- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (017)سورة الإسراء
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل والصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
علاقة الإنسان مع خالقه فقط :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الرابع من سورة الإسراء .
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) ﴾
الإنسان مكشوف ، لا يستطيع لا أن يخدع الله عز وجل ، ولا أن يخدع نفسه ، لذلك قل ما شئت
(( عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ . ))
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ . ))
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) ﴾
إن كان معك قطعة من الذهب وظنها الناس معدناً رخيصاً فأنت الرابح ، ولو أن الناس جميعاً ظنوها معدناً رخيصاً ، ولو أنك تملك قطعة من المعدن الرخيص وأوهمت الناس جميعاً أنها معدن ثمين فأنت الخاسر ، أنت الرابح وأنت الخاسر ، العبرة :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
من صلحت عقيدته أصبح صالحاً لعطاء الله :
عبادة الله ثم الإحسان إلى الوالدين :
الآية السابقة :
إعطاء الناس حقوقهم القريب منهم والبعيد :
إذاً أعظم الأعمال بعد عبادة الله عز وجل الإحسان إلى الوالدين ، أو الإحسان بالوالدين ، الباء للإلصاق ، هذه شرحناها في الدرس الماضي ، ولكنني عدت إليها لأبيِّن العلاقة فيما بينها وبين الآية التالية :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ ، مِغْلاقًا لِلشَّرِّ ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لَلشَّرِّ ، مِغْلاقًا لِلْخَيْرِ . ))
فلذلك :
سمعت عن امرأة متقدمة بالسن تملك أموالا طائلة ، فجأة أصيبت بمرض عضال ، أفاقت في أحد الأيام فإذا هي في مأوى العجزة ، ولها أولاد كثر ، شباب وشابات وأصهار ، ما كان منها إلا أن استدعت مدير الأيتام ، وفرغت له كل ممتلكاتها ، هناك تواصل في المجتمعات التي يغلب عليها الإيمان والعمل الطيب ، الأم لها مكانة كبيرة ، قدمت وحقّ لها أن تأخذ ، أعطت وجاء الوقت الذي يجب أن تأخذ ، والأب كذلك ، سنّة الله في خلقه ، يكون الأب شاباً ، كله عطاء لأولاده ، تتقدم به السن ، يضعف ، يترك عمله ، صار له الحق أن يأخذ من أولاده ، هذه دورة طبيعية ، خذ وأعط ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والذين يعيشون عالة على المجتمع ، الذين يعيشون على مآسي المجتمع يأخذون ولا يعطون ، والمؤمنون يأخذون ويعطون ، العظماء يعطون ولا يأخذون ، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، والذين هم في أسفل السلم الاجتماعي يأخذون ولا يعطون ، ونحن نأخذ ونعطي ، نعطي ونأخذ أو نأخذ ونعطي ،
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) ﴾
هذه الزكاة .
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) ﴾
هذه الصدقة ، لو أنك دفعت زكاة مالك ، ورأيت إنساناً محتاجاً ، بائساً ، فقيراً ، مسكيناً ، بعيداً ، قريباً ، وأنت أخوه في الإنسانية ، له حق عليك ، فكيف إذا كان قريباً ؟ لذلك قالوا : القرابة الجار المسلم القريب له عليك ثلاثة حقوق : حق الأخوَّة في الله " مسلم " ، وحق الجوار ، وحق القرابة ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ ، وَلا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ، وَلا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ. ))
يسكن في بيت ، وقد يكون هذا البيت ملكه ، وله دخل ، وقد لا يكفي هذا الدخل ، ظهر مرض مفاجئ يحتاج إلى عملية جراحية ، بعضهم يقول : هذا عنده بيت ملك ، أيبيع البيت من أجل أن يجري هذه العملية ؟ فالفقير هو الذي لا يجد حاجته ، والمسكين هو المُعدم ، الذي لا يجد شيئاً ، لا حاجته ، ولا أقلّ من حاجته ، إذا ذَكر الله المسكين وحده انصرف إلى الفقير والمسكين ، وإذا ذَكر الله الفقير انصرف إلى الفقير والمسكين ، فإذا ذكر الفقير والمسكين هاتان الكلمتان إذا اجتمعتا تفرقتا ، وإذا تفرقتا اجتمعتا .
ابن السبيل له حقٌّ عليك :
الفرق بين الإسراف والتبذير :
بعض العلماء قال : الإسراف أن تنفق في المباحات نفقة فوق الحد المعقول ، جلبت إلى البيت ألواناً من الفاكهة كثيرة ، فسد بعضها ، وألقي في القمامة ، هذا إسراف ، والعلماء قالوا : لا إسراف في الخير ، ولا خير في الإسراف ، إذا قرأت القرآن ساعة جيد ، وساعتين أحسن ، ، ثلاثاً أحسن ، إذا أنفقت مئة أحسن ، مئتين أحسن ، لا إسراف في الخير ، ولا خير في الإسراف ، وبعضهم قال : لا إسراف في النور ، إذا أراد الإنسان أن تكون الغرفة إضاءتها جيدة لا يعد هذا مسرفاً ، أحياناً تدخل إلى غرفة إضاءتها أقلّ من الحد المعقول فتشعر بانقباض ، وقد تشعر بآلام في العينين ، وقد تعسر عليك القراءة ، هذا اسمه : تقتير ، فالعلماء قالوا : لا إسراف في النور ، ولا خير في الإسراف ، ولا إسراف في الخير .
الإسراف كله ينصرف إلى المباحات ، لكن الذي يلقي ماله في معصية الله هذا هو المبذّر
معاقبة الله من يعصيه بعقوبة من جنس ذنبه :
(( يا عائشةُ أكرِمِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ فإنَّها قلَّمَا انكشَفَتْ عن بيتٍ فكانتْ تعودُ فيهم . ))
ابن القيسراني : ذخيرة الحفاظ : خلاصة حكم المحدث : فيه خالد بن إسماعيل يضع الحديث على الثقات
معاني الإعراض عن إعطاء الفقراء والمساكين ما يطلبون :
أو لأن الحكمة تقتضي ذلك ، قد يطلب منك القريب مالاً ليفسق به ، أو ليفعل به المنكرات ، أو ليرتكب به المعاصي ، فالحكمة تقتضي ألاّ تعطيه هذا المال ،
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)﴾
ليس لك أن تعطي مالك لسفيه ، السفيه الذي ينفق المال في معصية الله ، ينفق المال إسرافاً وتبذيراً ، هذا القريب الذي ينفق المال في معصية الله إذا أردت أن تعينه شفقة على أولاده وأهل بيته فأعطِه مواد عينية ، اشتر له بعض الأغذية ، اشتر لأولاده بعض الألبسة ، قدم له مساعدات يستفيد أهله منها ، لأن الله عز وجل ينهانا عن أن نعطي السفهاء أموالنا
حسنُ معاملة الضعفاء والمساكين بالقول الحسن :
﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) ﴾
لو صدق السائل لهلك المسؤول
(( يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ ، وما لا يُعْطِي علَى ما سِواهُ . ))
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ . ))
القسوة غير مرغوب بها ، لا من قِبَل الحق ، ولا من قِبَل الخَلْق
الابتعاد عن الشّح والبخل لأن الله يحب الكرماء :
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
فالشح إذاً هنا مرض ، يحتاج صاحبه إلى معالجة ، البخيل مريض ، لأنه يعيش فقيراً ليموت غنياً ، الشحيح جعل المال الذي هو في الأصل وسيلة جعله غاية ، يقول سيدنا أبو ذر :
المال جُعل للإنسان وسيلة لقضاء حوائجه ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
عن جبير بن مطعم :
(( ليسَ منَّا منْ وسَّعَ اللهُ عليهِ ثمَّ قترَ على عيالِهِ . ))
النبي عليه الصلاة والسلام نفى أن يكون من المسلمين من وسّع الله عليه ثم قَتَّر على عياله ، الفضيلة دائماً بين حالتين متطرفتين
الشحيح نوعان :
لكن بعض الذين يوسمون بالشح على نوعين ؛ بعضهم ينفق الأموال الطائلة بلا حساب على شهواته ، وعلى أولاده ، وعلى لذته ، وعلى مباهجه ... يقول لك : كلفتني هذه السفرة في العيد إلى اليونان أربعمئة ألف ليرة ، تدخل جمعية إلى دكانه فيعطيها عشر ليرات !! أربعمئة ألف في أربعة أيام بالعيد قضيتها في أثينا وعشر ليرات للجمعية ؟ من صفات المنافقين أنهم إذا أنفقوا المال أنفقوه إسرافاً وتبذيراً ، وإذا أمْسكوه أمسكُوه شحاً وتقتيراً ، هؤلاء يبالغون في ترفيه أنفسهم ، أما إذا دُعوا إلى عمل صالح يتأخر الصانع عنده ساعة ، يحسم عليه ثمن الأجرة ، يقول له : داومك ثماني ساعات ، تأخرت ساعة ، يقسو عليه ، ويقوم بطريقة يطرده طرداً من دون أي تعويض ، فإذا ذهب لقضاء نزهة ، أو لقضاء إجازة ، أنفق من المبالغ ما لا يحصى ، هؤلاء أشحاء في فعل الخير ، مسرفون على أنفسهم في الملذات ، وهناك صنف آخر- والعياذ بالله - يعيش شقياً محروماً ، ويموت غنياً ، يتنعم الورثة بهذا المال ، لذلك مما يروى أن روح الميت حينما يوضع الميت في نعشه ترفرف فوق النعش تقول : يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حلّ وحرم ، فأنفقته في حله ، وفي غير حله ، فالهناء لكم ، والتبعة علي .
لذلك يقف ربنا عز وجل يوم القيامة العبد بين يديه يقول له : يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ فيقول هذا العبد : يا رب ، لم أنفق منه شيئاً على أحد مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فيقول الله عز وجل : ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم .
حدثني أخ أثق بكلامه عن رجل ترك أموالاً لا تعد ولا تحصى ، وترك أولاداً لم يُنَشِّئهُم على طاعة الله عز وجل ، في أقل من سنتين خسروا كل هذه الثروات بشكل لا يصدق ، باعوا الأراضي ، باعوا المحلات ، باعوا المعمل ، احتال عليهم رجل بمئات الملايين ، اشترى منهم بضاعة شحنوها له ، أعطاهم شيكات مزورة ، ثم غاب عن الأنظار ، فخسروا أموالهم كلها ، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم .
يقول لعبد آخر : عبدي ، أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول هذا العبد : يا رب ، أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله عز وجل : عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، اطمئن ، فعلاً يموت رجل تجد أولاده في أعلى مقام ، في بحبوحة ، في صحة جيدة ، زواجهم موفق ، أولادهم أبرار ، كلهم يسكنون في بيوت جيدة ، سمعتهم طيبة ، وقد يكون أبوهم فقيراً ، ولكنه صالح :
﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا
ويأتي رجل تأتيه ذرية شقية من بعده تذوق الحرمان والبؤس والشقاء ، أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله عز وجل : عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك .
الابتعاد عن مجاوزة الحد في الإنفاق :
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) ﴾
(( اخشوشنوا ، وتمعددوا فإن النعم لا تدوم . ))
من الحمق بالرجل أن يسرف إسرافاً ، لو جاءه خاطب لابنته ، شاب صالح مؤمن ، ولكن دخله محدود ، لقد عوَّد ابنته الإسراف في النفقة ، هذه البنت لا يمكن أن تعيش مع هذا الزوج ، أبداً ، تفسد الحياة بينهما ، ولن تستقيم الحياة بينهما ، عوّد نفسك ، لذلك:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾
لذلك المؤمن المطبق لسنة النبي عليه الصلاة والسلام لو جاءت شدة يمتصها ، يحتملها ، لأنه قد عوَّد نفسه على الخشونة ، عوِّد من هم معك على أن يكون الطعام نفيساً في يوم ، وخشناً في يوم آخر ، على أن يكون مع الطعام فاكهة في يوم ، ومن دون فاكهة في يوم آخر ، عوِّد نفسك هذا وهذا ، لو جاءك شاب مؤمن يبتغي الزواج من ابنتك عاشت معه حياة سعيدة ، أما الإسراف ، والتبذير ، والإنفاق العشوائي غير المدروس ، هذا ليس من صفات المؤمن ، الوضع دقيق جداً .
نتيجة الشح والإسراف : فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً :
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ
هناك كتاب أُلِّف على هذه الآية ، يثبت مؤلف الكتاب أن الحكمة أثمن شيء في الحياة ، بالحكمة يغتني الفقير ، وبالحمق يفتقر الغني ، بالحكمة تعيش مع الزوجة السيئة وتسعد بها ، وبالحمق تُفسد الطيبة ، بالحكمة تجعل أعداءك أصدقاء ، وبالحمق تجعل أصدقاءك أعداء
﴿
فالأنبياء هذا عطاؤهم
الله تعالى يعطي بحكمة ويقبض بحكمة فإذا أعطى أدهش وإذا حاسب فتش :
المعنى الأول أن الله عز وجل سنته في خلقه أنه يعطي بحكمة ، ويمنع بحكمة .
وإذا رأيت أن الله عز وجل أعطى فأدهش ، وحاسب ففتش ، لا تفعل كما يفعل الله عز وجل ، هو رب العالمين ، وأنت عبد مأمور بالاعتدال ، أما ربنا عز وجل فلحكمة بالغة إذا أعطى أدهش ، قد يعطي عطاء مذهلاً ، وقد يسلب الإنسان كل شيء ، أنت عبد وهو رب ، هو يفعل ما يشاء لحكمة يراها ، لا تفعل كما يفعل ، إما أن تفهم هذه الآية على أن الله سبحانه وتعالى يعطي بحكمة ، ويقبض بحكمة ، أو أنه إذا أعطى فأدهش ، أو حاسب ففتش ، لا تفعل أنت ذلك ، لأن هذا من شأن الله وحده ، وليس من شأنك أنت .
الله أعلم بما يصلح للعبد من الفقر أو الغنى :
لو كانت الأرزاق تجري مع الحجى هـلكن إذاً من جـهلهن البهائم
***
الله عز وجل هو الرزاق ، قد يلهم الغبي رزقاً وفيراً ، وقد يمنع الفهيم الذكي الحاجات الأساسية .
النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر :
هذا الإنسان - كما جاء في بعض الأحاديث :
(( إنَّ هذا الإنسانَ بنيانُ اللَّهِ فملعونٌ مَن هدم بنيانَهُ ))
أي أن تقتل النفس لأي سبب ، وهنا السبب خشية الفقر ، خشية إملاق ، لا يجوز أن تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، لذلك كان العرب في سنوات الشح وسنوات القحط يقتلون أولادهم خشية الفقر ، طبعاً قد ينصرف ذهنكم إلى الوأد ، هذه الآية لا علاقة لها بالوأد ، الوأد قتل البنات على التخصيص خشية العار لا الفقر .
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) ﴾
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) ﴾
معنى آخر من معاني قتل الأولاد :
لكن بعضهم فسر أن الذي تأتيه بنت ، ويُطلق لها العنان ، تذهب إلى حيث تشاء ، تصادق من تشاء ، تفعل ما تشاء ، فتفسد ، قال بعض العلماء : هذا عند الله أشد من وأدها ، لأنك لو وأدتها دخلت الجنة ، ولكنك إذا أفسدتها أدخلتها النار ، لكنها لن تدخل النار قبل أن تدخلك قبلها ، تقول : يا رب ، لا أدخل النار قبل أن أُدْخِلَ أبي قبلي ، لأنه هو الذي شجعني ، هو الذي دفعني إلى هذه المعاصي ، الذي يفسد ابنته ، لا يهتم بأخلاقها ، يرخي لها الحبل ، لا يحاسبها ، لا يدقق في تصرفاتها إلى أن تفسد ، عندئذٍ هو عند بعض العلماء أشد من وأدها ،
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ
هذا الذي يزوج ابنته لرجل غني فقط ، دون التدقيق في دينه ، أليس هذا العمل إفسادًا لهذه الفتاة عن طريق تزويجها لرجل فاجر أو فاسق أشد عند الله من قتلها ، لذلك : القرآن حمَّال أوجه ، فاحملوه على كل وجوهه ، القرآن ذو وجوه ، من قتل ابنه خشية الفقر فهذا عمل عظيم عند الله ، لكنه من دفع ابنته إلى زوج فاجر فاسد فهو عند الله أشد لأنه فتنها عن دينها ، ومتى فتنها عن دينها فقد ضيَّع آخرتها ، عندئذ تحتج عند الله عز وجل على أبيها ، ولا تدخل النار قبل أن تدخله قبلها .
النهي عن قتل المولود لأن رزقه معه :
﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
خشية الإملاق لفقر متوقع ، لكن من إملاق لفقر حاضر ، دقة القرآن عجيبة .
تعريف الخطأ :
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين