- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (008)سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الغنائم من نتائج أي نصر وهي ما يؤخذ من العدو عقب الحرب :
أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الرابع عشر من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الواحدة والأربعين وهي قوله تعالى :
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)﴾
أيها الإخوة؛ ذكر الله الغنيمة بعد أن ذكر النصر ، من نتائج أي نصر الغنائم ، والغنائم ما يأخذه المؤمنون من منقولات من عدوهم عقب المعركة .
أيها الإخوة؛ لم تكن الغنائم لتكون محللة لأي نبي قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(( عن جابر بن عبد الله أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ : أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي : نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا ، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ ،وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي ، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً . ))
والغنيمة ما يؤخذ من العدو عقب الحرب ، لكن العلماء كأنهم صنفوا الآخر أصنافاً ثلاث ، هناك إنسان آخر مسلم ، له ما لك ، وعليه ما عليك ، هناك إنسان مستأمِن أي دولة غير مسلمة لكن بيننا وبينها معاهدات ، هناك تمثيل دبلوماسي ، وسفراء ، هذه دولة مستأمِنة ، وكل إنسان يأخذ من هذه البلاد الأجنبية بضاعة ولا يؤدي ثمنها فهو سارق ، لا أتكلم من فراغ ، أتكلم من اجتهاد بعض الجهلاء ، من أن هؤلاء ليسوا مسلمين ، مالهم حلال لنا .
ألا تذكرون أن النبي عليه الصلاة والسلام معه ودائع المشركين ، فلما هاجر أبقى ابن عمه علياً - رضي الله عنه - وقد عرضه للقتل من أجل أن يؤدي الأمانات إلى أهلها .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
المسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده :
كل إنسان يفكر أن يأخذ مالاً من غير مسلم أنا أرى أن عقابه مضاعف ، لأنه ما أساء إلى هذا الإنسان بل أساء إلى دينه ، فرق كبير بين أن تسيء إلى مسلمفيقول : فلان أساء إليّ ، وبين أن تسيء إلى غير مسلم فيقول : المسلمون ليسوا على حق ، بين أن تسيء إلى إنسان ، وبين أن تسيء إلى دينك ، والمسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده .
مرة أخ كان ببلاد بعيدة ، واشترى بضائع بخمسة آلاف دولار ، قال لي : لم أدفع ثمنها لأنهم كفار ، أنت تسيء إلى المسلمين عامة ، هؤلاء مستأمنون ، يوجد علاقات ، و سفراء ، وسفر ، ومعاهدات ، واتفاقيات ، والمسلمون مسلمون لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، أما هؤلاء الذين احتلوا بلادنا - اليهود - واحتلوا أرضنا ، واغتصبوا كل ما عندنا ، لو وقعت حرب بيننا وبينهم عقب الحرب إذا انتصرنا - إن شاء الله - الأموال المنقولة التي بأيدينامن أموالهم حلال لنا ، هذه غنائم ، والنبي عليه الصلاة والسلام أحلت له الغنائم .
رفض الشرع أخذ أموال الدول غير الإسلامية التي بيننا وبينها معاهدات:
عندنا دار حرب ، ودار أمان ، ودار إسلام ، كم دار ؟ ثلاثة ، دار الحرب مع الأعداء الذين يحاربوننا .
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ
لكن :﴿ وَلَا تَعْتَدُوا ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
إنك إن عدلت معه قربته إلى الله ، إن عدلت معه قربته إليك .
من أساء إلى غير المسلمين أساء إلى الإسلام كله:
والله أخ كريم من إخوتنايعمل في مكان ، على رأس هذا المكان إنسان بعيد عن الدين بعد الأرض عن السماء ، يقول هذا الأخ : لا أتصور في حياتي أن يأتي إلى مسجد ، مرة قدم له إجازة ستة أيام فغضب ورفض ، قال له : هذه الأيام الست أنا استهلكتها في صلاة الظهر خلال شهرين ، فلئلا آكل مالاً حراماً قدمت لك إجازة ستة أيام تساوي صلاة الظهر إلى جانب الدائرة ، قال له : أنت من أي جامع ؟ قال له : من الجامع الفلاني ، أقسم لي بالله الأسبوع الثاني كان أحد رواد المسجد ، هذا الإسلام إلى هذه الدرجة بالدقة؟ تحاسب نفسك عن ربع ساعة جمعتهمبستة أيام وقدمت إجازة فيهم؟
عبد الله بن رواحة ذهب إلى يهود خيبر ليقيّم تمرهم بحسب اتفاقية سابقة ، أغروه بحلي نسائهم ،فقال :" جئتكم من عند أحبّ الخلق إليّ ، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير ، ومع ذلك لن أحيف عليكم ، فقالت اليهود : بهذا قامت السماوات والأرض ، وبهذا غلبتمونا "
تقول لي : هذا مال إنسان غير مسلم ؟ مال غير المسلم حرمته أشد ، لماذا ؟ لأنك إذا أسأت إليه يتهم الإسلام كله .
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
الغنائم فقط ، الأموال التي تنقل عقب حرب المسلمين مع أعدائهم فقط ، أما بلاد غير إسلامية ، لا تدفع الثمن ، تحتال عليهم ، هذه أشياء لا يمكن أن تكون مقبولة إطلاقاً .
بالأخلاق يصل الإسلام إلى أطراف الدنيا :
أقول لكم هذه الكلمات : والله الذي لا إله إلا هو لو أن المسلمين المقيمين في بلاد الغرب أقاموا الإسلام تماماً ، طبقوا منهج الله ، لكان موقف الغرب من المسلمين غير هذا الموقف ، ولو فهم الصحابة الإسلام كما نفهمه نحن والله ما خرج من مكة ، الإسلام مبادئ ، الإسلام قيم .
صحابي أثناء الهجرة ألقى عليه الكفار القبض ، قال : أطلقوني ، عهداً لله إن أطلقتموني لن أحاربكم ، فأطلقوه ، حدث النبي عليه الصلاة والسلام ، وفرح به النبي الكريم أشد الفرح ، بعد سنتين هناك غزوة ، جهاد ، فانضم إلى المسلمين ، رآه النبي فقال له : ارجع ! ألم تعاهدهم ؟
هذا دين ، بالأخلاق يصل الإسلام إلى أطراف الدنيا ، وبالاحتيال ، والازدواجية ، والمعايير المتنوعة ، هذا يبعد الناس عن الدين ، وإذا صحّ أن هناك من يخرج من دين الله أفواجاً بسبب سوء معاملة المسلمين .
إذاً أخواننا الكرام ، ليس مسموحاً لإنسان أن يأخذ أي مال من غير مسلم إلا إذا كان عدواً محتلاً ، مغتصباً ، عقب حرب ، أنا أتكلم هذا الكلام لا من فراغ ، من قصص كثيرة جداً سمعتها ، من أناس متشددين لا يعلمون حقيقة الدين ، يأخذون ما ليس لهم من غير المسلمين ، هذا حرام بل حرمته أشد لأنك بهذا تسيء إلى دينك .
(( عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه . ))
من معاني هذا الحديث : من سلمت سمعة المسلمين من لسانه ويده .
أحد أسهم الغنائم الخمسة لله وللرسول لنشر الدين وتعزيز سنة رسول الله :
أيها الإخوة ، ذكر الله الغنيمة بعد النصر ، لكن يوجد ملمح ، عندما أنت قدمت امتحان الشهادة الثانوية يقول لك أبوك : أنا أختار لك الطب البشري بدل الهندسة ، وكأنه نجح ، مع أن النتائج لم تعلن بعد ، حينما يحدثه أبوه عما بعد النجاح ،وكأن هذا الحديث تفاؤل له بالنجاح ، فالحديث عن الغنائم تطمين من الله عز وجل للمؤمنين أنكم سوف تنتصرون:
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
هذه الغنائم خمسة أخماس ، خمسها لله ، وللرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، كم سهم ؟ ستة ، هذا الموضوع عند العلماء خلافي ، لأن بعضهم ارتأى أن لله وللرسول سهم واحد ، و﴿ لِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَوَفِي سَبِيلِ اللَّهِ
بناء المعاهد ، بناء الجامعات ، مراكز إسلامية ، طبع كتب ، طبع أشرطة ، نشر هذا الدين ،﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
إذاً :﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾
على الإنسان أن يعطل عقله مع أوامر القرآن الكريم وما صحّ من السنة الشريفة:
﴿ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾
﴿ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ ﴾
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
نحن بالمؤتمرات أحياناً هناك قضايا لا تخضع للبحث والنقاش ، مسلمات ، وبحياة المؤمنين مسلمات ، من هذه المسلمات﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
لذلك إن آمنت بالله تستسلم لهذا التقسيم الرائع ، الخمس لله ورسوله سهم ، ﴿ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾
إنفاق الأموال في سبيل الله من أجل تمكين الدعوة إلى الله ونصرة دينه:
أخواننا الكرام ، مرة ثانية حينما ذكر الله مصارف الزكاة :
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ
في سبيل الله من أجل نصرة دين الله ، من أجل الدعوة إلى الله ، من أجل إقامة المعاهد والمدارس التي يبنى فيها الإنسان بناء إيمانياً .
لذلك يمكن أن يدفع من مال الزكاة لبناء المعاهد الشرعية ، من أجل تعزيز هذا الدين وتمكين مبادئه وقيمه .
أيها الإخوة؛ للتقريب ، النبي عليه الصلاة والسلام قُبيل معركة بدر أصدر أمراً لأصحابه قال : لا تقتلوا عمي العباس ، هناك صحابي سمع الكلام وفكر فيه ، قال : أحدنا يقتل أباه وأخاه وينهانا عن قتل عمه ؟ عمه العباس في مكة ، غلب على ظنه أو على وهمه أن النبي محاباة لعمه نهانا عن قتله ، ثم تبين أن العباس عم رسول الله كان في مكة مسلماً ، وكان عين النبي على أهل مكة ، فكل أخبارهم ، وكل قراراتهمواتفاقاتهم تنقل إلى النبي فوراً عن طريق عمه المسلم خفية .
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ
أي عمه العباس كتم إسلامه عن أهل قريشوهو معهم ، فكل قرار يتخذونه ينقله إلى النبي ، إدارة النبي إدارة ذكية جداً ، فالنبي قال : لا تقتلوا عمي العباس ، الآن حللوا ؛ لو لم يقل : لا تقتلوا عمي العباس والعباس مسلم ، وأصحابه لا يعلمون ذلك ، لقتلوه أثناء المعركة ،لو لم يقل ، لو قال : عمي العباس مسلم لا تقتلوه كشف أمره ، وانتهت مهمته ، لو العباس ما اشترك في المعركة لانكشف أيضاً ، إذا لم يشترك انكشف ، وإذا النبي ذكر أنه أسلم ينكشف ، وإذا النبي سكت يُقتل ، فالنبي الكريم مضطر أن يقول فقط : لا تقتلوا عمي العباس ، هذا الصحابي الذي قال في نفسه : أحدنا يقتل أباه و أخاه في الحرب وينهانا عن قتل عمه؟! هذا الصحابي يقول : ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله .
الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وينطق بوجود الله ووحدانيته :
أرأيت إلى هذا الكون البديع ؟ هذا الثابت الأول ، هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ،يوجد حكمة ،يوجد علم ،يوجد قوة ،يوجد رحمة ، هذا الكون ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، فهذا الإله العظيم حينما يقول لك : افعل كذا ، ولا تفعل كذا ، هذا ينبغي أن تأخذه ، والكون يشهد لله عز وجل حكمته ، وعلمه ، ورحمته، فلذلك الملمح الدقيق بالآية :﴿ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ ﴾
أنا قصة أرويها دائماً لأنها مؤثرة ، كنت أمشي في الطريق مرة في أحد أسواق دمشق ، طلبني أخ كريم ، وقال لي : أنت تخطب ؟ قلت له : نعم ، قال لي : هناك إنسان في السوق الفلاني نزل صباحاً إلى دكانه ليبيع ويشتري ، وقال لي سؤال أثناء الحديث : العمل أليس عبادة يا سيدي ؟ قلت : بلى عبادة ، فالعمل عبادة ، فنزل لهذه الدكان ليبيع و يشتري - هو تاجر قماش بسوق مدحت باشا - سمع إطلاق رصاص مدّ رأسه ليرى ما الأمر فجاءت رصاصة طائشة – هكذا سماها - فاستقرت في عموده الفقري فشُلّ فوراً ، قال لي : ما ذنبه ؟! جاء لمحله التجاري ليكسب رزق أولاده ما ذنبه ؟! قلت له : والله لا أعلم ، لكني مؤمن بحكمة الله وعدله ،هذه القصة كلام قاله لي وأنا اعتذرت عن الإجابة لأني لا أعلم التفاصيل ، لكنني مؤمن بعدل الله ، وحكمته ، ورحمته ، بعد عشرين يوماً بالضبط أحد إخوتنا الكراميحدثني حديثاً عادياً ، قال لي : أنا أسكن في الميدان ، وفوق بيتي جار مغتصب لبيت لأولاد أخيه الأيتام ، والاغتصاب دام طويلاً ، فما تركوا طريقة لطلب هذا البيت لكنه يرفض ، وكلوا أحد علماء دمشق ، هذا العالم التقى معه فرفض بقسوة أن يرد هذا البيت لأولاد إخوته الأيتام ، فلما رفض بعنف قال لهم بالضبط : هذا عمكم يا بني ، لا تشكُوه إلى القضاء هذا لا يليق بكم ، اشكُوه إلى الله ، هذه القصة وقعت الساعة التاسعة مساء ، في الساعة التاسعة صباحاً هو الذي له دكان في هذا السوق ، وسمع إطلاق الرصاص ، ومدّ رأسه ليرى ما الخبر ،فجاءت رصاصة غير طائشة ، رصاصة مصيبة فاستقرت في عموده الفقري وشُلّ فوراً .
والله من الطُّرف أن أخاً مقيماً في حلب تحت يديه بيت لأولاد إخوته ، سمع هذه القصة في الإذاعة فردّ البيت في اليوم التالي مباشرة ، الله كبير ، كبير الله عز وجل، رصاصة طائشة لا يوجد ، كل شيء ينطلق مسوم عليها اسم من تصيبه .
فهذا الصحابي قال : ظللت عشر سنين أتصدق رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله .
من كُشفت له الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء :
قال تعالى :﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾
مرة أخ جاءه مولود فيه أذية دماغية ، وأنا كنت معهأول طبيب ، الثاني ، الثالث ، الرابع ،قال له : هذا مصيره فقد بصر أو شللأو عته ، الأذية بالدماغ ، فأصابه همٌّ شديد ، قلت له : الإله العظيم الذي تعبده ، الإله العظيم الذي ترى عظمته من خلال هذا الكون هو الذي ساق لك هذه المصيبة ، ينبغي أن تقبلها، فأنت أحياناً لا يوجد معك تفاصيل ، لكن معك كليات ، هذا من فعل خالق السماوات والأرضلحكمة بالغة ، لذلك :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْوَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
ربما منعك فأعطاك ، وربما أعطاك فمنعك ، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ، أعطاك فمنعك ، أو منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء .
زوال الكون أهون على الله من أن تتقيه ثم لا ترى النجاح والتوفيق بكل شيء:
إخواننا الكرام ، كلام دقيق جداً ، كل واحد منكم وأنا معكم معنا آلاف القصص ، كل هذه القصص من آخر فصل ليس لها معنى ، وأنصحك ألا ترويها ، القصة التي تلوتها عليكم قبل قليل هذه من البدايات ، لماذا جاءت رصاصة طائشة على حدّ زعمهمفاستقرت في عموده الفقري فأصيب بالشلل؟ لأنه من عشر سنوات مغتصب بيتاً لأولاد أخيه الأيتام ، ولم يرعوِ ، ولم يستسلم لحكم عالم جليل ، هذه القصة تعرفها أنت من فصلها الأول الآن حتى فصلها الأخير ، إذا معك قصة من هذا النوع اروها للناس فقط ، أما أكثر القصص من آخر فصل ليس لها معنى ، تعمل إرباكاً ، لا تروِ قصة إلا إذا علمت كل فصولها .
والله أيها الإخوة ، أنا أعتقد أنه لا يوجد واحد منكم إلا ومعه بضع قصص ، من أول فصل إلى آخر فصل ، وتتجلى في هذه القصة رحمة الله ، وعدل الله ، وحكمة الله ، هذه القصة تكون درساً .
أيها الإخوة ، أحد علماء دمشق جاءه طالب علم ، قال له : أنا لا يوجد عندي بيت ، ودخلي لا يكفي طعامي وشرابي ، أنا متى أتزوج ؟ قال لي : ماذا أقول له ؟ قلت له :
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا
قال لي : هذه الآية أين تصرف ؟ ما معنى أتقي الله ؟ أنا أريد بيتاً الآن ، فيبدو أنه رفض لكن بعد حين فكر ، هذا عالم وقرأ قرآناً - هو يعمل موظفاً في محل تجاري - كيف يتقي الله ؟ كأن المحل محله كلما جاء زبون يعتني به ، يطيب له خاطره ، يعرض له كل شيء موجود ، يتلطف معه ، وفي العادة يقول : لا يوجد عندنا ، إذا زبون زودها يطرده ، لا علاقة له بالربح ، هو له معاش يتأخر ، لا يوجد إخلاص ، يقول هذا الشاب بعدما قال له هذا العالم :﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
أقسم لكم بالله يا أخوان زوال الكون أهون على الله من أن تتقي الله ثم لا ترى النجاح والتوفيق بكل شيء ، علاقتك مع الله ، اتق الله فقط﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
قدرة الله عز وجل:
لذلك أيها الإخوة ، الله عز وجل يقول :﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِيَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
المؤمنون على قلة عددهم وصبرهم واستقامتهم يغلبون الكفار بإذن الله :
أقرأ لكم قصة تابعة في المعنى لهذا الموضوع ، قال تعالى :
الآن دققوا :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾
إخواننا الكرام؛ ذكرت هذه القصة في القرآن من أجل آية واحدة﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
من آمن بالله واستقام على أمره وأعدّ العدة تولى الله عز وجل نصرته:
المشكلة مشكلة أن نستقيم ، فإذا استقمنا ، هؤلاء عندما شربوا من النهر ماذا قالوا بعد قليل ؟ ﴿ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾
﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا
قال لك :
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) ﴾
قال لك :
﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
كلام الله عز وجل زوال الكون أهون على الله من ألا يحققه لو دفعت الثمن .
لذلك أيها الإخوة ، المؤمن لا ييئس ، المؤمن لا يضعف ، المؤمن لا تضعف همته ، المؤمن لا يتشاءم .
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾
هذه القصة قصة طالوت وجالوت ،﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين