- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (043)سورة الزخرف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع والأخير من سورة الزخرف.
إذا أراد أحد إبرام أمر فليتدبر عاقبته وليعلم أن لكل شيء حسابه:
مع الآية التاسعة والسبعين وهي قوله تعالى:
﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ(79)﴾
وقد بيّنت في الدرس الماضي طرفاً من هذه الآية، حيث إن الله سبحانه وتعالى يبين أن هذا الإنسان قد يفكر، وقد يتخذ قراراً، بالمصطلح الحديث، أو يُبرِم أمراً، لكن حينما يبرم الإنسان الأمر قد يغفل عن أن الله بيده كل شيء، وأن الله سبحانه وتعالى مُطَّلع على كل شيء، وأن الإنسان في قبضته، فالإنسان حينما يتجاهل أن الأمر بيد الله، وأنّ الله مُطَّلع عليه وأن الله سيحاسبه يغدو بإبرامه هذا الأمر أحمق، يبدو باتخاذه هذا القرار متسرعاً.
فالإنسان قبل أن يتحرك، قبل أن يعطي، قبل أن يمنع، قبل أن يغضب، قبل أن يتخذ قراراً، قبل أن يبرم أمراً، قبل أن يضع خطة، قبل أن يسيء إلى إنسان، عليه أن يفكر بماذا سيجيب ربه يوم القيامة؟ وما حجته؟ إذا أراد أحدكم إبرام أمر فليتدبر عاقبته، فأنت لك أن تتخذ أي قرار، ولك أن تُبرِم أي أمر ولكن لكل شيء حسابه، ولكل عمل نتائجه، ولكل سيئة عقاب، ولكل حسنة ثواب، والأمر ليس كما يتوهم الناس.
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)﴾
هكذا بلا حساب، بلا مسؤولية، بلا جزاء، بلا ثواب، بلا عقاب، بلا جنة، بلا نار؟ ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ .
﴿
الدين هو العقل ومن لا دين له لا عقل له:
الجاهل وحده يتوهم ذلك، وقد ترى إنساناً يتحرك حركة عشوائية، ويتطاول ويعتدي ويأخذ ما ليس له، ويؤذي، ويبالغ في إذلال الآخرين، أو في أخذ ما في أيديهم ويظن نفسه ذكياً متفوقاً متمكناً، وهذا هو الحُمق بعينه، وهذا هو الجهل بعينه.
أيها الإخوة الكرام، قبل أن تتحرك، قبل أن تتخذ قراراً، قبل أن تطلّق، قبل أن تتزوج، قبل أن تعقد صفقة، قبل أن تعلن سعراً، قبل أن توقِع أذىً، قبل أن تتحرك، فكِّر أنك في قبضة الله، فكّر أن كل أمرك بيد الله، فكر واعلم أن الله سبحانه وتعالى قادر بثانية واحدة أن يجعل حياتك جحيماً، الإنسان تأتيه المصيبة فجأة من دون سابق إنذار، إما في جسده، أو في ماله، أو في أهله، أو في أولاده، أو في عقله، فهذا الذي يرتكب الحماقات ويسيء إلى الناس إما مُعتدّاً بقوته، وإما مُعتدّاً بجبروته، وإما مُعتدّاً بذكائه هذا هو الجاهل بعينه.
إخواننا الكرام، دائماً فرِّقوا بين من هو مُتفوق في اختصاصه، غافل عن ربه، هذا ليس ذكياً، ولو بدا لكم أنه ذكي، ربما نسمي ذكاءه ذكاءً جزئياً محدوداً مهنياً حرفياً، لكن الذكاء الحقيقي هو الذكاء الشمولي الذي تعرف من خلاله حجمك، وأين كنت؟ وإلى أين المصير؟ وماذا ينبغي أن تفعل؟ الذكاء الذي يضم الآخرة إلى الدنيا، والمسؤولية إلى العمل، والجزاء إلى المقدمات، هذا هو الذكاء، فلذلك مَن لا دين له لا عقل له، إنما الدين هو العقل.
كلما زاد إيمانك زاد خوفك من الله:
(( لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك. ))
أيها الأخ الكريم، كلما ازداد إيمانك ينبغي أن يزداد خوفك من الله، يجب أن تفحص إيمانك من شدة خوفك من الله، فالخوف من الله يتناسب مع معرفته، لذلك أخوف إنسان على وجه الأرض من الله هو النبي عليه الصلاة والسلام، وكلما قلّ الإيمان قلّ الخوف من الله، فإذا انعدم الإيمان انعدم الخوف، لذلك قال بعضهم:
ذو العقلِ يشقى في النّعيمِ بعقلِه وأخو الجَهالةِ في الشّقاوةِ يَنعمُ
الخوف المقدس هو أن تعرف أنك مسؤول وتعرف حدود مسؤوليتك:
فإذا آمنت بالله عز وجل، وعرفت حدود مسؤوليتك، وعرفت الرسالة التي أناطها الله بك، وعرفت أن هذه الدنيا دار عمل، وأن الآخرة دار جزاء، وأن كل حركة أو سَكَنة مُحاسَب عليها وأنه:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾
تشعر أنك خائف، وهذا هو الخوف المقدس، تشعر أنك مسؤول، لذلك لا تعجب أن يقول عمر: ليت أم عمر لم تلد عمر، ليتها كانت عقيماً، لا تعجب، لا تعجب إن رأيت نفراً من أصحاب رسول الله وهم الذين جاهدوا معه، وباعوا أنفسهم في سبيل الحق، لا تعجب أن يتهموا أنفسهم بالنفاق، كما قال بعض التابعين: لقيت أربعين من أصحاب رسول الله وما منهم أحد إلا ويظن نفسه منافقاً، لا تعجب، كلما عرفت ربك أكثر عرفت المسؤولية التي أناطها بك أكثر، وعرفت المهمة التي كلفك بها أكثر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( والله لو تَعلَمُونَ مَا أعلَمُ لَضحِكتُمْ قَليلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثيرا، وما تَلَذَّذْتُم بِالنِّساءِ على الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ تَجأروُنَ إِلى اللهِ. ))
على الإنسان أن يخشى الوقوف بين يدي الله فالصدق منجاة والكذب مهواة:
الحساب دقيق، والدليل أن إنساناً لو طُلب منه أن يقابل جهة ما بعد يومين، فلا ينام الليل وهو نظيف ومستقيم، فما بالك أن يسألك خالق السماوات والأرض، الذي يعلم السر وأخفى، أنت أمام إنسان من جنسك تخشى السؤال، ماذا سأُسأَل؟ ماذا فعلت حتى طُلِبت؟ فكيف إذا وقفت بين يدي الواحد الديان وهو الذي يعلم كل شيء، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
والشيء الذي يلفت النظر هو أن الإنسان قد يؤتيه الله في الدنيا طلاقة لسان، وقوة بيان، ونصاعة حُجة، قد يستطيع قلب الحق باطلاً، وقلب الباطل حقاً، قد يستطيع أن ينتزع إعجاب من يستمع إليه، وأن يُقنِع الناس، هذا الذي سماه بعض الصحابة جدَلاً، قال كعب بن مالك: لقد أوتيت جدلاً، يعني عندي قوة إقناع، ولو أردت أن أسترضي رسول الله ليُوشِكَنّ الله أن يسخِّطه عليّ، عرف أن الله بيده كل شيء، قال: فأجمعت صدقه، فحينما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب تخلفه عن غزوة تبوك قال: والله يا رسول الله إني أوتيت جدلاً، ولكنني لم أكن في وقت من الأوقات أنشط مني ولا أقوى في الوقت الذي تخلّفت فيه عنك، فالنبي عليه الصلاة والسلام أكبر صدقه، وقال:
(( وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلت: بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت. ))
يعني أشعر أن الآية لها ظلال كثيرة:
كلما ازداد المؤمن علماً ازداد انضباطاً على منهج الله:
قلبك بيده، عينك بيده، الشبكية بيده، مركز البصر في الدماغ بيده، نمو الخلايا بيده، ضيق الشرايين بيده، عمل الكلية بيده، يُقال فشل كلوي أخطر من مرض القلب، تشمّع الكبد بيده إن توقَّف الكبد انتهى أجله وليس هناك أمل إلا الموت، فالإنسان ماذا يملك؟ والله لا يملك شيئاً، فأي عضو في جسده لو تعطّل قلَبَ حياته إلى جحيم، هذه الأعضاء ليست بيدك، الله عز وجل قال:
﴿
فعلامَ القول إنني سأفعل ولن أفعل، وأعطي ولن أعطي، تأدّبْ مع الله، ولتعلم أنك كلما ازددت علماً ازددت أدباً مع الله، كلما ازددت علماً ازددت تواضعاً لله، كلما ازددت علماً ازددت خوفاً من الله، كلما ازددت علماً ازددت انضباطاً على منهج الله، لماذا مجلس العلم؟ لتعرف الله، لتنعكس هذه المعرفة سلوكاً راقياً، كمالاً في التعامل، أدباً مع الله، أدباً مع عباد الله، تواضعاً للمؤمنين، والنبي عليه الصلاة والسلام وهو قِمّة البشر كلهم، يقول الله له:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(215)﴾
على المؤمن أن يحسب حساب كل شيء لأنه يعلم أن الله عليم بأفعاله خبير بنواياه:
هذا المؤمن غالٍ على الله،
مضمون هذه الآية يعني أنك قبل أن تتحرك لابد من أن تحسب حساباً لأشياء كثيرة، الذي يُؤسَف له أن بعض الناس إذا تحرك يحسب حساباً لكل شيء، ذكي جداً، لكنه يغفل عن ربه، وأنه مطَّلع عليه، ناظرٌ إليه، عليمٌ بأفعاله، خبيرٌ بنيّاته، يرى مؤدّى أفعاله، وسوف يحاسبه حساباً دقيقاً.
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ
ورد في السنة المطهرة أنه:
(( ما مِن عَثرةٍ، وَلا اختِلاجِ عِرقٍ، وَلا خَدشِ عودٍ، إلَّا بِما قَدَّمَت أَيديكُم، وَما يَعفواللهُ أكثرُ. ))
وليس هناك مجال لذكر قصص كثيرة تؤكد هذه الآية، إياك أن تتخذ قراراً، أو أن تُبرم أمراً لا يرضي الله؛ لأن الله بالمرصاد، إياك أن تتخذ قراراً بإيقاع الأذى، إياك أن تتخذ قراراً بالاستعلاء، شخص قرأ وصية فقال تُكتَب على ظُفر لإيجازها وبلاغتها قال: اتَّضِعْ لا ترتفعْ، اتَّبِعْ لا تبتدِعْ، الوَرِع لا يتّسع، هذه وصية.
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ
وقال:
﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
الخوف من الله هو النجاة لأن رأس الحكمة مخافة الله:
هناك الآن من يدفع عشرات الآلاف ليلتقط محطة تلفزيونية تفسد أهله وأولاده بماله، وهو عند الناس مسلم.
(( رأسُ الحِكمةِ مَخافةُ اللهِ. ))
إذا كانت الحكمة إنساناً فرأسها مخافة الله، فإذا أُلغِيت مخافة الله، فما بقي شيءٌ من الحكمة إطلاقاً، والحقيقة الخوف من الله يتناسب مع العلم بالله، كلما ازداد علمك ازداد خوفك، لعل الخوف مؤشرٌ لمعرفتك بالله.
الطبيب مثلاً؛ لكثرة ما يرى في المستشفى من إنتانات معوية، من أمراض سارية، من عدوى، تجده يبالغ في النظافة، يبالغ بمعالجة الخضار بمواد كيماوية حتى تقتل الجراثيم، لماذا يخاف كل هذا الخوف؟ قد لا يأكل شيئاً في المطاعم؛ لأنه يرى كل يوم حالات الإنتانات، وحالات الالتهابات، وحالات العدوى، والأمراض السارية يراها بعينه، لذلك هو يخاف، لماذا يخاف أكثر من الناس؟ لأن علمه أكبر وأعمق من علم الناس في هذا الموضوع، هذا مثل، وأنت كلما تعرّفت إلى الله أكثر خِفتَ منه أكثر.
كلمة:
(( إنَّ الرَّجُلَ لَيَتكَلَّمُ بالكَلِمَةِ لا يَرى بها بَأسًا يَهوِي بـها سَبْعينَ خَريفًا في النَّارِ. ))
في مجلس من مجالس الناس ماذا تعني كلمة (قصيرة)؟ ففي المجالس النسائية قد يصفون المرأة وصفاً كاملاً، الالسيدة عائشة قالت قصيرة عن أختها صفيّة، فقال يا عائشة:
(( لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))
كلمة (قصيرة)، فما قولك بما فوق هذه الكلمة!
أفضل الإيمان أن تشعر أن الله معك ويراقبك وهذا يدعى مقام المراقبة:
﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ(79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ(80)﴾
أيها الأخ الكريم، إذا تيقنت أن الله معك دائماً، وأنه يسمع ويرى انتهت كل مشكلاتك، لأن هذه الرؤيا تحملك على طاعة الله، لو شعر الإنسان أنه مراقب من إنسان آخر يضبط كلماته، يضبط حركاته، لا يدخل مكاناً مشبوهاً، لا يتكلم كلمة لها معنيان، هذا لو راقبه إنسان، لو قيل له أنت مراقب، فكيف لو شعر أن الله معه دائماً؟ وأفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك دائماً، هذا إيمان عظيم، اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أن تشعر أن الله معك، هذا المقام سماه العلماء مقام المراقبة، فدائماً أنت تحت المراقبة، وهذا يجعلك مع الله دائماً، ومع منهجه، ومع سنة نبيه، ومع الإحسان إلى الخلق.
على المؤمن أن يعلم أن الله يعلم كل شيء وسيحاسب كل إنسان على عمله:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12)﴾
إذا أيقنت أنه يعلم، وأنه قدير أن يُحاسِب انتهى الأمر، أنت لا تنفّذ الأمر إذا علمت أنه لا يعلم، أو علمت أنه يعلم ولكن لا يحاسب، أو علمتَ أنه يحاسب ولكن لا يعلم، أمّا إذا أيقنت أنه يعلم وسوف يحاسب فقد انتهى، ودقق أيها الأخ الكريم، أنت مع إنسان مثلك إذا كان أقوى منك ويعلم وسيحاسب فلا يمكن أن تعصيه، مستحيل، مع إنسان راقب نفسك، إذا كان مكسوفاً، هذه البضاعة دخلت بوثيقة، فنسخة من هذه الوثيقة تذهب للمالية، تكتب في البيان أنك استوردت هذه البضاعة؛ لأنه يعلم وسيحاسب، انتهى الأمر، هذا مع إنسان فكيف مع خالق الأكوان؟
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا(14)﴾
كله مسجل، فإذا آمن بالملائكة كما أمر الله عز وجل وأنهم يكتبون كل الأعمال، فأنت حينما تقول: السلام عليكم ورحمة الله في الصلاة على من تسلم؟ على الملائكة الذين أوكل الله إليهم كتابة أعمالك الصالحة والطالحة.
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ: هذه الآية لها عدة تفسيرات:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)﴾
لهذه الآية تفسيرات كثيرة، بعضهم قال:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(82)﴾
الله تعالى منزه أن يكون له ولد لأن الولد أساسه أن الإنسان يكمل به ضعفه:
كلمة
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ
الذكر يؤهل الإنسان ليكون في ذمة الله في نهاره وليله:
إنك إن سبّحته وإن وحّدته وإن كبّرته وإن حمدته فقد عرفته، وإن عرفته عرفت كل شيء، وإن عرفته عرفت أنه كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، إن عرفته تقرّبت منه، وإن تقرّبت منه سعدت بقربه في الدنيا والآخرة، ملكت كل شيء، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)﴾
فالاستغفار سبب لرحمة الله عز وجل، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذه الباقيات الصالحات، لا حول ولا قوة إلا بالله هذه من أذكار النبي عليه الصلاة والسلام، فلو اطّلعتم على أذكار النبي وحاولتم أن تقرؤوها صباحاً كل يوم، فهذه ممّا تُعين الإنسان على أن يكون مُسلَّحاً طوال النهار، مُسلَّحاً بقربه من الله، العلم سلاحي، والقرب من الله سلاح المؤمن.
غير المؤمن يكون غير جاد بطلب الحقيقة وهذه التسلية عبّر الله عنها بكلمة يخوضوا:
﴿
قال المفسرون: فذرهم يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في الدنيا، يعني غير المؤمن ليس جادّاً في طلب الحقيقة، بل يريد أن يتسلى، ما قولك في الموضوع الفلاني؟ ما قولك في السحر؟ ما قولك في الكتاب الفلاني؟ ليس عنده رغبة قوية في معرفة الحقيقة، يتسلى بالأفكار تسليةً، هذا التسلي في الأفكار عبّر الله عنه في القرآن بكلمة "يخوضوا".
تجد الإنسان يقرأ ويطالع لكن قراءة غير هادفة، قراءة متعة، فتتكون عنده ثقافة واسعة، وعنده إمكانية أن يتكلم في المجالس كلاماً لطيفاً مُحبَّباً مسلياً للناس، لكن هو لا ينضبط لا بمنهج ولا بسلوك، لأن الحقيقة الكبرى ما عرفها، ما عرف سرّ وجوده ولا غاية وجوده، ولا عرف عن ربه شيئاً، وعنده فكر ومطالعة، ويقرأ، ويتعلم، ويستمع، ويشاهد، ويتأمل، ويلاحظ، وأصبح عنده مجموعة مقولات ليتسلّى بها.
للمؤمن هدف واضح وهدفه معرفة الله وكل ما يقربه لله:
معنى
الوقت ثمين جداً، أوضح مثل لذلك الطالب الذي عنده امتحان بعد أسبوع، سنة التخرج والمادة الأخيرة وهذه المادة أهم مادة، ولها كتاب مقرر، وهذا التخرج مهم جداً يبنى عليه مستقبله، يُبنَى عليه زواجه، يبنى عليه مكانته الاجتماعية، وعنده مكتبة ضخمة أربعة جدران كلها تغص بالكتب، أيُعقل أن يقرأ قصة في هذا الأسبوع، أو مسرحية مثلاً أو كتاباً لطيفاً عن غرائب العالم، أو قصص العرب؟ الآن نريد الكتاب المقرر الذي سيحدد مصير نجاحنا آخر العام، هذه حالة المؤمن، لا يكون مبعثراً كما أنه لا يتشتت، ولا يكون ضائعاً ولا هائماً على وجهه لا، أنا أريد كتاب الله، وسنة رسول الله، وسيرة النبي وأصحابه الكرام، هذا منهجي في الحياة، أتقن معرفة كتاب الله وكلام رسول الله، وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وبعدها أقرأ ما يعينني على فهم كلام الله، ممكن أن أقرأ موضوعاً علمياً يزيد من إيماني بالله، هذا ممكن، المطالعة الهادفة، القراءة الهادفة، أما أن أقرأ كل شيء بلا منهج، وبلا هدف، بل أقرأ تسلية، وتمضية وقت ليس هذا من صفات المؤمن.
في حكم الآخرة كل الدنيا لعب:
﴿
فأنت ترى لعباً في مرحلة تجاوزتها، لكن المرحلة التي تعيشها فيها لعب وأنت لا تدري، سمعت بأذني أن شخصاً يقول: قضيت ستة أشهر وأنا محتار أأجعل تمديدات التدفئة داخلية أم خارجية، بعد ذلك قال: نجعلها داخلية، وبعد عشرين عاماً حينما تفسد الأنابيب نجعلها ظاهرةً، هذا الرجل حينما يأتيه ملك الموت يرى أن هذا لعباً، فاللعب عمل لا طائل منه، لكن المشكلة أنت لا ترى اللعب إلا في مرحلة تجاوزتها، وما أنت فيه ترى نفسك جاداً وهو لعب أيضاً، في حكم الآخرة كل الدنيا لَعِب.
المؤمن يعلم أن الله خلاق وفعّال لكن غير المؤمن يعتقد أن الله خلاقاً وليس فعالاً:
﴿
يعني أكثر الناس يتوهمون أن الله عز وجل خلق الكون، وأعطى كلّ إنسان إمكانات، ثم ترك العباد وشأنهم، لا، ليس هذا من شأن الله، إن هذا لا يليق بعدالة الله، ولا بكمال الله، ولا بوحدانية الله، ولا بأنه فعّال، الأجانب يرون أن الله خلّاقاً وليس فعّالاً، أعطى كل إنسان إمكانات وأطلق العباد، لذلك لا يخافون من الله، بل يخافون من بعضهم بعضاً، لكن عقيدة المسلم الصحيحة: أن الله سبحانه وتعالى خلّاق وفعّال، يعني كما هو في السماء إله هو في الأرض إله، الأمر كله بيده، هذا هو الإيمان، فلا يقع شيء إلا بعلمه وبإرادته ومشيئته، هذا هو التوحيد، الله عز وجل بيده كل شيء، ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه، قال:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
علينا أن نفسر ما يجري في العالم تفسيراً توحيدياً ينسجم مع القرآن الكريم:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)﴾
عليك أن تفسّر كل ما تسمع من أحداث كبرى في العالم تفسيراً توحيدياً، تفسيراً ينسجم مع القرآن الكريم، لكن إذا تجاهلت أن الله هو الإله في الأرض، إذا توهّمت أن الله إله في السماء فقط، عندئذ ينصرف الذهن إلى تفسير كل شيء تفسيراً أرضياً بعيداً عن تفسير الأمور على أن الله في الأرض إله، وكل شيء بيد الله عز وجل، هذا شيء مريح، من دون هذا الإيمان تشعر بالقهر، تشعر بالظلم، تشعر أن إنساناً لا يرحم وبيده الأمر، وأن جهة تطغى وهي قوية، وأن هؤلاء الناس ضعاف، أساساً أكبر عقبة أمام ضعاف الإيمان هي هذه العقبة، يرى مثل ما قال رسول الله:
(( لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، (فقراء) فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخده؛ ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، لا تخاف؛ ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم. ))
هذه كلها عقبات، إذا رأيت أن الأمر بيد أعداء المسلمين وهم أقوياء وأذكياء وبأيديهم التكنولوجيا الحديثة، وتحت تصرفهم كل شيء ونحن ضِعاف لا نملك شيئاً، طبعاً هذه الفكرة وحدها تسبب القهر، والضعف، والتخاذل، والخنوع، والتّطَامُن، لكن إذا أيقنت أن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، هذه الفكرة وحدها ترفع معنوياتك
يجب تطبيق منهج الله حتى نصبح في حال أفضل:
أفعاله كلها حكيمة، وحكمته مبنية على علم.
﴿ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(85)﴾
الجهل هو العدو الأول للإنسان وهو سبب الشر:
﴿
أي؛ صنم، حجر، اللات، العُزّى، الأشخاص الذين تعتمد عليهم، وترجو نفعهم، وتخشى ضرّهم هؤلاء من دون الله لا يملكون الشفاعة، الشفاعة تقريب من الله عز وجل قال سبحانه:
علينا أن نتعلم من إنسان نثق بعلمه وبخبرته:
إذا الإنسان شهد الحق، فمعرفته تنفعك، وحاله ينفعك، وإذا سألته تنتفع من جوابه، إن أصغيت له تنتفع بعلمه، يدلّك على الله، وعلى طاعة الله، وعلى طريق القرب من الله، وعلى طريق سعادة الدنيا والآخرة، فالشفاعة هنا أي مَن شَهدَ الحق ينفعك، الشفع الزوج: إذا اقتربت منه، تعاملت معه، سألته، جالسته، صاحبته، اقتبست من علمه تستفيد منه، يعني شفع لك.
فالمعنى اللطيف لهذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى يقول هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله لا يملكون لكم الشفاعة، لا ينفعونكم أبداً:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)﴾
ها معنى قول الله تعالى:
﴿
وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عَليكم بالجَماعةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ. ))
أنت يجب أن تتعلم من إنسان تثق بعلمه واستقامته، وتتعلم من خبرته ومن علمه، إذاً:
علينا ألا نفصل بين القناعة والسلوك فهما متلازمتان:
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ(87)﴾
لو فرضنا أن مريضاً مرضه شديد، ويتألم ألماً لا يحتمل، وسألته: أين المستشفى؟ يقول لك: هذه المستشفى، ولكنه ذهب إلى نزهة ولم يذهب للمستشفى، فتقول له: إلى أين أنت ذاهب؟ طالب تعرفه في الشهادة الثانوية تقول له: متى الامتحان؟ يقول لك: اليوم، لكنه يتخلف عن الذهاب للامتحان، ويذهب يتنزه، فتقول له: إلى أين أنت ذاهب؟
شيء غريب جداً، فإذا أقررت أن الله هو خالق السماوات والأرض، وبيده كل شيء فماذا تنتظر؟ ما الذي يمنعك أن تتوب إليه؟ وأن تقبل عليه؟ وأن تقيم أمره؟ الفصل بين القناعات والسلوك خطير جداً، في العالم الإسلامي اليوم لن تجد مسلماً لا يعلم أن الله هو الخالق، وأن الجنة والنار حق، وأن الحياة تنتهي بالموت، حركة الإنسان الذي لا يطلب العلم حركة عجيبة جداً، يمشي في طريق مناقض لقناعاته.
﴿
وقول النبي عليه الصلاة والسلام:
الدعوة إلى الله تحتاج إلى نفس طويل وإلى إدراك عميق:
النبي عليه الصلاة والسلام أمره الله أن يصفح.
﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)﴾
يعني إذا أنت رأيت واحداً بعيداً متلبساً في معصية فعليك ألا تحقد عليه، بل يجب أن تشفق عليه كالطبيب تماماً، الطبيب لو رأى إنساناً يعاني من مرض جلدي مزعج جداً هل يحقد عليه؟ لا، هو طبيب يشفق عليه، فهذا من ضعف إيمانه، ومن ضعف إدراكه، من ضيق أُفُقه، من إعراضه عن مجالس العلم، من جهله بكلام الله، من عدم إيمانه بحقيقة الحياة الدنيا، قد يكون لك صديق، أو قريب، أو جار منغمس في المعاصي ولا يصلي، فأشفق عليه مبدئياً
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ
على الداعية أن يكون على خلق حتى يملك قلوب الناس:
الداعية الآن ماذا يملك من صلاحيات؟ لا يملك شيئاً، يملك فقط أن يعلّم الناس، وأن يكون أخلاقياً معهم حتى يملك قلوبهم، الأقوياء ملكوا الرقاب، والعلماء ملكوا القلوب، وشتّان بين المُلْكين، واحد بقوته يملك أن يحركك كما يشاء، لكن الداعية الصادق المخلِص يملك قلبك بإحسانه، وبكماله، فأنت إذا أردت أن تدعو إلى الله عز وجل لا ينبغي أن تحقد على العصاة.
أبو حنيفة النعمان له جار مغنٍّ أزعجه إزعاجاً لا حدود له، طوال الليل يغني، يقول:
فالمؤمن يصبر؛ يصبر على أذى الجيران، وعلى أذى المُعرِضين، وعلى أذى المقصرين، يتطاولون أحياناً، يتكلمون كلاماً فيه سخرية.
(( كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ. ))
نبي كريم، يعني حوادث كثيرة جرت مع النبي لو جرت مع غيره لكان قطع رأسه فوراً، قال تعالى:
على المؤمن أن يتقرب إلى الله بخدمة خلقه والصبر عليهم:
الصفح أساسه الرحمة، إذا دعوت إلى الله ينبغي أن تحب الناس جميعاً، ينبغي أن تصبر عليهم، أن تصبر على جفوتهم، وعلى أذاهم أحياناً، على أسئلتهم أحياناً أخرى، وعلى بعض تصرفاتهم أحياناً.
(( اصنع المعروف إلى من هو أهله، وإلى غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله.))
فهذه نهاية حميدة، كان هناك تابعي جليل أقذع بعضهم عليه بالسُّباب وهو ربما الشعبي، فبكل بساطة قال لمن يؤذيه:
لا عداوة في الإسلام بل علينا أن نتمثل أخلاق النبي الكريم:
عمير بن وهب جاء ليقتل النبي عليه الصلاة والسلام، سيدنا عمر شعر بنيته، وهو مقبل، فقيّده بحمّالة سيفه وساقه إلى النبي، والنبي صاحب هذا القلب الكبير ليس عنده حقد أبداً، ليس عنده شيء اسمه ألم، يحب الخلق كلهم، قال:
لقاء شخصي، أما مغزى القصة فنجده في قول عمر:
لا عداوة في الإسلام أبداً، تُعادي أنت عمله فقط، فإذا رجع إلى الله صار أخاك في الله، إذا لم تشعر بهذا الحب لإخوانك المؤمنين فلست مؤمناً، لذلك:
أسعد الناس من استعمله الله في الخير وأشقاهم من استعمله في الشر:
أخيراً:
(( لا يحلُّ لمسلمٍ أن يُروِّعَ مسلمًا . ))
شرّ الناس من اتقاه الناس مخافة شره، المؤمن سلام لا يخرج منه إلا كل خير، تجد الناس مرتاحين له، وإذا كان شخص يخيف لا يجعلك تنام الليل، ويمكن أن يشي بك ويجعلك تدفع ثلاثة ملايين إن كان عندك شيء غير نظامي، فتخاف أن يخبّر عنك، أما المؤمن ليس عنده هذا الحقد، عنده سلام، وطيبة ورحمة، وهو مصدر سعادة للناس، لذلك إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيمَ استعملك؟ أسعد الناس من استعمله الله في الخير، وأشقى الناس من استعمله الله في الشر.
منذ أيام بينما كنت في طريقي إلى بعض أشغالي، قال لي شخص: هذا ملهى ضخم أنشأه شخص ومات بعد أن افتتحوه، قلت له من باب الطُّرفة: هذه صدقة جارية له، يعني أن كل معصية تقع فيه حتى يوم القيامة فهي في صحيفته.
والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنّا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.