الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
علامة إيمان المؤمن أنه راضٍ عن الله مؤمن بحكمته :
أيها الإخوة الكرام . . .
مع الدرس الرابع من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الخامسة وهي قوله تعالى:
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)﴾
الآيات التي سوف تكون موضوع هذا الدرس تنطلق من آية محكمة وهي قوله تعالى:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
المؤمن من علامة إيمانه أنه راضٍ عن الله ، راضٍ عن قضائه وقدره ، مؤمن بحكمته ، مؤمن بعلمه ، مؤمن برحمته ، مؤمن بعدالته .
تعلق إرادة الله عز وجل بالحكمة المطلقة :
لذلك أي شيء وقع المؤمن يعتقد أن الله أراده ، ولأن الله أراده إذاً هو ينطوي على حكمة علمها من علمها ، أو جهلها من جهلها ،
كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
هذه المقولة التي أرددها كثيراً لو أن الإنسان عقلها ، ووصل إلى أبعادها كاملة ، لما شعر بأيّ ألم لما يجري ، يتألم ولكن يعلم علم اليقين أن الشيء الذي وقع سمح الله به ، ولأن الله سمح به فهو ينطوي على خير الآن لم يكشف لكن بعد حين يكشف .
وانطلاقاً من هذه المقولة أؤكد لكم أن الطغيان في الأرض ما كان للطاغية أن يكون طاغية إلا والله سبحانه وتعالى يوظف طغيانه لخدمة دينه ، والمؤمنين ، من دون أن يشعر ، ومن دون أن يريد ، وبلا أجر ، وبلا ثواب .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6)﴾
ما يقع في الأرض ما كان له أن يقع لولا أن الله سمح بوقوعه :
لو أردنا أن نصرف هذه الآيات على واقعنا ؛ أحداث الحادي عشر من أيلول مؤلمة جداً لأنه جاء بعدها إيذاء شديد للمسلمين ،
ولكن الله يعلم أنها تنطوي على حكمة لو كُشفت بعد حين لقلنا عن هذه التداعيات التي جاءت بعد الحادي عشر من أيلول سمينا هذه التداعيات : بركات الحادي عشر من أيلول ، الدين كان في دائرة التعتيم فأصبح في بؤرة الاهتمام، وكان ورقة خاسرة في أيدي الأقوياء فأصبح ورقة رابحة .
أيها الإخوة ، الذي يقع في الأرض ما كان له أن يقع لولا أن الله سمح بوقوعه ، ولأن الله سمح بوقوعه ينطوي على حكمة علمها من علمها ، وجهلها من جهلها ، أي الشر المطلق لا وجود له في الكون ، لأن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله ، هناك شر نسبي ، أي شق البطن لمن أصيبت عنده الزائدة بالتهاب حاد ، شق البطن ، والتخدير العام ، واستئصال الزائدة ، على الشبكية شق بطن ، دماء تسيل ، أما في المؤدى هذه الزائدة الدودية لو لم نستأصلها لكان من الممكن أن تودي بحياة الإنسان ، فلذلك هذا هو الإيمان ، هناك حكمة ما بعدها حكمة ، وحينما تؤمن أن هناك حكمة ما بعدها حكمة لا يعني أن تستسلم ، لا يعني أن ترضى بشيء لا يحتمله المسلمون ، أي أن تقاوم لكن لا تظن أن الله خلق الخلق وتركهم هملاً ، قال لك :
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
ما من محنة تصيب المسلمين إلا وراءها منحة من الله تعالى :
مرة ثانية أعيد على أسماعكم هذه المقولة : كل شيء وقع أراده الله ، أو كل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، معنى بالحكمة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، أو أن الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، وحكمة الله متعلقة بالخير المطلق ، لذلك :
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
لم يقل : والشر ، إيتاء الملك خير ، ونزعه خير ، وإعزاز الإنسان خير ، وإذلاله خير ، إنه يُذَلّ ليعز ، يخفض الله ليرفع ، يمنع ليعطي ، يضر لينفع ، هذه الكلمات ينبغي أن تلفظ معاً ؛ الضار النافع ، يضر لينفع ، الخافض الرافع ، يخفض ليرفع ، المعز المذل ، يُذل ليعز ، لذلك كل شيء يصيب الإنسان في الدنيا محض خير ، هناك خير ظاهر ، قال تعالى :
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)﴾
وهناك خير باطن ، ﴿ وَبَاطِنَةً ﴾ المصائب ، وصدقوا أيها الإخوة ما من محنة تصيب المسلمين إلا وراءها منحة من الله ، وما من شِدة تحيط بهم إلا وراءها شَدة إلى الله .
آيات اليوم تنطلق من قوله تعالى :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
على كل إنسان أن يثق أن الذي وقع أراده الله وهو متعلق بحكمته و خيره المطلق :
صدقوا أيها الإخوة ، لو أن الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ساق لهذا الإنسان حكمة ما أصابه في الدنيا ، أنا أقول لكم وهذا محض إيماني : إن لم يذب كالشمعة محبة لله لكان في هذه الحقيقة شك .
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)﴾
النعم الباطنة هي المصائب ، إياكم ، ثم إياكم ، ثم إياكم أن تفهموا من كلامي أن ترضى بالمصيبة ، أن ترضى عن الله بها ، لكن أن تقاومها ، دخل لص للبيت تقول : سبحان الله ! هذه مشيئة الله ، مستحيل ، أنا لا أقصد هذا إطلاقاً ، لكن أقصد أن تثق أن الذي وقع أراده الله ، وأنا عليّ أن أرفض هذا الذي وقع ، إذا كان هناك عدوان على بلدي مثلاً ، أرفض إلا أنه لا أكفر ، يا رب لماذا خلقتهم أقوياء ونحن ضعفاء واحتلوا بلادنا ؟ لا ، هناك حكمة بالغة .
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)﴾
أي أرادنا الله أن نكسب شرف مقاومة العدو ، هو قادر أن يجعلهم أشلاء بثانية واحدة .
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)﴾
الحق لا يقوى إلا بالتحدي وأهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية :
بشكل أو بآخر أنتم مؤمنون معي قطعاً أن كل شيء أراده الله وقع ، وأن الله على كل شيء قدير ، وأنه ما سوى الله ممكن ، أي ممكن أن يقع ،
وممكن ألا يقع ، ممكن آخر ، ممكن أن يقع على ما وقع ، أو أن يقع على خلاف ما وقع .
أليس من الممكن أن يجعل الله هؤلاء الأعداء أعداء الدين في كوكب آخر ؟ لا نرى شيئاً ، لا يوجد عندنا مشكلة بالأرض ، لا يوجد معركة بدر ، ولا يوجد معركة أحد ، ولا يوجد معركة الخندق ، ولا يوجد هذه الحروب الطاحنة ، الطرف الآخر الكافر بكوكب آخر وانتهى الأمر ، بل من الممكن أن يكون الطرف الآخر بقارة أخرى ، قارة خاصة للكفار ، أو بحقبة أخرى ، ولكن شاءت حكمة الله أن نكون معاً في مكان واحد ، وفي زمان واحد ، قال : لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي ، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية ، كلام دقيق ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
آخر أحداث مهمة ألمت بنا وحدت المسلمين بمشاعر موحدة و كشفت إجرام أعدائهم :
لو أردنا أن نستعرض آخر أحداث مهمة ألمت بنا "حرب غزة "،
طبعاً سلبياتها واضحة ، رآها الناس رأي العين ، الأطفال الذين قتلوا ، النساء ، هدموا عشرين ألف بيت ، لكن من يخطر في باله أن هذه الأحداث جمعتنا جميعاً بمشاعر موحدة ؟ وصار هناك بذل لا يعلمه إلا الله ، وحدتنا ، هذه الأحداث كشفت إجرام أعدائنا ، والله لو دفعنا مليارات لا نستطيع أن نشوه صورة الأعداء كما شوهوها بأنفسهم ، ثم قلبت المعادلات ، كان هناك مسلمات بأن هذا الجيش لا يقهر ، فئة قليلة ضعيفة مستضعفة عشرة آلاف ، تحت الأرض ، أكبر جيش بالمنطقة ، أعتى جيش ، أسلحة منوعة ، والعالم كله يغطي هذا العدوان ، كله ساكت ، فالله عز وجل أرانا قدرته ، أرانا أن يا عبادي أنا موجود ، الأمر بيدي ، بأي لحظة المعادلات كلها تخفق ،
لذلك المؤمن الصادق يتحرك ، ويسعى ، ولكن لا يكفر ، لا ييئس ، الله عز وجل لا يتخلى عنا.
كراهية المسلمين القتال لتوهمهم أن هذه الحرب ليست في صالحهم و ليس لقلة إيمانهم
لذلك الآيات اليوم قال تعالى :
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)﴾
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
أي المؤمنون لماذا هم كرهوا ؟ قطعاً وقولاً واحداً هم الصحابة ما كرهوا القتال ، ولكن لم يكن هناك توازن ، أو لا يوجد تكافؤ بينهم وبين الأعداء ، الأعداء كُثر ، آلاف ، بأسلحة فتّاكة ، بسيوف ، برماح ، بقوة ، والصحابة ضعاف مستضعفون ، فقراء ، لا يوجد غير رأسين من الخيل فقط معهم ، لا يوجد شيء ، فالصحابة ما تأبوا أن يقاتلوا ، لكن توهموا أن هذه الحرب ليست في صالحهم ، هذه الكراهية لا تنفي عنهم الإيمان الكبير ، ولا تنفي عنهم الرغبة في البذل والتضحية ، لكن تمنوا أن يكون اللقاء في مجال آخر ، وفي مناسبة أخرى .
طبعاً هناك قافلة لقريش ، فيها أربعين إنسان يحرسون القافلة ، فأراد المسلمون أن يتعرضوا لهذه القافلة ، هم ثلاثمئة ، ومع القافلة أربعون رجلاً فالانتصار عليهم سهل جداً ، ومعهم بضاعة كبيرة جداً ، فإذا أخذوا هذه البضاعة كغنيمة ، وانتصروا على أربعين شخصاً ، قضية سهلة جداً ، هم أرادوا أن يعترضوا تلك القافلة ، ولكن الله لم يشأ ذلك ، لو كان الذي تمنوه واقعاً كانوا كأنهم قطاع طرق اعترضوا القافلة ونهبوا البضاعة ، شأن المسلم أكبر بكثير من ذلك ، أراد الله أن ينصرهم على صناديد قريش ، على أقويائهم ، على فرسانهم ، على زعمائهم ، على هؤلاء وهم على خيولهم ، وسيوفهم ، ورماحهم ، ذاك النصر ، أما طائرة F16 على طفل ! كالذي حدث ، أعتى الأسلحة من أجل طفل أو امرأة ضعيفة ، أو هدم ليس قلعة ، بيت عادي ، انتصار عجيب ، انتصرتم على ماذا ؟ على هدم بيت مدني ؟! على قتل طفل ؟! على قتل امرأة ؟!
فلو أن الصحابة تمنوا ما أرادوا ، أن ينتصروا على هذه القافلة مع أربعين شخصاً ويأخذوا البضاعة غنائم هذا لا يليق بهم ، ولا يرفع شأنهم ، بل بالعكس كأنهم قطاع طرق ، وكأنهم نهبوا البضاعة لقريش ، فالله ما سمح لهم بهذا أبداً ، رأوا العملية سهلة عليهم ، أما أن يواجهوا قريشاً بأكملها ، بعدتها ، بعتادها ، بصناديدها ، بفرسانها ، شيء فوق طاقتهم ، أو أنهم توقعوا أنهم لن ينتصروا عليهم ، الفرق كبير جداً ، لكن يقول الله عز وجل :
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾
إمداد المؤمنين بالملائكة في بدر :
أيها الإخوة ، الله عز وجل قال :
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)﴾
الآن خرجوا لملاقاة قريش ، لملاقاة جيش ، لألف مقاتل ، هم ثلاثمئة بلا رواحل لمواجهة أسلحة فتاكة ، رماح ، وسيوف ، وقوة ، وبطش ، وحقد ، لكن الله عز وجل في بدر أمدهم بالملائكة .
ومهدت لكم في درس سابق من أن الأشياء التي نعتقدها على أصناف ثلاث :
صنف حسي ، أداة اليقين بها الحواس الخمس ، واستطالاتها ، كالتلسكوب ، والميكروسكوب .
وصنف عقلي ، أداة اليقين بها العقل ، لشيء غابت عينه وبقيت آثاره ، كالكهرباء ، يا ترى هل يوجد كهرباء في المسجد ؟ طبعاً تكبير الصوت بالكهرباء ، وعمل المكيفات بالكهرباء ، والإضاءة بالكهرباء ، فنحن أمام آثار الكهرباء ، لا أمام ذاتها ، ماهيتها ، فأي شيء غابت عينه وبقيت آثاره أداة اليقين به العقل .
لكن الملائكة من يملك دليلاً علمياً على وجود الملائكة ؟ لا يوجد دليل ، لا الملائكة ، ولا الجن ، ولا اليوم الآخر ، ولا الصراط ، ولا الميزان ، ولا الحوض ، لا يوجد شيء ، إنها أخبار أخبرنا الله بها ، فالدائرة الثالثة دائرة الإخباريات ، فالله عز وجل أخبرنا أنه يمدنا بالملائكة .
﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾
أردف فعل ماض ، يردف مضارع ، مردِف ، مردَف ، المردِف يأتي أولاً والمردَف يأتي ثانياً ، فجعل الله الملائكة في المقدمة ، ﴿ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ أردفوكم وراء ظهورهم ، هم في المواجهة .
الاستقامة والصبر والإيمان أسلحة يملكها المؤمن للقضاء على قوة العدو بقدرة الله :
صدقوا أيها الإخوة والله الذي لا إله إلا هو كم تتحدثون عن قوى الغرب ،
عن صواريخه العابرة للقارات ، عن قنابله العجيبة ، العنقودية ، الانشطارية ، الحارقة ، الخارقة ، أشعة الليزر ، كل هذا الذي تسمعونه و الله يبطل مفعوله باستقامتنا ، وصبرنا ، وإيماننا .
﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾
قرآن ، كلام الواحد الديّان ، كلام خالق السماوات والأرض ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾
﴿ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ أي هم أمامكم .
أيها الإخوة ؛
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾ هم تمنوا أن يواجهوا القافلة ، القافلة فيها أربعون شخصاً ، فيها بضائع ثمينة جداً ، أما أن يواجهوا قريشاً بأكملها ، بصناديدها ، بأبطالها ، بقوتها ، بغطرستها ، بحقدها ، بلؤمها ، كأن الأمر وشيء طبيعي بالإنسان لو قلنا لك : واجه دولة عظمى لا يوجد عندك شيء أمامها ، شيء طبيعي بالمعطيات المادية تشعر بأن القضية صعبة جداً.
﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)﴾
أيها الأخ الكريم ، يجب أن تؤمن أن أحداثاً كثيرة ألمت بك ، ولعلها آلمتك ، لكنك إذا تعمقت في فهمها وجدت فيها خيراً لا يعلمه إلا الله ، كالذي يحصل للمسلمين اليوم ، المسلمون بدأت صحوة كبيرة جداً تنبه إلى ماضينا ، إلى ديننا ، إلى قوتنا ، بدأت صحوة تنبه إلى حقد الآخرين ، إلى جريمتهم ، إلى لؤمهم .
على كل مؤمن أن يستسلم لإرادة الله و قوته :
قال :
﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)﴾
الطائفة الأولى القافلة ، يوجد معها أربعون شخصاً ، ومعهم بضائع كثيرة ، فالله عز وجل وعد المؤمنين أن إحدى الطائفتين لكم ، أي أنا سأنصركم في إحدى الطائفتين ، إما بالقافلة و إما بمواجهة قريش بأكملها ، الصحابة بفعل بشريتهم وجدوا القافلة أسهل ، أربعون شخصاً ، أما مواجهة قريش فهذا شيء فوق طاقتهم .
لذلك : ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ﴾ ، قال تعالى :
﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)﴾
إن جاءت قريش برماحها ، وسيوفها ، وفرسانها ، وصناديدها ، وأبطالها ، هذه الطائفة ﴿ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ﴾ المسلحة ، أما القافلة طائفة ليست ذات شوكة ، لذلك : ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾ ، لكن الله يريد أن يظهر آياته لكم ، أنا سأنصركم على قريش ، بكل ثقلها ، بكل قوتها ، بكل أسلحتها ، بكل أبطالها ، بكل صناديدها ، بكل فرسانها .
﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)﴾
أي هزيمة نكراء ، كيف أن العدو وُضِع في المنطقة ليكون العصا الغليظة للغرب ، في السابق كلما أشار له الغرب إشارة افتعل حرباً ، واكتسح أرضاً ، ونهب ثروة ، وأنهى الحرب بساعات ، إذاً هو العصا الغليظة ، لكن في عام 2006 و2008 لم يبقَ العصا الغليظة ، العصا المكسورة ، تضعضعت مكانته ، فلذلك :
﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)﴾
بالنهاية عليك أن تستسلم أيها المؤمن ، الذي وقع أراده الله ، والذي أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
طبعاً :
﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)﴾
أحياناً القيادة تكون في المقدمة ، تقود الجيش إلى النصر ، أحياناً تكون في المؤخرة تسوق الجيش إلى النصر ، إما أن تكون في المقدمة فتقوده إلى النصر ، أو أن تكون في المؤخرة فتدفعه إلى النصر ، على كلٍّ كل قيادة لها حكمة عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها ، قال تعالى :
﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)﴾
الحق الشيء الثابت ، الهادف ، والباطل الشيء الزائل ، العابث ، يوجد بالحياة ما يسمى بالاثنينية ، يوجد حق ، ويوجد باطل ، خير وشر ، صدق وكذب ، إخلاص وخيانة ، قسوة ورحمة ، الحق هو الله ، والحق الشيء الثابت والهادف .
للتوضيح : حينما نبني جامعة ، هذه الجامعة تُبنى لتبقى ، هناك جامعة في بريطانيا عمرها خمسمئة عام ، تُبنى لتبقى ، لذلك تُبنى ببناء قوي جداً ، وحجر ، حتى يقاوم كل عوامل التعرية ، أما السيرك فيُبنى لأسبوعين ، إذاً من قماش ، هذا السيرك يُبنى ليزال بعد حين .
يوجد فرق بين الحق والباطل ، الحق ثابت وهادف ، الجامعة من أجل تخريج قادة للأمة ، علماء ، أطباء ، مهندسون ، محامون ، قادة للأمة ، والسيرك من أجل المتعة الرخيصة ، والآنية ، فالباطل شيء عابث وزائل ، والحق ثابت وهادف .
الدين حق لأن هدفه إسعاد الإنسان في الدنيا والآخرة :
لذلك الدين حق ، لأن هدفه إسعاد الإنسان في الدنيا والآخرة ،
وأمده إلى أبد الآبدين ، أنت عندما تكون ديّناً أثر الدين ليس في الدنيا يمتد إلى ما لانهاية ، بالعكس الموت نقطة على خطك البياني الصاعد ، المؤمن خطه البياني صاعد ، والموت نقطة على هذا الخط ، ويبقى الخط صاعداً بعد الموت ، هذا الدين ، الدين لأنه يعطيك السلامة والسعادة في الدنيا والآخرة ، أما الإنسان إذا كان قوياً ما دام قلبه ينبض هو قوي ، فإذا وقف قلبه انتهى .
هذا الذي هدم سبعين ألف بيت ، الله عز وجل أصابه بالسبات ، هذه السنة الرابعة وأمدّ الله بعمره ، بلحظة كان إنساناً جباراً طاغية ، صار جثة هامدة ، عندي صورة له قبل أيام شيء مخيف ، أين جبروته ؟ أين قوته ؟
فالحق ثابت هادف ، الدين أثره إلى أبد الآبدين ، من أجل إسعاد البشر أجمعين ، والدنيا متع رخيصة زائلة ، تنتهي بعد حين .
﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ بالدين وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ طبعاً المجرمون مع الباطل ، والباطل زائل ، لذلك في النهاية لابدّ من أن ينتصر الحق .
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)﴾
مرة يحرمون الخمر ، في الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار تحريم الخمر تأييد لهذا الدين العظيم .
مرةً ثانية يكتشفون أن النظام الإسلامي المالي هو الوحيد بعد انهيار النظام المالي الغربي القائم على الربا : ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ بالدين وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ .
النصر من عند الله عز وجل :
قال تعالى :
﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾
لكن الذي ينصر حقيقة هو الله.
﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾
أراد أن يطمئننا فقط ، أرسل الملائكة للتطمين فقط :
﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾
هذه حقائق القرآن ، الله عز وجل خلق السماوات والأرض وأنزل على عبده الكتاب ، الكون في كفة ، والقرآن في كفة ، هذا كلام خالق الأكوان ، قال لك : النصر من عندي ، اطمئن ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ فقط .
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾
من شروط النصر: الإيمان بالله وإعداد القوة المتاحة :
النصر له شروط ، الإيمان شرط لازم غير كافٍ ، والإعداد شرط لازم غير كافٍ ،
إن أعددت العدة ولم تكن مؤمناً لا تنتصر ، وإن آمنت بالله ولم تستعد للعدو لا تنتصر ، الإيمان شرط لازم غير كافٍ .
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
والشرط الثاني:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾
لا الإعداد من دون إيمان يكفي ، ولا الإيمان من دون إعداد يكفي ، فحينما نعد القوة المتاحة ، ونؤمن أن الله هو الناصر ننتصر .
هذا القانون ثابت ، ولو كان الفرق خيالي بيننا وبين أعدائنا ، وهناك حالات كثيرة كان الفرق خيالياً.
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾
﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾
أي أردفوكم وراءهم ، هم في الطليعة ، هم في المواجهة .
﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾
من عند الله :
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك ؟ وماذا فقد من وجدك ؟ ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾ .
الآن هناك نصر استحقاقي :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) ﴾
هناك نصر تفضلي ، قال تعالى :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾
وهناك نصر مبدئي ،
لو أن الإنسان وافته المنية وهو مؤمن بالله ، مؤد للعبادات انتصر نصراً مبدئياً
﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى﴾ .
أحياناً الله عز وجل يطمئنك ، أما الفعل فعله ، والقوة قوته ، والتوفيق توفيقه ، والنصر نصره ، من أجل أن تطمئن به قلوبكم لكن الحقيقة اليقينية : ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ فالنصر استحقاقي ، تفضلي ، مبدئي ، كوني .
النوع الرابع كوني : أي فئتان بعيدتان عن الله ، الأقوى ينتصر ، الذي سلاحه دقة إصابته أدق ينتصر ، مثلاً دبابة أو مدرعة مدى مدفعها المجدي ثلاثة كيلو متر، وهناك طائرة هليوكوبتر المدى المجدي لمدفعها سبعة كيلو متر، يمكن طائرة واحدة تدمر مئتي دبابة ،
فإذا كان الطرفان بعيدين عن الله عز وجل الذي عنده سلاح مداه 7 كيلو متر ينتصر على سلاح مداه 3 كيلو متر ، ممكن قصف من إيطاليا والقصر في العراق ، إذا لا يوجد بالطرفين إيمان فالأقوى ينتصر ، السلاح الأقوى ، السلاح الأدق في إصابته ، التكتل الأقوى ، التقنية الأعلى ، الأقمار الصناعية ، إذا غاب الإيمان حدث ما شئت عن الأقمار الصناعية ، والقنابل الذكية ، كل ما يقال حول الأسلحة الحديثة صحيح في ظل البعد عن الله عز وجل ، أما إن وجد الإيمان فالمعادلات كلها تتغير ، إن وجد الإيمان فالله عز وجل يعطل هذا الحشد الكبير .
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)﴾
ويقوي المؤمنين ويحفظهم .
إذاً : ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ هناك نصر استحقاقي ، كانتصار الصحابة الكرام في بدر ، و يوجد نصر تفضلي ، كانتصار الروم على الفرس ، وقد فرح الصحابة الكرام بهذا النصر التفضلي ، و يوجد نصر مبدئي أن يموت الإنسان موحداً مؤدياً لعباداته ، ويوجد نصر كوني الأقوى ينتصر ، صاحب السلاح الأكثر دقة ينتصر .
وفي درس آخر إن شاء الله نتابع الآيات المتعلقة بهذه المعركة .
الملف مدقق