الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
النهي عن الاقتراب من الزنى :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ وردت آية النهي عن الزنى بين آيتي النهي عن القتل .
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) ﴾
[ سورة الإسراء ]
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) ﴾
[ سورة الإسراء ]
جاءت بينهما آية النهي عن الزنى .
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) ﴾
[ سورة الإسراء ]
بعض العلماء استنبط من أن تكون الآية آية النهي عن الزنى بين آيتي النهي عن القتل أن الزنى نوعٌ من أنواع القتل ، ولكن هذا القتل قتلٌ معنوي وليس قتلاً مادياً ، فهذه المرأة التي تقع في الزنى كأنك قتلتها ، أخرجتها من إنسانيتها ، أبعدتها عن مهمتها المقدسة ، أبعدتها عن الوظيفة العليا التي خلقت من أجلها ، أبعدتها عن أن تقوم بدورها الطبيعي الإنساني .
بدل أن تكون أمًّا ، زوجةً مخلصةً لزوجٍ وفي ، وبدل أن تكون أماً رؤوماً لأولادٍ مهذبين ، وبدل أن تكون جدةً يشع منها الخير والعطف والحنان ، جعلتها مومساً ، جعلتها ساقطة ، جعلتها بلا معيل ، جعلتها حين يزوي جمالها في الحضيض ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ ، لذلك القتل قتلان : قتل النفس قتلاً مادياً ، وقتلها قتلاً معنوياً ، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) ﴾
[ سورة البقرة ]
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ ليس النهي في هذه الآية عن ارتكاب الزنى ، ولكن النهي عن الاقتراب من الزنى ، فأي شيء يقربك إليهما منهي عنه بنص هذه الآية ، فالنظر إلى النساء خطوة أولى نحو الزنى ، والحديث معهن حديثاً فيه لين خطوة إلى الزنى ، ومجالسة أهل الزنى خطوة إلى الزنى ، والاختلاط خطوة إلى الزنى ، وقراءة الأدب الرخيص خطوة إلى الزنى ، ومشاهدة الأشياء التي تسبب إثارة المشاعر خطوة إلى الزنى ، ومتابعة التمثيليات الفاضحة خطوة إلى الزنى ، ربنا سبحانه وتعالى يقول : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ لم ينهنا الله عز وجل عن الزنى فحسب بل نهانا عن أن نقترب منه ، ويبدو أن الشيء الذي له قدرة على الجذب ، المعصية التي لها القدرة على الجذب الله سبحانه وتعالى إما أنه نهانا عن الاقتراب منها ، أو أنه أمرنا أن نجتنبها ، والاجتناب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان ، هذا الاجتناب ، لقوله تعالى :
﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) ﴾
[ سورة البقرة ]
وفي آية أخرى :
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) ﴾
[ سورة البقرة ]
من الموازنة بين الآيتين الكريمتين يتضح أن بعض المعاصي يجب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان ، وبعض المعاصي أنت منهي عن أن تقع فيها فقط من دون هامش ، يبدو أن المعاصي التي تتصل بالشهوات الأساسية التي أودعها الله في الإنسان أُمِرنا أن نجتنب أسبابها ، وأُمرنا ألا نقترب منها ، لذلك ربنا سبحانه وتعالى قال : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( كُلُّ ابْنِ آدَمَ لَهُ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَا ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا الْيَدَيْنِ الْبَطْشُ ، وَزِنَا الرِّجْلَيْنِ الْمَشْيُ ، وَزِنَا الْفَمِ الْقُبَلُ ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ . ))
[ أحمد ولفظه : وصححه محققو المسند على شرط مسلم . ]
وهناك الزنى المعروف ، إذاً الجوارح تزني ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( من ملأَ عينه من الحرام ملأ اللهُ عينه من جمرِ جهنّمَ . ))
[ الشوكاني :الفوائد المجموعة : حكم المحدث : لا أصل له ]
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم ، من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه . ))
[ ضعيف ضعفه المنذري ، والهيثمي ، والألباني . رواه الحاكم ، والطبراني ]
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : عَنْ جَرِيرٍ قَالَ :
(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ : اصْرِفْ بَصَرَكَ . ))
[ صحيح أبي داود ]
كل هذه الأحاديث إنما هي مستنبطة من هذه الآية : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾ .
أعمال تجرح العدالة و تسقطها :
الاختلاط ، النظر ، المصافحة ، الحديث ، المشاهدة ، مشاهدة بعض البرامج الفاضحة ، متابعة بعض الأعمال الفنية الرخيصة ، قراءة الأدب الرخيص ، مصاحبة الأراذل ، مع أن الفقهاء اجتمعوا على أن هناك مجموعة كبيرة من البنود التي إذا فعلها الرجل المسلم جُرِحت عدالته ، من هذه البنود : صحبة الأراذل تجرح عدالتك ، والأكل في الطريق ، والمشي حافياً ، والحديث عن النساء ، وتطفيف بتمرة ، وأكل لقمة من حرام ، ومن أطلق لفرسه العنان ، ومن قاد بِرذَوناً ، ومن تنزه في الطريق ، ومن علا صياحه في البيت ، ومن لعب بالشطرنج ، ومن بال في الطريق . . . . كل هذه الأعمال تجرح العدالة ، أما الكذب والظلم والإخلاف فهذا يسقطها ، من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته ، إذاً هناك حكمة بالغة من هذا النهي : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا﴾ لو أن الله عز وجل قال : ولا تزنوا لكانت كل هذه المقدمات مباحة ، ولكن الله عز وجل يقول : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا﴾ .
الشهوات حيادية :
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ أي الزنى طريق غير مشروع لإرواء هذه الشهوة ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها طريقاً مشروعاً ، ومتنفساً طبيعياً ، وقناة نظيفة ، تماماً كما لو أن الوقود الذي في مستودع السيارة إذا سار في أنابيبه المحكمة ، وانتقل إلى الموزع ، فإلى غرفة الانفجار ، فأنشأ هذا الوقود السائل حركة تعود علينا بالنفع العميم ، فإذا خرج هذا الوقود عن مساره الطبيعي ، وألقي فوق المحرك ، وجاءته شرارة أحرق السيارة ، كذلك الشهوة سلاح ذو حدين ، إما أن يكون قوة نافعة ، وإما أن يكون قوة مدمرة .
تصور إنساناً استقام على أمر الله قبل زواجه ، وغض بصره عن محارم الله ، وعفّ عن الحرام ، وصبر عن الحرام حتى جاءه الحلال ، فأكرمه الله عز وجل بعد هذا الصبر ، وهذه العفة ، وهذا الورع ، وتلك الاستقامة ، أكرمه الله بزوجة صالحة ، إن نظر إليها سرته ، وإن غاب عنها حفظته ، وإن أمرها أطاعته ، أنجب أولاداً ، كان بيته بيتاً إسلامياً ، ترفرف عليه المحبة والمودة ، والعطف والإخلاص ، والوفاء والطهر ، إلى أن شدّ الأولاد في هذه الأجواء الصحيحة ، تحسّ أن هذه الشهوة التي أودعها الله في الإنسان هي سبب كل هذه السعادة ، لا رقي في الجنة من دون هذه الشهوات ، لكن الشر يتأتّى من سوء استخدامها ، من خروج صاحبها عن مسار الشرع ، من خروجه عن الطريق الصحيحة التي رسمها الله لنا ، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ ، لأي الزنى محرم ، الزواج حلال ، الربا حرام ، البيع حلال ، الخمر حرام ، مئات المشروبات حلال ، المشروب الذي حرمه الله علينا يقابله أنواع منوعة من المشروبات التي أحلها الله لنا ، وهذا الطريق القذر في قضاء الشهوة حرمه الله علينا ، بينما أباح الزواج ، إنك مطمئن .
موضوع الزنى موضوع يسبب دماراً وتحطيماً :
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾ الحقيقة المعاصي كثيرة ، ولكن الزنى خُصّ بهذا الوصف ، إنه كان فاحشة لأنه من أقبح المعاصي ، إنه معصية لها آثار خطيرة ، لها آثار اجتماعية ، لها آثار شخصية ، فيها فضيحة ، فيها قد ينقلب الزنى إلى قتل ، أي جرائم القتل التي مبعثها الزنى لا تعد ولا تحصى ، بل إن عند ضباط التحقيق في المباحث الجنائية قاعدة : " فتش عن المرأة في كل جريمة " ، في كل قضية فتش عن المرأة ، إذاً : ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ أي أشد الناس استهتاراً إذا أراد الزواج يبتغي من زوجته أن تكون عفيفة وشريفة ، إذاً : ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ وسبحان الله ! الأخبار المتعلقة بالزنى تسري كالنار في الهشيم ، تفوح بسرعة ، تتناقلها الألسنة ، فلذلك موضوع الزنى موضوع يسبب دماراً وتحطيماً ، النبي عليه الصلاة والسلام قال عن طلاق المرأة إنه كسر لها ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا ، وَكَسْرُهَا طَلاقُهَا. ))
[ صحيح مسلم ]
فالمؤمن قبل أن يطلّق يحسب ألف حساب ، لعل في هذا الطلاق تجنياً ، لعل فيه ظلماً ، لعل فيه تجاوزاً ، لأنه إذا تجاوز حده الله سبحانه وتعالى قد يرزقها خيراً منه ، وقد يؤدبه بزوجة تقلب له ظهر المجن .
تروي الكتب القديمة أن زوجاً كان يجلس مع زوجته وقد طرق الباب ، وإذا بالباب مسكين ، فهمَّت هذه الزوجة الصالحة الوفية التي ابتلاها الله مع هذا الزوج الشرس أن تعطيه من الطعام الذي بين يديه ، فما كان منه إلا أن وبّخها ، وكاد يضربها ، وقال : اطرديه ، وبعد أيام أو أشهر ساءت العلاقة بين الزوجين إلى أن حمله ذلك على طلاقها ، فلما طلقها رزقها الله بزوج صالح عرف قيمتها ، وعرف قدرها ، وعرف حجمها الحقيقي ، أما الزوج الأول فساق الله له زوجة أرته النجوم في الظهر كما يقولون ، تروي هذه القصة أن هذا الزوج كان مع زوجته الصالحة فإذا الباب يطرق ، فلما ذهبت لتفتح الباب عادت مضطربة ، قال لها : ما لك ؟ قالت : سائل يسأل ، قال : أراك مضطربة ، اضطربت ، وتلعثمت ، وقالت : أتدري من السائل ؟ قال : لا ، قالت : إنه زوجي الأول ! فقال : أتدرين من أنا ؟ قالت : لا ، قال : أنا السائل الأول ، لأن كسرها طلاقها . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ . ))
[ صحيح البخاري ]
لذلك ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾ هذا الماء الذي أودعه الله فيك ليكون غلاماً ، فتاة ، ينفع الناس من بعدك سفحته في غير مكانه الطبيعي ، إذا سفح الماء في غير مكانه الطبيعي لو أن الحمل وقع لكان هذا المولود غير مرغوب فيه ، كثيراً ما يجد عمال التنظيفات في بعض البلدان المتقدمة بمقياس العصر تقدماً صناعياً الأطفال في حاويات القمامة ، أو في زوايا الحدائق ، أو في أطراف المهاجع ، هذا الطفل الذي يأتي من حرام غير مرغوب فيه ، لا يعرف له أب ، وأمه تتمنى الخلاص منه ، أما إذا جاء الابن من طريق مشروع فإنه ضيف مرغوب فيه ، ينتظره الأب والأم على أحر من الجمر ، ويُعِدُّون له كل إكرام ، ويأتي الناس جميعاً من كل حدب وصوت ليهنئوا بمجيء هذا المولود ، إذاً : ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾ .
الانحراف الخلقي سبب لأمراض كثيرة :
النبي عليه الصلاة والسلام يقول متحدثاً عن علامات آخر الزمان ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ :
(( كنْتُ عاشِرَ عشرةٍ في مسجِدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فقام فتًى من الأنصارِ ، فقال : يا رسولَ اللهِ ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ ؟ قال : أحسَنُهم خُلقًا . قال : فأيُّ المُؤمنينَ أكيسُ ؟ قال : أكثرُهم للموتِ ذِكْرًا وأحسَنُهم استعدادًا قبلَ أنْ ينزِلَ به ، أولئك الأكياسُ . قال : ثمَّ إنَّ الفتى جلَسَ ، فأقبَلَ علينا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فقال : يا معشرَ المُهاجِرينَ ، خِصالٌ خمْسٌ إذا نزلْنَ بكم -وأعوذُ باللهِ أنْ تُدْرِكوهنَّ- : لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها ، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم ، ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم ، ولم يَمْنعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ من السَّماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَروا ، ولم يَنْقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّطَ اللهُ عليهم عدُوًّا من غيرِهم ، فأخَذَ بعضَ ما في أيديهم ، وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ وتَخيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم . ثمَّ أمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ يَتجهَّزُ لسَرِيَّةٍ يبعَثُه عليها ، فأصبَحَ عبدُ الرَّحمنِ وقد اعتَمَّ بعمامةٍ كَرابيسَ سوداءَ ، فنقَضَها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعمَّمَه ، وأرخى من خلْفِه أربعَ أصابعَ أو قريبًا من شِبْرٍ ، ثمَّ قال : هكذا فاعتَمَّ يا ابنَ عوفٍ؛ فإنَّه أعرَفُ وأحسَنُ . ثمَّ أمَرَ بِلالًا ، فرفَعَ إليه اللِّواءَ ، فعقَدَه ، ثمَّ قال : خُذْ يا ابنَ عَوفٍ ، فسَمِّ اللهَ ، واغْزُوا في سَبيلِ اللهِ ، فقاتِلوا من كفَرَ باللهِ ، لا تَغُلُّوا ، ولا تَغْدِروا ، ولا تُمَثِّلوا ، ولا تَقْتلوا دابَّةً؛ فهذا عهدُ اللهِ فيكم وسُنَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.))
[ البوصيري: إتحاف الخيرة المهرة : خلاصة حكم المحدث : سنده رواته ثقات : أخرجه ابن ماجه والطبراني ]
وهذا الشيء تحت سمعنا وبصرنا ، مرض الإيدز أكبر ما يقلق العالم الغربي ، حتى إنه دخل في خطابات رؤساء الدول ، ورؤساء الحكومات الموجهة إلى شعوبهم ، إنه العدو الأول كما قال بعضهم لهذا الشعب المنحل ، هذا المرض أسبابه الفحش ، والطريق غير المشروع في تحقيق هذه الشهوة التي أودعها الله في الإنسان ، إذاً : (( لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا )) وما أكثر الأمراض التي تظهر بسبب الانحراف الخلقي !
الله سبحانه وتعالى ينفي عن المؤمن أن يكون زانياً :
الله سبحانه وتعالى في آية كريمة حينما تحدث عن عباد الرحمن قال :
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)﴾
[ سورة الفرقان ]
ثم تأتي الآية الكريمة : ﴿وَلَا يَزْنُونَ﴾ هذه ( لا ) ليست ناهية ، إنما هي نافية ، فالله سبحانه وتعالى ينفي عن المؤمن أن يكون زانياً ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68)﴾
من يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
***
(( و قد قيل : مَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِبَ قَلْبَاً بِشَهْوَةٍ تَرَكَهَا صَاحِبُهَا فِي سَبِيلِ اللَّه . ))
[ ذكره أبو نعيم في الحلية من قول أبي سليمان الداراني ]
أي إذا غضضت بصرك عن محارم الله ما كان الله ليعذبك في هذه الشهوة ، يلقي في قلبك برداً وسلاماً ، وطمأنينةً وصفاءً .
الحقيقة لمَّا يعف الشاب عن الحرام يكون قد هيأ لنفسه جواً مساعداً على بناء مستقبله ، فإذا حقق أهدافه لنيل شهادةٍ عاليةٍ ، أو تحقيق عملٍ جيدٍ ، أو دخلٍ جيدٍ ، أتقن عملاً أو حرفةً ، أو حصل على شهادةٍ ، عندئذٍ في الوقت المناسب إذا بحث عن الزواج كان له مباحاً ، وكان له ميسراً ، والله سبحانه وتعالى يوفقه إلى ذلك ، ومن طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه .
في الإنسان نقطتا ضعفٍ كبيرتان هما حبّ المال وحبّ الشهوات :
الحقيقة أكثر شيئين يقع فيهما الناس في المعاصي قضاء الشهوات ، وكسب الأموال ، لذلك أكثر المعاصي تسعون بالمئة من المعاصي إما من طريق لذةٍ محرمةٍ اقتنصها الإنسان ، أو من طريق درهمٍ حرامٍ كسبه الإنسان ، فلو تَرَفَعَ المؤمن عن النظر إلى النساء ، وعن الكسب الحرام لكان في حصنٍ وأي حصن .
لذلك في الإنسان نقطتا ضعفٍ كبيرتان ، هما حبّ المال وحبّ الشهوات ، فإذا استقام المؤمن ، وحصَّن نفسه من هاتين النقطتين فقد كان محصناً ، وكان في منأىً عن وساوس الشيطان .
معاني قوله تعالى : وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ :
1 ـ النهي عن قتل النفس الإنسانية التي حرم الله قتلها :
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ المعنى الأول : النفس هي النفس الإنسانية ، والإنسان كما قال النبي الكريم بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله :
(( إنَّ هذا الإنسانَ بنيانُ اللَّهِ فملعونٌ مَن هدم بنيانَهُ . ))
[ الزيلعي : تخريج الكشاف : خلاصة حكم المحدث : غريب جدا ]
هذا الإنسان مخلوق خلقه الله عز وجل ، وكرمه ، وسخر الكون كله من أجله ، أتقتله أنت ؟ ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ أي ولا تقتلوا النفس الإنسانية التي حرم الله قتلها ، لا يزال المسلم بخير ما لم يسفك دماً ، وقد حرم الله قتل النفس الإنسانية لأنها مخلوق له ، لأن هذا المخلوق خُلِق ليعبده ، خلقت لك ما في السماوات وما في الأرض فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك ، الإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله أو من عذبه .
2 ـ أيّة نفس خلقها الله عز وجل وحرم قتلها لا ينبغي لك أن تقتلها :
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ المعنى الآخر أن أيّة نفس خلقها الله عز وجل وحرم قتلها لا ينبغي لك أن تقتلها ، هناك حشرات مكانها الطبيعي تحت الأرض ، إذا تتبعتها إلى مكامنها وبيوتها وقتلتها وقعت في الإثم ، إذا خرجت عن حدودها فقد أصبحت مؤذية للإنسان عندئذٍ تقتلها ، أي لا ينبغي أن تبحث عن وكر الحية من أجل أن تقتلها ، إذا خرجت تقتلها ولو كنت في الصلاة ، الحية والعقرب يقتلان ولو كنت في الصلاة ، لأن الحية والعقرب خرجتا من مكانهما الصحيح ، فليس كل حيوان يقتل ، هناك إنسان كلما وجد حشرة يقتلها ، أو يدوسها ، لا يجوز ، هذه نفس .
حدثتكم كيف أن الله سبحانه وتعالى ينتقم أشدّ الانتقام ، ويبطش أشدّ البطش ممن يعتدي على حيوان حرم الله قتله .
إنسان يقود سيارة أراد أن يتسلى ، رأى كلباً على يمين الطريق ، وقد مدّ يديه فداسهما بعجلات سيارته ، وصار يضحك من ملء فيه كيف أنه قطع يدي هذا الكلب ، لم يمض أسبوع حتى فقد يديه من الرسغين في المكان نفسه ، لقد أصاب العجلة خلل فاضطر أن يستبدلها ، رفع السيارة على الجهاز المعروف ، وحلّ البراغي ، وسحب العجلة ، فإذا الجهاز الذي يرفع السيارة قد انحرف ، وقعت السيارة على العجلة ، والعجلة بحدها الدقيق وقعت على يديه فقطعتهما في المكان نفسه ، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ المعنى الأول : الإنسان ، الإنسان مكرم .
المعنى الثاني : أيُّ مخلوق .
﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)﴾
[ سورة النمل ]
استنبط العلماء أن المؤمن لا يدوس نملة وهو يشعر ، أبداً ، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ القاتل يُقْتَل ، قال تعالى :
﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)﴾
[ سورة البقرة ]
حياة لكم ، ما دام القاتل يُقْتَل فالقاتل قبل أن يَقْتُل يحسب حساب القَتْل ، فلا يَقْتُل ، فإذا لم يَقْتُل نجا بنفسه ، وإذا لم يقتُل نجا خصمه ، وإذا لم يقتُل نجا المجتمع .
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)﴾
فالقاتل يُقْتَل بنص الشرع ، والعرب كانت تقول : القتل أنفى للقتل ، فلذلك إلا بالحق ، الإنسان يُقْتَلُ من كفرٍ بعد إسلام، ومن زنىً بعد إحصان ، ومِنْ قَوَدٍ بنفسٍ ، هناك بعض الأحاديث تبين أن الإنسان إذا زنى وهو محصن يرجم حتى القتل ، وإذا قتل نفساً يجب أن يُقْتَل ، وإذا ارتد وبالغ في العدوان على دين الله عز وجل طبعاً أيضاً يُقْتَل .
حدّ القتل محصور بالحاكم فقط :
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ السلطان الحجة ، الولي هو القريب الذكر ، ليس عند الفقهاء وليّة في القتل ، لا بد من وليٍّ ، أي أقرب رجل ذكر لهذا المقتول هو الذي يجب أن يطالِبَ بدمه ، هذا اسمه : ولي المقتول ، ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ جعلنا له حجة في أن يقتص من القاتل ، جعلنا له سلطة في أن يقتص من القاتل ولكن عن طريق الحاكم ، هذا الحد لا يمكن أن يقام إلا عن طريق الحاكم لئلا تقع الفوضى ، حد القتل محصور بالحاكم ، لو تُرِكَ الناس لبعضهم لعمَّت الفوضى .
اتجاهات ثلاث في النهي عن الإسراف في القتل :
1 ـ ألا تقتل غير القاتل :
لذلك : ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ العلماء فسروا الإسراف في القتل في اتجاهات ثلاث : ألا تقتل غير القاتل ، فهذه العادة الذميمة المنتشرة في الريف وهي عادة الثأر ، أن الذي يُقتل منهم قتيلاً لا بد من أن يقتلوا من قبيلة القاتل إنساناً ، ولو أنه بعيد عن هذه الجريمة ، أو لا علاقة له بهذه الجريمة ، هذه جاهلية ما بعدها جاهلية ، قال تعالى :
﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)﴾
[ سورة الإسراء ]
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)﴾
[ سورة التكوير ]
هذه جاهلية ما بعدها جاهلية ، لذلك لا يسرف في القتل ، لا ينبغي أن تقتل إلا القاتل ، إلا الذي لوث يديه ببناء الجريمة ، أما أن تقتل غير القاتل فهذا إسراف ، وهذا طغيان ، وهذا بغي ، وهذا عدوان .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ ، وَلا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ . ))
[ صحيح مسلم ]
أحياناً توجد الفوضى ، لذلك : ﴿فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً (33)﴾ .
2 ـ ألّا تقتل اثنين بواحد :
المعنى الثاني لعدم الإسراف في القتل : ألّا تقتل اثنين بواحد ، بل واحداً بواحد ، القاتل نفسه ، أما أن تقتل مجموعة كبيرة إلا إذا تواطؤوا ، سيدنا عمر قال : " والله لو أن أهل قرية تواطؤوا جميعاً على قتل رجل مسلم لقتلتهم به جميعاً "، إذا تواطؤوا ، استنبطوا هذا من قول ثمود الذين عقروا الناقة ، قال :
﴿ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) ﴾
[ سورة هود ]
الذي عقرها واحد ، لكن كل هؤلاء كانوا راضين بل ودفعوا هذا الذي عقر الناقة ، لذلك لو تواطأ جمعٌ غفير على قتل رجل لقُتلوا به جميعاً ، أما أن تقتل إنسانًا لا علاقة له بالموضوع فهذه جاهلية ما بعدها جاهلية ، وهذه العادة مع الأسف متفشية تفشياً كبيراً في الأرياف ، قضية خطيرة اسمها : الأخذ بالثأر ، ﴿فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ .
3 ـ عدم التمثيل بالمقتول :
المعنى الثالث : ألا تمثل بالمقتول ، النبي عليه الصلاة والسلام دُعي إلى التمثيل ببعض قتلى بدر ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيَّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَيَدْلَعُ لِسَانَهُ ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْكَ خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا أُمَثِّلُ بِهِ فَيُمَثِّلُ اللَّهُ بِي ، وَإِنْ كُنْتُ نَبِيًّا . ))
[ روى ابن إسحاق في السيرة - كما في "سيرة ابن هشام" ومن طريقه الطبري في "تاريخه" : وهذا إسناد ضعيف ]
وقال ابن كثير رحمه الله : " وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ ، بَلْ مُعْضَلٌ " انتهى من "البداية والنهاية" التمثيل بالمقتول ليس من صفات المؤمن ، إذا كان المؤمن منهياً عن أن يتخذ بعض البهائم غرضاً ، أي أن تضع دجاجة أمام دريئة ، وأن تتمرن على الرمي ، فهذا من أشدّ الأشياء المحرمة ، لا تتخذ البهائم غرضاً للرمي فإذا كانت دجاجة أو عصفوراً أنت منهي عن أن تقتلها من أجل التدريب فما قولك بهذا الإنسان المكرم ؟ إذاً الإسراف في أن تقتل غير القاتل ، والإسراف في أن تقتل أكثر من واحد بواحد ، والإسراف أن تمثل بالمقتول ، ﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً (33)﴾ الله سبحانه وتعالى أمر أولي الأمر أن يقيموا حدود الله لذلك قيل :
الأثر المشهور عن عثمان رضي الله عنه وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
(( إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن . ))
[ مجموع الفتاوى : ابن القيم في «الطرق الحكمية :قال الشاطبي في الاعتصام : هذا أثر معروف عن عثمان رضي الله ]
وقد نهي المسلم عن أن يسكن في بلد ليس فيه سلطان ، لأن السلطان يبث في نفوس الناس الأمان ﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً (33)﴾ قال الإمام علي : " سلطان غشوم خيرٌ من فتنة تدوم " .
على الإنسان أن يبقي بين ماله ومال اليتيم هامشاً لأنه محاسب عليه أشدّ الحساب :
﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ العدوان على الأقرباء .
﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) ﴾
[ سورة الأنعام ]
العدوان على كرامة النفس الإنسانية ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ ، والعدوان على النفس الإنسانية بالقتل ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾ ، الآن ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ ، انتبهوا إلى ترتيب هذه الآيات ، أيضاً يجب أن تبقي بين مالك ومال اليتيم هامشاً ، أي كن دقيقاً جداً ، هذا المال محاسب عليه أشدّ الحساب ، لذلك بيّن العلماء أولاً أن الوصي على مال اليتامى إن كان غنياً فيجب عليه أن يستعفف ، ومعنى أن يستعفف ألا يأخذ على إدارة الأموال شيئاً ، وإن كان فقيراً فليأخذ بالمعروف .
فَسَّر العلماء المعروف أن تأخذ أجر الجهد أو الحاجة أيهما أقل ، هناك يتيم دفع إليك ماله لتديره له ، وأنت غني فاستعفف ، أنت فقير خذ من ماله بالمعروف ، ما هو المعروف ؟ المئة ألف ليرة ربحت في هذين الشهرين مثلاً عشرين ألف ليرة فرضاً ، أجر المثل لك نصف الربح ، ولليتيم نصف الربح ، ربحت عشرين ألفًا ، لك عشرة آلاف ، وله عشرة آلاف ، أنت يكفيك في هذين الشهرين سبعة آلاف ، يجب أن تأخذ حاجتك لا أجر المثل ، هذه العشرة آلاف ربحت ألفاً في الشهرين ، أنت تحتاج إلى ثلاثة آلاف مصروفاً ، أما بهذا الربح كان لك خمسمئة فقط ، يجب أن تأخذ أجر المثل لا الحاجة ، لأن أجر المثل أقلّ ، يجب أن تأخذ حاجتك أو أجر المثل أيهما أقلّ ، هذا رأي الفقهاء في معنى قوله تعالى : ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ أشد الشباب ثمانية عشر عاماً ، وأشد الكهل أربعون .
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) ﴾
[ سورة الأحقاف ]
تعريف بالنذير :
لذلك سن الأربعين من النذُر التي ذكرها الله في القرآن الكريم .
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)﴾
[ سورة فاطر ]
فسن الأربعين نذير ، لأن الإنسان في هذا السن بلغ أشده ، وبدأ الميزان يميل نحو التدني ، بعد الأربعين صارت كليتك تؤلمك ، صرت تعاني من كريزة رمل ، صرت تعاني شيئاً من وجع الظهر ، صار عندك ضعف بصر يلزمك نظارة ، صار عندك شيب ، صار عندك التهاب في المعدة ، بعد الأربعين الخط قد يستمر قليلاً ، وبعدها يبدأ بالهبوط ، فالأربعون أحد النذر التي وجه المفسرون الآية بها ، وموت الأقارب من النذير ، والنبي عليه الصلاة والسلام هو النذير ، والقرآن الكريم هو النذير ، والدعاة المخلصون هم النذر ، والمصائب من النذير ، والشيب هو النذير ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ أي في الثامنة عشرة ، إذا بلغ اليتيم هذه السن ، وآنسنا منه رشداً ، وحكمة ، وقدرة على إدارة أمواله دفعنا إليه أمواله ، بعد أن نكون قد أخذنا منها بالمعروف ، الحد الأدنى ، احفظوه ؛ أجر المثل أو الجهد أيهما أقلّ ، هذا لمن ؟ لمن كان فقيراً ، أما لمن كان غنياً فيجب عليه أن يستعفف .
عَنْ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ، وَقَالَ : بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى . ))
[ صحيح الترمذي ]
الوفاء بالعهد أمر إلهي يقتضي الوجوب :
﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ﴾ قال : عهدك مع الله ، وعهدك مع النبي ، وعهدك مع الذي هداك إليه ، وعهدك مع أخيك ، وعقد البيع ، وعقد الإيجار ، وأي عقدٍ توَقِّعُهُ مع أخيك المسلم فيما لا يتنافى مع كلام الله ، وفيما لا يخالف شرع الله ، هذا العهد أنت مأمور أن تفي به :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) ﴾
[ سورة المائدة ]
أما هنا فوردت : ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34)﴾ الله سبحانه وتعالى سيسألك عن هذا العهد لِم ضيعته ؟ لذلك الناس اليوم سريعاً ما ينقضون عهودهم ومواثيقهم لبارقةٍ مِنْ ربح جزيل ، أو لمغنم يسير ، أو لغرض ضئيل ، ينقضون عهودهم ومواثيقهم ، فالعرب كانت في أوج أخلاقها تقول : المنيّة ولا الدنيّة ، أي الإنسان قبل أن ينقض عهده يحسب ألف حساب ، أما الآن فلأتفه سبب باع البيت ، جاءه بعد أن وقّع عقد البيع مشترياً آخر دفع له خمسة آلاف زيادة ، فيأتي الشاري الأول يقول له : هذا البيت عليه كسوة خارجية ، عليك ثمانية آلاف كسوة ، أخي أنت لم تقل هذا الكلام ، نسيت أن أقول لك ، يخلق له مشكلة حتى يستفزه ، ثم تمهيد حتى يقول له المشتري : لا أريد هذه البيعة ، من أجل خمسة آلاف .
والله أعرف أسرة جاءها خاطب أخلاقه عالية ، ودينه جيد ، وخطب ابنتهم ، وعقد عقد القران ، وسافر إلى بلد عربي ، في غيبته جاءهم خاطب آخر أغنى من الأول ، فنقضوا عهدهم مع الأول ، فماذا فعل الثاني ؟ طلق ابنتهم ، وماذا فعل الخطيب الثالث ؟ طلق ابنتهم ، وهي الآن بعد الزواج الثالث مطلقة من الثلاثة ، فلذلك : ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34)﴾ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَالَ :
(( ما خطبنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا قال : لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له ، ولا دينَ لمن لا عهدَ له.))
[ إسناده صحيح أو حسن : مسند الإمام أحمد ]
لا يوجد عهد لا يوجد دين ، لا يوجد أمانة لا يوجد الإيمان ، (( لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له ، ولا دينَ لمن لا عهدَ له )) .
﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ أمر إلهي ، وكل أمر يقتضي الوجوب . ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) ﴾ .
الوفاء بالكيل ذلك خير للإنسان وأحسن عاقبة :
﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ إن كانت البضاعة تباع كيلاً فاجعل هذا السائل عند الحد الصحيح ، بالميزان قد توضع الحاجة في كفة البضاعة بعنف ، فإذا بالكفة ترجح فيأخذها سريعاً ويضعها ، هذا لا يجوز ، إذا كان بالمتر عند الشراء القماش منحنٍ ، وعند البيع القماش مشدود ، يكاد يتمزق ، هذا بيع غير صحيح ، فهذا الذي يطفف ، قال تعالى :
﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) ﴾
[ سورة المطففين ]
فالإنسان بالوزن ، بالكيل ، بالمساحة ، بالعد ، يكون دقيقاً جداً ، لأن في الدنيا القضية تحل ، أما في الآخرة فلا تحل ، ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ﴾ عندما يكون هناك ماء كثير مع البضاعة هذا الماء يزن ، تشتري اثنين كيلو من الجبن تجد بهما نصف كيلو ماء بالآخر ، تسكب الماء وتزنه فتجده كيلوًا ونصفاً ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ﴾ ، تأخذ شيئاً غالياً فتجد الورقة سميكة في كفة الوزن ، وفي الكفة الثانية لا يوجد غير الوزن ، أما السلف الصالح فكانوا يضعون ورقة أخرى في الكفة الثانية ، هذا هو الوزن الدقيق الذي لا يؤَبه له محاسب عليه عند الله عز وجل ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِذَا وَزَنْتُمْ فَأَرْجِحُوا . ))
[ صحيح سنن ابن ماجة ]
تجد ميزان المؤمن دقيقًا ، مروحة تدور في المحل ، والبضاعة غالية جداً ، توزن بالغرامات ، أطفئ المروحة أولاً ، ينتبه إلى المروحة أين جهتها ، حينما تصل إلى الكفة تجد أن هناك وزناً عندها يضع البضاعة بسرعة ، وهذا احتيال ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ أي كل شيء يوضع بالوزن والمساحة والعدد والكيل ، إن كان فيه رطوبة فهذه الرطوبة لها وزن تحاسب عليها ، إن لم تعط المشتري حقه سواء كان هذا الحق وزناً أو نوعاً أو تسليماً أو حجماً فأنت محاسب .
قال : ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)﴾ قصة قديمة ، رجل أراد أن يشتري برتقالاً من بائع ، فحينما وزن له البرتقال دفع لسان الميزان بإصبعه كي ترجح كفة البرتقال ، كان ميزاناً يدوياً ، فالشاري انتبه ، فقال له : يا هذا ، أنا غني عن برتقالة أو اثنتين ، لكن هذا العمل لن يجلب لك الخير في حياتك ، ما كان من هذا البائع إلا أن انفجر بالشكوى ، والله لا أحَصِّل قوت يومي ، قال له : من هذا البيع ، ومن هذه الطريقة في البيع ، توجد دكان قريبة من مكان البيع قال له : اذهب معي ، خاطب صاحب الدكان ، قال له : إذا طلب منك هذا البائع شيئاً فأعطه ما يشاء ، وسجله عليّ ، قال له : غداً بِعْ بيعاً صحيحاً ، وإذا نقصت الغلة عن الحد الذي تريد فخذ الفرق من هذا البائع ، فهذا البائع بعد فترة أصبح لديه محل تجاري ، وصار من تجار الفاكهة لاستقامة الوزن ، فإذا استقام وزن الإنسان معنى ذلك أن دينه استقام أيضاً ، وإذا انحرف وزنه انحرف دينه ، هذا الميزان دين ، لا يوجد مجال ، ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ لكم في الدنيا .
إذا وزنت بالقسطاس المستقيم فالقسطاس هو الميزان ، وإذا وفيت الكيل إذا كلت ذلك خير ، الله يقول : خير ، خالق الكون يقول : ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)﴾ التأويل : العاقبة ، والله أعرف شخصاً زرته قبل عام ، أنا أعرف ابنه ، وابنه صديقي ، فقال لي : إن هذا الإنسان أجرى فحوصات دقيقة جداً وهو في سن التسعين ، ولم يكن في كل هذه الفحوصات شيء غير صحيح ، أو غير مثالي ، والله هذه نعمة كبيرة ، إنسان يجري فحص دم كاملاً ، وفحص بول كاملاً ، وتخطيط قلب ، وتخطيط دماغ ، والنتائج كلها إيجابية ، وهو في التسعين ؟! بلغني أن هذا الرجل ما أكل درهماً حراماً في حياته ، ولا عصى الله ، يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً ، هذه العين التي تغض عن محارم الله ، الله سبحانه وتعالى يحفظها لك ، وهذه اليد التي تستخدمها في فعل الخيرات ، الله سبحانه وتعالى يحفظها لك ، وهذه الأذن التي ما سمعت إلا الحق يحفظها الله لك سبحانه وتعالى ، وهذا اللسان الذي ينطق بالحق يحفظه الله لك سبحانه وتعالى ، وهذه الرجل التي سرت بها إلى المساجد ، وإلى دروس العلم ، وسرت بها في فعل الخيرات ، يحفظها الله لك سبحانه وتعالى ، من عاش تقياً عاش قوياً ، والدعاء الشريف أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ :
(( اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا ، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا . ))
[ صحيح الترمذي ]
مَن منا لا يتمنى أن يعيش في خريف عمره حياة ملؤها السلامة والسرور والطمأنينة والعزة والكرامة والشعور برضاء الله ؟ هذه أجمل حياة ، سببها طاعة الله عز وجل ، طاعة الله هي الثمن .
الناجحون في الحياة أحكامهم مبنية على بحث وتدقيق واستقصاء :
﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)﴾ العلماء قالوا : لا تقل : سمعت ولم تسمع ، ولا تقل : رأيت ولم ترَ ، ولا تقل : أعتقد وأنت لا تعتقد ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ ، والعلم أي اليقين .
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) ﴾
[ سورة التكاثر ]
لا تَقْفُ ، لا تشهد إلا بما رأيت ، بين الحق والباطل أربعة أصابع ، بين أن تقول : سمعت ، وبين أن تقول : رأيت ، شتان بين أن تقول : سمعت ، وبين أن تقول : رأيت ، لكن بعض العلماء يقول : ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ﴾ بدأ بالسمع لأن أكثر المعاصي تتأتى عن طريق السماع ، أي أكثر الناس يروون كلاماً باطلاً عن بعضهم ، والذين ينقلون مشاهدات لم يشاهدوها أقلّ من أولئك ، والذين يقولون معتقدات لا يعتقدونها أقلّ من ذلك ، ﴿إنّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ﴾ الفؤاد هو القلب ، والقلب مكانه العقل .
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) ﴾
[ سورة الحج ]
مكان العلم اليقيني مكان الإيمان ، لا تدَّعِ الإيمان وأنت لم تؤمن بعد ، لا تقل : رأيت وأنت لم تر ، لا تقل : سمعت وأنت لم تسمع ، بعضهم قال في تفسير هذه الآية : ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ﴾ أي لا تعتقد شيئاً إلا بعد اليقين ، ولا تقل شيئاً إلا بعد العلم ، ولا تفعل شيئاً إلا بعد العلم ، لذلك الفرق بين الطائش والجاهل وضيق الأفق أنه يتسرع ، يصدر حكماً خاطئاً .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾
[ سورة الحجرات ]
عوِّد نفسك الطريقة العلمية في تقصي الحقائق ، تقول : فلان فعل كذا ، هل رأيته أنت بعينك ؟ لا ، والله سمعت ، من قال لك ؟ فلان ، هل أنت واثق من دينه ؟ واثق من صدقه ؟ يقول : والله لست متأكداً ، أين ستذهب ؟ أين تقول هذا الكلام ؟ لذلك شعار المؤمن : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾ وهذه الآية من الآيات الدقيقة الدالة على الروح الموضوعية في القرآن الكريم ، أي هذه حقيقة ، لذلك عندنا في الأخلاق قيمة خُلُقية ، وفي البحث العلمي عندنا قيمة علمية ، في حالة واحدة تلتقي قيمة خُلُقية مع قيمة علمية ، هذه الحالة هي الموضوعية ، الموضوعية قيمة خُلُقية ، والموضوعية قيمة علمية ، فالعقل والخلق يلتقيان في الموضوعية ، إذا تحدثت أنت عن إنسان ، تحدثت عن مساوئه ، ووفرت محاسنه ، أنت لم تكذب ، لكن هذا كذب سلبي ، اذكر ما له ، وما عليه ، أو اسكت ، أما أن تكتفي بالسيئات ، وتطمس الحسنات فالنبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من هذا الإنسان ، قال : عن سعيد بن أبي سعيد المقبري :
(( اللَّهمَّ إِنَّي أعوذُ بِكَ مِنْ خَلِيلٍ ماكِرٍ ، عيناهُ تَرَياني ، وقلْبُهُ يَرْعاني ، إِنَّ رأى حسَنَةً دفَنَها ، وإِنْ رأى سيِّئَةً أذَاعَها .))
[ ضعيف الجامع : خلاصة حكم المحدث : ضعيف ]
وعن أبي هريرة :
(( تَعَوَّذوا باللهِ من ثلاثِ فَواقِرَ : جارِ سُوءٍ ، إن رأى خيرًا كتمه ، وإن رأى شرًّا أذاعه ، وزوجةِ سُوءٍ ، إن دَخَلْتَ عليها لَسَنَتْكَ ، وإن غِبْتَ عنها خانَتْكَ ، وإمامِ سُوءٍ ، إن أَحْسَنْتَ لم يَقْبَلْ ، وإن أَسَأْتَ لم يَغْفِرْ . ))
[ ضعيف الجامع : خلاصة حكم المحدث : ضعيف جداً ]
﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)﴾ هذا ينطبق على شاهدي الزور ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ ثَلاثًا ، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا ، فَقَالَ : أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ ، قَالَ : فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . ))
[ صحيح البخاري ]
لأنها تقلب الحق باطلاً ، والباطل حق ، دائماً المؤمن وقّاف عند كتاب الله ، لا يتسرع ، لا يصدر حكماً قبل البحث الصحيح ، وهذه صفات الناجحين في الحياة ، كل إنسان نجح في الحياة أساس نجاحه إن أحكامه صحيحة مبنية على بحث وتدقيق واستقصاء .
من أراد محبة الله فليبتعد عن كل ما يكرهه :
﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً﴾ إن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، وقد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً﴾ هذا الذي يفرح في الدنيا لا خلاق له عند الله .
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) ﴾
[ سورة الصافات ]
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) ﴾
[ سورة يونس ]
افرح بمرضاة الله عز وجل ، افرح بطاعته ، افرح بعمل صالح قدره الله على يديك ، أما أن تفرح بالدنيا فلا قيمة لها عند الله .
﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾ إذا مشيت على الأرض لن تستطيع بقدمك أن تخرق الأرض ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ ﴾ هذه ذلك تعود على كل هذه الآيات بدءاً من قوله تعالى :
﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38)﴾ . .
إذا أردت أن يحبك الله فابتعد عن هذا كله ، لأن الله يكره هذه الأعمال ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39)﴾ أجمل ما في الآيات أنها بدأت : ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22)﴾ ، وانتهت : ﴿وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39)﴾ ملوماً من قِبَل الخَلق والحق ونفسك ، ومدحوراً لا خيار لك في الدخول أو عدم الدخول .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين