- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (008)سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
المؤمن واضح علانيته كسريرته وظاهره كباطنه :
أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس السابع عشر من دروس تفسير سورة الأنفال ، ومع الآية التاسعة والأربعين وهي قوله تعالى :
﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)﴾
أيها الإخوة ، لا شك أن سورة البقرة افتتحت بالحديث عن الأصناف الثلاث ؛ عن المؤمنين ، وعن الكافرين ، وعن المنافقين ، والملاحظة الشمولية أن المؤمن واضح ، علانيته كسريرته ، ظاهره كباطنه ، ما يقوله تعبير عما في نفسه ، والله عز وجل وصفهم بآيتين أو ثلاث ، قال :
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
أي صدّق حين أخبره الله بكتابه الكريم أن هناك جنة عرضها السماوات والأرض ، صدق الله وعمل للجنة ، هذا موقف يحتاج إلى بطولة ، على الشبكية يوجد شهوات محسوسة ، على الشبكية يوجد امرأة جميلة ، يوجد قصر فخم ، يوجد سيارة فارهة ، يوجد طعام طيب ، لم يعبأ بما على الشبكية ، ولكنه عمل لما أخبره الله به من حياة أبدية ، أخبر الله عباده المؤمنين فقال :
﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)﴾
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)﴾
لذلك هذا المؤمن صدّق ربه ، لأن الكون كله يشهد لله بعظمته ، والبطولة أن المؤمن بدأ من التفكر في خلق السماوات والأرض ، رأى كوناً ينطق بوجود الله ، وبوحدانيته ، وبكماله ، رأى من خلال الكون حكمة الله ، رأى رحمة الله ، رأى علم الله ، رأى قوة الله ، رأى غنى الله ، رأى وحدانية الله ، هذا كله رآه .
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أقوى دليل على أن القرآن كلام الله :
لذلك عندما قرأ القرآن من خلال وقوع الوعد والوعيد ، ومن خلال إعجازه ، صدق أن هذا الكلام كلامه ، وأن الذي جاء بهذا الكلام رسوله ، انظر التسلسل ، الأصل هو الكون ، فكر في كون ينطق بكل جزئياته ، بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، وأن هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، فتعرف إلى الله من خلال الكون ، ثم قرأ كتاباً فإذا فيه معجزات ، أو إن صحّ التعبير إعجازاً ، ففيه إشارات كثيرة إلى حقائق علمية لم تكن معروفة إطلاقاً وقت نزول الوحي ، عرفت بعد مئات السنين ، أو بعد ألف وأربعمئة عام ، فالإعجاز العلمي في القرآن الكريم أقوى دليل على أن هذا القرآن كلام الله ، وعلى أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، فلذلك آمن بالقرآن كلام الله عز وجل ، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، ثم آمن بأن الذي جاء بهذا القرآن هو رسول الله .
الآن انتهى دور العقل ، بالعقل آمن أن لهذا الكون إلهاً عظيماً ، رحيماً ، قوياً ، حكيماً ، غنياً ، موجوداً ، واحداً ، كاملاً ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى ، واحد أحد ، فرد صمد :
﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾
العقل دليل الإيمان بالشيء الذي غابت عينه وبقيت آثاره :
لما آمن بالله عز وجل من خلال هذا الكون الآن رأى أمامه كتاباً ، يقال : إنه كلام الله ، قرأ في هذا الكتاب فإذا كل شيء وعد الله به يتحقق ، وإذا كل شيء يتوعد الله به يتحقق ، وقوع الوعد والوعيد أحد أكبر الأدلة على أن هذا الكتاب كلام الله ، ثم هناك الإعجاز العلمي ، فآمن بالقرآن على أنه كلام الله ، والذي جاء به هو رسول الله ، أي مما يشهد للنبي أنه نبي هذا القرآن ، الآن انتهى دور العقل ، جاء دور النقل ، القرآن أخبرك أن هناك حياة أبدية لا تنتهي ، القرآن أخبرك أن هناك حساباً دقيقاً :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾
الآن القرآن أخبر عن أشياء غيبية ، لذلك كنت أقول لكم دائماً : هناك دائرة المحسوسات ، أداة اليقين بها الحواس الخمس ، واستطالاتها ، كالميكروسكوب ، والتليسكوب ، هناك أشياء حسية ملموسة ، شيء تمسكه ، تحمله ، تمتحن نعومته ، بحواسك الخمس ، تراه حجماً ، وشكلاً ، ولوناً ، تحمله ، تدرك وزنه ، هناك أشياء حسية ظهرت عينها ، وظهرت آثارها فأداة اليقين بها الحواس الخمس واستطالاتها ، هذه لا تعنينا كثيراً لأنها واضحة ، لكن هناك أشياء غابت عينها ، بقيت آثارها ، هذه الأشياء كالكهرباء مثلاً ، نحن لا نرى الكهرباء ، لكن نرى مصباحاً متألقاً ، نرى صوتاً يكبر ، نرى مروحة تدور ، نرى ثلاجة تبرد ، نرى سخاناً يسخن ، هذه كلها آثار الكهرباء ، فالشيء الذي غابت عينه وبقيت آثاره دليل الإيمان به العقل ، العقل مختص بموضوع غابت عينه ، بقيت آثاره .
الإيمان بوجود الله وبوحدانيته أعظم موضوع على الإطلاق :
لذلك أعظم موضوع الإيمان بالله ، الذات الإلهية لا نراها ، بدليل قوله تعالى :
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
لكن كل هذا الكون أثر من آثار الله عز وجل ، ترى في الكون رحمته ، ترى الطفل الصغير ، ترى الكائنات كيف تتنامى ، ترى النباتات ، ترى الحيوانات ، ترى الأطيار ، ترى الأسماك ، ترى البحار ، ترى السماوات والأرض ، ترى الكازارات ، الكواكب ، المجرات ، هذا كله تراه ، ففي الكون – دقق - مظهر لأسماء الله الحسنى ، والكون تجسيد لهذه الأسماء ، لكن يحتاج إلى عقل ، العقل أساسه يرى شيئاً مادياً ، محسوساً ، ملموساً ، له وزن ، له طول ، له عرض ، له ارتفاع ، له مسافة ، له لون ، له صوت ، له رائحة ، له ملمس ، يحكم على صانعه ، فالعقل دوره أنه يعرف الخالق من الخلق ، يعرف المسير من التسيير ، يعرف الحكيم من الحكمة ، يعرف القدير من القدرة ، يعرف القوة من القوي ، هذا مجال العقل ، بعد أن يؤمن الإنسان من خلال عقله بوجود الله ، وبوحدانيته ، وبكماله ، والمقولة الشهيرة : الأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير ، بل والبعرة تدل على البعير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟
وقوع الوعد والوعيد أقوى دليل على أن هذا القرآن كلام الله :
الآن بعد أن تؤمن بالله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، وأن أسماءه كلها حسنى ، وأن صفاته كلها فضلى ، وأن تؤمن بقدرته ، ورحمته ، وحكمته ، وعلمه ، وغناه ، الآن تؤمن بكلامه من خلال أقوى دليلين وقوع الوعد والوعيد .
للتقريب : رأيت في البحر باخرة عملاقة ، الآن يوجد بواخر حمولتها تزيد عن مليون طن ، مدينة تتحرك ، حاملات الطائرات مدينة ، مئة طائرة تطير من هذه الحاملة وتعود إليها ، فيها خمسة ألاف إنسان ، غرف ، ملاعب ، مطابخ ، مدينة تمشي .
لو رأيت حاملة طائرات تمخر عباب البحر ، مبتعدة عن الميناء ، وادعى إنسان أنه قائدها ما الدليل ؟ قال لك : سأعطيها أمراً أن ترجع ، أعطاها أمراً أمامك أن ترجع ، فهذه المدينة العملاقة رجعت إلى الميناء ، كلامه صادق ؟ طبعاً صادق ، أقوى دليل على أن هذا القرآن كلام الله وقوع الوعد والوعيد .
مثلاً الحياة الطيبة التي يعيشها المؤمن مصداق لقول الله عز وجل :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
فالحياة الطيبة التي يحياها المؤمن هي مصداق لقوله تعالى بهذه الآية ، معنى ذلك الحياة الطيبة بيد الله ، ولأن الله أخبرنا أنه : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا
فالمعيشة الضنك الذي يحياها الكافر ، البعيد عن الله ، المعرض عن ذكر الله ، هي مصداق قوله تعالى ، فأقوى دليل على أن هذا القرآن كلام الله وقوع الوعد والوعيد ، وأقوى دليل الإعجاز العلمي ، فأنت حينما تؤمن بالله واحداً موجوداً ، واحداً كاملاً ، وتؤمن بأن هذا القرآن كلام الله ، من لوازم هذا الإيمان أن الذي جاء بهذا القرآن هو قطعاً رسول الله ، فآمنت به ، انتهى دور العقل ، جاء دور النقل ، النقل أخبرك الله أن هناك داراً آخرة فيها :
(( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ أبو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة : 17] . قال أبو مُعاويةَ ، عن الأعمَشِ ، عن أبي صالِحٍ : قرَأ أبو هُريرةَ : (قُرَّاتِ أعْيُن) . ))
أخبرك الله أن هناك حساباً دقيقاً :
(( عن عائشة أم المؤمنين ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط . ))
هناك حساب دقيق ، أخبرك القرآن أن هناك نار جهنم ، لا يموت فيها الكافر ولا يحيا ، كل شيء أخبرك الله به ، الآن هذا المصدر الثالث في الدين ، هناك محسوسات أداة اليقين بها الحواس الخمس ، هناك معقولات أداة اليقين بها العقل ، هناك إخباريات أداة اليقين بها الخبر الصادق ، كل هذا الكلام من أجل أن نعلم ما معنى :
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
الإيمان بالغيب أكبر سبب دعا المؤمنين إلى طاعة الله :
المؤمن آمن بالغيب ، آمن بشيء لا يراه ، لكن كل شيء يدل عليه ، رأى دخاناً قال : لا دخان بلا نار ، ما رأى النار رأى الدخان ، فالدخان ليس ناراً لكن من آثار النار ، رأى آثر النار ولم يرَ النار .
لذلك هؤلاء المؤمنون بطولتهم أكبر سبب دعاهم إلى طاعة الله أنهم آمنوا بالغيب ، آمنوا بما أخبرهم الله به ، هناك حياة أبدية ، هذا الإيمان بالغيب يقتضي أن يتقوا معصية الله ، هذا الإيمان بالغيب يقتضي العمل الصالح ، لذلك :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة ، فاتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، أعطى واتقى لأنه صدق بالحسنى ، الرد الإلهي :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)﴾
كذب بالآخرة وآمن بالدنيا ، فاستغنى عن طاعة الله ، بنى حياته على الأخذ ، هذا التصنيف القرآني لبني البشر ، إنسان صدق أنه مخلوق للجنة فآمن بالغيب ، واتقى أن يعصي الله ، لأنه صدق بالجنة ، وبنى حياته على العطاء ، وإنسان آخر كذب بالحسنى ، لم يصدق بالآخرة ، قال : كلام فارغ ، الدنيا هي الجنة وهي النار ، والغني في جنة ، فكذب بالحسنى ، واستغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، هذان الصنفان من بني البشر ولا تجد- والله أعلم- صنفاً ثالثاً .
الفلاح نجاح في الدنيا والآخرة معاً :
لذلك هؤلاء المؤمنون آمنوا بالغيب ، وأقاموا الصلاة :
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
ثم آمنوا بوحدة الدعوة إلى الله ، آمنوا بالأنبياء السابقين :
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾
الفلاح نجاح في الدنيا والآخرة معاً ، النجاح في الدنيا وحدها يسمى نجاحاً ، إنسان يحمل أعلى شهادة في الجامعة ، إنسان يملك أكبر ثروة في الأرض ، النجاح في الدنيا يعد نجاحاً لكن لا يعد فلاحاً ، أما الفلاح أن تنجح في الدنيا والآخرة ، أن تنجح في تحقيق الهدف الذي خلقت من أجله ، هذا أول صنف ، المؤمن واضح يعمل للآخرة ، يخاف الله وحده ، لا يخشى غير الله ، يحاسب نفسه حساباً دقيقاً جداً ، يحاسب نفسه على نظرة لا ترضي الله ، على كلمة تفوه بها خطأ ، يحاسب نفسه على تمرة ، رأى النبي تمرة على السرير فاشتهاها :
(( عن أنس بن مالك أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأى تمرةً فقال : لولا أني أخافُ أن تكون صدقةً لأكلتُها . ))
ظن أنه جاءه طبق من التمر صدقة فوقعت منه ، قال : (( لولا أنني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها ))
المؤمن واضح والكافر واضح :
قال : ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
لذلك : ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)﴾
ألغى من حياته الدين ، مرة حدثت مندوب شركة من هولندا شيئاً عن الدين ، قال لي : هذه الموضوعات لا تعنيني إطلاقاً ، ولا أهتم بها ، ولا ألقي لها بالاً إطلاقاً ، أنا لا يعنيني إلا امرأة جميلة ، ومركبة فارهة ، ومنزل كبير ، واضح ، الكافر واضح ، له ميزة أنه واضح ، لا تُغش فيه أبداً ، واضح ، الدين ألغاه من حياته ، كالأجانب ألغوا الدين من حياتهم كلياً واستمتعوا بالدنيا من أعلى درجة ، أتقنوها ، أتقنوها إتقاناً مذهلاً ، عندما أتقنوها ملكوها ، ملكوا الدنيا ، أتقنوا الدنيا ، وآمنوا بها ، واكتفوا بها ، ولم يعبؤوا بالآخرة .
بقلب المؤمن من الرضا والطمأنينة والسكينة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم :
إخواننا الكرام ، المؤمن واضح ، آمن بالله ، وباليوم الآخر ، وجعل كل حركاته ونشاطاته وفق منهج الله ، وسعى للدار الآخرة ، لكن المحسوسات لم يعبأ بها ، آمن بالمغيبات ، آمن بجنة عرضها السماوات والأرض ، يسعى إليها ، من الذي وعده بها ؟ خالق السماوات والأرض ، الذي وعده بها خالق هذا الكون .
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا
بمنتهى العقل ، بمنتهى الذكاء ، بمنتهى الفلاح ، بمنتهى الفوز ، آمن بالآخرة ، لكن الله ما منعه أن يأكل ، يأكل ، ويشرب ، ويتزوج ، وينجب ، ويعمل ، أقسم لكم بالله بل إن استمتاع المؤمن في الدنيا لأنها من طريق مشروع ، لأنها وفق منهج الله ، ولأن العلاقة مع الله نامية جداً ، يسعد بالدنيا أيما سعادة ، حتى إن بعض الملوك ، اسمه إبراهيم بن الأدهم ، مدفون في جبلة ، كان ملكاً ، ثم ترك الملك وأصبح عارفاً بالله ، قال هذه الكلمة الرائعة : لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف .
والله الذي لا إله إلا هو يوجد بقلب المؤمن من الرضا ، من الطمأنينة ، من السكينة ، من الأمن ، من الحكمة ، ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم .
إلغاء الكافر الآخرة والإيمان من قلبه كلياً :
واضح المؤمن ؟ واضح ، يركل بقدمه ملياراً يقبل بخمسة آلاف بالشهر ، لا لأنه أحمق ، لأنه ذكي جداً ، لأنه ضمن الآخرة بهذه الطريقة ، أنا أخاف أن تتوهموا أنه فقط يصلي ، لا ، منطلقاته ، فكره ، مبادئه ، قيمه ، نظام حياته ، زواجه ، تربيته لأولاده ، كل أعماله وفق الآخرة ، مرتاح و أرحنا ،ـ أما الكافر أيضاً واضح ، قال :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)﴾
ألغى الآخرة من حياته ، ألغى الإيمان بالله كلياً ، ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾
مرة ذهب عالم من دمشق إلى أمريكا ، جلس بحديقة إلى جانبه شخص ، هذا العالم أسمر اللون فسأله عن دينه ، قال له : أنا مسلم ، قال له : ما الإسلام ؟ قال له : أتحب أن أحدثك عنه خلال ساعة ؟ قال له : ممكن ، هذا عالم كبير ، وله تفسير دقيق جداً ، فحدثه عنه بخمسين دقيقة ، فكان ردّ فعل هذا الإنسان أنه أخرج من جيبه مئة دولار ، قال له : أنا هذا إلهي أعبده من دون الله ، واضح وضوح الشمس ، يؤمن بالدنيا ، بالمال ، بالمتعة ، بالجمال ، بالرفاهية ، الآن كل أقوال السياسيين الغربيين يتحدثون عن الرفاه فقط ، نجاحهم بالحياة ، أو نجاحهم بإدارة بلادهم يتعلق بتأمين الرفاه لشعبهم فقط ، الرفاه لا الإيمان ، ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
المنافق له ظاهر وله باطن ويتكلم بشيء لا يؤمن به :
أما المشكلة الكبيرة هذا الصنف الثالث :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)﴾
له ظاهر وله باطن ، يتكلم بشيء لا يؤمن به ، يجلس مع المؤمنين يظهر إيمانه المزور .
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)﴾
الله عز وجل وصفهم بثلاث عشرة آية ، الإنسان يحيرك ، يجلس مع المؤمنين يعمل نفسه مؤمناً ، يأخذ كل ميزاتهم ، يجلس مع الكفار يستهزئ بالمؤمنين .
المنافق في نص الآيات التالية كافر مبطن وعذابه أشد:
﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)﴾
هؤلاء سفهاء
الشبهات حجاب بين الإنسان و ربه :
أردت بهذه المقدمة أن أبين لكم ما معنى قوله تعالى : ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ﴾
لذلك أنا أقول لكم : الذي عنده سؤال خطير يسأل عنه ، لا يبقى بشك ، وبحيرة ، أحياناً الشبهات تكون حجاباً بينك وبين الله ، الله يعلم أن الإنسان كافر ؟ يعلم ، لماذا خلقه مثلاً ؟ طبعاً الشياطين عندهم خبث كبير جداً يطرحون عليك أسئلة تتوهم أنه لا يوجد لها جواب ، هي لها جواب ، فلذلك إذا إنسان تعثرت خطاه في السير إلى الله من خلال بعض الشبهات ينبغي ألا ينام الليل حتى يبحث عن جواب لها ، لا تقل : أنا لا أسأل ، إذا لم تسأل ليس لك قيمة عند الله عز وجل ، اسأل ، لكل شبهة جواب .
أيها الإخوة ؛ ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ﴾
المريض في عالم الإيمان أسباب مرضه شبهة أو شهوة :
الآن عندنا عقبة أخرى ، غير الشبهة ، الشهوة ، أحياناً الإنسان تغلبه شبهة ، أو تغلبه شهوة ، كلام دقيق ، المريض في عالم الإيمان أسباب مرضه شبهة أو شهوة ، لذلك قال تعالى : ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ﴾
إذا كان مدرسة أول يوم بالعام الدراسي وقف المدير قال : سأتلو عليكم أسماء الناجحين في آخر العام ، وأسماء الراسبين ، اذهبوا وادرسوا ، من الآن يدرس ؟ معنى هذا الأمر منته .
عند الناس بعض الشبهات إما بالقضاء والقدر ، أما باختلاف تجد غنياً يكاد يموت من الغنى ، وفقيراً يكاد يموت من الجوع ، تجد غنى وفقراً ، هناك غني وهناك فقير ، هناك قوي وهناك ضعيف ، هناك صحيح وهناك مريض ، هناك فتاة جميلة جداً يتهافت عليها كبار الأغنياء وهناك فتاة مستوى شكلها أقل مما ينبغي تجدها تعاني ما تعاني ، يا رب ما الحكمة ؟ يوجد شبهات ، أي اختلاف توزع الحظوظ في الأرض ، شاءت حكمة الله أن يكون واحد منا غنياً وواحد فقيراً ، إنسان وسيم جداً وآخر دميم ، إنسان طويل العمر يقول لك : عمري ثمان وتسعون ، وإنسان يموت بالثامنة عشرة ، هناك مئات الشبهات هذه تحول بين المؤمن ضعيف الإيمان وبين أن يسعى إلى الله ، وهناك شهوات كثيرة ، المرأة أحد أكبر الشهوات ، يوجد إنسان يعصي الله لا عن كفر لكن شهوته غلبته ، هذا الإنسان الذي عنده شبهة حالت بينه وبين الاستقامة ، أو عنده شهوة غلبته ، طبعاً كما سماه الله هنا ليس منافقاً لكنه مريض ضعيف الإيمان ، فالآية تقول : ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ﴾
مرضى القلوب إما بشبهات القضاء والقدر أو بسبب شهوات غلبتهم :
والله هناك آية أيها الإخوة :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي
المؤمن على بينة ، الأمور عنده واضحة جداً ، الأمور كالشمس ، والآن في هذا العصر اللون الرمادي اختفى ، هناك مؤمن واضح الإيمان ، وهناك كافر واضح الكفر ، لأن الإيمان ضعيف الآن فلا يوجد نفاق ، المنافقون قلة قليلة جداً ، ما من داع لأن ينافق ، العالم كله مع الكفر ، الآن قلّما تجد منافقاً ، لماذا ينافق ؟ يفطر جهاراً في رمضان ، ويتحدث عن مغامراته في المعاصي والآثام ، لا يخاف ، العالم الآن كله مع الكفر ، الإيمان ضعيف جداً ، فلذلك هؤلاء مرضى القلوب إما بشبهات ؛ بالقضاء والقدر ، بالخير والشر ، بتوزع الحظوظ في الدنيا ، أو بسبب شهوات غلبتهم ، هؤلاء يقولون :
الآن بمقاييس الدنيا يقيّم الشخص بمتاعه فقط ، أين ساكن ؟ بحي متواضع ، مساحة بيتك تقدر بستين متراً ، دخلك ثلاثة آلاف ، خمسة آلاف بالشهر ، هذا عند الغني لا شيء ، صفر ، قد يكون هذا الفقير قلامة ظفره أُقسم لكم بالله تساوي أغنى أغنياء العالم ، قد تكون حاجباً مستقيماً ، وهناك مدير عام غارق في المعاصي والآثام ، وقبول الرشوة ، والمال الحرام ، هذا الحاجب الذي على بابه قلامة ظفره تعدل كل هؤلاء الأشخاص المنحرفين .
بطولة الإنسان أن يعرف موازين الله عز وجل :
عند الله موازين ، بطولتك أن تعرف موازين الله ، لذلك :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾
بمقاييس الدنيا الذي اشترى أرضاً قبل عشر سنوات ، والآن تضاعفت ثلاثمئة ضعف يقول لك : بيته بالجنة ، أي جنة هذه ؟ هل تستطيع أن تأكل أكثر من وجبة طعام واحدة ؟ أغنى أغنياء الأرض يأكل وجبة طعام ، ينام على سرير واحد ، يرتدي ثوباً واحداً ، هل يوجد غير هذا ؟ الدنيا محدودة لها سقف .
المؤمن إنسان سعيد لأنه آمن بالله تعالى :
(( عن عبيد الله بن محصن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
أي مؤمن مطمئن ، ليس ملاحقاً ، ليس مرتكباً أي خطأ حتى يكون عليه إذاعة بحث ، لو طرق بابه ليلاً : من الطارق ؟ إذا شخص مطلوب وطرق بابه الساعة الثانية ليلاً يموت من الخوف ، ليس مطلوباً ، لا يوجد مذكرة بحث بحقه (( آمنًا في سربِهِ ، مُعافًى في جسدِهِ ))
النبي استيقظ مرة قال :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قام أحدُكم عن فراشِه ، ثم رَجَع إليه ، فلْيَنْفُضْه بصَنِفَةِ إزارِه . ثلاثَ مَرَّاتٍ ، فإنه لا يَدْرِي ما خَلَفَه عليه بعدَه ، وإذا اضْطَجَع فلْيَقُلْ : باسْمِكَ ربي وضعتُ جَنْبِي ، وبك أَرْفَعُه ، فإن أَمْسَكْتَ نفسي فارْحَمْها ، وإن أَرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ به عبادَك الصالحينَ . فإذا استيقظ أحدُكم فلْيَقُلْ : الحمدُ للهِ الذي عافانِي في جَسَدِي ، ورَدَّ عَلَيَّ رُوحِي ، وأَذِنَ لي بذِكْرِه. ))
فالمؤمن سعيد جداً ، فلذلك النقطة الدقيقة أن الإنسان حينما يبتعد عن الله تصبح مقاييسه مادية ، قال سيدنا علي : " قيمة المرء متاعه"
فهؤلاء المنافقون ومرضى القلوب قال : ﴿ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ﴾
أيها الإخوة الكرام ، لنا أيضاً وقفة متأنية مع هذه الآية ، أنا لعلي أطلت في التقديم أن من هو المنافق ؟ هو إنسان بينَ بين ، المؤمن واضح والكافر واضح ، والمؤمن التعامل معه سهل جداً ، عنده منهج يمشي عليه ، والكافر أوضح ، قال لك : أنا الآخرة ألغيتها من حياتي ، مقياسه كله مادي ، أما هذا الوضع الوسط لا تعرفه مؤمناً ، لا تعرفه كافراً ، لا تعرف هل هو مع المؤمنين أم مع الكافرين ؟ هذا الوضع خطير جداً ، أسأل الله جلّ جلاله أن ينقذنا من حال أهل النفاق .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين