- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (043)سورة الزخرف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس من سورة الزخرف.
الآيات التالية أصل في نفي الجبر:
مع الآية الثالثة والثلاثين وهي قوله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ(33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ(34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ(35)﴾
هذه الآية أيها الإخوة أصل أيضاً في نفي الجبر، كما أن قوله تعالى:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)﴾
كما أن هذه الآية أصل في نفي الجبر عن الإنسان كذلك هذه الآية؛ لولا: إعرابها أو معناها حرف امتناع لوجود، أداة شرط غير جازمة، ولو: حرف امتناع لامتناع أداة شرط غير جازمة.
﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16)﴾
الفرق بين ( لو ) و ( لولا ):
امتنعنا عن أن نسقيهم ماءً غدقاً لامتناع استقامتهم على الطريقة، حرف امتناع لامتناع، لو جئتني لأكرمتك، امتنع إكرامي إياك لامتناع مجيئك، لكن (لولا) حرف امتناع لوجود، لولا المطر لهلك الإنسان، امتنع هلاك الإنسان لوجود المطر، الآية:
لمَ لمْ يجعل الله بيوت الكافرين من فضة ؟
الله تعالى لم يجعل الدنيا للكفار لأنه أصلاً لم يخلق للجنة أناساً وللنار أناساً:
ليس القصد الفضة بالذات، القصد أن الله عز وجل لو خلق الإنسان ليكون كافراً، ولم يُرِد منه الهدى، ولم يخلقه لجنة عرضها السماوات والأرض، لو أن الله خلق للجنة أناساً -كما يزعمون- وخلق للنار أناساً، لو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في الأصل كافراً، وخلق إنساناً آخر في الأصل مؤمناً، لو أنه فعل ذلك لجعل الدنيا للكفار؛ لهوانها على الله سبحانه، متى تعطي عدوك شيئاً؟ إذا كان هذا الشيء هيناً عليك، ولأنها هينة فقد شبهها النبي عليه الصلاة والسلام بشاةٍ ميتةٍ متفسخة فقال لأصحابه حين رآها:
(( أترون هذه هينة على أهلها؟ قالوا: نعم، قال: للدنيا أهون على الله -عز وجل- من هذه على أهلها. ))
والحديث الذي تعرفونه جميعاً يؤكد حقيقة شأن الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام:
(( لو كانت الدُّنيا تعدِلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقَى كافرًا منها شرْبةَ ماءٍ. ))
الله تعالى جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى:
الدنيا هينة على الله، لا قيمة لها، يعطيها لمن يحب ولمن لا يحب، بل في الأعم الأغلب يعطيها لمن لا يحب، من عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
إذاً ( لولا ) حرف امتناع لوجود، لماذا لم يعطِ الله للكفار ما يشتهون من زينة الدنيا؟ من متاعها؟ من مباهجها؟ من بيوتها؟ من نسائها؟ من قصورها؟ من مركباتها؟ من مقاصفها؟ من بساتينها؟ من جناتها؟ ليس القصد البيت فقط، البيت وما يتبع البيت، البيت والبستان والمركبة، لِمَ لمْ يعطِ الله جلّ جلاله للكافرين هذه المباهج التي يصبو الناس جميعاً إليها؟ قال سبحانه:
الناس كلهم مخلوقون لهدف واحد ومدعوون لمعرفة الله:
قال: لأن الناس أمة واحدة، ما معنى أمة واحدة؟ أي مخلوقون ليؤُمّوا هدفاً واحداً، مخلوقون لهدف واحد، مدعوون لمعرفة الله، مطلوبون للجنة، لو أن الله عز وجل خلق أناساً للنار وأناساً للجنة، خلق أناساً مؤمنين وأناساً كافرين، لو أن الله سبحانه وتعالى أجبر عباده على الكفر لم يكن هناك من حكمة في تعذيب الكفار في الدنيا، والتضييق عليهم، وسَوق الشدائد لهم، لكن لأنه خلق كل خلقه ليسعدهم، خلقَ كل خلقه من نفس واحدة، ومن طبيعة واحدة، ولهدف واحد نبيل، لأن الناس كلهم خُلِقوا لهدف واحد إذاً؛ سيعالجهم وسيضيق عليهم، ولا يعطيهم سؤلهم في الدنيا كما يريدون، بل يعطيهم ما ينبغي أن يعطيهم إياه كي يلتفتوا إلى الله عز وجل.
الناس أمة واحدة، من طبيعة واحدة، من بنية واحدة، من جِبِلَّة واحدة، أُودِعت فيهم الشهوات ليرقوا بها إلى رب الأرض والسماوات، أُعطوا حرية الاختيار، زُوِّدوا بعقل يدلهم على الله عز وجل، فُطِروا فطرة نقية صافية طاهرة، خصائص واحدة، والهدف واحد، والطريق واحد، كل هذه المعاني تجمعها كلمة:
الله سبحانه خلق الناس ليكونوا سعداء في الدنيا والآخرة:
يعني أنت ترضى من أب عنده خمسة أولاد أن يهيئ واحداً ليكون طبيباً وواحداً ليكون حاجباً، ويكون أحدهم دخله غير محدود وآخر دخله محدود، ويهيئ أحدهم ليكون عالماً، بينما يُبقي الآخر جاهلاً! الأب واحد، فهذا الشيء لا تقبله من أب أساساً، أن يوجه ابناً ليكون في أعلى مرتبة اجتماعية بينما يضع العراقيل أمام الآخر ليكون في الدرجة الاجتماعية السلفى، فهذا تصرف لا تقبله من أب، فالله عز وجل خلق الناس أمة واحدة؛ ليؤمّوا هدفاً واحداً، ليقصدوا الجنة وما أُعِدّ لهم فيها من نعيم مقيم، خلقهم جميعاً ليكونوا سعداء في الدنيا والآخرة، هذا المعنى الذي يليق بالله عز وجل
(( يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. ))
أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون وُفِّقت في توضيح معنى:
الدنيا دار عمل و تنافس و ابتلاء:
كذلك ليس من الحكمة أنه إذا إنسان خُلق للجنة أن تمتعه في الدنيا إلى أقصى درجة، كما أنه ليس من الحكمة أن تجعل في الصف التعليمي المقاعد وثيرة جداً بحيث تصبح كالسرر، تتحرك كمقاعد الطائرات، فهذا ليس معقولاً لصف في مدرسة، فلو أن المقعد مريح إلى درجة أنه يصبح كالسرير بحركة ينام الطالب، هذا المكان مكان انتباه، مكان سماع محاضرة، مكان تفاعل مع المدرس وليس مكان استلقاء، أيعقل أن يكون الصف فيه كل ما لذّ وطاب من الطعام؟ ليس من المعقول؛ لأنه يتنافى مع الغرض التعليمي.
فلو أن الدنيا هي كل شيء للإنسان، لو أن الدنيا ليس وراءها آخرة، فالمنطق يقول ألا يكون هناك عذاب أبداً، وليس هناك مشكلة غنى وفقر، ولا قوي وضعيف، ولا غني وفقير، ولا وسيم ودميم، ولا غبي وذكي، إذا كان إلهنا واحداً وخلقنا للدنيا فلماذا التفاوت؟ لا معنى للتفاوت، لكن لأننا خُلِقنا للآخرة ولجنة عرضها السماوات والأرض، وجئنا إلى الدنيا لتكون دار عمل، ودار تنافس، ودار ابتلاء لذلك هناك الشدائد، هناك الابتلاء بالعطاء والابتلاء بالمنع، هناك الابتلاء بالغنى والفقر، والابتلاء بالقوة والضعف، دار ابتلاء، دار عمل، دار كشف، دار توبة، دار إنابة إلى الله عز وجل، فلذلك التنعّم يأتي عرَضاً، ليس التنعم في الدنيا هو الأصل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))
الله تعالى عندما يعطي الدنيا للكافر لا لكرامته على الله بل لهوانه عليه:
إذا كان هناك إنسان يبني حياته على السرور، على الاسترخاء، على التنعم بالطعام والشراب وكل المباهج، يقعد عن طلب الحق، يقعد عن طلب العلم، يقعد عن عمل صالح، فهذا الإنسان ما عرف حقيقة الدنيا بل جهلها، إذاً ما الذي لم يجعل للكفار جميعاً بيوتاً فخمة، وبساتين غنَّاء، وقصوراً رحبة، ومالاً وفيراً، وجمالاً وذكاءً، لماذا؟ لو أنهم خُلِقوا للدنيا فقط، ولو أنهم خُلقوا ليكونوا كفاراً، ولأن الدنيا هيّنة على الله عز وجل لو أنه أعطاها لهم، طبعاً هناك حالات نادرة، هناك إنسان يُعطَى الدنيا لا لكرامته على الله، بل لهوانه على الله، كما قال الإمام عليّ كرم الله وجهه:
قضية السيرة النبوية تُعد أكبر قضية في هذا الموضوع، يعني سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم ولا فخر، سيد الأولين والآخرين، سيد الأنبياء والمرسلين، المخلوق الأول الذي أقسم الله بعمره الثمين، لم يسكن في بيت فخم، كان إذا صلى قيام الليل نحّى السيدة عائشة جانباً حتى يصلي؛ لأن غرفته الصغيرة جداً لا تتسع لصلاته ونومها، كان إذا دخل بيته يقول:
(( هل عندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم. ))
بينما في بيوتنا لا يمكن ألا تجد شيئاً تأكله على الإطلاق،
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ. ))
لا يليق بخالق الأكوان أن يخلق أناساً للنار وأناساً للجنة:
عطاء الله سرمدي وأبدي فهو الجنة لا الدنيا:
كلمة متاع تعني شيئاً وشيك الزوال ، كثيراً من الناس مَن اعتنى بكسوة بيته سنتين، ويوم انتهى العمل في البيت توفى صاحبه ولم يسكنه، وهناك أشخاص نالوا أعلى الشهادات، وما استمتعوا بها أبداً مات في المطار في طريق العودة إلى بلده، أناس كثيرون قُبِضت أرواحهم ليلة عرسهم، معنى ذلك أن الدنيا هينة على الله عز وجل، بالمناسبة لا يليق بالله عز وجل أن تكون الدنيا عطاءً له؛ لأن الدنيا منقطعة، كنت أقول دائماً أن الموت ينهي غنى الغني، إنسان ترك ثلاتين مليوناً، أربعين مليوناً، ألف مليون، أربعة آلاف مليون دولار، هناك شخص يملك هذا المبلغ بدولة عربية، أربعة آلاف مليوناً، لا بدّ من أن يموت فإذا مات ما مصير هذا المال؟ لم يعد له، انتهى أمره، فالموت ينهي غنى الغني وينهي فقر الفقير، وقوة القوي، ووسامة الوسيم، وذكاء الذكي، ينهي كل شيء، إذاً لا يليق بالله عز وجل أن تكون الدنيا عطاءً له، بل الله يعطي الشيء الأبدي السرمدي، عطاؤه الجنة.
الحياة الدنيا خيال ولا يبقى منها إلا العمل الصالح:
يقال أحياناً: الدنيا خيال، يعني هذا العمر كيف مضى؟ لا أعرف مثل لمح البصر، انظر فالإنسان يولد ويُعتنى به، ويدخل المدرسة إلى كافة المراحل، ابتدائي، إعدادي، ثانوي، ويعيش في اهتمامات الدراسة، بعد ذلك يريد أن يتزوج، اهتمامات انتقاء الزوجة، ومن ثم جاءه أولاد، وتحولت اهتماماته إلى الأولاد، بعد ذلك زوج الأولاد، ثم لم يلبث أن تقاعد، ثم أصبح عرضة للعلل في جسمه فينتبه إلى السكر وغيرها وبعد ذلك تطبع ورقة الوفاة، وهي المرحلة الأخيرة، فالدنيا خيال؛ وكل ما فيها يمضي،
أغلب آيات القرآن تتحدث عن الإيمان بالله واليوم الآخر فهما متلازمتان:
فالملاحظ أيها الإخوة أن الله سبحانه وتعالى في أكثر الآيات التي تتحدث عن أركان الإيمان يأتي الإيمان بالله مع اليوم الآخر، طبعاً أركان الإيمان هي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى، لكن أكثر ركنين يتلازمان في القرآن:
إن الدنيا كلها تنطق بأسماء الله الحسنى، الكون كله يجسد أسماءه الحسنى، لكن الدار الآخرة تؤكد عدالتها، تتم فيها تسوية الحسابات، مرة قرأت مثلاً أعجبني: لو فرضنا أن أناساً جلسوا في مسرح والمسرحية بدأت، فإذا الأحداث تطورت إلى أن وصلت إلى عقدة ثم أُرخِي الستار، فلماذا يبقى الناس في مقاعدهم مع أن الستار أرخي؟ لأن الناس يعتقدون أن المسرحية لم تنتهِ بعد، ما مصير القاتل؟ ما مصير هذا الذي خان؟ فالقصة لم تنتهِ بعد، ونحن في الدنيا يأتي الموت والقصة لم تنتهِ، هناك ظالم، ومظلوم، ومغتصب، وقاهر، ومقهور، مُستغِل ومُستغَل، ولقد مات الاثنان، ثم لا بدّ من يوم تُسوّى فيه الأمور يعود الحق إلى أصحابه، يُؤخَذ للمظلوم من الظالم، للضعيف من القوي، للمغتصَب من المغتصِب، فلذلك الإيمان بالله واليوم الآخر هما الركيزتان الأساسيتان لأركان الإيمان.
﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)﴾
إعراض الإنسان بنفسه عن رؤية الحق و صم أذنيه لسماعه:
عشا يعشو، طبعاً الفعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة والضمة دليل أن الحرف المحذوف هو الواو، وَمَنْ يَعْشُ أصل الفعل عشا، عشا لها معنى، وعَشِي يعشى لها معنى آخر، عشي يعشى يعني لم يرَ بوضوح لضعف في بصره، هناك بصير وأعمى وأعور وأعشى، الأعشى ضعيف البصر، والأعور بعين واحدة، والبصير بصير، والأعمى أعمى، عشي يعشى لم يرَ حقيقة الشيء لضعف في بصره وهذا المعنى هنا غير مقصود، أما الفعل هنا فهو عشا يعشو، فما معنى عشا يعشو؟ أي أن الإنسان لم يرَ حقيقة الشيء لا لضعف في بصره، ولكن لرغبة في ألّا يرى، أي يتعامى، يتعاشى، يُعرِض بنفسه عن أن يرى.
معنى ذلك أن الله زوّدك بالعقل الذي يريك الحق حقاً، فأداة معرفة الله العقل السليم، كما أعطاك بصراً كي ترى آيات الله، أعطاك سمعاً كي تستمع إلى آيات الله، وأعطاك لساناً كي تسأل، بالعين ترى الآيات، وبالأذن تسمع الموعظات، وباللسان تسأل، وبالعقل تحاكم، ومع ذلك يعشو يعني يريد ألّا يرى، يريد ألا يسمع، يريد ألا يفكر، فعشا يعشو، يعني عدم وضوح الرؤيا لا لضعف في عينيه، بل لرغبة في عدم الرؤيا، وهو لا يريد أن يرى.
لا أحد يستطيع أن يُضل أحداً أبداً:
﴿
يجب أن تعتقد أن الشيطان لا يستطيع أن يفعل شيئاً إذا كنت معتصماً بالله، إذا كنت مستعيذاً بالله، لكن الإنسان حينما ينقطع عن الله عز وجل ويتمنى الدنيا، فالشيطان أصبح رفيقاً له، رفيقاً يدله على الشر، فالشيطان ليس له دور حقيقي، ولكن دوره من قبيل تحصيل الحاصل، لاحظ في المدرسة أن الطالب المنضبط، الأخلاقي، ذا التربية العالية لا يتأثر أبداً برفاق السوء، يظل بعيداً عنهم ويحتقرهم، لكن هؤلاء رفاق السوء يؤثرون بمن؟ بشاب منحرف في الأساس، شاب ضائع، شاب ليس عنده رادع ديني، فمثل هؤلاء الشباب يؤثر فيهم رفاق السوء وكخلاصة: لا أحد يستطيع أن يضل أحداً.
﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ(27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ(28)﴾
تحضير الأرواح مجرد كذب و دجل:
وقال:
﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ(37)﴾
هذا السبيل هو سبيل الله عز وجل، سبيل الجنة، سبيل السعادة في الدنيا والآخرة، مهمة الشياطين الصدّ عن السبيل، والشيطان هكذا قال:
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي
الشيطان لا يتحرك إلا عندما ينوي الإنسان السير إلى الله تعالى:
الملاحظ أن الإنسان مادام في المعاصي والموبقات والانحرافات ليس لديه مشاكل نفسية، وليس لديه وسوسة، ولا ضيق ولا كوابيس أبداً، لكن لمجرد أن يتجه إلى الله تقوم قيامة الشياطين، فمتى الشيطان يتحرك؟ حينما يُزمِع هذا الإنسان السير إلى الله.
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي
تارة يزين له الحداثة والتقدم والعلمانية والمجتمع والعلم، وتارة يزين له التقاليد البالية في تراث الآباء، ويكون في التراث المعاصي الكثيرة، وعادات كلها خلاف الدين، إما أن يأتيه من الحداثة أو من التقليد، أو عن شمائلهم وهي المعاصي، أو عن أيمانهم وهي الوسوسة، فدائماً يأتي الشيطان للمؤمن من باب أن يلقى في روعه أنك أنت لست مؤمناً، بل أنت منافق، أنت لا تحب الله عز وجل، يلقي في ذهنه خواطر سيئة جداً،فهذا الذي يفعله الشيطان، عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن بين أيديهم ومن خلفهم.
أخطر شيء في الحياة أن تتوهم أنك على حق وأنت على باطل:
المشكلة أن يكون الإنسان على باطل ويحسب أنه على حق، منحرف ويحسب أنه مستقيم، مُسيء ويحسب أنه مُحسن، مُفسد ويحسب أنه مُصلح، ضال ويحسب أنه مُهتدٍ، ماله حرام ويحسب أن هذا ذكاء وفلاح، يقتنص الشهوات ويحسب أنه ذو باع طويل في خبرات الحياة، هذه كلها أوهام لذلك:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾
المبتدع أحب إلى إبليس من العاصي لأن المبتدع لا يتوب لكن العاصي يتوب:
ضلّ سعيهم وهم يحسبون أنهم مهتدون، يعني أخطر آفة في الإنسان أن يكون في وضع سيئ جداً ويتوهم أنه خلاف ذلك، المشكلة إذا الإنسان عرف نفسه أنه مقصرٌ، أو عاصٍ أصبح باب التوبة أمامه مفتوحاً، لكن حينما يظن نفسه أنه على حق بينما هو على باطل فقد أُغلِق عليه باب التوبة، وقالوا أيضاً:
العلم هو الوصف المطابق للواقع وكل وصف خلاف الواقع هو جهل:
الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، أحد الصحابة قال:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ(38)﴾
شيطان الإنس أشد فتكاً وإضلالاً من شيطان الجن وكلاهما يُدعى قريناً:
كان هناك اتصال حميم، ولقاءات، واستشارات، والقرين كما قال العلماء: قد يكون من الإنس لا من الجن، ولما ربنا عز وجل قال شياطين الإنس والجن، فقد قدم شياطين الإنس على الجن تقديم أهمية، ربما كان شيطان الإنس أشد فتكاً وإضلالاً من شيطان الجن؛ لأن بينهما تجانس، صديق لصديقه، صاحب لصاحبه، إنسان مرح لطيف ذكي دلّك على معصية، على انحراف، على بؤرة فساد، على مكان تُرتَكب فيه المعاصي، وكلاهما شيطان الإنس أو الجن سماه الله قريناً.
هناك عداوة حال وعداوة مآل وعداوة المآل أخطر:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
بعض العلماء حملوا هذه الآية على عداوة المآل، يجوز وهو في الدنيا أن يحبَّ زوجته حباً جماً، فقد تحمله على معصية وقد تدفعه إلى الكسل والقعود عن طلب العلم، وقد تزين له الدنيا، وقد يرضيها ويعصي ربه وهو مستمتع في حياته الدنيا، أما إذا جاءه الموت يُخلَق في نفسه عداوة لهذه الزوجة لا حدود لها، لماذا؟ لأنها سبب شقائه، وسبب دماره، فهذه عداوة مآل لا عداوة حال.
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(39)﴾
كل إنسان أودع الله فيه عقلاً يدنيه أو يرديه وهو مأخوذ بأفعاله الاختيارية:
قد تدعي أن المسؤولية على فلان، لا، كل إنسان محاسب عن نفسه، وكل إنسان أودع الله فيه عقلاً.
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا(14)﴾
وقال:
﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ(27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ(28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ(29)﴾
فلما يقع الإنسان بمخالفة كبيرة ويُلقَى عليه القبض متلبِّساً بهذه الجريمة، فما ينفعه أن يقول فلان دلني على هذا، فلان أغواني، هذه كلام لا يُسمَع منه، والإنسان مأخوذ بأفعاله الاختيارية.
﴿ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(40)﴾
الإنسان مخير وكل إنسان له اختيار:
هذا الذي أصمّ أذنيه عن سماع الحق مختاراً، وهذا الذي أغمض عينيه عن رؤية الآيات مختاراً، وهذا الذي عطّل عقله عن إجراء المحاكمة المنطقية اختياراً، أغلق عينيه عن رؤية الآيات مختاراً، وأصمّ أذنيه عن سماع الحق اختياراً، وعطّل عقله عن إجراء المحاكمة اختياراً، هذا إذا اختار الضلال، واختار الشهوة، واختار الدنيا لا يستطيع أحد -وفيهم رسول الله- أن يهديه إلى سواء السبيل لماذا؟ لأن الإنسان مخير، كل إنسان له اختيار:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ
من هنا قوله تعالى:
﴿
الإنسان مخير، فإن لم يشأ الإنسان الهداية فلن يهتدي، ولا أحد يستطيع أن يهديه إلى سواء السبيل، فأعظم الناس سيدنا النبي وقد رأى عمه:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)﴾
عمه ما رأى كماله، ومنطقه، وحجته، ونورانيته، وصدق دلالته؟ ما رأى ذلك، أفأنت يا محمد:
النبي بلَّغ الرسالة لكن تلقي التبليغ والعمل به بيد الإنسان لا بيد المرسلين:
أما قوله تعالى:
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ
يعني أن دعوتك حق، والنبي يبلغ، أما الاستجابة فصاحبها مخير، التبليغ وقع وهو حق لكن تلقّي هذا التبليغ والعمل به هذا بيد الإنسان لا بيد الدعاة ولا المرسلين، الآن:
﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ(41)﴾
إن كل إنسان يتمنى أن يرى نهاية القوي الظالم، يتمنى أن يرى نهاية المنحرف الذي أخذ أموال الناس بالباطل، الذي بنى مجده على أنقاض الناس، الذي بنى حياته على موت الناس، الذي بنى غناه على فقر الناس، الذي بنى أمنه على خوف الناس، يتمنى أن يرى إحقاق الحق، لكن الله عز وجل يسلّي نبيه فيقول:
على المؤمن أن يكون عمله مطابقاً لمنهج الله عز وجل:
قبل أن ننتقم منهم فلا ضير، وأنت عزاؤك أنك على الحق، كفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله، وهناك أشخاص يقولون أين الله عز وجل؟! الله موجود، المهم أن تكون أنت على الحق، أن تكون على الصراط المستقيم، أن تكون على المنهج الصحيح، أن يكون عملك مطابقاً لمنهج الله عز وجل، أما الكافر فالله انتقم منه أم لم ينتقم فليس هذا من شغلك، قال تعالى:
﴿
وقال:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)﴾
وقال:
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(47)﴾
وقال:
﴿
على المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره:
المؤمن معنوياته عالية جداً، كل إنجازه عظيم أنه على الصراط المستقيم، أما أن الله عز وجل انتقم من الكفار أم لم ينتقم، أمهلهم أم قصمهم، فهذا ليس من شأنه، هذا فعل الله عز وجل، والمؤمن أديب مع الله لا يحشر أنفه فيما لا يعنيه، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا دعاء:
(( اللهم رضِّنا بقضائك وبارك لنا بقدرك حتى لا نحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت. ))
والإنسان يتمنى شيئاً أخّره الله بأن يعجّله، أو شيئاً عجّله الله أن يؤخّره،
﴿ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ(42)﴾
قضية زمن فقط، هذا تعبير مستخدم الآن؛ قضية وقت، يعني صدر قرار بتنحيته مع وقف التنفيذ، ينتظر الوقت المناسب، القرار صدر بقي أن يُنفَّذ هذا القرار بالوقت المناسب، فالقضية منتهية يا محمد لا تقلق.
العبرة في العاقبة:
(( لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، (من فقرهم) فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخده؛ ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، لا تخاف؛ ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم (يعني أن المسلمين كانوا ضعافاً جداً وأعداؤهم أقوياء) ، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم. ))
المؤمن فقير وضعيف ومستضعف ولا يريد شيئاً، والإنسان يقول ما هذا الدين أهله كلهم ضعاف، متخلفون، كما هو حال العالم الثالث اليوم.
(( كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى. ))
النبي ملاحق ومهدور دمه وُضعت مئة ناقة جائزة لمن يأتي به ميتاً أو حياً، ومع ذلك كان واثقاً من نصر الله، ومن وصوله إلى المدينة، ومن إنشاء كيان إسلامي، ومن حرب الفرس والانتصار عليهم، وأن يُؤتى بسواري كسرى إلى المدينة، وما لبث أن جيء بسواري كسرى وتاجه وسرواله، وكل ما يلبسه كسرى، سيدنا عمر قلَبه بقضيب بيده احتقاراً له وقال:
العبرة للآخرة، العبرة للعاقبة، الله عز وجل قال:
﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ
وقال:
﴿
سواءً أنتقم الله من الكفار أم لم ينتقم، أحاسبهم في الدنيا أم لم يحاسبهم، أرأيت نتائج أعمالهم أم لم ترَ.
التمسك بالحق ينبغي أن يكون لأنه حق فقط ولا ينبغي أن يعلق على قوة المسلمين:
قال سبحانه:
يجب أن يكون الحق وحده سبباً لإتباعنا له:
انتقمنا منهم أم لم ننتقم، أريناك ما نعدهم أم لم نرِك ما نعدهم فهو سواء، شخص يأتي بالقوة، إنسان يأتي بالمنطق، الحق حق إن كان أصحابه ضعافاً أو أقوياء، إن كان أصحابه أغنياء أو فقراء، إن كان أصحابه متمسكين بمقاليد الأمور أو متفلتين، فلا تجعل المظاهر سبباً لانصياعك، اجعل الحق وحده سبباً لاتباعك له.
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ: لهذه الآية معانٍ ثلاثة:
ثم يقول الله عز وجل: إن هذا القرآن الذي أوحي إليك:
﴿
1 ـ أن هذا القرآن رفع من شأن النبي وأمته:
لهذه الكلمة معانٍ ثلاث؛
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)﴾
وكل إنسان يؤمن بالله عز وجل ويستقيم على أمره لا بدّ من أن يرفع الله له ذكره، هذا من عطاء الله في الدنيا، له اسم متألق، وسمعة طيبة، وشأن، وهيبة، ومكانة، هذا المعنى الأول.
2 ـ الثاني أن هذا القرآن تذكرة للمؤمن بفطرته وبإيمانه:
(( 3 ـ أن في القرآن نماذج بشرية متعددة ومتباينة: ))
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ(16) كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17)﴾
هذا نموذج هل أنت منهم؟ لعلنا منهم أو لسنا منهم.
النماذج البشرية متباينة فعلى كل إنسان أن يعرف أي نوع هو:
ثم هناك نموذج آخر:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2)﴾
هل أنت من هؤلاء؟ أي أن الله ذكر نماذج؛ وهو ذكرٌ لك ولقومك، وصف النبي بأعلى وصف فقال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)﴾
وصف المؤمنين منهم سابق ومنهم مقتصد، ووصف الكفار أيضاً، ووصف المنافقين والفُجار، كما وصف المؤمنين، والمتقين، والصديقين، والأولياء:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)﴾
فأنت من أيِّ هؤلاء؟ ﴿
يوم القيامة سوف تُسأل عن كل صغيرة وكبيرة:
آخر آية:
﴿
طبعاً الرسل ماتوا، اسأل أتباعهم.
الأديان كلها تدعو إلى التوحيد ومع ذلك فهم يعارضون:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ(46)﴾
هذه القصة إن شاء الله تعالى نبدأ بها درسنا القادم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.