- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (043)سورة الزخرف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثالث من سورة الزخرف.
العلم غذاء العقل والذكر غذاء القلب:
مع الآية الخامسة عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ(15)﴾
وقبل أن أبدأ شرح هذه الآية أريد أن أضع بين أيديكم حقيقة تعيننا على فهم كتاب الله، هذه الحقيقة هي أن الإنسان -كما تعلمون- جسد وقلب وعقل، فإذا اعتنى بعقله وغذّاه بالعلم فقد حقق شطراً من الدين، وإذا اعتنى بقلبه فأكثر من الذكر فقد حقق الشطر الآخر، أما أن يكتفي الإنسان بسماع الدروس، حتى ولو أبدى إعجابه بالدروس، فما لم يكثر من ذكر الله عز وجل لا يشعر بالسعادة التي وعد الله بها المؤمنين، فأحياناً الأخ يشكو ويقول: حينما سلكت طريق الإيمان كنت في سعادة كبيرة ما لبثت أن تضاءلت، إلى أن أصبحت أنكر على قلبي الأحوال التي أعيشها؟
فالجواب عن هذا السؤال هو أن الدين يحتاج إلى علم كغذاء للعقل، وإلى ذكر كغذاء للقلب، وأبرز ما في الذكر الصلاة.
الذكر لا ينعقد إلا بالالتزام التام بالأمر والنهي:
قال تعالى:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
الإنسان حينما يصلي ينبغي أن يعتني بصلاته، وأن يستحضر عظمة الله عز وجل، وأن يعيش الآيات التي يقرؤها، وإذا ركع يشعر أنه خاضع لله عز وجل، وإذا سجد يشعر أنه يستمد العون من الله، فالصلوات ذكر، وتلاوة القرآن ذكر، والأدعية ذكر، والاستغفار ذكر، لكن هذا الذكر لا ينعقد إلا بالالتزام التام بالأمر والنهي، فالإنسان يجب ألا يتساهل حتى في الصغائر، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إنَّ الشيطانَ قد يَئِسَ أن يُعبَدَ بأرضِكم، ولكن رضِيَ أن يُطاعَ فيما سِوى ذلك مما تُحاقِرون من أعمالِكم، فاحْذَروا، إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا، كتابَ اللهِ، وسُنَّةَ نبيِّه ))
من ذكر الله تعالى شعر بأثر ذلك في قلبه ونفسه:
فالإنسان الذي يشكو أنه ينكر على قلبه ما يعانيه، أقول لكم لو الإنسان ضبط جوارحه ضبطاً تاماً كما أمر الله، وضبط دخله وضبط إنفاقه، وضبط بيته، حينما يحقق هذه الاستقامة يشعر أن الطريق صار إلى الله سالكاً، فإذا ذكر الله عز وجل إنْ في الصلوات الخمس، أو في تلاوة القرآن، أو في الأدعية والاستغفار يشعر بأثر ذلك في قلبه ونفسه، فإذا حضر مجلس العلم ليستمع إلى تفسير القرآن مثلاً فنفسه مهيأة لهذا السماع، أما أن يتلقى معلومات ودقائق وأفكار وتفسيرات وتعليلات من دون أن يرافق هذا العلم ذكر، ومن دون أن يرافق هذا الذكر استقامة تامة وانضباطاً وبذلاً، وكل أخ يشكو فتور صلواته، فالجواب هو في قوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ
الدين قضية مصيرية والإقبال على الله هو مصدر السعادة:
أليست الصلاة لقاءً مع الله! أليس اللقاء مع الله مسعداً! ألا يشعر المصلي حينما يصلي أن الله تجلى على قلبه! فهذه قضية متكاملة، قضية الاستقامة مع العمل الصالح، قضية طلب العلم كغذاء للعقل، وقضية الذكر وفي قمة الذكر الصلوات الخمس، والأدعية والاستغفار وتلاوة القرآن.
فلما يلتزم المسلم بكل جوانب الدين يقطف الثمرات، كنت أضرب هذا المثل دائماً: أن الإنسان يمكن أن يشتري قطعاً من سيارة (عجلات، هيكلاً، مقاعد، محركاً)، لكن هذه القطع المتناثرة، ولو كان لها ثمن باهظ، لكنها في مجموعها لا تشكل سيارة، إنها لا تمشي، كذلك الدين إذا لم يحط به الإنسان من كل جوانبه؛ يعني اعتنى بقلبه ذاكراً، واعتنى بعقله متعلماً، واعتنى بسلوكه مستقيماً ومحسناً فلا يقطف ثمار الدين، والدين قضية مصيرية.
الدين كلٌ متكامل:
الإنسان حينما يصطلح مع الله فهو يتعامل مع خالق الكون، فهل من المعقول إن سرت على الله أن تشعر بالملل؟ مستحيل، فالله عز وجل هو مصدر السعادة، مصدر السرور، مصدر الطمأنينة، مصدر الثقة، مصدر السكينة، كل المشاعر العالية جداً التي يحس بها المؤمن إنما هي ثمرة من ثمار الاتصال بالله عز وجل، والدين كلٌ متكامل، ونحن أحياناً نأخذ جانباً منه.
الدين فيه كليات ثلاث:
1 ـ كلية السلوك:
لقد قلت سابقاً: الدين فيه كليات ثلاث، هذه الكليات الثلاث متكاملة، كلية العلم، كلية القلب، كلية السلوك، السلوك فيه شيئان: انضباط وعمل صالح، الانضباط: هو الالتزام والاستقامة والطاعة، هذه كلها مرادفات، يعني ما من واحد إلا ويعلم الحلال والحرام، إطلاق البصر حرام، وغض البصر طاعة لله عز وجل، الكذب حرام، والصدق طاعة لله عز وجل، الإخلاص والخيانة، الإحسان والإساءة، فالإنسان حينما يستقيم يجعل الطريق إلى الله سالكاً، بقي أن يتحرك على هذا الطريق، الحركة هي العمل الصالح، العمل الصالح يدفعك في طريق الإيمان، والاستقامة تذلل العقبات التي في طريق الإيمان.
تصور أنك أمام طريق كله عقبات، وتقود مركبة صغيرة وكل عقبة تتشكل من خمسة أمتار مكعبة من الإسمنت المسلح، وهي كثيرة في الطريق، فالطريق إذاً مسدود، كل عقبة عبارة عن معصية، فالإنسان حينما يزيل هذه العقبات يعني حينما يستقيم، يعني حينما يضبط بيته وعمله وجوارحه ولسانه وعينه وسمعه، معنى ذلك أن هذه العقبات أُزِيلت من طريق الإيمان.
فحينما يبذل من ماله، من وقته، من عضلاته، من خبرته، من جهده يتحرك على هذا الطريق، هذا الطريق فيه عقبات ويحتاج إلى حركة، الحركة هي العمل الصالح، والعقبات هي المعاصي، فإذا استقام العبد أزال العقبات من طريق الإيمان، فإذا عمل صالحاً تحرك على هذا الطريق، هذا الجانب السلوكي.
2 ـ كلية القلب:
3 ـ كلية العلم:
﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ
معرفة الله تؤدي إلى صدق الطاعة والعبادة:
ومعرفة سيرة الرسول ليكون النبي أسوة لنا، إذاً أركان المعرفة؛ معرفة كلام الله، هذا الكتاب المقرر، تصور أن إنساناً سيتقدم لامتحان بعد يومين ومكتبته عامرة عبارة عن أربعة جدران ممتلئة بالكتب، وهذا الامتحان مصيري وسيحدد مستقبله بعد يومين، ولديه كتاب واحد مقرر، أليس العقل كل العقل أن يقرأ الكتاب المقرر؟ هذا هو الكتاب المقرر.
ذكرت في درس سابق: كل علم ممتع، لكنّ هناك علماً ممتعاً نافعاً، أما علم الدين فهو علم ممتع نافع مسعد، قد تقرأ في النعوة أن فلاناً يحمل أعلى شهادة، دكتوراه، لكن حينما توفاه الله عز وجل مفعول هذه الشهادة انتهى، قد يكون أعلم إنسان في النحو، قد يكون أعلم إنسان في الطب، قد يكون أعلم إنسان في الهندسة، حينما ينتهي أجله تنتهي شهادته وينتهي اختصاصه، وينتهي تفوقه، وينتهي كل شيء بوفاته، إلا من كان عالماً بالدين، فالذي يتعرف إلى الله في حياته فهذه المعرفة تنفعه بعد الموت وإلى أبد الآبدين.
لذلك ليس هناك تناسب إطلاقاً بين أن تتعلم علم الخليقة وبين أن تتعرف إلى الله عز وجل، كل العلوم المادية العصرية من طب وفيزياء وكيمياء ورياضيات وطبيعيات وفلك وعلم نفس وعلم اجتماع هذه علوم الخليقة، وهناك علوم الشريعة، وهناك علوم الحقيقة.
معرفة الله عز وجل تحتاج إلى مجاهدة:
معرفة الله عز وجل لا تحتاج إلى مدارسة ولا إلى إصغاء ولا إلى مطالعة ولا إلى كتابة ولا إلى تذكر، تحتاج إلى مجاهدة،
المجاهدة الاستقامة، يعني إنسان يضبط جوارحه فهو كأنه يعرض نفسه للرحمة، إذا وقف ليصلي يشعر أنه يصلي، أما حينما يتفلت الإنسان يقع الحجاب، ومع الحجاب يأتي الملل والسأم، والله الدرس طويل، وكل شيء قاله نعرفه سابقاً، الإنسان حينما يضعف اتصاله بالله عز وجل لا يستفيد الفائدة القصوى من العلم.
إذاً الذي أتمناه على الإخوة الكرام أن يأخذ كل منّا الدين من كل جوانبه؛ الجانب الاعتقادي العلمي، حضور مجلس العلم طلبٌ للعلم، طبعاً المعلومات تتراكم، كل أسبوع درس تفسير، كل اسبوع درس حديث، كل أسبوع درس سيرة، وتتكون لديه القناعات وتتراكم.
وأقول لكم هذه الكلمة أيها الإخوة: لا يعرف أحدكم فضل طلب العلم إلا إذا جلس مع صديق له في سنه لم يطلب العلم، فيرى البون شاسعاً بينه وبين هذا الصديق، فهو تعرف إلى الله، عرف التوحيد، وعرف بأن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء، وعرف بأن الله سبحانه وتعالى بيده مقاليد السماوات والأرض، عرف أن الله يراقبه، وعرف أن الله سيحاسبه، هذه المعرفة لا تقدر بثمن، لكن أهل الدنيا يعتدون على بعضهم بعضاً، ويدفعون الثمن باهظاً لجهلهم بالله عز وجل، كلام سخيف، وتفكير ضحل، وشرك واضح، واهتمامات بالدنيا، وهذا شيء يعرفه كل من طلب العلم، فطلب العلم فريضة على كل مسلم، الإنسان بالعلم يرقى.
لا أحد ينال ثمار هذا الدين إلا إن أخذه من كل جوانبه:
والخلاصة؛ أيها الإخوة الكرام، أنه لا ينال أحد منّا ثمار هذا الدين العظيم إلا إذا أخذه من كل جوانبه؛ الجانب السلوكي استقامة وعمل صالح، الجانب العلمي معرفة كتاب الله وسنة رسوله، وسيرة نبيه وصحابته، ومنهاجنا درس تفسير، ودرس فقه وحديث، ودرس سيرة، هذه أركان ثقافتنا الإسلامية؛ القرآن كلام الله، والنبي يفصّل كلام الله في أقواله، ويعبر عن فهمه لكلام الله بأفعاله، فنحن نريد الكتاب والسنة والسيرة، طبعاً الفقه نأخذه من السنة.
بقي على الإنسان أن يذكر الله، والذكر متعلق بالاستقامة، إذا لم يكن هناك استقامة فالإنسان يمل من الذكر، يقوم إلى الصلاة وهو كسول، لا يذكر الله إلا قليلاً، قال الحسن البصري: إذا قرأت القرآن ولم تشعر بشيء، وإذا صليت الصلوات الخمس ولم تشعر بشيء، وإذا ذكرت الله ولم تشعر بشيء فاعلم أن في الإيمان مشكلة كبيرة.
معنى ذلك أن الطريق مسدود، يعني أنه في حجاب، فابحث عن سبب هذا الحجاب، الإنسان لا يجامل نفسه، أكثر الناس يسخطون على قلة أرزاقهم، لكن يرضون عن عقولهم، وأنا أضيف إلى ذلك أنهم يرضون عن إيمانهم، لأن الإنسان أحياناً يتوهم أنه يوازن نفسه مع قطاع الطرق فيرى نفسه ولياً، يوازن نفسه مع المنحرفين، مع المقصّرين، مع العصاة، مع تاركي الصلاة، فيجد نفسه من الأولياء، هذا خطأ كبير، يجب أن تقارن نفسك مع الصالحين، مع المؤمنين الصادقين، مع العلماء العاملين، مع العلماء المخلصين، مع التابعين، مع النخبة التي اختارها الله عز وجل لتكون من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام،
الشيء إذا وجد يُؤْلَف:
هو أن الإنسان حينما ينتقل فجأة من بيت صغير في حي مُبتَزل إلى بيت واسع في حيّ بمقياس الناس راقٍ يشعر بنشوة ليومين أو ثلاثة أو عشرة، لكن بعد شهر أو شهرين يكون قد ألِف البيت الجديد، وألِف مساحته الواسعة، وألِف مرافقه الجيدة، هذه النقلة النوعية معها فَورة هذه الفورة بعد الانتقال المفاجئ من شيء إلى شيء، أمرٌ طبيعي جداً، وبعد حين يألف الإنسان أحوال أهل الإيمان، هذا ما قاله الصديق عليه رضوان الله قال:
النقلة المفاجئة من الكفر إلى الإيمان، من التفلّت إلى الاستقامة، من الضياع إلى الهدى، هذه النقلة المفاجئة مُسعِدة جداً، لكن من الطبيعي جداً أن هذه النقلة ستتضاءل النشوة التي رافقتها، لأنها أصبحت مألوفة، فمثلاً قد يشتري شخص مركبة، ولفرحته لا ينام تلك الليلة، ويتجول في الشوارع إلى ساعة متأخرة من الليل فرحاً بها، لكن بعد سنتين لا يركبها إلا عند الضرورة، معنى هذا أن الشيء إذا وُجِد يُؤلَف.
من آثر مرضاة الله على شهوات نفسه ارتقى عند الله عز وجل:
إذا أحد شكا أن أحواله قد ضعفت فليس معنى هذا أنها ضعفت، لكنه ألفها، والدليل لو أن واحداً يشكو من ضعف أحواله ألمّ بمعصية أو مخالفة فإنه يشعر وكأنه قد سقط من السماء إلى الأرض، إذاً حينما كان يشكو ضعف أحواله كان على اتصال بالله عز وجل، والدليل طمأنينته، والدليل سعادته، لكن هذه السعادة ألِفها فظنها تراجعاً، أقول: إنها ليست تراجعاً. هذا جواب آخر، فالإنسان إذا كان يحرص على الذكر وطلب العلم وعلى الاستقامة التامة وعلى العمل الصالح، وقال لك: لقد ألِفت أحوالي، أو كأنها تضاءلت، فالجواب: لا، إنك ألِفتها ولم تتضاءل، والدليل حينما تُحجَب تشعر أنك انتقلت من حال مُسعِد إلى حال لا يُحتَمل، إلا أن هناك حالات يقولها عامة الناس: أنا لا أشعر بشيء، فأنت ما ذقت طعم الإيمان حتى تشعر بفقده، إذا كان الإنسان منغمس بالمعاصي والآثام، وأحياناً يجامل أهل الإيمان، وقال لك: أنا لا أشعر بشيء، ذلك لأنه لم يذق الشيء حتى يشعر بفقده، لكن المؤمن حينما يذوق طعم القرب يسعد.
وإليكم قصة أذكرها كثيراً؛ شخص سمع من شيخه أن لكل معصية عقاباً، وزلّت قدمه بمعصية طفيفة فصار ينتظر العقاب من الله عز وجل، مضى يوم ويومان وثلاثة فلم يشعر بعقاب أصابه، ففي الصلاة ناجى ربه وقال: ربي عصيتك ولم تعاقبني؟ فوقع في قلبه أن الله تعالى قال له: عبدي قد عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟ فالإنسان عندما يكون على اتصال بالله يشعر بسعادة، والإنسان حينما يستقيم استقامة تامة، كأن يمشي في الطريق ويغض بصره بشكل حازم، ثم يدخل المسجد ليصلي، يشعر أنه فعل شيئاً لله، فهو بإمكانه أن يطلق بصره ولا أحد يحاسبه بكل الأرض، ولكنه غضّه خوفاً من الله عز وجل، ويقول في نفسه:
﴿ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ
فلما توجه إلى بيت الله ليصلي شعر أنه على شيء من الطاعة لله، فهو آثر رضوان الله على شهوات النفس.
طلب العلم ومذاكرته والتدقيق في أفعاله تمكّن المرء من ترسيخ معلوماته:
فيا أيها الإخوة الكرام، ثلاثة أشياء أتمناها منكم؛ وأن تكون متزامنة معاً جنباً إلى جنب: جانب طلب العلم، وحضور هذه المجالس يحقق هذا الجانب.
يضاف إلى هذا الجانب المذاكرة، فالإنسان إذا سمع درساً ولم يحاول أن يراجعه في البيت، تتفلت منه المعلومات، ثم تتلاشى، فيحسن به أن يعيده مع زوجته، ومع أولاده، ومع أقربائه، ومع جيرانه، مع إخوانه، ومع زملائه في العمل، فإذا جلس الإنسان مع من يلوذ به ساعة بالأسبوع، وحاول أن يستذكر ما قيل في هذا الدرس بذلك يثبت العلم، فالعلم يُلقى في الهواء والتأثير آني، لكن المراجعة والمذاكرة تمكن المرء من ترسيخ معلوماته، والله عز وجل قال:
﴿
معنى هذا أن هناك دعوة أن يجلس الإنسان في بيته مع إخوانه ويتذاكر في هذا الكلام المعجز، يتذاكر فيما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، لأن المذاكرة تثبت العلم، فإذا حضر الإنسان هذه المجالس، أو أي مجالس أخرى، وذاكر مع إخوانه ما ورد فيها معنى ذلك طلب العلم، الآن إذا دقق جداً في جوارحه، وفي دخله وفي إنفاقه، وفي بيته وفي عمله وجعل هذه الحقول كلها موافقة لشرع الله يكون قد حقق الجانب السلوكي، وهذه الاستقامة، يبقى العمل الصالح، والعمل يحتاج أن يبذل، فالله عز وجل قال:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
الذكر يحقق طمأنينة القلب والنفس:
لكل إنسان ما يميزه عن غيره، فمثلاً في مجال المعرفة؛ هذا يتقن اللغة، وهذا يتقن الرياضيات، وذاك يتقن الهندسة، وآخر يتقن حرفة معينة، كل إنسان يتقن شيئاً، فإذا بذل من حرفته، من خبرته، من معلوماته، من طاقاته، من عضلاته، من ماله، من جاهه، بذل شيئاً للمؤمنين ابتغاء وجه الله عز وجل يكون قد حقق الجانب السلوكي، فهو إذاً استقام وعمل أعمالاً صالحة، وحضر مجالس علم وذاكرها،
• أن يصلي الصلوات الخمس بإتقان.
• إلى أن يذكر الله عز وجل؛ إما ذكراً منفرداً أو ذكراً جماعياً.
• يحتاج إلى أن يدعو ربه، وإلى أن يستغفر الله.
فإذا حققت جانب الذكر
صفات البشر لا تليق بخالق البشر:
نحن الآن مع قوله تعالى:
(( فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي. ))
(( إِنَّما فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُؤْذِينِي ما آذَاها، ويُنْصِبُنِي ما أنْصَبَها. ))
الابن دائماً جزء من الأب، لكن حينما قالوا إن الملائكة بنات الله ماذا فعلوا؟ جعلوا الذات الإلهية مركبة من أجزاء، هذا خلاف علم التوحيد.
فالخلاصة أنهم جعلوا الذات الإلهية مركبة، كل شيء فيه أجزاء فهذا يعني أنه مركب، هذه الآلة فيها أجزاء فممكن أن نفصل أجزاءها بعضها عن بعض، إذاً مركّبة، والله عز وجل مُنزّه عن التبعّض والتركيب، والجزئية، والمكان، والزمان، والصورة كل هذه الصفات لا تليق بالله عز وجل.
الذين يعصون الله قابلوا نعمه بالكفر والعصيان:
هؤلاء الذين يكفرون، يعصون الله، يعتدون على عباد الله، ألا يعرفون أن الله امتن عليهم بنعمة الوجود، ونعمة الصحة، ونعمة الإمداد؟ هذه النعم الظاهرة التي غرق الإنسان بها، قابلوا هذه النعم بالكفر، والعصيان، والطعن، والسُّباب أحياناً، إذاً:
كلمة الإنسان معرفة بـ (أل) في القرآن:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾
﴿
فحيثما وردت كلمة الإنسان معرفة بـ (ال) في القرآن فهذه (ال) الجنس، يعني جنس الإنسان قبل أن يطهر بالإيمان، وقبل أن تصطبغ نفسه بصِبغة الله عز وجل.
الفاجر لا يكتفي بالكفر بل يبالغ في إظهار الكفر:
(( لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم. ))
الإنسان العادي إذا فعل الفاحشة يستحي بها، لكن هؤلاء يعلنون بها، فصار لهم نقابات في بعض البلاد الغربية، هؤلاء المنحرفون، ويطالبون بحقوقهم، والآن في بعض البلاد سُمِح لهم بدخول الجيش،
ولقد طالعتنا الصحف مؤخراً بأخبار عن مرض جديد اسمه
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ(15) أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ(16)﴾
والخليقة مؤلفة من ذكور، وإناث، وكان العرب في الجاهلية يكرهون البنات.
الحديث في كتاب الله عن وأد البنات:
﴿
وتعلمون أيضاً أن العرب كانوا يئِدون البنات، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)﴾
المولود هدية من الله عز وجل ذكراً كان أم أنثى:
هم يكرهون البنات، ويحبون الذكور، لكن المؤمن بالعكس، فهو يرى أن هذا المولود هدية من الله عز وجل، لذلك -ورب الكعبة-، ما من مؤمن صادق إلا ويحتفل بالبنت كما يحتفل بالذكر؛ لأنها هدية الله عز وجل، وربنا عز وجل قال:
﴿
لقد تمنت امرأة عمران أن يأتيها غلام يدعو إلى الله، فلما جاءتها أنثى قالت
ارتكاب الكفار خطأ جسيماً بادعائهم أن لله بنات:
أما هنا الآية:
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ(17)﴾
طبعاً حينما تقول: إن الله اتخذ الملائكة بنات رفعنا الملائكة إلى جنس الألوهية، هذا معنى
ما لأبي حمزة لا يأتينـــــا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينـــا تالله ما ذلك في أيدينـــــا
وإنما نأخذ ما أُعطينـــــــا نُنبت ما قد زرعوه فينـــا
* * *
نوع الجنين هو شأن الرجل:
وبعد تقدم العلم أثبت أن نوع الجنين ذكراً كان أو أنثى ليس من شأن المرأة بل هو من شأن الرجل، لقوله تعالى:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾
فالمرأة ليس لها علاقة إطلاقاً بموضوع الذكر، أو الأنثى، فهذا جهل، وأن يغضب الإنسان من امرأته إن أنجبت له بنتاً، فهذا منتهى الجهل، ويذكر أن رجلاً قال: إن أنجبت بنتاً فهي طالق، فجاءته بِبِنتين معاً فلم تطلق.
الله عز وجل وصف الفتاة أن من طبيعتها أنها تحب الزينة:
﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ(18)﴾
من هذا الذي يُنَشَّأ في الحلية؟ قالوا: هي الفتاة تُنشّأ في الحلية، والحلية الزينة، فالله عز وجل وصف الفتاة أن من طبيعتها أنها تحب الزينة، وهذا جزء من طبيعتها.
المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية:
في التكليف مكلفة بالإيمان وبأركان الإيمان، ومكلفة بالإسلام وبأركان الإسلام، وفي التشريف، يعني أن امرأة مؤمنة -والله الذي لا إله إلا هو- هي خير عند الله من مليون مشرك، من مليون رجل كافر، فالأنثى مكلفة ومشرّفة.
(( كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته، المرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها. ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة. ))
(( انصرِفي أيَّتُها المرأةُ وأعلِمي من وراءكِ من النِّساءِ أن حُسنَ تَبعُّلِ إحداكنَّ لزوجِها وطلبَها مَرضاتَهُ واتِّباعَها موافقتهُ يعدِلُ ذلِكَ كلَّهِ. ))
يعني مكلفة ومشرفة ومحاسبة كالرجل تماماً، هذا معنى قوله تعالى:
﴿
والخلاصة؛ أن المرأة تشعر كما يشعر الرجل، وتحب كما يحب، وتكره كما يكره، وتُبغِض كما يبغض، وتتمنى كما يتمنى، وتؤمن كما يؤمن، وتكفر كما يكفر، وتسعد كما يسعد، وترقى كما يرقى، لا فرق بينها وبين الرجل مطلقاً، وقد تكون مؤمنة إلى درجة كبيرة، صدِّيقة، السيدة مريم كانت صِدِّيقة، والسيدة خديجة، والسيدة عائشة، والسيدة آسية امرأة فرعون.
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)﴾
والله الذي لا إله إلا هو أيّما امرأة عرفت ربها، وقامت على تربية أولادها، وأطاعت زوجها، وكانت امرأة مثالية، فهي ولية عند الله عز وجل لقوله تعالى:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)﴾
النظرة الجاهلية للمرأة قبل الإسلام وبعده:
إخواننا الكرام، أية نظرة للمرأة تجعلها أقل من الرجل هي نظرة جاهلية، والجاهلية جاهليتان: جاهلية قبل الإسلام حيث كانوا يئِدون البنات، وجاهلية أخرى بعد الإسلام، فحينما تُستَغل الفتاة لأرخص الأهداف، فتكون الفتاة وسيلة للإعلان، أليس هذا امتهاناً للمرأة؟ والله امتهان وأعظم امتهان، المرأة في الأصل أم أو أخت أو بنت أو زوجة إنسان عظيم يصبح سلعة تجارية! أعوذ بالله، إنها جاهلية القرن العشرين، في جاهلية ما قبل الإسلام وأدوا البنت، وفي الجاهلية الثانية فتنوا البنت:
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ
فالإنسان الجاهلي كان يحفر حفرة ويضع ابنته فيها
النقص يكون كمالاً في بعض الأحيان:
لدينا موضوع آخر، فالمرأة مجهزة نفسياً وعقلياً وجسمياً لتكون أماً، ولتكون زوجة، لذلك زاد الله عز وجل في انفعالها، وعاطفتها، ورحمتها، وحنانها على قوة إدراكها للقضايا العامة، وقوة حجتها في الأمور النظرية، طبعاً لسنا بحاجة إلى محاضرة في قضايا فلسفية بل نحن بحاجة إلى أم ترعى أولادها وتعتني بهم وتكون مصدر سعادة لزوجها ولأولادها.
ومن هنا فإن ما زاد في عاطفتها وانفعالها ورحمتها واهتمامها بأولادها وبيتها وزينتها، وما نقص من قوة إدراكها، وقلة اهتمامها بالقضايا العامة كمالٌ فيها، وما زاد في قوة إدراك الرجل للقضايا العامة وشدة اهتمامه لها، وما نقص من قوة انفعاله، وقوة اهتمامه في الأمور التزيينية والأسرية فهذا كمالٌ فيه، وكنت أضرب مثلاً بمركبتين؛ مركبة ركاب ومركبة بضاعة، فأما مركبة البضاعة فإن مكان البضاعة يزيد على حساب مكان الركاب، وهذا كمال فيها، بينما مركبة الركاب زادت مساحة الركاب على حساب مكان البضاعة فهذا كمال فيها، في الأولى زيادة ونقص وهو كمال فيها، وفي الثانية زيادة ونقص وهو كمال فيها، الله عز وجل كامل وخلقه كامل.
بنية المرأة وبنية الرجل ليس فيهما نقص عيب بل نقص كمال:
فبنية المرأة العقلية والجسمية والنفسية كمال فيها، وبنية الرجل العقلية والنفسية والجسدية كمال فيه، هذا ليس نقصَ نقصٍ، بل نقصَ كمال، فأنت تريد أن تحمل بضاعة بهذه الشاحنة فهل معقول أن تجعل مكان البضاعة واحداً بالمئة من حجمها فقط؟ ليس معقولاً، وبقية السيارة مقاعد فارغة؟ فهذه ليست مركبة نقل بضاعة، لكن مركبة الركاب أوسع مساحة للركاب، وأقل مساحة للحاجات، فإذاً ممكن أن يكون النقص كمالاً أحياناً.
وبشكل مجمل نقول: ما زاد في قوة إدراك الرجل وشدة اهتمامه بالقضايا العامة والفلسفية، وما نقص من شدة انفعاله، واهتمامه بالقضايا التزيينية، فهذا كمال فيه، وما زاد من قوة انفعالها وعطفها وحنانها وأنوثتها، وما نقص من قوة إدراكها للقضايا العامة، فهذا كمال فيها، فمثلاً إذا دخل إلى بيته، ووجده غير مرتب، والطعام غير ناضج، والأولاد بمظهر لا يليق، والبيت فوضى لا تحتمل، وعند دخوله ألقت عليه امرأته محاضرة في نظام الدولة الجديد، فمالذي يعنيه هو بهذا الموضوع؟ هي تطالع كثيراً وتقرأ وتتبحر، ولديها أفكار عميقة جداً، هو يريد بيتاً؛ أولاده مرتبين، امرأة تقوم بواجباتها، فلما تهتم المرأة بالتزيين هذا كمال فيها من أجل أن ترضي زوجها، وهذا معنى قول الله عز وجل:
البيوت مسؤوليات وللمرأة وظيفة فيها:
فالبنت مفطورة على حب التزيّن من أجل أن ترضي زوجها، هكذا صُمِّمت.
(( إذا صلَّت المرأةُ خمسَها وصامت شهرَها وحفِظت فرجَها وأطاعت زوجَها قيل لها ادخُلي الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شئتِ. ))
المرأة دينها مختصر، أما دين الرجل فيوجد ألف مزلق بكسب المال، وألف مزلق بإنفاق المال، يعني الرجل أمام آلاف الأحكام الشرعية التي ينبغي أن يطبقها حتى يفوز،
(( لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجِها لعِظَمِ حقِّه عليها. ))
حرص المؤمن على أسرته وعلى سعادة أبنائه:
فيجب على الآباء أن يربوا بناتهم على هذه التربية، والأمهات على هذه التربية كي يعود للبيت تألقه، وكي تصبح بيوت المسلمين جنات صغيرة، أما الآن المرأة صارت تبدي كل زينتها للطريق، وكل ما فيها من تقصير لزوجها، والبيوت الآن غير منتظمة، لذلك أي مجتمع تضعف فيه الأسرة ينتهي، لماذا انتهى الأجانب؟ لأن الأسرة تفككت.
فالمؤمن دائماً يحرص على أسرته، وعلى سعادة أبنائه، وعلى الوئام والوِفاق، والحقيقة أن بطولة الإنسان أن يكون سعيداً في بيته، لأنه إذا سعد في بيته انعكس هذا على عمله، هذا معنى القرآن الكريم:
﴿
جعلوا الملائكة إناثاً وهذا افتراء آخر لأنهم مخلوقات نورانية لا يعصون الله:
هذا افتراء آخر، فأول افتراء: أن جعلوا لله من عباده جزءاً، الافتراء الثاني: جعلوا هذا الجزء بنتاً، والافتراء الثالث: جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، ليس بين الملائكة ذكوراً وإناثاً، والملائكة ليسوا كالبشر يتوالدون، فالتوالد يقتضي أن يكون هناك ذكر وأنثى، أما في الملائكة لا يوجد توالد، فهم مخلوقات نورانية لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
الافتراء الثالث
﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(20)﴾
ولقد تكررت مقولتهم هذه في القرآن الكريم مرات عديدة.
﴿
عقيدة الجبر عقيدة مضلة تلغي التكليف:
في الآية إشارة لعقيدة الجبر بأن تعتقد أن الله أجبرك على المعصية أو على الكفر، وهذه عقيدة ضالة مُضِلة، هذه العقيدة تلغي التكليف، تلغي الأمانة:
﴿
تلغي الثواب، تلغي العقاب، تلغي المسؤولية، تلغي الجنة، تلغي النار، تلغي جدوى نزول الكتب السماوية، تلغي جدوى إرسال الأنبياء، والمرسلين، تجعل الدين تمثيلية، عقيدة الجبر، فلذلك قال تعالى مخبراً عنهم:
الإنسان مخير فيما يفعل أو يقول:
لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملَاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ويجب أن نؤمن بأننا مخيرون، وأن الإنسان:
﴿
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3)﴾
﴿
﴿
الإنسان مخير، هنا قالوا:
أشد أنواع الكذب أن يخرص الإنسان:
﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ(21)﴾
الدليل العقلي والدليل النقلي:
فهل لديهم نص؟ وهذه إشارة دقيقة جداً في هاتين الآيتين إلى الدليل العقلي والدليل النقلي، وقالوا:
﴿
أيْ على طريقة أو على دين، والأمة في الآية هي الطريقة التي تُؤَم
﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ(22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23)﴾
يعني عقل تقليدي لا يغير ولا يبدل، نحن هكذا نشأنا، وهكذا تربينا، عادات، وتقاليد، وتراث، يقول لك تراث وصار التراث عندهم إلهاً.
ثماني آيات في القرآن اقترن فيهن الترف مع الكفر:
﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا
هؤلاء لا يغيرون.
﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(25)﴾
علاقة الآيات التالية بالآيات السابقة:
فالسؤال الآن ما علاقة القصة التالية:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي(27)﴾
هذا سؤال للدرس القادم، ما علاقة قصة سيدنا إبراهيم بسياق الآيات؟ القرآن مترابط، فالحديث الآن عن هؤلاء الذين وجدوا آباءهم على أمة وإنهم على آثارهم مقتدون، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(27)﴾
الله سبحانه نفى عنهم الدليل العقلي والدليل النقلي وأبقى لهم التقليد الأعمى:
دققوا النظر فستجدوا أن الله سبحانه وتعالى نفى عنهم الدليل العقلي، كما نفى عنهم الدليل النقلي، وأبقى لهم تقليدهم الأعمى، فجاء سيدنا إبراهيم وقال لأبيه وقومه:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.