- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (017)سورة الإسراء
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الحكمة من ابتداء السورة بقوله سُبْحَانَ :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الأول من سورة الإسراء :
سبحان اسم ناب مناب المصدر ، والمصدر ناب مناب الفعل ، قد تقول : أشكرك ، هذا فعل ، قد تقول : شكراً ، هذا مصدر ناب مناب الفعل ، سبحان اسم ناب مناب مصدر ، والمصدر ناب مناب الفعل ، أي : سبّحْ ، ومعنى سبّحْ أي : نزّه ، ومعنى سبّحْ أي : مجّد ، نزّه ومجد .
السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة :
ما علاقة التسبيح بهذه المعجزة التي كانت بحق النبي عليه الصلاة والسلام ؟ العلاقة أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الكون ، خلقه وفق نظام ، جعل لكل سبب نتيجة ، وجعل فيما يبدو لنا أن الأسباب تؤدي إلى نتائج ، لكن الناس بعد أن ألِفوا أن هذه الأسباب تؤدي إلى النتائج ، قد يغفلون عن أن مسبب الأسباب هو الله ، وأن السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة ، لذلك قد تأتي النتائج من دون أسباب كافية ، وقد تكون الأسباب ولا تحقق النتائج المتوقعة .
إذا وُجِد السبب ولم يحقق النتيجة المتوقعة كان هذا دليلاً على أن السبب وحده لا يكفي لتحقيق النتيجة ، وإذا كانت النتيجة من دون سبب معنى ذلك أن السبب ليس له دور حقيقي في إحداث النتيجة ، لكن الله سبحانه وتعالى هو الخالق ، هذا يتوضح بمَثَل فالله سبحانه وتعالى جعل توالد البشر عن طريق الزواج ، فلابدّ من زواج بين رجل وامرأة حتى تنجب المرأة طفلاً ، هذا هو النظام العام ، هذا هو القانون المفترض ، لكن إذا عطّل الإنسان فكره وتوّهم أن كل زواج يؤدي إلى مولود هكذا الطبيعة عندئذ نجد حالة العقم .
رجل وامرأة ، والرجل والمرأة لا ينجبان طفلاً ، وقد خلق الله عز وجل آدم من دون أب ولا أم ! وخلق سيدنا عيسى من دون أب ، وخلق السيدة حواء من دون أم ، إذاً ما كل سبب يؤدي إلى نتيجة ، معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق ، وما هذه الأسباب إلا قرائن رافقت النتائج ، لكنها ليست هي الخالقة .
مَثَلٌ ضربه علماء التوحيد أن مصباحاً كهربائياً موصولاً بشريط ، والشريط ينتهي بمفتاح ، والمفتاح بيد رجل ، وهناك مفتاح كهربائي ليس موصولاً بالمصباح ، جاء شخص اقترب من المفتاح ، ضغط الرجل المفتاح فتألق المصباح ، توهم هذا الداخل أنه هو الذي أشعل المصباح ، هذا العمل تكرر كلما وضع يده على هذا الزر ، ضغط الرجل الزر الحقيقي فتألق المصباح ، إلى أن اعتقد هذا الإنسان بسذاجة وتوهم أنه هو الذي يشعل المصباح ، ذات مرة دخل ووضع يده على المفتاح لم يتألق المصباح ، إذاً : هذه الضغطة على الزر غير كافية لتألق المصباح ، وفي مرة ثانية تألق المصباح من دون أن يضغط على الزر ، استنتجنا أن هناك جهة أخرى هي التي تشعل المصباح ، وما هذا الزر إلا ترافق ، كلما تألق المصباح رافق ذلك ضغط الزر .
أي السبب وحده غير كاف لإحداث النتيجة ، هذا أول معنى .
لذلك ربنا عز وجل من حين لآخر يخرق هذه القوانين ، يعطلها ، يبطلها أو يعطلها ، تأتي النتيجة بلا سبب أي أبطلها ، يكون السبب بلا نتيجة أي عطّلها ، أحياناً هذه القوانين تُبْطل أو تُعطَل ، من أجل أن تؤمن أنه لا إله إلا الله ، وأن الله هو الخالق ، وأن السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة .
تعطُّل قانون الزمان والمكان في معجزة الإسراء والمعراج :
لذلك أن ينتقل إنسان من مكة إلى بيت المقدس ، وأن يعرج إلى السماوات ، وأن يصل إلى سدرة المنتهى ، وأن يعود إلى مكة في جزء يسير من الليل ، هذا فوق طاقة البشر ، لا يمكن أن يُحْدِثَ هذا إلا خالق الكون الذي بيده أن يعطل قوانين المكان والزمان ، الزمان له قانون ، والمكان له قانون ، الله سبحانه وتعالى عطّل قانون المكان وقانون الزمان ، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام وانتقل بجسده الطاهر وبروحه الشريفة من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، ومن بيت المقدس إلى السماء ، الانتقال من مكة المكرمة إلى بيت المقدس إسراء ، والانتقال من بيت المقدس إلى السماوات العلا معراج .
إذاً : جاءت كلمة
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ
لا يحدث شيء إلا بأمر الله ، وبعلم الله ، وبقدرة الله ، وبتقدير الله . إذاً : مناسبة أن تأتي كلمة
معاني قوله تعالى : أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا :
1 ـ معجزة الإسراء والمعراج تمت في جزء يسير من الليل :
﴿
اثنين تأكيد ، إله تعني أنه واحد ، إلهٌ مُفْرَد ، لكن تأكيداً على أن المطلوب ليس معنى إثبات الألوهية ، بل المقصود إثبات الألوهية والوحدانية ،
﴿
الرحمة معرفة بأل ، أو تقول :
﴿
أي كل ما في قلبك من الرحمة يا محمد ما هو إلا جزء يسير يسير من رحمة المولى القدير
2 ـ للتأكيد أن الإسراء تمّ في الليل لأن الليل وقت المناجاة والتجلي والاتصال :
لماذا قال الله عز وجل :
أي الليل وقت المناجاة ، وقت الاتصال ، وقت التهجد ، وقت الإقبال ، وقت التضرع ، سبحانك لا يطيب الليل إلا بمناجاتك ، ولا يطيب النهار إلا بخدمة عبادك ، لا تطيب الدنيا إلا بذكرك ، ولا تطيب الآخرة إلا ببرك .
إذاً أول معنى : أن الليل تأكيد إلى أن الإسراء تمّ في الليل . والمعنى الثاني : أن ليلاً المنكَّرة تنكير تبعيض دليل على أن هذه المعجزة التي تحتاج إلى سنوات وسنوات تمت في جزء يسير من الليل .
القمر يُعدّ أقرب شيء للأرض ، يكاد القمر والأرض يكونان نجماً واحداً أو كوكباً واحداً ، القمر يبعد عنا ثانية ضوئية ، أي إذا تألق ضوء في القمر وصل إلينا في ثانية واحدة ، والشمس تبعد عنا ثماني دقائق ، والمجموعة الشمسية قطرها ثلاث عشرة ساعة ، وطول درب التبانة مئة وخمسون ألف سنة ضوئية ، وبعض المجرات تبعد عنا ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية .
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76) ﴾
هذا القمر الذي يُعدّ هو والأرض ككوكب واحد يبعد عنا ثانية ضوئية ، المركبة التي توجهت إليه بقيت ثلاثة أيام بلياليها منطلقة إليه بأقصى سرعة ركبها إنسان ، سارت أربعين ألف ميل في الساعة ، الطائرة الحديثة جداً سرعتها ألف ، طائرات الركاب ألف ، بعضها ستمئة ، بعضها تسعمئة ، الحديثة ألف ، أما هذه المركبة فتسير أربعين ألفاً في الساعة ومع ذلك احتاجت هذه الرحلة إلى ثلاثة أيام ، أما النبي العدنان عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس إلى السماوات العلا ذهاباً وإياباً وعودة والفراش لا يزال ساخناً ، أي عُطِّلَت قوانين الزمان ، وعُطِّلَت قوانين المكان ، ولا يفعل هذا إلا الواحد الديان ، لا يوجد جهة أخرى ، مهما كنت ذا قيمة من دمشق إلى حلب بالسيارة تقطعها في أربع ساعات أو ثلاث ساعات ، هذه طاقة البشر ، في الطائرة نصف ساعة ، أما تكون بثانية بحلب ؟ كن من كنت لن تستطيع ذلك ، لا يخرق هذه القوانين إلا الله سبحانه وتعالى ، إذاً :
أكمل المخلوقات خُلُقَاً وعِلماً أكملهم عبودية :
أما كلمة
أفضل مقامات العبد مقام العبودية :
إذاً : كمال علمك يؤدي إلى كمال عبوديتك ، كمال خُلُقك يؤدي إلى كمال عبوديتك ، إذا عرفت نفسك حقيقة فأنت عبد لله ، ثلاث كلمات مهلكات : أنا ، ولي ، وعندي ، قال إبليس :
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ
فأهلكه الله عز وجل . وقال قارون :
﴿
﴿
وقال فرعون :
﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ
أنا ولي وعندي ، فكلما ارتقى علمك اقتربت من العبودية ، وكلَّما ارتقت نفسيتك اقتربت من العبودية ، فإذا بلغت قمة الكمال البشري فأنت عندئذ لا تزيد على أن تكون عبداً لله ، وإذا كنت عبداً لله رفعك الله ، وأعزك الله ، وأمدك الله ، وأغناك الله :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
إذا كنت عبداً لله فأنت عزيز في الدنيا والآخرة ، وإذا كنت عبداً لله فأنت غني بكل ما تعني هذه الكلمة ، تحس بالغنى ، الغنى ليس عن كثرة العَرَض ، ولكنَّ الغِنى غِنى النفس ، لذلك :
اجعل لربك كل عـزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
***
كلمة
قال لي أخ كريم : إنه تمكن قبل سنوات بقدرة قادر ، وبشكل غير طبيعي أن يدخل الحجرة النبوية ، وأن يغسلها بنفسه ، وقيل له : إياك أن تتلف هذه المناشف التي نشفت بها الحجرة ، هذه مباركة ، فهذه الحجرة النبوية يتشرف الملوك بتنظيفها ، فما قولك بصاحب هذا المقام المحمود والحوض المورود والشفاعة العظمى ؟
إذا كنت أنت عبداً لله يرفع لك ذكرك ، يرفعك في العالمين ، كلمة عبد أرقى كلمة يوصف بها إنسان ، أي عالم ، لأنه عالم صار عبداً ، لو كان متكبراً لكان جاهلاً ، لو قال : أنا ، معنى ذلك أنه أحمق وجاهل ، لا يفهم شيئاً ، لو قال : عندي ، هذا أحمق ، لو قال : لي ، أحمق ، لو قال : أنا أفعل كذا ، أحمق ، إلى أن يقول : لا إله إلا الله ، وأنا عبد الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، حسبي الله ونعم الوكيل ، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ، لا معطي يا رب لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت ، لا رافع إلا أنت ، ولا خافض إلا أنت ، ولا رازق إلا أنت .. فعندئذٍ أنت عبد لله ، أي إذا عرفت حجمك الحقيقي رفعك الله في الدرجات العلا ، إذا عرفت حجمك الحقيقي أمدّك الله بمددٍ من عنده .
أي مصلحة إذا قال صاحبها : أنا فَهمان ، لابدّ من أن يرتكب حماقة تسحقه ، أو لا يوجد مثلي طبيب ، أو لا يوجد مثلي مهندس ، أو أنا أنفرد في البلد بهذه الخبرة ... عندما يقول : أنا ، فهو أحمق ، لا يعرف أن كل ما يملكه بإذن الله عز وجل ، فلذلك كلمة ( عبد ) تُعدّ قمة العلو البشري .
يروى أن النبي عليه الصلاة والسلام وهو في سدرة المنتهى قال : يا رب اجعلني عبدك ، اجعلني متمثلاً صفات العبودية الحقّة ، فالمؤمن متواضع يعرف حجمه فيقف عنده ، لا يتعدى حدوده ، لا يدَّعي ما ليس له ، لأنه عالم أصبح عبداً ، العلم يقودك إلى العبودية ، والعبادة أرقى درجات العمل ، أرقى درجات العلم أن تقول : لا إله إلا الله ، وأرقى درجات العمل أن تعبد الله .
نهاية العمل أن تعبد الله ونهاية العلم أن ترى أن لا إله غير الله :
لذلك الأنبياء جميعاً ملخص دعوتهم :
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ
﴿
وإلى وإلى الأنبياء جميعاً آية متكررة .
﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ
نهاية العمل أن تعبده ، ونهاية العلم أن ترى أنه لا إله غيره ، لا إله إلا الله فاعبده.
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) ﴾
﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)﴾
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾
لا يوجد إلا الله عز وجل
شرفُ إضافة العبد إلى ربِّه :
﴿
أي أنت نُسِبْتَ إليه ، أًضِفْتَ إليه ، يا عبادي فاتقون ،
الكعبة مسجد حرام أصالة ومآلاً :
شيء آخر ؛ اسمها على أصلها ، أصل هذا المكان بُنِي ليكون مسجداً لله عز وجل ، وهيكل سليمان عليه السلام بُنِي ليكون مسجداً لله جلّ وعلا ، إذاً : سمّاه الله عز وجل ، هذا المكان سماه مسجداً ، هذا المكان سماه مسجداً :
مباركة البلاد التي حول المسجد الأقصى :
(( صَفوةُ اللهِ من أرضِه الشَّامُ ، وفيها صَفْوتُه من خلقِه و عبادِه ، و لَيدْخُلَنَّ الجنةَ من أمَّتِي ثُلَّةٌ لا حِسابَ عليهم ولا عذابَ. ))
الداخل إليها فبرضائي ، والخارج منها فبسخطي..
(( عن زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ – أي نجمع - الْقُرْآنَ مِنْ الرِّقَاعِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : طُوبَى لِلشَّامِ ، فَقُلْنَا : لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا . ))
طوبى لمن له فيها مربض شاة ، مربض شاة أي نصف هذه الطاولة ، وكأن عمود الإيمان كما قال النبي العدنان عُمِدَ به إلى الشام في آخر الزمان ، وما هذه المجالس الطيبة إلا دليل أن الله سبحانه وتعالى خصها بعنايته ، وحفظها من كل سوء ، فطوبى لمن له فيها مربض شاة ،
(( أوحى ربك إلى الدنيا أن تَمرري ، وتكَدَري ، وتضَيقي ، وتَشَددي على أوليائي حتى يحبوا لقائي . ))
البركة عامة ؛ دنيوية وأخروية :
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) ﴾
العلماء فسروا هذه الآية أن الخير يعني وفرة المواد ، ورخص الأسعار ، ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، قد تأتي شدة فترقى بها إلى المولى جلّ وعلا فهذه خير ، ومحض خير ، ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، العطاء من العباد منعٌ ، والمنع من الله إحسان :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ
الإنسان أحياناً يخسر ماله كله ، يقول لك : لم يبق شيء ، احترق محله ، من أجل أن تنهمر من عينيه دمعة واحدة يندم بها على بعض المعاصي ، إذا انتهى فَقْدُ المال كله بتوبة نصوح فقد ربح ربحاً كثيراً .
عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي :
(( إنَّ صُهَيبًا حين أراد الهِجرَةَ إلى المدينةِ قال له كُفَّارُ قُرَيشٍ : أتَيتَنا صُعلوكًا فكثُر مالُكَ عِندَنا وبلَغتَ ما بلَغتَ ، ثم تُريدُ أنْ تَخرُجَ بنَفْسِكَ ومالِكَ ، واللهِ لا يكونُ ذلك ، فقال لهم : أرأيتُم إنْ أعطَيتُكم مالي أتُخَلُّونَ سَبيلي ؟ فقالوا : نَعَمْ ، فقال : أُشهِدُكم أنِّي قد جعَلتُ لكم مالي ، فبلَغ ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : رَبِحَ صُهَيبٌ رَبِحَ صُهَيبٌ . ))
غير أنه ضيّع كل ماله ، لكنه نجا ، وكسب دينه وآخرته ، لذلك من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً ، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً ، إنسان من دون شدة مستحيل ، الشدة دليل ، امتحان لا بد منه .
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾
لا بد من شدة ، بالشدة تظهر على حقيقتك ، إن كنت مُدَّعياً يظهر ذلك ، وإن كنت مخلصاً يظهر ذلك .
الإسراء والمعراج تسلية للنبي العظيم وإكراماً له خاصة بعد الشدة والضيق :
لذلك ربنا عز وجل يقول :
(( عن عائشة : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ ، قَالَتْ : فَغِرْتُ يَوْمًا ! فَقُلْتُ : مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ ! قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا ، قَالَ : مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا ، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ . ))
لا ينسى لها ذلك ، كان وفياً ، كانت السيدة عائشة رضي الله عنها وهي أصغر نسائه سناً تقول له : ألم يبدلك الله خيراً منها ؟ كان يقول عليه الصلاة والسلام : لا والله ، لا والله ، ما أبدلني خيراً منها ، هذا هو الوفاء ، وكانت تكبره بخمس عشرة سنة ، كانت بعمر أمه ، هذا الوفاء ، انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ، إذا كان أحدكم متزوجاً امرأة أكبر منه أو بعمره إذا مرضت يتفاءل ، يقول في نفسه : سأتزوج غيرها ، يتفاءل ، يا رب تكون القاضية ، أما النبي الكريم فكان وفياً عليه أتم الصلاة والتسليم .
إذاً :
حينما صلّى بالأنبياء على بعض الروايات في بيت المقدس عرف أنه سيد ولد آدم ولا فخر ، عرف أنه سيد المرسلين ، عرف أنه إمام المرسلين ، عرف أنه المخلوق الأول .
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)﴾
أول عابد لله عز وجل هو النبي عليه الصلاة والسلام ، أي الأولي ، يا أول خلقِ الله ، ليس أولية زمنية ، بل أولية مقامية ، من حيث المقام ، أول خلق الله .
الله تعالى منّ على النبي بالإسراء والمعراج وعلى موسى بالكتاب :
وكما منَّ الله على هذا النبي العظيم بالإسراء والمعراج منَّ على سيدنا موسى بالكتاب .
فحَوَى الكتاب أن نعبد الله وحده وألا نتخذ من دونه وكيلاً :
عن عبد الله بن مسعود :
(( مَنْ تواضعَ لغنيٍّ لأجلِ غِناهُ ذهبَ ثُلثا دينِهِ . ))
شيء آخر :
(( اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس ، فإن الأمور تجري بالمقادير . ))
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، له رب ، وهذا الرب بيده كل شيء ، مطَّلِع عليك ، كلما اعتمدت عليه أكرمك ، وكلما التجأت إليه حماك .
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنـــا
ولذ بحمانا واحتـــــم بجنابنـــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
***
نوحٌ عبد شكور علينا الاقتداء به ونكون من أهل الشكر :
عادة اليهود الفساد والعلوّ :
علاج الفساد :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) ﴾
هذا علاج .
﴿
فهؤلاء بنو إسرائيل بعد أن فسدوا ، وطغوا ، وعتوا ، وتمردوا ، وعلوا علواً كبيراً ، بعث الله عليهم عباداً لنا ،
الحياة تحوُّل وتغيير ولا تستقيم على حال واحدة :
﴿
إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني .
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ﴾
الظالم سوط الله ، ينتقم به ، ثم ينتقم منه .
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) ﴾
هذا ملخص الآية .
من أحسن أحسنَ لنفسه ومن أساء فعليها :
الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم :
كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ،
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
قانون ، والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في هذا القرآن إلا هذه الآية لكفت ، رجل وقع في مشكلة لن يغير الله ما به حتى يغيّر ، حتى يتوب ، حتى يرجع إلى الله ، حتى يصلي ، حتى يستقيم ، حتى يعمل الصالحات ، غيّر حتى يغير ، وإذا كنت في بحبوحة وأمن وسلام وصحة وعافية ومكانة وأنت لم تغير فالله لا يغير ، مهما اشتدت الظروف إن لم تغير فلن يغير ، غيرت يغير ، هذه لها معنى عكسي .
جهنم مكان يُحصَر فيه الكافر :
المطبِّق للقرآن سعيد في الدنيا والآخرة :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ
يمر يوم أو يومان تتصالحان وانتهى الأمر ، بقيتم في مكانتكم العلية ، لا ، ساعة غضب نسيت الآية فطردتها إلى بيت أهلها ، شهران ، ثلاثة ، أربعة .. أنت امتلأت غيظاً وهم امتلؤوا غيظاً ، والتفكير أصبح بالطلاق ، ولديك أطفال منها ، ولا يوجد من يرعى الأولاد ، من غلطة واحدة أصبح الطريق إلى الهاوية مفتوحاً ، تطبق القرآن :
﴿
تكون أعلى منها علماً ، وخلقاً ، وأدباً ، وصلاحاً ، وتنفق عليها ، تملك القيادة ، فإذا كنت دونها ورعاً ، وعلماً ، وصلاحاً ، وطمعت بمالها كانت لها القيادة عليك ، القضية واضحة ، قرآن كريم ، تجعل نفسك فوقها بمئة درجة تعدّ ظالماً ، وربنا عز وجل قال :
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
درجة واحدة ، وليس مليون درجة ، ليس هي لا شيء ، وأنت كل شيء ، هي شريكة حياة ، لكن القيادة لك .
أحياناً يلتقي ضابطان بالثكنة بنفس الرتبة ، الأقدم يقود السرية أو الكتيبة ، ربنا جعل الزوج أقدم دائماً ، أعلى درجة .
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
هذه الآية تكفي ، ذهب رجل إلى دولة أجنبية ، على أضخم مستشفى كتب باللغة الأجنبية : نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع ، محمد بن عبد الله . قال : هذا الحديث يُعد أصلاً في الطب الوقائي ، إن طبقت القرآن في الطعام والشراب تقطف ثماره في الدنيا ، وإن طبقته في الزواج تقطف ثماره ، إن طبقته في التربية تقطف ثماره ، في العمل ، في التجارة .. في أي شيء تطبقه تقطف ثماره ، ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ ، أي للتي هي أصلح .
القرآن يبشِّر المؤمن العامل للصالحات بأجر عظيم :
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين