- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (017)سورة الإسراء
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعدِ الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الآية التالية جُمِعت فيها الصلوات الخمس :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس العاشر من سورة الإسراء .
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
الحقيقة هناك تفسير آخر ، أن الله عز وجل وضح أوقات الصلاة في آيات أخرى ، والنبي عليه الصلاة والسلام بيّن هذه الأوقات بدقة بالغة ، وبيّن ركعاتها ، وركوعها ، وسجودها ، وشروطها بالسِّنة الفعلية والقولية ، لأنكم كما تعلمون السنة هي كل قول أو فعل أو إقرار .
(( عن مالك بن الحويرث ارجعوا إلى أهليكم فكونوا فيهم ، وعلِّموهم ومروهم ، و صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي ، فإذا حضرتِ الصلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم ، و لْيؤمُّكم أكبرُكم . ))
عَنْ جَابِرٍ يَقُولُ :
(( خذوا عني مناسكَكم ، لَعلِّي لا أراكم بعدَ عامي هذا . ))
أنواع السنة :
السنة أنواع ثلاث : نوع منها قولي ، ونوع منها فعلي عملي ، ونوع منها إقراري ، فالصحابي الجليل إذا فعل شيئاً بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وبقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساكتاً فهذا من السّنة ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يسكت على خطأ ، لماذا ؟ لأنه مشرّع ، لو سكت على خطأ لعدّ هذا الخطأ شرعاً ، ولسُمح باتباعه ، وهذا في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستحيل ، لذلك إقراره أو أفعاله أو أقواله ، فالصلوات الخمس بأوقاتها وأركانها ، وشروطها وسننها ، وكل تفصيلاتها وردت فيها سنة فعلية وقولية ، بينما هذه الآية تأمرنا بمطلق الصلاة ، أي الصلاة فرض قطعي الثبوت في هذه الآية : ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ ، ومن فهم من هذه الآية أن النبي عليه الصلاة والسلام مأمور بالصلاة فأمته مأمورة أيضاً بالتبعيّة ، فالله سبحانه وتعالى قد أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين .
الصلاة شطر الدين :
يبدو أن الصلاة شطر الدين ، إذا صحّ أن نضغط الدين إلى شطرين أو إلى ركنين ، أو إلى شيئين أساسيين ، هما الصلاة والإحسان إلى الخلق ؛ الاتصال بالحق والإحسان إلى الخلق :
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ
الصلاة صلة بالله عز وجل ، لكن حينما تؤدى الصلاة أداءً شكلياً ، أي حينما يسبق الصلاة تقصير أو حَيد عن الشرع ، أو مخالفة لأوامر الله ، أو عدوان على الآخرين ، فإن العدوان والمعصية والمخالفة والتقصير هذا كله يشكل حُجُباً كثيفة في أثناء الصلاة ، لذلك أكثر الذين لا يستقيمون على أمر الله يملّون من الصلاة ، يجدونها عبئاً ثقيلاً ، لسان حالهم يقول : أرحنا منها ، على عكس ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول ، فعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ:
(( رجلٌ من خُزاعةَ : لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فاستَرَحْتُ ، فكأنهم عابوا ذلك عليه ، فقال : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يقولُ :
ربنا عز وجل يقول :
خطر ببالي مثل يوضح الصلاة الجوفاء ، والصلاة الصحيحة ، لو دعيت إلى طعام ، وجلست على مائدة ، وضِع أمامك صحن وملعقة وكؤوس وأوانٍ ومنديل ، وكل شيء وضع بالتمام والكمال إلا الطعام ، لو دعيت إلى هذه الولائم مراراً وتكراراً تملّ من هذه الدعوة ، ومن حضور هذه المائدة ، لا طعام عليها ، الصحون موجودة ، كل شيء على الطاولة صحيح إلا الطعام ، لكنك إذا دعيت إلى طعام نفيس ، وجاءت الدعوة ثانية ، إنك تلبي بشوق ، وباهتمام ، وبسرور ، وتشعر بأن الذي دعاك قد امتن عليك ، فبين أن تصلي صلاة صحيحة فتخرج من الصلاة ، وقد قبضت شيئاً ثميناً ، الصلاة ميزان ، فمن وفّى استوفى ، وبين أن تصلي صلاة جوفاء سريعاً ما تملها ، وتعرض عنها ، لذلك جاء وصف المنافقين أنهم :
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً(6) ﴾
أي ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها ، لأن طبيعة الإنسان في الليل طبيعة صافية ، لا مشاغل ، لا مواعيد ، لا أولاد ، لا متاعب ، لا ضجيج ، كل هذه العوائق والعلائق في صلاة الليل مختفية ، ويبدو أن الإنسان إذا قام من نومه تكون نفسه أصفى ممّا لو ذهب إلى الصلاة من عمله ، لأن طبيعة العمل فيها متاعب ، فيها مشاحنة ، فيها مشكلات ، هذه المتاعب تسير معك إلى المسجد ، لكن صلاة الليل تمتاز عن غيرها بأن الاتصال فيها محكم ، وأن إقبال العبد على ربه مؤكد ، وأن تلقّي التجلي محكم ، لذلك قال الله عز وجل في الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ . ))
القرآن جزء من العبادة فمن أراد أن يتعرف إلى ما فيه فليلزم نفسه أن يقرأه كل يوم :
(( عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ الْغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا بْنَ آدَمَ ،
وبعضهم قال : قرآن الفجر هو القرآن الذي يتلى قبل صلاة الفجر ، أو بعد صلاة الفجر ، هذا القرآن جزء من العبادة ، فمن أراد أن يتعرف إلى ما في القرآن فليلزم نفسه أن يقرأه كل يوم ، لو أنه قرأ كل يوم جزءاً ، أو نصف جزء ، أو ربع جزء ، أو عدة صفحات فإن هذا مع الاستمرار يجعله على صلة بكتاب الله ، صلة مستمرة .
صلاة التهجد لا تعدلها أي صلاة :
الحقيقة لا تعصه في النهار يوقظك في الليل . .
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأنبأنــــــــــــي بأن العلـــــــم نــــور ونور الله لا يهدى لعــاصـي
***
أي إذا ألزمت نفسك في النهار على طاعته ، واتباع سنّة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وغض البصر ، والتحرج من كلمة الإثم ، من الغيبة ، من النميمة ، من الفحش ، من البهتان ، من الإفك ، من كل إيذاء ، من كل انحراف ، من كل معصية ، أغلب الظن أنك تستيقظ من دون منبه ، وتستيقظ لتمضي أجمل ساعات العمر في مصلاك ، هؤلاء الذين عرفوا الله وأحبوه ما ذاقوا طعماً أطيب من طعم القرب ، هؤلاء الذين استيقظوا من الليل ، وتهجدوا لا شيء في الدنيا يعدل هذا التهجد .
من أراد أن يذوق طعم القرب فليصلِّ صلاة الليل :
قلت اليوم في الخطبة إن سيدنا عمر وفد إليه رسول من أذربيجان ، هذا الرسول وصل المدينة في منتصف الليل ، فكره أن يطرق باب أمير المؤمنين ، فتوجَّه إلى المسجد إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي المسجد يبدو أن الظلام كان دامساً ، وفي المسجد سمع صوت أنين وشوق إلى الله عز وجل ، سمع صاحب هذا الصوت يقول : يا رب ! أنا واقف ببابك ، مستمسك بحبالك ، هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها ؟ فقال هذا الرسول : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا عمر بن الخطاب ، كره أن يطرق بابه ليلاً فإذا هو في المسجد ، قال : يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل ؟ قال : إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، لذلك قالوا : من أمضى عمره بالنوم أتى يوم القيامة مفلساً ، إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ، ويمكثان حتى يؤذن الفجر ، ويصليا الفجر ، ويأخذ عمر ضيفه إلى البيت ، وفي البيت يقول للسيدة أم كلثوم- هذه كوكب الإسلام - يقول : يا بنت رسول الله ماذا عندك من طعام ؟ قالت : والله يا أمير المؤمنين ما عندنا إلا خبز وملح ، يقدم عمر إلى ضيفه هذا الطعام الخشن ، ويأكلانه ، ويحمدان الله عز وجل على هذه النعمة ، ويقول عمر لضيفه : ما الذي أقدمك إلينا ؟ يقول : معي هدية من عاملك على أذربيجان ، علبة فيها بعض الحلوى ، قال سيدنا عمر : أو يأكل عندكم عامة المسلمين هذا الطعام ؟ قال : لا ، هذا طعام الخاصة ، الطبقة الغنية ، قال : أو أعطيت فقراء المدينة مثلما أعطيتني ؟ قال : لا ، هذه لك وحدك .
ما كان من عمر إلا أن أمر الرسول أن يبلّغ الأمير هناك أن يأكل مما يأكل منه عامة المسلمين ، وأمره ألا يعود إلى ذلك أبداً ، وأمر الرسول أن يذهب بهذه الحلوى ليوزعها على فقراء المسلمين في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقال قولته الشهيرة :
﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً(7)﴾
أي إذا شحنت نفسك في الليل فاضت الأنوار في النهار ، فاض العلم في النهار ، فاض العمل الصالح ، فاض الورع ، فاض القول السديد ، فاض الفكر الثاقب ، المواقف الأخلاقية ، والتفكير السليم ، واتخاذ القرار الصحيح ، والرؤية الصحيحة ، هذا كله من أفضال صلاة الليل ، لا تستخف بصلاة الليل ، إنها مدرسة ، مدرسة بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، مدرسة ، خرّجت الصّدّيقين ، خرّجت كبار المؤمنين ، خرَّجت العارفين بالله ، أحد كبار العلماء العارفين رآه تلميذه في المنام قال يا سيدي : ما فعل الله بك ؟ قال : طاحت تلك الإشارات ، وذهبت تلك العبارات ، ولم يبقَ إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل ، احفظ سورة يس ، واقرأها بقيام الليل في ثماني ركعات ، عند كل كلمة مبين تركع ، فيها ثمانية مبينات ، احفظ يس فهي قلب القرآن ، واقرأها في جوف الليل .
المقام المحمود أعلى مرتبة نالها البشر وهو لسيد البشر محمد عليه الصلاة والسلام :
(( إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ . ))
وبعضهم قال : المقام المحمود هو مقام الشفاعة العظمى ، وعلى كل فالمقام المحمود هو أعلى مرتبة نالها البشر ، وهو لسيد البشر محمد عليه الصلاة والسلام .
وإذا أردنا أن نوسع الآية لتشمل المؤمنين ، أنت بصلاة الليل وبتهجدك تنال عند الله مقاماً محموداً ، كقوله تعالى :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ﴾
وشتان بين من يحتل عند الله مقاماً محموداً ، وبين من يحتل عند البشر مقاماً محموداً .
اجعل لربك كل عـزك يستــقر ويثـبت فإذا اعتززت بمن يمـوت فإن عزك ميت
***
وكلمة (محمود )هذا اسم مفعول ، أي إن صاحب هذا المقام ما وصله إلا لأنه محمود السيرة عند الخلق ، وعند الحق ، وعند نفسه ، وهذا مقام النبي عليه الصلاة والسلام .
قد تحمد عند إنسان ، وتذم عند إنسان آخر ، قد تحمد عند نفسك ، وتذم من قِبل الآخرين ، قد يحمدك الناس ، وليس لك عند الله مقام محمود ، ولكن أن تجمع بين أن تكون محموداً عند الخلق وعند الحق وعند نفسك فهذا من أعمال الأبطال ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان بطل الأبطال .
أَقِمِ الصَّلَاةَ وصفة ربانية لكل إنسان أصابه همّ وحزن :
﴿
أحياناً ربنا عز وجل يصف حالة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما يرى الطرق مسدودة ، والصّد عن سبيل الله قوياً ، حينما يرى المعارضة تشتد ، وهناك من يكيد له من كل جانب ، حينما يتخلى عنه الأصدقاء ، ويضعف أمامه الأصحاب ، وحينما تقوى شوكة العدو ، عندئذٍ
بطولة الإنسان أن تنتهي الحياة وقد خرج منها مخرج صدق :
من السهل جداً أن تدخل مدخل صدق ، ولكن البطولة أن تخرج منها مخرج صدق ، لذلك أحد أصحاب رسول الله سأل سيدنا عمرو بن العاص : يا عمرو ما بلغ من دهائك ؟ قال : والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه ، فقال : يا عمرو لست بداهية ، أما أنا فوالله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه ، فالبطولة أن تدخل مدخل صدق في كل شيء ، في الوظيفة ، في الزواج ، في التجارة ، في الشركة ، في هذه السفرة ، النية مشروعة ، خرجت من بلدك ، وسافرت إلى هذا المكان بنية أن تحصّل شيئاً مباحاً ، فإذا بالقدم قد تزلّ ، وتقع في أكبر المعاصي ، فلذلك الدعاء في كل حركة ؛ في السفر ، في الدخول إلى عند بعض الأشخاص ، في أي موقف يوجد مزالق ، يوجد أخطار ، هناك احتمال أن يقع الإنسان في المعصية ، في أي مكان يمكن أن تزل القدم ادعُ بهذا الدعاء :
كن مع الله ترَ الله معـــك واترك الكل وحاذر طمعـــــــك
وإذا أعطاك من يمنعـــــــه ثم من يعطي إذا ما منعك ؟
كيفما شاء فكن في يده لك إن فــرّق أو إن جمعـــــك
***
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنــا
ولذ بحمانا واحتــــمِ بجنــابنـــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
***
(( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ : لَا مَبِيتَ لَكُمْ ، وَلَا عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ : أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ : أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ.))
هذه تصلح لركوب السيارة أيضاً ، يركب أحدهم سيارته يا ترى هل هناك إنسان نائم يأتي أمامه ؟ قد يقع حادث مروّع ، قد يفقد الإنسان أحد أعضائه ، والخطأ ليس خطأه .
الحق هو الشيء الثابت المستمر والباطل الشيء الطارئ غير المستمر :
﴿
الباطل هو الشيء الزائل ، والحق الشيء الثابت ، هناك آية ثانية :
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) ﴾
واللعب هو العمل الذي لا جدوى منه ، فالحق إذاً خلاف اللعب ، العمل الهادف ، فتعريف الحق من خلال هاتين الآيتين هو الشيء الثابت الهادف ، الباطل الشيء غير الثابت ، غير الهادف ، لا جدوى منه ولا يثبت .
بعضهم قال : الباطل وجوده ليس ذاتياً ، هناك أسباب خارجية تجعله يقف ، فإذا زالت هذه الأسباب وقع ، أما الحق فوجوده ذاتي ، كإنسان ضعيف الإمكانات قد نضعه في مكان رفيع ، ولكن الذي وضعه دعمه ، فهذا وجوده بالباطل ، لكن لو أن الإنسان أهل لهذا المكان ، وعنده من العلم ، والخبرة ، والحكمة ما يجعله في مستوى هذا المكان نقول : هذا الإنسان مكانه بالحق ، أي هذا الذي وضعه في هذا المكان لو تخلى عنه فإن وجوده قائم ، فمن معاني الحق أن يكون الشيء ثابتاً وهادفاً ، فالله سبحانه وتعالى يقول :
الباطل زاهق إن عاجلاً أو آجلاً والحق مستقر :
﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا
هذا هو الحق ، أين دعوى الداعين ؟ أين دعوى الكاذبين ؟ أين تخرصات الكافرين؟ كلها تلاشت .
﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)﴾
من وقف مع المبطلين إذا كان بشكل أو بآخر فقد غامر وقامر بسعادته ، فلذلك :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ﴾
﴿
إذا كنت مع الحق فأنت من حسن إلى أحسن ، ومن خير إلى خير ، ومن سعادة إلى سعادة ، ومن توفيق إلى توفيق ، وحينما يأتي الموت الذي لابد منه تجد أنك قد نقلت من دار إلى دار ، نقلت من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، كما ينقل المولود من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا ، لذلك قيل :
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ(27) ﴾
(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر ٍ . قالَ أبو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ :
كن مع الحق ترَى أن الدنيا كلها معك ، يكفي أن يكون الله معك ، فإذا كان معك فمن عليك ؟ يكفي ، إن الله معك بالرعاية ، والحفظ ، والتوفيق ، والتسديد ، وكل ما تشتهي نفسك ، عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، كن لي كما أريد ، ولا تعلمني بما يصلحك ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تكن لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين