح، الإنسان إذا رآهم يذكر الله بهم، وهكذا ورد في الحديث: 

(( عن ابن عباس: أولياء أمتي إذا رُؤوا ذكر الله بهم ))

[  أخرجه المروزي في زوائد الزهد لابن المبارك، و الطبراني في الكبير ]

((ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الذين إذا رُؤوا ذُكر الله عز وجل بهم، ثم قال: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى. قال: المشَّاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العيب)) .
تجلس في مجلس والله فلان ما شاء الله حوله، أخلاقه عالية، سمته حسن، مستقيم، لا، دجَّال كبير، لا تصدق، كلما شعروا أن هناك إنساناً يحب إنساناً، يقدر إنساناً، طعنوا به، يغار، وقد يطعن وهو جائر، وقد يطعن وهو غير محق، ولا يوجد معه دليل، لكنه لا يحتمل أن يرى إنسانين متعاونين، إنسانين متحابَّين، إنسانين متآخيين، ((ألا أخبركم بشراركم؟)) .
 

معاني المناع للخير:


﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)﴾

[ سورة القلم ]

أي ينهى نفسه عن فعل الخير وينهى غيره، أي فاسد مفسد، ضال مضل، مانع نفسه، ومانع غيره، اجلس مع إنسان من أهل الدنيا: تتصدق!! أمجنون أنت؟ هذا المال أبقه ليومٍ أسود، أيامه كلها سوداء أساساً، يدعو للبخل، يأمر بالبخل، وينهى عن فعل الخير: ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ .
وهناك معنى دقيق جداً: أنك إذا فعلت معه معروفاً ردّ على معروفك بالإساءة، فمعظم الناس إذا رُدَّ عليهم بالإساءة حلفوا ألا يفعلوا خيراً، أحياناً تكون أنت وسيطاً بين اثنين، تأتيك متاعب لا حصر لها، فالإنسان بحكم فطرته يبتعد عن هذه المشكلات، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( عن عبد الله بن عمر: المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ. ))

[ صحيح الجامع: خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ بصراحة إذا أقرضت إنساناً قرضاً ولم يؤدِّه لك وحلف هذا المُقرض ألا يفعل هذا مرةً ثانية مع أحد، هذا الذي أخذ مال الناس ولم يؤده هو مناع للخير، لأنه حمل هذا الإنسان على ألا يفعل خيراً، إذا استعار إنسان حاجة من إنسان ولم يردَّها إليه في الوقت المناسب هو الذي يمنع الخير، إذا سمح إنسان لآخر أن يركب في مركبته وكان ذلك الشخص معه شيء ممنوع، وصودرت المركبة، لن يدع إنساناً في الأرض يركب معه مرة أخرى، الآن تجد شخصاً راكباً لوحده في المركبة فيجد إنساناً فلا يقف لأنه يخاف، لعل معه تهريبة، أو معه شيء غير نظامي، يتورط معه، فكل إنسان يُفْعَل معه خير ثم يقابِل هذا الخير بالإساءة هو الذي يمنع الماعون.
إنسان في الصحراء رأى رجلاً يعتلي فرساً، فأشار إليه أنه متعبٌ جداً، لو أركبه خلفه، فَرقَّ له هذا الفارس لأن الحر شديد، فدعاه إلى ركوب الفرس خلفه، ما إن اعتلى هذا الإنسان ظهر الفرس حتى دفع صاحبها إلى الأرض وعدا بها لا يلوي على شيء، ماذا قال له صاحب الفرس؟ يا هذا لقد وهبت لك الفرس ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إيَّاك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء فتذهب منها المروءة، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها.
هناك خمسمئة ألف بيت في الشام مغلقة بالمفتاح لا تؤَجَّر، لأن آلاف المستأجرين دخلوا شهراً، مكثوا في البيت اثنتي عشرة سنة لا يخرجون منه، ويقول له: هذه المحاكم بيننا، المستأجر الذي لا يرعى عهداً ولا ذمةً هو الذي يمنع الخير، نحن عندنا أزمة إسكان لا أزمة سكن، هناك خمسمئة ألف شقة في دمشق مغلقة ولا تؤَجَّر، من الذي سبّب هذه الحالة المستعصية المسدودة؟ الذين استأجروا بيوتاً فلم ينفِّذوا ما وعدوا به، يقول لك: إذا أجرت هذا البيت فقد انتهى، وذهبت الشقة، انتهى الأمر، هذا منع الخير، إنسان أقرضك لا ترد له، فقط  شهر، هذه السنة الخامسة، أخي هذه المحاكم اشتكِ عليّ لا يوجد معي لأعطيك، يقولها بقسوة، بلؤم، طالب المبلغ وديع، لطيف، بعد أن يتملك المبلغ لا يعبأ بك، ولا بتوسِّلاتك، يتدين بضاعة لا يعطيك الدَّين، يبيعها، يضع ثمنها في جيبه، يزوج أولاده، يرفِّه نفسه يقول لك: لا يوجد معي، أين البضاعة؟ بعناها وصرّفناها، هذا الحاضر، اشتك عليّ، هذا هو منع الخير، إذا باعك بضاعة بالدين لا تؤِّدي ثمنها له، إذا أقرضك لا تؤدي الثمن، إذا أجرك بيتاً لا تخرج منه،  أركبك بالمركبة معك بضاعة مهَّربة.
إذا صار حادث، إنسان بدافع من مروءته ينجد هذا الجريح، يضعونه ثلاثة أيام في السجن، الآن تعدلت والحمد لله، لم يعد هناك مسؤولية، عليك فقط أن تبرز هويتك ثم يدعونك تذهب، وإلا لمات ناس كثر بسبب النزيف، هذا الذي يشدد على من نقل هذا المُصاب يشدد عليه، يضعه في السجن بلا عدل هذا يسبب منع الخير، فلذلك منّاع للخير إما بلسانه أو بفعله، كلما واجهتَ إنساناً له عمل طيب بالإساءة منعت الخير، حتى صار الإنسان إذا إنسان فعل خيراً يستغرب، يقول: هل هو مجنون؟ صار الأصل ألا تفعل الخير، الأصل اللؤم، الأصل الإساءة، فصار الخير نادراً، حتى إذا فعل إنسان الخير بدا وكأنه شاذ، وشَكَّ الناس فيه، وتجدهم يقولون: ما مقصده؟ ليس له مقصد، يفعل الخير، الآن صار فعل الخير له تفسير سيئ، لأن الأصل أنه منَّاع للخير.
في فرنسا أرادوا أن يمتحنوا الدافع الإنساني في المجتمع، فجاؤوا بسيارة على أكثف طريق بين مدينة باريس ومدينة ليون، وضعوا السيارة كأنها مصابة بحادث، وجاؤوا بإنسان شبه جريح وضعوا له حبراً أحمر كأنه جريح يستغيث، مضت ست ساعات قبل أن تقف أول سيارة لتسأل ما به: ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ .
 لي صديق كان في لندن قال لي: رأيت امرأةً قبل مئة متر وقعت في الأرض، وكان على الرصيف كثافة كبيرة جداً، مئة متر لم يخطر في بال واحدٍ من الناس أن ينهِض هذه المرأة ليسأل ما لها، فلما وصل إليها أنهضها، قالت له: أنت غريب عن هذه البلاد، عرفت أنه غريب، لأنه أنهضها، وسأل عن حاجتها: ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ صفة المؤمن أنه فَعَّال للخير؛ والكافر مَنَّاع للخير، يَكْبر عليه أن تعاون الناس، أن ترحمهم، أن تنصحهم.
مرة جاء إنسان وقابلني، سألني عن دروس المسجد، هو يجري درجة دكتوراه في بلاد الغرب، عنده موضوع قال لي: ماذا يأتيك من هذه الدروس كلها؟ لم يفهم، لماذا تفعل هذا كله؟ لا يستوعب، الإنسان الغربي لا يستوعب العمل الصالح أبداً، لا يتحرَّك إلا بالمال، مرةً عرض صديقٌ لي على مندوب شركة كلمة حق، قال له: هذا الأمر لا يعنيني إطلاقاً، أنا تعنيني امرأة جميلة وسيارةٌ فارهة ومنزلٌ واسع فقط.

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)﴾

[ سورة الأنفال ]

كلمة: ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ كل إنسان يُسيء إلى من أحسن إليه فهو مَنَّاع للخير، وما أكثر الأعمال الصالحة التي كانت في السلف الصالح، الآن تضاءلت وتضاءلت إلى درجة أنك لا تجد إنساناً يفعل خيراً، كما يقولون: هذه ليست آية وليست حديثاً إطلاقاً وليست حكمة: اتقِ شرّ من أحسنت إليه، لكن كلمة يتذرَّع بها الناس ليمتنعوا عن فعل الخير.
 

الأثيم هو كل من يُطْلق لأهوائه العنان: 


﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)﴾

[ سورة القلم ]

كل إنسان يعتدي على أموال الناس، أو على أعراض الناس، أو على قلوب الناس بالغَيْبَة والنميمة، أو ينظر إلى نسائهم، أو يأخذ أموالهم، هو معتدٍ، هذا الذي يرفع المِذياع إلى أعلى درجة أيام الامتحانات هذا معتدِ، هذا الذي يُطْلق لأهوائه العنان دون أن يرعى حقاً لجار هذا معتد، هذا الذي يتأمَّل محاسن امرأة لا تحل له هذا معتدٍ، هذا الذي يدير حديثاً عذباً مع امرأةٍ لا تحل له هذا معتدٍ، هذا الذي يحتال على الناس فيأخذ أموالهم ابتزازاً هذا معتدٍ: ﴿مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ أما أثيم متلبِّس بالمعصية دائماً حتى صارت صفةً مشبهةً له، أثيم على وزن فعيل، كل حركاته وسكناته إثم، أينما جلس يبحث عن اللَّذة المُحَرَّمة، أينما حلّ يبحث عن معصيةٍ، يبحث عن شيء يعصي بها الله: ﴿مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ .
 

صفات أهل الدنيا:


هذا الذي يرفض هذا الدين:

﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)﴾

[ سورة القلم ]

العتل هو الغليظ الجافي، والأكول الشروب، والشره المَنوع، الفظ في طبعه، اللئيم في نفسه، السّيئ في معاملته، هذا تعريف العُتُل، ﴿عُتُلٍّ﴾ الغليظ الجافي، قال له زوج أخته: أختك تغلِّبني، قال له: طلقها، غليظ، الغليظ الجافي، الأكول الشروب، الشره المنوع، الفظ في طبعه، اللئيم في نفسه، السّيئ معاملته.

(( عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: العُتُل كل رغيد الجَوْف، وثيق الخلق، أكولٍ شروبٍ جموعٍ للمال، منوعٍ له، شر الناس من يعيش فقيراً ليموت غنياً. ))

[ الجامع الصغير: ضعيف ]

يموت ويدع ثروةً طائلة لأولادٍ جُهَّال، يقال لابنه: إلى أين أنت ذاهب؟ قال: لأشرب الخمر عن روح والدي، جمع فأوعى ومنع فلما توفِّي ورث هذا المال جهولٌ منحرفٌ شاذ، فأنفقه في المعاصي والآثام، وأندم الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً، وأندم الناس من دخل بماله النار.
أيها الإخوة الكرام؛ هذه صفات أهل الدنيا، عتل أي يأكلون أطيب الطعام، في بعض البلاد النفطية تجري ولائم تكلِّف مئات الألوف، جمل صغير محشي، يأكل الضيف أوقية،  الباقي يُرمى في القمامة، مئات ألوف الليرات والريالات يرمى في القمامة، أكولٌ شروب، فظّ لئيم، منوع للخير.
 

تعريف الزنيم:


ثم يقول:

﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)﴾

[ سورة القلم ]

قال: الزنيم هو الذي لا نَسَبَ له، لا ينتمي إلى أمَّته، لصيقٌ بها، مولود في بلاد المسلمين أما فكره غربي، عاداته أجنبية، يرى أن الإسلام شيء تخلُّف، هؤلاء يعيشون وراء العصر، أما هؤلاء الأجانب الذين يتبادلون الزوْجات، ويرتكبون المحرَّمات، سمعت أن هناك وزير صحة بريطاني في الوزارة الجديدة قال في مؤتمر صحفي: أنا شاذ جنسياً، وزير صحة، ما هذا؟ قال عليه السلام:

(( عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلَاثٌ هُنَّ حَقٌّ: لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهَ عَبْدٌ فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ ، وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ .))

[ رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " صحيح الترغيب والترهيب ]

 من هوي الكفرة حُشر معهم ولا ينفعه عمله شيئاً، فهذا الزنيم لصيق ليس من هذه الأمة، ليس من تُراثها، ليس من دينها، ليس من أخلاقها، ليس من مروءتها، زنيم.
عُرِفَ الزنيم أيضاً بلؤمه، وخبثه، وكثرة شروره، والعوام تعِّبر عن هذا الإنسان الشرير بقولهم: ابن حرام، هذا هو الزنيم.
 

كلّ حظّ من حظوظ الإنسان إن وُظِّف في الحق كان نعمةً وإن أُنفق في الباطل كان نقمةً:


 ثم يقول الله عزَّ وجل: 

﴿ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)﴾

[ سورة القلم ]

قد يكون غنياً، وقد يكون له أولاد، وله مكانة، لكنه: ﴿حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ(14)﴾ المال لا يرفع صاحبه، الله عزَّ وجل أعطى المال لمن لا يحب وأعطاه لمن يحب، ما دام قد أعطى المال لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليس مقياساً، انتهى المال، المال ليس مقياساً، ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ أي الله عزَّ وجل أكرم إنساناً بالمال يستعلي على عباد الله؟! أكرم إنساناً بالمال يعصى الله به؟! ينفقه في المعصية؟!
 بالمناسبة أيها الإخوة؛ كل الحظوظ التي يؤتيك الله إيَّاها تأكد أنها ليست نعماً، كما أنها ليست نقماً، إنها ابتلاء، فإذا أنفقت هذه الحظوظ في طاعة الله انقلبت إلى نعم، وإن أنفقتها في معصية الله انقلبت إلى نِقم، أبداً، فالمال ليس نعمةً، نعمةٌ إذا أنفقته في طاعة الله، سيدنا ابن عوف قالت عنه السيدة عائشة: "أخشى أن يدخل ابن عوفٍ الجنة حبواً" ، فلمَّا بلغه هذا الكلام قال: "والله لأدخلنها خبباً، وما عليَّ إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء" ، فالمال إذا أنفقته في طاعة الله انقلب إلى نعمة، طلاقة اللسان إذا أنفقتها في ذكر الله، وفي إقناع الناس بالخير، هذه نعمةٌ كبيرة فصاحة اللسان، أما إذا كانت فصاحةً بالباطل فهذه نقمة، الوسامة  إذا كانت من أجل أن تجذب الناس إليك، أما إذا كانت من أجل أن توقع النساء في شباكك فهذه نقمة، فكل حظّ من حظوظ الإنسان إن وظَّفه في الحق كان نعمةً، إن أنفقته في الباطل كان نقمةً.
 

من كذب بآيات الله سيُذل يوم القيامة:


إذاً:

﴿ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)﴾

[ سورة القلم ]

يقول لك: هذه غيبيَّات، تخلُّف، فكر مهزوز، غيبيَّات لا تقدِّم ولا تؤخِّر، دعك من هذا، حدِّثنا بالواقع، حدِّثنا بالمال، بالبيوت، بالتجارات: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ هذا الذي كذَّب بآيات الله وكان: ﴿حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)﴾ هذا الجواب:

﴿ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)﴾

[ سورة القلم ]

 

أشقى الناس قاطبة من يقف في خندق معاد للدين:


أكرم شيء في الإنسان هو رأسه، وأجمل ما في رأسه وجهه، وأشرف مكان أنفه، وقيل: فلان عنده أَنَف، أي عنده عزة، فلان يَأْنَف أن يفعل هذا، هذا الأنف نقول: رغم أنفه، أنفه راغمٌ في التراب، فالأنف أبرز شيء في الوجه وأشرف عضو، قال: هذا الأنف ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ سوف نذله، نسمه أي من الوسم، كان هذا العبد له وسمة خاصة، تُحمَّى أداة حديدية ويُكوى بها وجهه، أي هذا عبد، قال: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ أي سوف يذَل، الإنسان حينما يستكبر على الحق يذله الله عزَّ وجل ويضعه في أسفل سافلين، وهذا شيء دقيق جداً، في الدنيا قبل الآخرة، الذي يعادي أهل الحق، لما قال ربنا عزَّ وجل مثلاً:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾

[ سورة التحريم ]

معقول أن يقول الله عزَّ وجل من أجل امرأتين: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ ؟ من أجل جندي تكلم كلمة نستنفر خمس فرق، سلاح الطيران، معقول؟ معنى الآية أيها الإخوة أن أي إنسان حدثته نفسه أن يقف في خندقٍ معادٍ للدين، أي إنسان حدثته نفسه أن يطعن في الدين، أن يطعن بأنبياء الله الصالحين، أن يضعضع مركز الدين في المجتمع، ليعلم من هو خصمه، هذا معنى الآية،  ليعلم من هو خصمه؛ الله ورسوله وصالح المؤمنين والملائكة، فأنت لا تقوى على أن تنبس ببنت شفة، أشقى الناس قاطبةً هو الذي يقف في خندقٍ معادٍ للدين، هو الذي يريد أن يطفئ نور الله بفمه، هو الذي يريد أن يمنع مساجد الله الذي أن يذكر فيها اسمه ويسعى في خرابها، أي إنسان يقف في خندق معاد للدين هذا أشقى الناس قاطبةً، ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ سوف نُذله في الدنيا والآخرة، سوف نمرِّغ أنفه في الوحل، سوف يلقى عذاباً مهيناً، وهذا شيء ثابت، أوضح دليل النبي عليه الصلاة والسلام دعا إلى الله بإخلاصٍ شديد، وتضحيةٍ بالغة هو وأصحابه أين هم الآن؟ النبي في مجتمع يزيد حجمه عن مليار ومائتي مليون كيف يُذكر النبي؟ بالتعظيم، فكلما ذُكر النبي نقول: صلى الله عليه وسلم، سيدنا الصديق، سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا بلال الحبشي، سيدنا زَيْد، كان أسود اللون أفطس الأنف، سيدنا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله؛ وهؤلاء الذين عارضوه، وكفروا به، وائتمروا على قتله، وإخراجه، أبو جهل، أبو لهب، لعنهم الله، أليس كذلك؟ هم الآن في مزبلة التاريخ، هذه أمثلة بين أيدينا، وأي إنسان سيدنا صلاح الدين الأيوبي ردّ الكفرة، مسيلمة الكذّاب لعنه الله، الذي يقف مع الدين يرفعه الله، والذي يقف مُعارضاً للدين يُذله الله في الدنيا قبل الآخرة، هناك إنسان ادّعى النبوة في الهند أو الباكستان، ادّعى أنه نبي بعد رسول الله، وكان هناك موجة كوليرا جائحة كبيرة جداً، فأراد أن يتخذ من هذا المرض أداة للتأكيد على أنه نبي، قال: أنا لن أصاب بهذا المرض لأنني نبي، مات بهذا المرض في المِرحاض: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ أشقى الناس قاطبةً هو الذي يقف في خندقٍ معادٍ للدين، إيَّاك إياك أن تطعن في دين الله، إياك أن تطعن في كتاب الله، إياك أن تطعن في رسول الله، في أصحابه الكرام، إياك ثم إياك، لأنك إن فعلت هذا فالطرف الآخر هو الله، ورسوله، وصالح المؤمنين والملائكة جميعاً: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ .
وفي درسٍ آخر إن شاء الله نتابع هذه الآيات.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور