وضع داكن
23-11-2024
Logo
الدرس : 16 - سورة الأنفال - تفسير الآيات 46 - 48 ، مراعاة المصالح العامة للمسلمين - عدم الإصغاء للشيطان
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

مهما جمع الإنسان من ثمار الطاعة فلن يحصيها :


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس السادس عشر من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية السادسة والأربعين وهي قوله تعالى : 

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

العبرة في طاعة الله . 

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

النجاح كل النجاح ، والفوز كل الفوز ، والتفوق كل التفوق ، والتألق كل التألق  في طاعة الله ، تطيع من ؟ تطيع خالق السماوات والأرض ، تطيع من ؟ القوي ، الغني ، الحكيم ، الرحيم ، الذي بيده ملكوت السماوات والأرض ، الذي :

﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) ﴾

[  سورة يس  ]

أنت في قبضته ، وأهلك في قبضته ، ومن حولك في قبضته ، ومن فوقك في قبضته ، ومن دونك في قبضته ، إن أطعته فزت فوزاً عظيماً . 

(( عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  : اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ . ))

[  أخرجه مالك ]

الخيرات ، مهما جمعت ثمار الطاعة لا يمكن أن تحصيها ، راحة نفسية ، راحة جسمية ، تيسير في أمور الدنيا ، تيسير تيسير ، توفيق توفيق ، يدافع عنك ، يدافع عنك ، تحس بمنعة ، تحس بهذه المنعة ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ أنت تعامل من ؟ تعامل خالق السماوات والأرض ، تعامل من إذا قال شيئاً كن فيكون ، زل فيزول ، كل شيء بيده ، أيعقل أن تتجه إلى غيره ؟ أيعقل أن تطيع بشراً وتعصي خالقاً ؟ أيعقل من أجل لعاعة من الدنيا تعصي الله عز وجل ؟ 

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي أطيعوا الله فيما جاء في القرآن من أوامر كلياً ، وأطيعوا الرسول فيما جاء بسنته من تفصيلات تبيينية ، هناك أوامر كلية في القرآن ، وهناك تفاصيل تبيينية في سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾   . . .

 

الدنيا تفرق والآخرة تجمع :


أيها الإخوة ؛ لكن يأتي نهي بعد هذا الأمر ، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا ﴾ ، الدنيا تفرق والآخرة تجمع ، الدنيا محدودة ، المكاسب محدودة ، الأموال محدودة ، الأعمال محدودة  ، المناصب محدودة ، الثروات محدودة ، فإذا أردنا الدنيا تقاتلنا ، وتنازعنا ، والذي يحصل في العالم صراع على الدنيا ، مرة على منابع النفط ، مرة على مصادر المياه ، مرة على الثروات ، مرة على أماكن الثروات الكبيرة ، يورانيوم ، ذهب ، كل هذا الذي تسمعونه من سياسات دولية وراء هذه السياسات المنافع .

قائد القوات في العراق قال قبل أشهر تصريحاً خالف فيه كل ما قيل ، قال : جئنا من أجل النفط فقط .

في بلد بإفريقيا تمّ قتل ثمانمئة ألف في راوندا ، في أسبوع ، سمعت تصريحاً لزعيم دولة كبرى عظمى في الغرب ، قال : كان بالإمكان أن نحقن دماء أربعمئة ألف ، لكننا لم نفعل ، لَمَ لم يفعل ؟ هناك لا يوجد نفط ، أما على توهم أسلحة شاملة ثلاثون دولة احتلت العراق .

إذاً النزاع على النفط ، على الثروات ، على مراكز النفوذ ، على السيطرة ، على المواقع الإستراتيجية ، هذا الصراع .

فالدنيا إن أردناها نتقاتل ، لكننا إن أردنا الآخرة نتعاون ، الدنيا تسع الجميع ، تسع كل الخلق ، تحقق كل الطموحات . 

(( عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر - ذلك لأن عطائي كلام ، وأخذي كلام - فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَه . ))

[ أخرجه مسلم  ]

 

تقنين الله تقنين تأديب لا تقنين عجز :


لا يمكن أن يكون تقنين الله تقنين عجز ، تقنين الله تقنين تأديب . 

﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)﴾

[  سورة الشورى ]

كنت في مدينة في البرازيل عندي محاضرة مساء ، تفقدت أخوةً كراماً كنت أنتظر حضورهم في المسجد فلم يحضروا ، سألت عنهم ؟ قال : نزل في هذه الليلة مئة وخمسون مليمتراً ، أي أمطار دمشق على مدى العام نزلت في ليلة واحدة ، فالطرق قطعت ، وارتفع الماء كان متراً في الطرقات ، فالله عز وجل إذا أعطى أدهش .

كنت في العمرة اقتنيت مجلة علمية رصينة ، فيها خبر أن سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة .

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) ﴾

[ سورة الحجر  ]

فإذا قلنا : هناك تقنين تقنينُ البشر ، تقنين الكهرباء ، تقنين عجز ، أليس كذلك ؟ لكن تقنين الله عز وجل تقنين تأديب .

لذلك : ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أطيعوا الله في كليات الدين في القرآن الكريم ، وأطيعوا الرسول في تفصيلات الدين ، في السنة المطهرة الصحيحة .

 

أنواع الاختلافات :

 

1 ـ الاختلاف الطبيعي :

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا ﴾   ، إخواننا الكرام ، هناك اختلاف وقد يوصف بأنه نزاع ، اختلاف طبيعي أساسه نقص المعلومات ، حينما نسمع في التاسع والعشرين من شعبان صوت مدفع نقول : لقد ثبت غداً رمضان ، يقول لك : لا ، يوجد صخرة في الجبل يشقون طريقاً من خلالها فجروها بلغم ، يا ترى صوت المدفع مدفع رمضان أم تفجير صخرة بالجبل ؟ صار هناك نزاع ، صار هناك خلاف ، بنقص المعلومات ، فإذا فتحنا الإذاعة ، وجاء البلاغ الذي يؤكد أنه ثبت أن غداً أول شهر رمضان انتهى النزاع ، كنا في نزاع فانتهى النزاع ، كنا في خلاف فانتهى الخلاف ، الخلاف الطبيعي لا يمدح ولا يذم ، خلاف طبيعي أساسه نقص المعلومات ، فإذا جاءت المعلومات انتهى الخلاف . 

2 ـ الاختلاف القذر :

لكن الخلاف القذر :

﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)﴾

[ سورة الشورى  ]

جاء العلم ، اختلاف بغي ، اختلاف عدوان ، اختلاف مصالح ، اختلاف أهواء ، اختلاف رئاسة ، مناصب ، ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾ ، هذا اختلاف قذر .  

3 ـ اختلاف المصالح :

بصراحة الإسلام ديننا جميعاً ، إلهنا واحد ، نبينا واحد ، قرآننا واحد ، سنتنا واحدة ، تاريخنا واحد ، لِمَ الخلاف بين الجماعات الإسلامية ؟ صدقوا ولا أبالغ خلاف مصالح ، خلاف تحزبات ، خلاف أنا ، خلاف أهواء ، وما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، ينبغي أن تنتمي لمجموع المؤمنين أي أخ لك في الله أخ حبيب ، من أي جماعة ، والدليل :

﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[ سورة الحجر ]

يا محمد ، يخاطب الله النبي الكريم : 

﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾

[ سورة الشعراء ]

الآية الثانية : ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ عامة ، أنت تحب أخوان جامعك طبعاً ، نحن أسرة ، أسرة إن شاء الله ، هناك ود ،  ومحبة ، وتعاون ، وتعاطف ، وتناصح ، و تزاور ، وبذل ، طبعاً شيء طبيعي جداً أن تحب أخوة المسجد ، وينبغي أن تحب أي أخ في الله ، من أي جماعة ، هذا الدين ، يجب أن تشعر أنك أخ لكل المؤمنين ، لكل الجماعات ، هذا ينبغي أن يكون .

 

أي إنسان صحت عقيدته واستقام سلوكه علينا احترامه وتقديره :


إخواننا الكرام ، كلام دقيق جداً ، هناك جماعات تتصور أن الإسلام هو خط رفيع  ، هو الخط الذي هم عليه ، فأي خروج عن هذا الخط ولو لميليمتر خرج عن الدين ، هذا أخطر شيء في حياة الجماعات الإسلامية ، كل جماعة تتصور أنها هي الإسلام وحدها ، وهي تمثل خطاً رفيعاً ، وأي آخر خرج عن هذا الخط ميليمتراً خرج عن الدين ، الحقيقة أن الإسلام شريط عريض ، هناك يمين ، وهناك يسار .

أنا أذكر مرة زارنا عالم جليل في مسجد العثمان ، أجلسته مكاني ، وتمنيت عليه أن يلقي على إخواني درساً ، وصلى بنا العشاء ، بعد فترة جاء عالم في الطرف المقابل لهذا ، أجلسته مكاني ، وتمنيت عليه أن يلقي على إخواني درساً ، وصلى بنا العشاء ، ودعا لنا ، أعلمت إخواني أنني أحترم هؤلاء جميعاً ، وأقدرهم جميعاً ، أي إنسان صحت عقيدته ، واستقام سلوكه فهو أخي وحبيبي ، أي باتجاه معين ، باتجاه آخر ، هذا كله على العين والرأس ما لم يعتقد عقيدة باطلة ، ما لم يسلك سلوكاً منحرفاً أنصحه ، نتعاون فيما اتفقنا ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا .

فلذلك أيها الإخوة ، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا ﴾ لا تنازعوا إن كان الهدف الآخرة لِمَ التنازع ؟ فضل الله عز وجل يسع الجميع ، يسع الكل ، (( لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر - ذلك لأن عطائي كلام ، وأخذي كلام - فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَه )) .

 

التنازع بين أفراد الأمة الإسلامية أضعفها مع أنها تتربع على أهم مكان في العالم :


﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ الفشل هو الضعف ، والفشل هو الجبن ، تصور أمة تتربع على أهم مكان في العالم ، الشرق الأوسط ، تعد - مع من دخل في الدين الإسلامي معها مليار وخمسمئة مليون - ربع سكان الأرض ، النفط كله عندهم ، والثروات عندهم ، والذهب عندهم ، واليورانيوم عندهم ، والفوسفات عندهم ، عندهم ثروات لا يعلمها إلا الله ، يتربعون على منطقة بالتعبير المعاصر إستراتيجية ، ملتقى القارات الثلاثة ، عندهم أعماق إستراتيجية ، أعماق بعيدة ، هذه الأمة بدل أن تكون أقوى أمة أضعف أمة ، بسبب الخلاف ، بسبب التنازع ، حرب استمرت بين دولتين إسلاميتين ثماني سنوات ، وفي مؤتمر الدول الصناعية صار هناك تلاسن بين دولة صناعية كبرى في أوروبا وبين دولة صناعية كبرى في أمريكا ، فهدد الثاني الأول ، بماذا هدده ؟ بإيقاف حرب العراق ، ثماني سنوات ، دُمر كل شيء ، ونحن بحاجة إلى أن نشتري كل شيء من عندهم ، هدد زعيم دولة غربية بعيدة الدولة الأوربية بإيقاف حرب العراق ، بين العرب واليهود الحرب ست ساعات فقط ، بين دولتين إسلاميتين ثماني سنوات ، أرأيتم ؟ 

أيها الإخوة ، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾   ، أي تضعفوا ، نختلف مع بعضنا ، نحتكم إلى دول غربية ، تأتي قواتها وتحتل أرض خمس دول إسلامية ، تذهب الثروات وانتهى كل شيء ، النزاع حُلّ على حساب الطرفين معاً . 

 

الغرب وضعنا جميعاً في سلة واحدة فينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد :


أيها الإخوة ، ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا ﴾ والله أيها الإخوة أتصور الآن أن طرح أي قضية خلافية يُعد جريمة ، لأن الغرب وضعنا جميعاً في سلة واحدة ، فينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد ، والله بإمكان أي داعية أن يدعو إلى الله لخمسين عاماً قادمة في المتفق عليه فقط ، في الملتقيات ، في التقاطعات ، فيما لا حرج فيه إطلاقاً ، يمكن أن تغفل أي قضية خلافية ، وأن تركز على القضايا المتفق عليها ، كيف أن الشجرة لها جذع واحد موحد ، وهناك فروع ، وهناك أغصان ، أما لو بقينا في الجذع فنحن أمة واحدة .

لذلك ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ تضعفوا ، لا أنسى مرة كنت في بلدة في ألمانيا ، سرنا في طريق ، قال : هنا هولندا ، ثقافتنا نحن كأمة عربية ، هناك حدود ، و سدود ، وأمن عام ، وبطاقات ، ورسم دخول ، وانتظار ساعة ، وبطاقة السيارة ، كم إجراء تجريه إذا انتقلت من بلد عربي إلى بلد عربي ؟ هناك جواز ، هناك تفتيش دقيق ، ووثائق ، وثبوتيات ، قال لي : هنا هولندا ، ما هذا الكلام ؟ أنا والله ما صدقت ، لا يوجد لوحة ؟ لوحة صغيرة ، هولندا ؟ أبداً ، ولا لوحة .

كنت مرة بمدينة بفرنسا بعد الظهر قال : هنا ألمانيا ، لا يوجد حد ولا شيء ، أوروبا بأكملها عملة واحدة ، اقتصادهم واحد ، ناطق واحد باسمهم جميعاً ، تصور أن يكون إنسان واحد ينطق باسم مليار وخمسمئة مليون ، ربع سكان الأرض ، ما مركزه ؟ هذا من ضعفنا ، من تفرقنا ، من تشرذمنا ، من تنازعنا ، من تفرقنا . 

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ كل ثرواتنا لا نملكها ، كل مواقعنا لا نملكها .

أنا أذكر مرة في حرب الخليج الثانية سارت مسيرات في الأرض أقل مسيرة مليون إنسان تناهض الحرب الثانية ، ولم يعبأ هؤلاء الأقوياء بكل هذه المسيرات ، وتمت الحرب واُحتلت العراق ، أليس كذلك؟ 

 

من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم :


إخواننا الكرام ، أنا أتكلم من واقع ، هذا القرآن لنا ، هذا القرآن كتاب حياتنا ، هذا القرآن فيه حل مشكلاتنا . ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ ، بل أدق من ذلك في التعامل اليومي إذا عزّ أخوك فهن أنت ، أخوك تفوق كن معه ، كن في صحبته ، كن في خدمته ، ولو كنت مثيله ، إذا عزّ أخوك فهن أنت  ، ما لم نغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لن نوفق في حياتنا ، ما لم نحمل همّ المسلمين ، ما لم تشعر أن هؤلاء المسلمين جميعاً إخوانك ، ينبغي أن تفرح لما يسعدهم ، وأن تتألم لما يؤلمهم ، ما لم تسهم في التخفيف عنهم ، ما لم تسهم في إسعادهم فلست مؤمناً ، من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ على مستوى أسرة ، على مستوى شركة ، على مستوى وزارة ، على مستوى مؤسسة ، على مستوى جامعة ، على مستوى مستشفى ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ هذا الكلام موجه لكل واحد منا ، أنت وأخوك بالبيت لا تتنازعوا ، تعاونوا ، أنت وصديقك ، أنت وشريكك ، أنت وصاحبك ، أنت وجارك ، أنت وزميلك ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ أنت وإخوانك ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾  ، توجيه إلهي من عند الخالق ، من عند الخبير .

ماذا يقابل ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا ﴾ في الدول القوية ؟ مفهوم فريق العمل ، فريق العمل نحن أسرة ، ينبغي أن نتناصح ، أما الذي يحصل في بلاد نامية تجد موظفاً دخل جديداً للشركة ، كل أخطائه غير المقصودة تنقل للمدير العام ، هكذا فعل ، هكذا عمل ، يأتيه التنبيه والتعنيف تجده ينكمش ، يخاف أن يتحرك ، لا يفعل شيئاً ، كان عنده حركة ، قد تنمو هذه الحركة ، بهؤلاء الذين حطموه أمام مدير المؤسسة جعلوه ساكناً ، هذا مفهوم التنافس . 

 

علامة إيمانك التعاون لا التنافس :


أقول لكم بإخلاص : علامة إيمانك التعاون لا التنافس ، التناصح لا تسجيل الأخطاء ، تحب المصلحة العامة اتصل به هاتفياً ، قل له : هذه الفكرة أتمنى أن تراجعها ، صوابها كذا ، وأسأل الله أن يلهمك الصواب ، فقط ، ففي الأسبوع القادم يقول لك : والله أنا تكلمت كلاماً ووجدت الصواب بخلافه ، انتهى الأمر ، أما يقول : لا ، أنا لا أنصحه ، ليس هذا سلوك المخلصين ، نحن أمة واحدة ينبغي أن نتعاون .

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا ﴾ لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، مستحيل ، لأن الحق لا يتعدد ، الحق واحد ، بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، لو حاولت أن ترسم مليون مستقيم كلها تأتي فوق بعضها بعضاً ، الحق واحد . 

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ الباطل متعدد ، الحق واحد .

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾

[ سورة البقرة  ]

النور مفرد ، لأن الحق واحد ، والظلمات جمع ، ما قال : من الظلمات إلى الأنوار ، وما قال : من الظلمة إلى النور ، ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ ، بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، أما يمر مليون خط منحن ، مليون خط منكسر ، فالباطل متعدد ، أما الحق فواحد .

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ فالحرب بين حقين لا تكون  ، وبين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، وبين باطلين لا تنتهي – راحت مع العمر - بين حق وباطل لا تطول ، بين باطلين تطول ، تطول كثيراً ، لا تنتهي ، وبين حقين لا تكون ، فإذا إنسان وجد منازعة من مؤمن إذاً هناك واحد على خطأ ، لابدّ . 

(( عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  : ما توادَّ اثنانِ في اللهِ فيُفَرَّقُ بينهما إلَّا بذنْبٍ يُحْدِثُهُ أحدُهما  . ))

[  صحيح الجامع أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد))  ]

 ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾   . . .

 

على كل مسلم أن يكون مع أخيه يعاونه لا ينافسه :


إخواننا الكرام ، يوجد بالقرآن ريح ، و يوجد رياح ، الرياح جمع ، إن كان هناك رياح من جهات عديدة تكون رياحاً ، متوازنة ، معتدلة ، هادئة ، أما إذا جمعت الرياح كلها في جهة واحدة أصبحت ريحاً مدمرة ، هناك ريح سرعتها ألف كيلو متر تدمر كل شيء ، يأتي إعصار على بلدة لا يبقي فيها حجراً فوق حجر ، قل : مئة وخمسة وعشرون ، تقتلع الأشجار ، الجدران تسقط أحياناً ، فكل سرعة لها تدمير ، أما الريح إذا اجتمعت الرياح في جهة واحدة ، ونحو هدف واحد تدمر كل شيء .

قال : ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ تذهب قوتكم ، تصور ملياراً وخمسمئة مليون معهم نفط العالم ، معهم ثروات طبيعية ، معهم موقع إستراتيجي ، تصور هم أمة واحدة ، لهم قيادة واحدة ، واحد ينطق باسمهم جميعاً ، التصريح الواحد من هؤلاء يهز العالم كله ، أما عشرات الدول متصارعة ، متحاربة ، الدماء تسيل بين المسلمين ، يومياً يوجد خمسون قتيلاً ، وثمانون جريحاً ، ثمانية عشر قتيلاً وخمسون جريحاً ، يومياً ، أحياناً في اليوم مرات عديدة . بين المسلمين .

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ ينبغي أن تصبر ، أن تصبر على أخيك ، أخوك تفوق كن معه ، أعنه لا تنافسه .

 

ثمن الجنة تناقض الطبع مع التكليف :


أقول لكم هذه الحقيقة : الدعوة إلى الله ، الدعوة الخالصة فيها اتباع ليس فيها ابتداع ، الدعوة إلى الله الخالصة فيها تعاون ليس فيها تنافس ، الدعوة إلى الله الخالصة فيها قبول الآخر ليس فيها رفض الآخر ، الدعوة إلى الله الخالصة فيها قبول للنصيحة الدعوة إلى الذات فيها رفض للنصيحة .

بالمناسبة الإنسان عنده طبع ، ومعه تكليف ، والطبع يتناقض مع التكليف ، ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة ، الطبع أن تأخذ المال ، والتكليف أن تنفقه ، يوجد تناقض ، التكليف أن تستيقظ على صلاة الفجر ، والطبع أن تبقى نائماً ، الطبع أن تملأ عينك من محاسن المرأة ، والتكليف أن تغض البصر ، من تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة. 

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾

[  سورة النازعات  ]

 

الطبع فردي والتكليف تعاوني :


الآن استمعوا ؛ الطبع فردي ، والتكليف تعاوني .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[ سورة المائدة  ]

التكليف تعاوني ، والطبع فردي ، فأنت تؤكد فرديتك ، وتبني مصلحتك على حساب الأمة ، إذا كنت بعيداً عن الله ، فإذا كنت مع الله تؤثر التعاون على الفردية ، فكل إنسان يتحرك إما بقيمه أو بطبعه ، من ملأ عينه من محاسن امرأة في الطريق ، تحرك بهذه النظرات من خلال طبعه ، ومن غضّ بصره عن محارم الله تحرك من خلال مبادئه وقيمه .

أبسط مثل : من أخذ المال من أي وجه حلال أو حرام تحرك وفق طبعه ، من عفّ عن المال الحرام ، وأنفق هذا المال في سبيل الله ، تحرك في مبادئ إسلامه وقيمه ، فأنت إما مع الطبع ، أو مع التكليف ، التكليف مبادئ وقيم ، والطبع سجية .

 

العالم الغربي يخلق بؤراً ليغتني ويبني مجده على مشكلات أهل الأرض :


لذلك ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ ما سبب التنازع ؟ الفردية ، الإنسان فردي ، يحب أن يتميز ، يحب أن يكون مهماً ، أن يشار إليه بالبنان ، وقد يصل به الأمر أن يبني مجده على أنقاض الآخرين ، أن يبني غناه على فقرهم ، أن يبني عزه على ذلهم ، أن يبني قوته على ضعفهم ، أن يبني كرامته على إذلالهم ، أن يبني مجده على أنقاضهم ، الطبع ينتهي إلى هذا ،  العالم كله الآن عشرة بالمئة من سكان الأرض يملكون تسعين بالمئة من ثروات الأرض ، ومع ذلك هناك صراع لا ينتهي ، والله الذي ينفَق على الأسلحة لو أُنفق في إعمار الأرض لكان أهل الأرض جميعاً في بحبوحة ، مليارات ، صاروخ ثمنه اثنان ونصف مليون دولار ، يطلق عشرون صاروخاً قد لا يصيب ولا واحد ، اضرب عشرين باثنين ونصف مليوناً ، الإنفاق على التسليح إنفاق فلكية ، لذلك عدوا عقود السلاح عقود إذعان لا عقود تراض ، أحياناً بمئة ضعف ، بمئة ضعف السعر عن الكلفة ، عقود إذعان .

لذلك أربح تجارة في الأرض السلاح والمخدرات ، المخدرات من مكان الزراعة إلى مكان البيع ألف ضعف ، الليرة تصبح ألف ليرة ، من مكان الزراعة إلى مكان البيع ، فلذلك المخدرات تجارة رابحة جداً ، والسلاح كذلك .

لذلك مرة دولة عظمى كلفت ثلاثين عالماً أن يقبعوا في مكان جميل ليجيبوا الحكومة عن سؤال ، أيهما أفضل لهذه الدولة العملاقة الحرب أم السلام ؟ فكان الجواب : الحرب ، بالحرب يصير عقود إذعان ، تبيع أنت البضاعة مع التنافس ، بالمئة عشرة ، عشرون ، ثلاثون ،  أقصى ربح ثلاثون بالمئة ، أما بالمئة ألف لا يوجد إلا بالسلاح .

لذلك العالم الغربي يخلق بؤر توتر في العالم ، هناك بؤرة بين الهند وباكستان "كشمير" ، هناك بؤرة السودان ، هناك بؤرة في الشرق الأوسط ، في كل منطقة هناك بؤرة توتر ، هذه البؤرة تستدعي شراء مئات الدبابات ، وقد تُدمر في حرب واحدة ، دبابات وطائرات ، لذلك الغرب يغتني على مشكلات أهل الأرض ، سياسته بيع السلاح ، والسلاح بيعه بيع إذعان ، لا يوجد بالسعر مساومة أبداً  ، يفرض سعراً ، طائرة مئة مليون ، رقم فلكي تسقط بصاروخ واحد ، فلذلك قضية خلق بؤر توتر في العالم هذه سياسة بعيدة جداً ، بؤرة في الشرق الأوسط "فلسطين" ، بؤرة بين الهند والباكستان ، بنغلادش ، بؤرة في السودان ، بؤرة هنا ، في أي مكان هناك بؤرة توتر ، تستدعي شراء أسلحة ، وتدمير أسلحة ، والغرب يعيش في بحبوحة تفوق حدّ الخيال ، أما آن أن نصحو من غفلتنا ؟ 

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ تذهب قوتكم ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ . .

 

النبي الكريم جاء بمكارم الأخلاق وطاعة الله عز وجل :


﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾  ، قريش بلغهم أن سرية من المسلمين توجهت إلى قافلتهم التي حُملت بالبضائع ، أبو سفيان توجه بها إلى ساحل البحر ، فخرجت قريش من أجل الدفاع عن هذه القافلة .

﴿ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً ﴾  بلغهم أن القافلة نجت ، أبو سفيان أخذها إلى البحر ،  ارجعوا ، لا ، نريد أن نقاتل محمداً ، من أجل أن تعلو مكانتنا في الجزيرة ، من أجل أن ترهبنا القبائل . 

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ ﴾ السمعة ، نحن أقوياء ، نحن هنا ، نحن أقوى من محمد وأصحابه ، القافلة نجت ، وانتهى الأمر ، لا ، ﴿ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ بماذا جاء به محمد عليه الصلاة والسلام ؟ جاء بطاعة الله ، جاء بمكارم الأخلاق . 

(( وإنما بعثت معلماً . ))

[ ضعيف  .أخرجه الدارمي ( 1 / 99 ) من طريق عبد الله بن يزيد ]

(( عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ و في روايةٍ ( صالحَ ) الأخلاقِ.))

[ أخرجه البزار ]

﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ . .

 

الشيطان يورط الإنسان ويغريه بمعصية كبيرة ونتائج كلها وهمية :


﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ(48)﴾

[  سورة الأنفال ]

هذه النقطة الدقيقة : 

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)﴾

[ سورة إبراهيم  ]

ما لي عليكم سلطان أبداً ، إلا أنني وسوست لكم ، ﴿ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ ، ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ﴾ أنا معكم ، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ ، إذاً الشيطان يوسوس من أجل أن تتورط ، فإذا تورطت في معصية يقول لك : إني أخاف الله رب العالمين ، هذا بالتعبير اليومي مقلب كبير جداً ، وقعت في فخه ، هذه من فخوخ الشيطان يغريك بالمعصية ، يسهلها لك .

مرة سبعة أشخاص ائتمروا على قتل صائغ ، في بلدة قريبة من دمشق ، قتلوه ووضعوه في بئر وأخذوا مركبته مع عدد من الأوزان الكبيرة من الذهب ، أذكر بعد ثلاثين أو أربعين يوماً تمّ إعدامهم في المكان نفسه ، حينما أقدموا على هذا العمل بماذا زين لهم الشيطان أعمالهم ؟ تنجون من العقاب ، أليس كذلك ؟ ممكن إنسان يرتكب جريمة سرقة وهو يعتقد جازماً أنه سيقبض عليه ويودع في السجن ؟ مستحيل ! لا يوجد إنسان يرتكب جريمة سرقة أو قتل إلا وفي تخطيطه أنه سينجو ، الشيطان يورط ، يغريك بمعصية كبيرة ، يعطيك نتائج كلها خيالية وهمية ، بعد التورط يأتي العقاب ، هذا من عمل الشيطان ، إذا جاءك خاطر يتناقض مع منهج الله قل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾

[ سورة يوسف  ]

 

من جاءه خاطر يتناقض مع منهج الله فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم :


إخواننا الكرام ؛ بصحيفة دمشقية سائق صعدت امرأة إلى مركبته ، مركبة عامة ، سألها : إلى أين ؟ قالت له : خذني إلى أين تشاء ، رآها مغنماً كبيراً ، بعد أن قضى حاجته منها أعطته رسالتين ، رسالة فيها مبلغ مزور أودع السجن ، والثانية فيها سطر واحد مرحباً بك في نادي الإيدز ، لو كان مؤمناً يركلها بقدمه ، عندما قالت له : خذني إلى أي مكان تشاء يركلها بقدمه ، فلما رأى هذا مغنماً ، الشيطان وسوس له ، رآه مغنماً كبيراً فأصيب بمرض الإيدز ، وأودع السجن ، أنا قرأتها في صحيفة دمشقية قبل سنوات عديدة .

الشيطان هكذا يغريك بالمعصية ، يزينها لك ، يعتم عليك النتائج كلها ، فإذا وقعت في الفخ يقول لك : ﴿ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ هذا مقلب كبير جداً فكن صاحياً .

أيها الإخوة الكرام ، في درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الآيات .


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور