وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 09 - سورة الأنفال - تفسير الآيتان 25 - 26 ، يجب قمع الفتن قبل أن تستشري - ذِكر الإنسان لنعم الله الكثيرة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . 

 

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكلة المسلمين الأولى في هذه الأيام :


أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس التاسع من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الخامسة والعشرين وما بعدها ، الله عز وجل يقول : 

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

بادئ ذي بدء ؛ الفتن مهلكة لكن هذه الفتن إذا وقعت ، وبقي الناس سلبيين تجاهها ، لم يعبؤوا ، لم يأمروا بالمعروف ، لم ينهوا عن المنكر ، لم يقيموا شرع الله ، هذه الفتن تستشري وتتفاقم ، وقد تصبح بلاءً كبيراً ، وقد تصبح فساداً عريضاً في المجتمع ، فالله عز وجل يحذر المجموع ، كما لو احترق بيت في أول الشارع ، فالذي يجلس في آخر الشارع يقول : الحريق بعيد عني ، إن لم يسارع هذا الذي في آخر الشارع ليساهم في إطفاء الحريق وصل إليه ، هذه مشكلة المسلمين حينما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استشرى المنكر ، واتسع ، واتسعت دوائره ، حتى ضاقت دوائر الباطل .

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة :


لذلك حينما قال الله عز وجل يخاطب هذه الأمة : 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾

[  سورة آل عمران  ]

أي أصبحتم : 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾

[  سورة آل عمران  ]

علة خيريتكم : 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 

الأمة إن ابتعدت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبحت لا شأن لها عند الله :


حينما تكف الأمة عن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، حينما ترى الفتنة فتسكت ، حينما ترى المعصية تتجاهلها ، حينما ترى كبيراً أو قوياً فعل شيئاً منكراً لاذت بالصمت ، حينما تكف الأمة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصبح أمة لا شأن لها عند الله إطلاقاً ، والدليل أن الله سبحانه وتعالى خاطب الذين قالوا :

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[ سورة المائدة ]

خاطبهم فقال : 

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[ سورة المائدة ]

والأمة الإسلامية حينما ترى المنكر فلا تنهى عنه ، حينما ترى المعروف فلا تأمر به ، حينما تصمت ، حينما ينسحب المسلم من علة خيرية أمته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصبح هذه الأمة لا شأن لها عند الله إطلاقاً ، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح حينما قال : 

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا : أو كائن يا رسول الله ؟ قال : نعم وأشد منه سيكون- عجب الصحابة - قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟- صعقوا صعقة أشد - قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟  ))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف  ]

عندئذٍ يتودع هذه الأمة ، حينما يكون المنكر أمام المسلمين ، ولا أحد يتكلم ، هذه الأمة انتهت عند الله عز وجل .

 

الانسحاب من مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسبب ضياع الأمة :


لذلك : ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ الفتنة وقعت ، التفلت حصل ، الانحراف استشرى ، المعصية ترتكب ، المنكر يُفعل ، التحدي يكون ، كتابات ، حركات ، أعمال كلها تغضب الله عز وجل والأمة ساكتة ، هذه الأمة انتهت عند الله . 

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ ورد في بعض الأحاديث : 

(( عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا عل أهلها، قال : إن فيها عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين ، قال : اقلبها عليه وعليهم ، فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط . ))

[  قال الهيثمي في المجمع ، رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبيد بن إسحق العطار عن عمار بن سيف وكلاهما ضعيف ووثق عمار بن سيف ابن المبارك وجماعة ورضي أبو حاتم عبيد بن إسحاق ]

لمجرد أن تقول ما لي ولهذا ؟ ما لي ولهذه المعصية أنا بعيد عنها ؟ هذا الموقف الانعزالي ، الانسحاب من مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسبب ضياع هذه الأمة .

 

الأمة أمتان ؛ أمة الاستجابة وأمة التبليغ :


لذلك الأمة الآن أمتان ؛ أمة الاستجابة ، وأمة التبليغ ، فالأمة التي لم تستجب لله ولرسوله في تطبيق منهج الله ورسوله هذه أمة ليست خير أمة ، بل هي أمة كأية أمة شردت عن الله عز وجل ، ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ علة الخيرية  : ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ هذه علة خيريتنا .

فلذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكاد أن يكون الفريضة السادسة ، وجرب أنك حينما تنطق بالحق لعل الآخر يرجع إلى الله ، لعل الآخر يبتعد عن هذه المعصية ، عليك أن تُذكِّر ، وليس عليك الباقي .

أيها الإخوة ، إذاً أي خطأ ، للتقريب : تأتي إلى بيتك ابنة أخيك ، ترتدي ثياباً فاضحة جداً ، تستقبلها ، ترحب بها ، تثني على جمالها ، وعلى أناقتها ، هذا الوضع ، ولم تتكلم بكلمة واحدة عن هذا التفلت في ثيابها ، من هنا نبدأ ، حينما ترى شريكك يغش في البيع والشراء وأنت ساكت من هنا بدأ الخطأ ، أما حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، ولا ترضى للخطأ أن تسكت عليه عندئذٍ تكون هذه الأمة على منهج صحيح .

 

أية فتنة تقع حولك إن بقيت ساكتاً عنها سوف تصل إليك :


﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ عندئذٍ هذه الفتنة تنتشر وتنتشر ، حتى تصل إليك ، أنت أيها العم حينما لم تنصح ابنة أخيك أن ترتدي ثياباً إسلامية ساترةً محتشمة ، ما الذي يحصل ؟ ابنتك في البيت تضغط على أمها كي تقلد ابنة عمها ، حينما لم تأمر بالمعروف ولم تنهَ عن المنكر وصلت الفتنة إلى بيتك ، كالنار تماماً إن لم تخرج من بيتك وتسهم في إطفاء النار وصلت النار إليك .

لذلك قصة مشهورة مألوفة أن ثيراناً ثلاث ، أبيض ، وأسود ، وأحمر ، جاء الوحش المفترس فأكل الأبيض ، فقال الأحمر : أنا لا علاقة لي ، لم يقترب مني ، فسكت ، ثم توجه هذا الوحش المفترس إلى الأحمر فأكله ، فقال الأخير الأسود : أنا لا علاقة لي ، فلما توجه إلى الأسود ليأكله قال : أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ، من وقتها أُكلت أنا .

اعتقد بهذا يقيناً ، أية فتنة تقع حولك إن بقيت ساكتاً فسوف تصل إليك ، في أي شيء ، أما إذا وجد أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، ووضع حد للفتنة ، إذا قُمعت الفتنة ، عاش الناس بسلام .

 

الابتعاد عن المجاملات في حياتنا :


ما الذي يحصل الآن ؟ كل المعاصي والآثام في الطريق ، وفي الأماكن العامة ، وفي الأسواق وفي الجامعات ، تفلت ، وانحراف ، وكأن هذه الأمة ليست أمة المسلمين ، لأن الناس كفوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

والله سمعت قصة عن سائق سيارة وقد يكون أمياً ، جاءه راكبان زوج وزوجته -أعتقد من بيروت إلى دمشق- فطلبا منه أن ينتظر ربع ساعة كي تأتي حقيبتهم ، فانتظر ، جاء شيخ في السبعين يحمل حقيبة على رأسه ، هذا الشاب وكزه في رأسه ، قال له : لماذا تأخرت ؟ السائق لم ينتبه ، أخذ المحفظة وضعها في الصندوق وانطلقا إلى الشام ، أعتقد في نصف الطريق سمع الزوجة تقول لزوجها : كيف تضرب أباك ؟ فوراً أوقف المركبة قال له : انزل ، وهذه الأجرة ، أنا لو بقيتم معي لعلي أقع بحادث ، على بساطته ، على معلوماته المتواضعة ، لم يسمح لإنسان يضرب أباه أن يركب بمركبته ، فهذا درس ، لو كل الناس ، أحياناً إنسان يسب الذات الإلهية ، لا أحد يتكلم ولا كلمة ، كله ساكت ، يعيد السُباب مرة ثانية ، وثالثة ، الأمة التي تسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تُودع منها ، انتهت عند الله عز وجل ، حياتنا كلها مجاملات ، تزور إنساناً كل المعاصي في بيته ، وتحترمه أمام أولادك ، وتثني على ذكائه ، وعلى حكمته ، وعلى روعته ، وعلى حديثه ، وهو يرتكب المعاصي كلها ، ضاع أولادك .

(( عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْضَبُ إِذَا مُدِحَ الْفَاسِقُ . ))

[ أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت ، وابن عدي في الكامل ، وأبو يعلى ، والبيهقي في الشعب من حديث أنس ، بسند ضعيف . اهـ . وقال ابن حجر في (فتح الباري): في سنده ضعف  ]

حياتنا مجاملات .

لذلك : ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾   . . .

 

الصالح والمصلح :


لذلك الله عز وجل قال :

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ  (117) ﴾

[  سورة هود  ]

ما قال : صالحون ، الصالح يهلك ، أما المصلح فلا يهلك ، المصلح خرج من ذاته لإسداء النصيحة لغيره ، أي أحياناً البنت تنحرف بثيابها والكل ساكت ، تجد بعد فترة البنت المحجبة تريد أن تلغي حجابها ، بعد فترة البنت المحجبة الثانية كذلك ، لأنه حينما تفلتت البنت الأولى والكل يسكت طبعاً هذه الفتنة تمشي ، فجأة تجد كل الأطراف يريدون هذا الانحراف .

أنا أضرب أمثلة محدودة ، لأن هناك آلاف الأمثلة ، في البيع والشراء أحياناً هناك طريقة في الغش ، يحدثك التاجر أنه عمل أرباحاً طائلة عن طريق تبديل اسم السلعة ، عن طريق تبديل صفاتها ، عن طريق التعريف ببلد المنشأ ، أنت تثني على ذكائه ، وعلى شطارته ، هذا حرام ، حرام أن توهم الناس أن هذه البضاعة من هذا المنشأ وهي من منشأ أقل .

 

كل إنسان محسوب على المؤمنين فعليه إسداء النصيحة للآخرين :


كلما جاملنا أنفسنا ، وسكتنا عن إحقاق الحق ، وعن إبطال الباطل انتهت هذه الأمة ، صدق ولا أبالغ ، لا يوجد بالألف واحد ينصح ، الكل يجامل ، الكل يتمنى السلامة ، ليس مضطراً أن ينصح الآخرين مخافة أن يتسبب بمشكلة ، ليس لي علاقة ، ليس لك علاقة خسرت الله عز وجل .

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ ، والله هذا العبد الفقير دخلت على أخ كريم ، وهو من كبار التجار ، عنده موظفة وضعها غير معقول إطلاقاً ، قلت : والله لا يجوز ، أنت محسوب على المؤمنين ، قال لي : والله لم يقل لي أحد هذا ، وفعلاً أعطاها أمراً بتغيير وضعها ، فإن لم تستجب صرفها ، انصح ، تكلم ، قدم ملاحظة ، لا تريد أن تتكلم ولا كلمة ؟ ولا تعليق ؟ مديح ، مديح ، مديح . 

(( رجُل مدَح رجُلًا عندَ ابنِ عمرَ فجعَل ابنُ عمرَ يرفَعُ التُّرابَ نحوَه وقال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :  إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب . ))

[ ابن حبان ]

أحياناً إنسان منحرف تمدحه ، تمدحه ، تمدحه ، إلى متى تمدحه ؟ لا داع لأن يتوب ، إنسان عنده مسبح مختلط ، عمل فيه مولداً ، جاء الخطباء ومدحوه أيضاً ، كيف تمدحه ؟ مسبح مختلط ترتكب فيه أكبر المعاصي وتمدحه أيضاً ؟ 

رجُل مدَح رجُلًا عندَ ابنِ عمرَ فجعَل ابنُ عمرَ يرفَعُ التُّرابَ نحوَه وقال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : 

(( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب . ))

[ ابن حبان ]

يجب أن تقول : لا في الوقت المناسب ، أما الكل يخطئ والكل ساكت ، الكل ينحرف والكل ساكت ، الكل يتمادى والكل ساكت ، المرأة تكاد تظهر عارية في الطريق والكل ساكت وأمها محجبة تمشي إلى جانبها ، كيف سمحتِ لها أن تمشي معك بهذا الوضع ؟ ألست أمها ؟ أين تربيتك لها ؟ كله ساكت ، فهذا الوضع سبب أن ملياراً وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله . 

(( عن عبد الله بن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : خيرُ الصحابةِ أربعةٌ وخيرُ السرايا أربعمائةٍ وخيرُ الجيوشِ أربعةُ آلافٍ ولا يُغْلَبُ اثنا عشرَ ألفًا من قِلَّةٍ . ))

[ إسناده صحيح أخرجه أبو داود (2611) باختلاف يسير ، والترمذي (1555) ، وأحمد (2682) واللفظ لهما ]

مليار ونصف ربع سكان الأرض ، أي كل أربعة أشخاص يوجد شخص مسلم ، مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله ، لأن هذه الأمة تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الفريضة السادسة .

 

لا شيء يعين الظالم على ظلمه كسكوت المظلوم :


فلذلك : ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ تصيب الكل ، أوضح مثل احتراق البيت ، إن لم تساهم وأنت في آخر الشارع في إطفاء الحريق ، الحريق سوف يصل إليك .

يوجد سؤال : الذين ظلموا تصيبهم عقابيل الفتنة فما بال الذين لم يظلموا ؟ والذين لم يظلموا هم ظلموا في طريقة أخرى ، ظلموا حينما سكتوا ، لذلك لا شيء يعين الظالم على ظلمه كسكوت المظلوم ، لا تسكت ، تكلم ، وضح ، بيّن ، ما دام هناك نصيحة ، ما دام هناك موقف فالإنسان يفكر ، هناك من ينتقدني ، هناك من يحاسبني ، هناك من يرفض طلبي ، أما كل ما يقوله القوي يطاع مع الانبطاح ، انتهت الأمة كلها ، ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾   . .

 

من أقام أمر الله في بيته وعمله لا شيء عليه :


أيها الإخوة ، مثلاً لو ضربنا أمثلة من الأسرة ، يأتي الابن الساعة الثانية ليلاً ، أين كنت ؟ عند رفيقي ، سكت الأب ، أكيد عند رفيقك ؟ من رفيقك ؟ رقم تلفونه ، عندما تتابعه إن كان بمكان غير جيد في المرة الثانية يفكر كيف أواجه والدي ؟ أما إن قال له عند رفيقي ولم يتكلم ولا كلمة ، والله هناك قصص بالأسر انحراف خطير إلى درجة الفحش ، بنت  ثلاث سنوات تقع في الفاحشة والأب لا يعلم ؟! كانت عند رفيقتها ، رفيقتها بالجامعة تدرس معها ، الفتنة إن لم تقمع استشرت .

نحن نقول : عندك مملكتان أنت محاسب عليهما ، بيتك وعملك ، ولست مكلفاً فوق ذلك مبدئياً ، مكان المحاسبة أنت تحاسب في الدائرة التي أوكلت إليك ، في بيتك معصية ، في بيت تفلت ، هناك سهرة مختلطة ، هناك أجهزة لا ترضي الله ، هناك لقاءات لا ترضي الله ، أنت محاسب عن بيتك أولاً ، فما لم تكن ضابطاً لأمورك ، متابعاً لتفاصيل ما يجري في البيت ، فأنت محاسب عند الله ، أنت محاسب على مملكتين ؛ مملكة بيتك ، ومملكة عملك ، ما فوق ذلك لك أن تنصح ، لكن لست محاسباً .

لو فرضاً أنت بشركة ، والمدير العام له سلوك فيه خطأ ، يمكن أن تنصحه بطريقة لبقة ، لكن أكثر من ذلك غير مكلف ، أما ببيتك لا يوجد نصيحة ، لا بدّ من أن تقيم أمر الله في بيتك ، وفي عملك ، فإذا أقمت أمر الله في عملك وفي بيتك لا شيء عليك .

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ والذي يحصل أن كل الانحرافات تبدأ في بيت واحد ، وتنتقل إلى بيت ، إلى بيت ، إلى بيت ، بعد حين هذه المعصية وجدت في كل البيوت ، انحراف في ثياب الفتاة ، من بيت واحد ، وبعد ذلك هذا الانحراف انتشر في كل البيوت ، وهكذا ، أما المؤمن فيضع حداً لأية فتنة قد تنتشر : ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾   . . .

 

الأمة كلها في قارب واحد :


عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو قال : المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب . ))

[ صحيح الترغيب ]

سبحان الله ! من أروع الأمثلة التي ضربها النبي عليه الصلاة والسلام :

(( عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ قَالَ:  مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه ، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا ، وبعضُهم أسفلَها ، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا ، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا . ))

[ البخاري ]

وصدقوا ولا أبالغ ما من مثل أبلغ من أننا جميعاً في قارب واحد ، الأمة كلها في قارب واحد ، فأي ثقب في هذا القارب إن لم نسارع جميعاً لإغلاقه غرقنا جميعاً ، هذا المثل من عند النبي عليه الصلاة والسلام : 

(( عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ قَالَ:  مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه ، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا ، وبعضُهم أسفلَها ، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا – والنية طيبة - فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا ، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا . ))

إذاً على مستوى أسرة ، الأسرة كلها في قارب واحد ، على مستوى مؤسسة ، مدرسة ، جامعة ، مستشفى ، وزارة ، الأمة كلها في قارب واحد ، فإذا كان هناك انحراف والكل ساكتون غرقنا جميعاً ، وإذا كان هناك انحراف وبعضنا ينصح بعضاً نجونا جميعاً ، والله أحياناً قد لا تعلم كم تكون كلمة الحق لها أثر قد لا يوصف .

 

الحكمة من ضعف النبي الكريم أن يكون الإيمان به عظيماً :


أيها الإخوة ، ثم يقول الله عز وجل : ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ واذكروا : تذكروا ، أي الصحابة الكرام في مكة كانوا ضعافاً ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق يمر على آل ياسر وهم يعذبون ، ولا يستطيع أن يفكهم ، يقول لهم :

(( عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :  صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.))

[ حسن صحيح أخرجه الحاكم والطبراني ]

الصحابة دفعوا ثمناً باهظاً حينما أسلموا ، يوجد سر ، لماذا كان النبي ضعيفاً ؟ لَمَ لم يكن قوياً كقوة الحكام أحياناً ؟ لأنه لو كان قوياً لأعطى أمراً فطبقه الكل ، لكن لا عن إيمان ، عن خوف ، جعله الله ضعيفاً ليكون الإيمان به خالصاً لوجهه ، لا يوجد عنده شيء . 

﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)﴾

[ سورة الجن  ]

كل إنسان مع القوي يسعى لإرضائه طمعاً فيما عنده ، ويتقي أن يعصيه خوفاً منه ، فعلاقتك مع القوي علاقة نفع أو خوف فقط ، طمع أو خوف ، أما علاقتك مع النبي الضعيف فعلاقة إيمان ، إيمان فقط ، ضعيف ، ﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ .

أبلغ من ذلك :

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) ﴾

[ سورة الأعراف  ]

﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) ﴾

[  سورة الزمر  ]

نبي ، سيد الخلق ، حبيب الحق ، سيد ولد آدم ، في الطائف ضُرب ، لماذا جعله الله ضعيفاً ؟ ليكون الإيمان به عظيماً .

 

من عبد الله عز وجل بحقٍّ في زمن الفتن والضلالات فله أجر كبير :


الآن : إذا عُرف الإنسان أنه متدين ، فبالعالم كله الآن غير مقبول ، يخافون منه ، إرهابي ، إنسان مسالم ، وديع ، لطيف ، رحيم ، منضبط ، مخلص ، يتفانى في عمله ، كل هذه الصفات الرائعة لأن له مسحة دينية هذا مقياس العالم كله متهم ، العالم كله يحترم المتفلتين ، يحترم العصاة ، يحترم من يتحدون السماء ، يحترم من يكفرون بالله عز وجل ، والمؤمن يخافون منه ، يصنفونه تصنيفاً معيناً ، فأنت حينما تريد أن تكون مؤمناً في هذا الزمان لك أجر كبير .

ولكن جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة , فقال :

(( السلام عليكم دار قوم مؤمنين , وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أني قد رأيت إخواننا ، فقالوا : يا رسول الله, ألسنا بإخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض ، فقالوا : يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال : أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم : ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم . فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك ، فأقول : سحقًا سحقًا . ))

[ صحيح مسلم  ]

أينما تحركت ، المعصية مقبولة والطاعة معها حرج .

فيا أيها الإخوة ، أبشروا ، ما دمت في هذا الزمان الصعب لا تنس قول النبي الكريم فيما يرويه عن ربه :

(( عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وإِنَّ العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إلي .))

[  مسلم و الترمذي ]

عبادة في الهرج ، أي في زمن الفتن ، في زمن النساء الكاسيات العاريات ، في زمن التهجم على الإسلام ، وعلى نبي الإسلام ، وعلى كتاب الإسلام ، كان التهجم على التفاصيل الآن على الرموز الكبيرة .

رسام الدانمرك شوه صورة النبي عليه الصلاة والسلام ، المصحف دُنس في بلاد بعيدة ، دُنس والعالم ساكت ، فأنت حينما تعبد الله في زمن الفتن ، في زمن الضلالات ، في زمن يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه ، و قد ورد في بعض الآثار :

(( " موت كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ؟ ولا المقتول فيمَ قُتل ؟ "  ))

دولة تعتدي على دولة إسلامية ، تقتل منها مليونين ، يوجد مليون طفل مقتول ، تشرد خمسة ملايين ، ودولة محترمة ، والعالم ينظر لها بإكبار ، وإذا إنسان دافع عن حقه ، أو قاوم محتلاً يُتهم بأنه إرهابي ، نحن بأي زمان ؟ نحن في أي زمان نعيش ؟! 

 

ارتباط الإيمان بالأمن والطمأنينة :


لذلك :

(( عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وإِنَّ العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إليّ . ))

[ مسلم و الترمذي ]

يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه ، موت كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ؟ ولا المقتول فيمَ قُتل ؟ 

اثنان ونصف مليون مشرد في الباكستان ، اثنان ونصف مليون بلا طعام ، بلا شراب ، بلا مأوى ، قتل باليوم مئة ، مئتين ، ثلاثمئة ، كأن القتل وسام شرف ، فنحن في زمن صعب ، لذلك سلوا الله السلامة ، وسلوا الله أن يديم على هذه البلاد الأمن والاستقرار ، نحن في نعم كبيرة جداً لا يعرفها إلا من فقدها .

قال لي أخ في العراق : أنا أودع زوجتي يومياً ، احتمال موتي في الطريق 50% ، يومياً يودع أولاده .

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)  ﴾

[ سورة النحل  ]

عندما يكون هناك إيمان يكون هناك أمن وطمأنينة .

 

على الإنسان ألا ينسى فضل الله عليه :


أيها الإخوة ، ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ ﴾ في المدينة أسستم دولة ، شكلتم جيشاً ، حاربتم ، انتصرتم ، أصبحت دولة كبيرة . ﴿ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾   ، طبعاً هذه الآية واضحة ، أما على إنسان مؤمن ، كنت لا تملك بيتاً ، وليس لك دخل  ، وتعاني ما تعاني ، فيسر الله لك شراء بيت ، و يسر لك زواجاً ناجحاً ، و يسر لك أولاداً نجباء ، ولك مكانة محترمة ، فعليك ألا تنسى الماضي ، ذكرهم بنعم الله . 

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) ﴾

[ سورة إبراهيم  ]

هذه الآية لمجموع الأمة ، ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ، وكل شخص منا يذكر كيف كان قبل حين ، بحاجة ، فقير ، بلا عمل ، بلا بيت ، بلا زواج ، بلا أولاد ، الله أكرمك ، كيف أكرمك بالزواج ؟ يقول : الله يسر الأمر ، كيف أكرمك بالعمل ؟ العمل نجح معك ، فكل ميزاتك الآن لا تنس أن هذا من فضل الله عليك .

 

على كل إنسان أن يكون في قلبه تعظيم لله وحب له وخوف منه :


لذلك :

(( عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أحِبوا اللهَ لما يغْذوكم من نعَمِه  ، وأحِبُّوني بحُبِّ اللهِ  ، وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي . ))

[ حسن غريب سنن الترمذي  ]

يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إليّ تقي القلب نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ، ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني  .

هذا الحديث لا يصح فيه إسحاق بن عبد الرحمن أبي فروة ، وهو متروك كما في التقريب وقد رواه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وروايته عنه منقطعة ومن ثم حكم عليه محقق الشعب بالانقطاع .

معنى ذلك أنه لا بدّ من أن يكون في قلبك تعظيم لله من خلال آياته الكونية ، وحبّ لله من خلال نعمه ، وخوف من الله من خلال بلائه ، جهاز في جسمك لو تعطل قلب حياة الإنسان جحيماً لا يطاق .

هناك قناة دمعية من العين إلى الأنف ، أنفك رطب لأن الدمع الذي يزيد عن حاجة العين ينتقل عبر هذه القناة إلى الأنف فالأنف رطب ، حالات نادرة جداً تُسد هذه القناة فدائماً الدمع على خدك ، بعدها يصبح هناك خط أحمر أي التهاب ، هذه القناة لها دور كبير جداً ، لو أن الرموش انخفضت ، هناك مرض اسمه : ارتخاء الجفون ، كلما أردت أن ترى إنساناً يجب أن ترفع جفنك بيدك ، هذه قليلة ؟ 

نعمة الجفون ، نعمة العين ، نعمة هذا المفصل ، كيف تأكل لولا هذا المفصل ؟ والله يوجد نعم بجسمك فقط لا تعد ولا تحصى ، لو كان في الشعر أعصاب حس ، إلى أين أنت ذاهب ؟ ذاهب لأعمل عملية حلاقة بالمستشفى مع تخدير كامل ، لأنك لا تستطيع أو تصبح وحشاً ، الله عز وجل ما جعل بالشعر أعصاب حس ، ولا بالأظافر ، والحديث عن الجسم يطول .

هناك مثانة لولاها لوضع الإنسان فوطاً بشكل إجباري ، كل عشرين ثانية يوجد نقطة بول ، يتجمعون كل خمس ساعات بالمثانة ، لو لم يكن هناك مستودع لكانت مشكلة كبيرة ، فكر بأجهزتك جهازاً جهازاً ، أي جهاز تعطل تصبح حياة الإنسان جحيماً لا يطاق .

 

الله عز وجل إذا أعطى أدهش وإذا أخذ أدهش فإياك والتكبر :


﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾  أي الإله الذي نقلك من الأدنى إلى الأعلى هو قادر أن ينقلك من الأعلى إلى الأدنى ، إذا أعطى أدهش ، وإذا أخذ أدهش .

والله أعرف صديق صديقي درس بفرنسا ، يحمل أعلى شهادة في الجيولوجيا ، وصل إلى منصب معاون وزير ، فقد بصره ، خلال شهر يأتون له بالمعاملات إلى البيت ، بعد ذلك سرحوه ، زاره صديقي ، قال له : والله أتمنى أن أجلس على الرصيف ، وأن أمدّ يدي للناس ، ولا أملك من الدنيا إلا هذا المعطف ، وأن يرد لي بصري ، البصر نعمة كبيرة جداً .

فيا أيها الإخوة ، اذكر كيف كنت وكيف أصبحت ، إياك والتكبر ، إياك أن تنسى الماضي ، ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ﴾ ، وهذا الخطاب لكل مؤمن ، واذكر كيف كنت قبل خمسين عاماً ، قبل ثلاثين عاماً ، كنت لا شيء ، الله أكرمك ، أعانك ، زوجك ، أنجبت أولاداً ، ربيتهم ، كل هذه النعم من فضل الله عز وجل عليك . 

﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ، وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذه الآيات .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور