- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (043)سورة الزخرف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الأول من سورة الزخرف.
الحروف التي في أوائل السور هي دليل إعجاز القرآن وسبيل الإيمان به:
﴿ حم(1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(4) أَفَنَضْرِبُ عَنكُمْ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ(5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ(6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون(7)﴾
الحروف التي ترد في أوائل السور كما سبق أن قلنا إن من تفسيراتها أن الله أعلم بمرادها، ومن تفسيراتها أن هذا القرآن المعجز إنما نُظِم من هذه الحروف التي بين أيديكم، ومن معاني هذه الحروف أنها أوائل لأسماء الله الحسنى، ومن معاني هذه الحروف أنها أوائل لأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقرآن كما قال الإمام علي كرم الله وجهه: "القرآن حمّال أوجه".
على كلّ كما أن التراب نفخ الله فيه فإذا هو بشر سوي، إنسان يفكر وفي دماغه مليارات الخلايا، فيه أجهزة، فيه أعضاء، فيه عظام، فيه عضلات، فيه أوردة وشرايين وأعصاب حسّ وأعصاب حركة وغدد صماء، يعني شيء يعجز الفكر عن إدراكه، من تراب، فكذلك جعل من هذه الحروف كتاباً لله معجزاً وهي بين أيدينا، فالتراب بين أيدينا، وعندنا دليل قريب، فمثلاً هذه البقرة ماذا تأكل؟ الحشيش الأخضر، أو العلف، العلف بين أيدينا هل بإمكاننا أن نُصنِّع منه حليباً؟ الدجاجة ماذا تأكل؟ تأكل هذا الطعام الذي نضعه لها، هل بإمكاننا أن نأخذ هذا الطعام ونصنع منه بيضاً؟
هناك إعجاز في الخلق، فكما أن الله سبحانه وتعالى صنع من مواد بين أيدينا شيئاً معجزاً، كذلك هذه الحروف بين أيدينا، لكن هذا القرآن الكريم سبيل الإيمان به إعجازه.
﴿ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88)﴾
الإيمان هو حقائق مدعمة بالأدلة والبراهين وليس كلاماً يُلقى:
قد يقول قائل: المؤمن ينبغي أن يعلم علم اليقين أن هذا كلام رب العالمين بالدليل، أما الإدراك الفطري البسيط فلم يعد قادراً على الوقوف أمام الشبهات، أمام الضلالات، أمام النظريات الهدّامة، ربما كان التقليد قبل خمسين عاماً ينفع صاحبه، أما الآن قولاً واحداً من كان إيمانه إيماناً تقليدياً فهذا التقليد لا ينفعه ولا يمنعه من أن ينحرف، إلا أن يكون له إيمان تحقيقي دقيق مُدعَّم بالدليل والبرهان، فالقضية دقيقة جداً، إنَّ هذا الكلام كلام الله، ويجب على كلٍّ منا أن يسأل نفسه: ما الدليل عندي على أنه كلام الله؟ لأنه لما يأمر الله فهو أمر خالق الكون، ولما ينهَى فهو نهيُ خالق الكون، ولو أن الإنسان تحقق أن هذا القرآن كلام خالق الكون فلا يمكن أن يعصيه، كما أنه لا يمكنك أن تعصي مخلوقاً قوياً، إذا تحققت أن هذا الإنسان قوي وهو يفعل ما يقول لا يمكن أن تعصيه، فهذا الذي يتجرأ ويعصي أمر الله عز وجل في هذا القرآن فهو بحاجة إلى تحقُّق وإلى تثبُّت.
وأنا لا أريد أن أقول لكم أنه يجب ألا نقرأه قبل أن نؤمن بأنه من عند الله، لا، لكن احذروا أن يكون إيمانكم إيماناً ساذجاً، إن كان عندك دليل قطعي أن هذا القرآن كلام الله فهذا أحد أبواب الإيمان، وأحد أركان الإيمان أن تؤمن بوجود الله وكماله ووحدانيته، وأحد أركان الإيمان أن تؤمن بكتبه، وأحد أركان الإيمان أن تؤمن بأنبيائه، وأحد أركان الإيمان أن تؤمن بأن القدر خيره وشره من الله عز وجل، هذه أركان الإيمان، فأحد أركان الإيمان الخمسة الإيمان بالكتاب.
على كلٍّ ليس موضوعنا في هذا الدرس الأدلةُ التي يقوم عليها الإيمان بهذا الكتاب، ولكن هذا موضوع ينبغي أن نفكر به، وإذا وصل الإنسان إلى دليل قطعي تخضع له النفس على أن هذا القرآن كلام الله فقد قطع شوطاً في الإيمان، الإيمان حقائق مُدعَّمة بالأدلة والبراهين وليس كلاماً يُلقى، وليس موضوعاً يُقبل من دون أدلة وبراهين.
يعني مثلاً: إن الله عز وجل يشهد لنا أن هذا القرآن كلامه، كيف؟ خذ آية من كتاب الله:
﴿
بعض الأدلة على أن القرآن هو كلام الله:
لو أن شاباً استقام على أمر الله واصطلح معه، وفعل ما أمر الله، وانتهى عما نهى عنه وزجر وعاش حياة طيبة، هذه الحياة الطيبة التي ذاقها وعاشها هي شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه، وإليك مثلاً آخر إذا دخل الطلاب إلى قاعة التدريس، ورأوا أنه قد كُتب على السبورة: غداً الأحد الساعة الأولى مذاكرة في مادة الجبر، فحينما دخلوا ورأوا هذا الكلام على السبورة، ترى أهذا كلام الأستاذ أم أن طالباً يمزح معهم؟! ما الذي يؤكد أن هذا كلام الأستاذ؟ يوم الأحد الساعة الثامنة، إذا دخل أستاذ الرياضيات وذكرهم بالمذاكرة وطلب أن يهيئوا الأوراق والأقلام، وأن يضعوا الكتب بعيداً عنهم، وأملى عليهم الأسئلة هذا الحدث يؤكد أن الكلام الذي كُتب البارحة هو كلام الأستاذ، وهذه الآية أحد الأدلة على أن القرآن كلام الله فاقرأ:
﴿
فأيّ إنسان إذا كان يحيا حياة ضنكاً لأنه أعرض عن ذكر الله، هذه المعيشة الضنك هي شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه، هذا دليل كما قال الله عز وجل:
﴿
وتأويل القرآن وقوع وعده ووعيده، إتلاف مال المرابي شهادة الله لعباده أن القرآن كلامه، الحياة الطيبة التي يحياها المؤمن شهادة الله لعباده أن القرآن كلامه، المعيشة الضنك التي يحياها الكافر شهادة الله للعباد أن هذا القرآن كلامه، نمو مال الصدقة شهادة الله لعباده أن القرآن كلامه، المال إذا نما بعد صدقة وبعد إنفاق، فهذا دليل أن القرآن كلام الله، لأن الله عز وجل قال:
﴿
فأية آية في القرآن الكريم حينما تأتي الأحداث الكونية أو غير الكونية لتؤكدها فهذا دليل على أن القرآن كلامه.
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117)﴾
إن رأيت قرية انغمست في الرذيلة والفساد والانحطاط والعدوان، ثم أهلكها الله بوباء أو بحرب أهلية، أو بحرب كونية أو بمشكلة، أو بفيضان، أو بزلزال، أو بصاعقة فهذا الذي وقع دليل أن هذا القرآن كلام الله.
إيمان المؤمن بكتاب الله كإيمانه بوجوده:
وإني أتمنى على كل أخ كريم أن يكون إيمانه بهذا الكتاب كإيمانه بوجوده، كيف قال ديكارت: أنا أفكر فأنا موجود، كذلك إيمان المؤمن بهذا القرآن ينبغي أن يكون كإيمانه بوجوده، وإذا كان الإنسان لديه ارتياب بالقرآن الكريم فما عليه إلا أن يشمر ويبحث عن الحقيقة، لأنه من جاهد في سبيل هذه الحقيقة وصل إليها.
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)﴾
ليس معقولاً أن يتعامل الإنسان مع أموره الدنيوية بحزم وبتدقيق وبحث ودرس واستنباط وتوقع، ونشاطه في الحياة الدنيا منضبط، أما أن يتعامل مع أمور الآخرة، مع أمور الدين بتهاون وعفوية فهذا غير معقول:
(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا. ))
أن يتعامل الإنسان مع أمور الدين ببساطة وعفوية ومن دون تدقيق، ومن دون تحقيق فهذا شيء غير معقول.
ذات مرة قال لي شخص كلمة: ما ذنب الإنسان لو التقى صدفة بعالم متساهل في موضوع ما، وسأله في مثل هذا الموضوع فأفتى بتساهل في فتواه فالذنب عليه، قلت له: لا، فأنت المسؤول وفي عنقك إثم، قال: كيف؟ قلت له: لو أن عندك بيتاً وأردتَ أن تبيعه، وفي اليوم الذي أردت أن تبيع هذا البيت التقيت صدفة بدلال وقال لك ثمنه مليونان، فهل تبيعه هذا البيت عند أول تثمين؟ لا، فلماذا في أمر البيت تسأل دلالين أو أكثر، وتسأل أصدقاءك والجيران، تدّعي أنك تريد أن تشتري بيتاً بالمساحة نفسها وبالمنطقة نفسها لتعرف كم ثمنه، فلماذا في أمور بيع البيت تأخذ الاحتياطات، وتتأكد، وتطلب التواتر، وتطلب الحل الوسط؟ وهكذا لتكن آخرتك غالية عندك:
ربنا سبحانه وتعالى يقسم تارة ولا يقسم تارة أخرى:
إذاً ربنا سبحانه وتعالى يقسم بالكتاب المبين، وكما تعلمون أن الله يقسم أو لا يقسم،
يقول أحياناً:
﴿ والشمس وضحاها(1)﴾
ويقول أحياناً:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)﴾
فإذا أقسم فليلفت نظرنا إلى عظمة هذا الشيء بالنسبة إلينا لا بالنسبة إليه، وإذا لم يقسم فليلفت النظر إلى أن هذا الشيء بالنسبة إلى الله لا شيء، وبعضهم قال: أنه إذا قال فلا أقسم لها معنى آخر، بمعنى أن هذا الشيء بنصاعته ووضوحه وثبوته لا يحتاج إلى قَسَم، الإنسان أحياناً يقول: هذه القضية لا تحتاج إلى نقاش يعني واضحة كالشمس.
المنهج الذي أنزله الله على أنبيائه كتاب مبين له صفة الديمومة:
ربنا عز وجل يقول هنا:
وقال بعض العلماء: الكتاب في الآية أي كتاب سماوي، فكلمة الكتاب إذا أُطلِقت انصرفت إلى كل الكتب السماوية، وأما المبين: واضح البيان يعني معظم آيات القرآن الكريم بيّنة وواضحة، يعني مُحكمة لا لبْسَ فيها، لا تحتاج إلى تفسير، ولا إلى زمخشري، ولا إلى قرطبي، ولا إلى خازمي بل هي واضحة وضوح الشمس، لكن بعض الآيات المتعلقة بالذات الإلهية فهذه الآيات قد تحتاج إلى بيان، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ
أما آيات الحلال والحرام، وآيات التكاليف، والآيات التي تُبنى عليها أصول العقيدة فهذه آيات واضحة وضوح الشمس
اللغة العربية واسعة التعبير وتعبر عن أدق المعاني:
التصريف، يعني خذ الفعل مثلاً، فمنه؛ الفعل الماضي والمضارع والأمر، ومنه فعل ماض ثلاثي، وماض رباعي، وماض خماسي، وماض سداسي، وكل حرف يُزاد على الفعل يقابله زيادة في المعنى، فكتب: لها مدلول، لكن
بنية الكلمة تتبدل وتعطي عدة معان:
وهناك طرق كثيرة تتبدل فيها بنية الكلمة وتعطي معنى آخر، وأحياناً ضمة تغير المعنى، يعني يُثني غير يَثني، أثنى عليه مدحه، أثنى يُثني، لكن ثَنى القضيب يثنيه، فالضمة غير الفتحة، فهناك شواهد دقيقة جداً، أحياناً تقول في اللغة العربية:
لكن معنى:
وهناك:
وهناك:
﴿ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَٰخِصَةٌ أَبْصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍۢ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَٰلِمِينَ (97)﴾
وهناك
وهناك:
وهناك:
وهناك:
وهناك:
وهناك:
وهناك خمسون فعلاً للنظر في اللغة العربية، اللغة العربية كما يقول علماء اللغة واسعة التعبير، فممكن أن تعبر عن أدق المعاني، فلما قال الله عز وجل:
﴿
لو أننا بدلنا كلمة
ثبات اللغة العربية واتساعها:
هناك ظاهرة الإعراب في اللغة، وظاهرة الاشتقاق، والثبات، ثبات اللغة العربية في التعبير، هل تصدقون أن آداب اللغة الإنكليزية التي كتبها شكسبير وأمثاله في القرن السادس عشر الميلادي لا يمكن أن تُقرأ اليوم أبداً إلا مترجمةً من اللغة الإنكليزية إلى اللغة الإنكليزية معنى ذلك أن هذه الإنكليزية متبدلة، سريعة التبدل، بينما اللغة العربية ليست كذلك؛ طلابنا في الصف العاشر يقرؤون شعر امرئ القيس الذي قيل قبل ألف وخمسمئة عام، في حين أن ما كتبه أدباء الإنكليزية في القرن السادس عشر لا يمكن أن يُقرأ اليوم إلا مترجماً، من اللغة الإنكليزية إلى اللغة الإنكليزية، لكن ما كتبه شعراؤنا في الجاهلية يقرؤه طلابنا في المرحلة الثانوية:
ألا أيـها الليل الطويل ألا انجلِ بصبح وما الإصباح منك بأمثــل
فيا لك مـن ليـل كأن نجـومـــه بكـل مُغـــار الفـتْل شُدّت بيذبــل
هذا شعر قيل قبل ألف وخمسمئة عام، فثبات العربية في التعبير واتساعها في التعبير، وظاهرة الإعراب، يعني حركة واحدة:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ
هذه الفتحة على كلمة
على كل أحياناً كلمة واحدة مثلاً:
إتقان قواعد اللغة والتعبير شرط أساسي ولازم لفهم النصوص القرآنية:
ربنا عز وجل شرّفنا حيث جعل كلامه باللغة العربية، لكن ماذا يُستنبَط من قوله تعالى:
فهم كلام الله يتم وفق قواعد اللسان العربي المبين ثم الحكم الشرعي:
﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(4)﴾
القرآن يصدر عن مبادئ أساسية اعتمدها الله سبحانه:
أيها الإخوة
فهذا القرآن على ما فيه من سور وآيات هو في النهاية يصدر عن مبادئ أساسية اعتمدها الله سبحانه وتعالى لتكون علة الخلق وغاية الخلق.
فالذي يمضي وقته في قراءة قصة لكاتب قصصي، أو قراءة مسرحية، أو قراءة مقالة، ليس هناك مانع من أن تقرأ، لكن أن تنصرف إلى قراءة ما كتبه البشر وتُعرِض عن قراءة كلام خالق البشر فهذه خسارة كبيرة جداً، أن تنصرف إلى قراءة ما كتبه البشر وهم ضعاف يتناقضون أحياناً، يجهلون أحياناً، لا يتعمقون أحياناً، ترى التناقض في كلامهم أحياناً، ترى اختلافاً في كلامهم، وقد ترى كتاباً غير وافٍ أو غير متوازن، فصل فيه تعمّق شديد وفصل هزيل، وقد يكون الكتاب سطحياً وليس فيه أدلة، ومن دون تطبيقات، وقد يكون مليئاً بالمتناقضات، هذا شأن كلام البشر، لكن لكلام خالق البشر شأن آخر أي لا ريب فيه البتة.
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ
القرآن عليٌّ لا يعلو عليه شيء وحكيم يضع الأمور في نصابها:
لقد مضى على نزول هذا الكتاب ألف وأربعمئة عام ونيف، فهل في العلوم الكونية كلها حقيقة علمية واحدة تتعارض مع كلام الله؟ مستحيل، هذا كلام الله، سأعطيكم مثلاً من القرآن، ربنا قال:
﴿
لو أن واحداً ركب طائرة جامبو أو كونكورد، أو ركب باخرة حمولتها مليون طن، أو ركب الحوامة فوق البحر، أو ركب قطاراً سرعته 360كم/سا، وقرأ قوله تعالى:
﴿
من يجرؤ على أن يقول هذا الكلام من بني البشر جميعاً؟ هذا من اختصاص الخالق، إذاً: عليٌّ لا يعلو عليه شيء، حكيم يعني يضع الأمور في نِصابها، الآية الدقيقة أيها الإخوة:
﴿ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمْ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ(5)﴾
دليل قربك من الله عز وجل هو عقابه كلما أذنبت والتدقيق في الحساب معك:
والله إن هذا الكلام دقيق المعنى جداً، ما من مصيبة أشد على الإنسان من أن يكون خارج العناية الإلهية، يعني ضرب عنه الذكر صَفْحاً، كأن يقول لك: أنا حذفت اسمك من جدولي، بالتعبير الآخر وضعت إشارة إكس على اسمك انتهى، فلما يكون الإنسان منصرفاً إلى الدنيا مصرّاً على الشهوات فالأمر مخيف جداً أن يخرجه الله عز وجل من العناية المشددة.
﴿
إخواننا الكرام، المؤمن الذي يعاقبه الله كلما أذنب، الذي يعاتبه دائماً، الذي يدقق عليه دائماً فهذا مؤمن قريب من الله عز وجل،
(( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ الخَيرَ عجَّلَ له العُقوبَةَ في الدُّنيا. ))
(( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا عاتَبهُ في منامِهِ. ))
إذا أحبّ الله عبده ضيَّق عليه أحياناً، فكم يثلج الصدر أن تكون في عناية الله، بل أن تكون في عنايته المشددة، فإذا الإنسان كلما أخطأ عاقبه الله فلا يتبرّم بل ليفرح؛ لأن هذا يعني أنه مقبول ومرغوب فيه، ويُنتظر منه أن يكون مؤمناً كاملاً، والدليل هذه المعالجة وهذه التربية وهذا الاهتمام، وأخطر شيء أن ينساق الإنسان وراء شهواته دون أن يعاقبه الله عز وجل، بل، هذا حصل معه قوله تعالى:
أخطر شيء أن يطرد الإنسان من العناية الإلهية:
اخطر شيء أن يُطرَد الإنسان من العناية الإلهية، وأن يطرد من العناية المشددة، وأن يفعل كل المعاصي دون أن يصيبه الله بمصيبة، هذه هي المصيبة، لكن إذا كلما غلطنا تحدث مشكلة، كلما نسينا يوجد تأديب، كلما أشركنا نشعر بالإحباط، كلما أسرفنا في الإنفاق يقتّر الله علينا، كلما قلنا نحن تأتينا ضربة تعيدنا إلى الله، فهذا دليل العناية المشددة ، وكمثال على العناية والاهتمام: أبٌ له ثلاثة أولاد؛ ولد متفوق في الدراسة، وولدٌ ذو عاهة في دماغه، وولد ذكي ولكنه مقصر في الدراسة، تجد الأب ترك الأول والثاني، الأول تركه؛ لأنه يسير وفق الهدف، وهو متفوق في قدراته العلمية، ومتفوق في تحصيله الدراسي، لا يحتاج سوى للدعم، والثاني مادام عنده ضعف في قدراته، ولديه عُته وخلل في دماغه فالأب لا يحاسبه إذا لم يدرس، أما الثالث الذي يتمتع بقدرات عالية لكنه مقصر، فيهتم به أبوه غاية الاهتمام.
فالله عز وجل إذا كان الإنسان مصرّاً على الدنيا، وليس فيه خير إطلاقاً يعطيه الصحة والجاه والمال والقوة، يعني بالتعبير العامي: "خذها وانمحق"
من غفل و انحرف عن منهج الله عالجه الله بعقاب و هذا دليل خير:
أما الإنسان الذي يُحاسب حساباً عسيراً، ويُدقق معه ويُعاتَب، مرّة بمنام مخيف، ومرة بمشكلة تحدث معه، كلما غفل وكلما انحرف يأتي العقاب فهذا دليل طيب جداً أنك في العناية المشددة، وأنك في مجال رحمة الله، هذه رحمة الله.
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(147)﴾
بَأْسُ الله من رحمته، هنا:
لهذه الآية عدة معانٍ:
1 ـ المعنى الأول استنكاري:
لهذه الآية عدة معان:
المعنى الأول أن هذا الاستفهام استفهام استنكاري، يعني رغم أن بعض الناس يسرفون في المعاصي فالله سبحانه وتعالى يؤدبهم ويقربهم، يسوق لهم من الشدائد ما يحملهم على طاعة الله.
2 ـ المعنى الثاني تهديدي:
المعنى الآخر تهديدي يعني إذا أسرفتم في المعاصي نضرب عنكم الذكر صفحاً.
﴿
الله عز وجل يسوق الشدائد، ويسوق التوجيهات إلى أن يصر العبد على المعصية يصرّ على ما هو فيه عندئذ يفتح الله له باب الدنيا إلى أن يأتي أجله فيقصمه قصماً.
عقاب الله للمؤمن كلما أغضبه هو رحمة بالمؤمن ليكون في مرتبة عالية:
فإخواننا الكرام، الأخ المؤمن الذي كلما أخطأ أدبه الله، فهذه رحمة من الله، وهذه عناية مشددة، وهذا لطف، وهذا يعني أنك مطلوب، وأنه مرغوب فيك، وأن فيك خيراً، وأنك مؤهل لتكون في مرتبة عالية، اسمعوا الآية الكريمة:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ(5)﴾
هذه الآية تكفي المستضعفين، فما دام الله عز وجل يريد بنا الخير، وأن يرقى بنا، وأن يُعرِّفنا الحقيقة، وأن يحملنا على طاعته فمرحباً بهذا الذي يسوقه لنا، لكن الأكمل أن نسير إلى الله من دون سلاسل،
(( عجِب ربُّنا عزَّ وجلَّ من قومٍ يُقادونَ إلى الجنةِ في السلاسلِ. ))
الأكمل أن نذهب إليه دون أن نُساق بالسلاسل.
العاقل من أتى ربه بمبادرة منه مختاراً لا مقهوراً:
إذا كنتم ترغبون في أن نلخص دروس عشرين سنة فاسمعوا هذا التلخيص: إما أن تأتيه مسرعاً، أو أن الله سبحانه وتعالى يجلبك راكضاً، والأكمل أن تأتي من تلقاء نفسك، أي بمبادرة منك ومختاراً لا مقهوراً.
فهذه الآية لها معنيان؛ يعني ولو كنتم قوماً مسرفين فرحمتنا تقتضي ألا نخرجكم من عنايتنا المشددة، وهذا استفهام إنكاري:
والمعنى الثاني إذا أسرفتم في المعاصي نضرب عنكم الذكر صفحاً وهذا تهديد، فإما أن يكون المعنى استفهاماً إنكارياً أو تهديداً.
﴿ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ(6)﴾
و(كم) هذه التكثيرية، يعني أرسلنا أنبياء كثيرين
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت وليس خيار قبول ورفض:
﴿ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ(6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون(7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ(8)﴾
معنى ذلك أن بالنهاية الإنسان مهما كذب، واستهزأ، فلا بدّ من أن يعترف بالحق، لكن بعد فوات الأوان، هذه الحقيقة أقولها كثيراً، وهي خطيرة جداً، خيارك مع الإيمان ليس خيار قبول أو رفض، الكأس أمامي فأنا أشرب أو لا أشرب، هذا اسمه خيار قبول أو رفض، لكن حيال فكرة الإيمان، فخياري مع الوقت، وليس خيار قبول أو رفض، الوقت يمشي شئت أم أبيت، بعد حين يؤذن العشاء فأنا خياري مع الوقت خيار انتظار، أما خياري مع هذا الكأس خيار شرب أو عدم شرب، خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط، يعني إما أن يؤمن في الوقت المناسب، فيستفيد من إيمانه أشد الاستفادة، ويسعد في الدنيا والآخرة، وإما ألا يؤمن، فيؤمن عند الموت؛ لكن هذا الإيمان لا قيمة له ولا ينفعه أبداً، إذ جاء بعد فوات الأوان.
إن لم نؤمن عاجلاً فلا بد أن نؤمن متأخرين فنخسر الدنيا والآخرة:
هذه الفكرة أخطر فكرة يمكن أن تحرك الإنسان نحو الله عز وجل، فما من إنسان أشد كفراً من فرعون، يكفيه أنه قال:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ(24)﴾
ومع ذلك حينما أدركه الغرق ماذا قال؟
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ
وهناك آيات كثيرة تحمل ذات المعنى،
الحكمة من بقاء آثار الأقوام الطاغية:
ربنا عز وجل شاءت حكمته في أن يترك هؤلاء الأقوام العتاة الطغاة الأقوياء آثاراً، تشهد لهم بقوتهم، يعني هل عندنا مهندس يستطيع أن يفتح نافذة في بناء تدخلها الشمس يوماً واحداً في العام كله، وهو يوم ميلاد إنسان ما، بناء نافذةٍ ضيقة بزوايا معينة بحيث تدخلها الشمس في العام كله مرة واحدة، هذا شيء مذهل، من السهل جداً صنع نافذة عرضها مترين وطولها ثلاثة أمتار، وأن يكون لها جرار من الألمنيوم وانتهى الأمر، أما نافذة تدخلها الشمس في العام مرة واحدة! فهذه ترمز إلى تاريخ محدد.
إذا ذهب زائر إلى الأهرامات ونظر إليها، فإنه يشاهد كلّ حجر تقريباً طوله خمسة أمتار وأحياناً ثمانية أمتار، عرضه أربعة أمتار، ارتفاعه متران، وقد حُمل من صعيد مصر، فعلى أي مركبات نُقِل؟ والمسافة من النيل إلى منطقة الهرم كبيرة، حوالي اثني عشر كيلو متراً فكيف نقل هذا الحجر؟ وعلام نقل؟ ثم كيف وضع في قمة الهرم؟ فالأهرام تعد من عجائب الدنيا السبع.
وأما الأنباط، فقد نحتوا الجبال بيوتاً وعملهم أيضاً من عجائب الدنيا السبع، هؤلاء أقوام، ولما دخلنا إلى المتحف الفرعوني الخبز الذي كانوا يأكلونه قبل سبعة آلاف عام رأيناه بأم أعيننا، وكذلك اللحم الذي كانوا يأكلونه قبل سبعة آلاف عام وجدناه محنطاً، ورأينا بعض القبور كقبر توت عم خانون، شيء لا يصدق، كل شيء يحتاجه هذا الإنسان موجود في القبر، مركبات، أطعمة، لحوم، ألبسة، مُذَهّبات، مما يذهل الإنسان، فهؤلاء أقوام لهم حضارات بينما حضارتنا كلها إسمنت مُسلح، تقوم بجَبْل الإسمنت وتُعمّر به الأبنية.
وكذلك قلعة بعلبك التي فيها أعمدة ستة، كل عمود من قطعة حجر واحدة، كيف نُحتت؟ وكيف قُطعت؟
قراءة التاريخ تؤكد أن هؤلاء الأقوام كانوا أكثر قوة وبطشاً ومع ذلك أهلكهم الله بكفرهم:
﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ
دخلنا قاعة في آثار الأنباط لا تقل عن حجم هذا المسجد منحوتة بالجبل الصخري، بأبعاد هندسية دقيقة جداً، مكعب كامل، ليس بناء ولكنه نحت في الجبل، الأعمدة منحوتة من الجبل، التيجان منحوتة من الجبل، البيوت، الحمامات كلها منحوتة من الجبل، وبيوت منحوتة في الجبل ولها نوافذ تهوية، وغرف عديدة ليس هناك بناء إطلاقاً، وإنما جبل منحوت!
﴿وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ(149)﴾
الأهرامات دليل، عاد وثمود دليل آخر.
الاعتراف بوجود الله لا يكفي بل لا بد من الالتزام بمنهجه سبحانه وتعالى:
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ(9)﴾
فهل الاعتراف بوجود الله يكفي؟ لا، لا يكفي، الاعتراف بوجود الله لا يكفي ولا ينجّي، لا بدّ من أن تلتزم منهج الله عز وجل، فإيمانهم هذا اسمه إيمان إبليسي، إبليس قال لربه:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)﴾
الاستقامة على أمر الله والتزام الأمر والنهي هو الذي ينجي من عذاب الله:
إبليس اعترف بوجود الله، واعترف بعزته، واعترف بربوبيته قال: ربي، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ، إذاً الاعتراف بوجود الله لا يُنجّي من هلاك الدنيا وعذاب الآخرة، الذي ينجي منهما أن تستقيم على أمر الله، وأن تلتزم الأمر والنهي، ليس الولي الذي يطير في الهواء، ولا الذي يمشي على وجه الماء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الأمر والنهي.
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ(9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(10)﴾
هذا موضوع للتفكر، كيف أن الله عز وجل جعل هذه الأرض ممهدة لحياتنا؟ وجعلها منبسطة، فلو كانت الأرض كجدران مائلة من الصخور كيف نتحرك عليها؟ وكيف نبني عليها البيوت؟ لكنه سبحانه جعلها مسطحة، وجعلها ذات تربة هشة، ولو أنها كانت صخرية فكيف نأكل ونشرب؟ وجعل الأشياء مرتبطة بها عن طريق الجاذبية، هذا الكأس له وزن، ما معنى الوزن؟ يعني لو تركناه لانجذب إلى مركز الأرض، يعني له قوة جذب، فكل شيء على سطح الأرض ينجذب إلى مركزها، لولا هذه القوة لما استقر شيء عليها، وهذا يبدو واضحاً في مراكب الفضاء، فإذا تجاوزت المركبة الفضائية مركز الجاذبية الأرضية، ولم تدخل في جاذبية القمر تصبح الحياة فيها صعبة جداً، الأشياء تطير لانعدام الوزن، فحالة انعدام الوزن صعبة جداً، الحاجات تصبح عند السقف إذ ليس هناك وزن، لكن ما دام هناك وزن فالأشياء مستقرة، وهذا الوزن له حدّ؛ لو كان الكأس وزنهه مئة كيلو فليس باستطاعتي أن أملأها، يعني أن هناك وزناً معقولاً يتناسب مع قدرة الإنسان، كما يتناسب مع قوة الجذب.
للأرض قوانين تحكمها لتناسب حياة الإنسان:
إذاً الأرض ممهدة، فهي مسطحة أولاً، ومؤلفة من تربة ثانياً، وثالثاً فيها هواء نتنفسه، وفيها ماء نشربه، والماء لا لون له ولا طعم ولا رائحة، عذب فرات، وعلى سطحها بحيرات، وبحار، وجبال وكلها ذات آثار كبيرة في الطقس والمناخ، إضافة إلى النباتات والحيوانات، ويوجد سماء صافية، وحيوانات نستفيد منها، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا
آيات ودلائل على وحدانية الله سبحانه:
تجد الأرض في الشتاء قاحلة، الأشجار يابسة، المنظر مُكفهِر، تهطل الأمطار الوفيرة، فتهتز الأرض، وتُنبِت النبات الأخضر، والأشجار تزهر وتورق وتثمر، كانت حطباً أصبحت أشجاراً مثمرة ذات أنواع منها التفاح والكمثرى، وفيها الفواكه التي تطيب بها النفوس، إذاً:
﴿ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ(12)﴾
الآيات الكونية في القرآن هي موضوعات للتفكر:
فتجد هذه الدابة تستعين بها في الحرث، وتركبها، وتأكل من لحمها.
أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية أذكركم بأن القرآن الكريم كثيراً ما يذكر الآيات الكونية، وهذه الآيات يمكن أن تكون موضوعات للتفكر فيها، فعلينا أن نفصل فيها:
﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ(13)﴾
ولنا عودة إلى هذه الآيات في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.